جورج فيلهلم فريدريش هيغل

جورج فيلهلم فريدريش هيغل (بالألمانية: Georg Wilhelm Friedrich Hegel) (27 أغسطس 177014 نوفمبر 1831) فيلسوف ألماني ولد في شتوتغارت، فورتيمبيرغ، في المنطقة الجنوبية الغربية من ألمانيا. يعتبر هيغل أحد أهم الفلاسفة الألمان وأكثرهم تأثيرًا في المذاهب الفلسفية الحديثة، حيث يعتبر أهم مؤسسي المثالية الألمانية في الفلسفة في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي وأوائل القرن التاسع عشر الميلادي. طور المنهج الجدلي الذي أثبت من خلاله أن سير التاريخ والأفكار يتم بوجود الأطروحة ثم نقيضها ثم التوليف بينهما. كان هيغل آخر بناة «المشاريع الفلسفية الكبرى» في العصر الحديث. كان لفلسفته أثر عميق على معظم الفلسفات المعاصرة. وتحقق تأثيره البارز على تطور الفكر السوسيولوجى عبر كارل ماركس والماركسية.

جادل هيجل في المقولة التي تفيد بأنه لكي نفهم أي ثقافة من الثقافات الإنسانية، يجب أن نعيد تتبع وفهم تاريخها. وقد ركز هيجل كثيرًا على أهمية الفهم التاريخي لتطوير الدراسة التاريخية للفلسفة، والفن، والدين، والعلم، والسياسة. وانتشر المنهج التاريخي للثقافة الإنسانية الذي أشاعه هيجل حتى خارج حدود ألمانيا.

ويمكن للمهتم بفلسفة هيجل أن يجد نقطة بداية جيدة فى كتابه المعنون فينومينولوجيا الروح (المنشور عام 1807). ويعد كتاب بيتر سينجر بعنوان "هيجل" (الصادر عام 1983)، مدخلاً ممتازاً للتعرف على الرجل وأعماله.

وهناك عبارة شهيرة تقول "إن ماركس قد أوقغ هيجل على رأسه"، وهي تعني أن ماركس قد أعطى أولوية للتاريخ الاقتصادي والاجتماعي والسياسي على حساب تاريخ الأقكار، ولكنه حافظ على المنهج الجدلي. ويمكن أن نلمس تأثيراً لهيجل وطريقته فى التفكير فى أعمال جورج لوكاتش ومدرسة فرانكفورت.

حياته

الطفولة والمراهقة

ولد جورج ويلهلم فريدريش هيجل في شتوتجارت بألمانيا بتاريخ 27 أغسطس عام 1770 لعائلة بروسية (نسبة إلى بروسيا) ترجع إلى أصول نمسوية وتنتمي إلى البورجوازية الصغيرة، رأسها كان من أولئك الذين أخلصوا لمذهب مارتن لوثر في الإصلاح الديني، فاضطر إلى مغادرة مقاطعة إستريا في النمسا في القرن السادس عشر ولجا إلى مقاطعة «فورتيمبيرغ» وهنا احتلت الأسرة مراكز مدنية ودينية. فكان منها القساوسة، ومنهم من قام سنة 1759 بتعميد الشاعر الألماني المعروف فريدرش شلر. أما أبو هيجل فقد استقر في عاصمة الولاية، شتوتغارت، حيث كان موظفاً في إدارة الولاية في الدولة البروسية، بينما كانت أمه ابنة محام في المحكمة العليا.

توفيت أمه بسبب حمى الضنك وهو في الثالثة عشرة، فظل يذكرها حتى نهاية عمره. أصيب هيغل ووالده بالحمى لكنهما تعافيا منها. دخل هيغل المدرسة في سن الثالثة. وحين دخل «المدرسة اللاتينية» في سن الخامسة كان بالفعل يعرف الأبجدية اللاتينية التي سبق أن علمته أمه إياها. في سن السادسة التحق بمدرسة متقدمة في شتوتغارت. في فترة المراهقة كان هيغل قارئا نهما، وكان ينسخ مقاطع طويلة مما يقرأ. من الكتاب الذين كان يقرأ لهم: الشاعر فريدريش غوتليب كلوبشتوك وكتاب عصر التنوير مثل إفرايم ليسينغ.

كان هيجل في أثناء دراسته في شتوتغارت تلميذاً مجداً نموذجياً ممتازاً بين أقرانه، لكن من حيث الخطابة كان متخلفاً فلم يكن على حد تعبير مدرسيه خطيباً مبرزاً . وقد بقي لدينا من حياته الأولى يومياته التي أخذ في كتابتها من سنة 1785 - سنة 1787. وقد نشرها روز نكرانتس في كتاب بعنوان «حياة هيجل» (ص 431 - 461). وهذه اليوميات عبارة عن سلسلة من النقط فيها سرد تسلسل حياته وخواطره عن قراءاته، ويذكر فيها تأثره بأستاذه ليفلر Laffier الذي نظر إليه هيجل على أنه ممتاز مي حيث المذهب والخلق.

كذلك نجده في هذه الفترة يعكف على الدراسات الكلاسيكية، ومن بين ما قام به أن ترجم وهو في هذه السن المبكرة «متن الأخلاق» لأبكتاتوس، كما ترجم رسالة لونجينوس، وبعض فصول المؤرخ نوكيديدس ومسرحيات سوفوكليس ويوريفيدس، وقد ظل شديد الأعجاب بمسرح سوفوكليس حتى آخر عمره. وكان لهذا التكوين الكلاسيكي أثره البالغ في اتجاهات هيجل وفيما كتبه بعد عن علم الجمال، فكشف عن معرفة وثيقة بالتراث الكلاسيكي، وكانت أطروحة هيغل للتخرج من الثانوية بعنوان «حالة ركود الفن والمعرفة في تركيا».

وفي نفس الوقت أي في العشرين سنة الأولى من حياته، كانت الحركة التنويرية قد بلغت أوجها، وأخلت السبيل أمامها لحركة جديدة هي حركة العاصفة والاندفاع Sturm und Drang التي مهدت بدورها لقيام بحركة الرومانتيكية والثورة. وهكذا تجاذبت هيجل الشاب نزعتان متعارضتان: نزعة التنوير العقلية الخالصة، ثم نزعة الثورة التي هي خليط من الصوفية والنزعة إلى الأسرار ما يتمثل في الحركة الرومانتيكية. وهنا نجده يتأثر بزعماء التنوير والعاصفة والاندفاع فتأثر من أصحاب نزعة التنوير بنقولاي Nicolai وليسينغ Lessing وزولتز Soluz.

كلية اللاهوت

بعد أن أنهى هيغل دراساته الثانوية في مدينته الأصلية شتوتغارت، انتقل عام 1788 إلى مدينة توبينغن (تبعد حوالي 45 كم) ودخل إلى كلية الإلاهيات الشهيرة بجامعة توبنغن. وهذه الكلية كانت كلية بروتستنتية لتخريج القساوسة الانجيليين وتخرج منها مشاهير مثل: يوهانس كيبلر ومعاصرون وأصدقاء لهيغل مثل فلاسفة المستقبل فريدرش هولدرلين وفريدريك شيلنغ وفيما بعد دافيد ستراوس. وهناك درس التاريخ وفقه اللغة الألمانية والرياضيات بصحبة صديقه «هولدرلين» الذي سيصبح شاعراً كبيراً فيما بعد، وقد نشأت بينهما صداقة حميمة وعميقة، وصديقه الآخر «شيلينغ» الذي سيصبح فيلسوفا. وكانوا يتشاركون الغرفة نفسها. لم يكن الثلاثة مرتاحين لما اعتبروه جوا متزمتا في الكلية. وكانوا يتأثرون بأفكار بعضهم البعض. كانوا جميعهم يقدرون عصر هلنستي، وكان هيغل خاصة في تلك الفترة معجبا بجان جاك روسو وإفرايم ليسينغ وإسبينوزا. تابعوا أحداث الثورة الفرنسية وكانوا متحمسين لها. كان «شيلنغ» و«وهولدرين» يستغرقان في نقاشات حول الفلسفة الكانتية وكان هيغل بمعزل عن تلك النقاشات. أراد هيغل في حينها أن يصبح «فيلسوفا شعبيا» (بالألمانية: Popularphilosoph) ومهمته أن يبسط أفكار الفلاسفة الغامضة ويجعلها متاحة للجمهور. لم يظهر هيغل اهتماما نقديا بالفلسفة الكانتية حتى عام 1800.

كان هيغل الشاب راديكاليا، رحب بثورة القرن الثامن عشر الفرنسية. وتمرد على النظام الاقطاعي للملكية البروسية، ولكن الرجعية التي حلت في كل أنحاء أوروبا بعد سقوط امبراطورية نابليون أثرت في طريقة هيغل في التفكير. ظهرت الفلسفة الحديثة، والثقافة، والمجتمعَ في نظر هيغل عناصر مشحونة بالتناقضاتِ والتَوَتّراتِ، كما هي الحال بالنسبة للتناقضات بين الموضوعِ وجسمِ المعرفةِ، بين العقلِ والطبيعةِ، بين الذات والآخر، بين الحرية والسلطة، بين المعرفة والإيمان، وأخيرا بين التنوير والرومانسية.

كان مدة الدراسة في جامعة توبنغن خمس سنوات، حظي فيها هيجل بأساتذة متازين، تركوا في تكوينه الفكري أكبر الأثر، ولكن أكبر أثر هو الذي تركه فيه زميلان في الدراسة أولهما الشاعر الممتاز هولدرلين أكبر شعراء الحركة الرومانتيكية بعامة، والألمانية بخاصة، وكان شديد الحماسة للمثل الأعلى اليوناني والثقافة اليونانية، عبر عن ذلك في قصائده الفريدة خصوصاً قصيدة «خبز وخمر» ثم في روايتي «هييريون» و«أنباذقليس». فملأ هيجل حماسة للروح اليونانية وأثار فيه نفحة شعرية جعلت هيجل يتجه في شعره الذي نظمه في مطلع شبابه اتجاهاً قريب الصلة من اتجاه هولدرلين. أما زميله الآخر فهو الفيلسوف شيلنغ، وهو وإن كان يصغر هيجل بخمس سنوات فقد كان مبكر النضوج والعبقرية إلى أقصى حد، وقد أثر فيه شلينغ من حيث رفضه النزعة الذاتية، واتجاهه إلى إنشاء فلسفة جديدة تجمع بين الطبيعة والروح، بين اسبينوزا وكانت، وبين روسو وفشته، فلسفة يريد منها أن تكون بمثابة دين جديد للعالم الجديد الذي في حالة غليان.

هذا العالم الجديد هو عالم الحماسة لإصلاح أحوال الانسان الذي أبدعته الثورة الفرنسية، التي شبت في سنة 1789 فأثارت الحماسة في جميع مثقفي أوروبا خاصة الشباب، حتى أن هيجل، ونفراً من زملائه، أنشأ نادياً يعمل لبث مبادىء الثورة الفرنسية بين الطلاب. غير أن هيجل لم يكن شديد الحماسة مثل هؤلاء، بل كان أكثر اتزاناً منهم حتى كان ينعت بينهم بالشيخ العجوز. لكن هذا كان نتيجة الميل السابق لديه للتفكير وعدم الحماسة الطاغية المفتعلة، لكنه من الناحية الفكرية، أي، من ناحية الآمال التي اختلجت في نفسه هو وزملاؤه بقصد تمجيد الانسانية وعبادة العقل ورفع الإنسان مكانة عالية، كل هذا شارك فيه هيجل زملاءه هؤلاء، وإن كانت حاسته الظاهرة أقل منهم نتيجة لاختلاف طبعه عن هؤلاء.

ولدينا رسالة كتبها شلينغ إلى هيجل تبين اتفاق أخلاقهم (هيجل وشلينغ وهولدرلين) قال شلينغ: «إن الشعر سيصل إلى الدرجة التي يرى فيها الإنسانية، لأنه لن تكون ثمة فلسفة ولا تاريخ بل الشعر وحده هو الذي سيعيش بعد وفاة سائر العلوم والفنون، إننا في حاجة إلى «ميثولوجيا» جديدة، لكن هذه الميثولوجيا ينبغي أن تكون في خدمة العقل، وطالما لم تحول الأفكار إلى أعمال فنية، أي إلى اساطير، فإن هذه الأفكار لن تكون لها أية فائدة بالنسبة للشعب، وأصحاب الكشف ينبغي عليهم أن يصافح بعضهم بعضاً، والميثولوجيا ينبغي أن تصبح فلسفة، والشعر ينبغي أن يكون ذا نزعة عقلية شعرية، والفلسفة ينبغي أن تأخذ طابع الميثولوجيا، ابتغاء أن تجعل الفلاسفة حاضرين في العالم الحسي. هنالك تسود وحدة سرمدية فيما بيننا؛ وهنالك لن يزدري الشعب حكماءه ولا كهنته، ولأول مرة نستطيع أن نصل إلى النمو المتساوي لكل القوى ولكل فرد ولكل الأفراد. ولن تكبت أية قوة. وهنالك ستسود الحرية والمساواة بين العقول. إن روحاً عالية مبعوثة من السماء ينبغي أن تتبنى هذا الدين الجديد، الذي سيكون آخر آعمال الإنسانية» (وثائق... من 220 - 2021).

ولئن كان هيجل لم يرد على صاحبه المتحمس، فإنه لم يكن أقل منه إيماناً بالعقل الذي ألهه روببير، أما أساتذته في هذه الكلية، فهم وإن هاجموا كانت، فإنهم تأثروا به مع ذلك. ومن هنا أثروا في هيجل فجعلوه يعنى بكانت وهيوم ما جعل هيجل يبتعد شيئاً وشيئاً عن النزعة الدجماطيقية السائدة لدى أساتذته.

ولدينا. من هذه الفترة بعض ما كتبه هيجل، وقد نشر جزءا منه روزنكرنتس في كتابه المذكور آنفا، ثم نشره كاملاً أحد كبار المختصين بهيجل وهو نول Nohl في كتابه «مؤلفات هيجل الدينية في شبابه» وقد ظهر سنة 1907.

العمل في برن وفراكفورت

درس هيجل الفلسفة في كلية الإلاهيات عامين، وأتم امتحان الفلسفة سنة 1790 ثم تعليمَه في كلية توبينغر شتيفت (Tübinger Stift - كلية الكنيسة البروتستانتية في فورتيمبيرغ) وخاض امتحان اللاهوت سنة 1793، وبذلك أصبح ما كان يسمى باسم «حامل الأهلية اللاهوتية».

لكن هيجل وقد حصل على أهلية اللاهوت لم يمارس مهنة القسيس لأنه لم يبد أي ميل إلى هذه المهنة، بل أراد أن يسلك السبيل الذي سلكه كانت وسيسلكه زملاؤم فشته وشلينغ، فاشتغل مدرساً خصوصياً، وظل في هذه المهنة سبع سنوات حتى سنة 1800، ذلك أنه بعد أن بقي فترة طويلة عند أهله قبل أن يشغل وظيفة مدرس خصوصي مدة ثلاث سنوات في مدينة برن Bern عاصمة الإتحاد السويسري لدى أسرة أرستقراطية هي آل «شتيجرا»، وظل يدرس لصبي وفتاتين حتى سنة 1796، وعلى الرغم من تفاهة هذا العمل فقد أفاد من مقامه في برن إفادة كبرى إذ استفاد من ملاحظة كيفية التركيب الاجتماعي والسياسي لمجتمع الأشراف في برن، ولاحظ ألاعيب السياسة في هذه المدينة، وعرف عن قرب مناورات السياسيين، مما سيكون له أثر فيما بعد في اهتمامه البالغ بالسياسة، لقد كتب في ذلك إلى شلينغ يقول إن المؤامرات والدسائس في قصر إمبراطور ألمانيا لا تعتبر شيئاً أمام ما هنا في برن، ولا بد لمن يريد أن يعرف هذا الدستور الأرستقراطي أن يمضي هنا فترة عيد الفصح، وهي الفترة التي يتم فيها تجديد انتخابات مجلس المائتين. وهنا أيضاً في برن تابع دراساته اللاهوتية، لأنه كان يعتقد أن دراساته الأساسية هي دراسة اللاهوت، كما جاء في رساثل كثيرة بقيت لنا، نشرها روزنكرانتس ثم نول، وفي هذه الفترة كتب بعض الرسائل الدينية التي لا بد من أخذها بعين الاعتبار في كل دراسة لهيجل.

وفي هذه الفترة كذلك قام بنقد عنيف للنظم السائدة عند أسر الأشراف في برن، ولاحتكار طبقة النبلاء للسلطة، كما نقد الصراع العنيف بين برن والأقاليم التي تتكلم الفرنسية في سويسرا؛ ثم كتب عن أحوال مقاطعة فورتمبورج وعن الوضع الروحي في ألمانيا في بحث بعنوان «الحرية والمصير». أما من الناحية الدينية فقد ألف كتابه الذي عرف فيما بعد باسم «حياة يسوع» وكان عنوانه الأصلي «إيجابيات الدين المسيحي». تناول فيه حياة المسيح بروح علمية فاستبعد كل المعجزات، وعرض حياته عرضاً بسيطاً اعتمد فيه على الحقائق المعقولة الواردة في (( الأناجيل «، وقد نظر إلى المسيح على أنه إنسان سام طاهر مكافح من أجل الفضيلة والحقيقة والحرية ، أي أنه استبعد الجانب الالهي في المسيح ، ومن الطبيعي أنه بهذا قد ابتعد بعداً ظاهراً عن المسيحية السنية .

ومن ناحية أخرى نراه يكتب بحثاً بين سنة 1795 وسنة 1996 يبحث في مشكلة وجود الأديان الوضعية إلى جانب الأديان العقلية. ويبين كيف يمكن استخلاص هذه الأديان الوضعية، والعكس: أي كيف أمكن أن تنشأ الأديان الوضعية عن الأديان العقلية. وهذا البحث كتب بلغة جيدة، وفيه قام بحملة شعواء على أعلال الكنائس الرسمية.

ثم نجده في سنة 1795 يكتب إلى شلينغ قائلاً إنه استأنف دراسة كانت واهتم خصوصاً برأي كانت القائل بأهمية العقل العملي والقيم المطلقة للشخصية الأخلاقية، لكنه مع ذلك في بعض هذه الرسائل يعود فيستخدم وجهة نظر فشته وشلينغ.

ثم بدأ ينشر بعض مؤلفاته وهي في اتجاه فلسفة فشته، وفيها تحلل من سيادة النزعة الكانتية. فتأثر هيجل بما كتبه شلينغ تأثراً واضحاً حتى أعلن أنه من أتباع شلينغ قائلاً «ما أنا إلا تلميذه». وفي هذه المؤلفات يكشف شلينغ عن نزعة إلى وحدة الوجود على أساس نقد «كانت» ونقد «اسبينوزا» وهذا هو ما تأثر به هيجل من كتب شلينغ هذه.

لكن شلينغ اتجه خصوصاً إلى فلسفته الطبيعية، بينما كان هيجل أكثر عناية بفلسفة التاريخ، ومن هنا رأى أن الشيء المؤثر قبل كل شيء هو التطور الذي يجري على مر الزمان. ولهذا رأى أن مهمته في مواجهة سائر الفلاسفة أن يعني بالظواهر التاريخية، فنظر إلى مبدأ التاريخ على أنه يؤلف وحدة وأنه يقوم على أساس عقلي مطلق.

وقد ساعد على توجيه هيجل في هذا الاتجاه صديقه هولدرلين الذي كان شديد الحماسة لتمجيد الطبيعة والنظر إليها على أنها قبل كل شيء كل حي. وقد عبر هيجل عن هذه الروح الجديدة في قصيدة له تعد خير ما كتب من قصائد على قلة ما نظم، وقد أهداها إلى هولدرلين في أغسطس سنة 1796 وعنواها Eleusis: من حولي وفي داخل نفسي سلام؛ والهموم الدائمة ترفد في صدور المهمومين والمشغولين، أما أنا ففي نفسي حرية وسلام. ألا بوركت أيها الليل الذي حررتني ... ألخ.»

في تلك الفترة توترت علاقته بالأسرة التي كان يعمل لديها، وفي أغسطس سنة 1796 عرض عليه صديقه هولدرلين أن يقوم بوظيفة مدرس عند أسرة أخرى في فرانكفورت، فوافق هيجل، رغبة في العودة إلى ألمانيا فدخلها في مستهل سنة 1797، وهنا أفاد من الاتصال المباشر بصديقه هولدرلين، وكان لهذا أثر بالغ في تكوينه الروحي وفكره، وكان هولدرلين حسن المظهر، وكان معلماً خصوصياً في بيت تاجر هو جونتارد وكان هذا رجلاً فظاً.

أما هيجل ففي أثناء إقامته في فرانكفورت تابع دراسته السياسية والدينية واهتم خصوصاً بالدراسات السياسية، وكتب شرحاً على الترجمة الألمانية لكتاب الإقتصاد السياسي تأليف ستيوارت Stewart، وهذا الشرح فقد وإن كان روزنكرانتس رآه بعينه. ثم ألف رسالة عن الدستور السياسي لفورتمبورج بين فيه مفاسد النظام الأوتوقراطي والبيروقراطي الذي كان سائداً في فورتمبورج، وطالب بايجاد هيئة منتخبة أمينة واسعة العقل، لكنه أظهر شكه في إمكان قيام مثل هذه الهيئة. والروح التي تشيع في هذا البحث هي روح النزعة العقلية والتأثر بأفكار الثورة الفرنسية وروادها.

ومن ناحية أخرى استأنف دراساته الدينية النقدية؛ ولكنه كان أكثر عطفاً على الأديان الوضعية مما كان من قبل. فنظر إليها عن أنها لا ينبغي أن يحكم عليها بل ان تفسر فحسب. وتابع دراساته الفلسفية، وأصبحت في نظره هي الرسالة الحقيقية التي يجب أن يعمل لها في حياته، وكتب شرحاً على مذهب القانون ونظرية الفضيلة عند كانت. ولكن هذين الشرحين فقدا. ودرس مذهب المثالية المتعالية لشلينغ، وتابع الدراسات الكلاسيكية (أفلاطون وسيكتوس أمبريكوس) وتأثر في هذا الوقت الفيلسوف الصوفي ذا النزعة الكشفية فرانتس بادر Franz Baader وشرح بعض مؤلفاته، واهتم تبعاً لهذا التأثير بدراسة كبار الصوفية الألمان وعلى رأسهم إكهارت، كذلك وضع مجمل المذهب في الفلسفة والذي لم يبق منه إلا ثلاث صفحات وفقد الباقي.

ويعد النواة الأولى للفلسفة الهحيجلية وفيه يقول: «إن أساس الأشياء هو الحياة، أما الدين فهو رفع الحياة النهائية إلى مستوى الحياة اللانهائية».

أثناء عمله في فرانكفورت، كتب هيغل مقالات مثل: «شذرات عن الدين والحب» و«روح المسيحية ومصيرها» ولم تنشر هذه الأعمال في حياته. ومقال آخر بعنوان «أقدم نظام للمثالية الألمانية» الذي يُعتقد أنه كتبه عام 1797، لكنه لم ينشر إلا عام 1926.

جامعة يينا

ثم بدأت مرحلة جديدة بوفاة والده في شتوتجارت (يناير سنة 1799) فقد أصبح وريثاً لمبلغ سمح له بالتطلع للدراسة الأكاديمية، وكان شلينغ قد سبقه في هذا الميدان وبلغ كأستاذ ممتاز، بينما كان هيجل لا يزال مغموراً، فقد عين شلينغ سنة 1798 أستاذاً للفلسفة في جامعة يينا Jena (ينا تبعد 300 كم عن فراكفورت). وقام بالتدريس إلى جانب فشته طوال فصل الدراسة، وبعد رحيل فشته أصبح شلينغ الشخصية الرئيسية من الناحية الفلسفية في يينا، وكتب هيجل إلى شلينغ يطلب النصيحة، ثم جاء إلى يينا Jena سنة 1801 وظل حتى سنة 1807، وكانت جامعتها صغيرة الحجم. ولكنها بلغت شهرة كبيرة في نهاية القرن الثامن عشر، حتى أصبحت بمثابة هيكل الفلسفة الكانتية. فقد أنشىء فيها كرسي للفلسفة الكانتية، درس فيه راينهولد وفشته؛ وهنا أيضاً في يينا قام بالتدريس الشاعر شلر الذي درس التاريخ، وهنا كانت تصدر المجلة الفلسفية المخصصة لفلسفة كانت وكانت تسمى «المجلة الأدبية الييناوية». ثم بعد رحيل فشته أصبحت الجامعة مركز الحركة الرومانتيكية، فقد أقام فيها الأخوان شليجل وتيك وشلينغ لكن هذه الجامعة أصابها شيء من التدهور بعد أن فارقها فشته وشلر والأخوان اشليجل وتيك. ومع ذلك ظلت من الناحية الفلسفية قلعة للدراسات الفلسفية،

بدأ هيغل سلك التدريس الجامعي في أول أغسطس سنة 1801، بالعمل في الجامعة محاضرا متعاوناً (بدون راتب) بعد أن قدم أطروحة دكتوراه عن «أفلاك الكواكب». وفي شتاء سنة 1801 قام بالتدريس فألقى محاضرات في المنطق والميتافيزيقا. لكنه في صيف سنة 1802 لم يجد طلاباً فانقطع عن التدريس، غير أنه استأنفه في الشتاء بعدد يتراوح بين عشرين وثلاثين طالباً، واستمر أربعة فصول دراسية زميلاً لشلينغ يزامله في التدريس والمناقشات الفلسفية التي تدور في الجامعة. وشارك في تقديم فصلين دراسيين مع صديقه «شيلينغ» أحدهما كان بعنوان «مقدمة عن فكرة وحدود الفلسفة الحقيقية». في عام 1802 اشترك شيلينغ وهيغل في إصدار دورية «مجلة النقد الفلسفي» واستمرت سنة واحدة.

ترك شلنج الجامعة هو وعدد غير صغير من الأساتذة وانتقل إلى جامعة فورتسبورغ Würzburg ولم يكن لهيجل ما كان لفشته وشلنج من التأثير على الطلاب، وبهذا ظل تأثير هيجل محصوراً في عدد قليل من التلاميذ لكنه بدا لهؤلاء كأنه كاهن يرطن رطانة بلغة لا يفهمها أحد، وفي أثناء مقامه في يينا صادق أحد الفلاسفة المتأثرين بكانت وهو نيتهامر Niethamer وبعد رحيل فشته عين نيتهامر هذا أستاذاً للاهوت، وقد ساعد نيتهامر هيجل مساعدات عديدة، وفي يينا ظهر لهيجل أول كتاب نشره هو، وهو كتاب عن «الفرق بين فخته وشيلنغ في النظام الفلسفي»، وظهر في يوليو سنة 1801، ثم ظهر له بحث آخر هو رسالة أهلية التدريس التي ذكرناها من قبل عن الأفلاك والكواكب، فيه يفسر نظرية كبلر التي تقول بوجود نظام معقول في حركات الكواكب، وهو يرفض فكرة النظام الآلي في سير الكواكب ويريد أن يحدد المسافة والسرعة والحركة التي لها.

في 1805 رقت الجامعة هيغل إلى منصب بروفيسور (لكن دون راتب) بعد أن أرسل هيغل رسالة إلى وزير الثقافة وقتها يوهان فولفغانغ فون غوته احتج فيها على ترقية الجامعة لخصمه فرايز جاكوب فريدريش.

وكذلك ينتسب إلى فترة يينا مجمل المذهب الذي رسمه هيجل ونشره كل من هايم وروزنكرانتس ولكنهما نسباه إلى فترة فرانكفورت.

لكن أهم أثر لهيجل في هذه الفترة وأول كتبه الكبرى هو كتاب «ظاهريات الروح» (أو العقل). وقد أراد في هذا الكتاب أن يعطي مدخلاً يبين فيه كيف توالت المراحل المختلفة للشعور من مرحلة الشعور البدائي الحسي إلى مرحلة الوعي الفلسفي الكامل الذي فيه يتبين للوعي أنه هو والمطلق شيء واحد. ساءت أوضاع هيغل المالية، واضطر إلى الإسراع في إنجاز الكتاب الذي سيقدم فيه نظامه الفلسفي. وقد نشره هيجل أول ما نشره (بوصفه القسم الأول من مذهبه في العلم) أثناء معركة يينا (في 14 أكتوبر سنة 1806 وقد انتصر فيها نابليون على البروسيين).

فبينما كان هيغل يضع اللمسات الأخيرة لكتابه ظواهرية الروح، غزا نابليون بروسيا في أكتوبر 1806، فيما عرف باسم «معركة جينا وأورشدت» ضمن حرب التحالف الرابع. قبل يوم من المعركة، كتب هيغل رسالة بين فيها مشاعره تجاه نابليون إلى صديقه من أيام الكلية «فريدرك نيتهامر»، قال فيها:

«رأيت الإمبراطور -بطل هذا العالم- يمشي في المدينة يستطلع. إنه لشعور رائع أن ترى مثل هذا الشخص هنا في هذه اللحظة، ممتطيا جواده يجول في هذا العالم ويخضعه. هذا الرجل المذهل، يدفعك حتما لاحترامه.»

وبهذا الكتاب بدأ الخلاف في المذهب يدب بين هيجل وزميله وأستاذه شلينغ. فإنه في هذا الكتاب شرح مذهب شلينغ، ولكنه في المقدمة نبذ هذا المذهب حتى أنه حينما تلقى هذا الكتاب رد عليه برسالة باردة كانت آخر رسالة تبودلت يين الصديقين والزميلين، وانتهت صداقتهما بل انقلبت إلى عداوة سافرة ونفاسة بين كليهما، ولم ير أحدهما الآخر إلا بعد عدة سنوات وبالصدفة في بلدة كارلزباد. وبنشر «ظاهريات الروح» تنتهي الفترة التي تسمى باسم فترة يينا. ولقد كان مركزه في يينا من الناحية التدريسية مركزاً قلقاً، إذ كان مجرد مدرس خصوصي، واستطاع بفضل نفوذ جيته أن يعين أستاذاً بغير كرسي سنة 1805 وأصبح يتقاضى مرتباً ثابتاً.

بيد أن الجيوش الفرنسية احتلت مدينة يينا سنة 1806 ونهبتها، فاضطر هيجل إلى اللجوء إلى منزل أحد تلامذته (جبلر) وبعد نهب المدينة أصبح هيجل في حالة من العوز والضيق التام حتى لجأ إلى صديقه نيتهامر كذلك تلقى المعونة من جيته وبالجملة فقد قضى فترة عصيبة، ومع ذلك عقد قرانه في هذه الفترة وأنجب ولدين.

جامعة هايدلبرغ

سرعان ما تبرم هيجل بجامعة يينا، واتجه ببصره إلى مدينة هيدلبرغ، فحاول التوسط ليحظى بمنصب في الجامعة الناشئة جامعة هايدلبرغ لكنه لم يفلح. لسوء حظه عين خصمه «فرايز» في تلك الجامعة أستاذا دائما براتب كامل. واشتغل بالصحافة وأصبح رئيس تحرير جريدة بامبرج سنة 1807، وكانت جريدة بامبرج صحيفة يومية محدودة الانتشار، ومع ذلك ظل هيجل يشغل هذه الوظيفة كما تدل على ذلك خطاباته إلى نيتهامر .

كذلك وبعد هذا تيسر له بفضل هذا الصديق الذي ينجده دائماً أن يقوم بالتدريس في المدرسة الثانوية في نورمبرج على الرغم من قلة المرتب وضآلة المركز، وظل في هذه حتى سنة 1816. وهي فترة أبدى فيها نشاطاً غزيراً، ونعم فيها بالراحة. وقد كان يدير منصبه بذكاء ودقة وتزوج في 20 سبتمبر سنة 1811، وبالجملة فإن هذه الفترة لا ينتسب إليها من ناحية التأليف غير كتاب «المدخل الفلسفي»، الذي نشر على أنه الجزء الثامن عشر من مجموع مؤلفاته، وهذا الكتاب هو الدروس التي ألقاها على الطلاب في مدرسة نورمبرج الثانوية. وفي سنة 1816 تحقق أمله المرموق منذ عهد بعيد، وهو أن يصبح أستاذاً في جامعة هيدلبرج، وهذه ما زالت حتى الآن من أهم الجامعات الألمانية في الدراسات الفلسفية والإنسانية بعامة. وقد بدأ دروسه في شتاء سنة 1816. والفترة التي قضاها في نورمبرج تمتاز «بالمنطق الكبير» الذي نشره في مجلدين من سنة 1812 إلى سنة 1816، أما فترة هيدلبرج فكانت فترة إنتاج أغزر وأهم. فقد استقرت فلسفته في هذه الفترة وأهم ما كتبه فيها هو كتاب «دائرة معارف العلوم الفلسفية» وقد ظهرت سنة 1817 واتخذ منها أساساً لمحاضراته في تلك الجامعة، وفيما عدا هذا فليس له غير مقالات نقدية بين الحين والحين في حوليات هيدلبرج. وعلى هذا فإن فترة بينا تمتاز بكتاب «ظاهريات العقل»؛ وفترة نورمبرج تمتاز بكتاب «المنطق الكبير»؛ وفترة هيدلبرج تمتاز بكتاب «موسوعة العلوم الفلسفية».

جامعة برلين

ثم أتيحت له فرصة أفضل هي الأستاذية في جامعة برلين عاصمة بروسيا، وكان فشته أستاذاً مرموق المكانة فيها، ولكن فشته توفي في 27 يناير سنة 1814، وكان هيجل يكره العسكرية البروسية، أما الآن وبعد احتلال نابليون فقد مال إلى العسكرية على أساس أن بروسيا هي التي حررت ألمانيا من نير نابليون. ومن هنا بدا له أن بروسيا هى المثل الأعلى للدولة الحربية. ومن ناحية أخرى ضاق ذرعاً بهيدلبرج لأنها على الرغم من مكانتها كجامعة فهي في وسط محدود لم يكن كافياً لنشر فلسفته، فاتجه ببصره إلى العاصمة البروسية، برلين، بعد وفاة فشته سنة 1814 ظفر بهذ المنصب الذي ساعده فيه بعض زملائه وعين أستاذاً في جامعة برلين وبدأ دروسه في 28 أكتوبر سنة 1818 بمحاضرة نشرت فييا بعد مقدمة «لموسوعة العلوم الفلسفية».

وألقى خصوصا محاضرات في فلسفة القانون واتخذ «موسوعة العلوم الفلسفية» أساساً لدراسته، ومن ثم انتشرت الهيجلية بل أصبحت البدعة الفلسفية السائدة في ألمانيا، وبعد أن كان عدد طلابه محدوداً توافد عليه المئات من الطلاب من كل أنحاء ألمانيا، بل أصبح الإيمان بالهيجلية مما يرشح للوظائف العليا في الإدارة البروسية، وانتشر تلاميذه يلقون المحاضرات ويعقدون الندوات شرحاً لفلسفته.

وابتداء من سنة 1823، بدأ بعض المدرسين في إلقاء المحاضرات في الجامعات عن فلسفة هيجل، ومن بين تلاميذه المشهورين في هذه الفترة ليوبولدفون هننج وجانس Gans ومارهينكه Marheineke وبومان Boumann عملوا فيما بعد على نشر مؤلفات أستاذهم بعد وفاته، ولكن أشهر هؤلاء جميعاً روزنكرانتس (سنة 1805 - سنة 1870) وهو الذي نشر كتب وسيرة حياة هيجل ومؤلفات الشباب، ثم إردمان (سنة 1803 — سنة 1892) وهو مؤرخ له في تاريخ الفلسفة كتاب مشهور، ثم كونوفشر وهو من أشهر مؤرخي الفلسفة الحديثة إن لم يكن أعظمهم جميعاً.

ومن ناحية أخرى ظهر تلاميذه الذين سيكون لهم تأثير ضخم فيما بعد، ولكن في اتجاه اليسارية الهيجلية وهم أولاً فريدرش اشتراوس Strauss صاحب كتاب «حياة المسيح» المشهور الذي أحدث ثورة في كتابة تاريخ المسيح وتاريخ المسيحية. ثم فويرباخ Feuerbach الذي حضر محاضرات هيجل سنة 1824 - سنة 1826 ورأى عدم إمكان التوفيق بين فلسفة هيجل وأية فكرة دينية، وبالتالي اتجه اتجاهاً عقلياً صرفاً تجاه المسيحية. وقد عبر عن ذلك في كتابه «جوهر المسيحية». أما كارل ماركس فتتلمذ على هيجل من خلال «فويرباخ»، وسوء فهم ماركس لهيجل وتشويه الهيجلية على يد ماركس إنما جاء من تأثير فهم فويرباخ الفاسد للهيجلية.

وبالجملة فقد كانت هذه الفترة التي قضاها في برلين فترة مجد وشهرة من ناحية وقلة إنتاج غريبة من ناحية أخرى؛ فإنه في هذه الفترة لم يصدر عنه إلا كتاب أساسي واحد رغم طول الفترة، هو كتاب «فلسفة القانون» سنة 1821 وفيه لخص ونظم كل الأفكار السياسية الني بثها من قبل في مختلف مقالاته عن الأوضاع السياسية في ألمانيا، ثم مقالات قليلة تافهة في مختلف مقالاته عن الأوضاع السياسية في ألمانيا، ثم مقالات قليلة تافهة في مختلف المجالات. ولقد شاء هيجل أن تصدر مجلة في برلين لنشر مذهبه، وسعى لحمل وزير التربية على إنشاء مجلة رسمية للتعبير عن الهيجلية، بيد أن الوزير رفض هذا الطلب. وبالجملة فان هذه الفترة، فترة برلين هي فترة تأسيس وتوطيد ونشر للهيجلية، أكثر من أن تكون فترة إنتاج لفلسفة هيجل.

وفاته

في شهر أغسطس من عام 1831 اجتاحت الكوليرا برلين فغادر هيجل المدينة إلى مكان قريب يدعى «كروزبرغ» وسكن هناك مؤقتاً. ساءت حالته الصحية وكان نادراً ما يخرج من مسكنه. بدأ العام الدراسي الجديد في أكتوبر، فعاد هيجل إلى برلين، وكان يظن أن وباء الكوليرا قد اختفى من المدينة. وفي 14 نوفمبر عام 1831 مات هيغل بمرض الكوليرا. أما كتبه عن الجماليات وفلسفة الدين وفلسفة التاريخ فلم تنشر إلا بعد موته. يذكر أن آخر كلمات قالها قبل وفاته: «وهو لم يفهمني» ثم فارق الحياة. إنفاذا لوصيته دفن هيجل -في 16 نوفمبر- في مقبرة «دورتنشتات» وسط برلين، بجانب قبري الفيلسوفين الألمانيين يوهان غوتليب فيشته و «كارل فيلهلم فرديناند سولجر». وكان نجاح هيجل قد بدأ ينهار بسبب موقف السلطات الرسمية منه، والسلطات الدينية بوجه خاص، فقد قالت الكنيسة الإنجيلية في قرار خاص أصدرته سنة 1832 إنه خطر على الدين، ورفضت أكاديمية برلين أن يدخل فيها عضواً، ولما مات لم يُسمح بإلقاء تأبين على ضريحه.

وكان ابن هيجل «لودفيغ فيشر» قد مات قبله بقليل أثناء الخدمة مع الجيش الهولندي في جاكرتا، لكن أخبار موت الابن لم تصل إلى هيجل الأب قط. في أول السنة اللاحقة انتحرت أخت هيجل «كرستين» غرقا. تبقى من أسرة هيجل ابنان هما «كارل» الذي أصبح مؤرخا و«إمانويل» الذي اختار طريقا دينيا. عاش الابنان ردحا طويلا وحافظا على تراث والدهما عن طريق نشر كتبه.

فلسفته

طالع أيضاً: فلسفة هيجل

الحرية عند هيغل

يمكن وصف فكر هيغل بأنه بناء وتطوير داخل نطاق التقاليد الأفلاطونية التي تشمل أرسطو وكانت. قد يضاف إلى هذه القائمة أيضا فلاسفة مثل برقليس، أفلوطين، ميستر إكهرت، يعقوب بوهمه، اسبينوزا، لايبنتز، روسو. ما يشترك فيه هؤلاء المفكرون وما يميزهم عن الفلاسفة الماديين مثل إبيقور والرواقيين وتوماس هوبز وعن الفلاسفة التجريبيين مثل ديفيد هيوم، أنهم يعتبرون الحرية والجبر الذاتي كلاهما حقيقي وله آثار وجودية هامة للروح أو العقل أو الإله. هذا التركيز على فكرة الحرية جعل أفلاطون يأتي بفكرة أن الروح لها وجود أسمى أو أكمل من وجود الكائنات الجامدة. رفض أرسطو نظرية أفلاطون عن عالم المثل.

الصيرورة الجدلية

كان لكتابات يعقوب بوهمه الغامضة أثر كبير على هيغل. رأى بوهمه أن «هبوط الإنسان من الجنة» كان مرحلة أساسية في تطور الفضاء الكوني. وأن هذا التطور هو نتيجة إرادة الله لكمال الإدراك الذاتي. جذبت هيغل أعمال إسبينوزا وإيمانويل كانت وجان جاك روسو ويوهان غوته وأثرت فيه الثورة الفرنسية.

ظهرت الفلسفة الحديثة، والثقافة، والمجتمع في نظر هيغل عناصر مشحونة بالتناقضات والتوترات، كما هي الحال بالنسبة للتناقضات بين موضوعِ وذات المعرفة، بين العقلِ والطبيعة، بين الذات والآخر، بين الحرية والسلطة، بين المعرفة والإيمان، وأخيرا بين التنوير والرومانسية. كان مشروع هيغل الفلسفي الرئيسي هو أَن يأْخذ هذه التناقضاتِ والتوترات ويضعها في سياق وحدة عقلانية شاملة، ذكر ذلك في سياقاتٍ مختلفة ودعاه «الفكرة المطلقة» أَو «المعرفة المطلقة».

طبقاً لهيغل، الخاصية الرئيسية في هذه الوحدةِ أنها تتطوّرَ وتتبدى على شكل التناقض Contradiction والسلب Negation. ويكون للتناقض والإنكار طبيعة حركية دائمة في كل مجال من مجالات الحقيقة: الوعي، التاريخ، الفلسفة، الفن، الطبيعة والمجتمع. وهذه الجدلية هي ما تؤدي إلى تطويرِ أعمق حتى الوصول إلى وحدة «عقلانية» تتضمن تلك التناقضات كمراحل وأجزاء ثانوية ضمن كل تطوري أشمل. هذا الكل عقلي، لأن العقل وحده هو القادر على تفهم كُلّ هذه المراحلِ والأجزاءِ الثانوية كخطوات في عملية الإدراك. وهو «عقلاني» أيضا لأن النظام التطوري المنطقي الكامن يقبع في أساس وجوهر كل نطاقات الواقع والوجود، وهو ما يشكل نظام التفكير العقلاني.

طور هيجل نظرية في التاريخ أصبحت معروفة بالجدلية الهيجلية. وقد اعتقد هيجل أن لكل التطورات التاريخية ثلاث خواص رئيسية. أولاً: أنها تتبع مسارًا حتميًّا ـ أي لاتكون قد اتخذت أي مسار آخر. ولفهم التطور التاريخي في أي منطقة من فكر أو نشاط الإنسان، يجب أن نرى لماذا حدثت بالضرورة كما هي. ثانيًا: لا يمثل كل تطور تاريخي تغييرًا فقط بل تقدمًا أيضًا. ثالثًا: ناقش هيجل بأن أي طور من أطوار التطور التاريخي يميل إلى أن يواجه ويستبدل بنقيضه ويميل هذا النقيض، بدوره، إلى الاستبدال بطور يكون حلاً بطريقة ما لمرحلتين متعارضتين. سميت هذه الأطوار الثلاثة للتطور الجدلي التقليدي، في العادة، الفرضية والنقيض والجمع بينهما. إلا أن هيجل لم يستخدم هذه الاصطلاحات.

طبق هيجل نظريته في الجدل على كل مظاهر الحياة البشرية. مثال ذلك أنه قال: "إن المحاولة لتحقيق الإشباع من خلال ممارسة القوة والملكية الخارجية تميل إلى أن تُرفَض في مقابل محاولة تحقيق حالة توافق وهدوء داخليتين. هذا التعارض بين نشاط خارجي وحالة عدم نشاط داخلي للعقل يمكن أن يُحَل عن طريق بُزوغ النشاط الخارجي للفرد من حالة داخلية موافقة. أو إذا طرحنا مثالاً سياسيًا؛ تميل الفترة المحددة بتركيز القوة السياسية في يد شخص واحد إلى أن تتبعها مرحلة تُوزَّع فيها القوة توزيعًا واسعًا. ويمكن حل هذا التعارض، بمرحلة يتم فيها بعض التوزيع وبعض التركيز للقوة. لهذا، يمكن أن تُستبدل الملكية المطلقة بديمقراطية مطلقة، وبدورها تُستبدل الديمقراطية المطلقة بصيغة مماثلة للحكومة".

الوعي

اعتبرت الفلسفة الهيغلية أن الميزة الأساسية للإنسان هي «الوعي بالذات». وأن هذه السمة «تجعله قادرا على الارتداد إلى ذاته، وهي نفسها جوهر الفكر الذي يعني الانعكاس أو الارتداد». استعمل هيجل مفهوم «الوعي» لتأسيس فلسفة شمولية للتاريخ الذي هو المنتوج الأهم للعقل الإنساني. وبناء على ذلك فإن تاريخ العالم -من وجهة نظر هيجل- هو صراع من جانب الروح لتصل إلى مرحلة الوعي الذاتي وهي المرحلة التي تكون فيها حرة عندما تسيطر على العالم. وقد وضح هيجل نظريته في فلسفة التاريخ في كتاب «محاضرات في فلسفة التاريخ» الذي جمع ونشر بعد وفاته.

فلسفته ما هي إلا تعبير عن الكون المطلق (العقل المطلق)، عن نفي النفي والتكامل بين الأضداد. تقوم فلسفة هيغل المثالية على اعتبار الوعي سابقاً للمادة، بينما تقوم النظرية الماركسية على اعتبار أن المادة سابقة للوعي على اعتبار أن المادة هي من تحدد مدارك الوعي وبالتالي يتطور الوعي بتطور المادة المحيطة بالإنسان. فماركس يقول في كتابه مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي: «ليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم، إنما وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم». كان ماركس الشاب أحد رواد حلقات عصبة الهيجيليين ثم انشق عنها مؤلفا فلسفته الخاصة به.

لا تستطيع النظرية الماركسية بماديتها تفسير كل ما يدركه الوعي[من صاحب هذا الرأي؟] ، لأنها تفترض -على المطلق- بأن الوعي هو انعكاس كامل عن المادة، كما يقول ماركس في رأس المال: «عند هيغل حركة الفكر أو الفكرة هي مبدعة الواقع، هذا الواقع لا يعدو كونه الشكل الظاهري للفكرة. وعندي على عكس ذلك، إن حركة الفكر ليست سوى انعكاس الحركة الحقيقية». ولكن إذا سألنا أنفسنا عن ماهية المادة التي أعطت الوعي بعض المفاهيم المثالية كالحق والعدالة والرحمة فإنه لن تكون هناك أية مواد مزودة للوعي الإنساني لتلك المفاهيم، ويرى هيجل أنه لا المادة ولا الوعي البشري يمكن اعتبارها أولية. هناك حقائق مطلقة في هذا الكون كما أسماها هيجل -على المجاز- يعمل العقل البشري بكل من المادة والوعي ضمن علاقة مركبة بينهما (نتيجة لتطور سابق لجوهر أولي مطلق) على اكتشاف تلك الحقائق والنواميس التي تجتاز في حقيقتها وماهيتها حدود المادة القاصرة نفسها على تفسير مثل تلك الظواهر إذا ما حاولنا فهمها بمادية مجردة. قد يمتد هذا الفهم إلى الميتافيزيق نفسه، وهو ما أنكره ماركس تحت مسمى الدين أفيون الشعوب و«زفرة العقول البائسة».

لقد رأى هيجل ان الوصول إلى الوعي من المادة مستحيل، كما يرى الماديون. كما أن استخلاص المادة من الوعي، كما تقول الأديان، مستحيل بدروه. لذا نظر إلى الوعي بوصفه نتيجة للتطور السابق لجوهر أولي مطلق لا يشكل وحدة مطلقة للذاتي والموضوعي دون أي تمايز بينهما. وعليه فالوحدة الأولية التي تشكل الأساس الجوهري للعالم هي وحدة الوجود والفكر. حيث يتمايز الذاتي والموضوعي، فكريا فقط.

المنطق

لقد ميز هيغل بين ثلاث مفاهيم مبينا التداخل والانفصال فيها: الحقيقة، والوجود، والوجود الفعلي.

لقد أيد هيجل في نقاشه لمقولة أفلاطون تلك أن هناك انفصالا بين الحسي والعقلي ولكنه ليس انفصالا مطلقا، بل علاقة متداخلة. وأن المعرفة بكليتها ناتجة عن تلك العلاقة المتداخلة بين الحسي والعقلي. ومن هذا الأساس الجدلي نشأت فكرته عن الوحدة المطلقة بين الفكر والوجود وشكلت الأساس الذي قامت عليه فلسفته برمتها.

لقد نص هيجل على أن الوحدة يجب أن تكون شاملة على كل شيء سلبا وإيجابا. وأن الحقيقة هي محور الفلسفة الهيجلية وجل فحواها.

التناقض والتعقيد

«من بين كبار الفلاسفة، هيغل هو أعصاهم على الفهم وأكثرهم تعقيدا.»

عرف عن هيغل ميله الحاد إلى التناقض والتعقيد, فقد دعا إلى الأخلاق ونادى بالمسيحية ولكنه في الوقت نفسه أنجب ولدا غير شرعي. تناقض هيغل إنعكس لاحقا على المعجبين به والناقدين له, فهو موجود في الماركسية وذا بصمة واضحة في الاجتهادات البروتستانتية وهو شاهد لدى الوجودين ومرجع للبراغماتين. انه هيجل المتناقض. يقول هيجل عن فلسفته أنها احتوت الفلسفات السابقة جميعا. فهو امتداد وليس نشوء جديدا، بل هو تفسير لما اراد من سبقه من الفلاسفة أن يقوله ولم تسعفهم التجربة الإنسانية في الاستدلال أو الإيضاح. يقول الفيلسوف الإسكتلندي «وليم ولاس» في ذلك: «إن مايريد هيجل أن يقوله ليس جديدا ولا هو مذهب خاص، إنما هو فلسفة كلية عامة تتداولها الأجيال من عصر إلى عصر، تارة بشكل واسع، وتارة بشكل ضيق، ولكن جوهرها ظل هو هو لم يتغير؛ وقد ظلت على وعي بدوام بقائها وفخورة باتحادها مع فلسفة أفلاطون وأرسطو».

إلا ان هذا لايعني بحال ان هيجل كامتداد للسؤال المعرفي الأزلي كان مجرد تكرار. فهو مؤسس الديالكتيكية باعتبارها علما فلسفيا يعمم التاريخ لكامل المعرفة ويصوغ القوانين الأكثر شمولا لتطوير الواقع الموضوعي. ناقدا المنهج الميتافيزيقي, مستخلصاً قوانين ومقولات ديالكتيكية, ولكن أيضا ضمن إطار مثالي. لقد أقام هيجل في فلسفته متتالية من القوانين: تغير الكم إلى الكيف, التطور من خلال التناقض والصراع, نزاع المحتوى والشكل, اعتراض الاستمرارية, تغير الإمكانية إلى الحتمية. وهي اسس إستند إليها ماركس وأنجلس كما أنها مهدت للانطلاق العلمي وفتحت العقل البشري على الذرة والأوزان الذرية. لقد عارض هيجل إقفال كانط للباب المعرفي ونفى أن يكون هناك استحالة في معرفة الأشياء لسبب يتعلق بذات الأشياء أو بذات الطبيعة الكلية. فالقوة الخفية للعالم عنده لا تقف عطلة أمام التوسع المعرفي, كما أن الأشياء بذواتها ليست لها ممانعة معرفية. وهو أكد على وحدة الجوهر والمظهر نافيا الانفصال الذي اسس عليه أفلاطون فلسفته. وهو ما قاده إلى انكار الانفصال المطلق بين العقل والحواس كما فعل اليونان القدماء أو بين الحق والباطل كما فعلت الأديان وتفعل اليوم الأصوليات الحديثة المتصارعة على المسرح الدولي.

وعبر علاقة معقدة بينها وصل إلى ان المعرفة مرتبطة بمدى إدراكنا للمادة وان هذا الإدارك متغير بتغير الزمن والتراكم المعرفي. فنحن نعطي للشيء تعريفه من خلال التصورات التي نملكها في مخزوننا الثقافي وتنطبق عليه. بيد أن تلك التصورات لا تشكل الحقيقة النهائية للشيء. وهو هنا يناقش أفلاطون القائل: لست أنا الذي يصنف الأشياء, لأن الفئات نفسها لها وجود مستقل عن ذهني, فالجانب الحقيقي في موضوعات الحس هو الكليات, ولكن المصدر الذي من خلاله نعرف الكليات ليس الاحساس وإنما العقل. لأن الإحساس لا يستطيع أن يزودنا بالتصورات بما أن التصورات تتكون عن طريق التجريد أو الاستدلال, ومن ثم فالعقل هو مصدر الحقيقة الوحيد. لأن الإحساس يعطينا الظاهر, اما العقل فيعطينا الحقيقة.

فلسفة التاريخ

طور هيجل فلسفة للتاريخ، خاصة تاريخ الفكر، رأى أنها محددة للتاريخ الاجتماعى والسياسى. ونظر هيجل إلى التاريخ على أنه عملية جدلية نحو تحقيق الحقيقة العقلية. وتتضمن هذه العملية قضية أولية (فكرة)، تتسم بالقصور ومن ثم تولد قضية مضادة (الفكرة النقيض)، ويكون المضمون العقلى لكل منهما تألفاً أو تركيباً بين النقيضين. فالحقيقة لا تتحدد فى ضوء قضايا قردية منعزلة، و لكنها كيان كلي يعتمد فيه معنى كل قضية على علاقتها بالأخريات. ومن ثم فإن حركة التاريخ ينظر إليها على أنها إقصاء للعقل من ذاته أوتشييئ للعقل، وبالتالي مفارقة (أو تعالي) العقل. وبالمعنى السوسيولوجى فإن الدولة البورجوازية التي وجدت فى عصر هيجل نظر إليها على أنها تمثل التعالي النهائي للتقسيمات التاريخية، والتى تسير جنباً إلى جنب مع تطور الحقيقة ككل.

أعماله

ترك هيغل ما يربو على عشرين مجلداً نشرت بالألمانية عدة مرات، غير أنه لم ينشر هيجل إبان حياته من مؤلفاته الكبرى غير أربعة مؤلفات رئيسية ورسائل صغيرة ومقالات في المجلات، وبعد وفاته قام تلاميذه بإعداد نشرة كاملة لمؤلفاته، جمعوا فيها ما نشره هيجل نفسه قبل وفاته، ثم ضموا إليه كل ما خلفه مخطوطاً، وعلى وجه التخصيص المذكرات التي كان يستعين بها لإلقاء محاضراته. ذلك أن هيجل لخص مذهبه في «موسوعة العلوم الفلسفية»، ثم قدم مدخلاً لمذهبه في كتابه «ظاهريات الروح». ولم يتوسع في جوانب فلسفته إلا في كتاب «المنطق» الذي استوفى فيه مذهبه الفلسفي ثم كتاب «فلسفة القانون» الذي استوفى فيه مذهبه السياسي.

ولكنه في محاضراته - وهو لم ينشرها تناول فلسفة التاريخ، وتاريخ الفلسفة، وفلسفة الدين، وعلم الجمال، وهي موضوعات اكتفى بالإشارة إليها إشارات قليلة غامضة في «الموسوعة». ولهذا قام التلاميذ بنشر كل هذه المحاضرات الخطية التي تركها، واستعانوا في هذا بما كتبه هيجل بخطه من مخطوطات لم تكن غير حافلة إلا بالتعليقات الهامشية ما جعل الحكم صعباً على أمانة هؤلاء التلاميذ في نشر مؤلفاته.

واستعانوا كذلك بالمذكرات التي نشرها أثناء الدروس، فصححوا هذه بتلك إلى أن استطاعوا نشر الجزء الرئيسي من التعليم الشفوي الذي قام به هيجل فجانص Gans نشر «فلسفة التاريخ» وهوتو نشر علم الجمال وك. ل. ميشليه K. L. Michelet نشر تاريخ الفلسفة، وفضلاً عن ذلك فإن الكتب التي أعيد نشرها من قبل طبعت طبعة جديدة، زودت بالتعليقات التي تركها هيجل، ثم نشرت الطبعة الكاملة لمؤلفات هيجل على هذه الصورة المحررة في مدينة برلين من سنة 1832 حتى سنة 1845 في ثمانية عشر مجلداً، وهذه النشرة الكاملة هي التي نشرت بمناسبة اليوبيل في اشتوتجارت في سنة 1927 وما تلاها. ثم إن رسائله نشرت سنة 1887. وقام مولات في سنة 1893 ونول سنة 1907 بنشر كتب الشباب «مؤلفات هيجل في عهد الشباب» ثم ظهرت طبعة نقدية ممتازة لمؤلفات هيجل قام بها لسون Lasson وهوفمايستر Hoffmeister بدأت سنة 1905.

كتب هيجل بعض كتبه خصيصا للمتخصصين في الفلسفة. لكن كتابه "موسوعة العلوم الفلسفية" كان موجها لغير المتخصصين وقدمه ككتاب جامعي. رغم ذلك فهيجل كان يفترض في قُرّائهِ أنهم على إلمام جيد بالفلسفة الغربية، وخاصة فكر أرسطو وإيمانويل كانت، وخليفتي كانت: يوهان فخته وفريدريك شيلنغ. أما أولئك الذين ليست لديهم خلفية جيدة عن تلك الفلسفات، فحري بهم الرجوع لتلك المقدمات والكتب العامة عن فكر هيجل قبل الشروع في قراءة كتبه. مشكلة أخرى تعترض قراء هيجل، ألا وهي الترجمة. بل إن هيجل نفسه زعم في كتابه «علم المنطق» أن اللغة الألمانية بحد ذاتها هي لغة الفلسفة.

تُرجمت معظم أعمال هيجل إلى عدة لغات، من بينها العربية التي نقل إليها بعض أعماله:

انظر أيضاً