أفلوطين

أفْلُوطين (نحو 205 - 270 م) هو فيلسوف يوناني، يُعتبر أبرز ممثلي المدرسة اليونانية الفلسفية التي تُعرفبالأفلاطونية المُحْدَثَة. ومن المعلوم أن الأفلاطونية المحدثة قد تطوّرت من فلسفة أفلاطون. يُعرف في المصادر العربية بـ «الشيخ اليوناني».

جميع المعلومات المتوفرة عن الفيلسوف أفلوطين أتت من تلميذه فرفريوس ودونها في مقدمة كتاب التاسوعات لأفلوطين. أما كتابات أفلوطين في الميتافيزقيا كان لها تأثير كبير على العديد من الفلسفات والأديان: الوثنية، اليهودية، المسيحية، الإسلام، الصوفية.

سيرته وحياته

كان ميلاد أفلوطين في أرجح الأقوال سنة 204 أو سنة 205 بعد الميلاد، حيث ذكر فرفريوس أن أفلوطين كان عمره 66 سنة حينما توفي في سنة 270 م، من السنة الثانية من عهد الإمبراطور الروماني كلوديوس جوثيكوس. ونستنتج من هذا أن أفلوطين ولد في سنة 205 م.

ذكر المؤرخ يونيبيوس أن أفلوطين ولد في ليكوبوليس (باللاتينية: لايكو) في مصر، وإن كان فوفوريوس الذي ترك لنا المصدر الأول الرئيسي عن حياة أفلوطين في كتابه ((حياة أفلوطين)) لم يذكر هذه المدينة لأنه كان يقول: إن أفلوطين كان يعنى دائما بألا يتحدث إطلاقاً عن وطنه ولا عن آبائه وأسرته. وهناك تكهنات بأنه مصري الأصل أو يوناني. كما ذكر يوسف زيدان أنه ولد في المنيا الحالية وكان اسمها ليقوبوليس وجاء في شبابه إلى الإسكندرية.

وكان أفلوطين شديد النفور وعدم الثقة في الأمور المادية (ورث هذه النزعة من الأفلاطونية), هكذا آمن بأن كل عنصر دنيوي هو صورة فقيرة أو زائفة لمثيله الحقيقي الأعظم والأسمى. هذه الفكرة تمتد إلى جسده الشخصي. حيث كان يرفض دائماً رسم صورة شخصية له. كما لم يناقش أبداً أصوله العائلية أو طفولته أو محل ميلاده. لكن حياته عموماً كانت مثالاً للروحانية والفضيلة.

ويظهر أن أفلوطين قد بدأ دراسة الفلسفة في سن متقدمة، ربما في الثامنة والعشرين من عمره. عام 232 ميلادية. سافر إلى الإسكندرية للدراسة. وهناك لم يرض بأي مدرس التقى به. إلى أن اقتُرح عليه أن يستمع إلى أفكار آمّونيوس ساكّاس. وبعد الاستماع لمحاضرة واحدة. أعلن أفلوطين عن آمّونيوس أن: «هذا من كنت أبحث عنه». وبدأ بدراسة مكثفة تحت إرشاد هذا المعلم الجديد. وهو كان يقول دائما إنه إنما يعرض مذهب أستاذه أمونيوس. والواقع أننا هنا بإزاء نفس الظاهرة التي نجدها يما يتصل بأفالاطون وسقراط، فأفلوطين يذكر آراءه على أنها آراء أسونيوس مع أنها أكبر بكثير من مذهب أمونيوس، ولا نكأد نجد في الواقع إلا البذور الأصلية عند الأخير، أما المذهب الكامل فإنا نجده عند أفلوطين.

كما تأثر أفلوطين أيضاً بأعمال ألكزندر الأفروديسي.

رحلته إلى بلاد الفرس ثم عودته إلى روما

بعد قضاء 11 عاماً في الإسكندرية. عند بلوغه الثامنة والثلاثين قرر أن يبدأ في دراسة تعاليم الفلاسفة الفرس والهنود. لأجل هذا ترك الإسكندرية والتحق بجيش غورديان الثالث الذي كان متوجهاً إلى بلاد الفرس ليتعلم المزيد عن الفلسفة الهندية. لكن الحملة فشلت. وبعد موت غورديان وجد أفلوطين نفسه وحيداً في أرض معادية، ثم كانت نجاته بأن وجد طريقه بصعوبة إلى أنطاكية.

في سن الأربعين، خلال فترة حكم فيليب العربي. انتقل إلى روما حيث استقر بقية حياته، وقضى أفلوطين سنوات حياته الأخيرة في التدريس بروما. ويظهر أن أفلوطين قد صادف شيئاً من النجاح في زوما خصوصاً وأنه قد كان له من بين التلاميذ شخصيات ممتازة في الوسط الروماني، ومنهم: فرفريوس وآميليوس التوسكاني والسيناتور وكاستريكيوس فيرموس.

ويظهر أن هذا التأثير من جانب أفلوطين في الوسط الذي أقام به إنما صدر عن طبيعة شخصية، فقد امتاز من الناحية الشخصية بسمو في الخلق ونفوذ في البصيرة من حيث قدرته على معرفة الرجال، كما امتاز كذلك بالعفة التى حاول أن يتشبه فيها بفيثاغورس. وعلى كل حال فإن شخصية أفلوطين كانت واضحة النأثير جداً في الوسط الذي وجدت به.

وتوفي افلوطين سنة 207 بعد الميلاد.

كان يكره الكتابة لكنه ألقى 54 محاضرة في ست وحدات، كل وحدة تسع محاضرات تُسمَّى التُّساعيَّات.

وأفلوطين قد خلف لنا مؤلفات يظهر أنه كتبها جميعاً في دور متأخر، وهذه المؤلفات ليست عرضا منظما لمذهبه، وإنما هي في الواقع إجابات مختلفة عن أسئلة كان الدافع، في الغالب، إلى إثارتها نصوص أفلاطون واقواله. ولهذا كان يبدو عليها طابع التناثر والمناسبات أكثر من طابع التنظيم والتأليف المتصود، كما أنه يغلب عليها شيء من الرمزية التي يكاد يستحيل معها أن يفهم النص. وهذه كلها صعوبان نجدها واضحة جدا في مؤلفات افلوطين، وهي مؤلفات لم ينشرها إبان حياته، بل نشرها بعد وفاته تلميذه فورفوريوس.

أفكاره

يعكس تشاؤم أفلوطين فقط جانبًا واحدًا من فلسفة أفلاطون حيث ينظر إلى الفلسفة كعزاء أو هروب من العالم. كان هذا هو الجانب الذي كان يحبه الرومانيون في عهد أفلوطين.

قال أفلوطين بأن العالم المادي غير حقيقي، والسياسة أمر تافه، وأن الجسم سجن مؤقت للروح، والحياة رحلة خلال صورة من الأوهام والحقيقة تقع بعيدًا في كائن وحيد كامل، الواحد، مصدر كل الحقيقة والخير والجمال، وقال إن الأرواح النقية تأمل بالعودة إلى هناك. في بعض الأحيان تحدث هذه العودة على صورة كشف روحي. ويعتقد أفلوطين أنه قد جرّب هذا الكشف الروحي.

يتفق أفلوطين مع المسيحيين الأرثوذكس في فكرتهم عن الخليقة ((الكل من لا شيء)). رغم أن أفلوطين لا يذكر المسيحية في أي من كتاباته. ويعتقد بأن السعادة الحقيقية ليست مادية. هكذا فإن الثراء لا يمنح السعادة للإنسان. وأيضاً, بهذه الطريقة فإن كل إنسان في العالم قادر على تحقيق سعادته الشخصية. حقيقة الإنسان تكمن في روحه. كما أن الإنسان السعيد لن يتأرجح بين السعادة والتعاسة. كما لن يفقد سعادته في حالة ذهاب العقل أو الوعي. حيث أن السعادة «داخلية».

يعارض أفلوطين الفكرة الهللنستية بأن النجوم والأبراج قد تؤثر على حياة الإنسان. ويصفها باللاعقلانية. لكنه يعتقد أن الأجرام السماوية تملك أرواحاً نظراً لحركتها الدائمة.

يعارض أفلوطين الأفكار الغنوصية. ويعارض تشويههم لفلسفة أفلاطون وازدرائهم المبالغ فيه للعالم. ويصفهم عموماً بالهرطقة والصلف.

أفلاطون والأفلاطونية المحدثة

في القرن الأول قبل الميلاد، وفي القرنين الأول والثاني بعد الميلاد، نشاهد تيارا جديدا يغزو الفكر اليوناني ويكاد يتميز تميزا شديداً جداً عما كان قبله من تيارات في الفلسفة اليونانية، ويتميز بنوع خاص لأننا لا نستطيع بدقة ان ندخله داخل هذا الإطار من الروح اليونانية.

وهذا التيار الجديد قد بلغ اوجه عند شخصية فلسفية تعد من الطراز الاول من بين الفلاسفة الذين عرفتهم الانسانية جميعاً، ونعني بها شخصية أفلوطين. وقد مهد لهذا التيار فلاسفة سابقون منهم فيلون وهو أهم ممثل سابق على أفلوطين لهذا التيار الجديد، كما نجد إشارات غامضة إليه في النزعة الفيثاغورية المحدثة ولدى الأفلاطونيين الذين ظهروا في ذلك العصر وحاولوا ان يجددوا الفلسفة الأفلاطونية.

لكن أفلوطين قد بز هزلاء جميعاً، حى إننا لنجد الفارق كبيراً جداً بين ما وصل اليه في ابحاثه، وبين ما انتهى إليه هؤلاء المتقدمرن. فلئن كنا نجد اصحاب هذه التيارات المتقدمة السالفة على افلوطين يحاولون ان يرتفعوا بالتعارض بين الروح والمادة أو بالثنائية بوجه عام الى اعلى درجة ممكنة، فإنه يلاحظ مع ذلك انهم لم يصلوا في هذا الى القول بوجود علو مطلق من جانب الواحد» او المبدع الأول بالنبة إلى بقية المخلوقات كائنة ما كانت هذه المخلوقات، عقلية أو مادية، فإنهم لم يزالوا يخلطون بين اله أو الأول وبين المعقولات الأولى. لكن افلوطين هو الذى استطاع لاول مرة ان يفصل فصلاً تاماً بين الأول وبين بقية الأشياء. ثم إذا كان هؤلاء السابقون من الفيثاغوريين والافلاطرنيين المجددين قد عنوا أيضاً بإيجاد وساثط بين الأول وبقية الموجود، وإذا كانوا قد حددوا اله، ولكن بتحديدات أقرب ما تكون إلى صفات اللب، فإنهم مع ذلك لم يستطيعوا أن يفصلوا القول في هذه الوسائط، وأن يبينوا كيف ينزل الإنسان بالتدريج من الواحد حتى المادة. وإنما أفلوطين هو الذي استطاع ان ينظم هذه الوسائط على صورة نظام محكم الأجزاء، يقوم على تصاعد عقلي مرنب، ينما قنع هزلاء السالفرن بما قدمه لهم الدين اليونافي الشعبي في فكرة «الجن،. هذا إلى انه رإن كان هزلاء المتقدمون قد حاولوا بعض الثى، ان يفنوا المادة وان لا يجعلوا لها وجوداً مستقلا بجوار الل، عل أساس ان هناك مبداين اصليين هما الله والمادة او الصررة والهيرلي، فإنهم لم يستطيعوا ان يصلوا إلى الغاية المطلوبة والتي يقوم عليها في الواقع كل هذا البنيان، ونعفى بها اشتقاق المادة من «الأول، أو من الله ، بإفناء الهيولى إفناء تاماً في الصورة. وإنما الذي فعل هذا أفلوطبن : فهو الذي جعل الوجود المادي شبئاً مادرأ ومثتقاً عن الوجود الأول أو وجرد الله، رإن كان هذا الوجرد المادي في الطرف الآخرمن الوجرد لعقلي.

هذا إلى أن مذهب هزلا، المنفدمين لم يكن مذهباً بمعنى الكلمة، أي نظرة في الوجود متناسقة الأجزاء مترابطة منطقياً فيما بينها وبين بعض، وإنما كان أقرب ما يكون إلى أفكار متنائرة ذات طابع عام هو الذي يعطيها هذا الانجاه الجديد، كما أن العناية بالناحية الطبيعية من البحث الفلسفى كانت ضئيلة إلى أبعد حد لدى هزلاء، ومن ثم لا بمكن القول بانهم استطاعوا أن يكونوا مذهباً كاساً في الوجود، من حيث انهم لم يبحثوا في هذا الرجود الطبيعي، أو على الأقل لم يحلوا هذا الوجود الطبيعي في الوجرد المعقول، من اجل ان يكون بحثهم في الوجود شاملا لكل اجزائه. وإنما جاء أفلوطين ففعل هذا على الصورة الكاملة وقدم مذهباً في الوجود متناسب الأجزاء شاماً لكل نواحيه.

ومن هذا كله نستطيع ان نتخلص ان أفلوطين يكون من هذه الناحية اتجاهاً واضحاً متمايزا إلى حد بعيد جداً عن الاتجاه الذي اتجهه هؤلاء المتقدمون. و أقرب من هؤلاء الى افلرطين فيلون، فقد حاول أن يكمل النقص الذي أشرنا إليه عند هؤلاء المتقدمين. ففيما يتصل بفكرة الله نجد فيلون قد عفى بان يميز تمييزاً يكاد يكون تاماً بين الأول وبقية الوجود، وهو من أجل هذا ارتفع بفكرة الله عن كل تحديد إنسانفي لكي يبقي لهذه الفكرة كل صفائها ولا يدع فيها مجالأ لنفوذ اللاموجود او المادة أو ما هو جدير بالمخلوق وليس جديراً في الواقع بالأول المبدع. ومن هنا فقد راينا عند فيلون أن الاتجاه في صفات الله كان أميل إلى الناحية السلبية منه إلى الناحية الإيجابية. وعفى الى جانب هذا بتحديد الوسائط بين المدع الأول وبين بقية الأشياء : فجعل هناك قوى إلهبة، ثم قال بفكرة اللوغوس على أساس أنه - على ارجح تفسير - القوة العليا الإلهية فيها -فإنه لم يزد على ذنك كثيراً. وهنا يلاحظ أن ثمة اختلافا بيناً مع ذلك بين فكر فيلون وفكر أفلرطين، فنقطة البدء عند كلا المفكرين ليست واحدة، إذ نقطة البدء عند افلوطين هى البحث في الفلسفة من أجل تحصيل الحقيقة بصرف النظر عن المعاني السابقة المتملة بتيار ما؛ بينما الحال على العك من هذا عند فيلون فقد بدأ بالحقيقة الدينية، ولم ياخذ في الواقع بسبيل الفلسفة إلا من أجل أن يكون معينا على الحقيفة الدينية؛ فالارجح ان يقال إن الدين هو الأصل،، وما الفلسفة إلا خادم للدين. وقد كان لهذا أثره الكبير في تفكير فيلون حتى في هذه المسائل التي قلنا بأن ثمة تشابهأ كبيراً فيها بين فيلون وافلوطين، فقد نذبذب فيلرن بين فكرة الله المشخص التي قدمتها له الديانة اليهودية وبين فكرة الله المجرد الذي لا بمكن أن يسمى، لأن أي نعت أو صفة له من شانها أن تقلل من كمال هذه الفكرة. وكان من شأن هذا التذبذب ان جاءت فكرة الته عند فيلون هجينا، لأنها خليط من التصور اليهودي، والتصور الأفلاطوني اليوناني الصرف. كما أن نيلون قد خضع في تأثره، إلى جانب هذا لتيارين فلسفيبن متعارضين هما الأفلاطونة والروافية ، والمذهب الأول مذهب تصوري بينما الثاني مذهب ديناميكي فعلي، ومن هنا كان الاختلاط الذي سنشير اليه أيضاً عند كلامنا عن فيلون، ما أدى إلى وقوعه في كثير من التناقض، خصوصاً وأنه كان مضطراً إلى هذا لأنه كان يريد أن يتصور هذا الإله على أساس يقرب من اليهودية ومن فكرة الشعب المختار عند الله. وكان يزيد هذا الاتجاه فكرة «النوس» الكلي أو العقل الكلي عند الروافيين، ممامن شأنه أن يجعل الناحية العقلية في الته أكبر سيادة من الناحية الاخرى وهي الناحية التصورية العقلية. هذا إلى أن فكرة الوسائط عند نيلون لم تكن واضحة كل الوضوح، فهو لم يستطع ان يبين الطريقة التي بها تتكون الأشياء ابتداء من الله أو المبدع الاول، فلئن قال بالمفارقة المطلقة أو ما يشبه هذا فيما بين الله وبين بقية الموجود، فإنه لم يستطع ان يبين كيفية نسبة هذه الأشياء الأخرى من معقولة ومادية الى الله ، وخذا رأيناه تارة يصف هذه المعقولات بأنها صفات الن ، وبالتالي لا تنفصل عنه، وتارة أخرى يتحدث عن اللوغوس بحسبانه أقنوماً، ؛ وهذا الاقنوم يوصف حيناً بانه جز، من الله؛ وحيناً آخر بأنه مستقل عنه. ثم لا يبين لنا بوضوح كيفية الخلق، ومخلط كثيراً ببن اللوغوس وبين «الصوفيا» وما شاكل هذا من القوى الإلهية الأولى التي قال بها.

أما أفلوطين فقد استطاع أن ببين في دقة وإحكام كيفية «صدور 11 الموجردات عن ان، وأن يبين كذلك اثار هذه القوى الإفية في الأشياء، ويرتب هذاكله في نظام منطقي معقول يكاد يكون نسيجا واحداً محكم الاجزاء هذا إلى أن فبلرن، وإن كان قد قال بأخلاق متأثرة باخلاق الرواقية، كما قال كذلك بفكرة «الكشف» والوجد وعد التجربة الصوفية هي الأساس في كل معرفة حقبقية والقول بأن طمأنينة النف أو حالة النف المطمئنة هي الدرجة العليا - فإنه لم يستطع مع ذلك أن يبين حدود هذه التجربة الصوفية الروحية، ولم يفصل القول في ماهية الكشف وحدوده، وعلى أي نحو يكرن، ولم يبين بوضوح - لأنه لم يكن ذاتيا بدرجة كافية - حلة هذه النفس المطمئنة وقيام الإنسان بواجبه الأخلاقي بأن يففى في التة، وما عدا هذا من مسائل متعددة سنعرض لها عند الكلام عن افلوطين. أما أفلوطين فإنه وإن كان قد تاثر بعض التأثر بالأخلاق الرواقية، فإنه انتهى إلى عد التجربة الصوفية، تجربة الوجد، هى الغاية النهائية التى يجب أن تتحدد تبعاً لها وتترتب عليها كل المقدمات المؤدية : فمنذ البدء كان مزاج هذه التجربة الروحية المزاج المحدد لكل معرفة، وبالتالي الأساس لكل نظرية في المعرفة، كما أنه لأول مرة وإلى الدرجة العليا، استطاع ان يبين ماهية هذه التجربة، وأن يحددها كل التحديد، وأن يبين ما فيها من جانب ذاي وما فيها من جانب علوي يأتي عن طريق الله.

وهكذا نستطيع ان نستخلص من هذا كله أن افلوطين كان متمايزاً تمايزاً كبيراًجداً من كل المذاهب السابقة، وأنه يجب أن يوضع في تيار جديد يعد هر نقطة البدء فيه ونقطة النهاية في الواقع، هو تيار الأفلاطرنية المحدثة؛ وهذا التيار يكون القسم الرابع أو الدور الرابع من أدوار تطور الفلسفة اليونانية.

فلسفته

الناحية انذاتية من مذهب أفلوطين تقوم على أساس أر الغاية من الفلسفة هي الارشاد إلى الطريق الذي به يصل الإنسان إى إفناء الذات في الوحدة الإلهية وإلى إيجاد التجربة الررحية التي يستطيع الإنسان براسطتها أن يتحد بالراحد، والمزاج المكرن لهذه التجربة هو في الأصل الرجد. أما من الناحية المرضوعية فتقوم هذه الفلسفة على أساس إنكار كل قيمة للعالم الخارجي، فكل ما هو ستناه-وكل موجود ما خلا الله متناه زائل ، وبالتالي لا قيمة له- فلا داعي في نظر أفلوطين حى إلى العناية به أو إنبات بطلانه. ومن هاتين الناحيتين: الناحية الذانية والناحية الموضوعية، سنجد ان طابع الفلسفة عند أفلوطين سيمتاز أولاً بأن فكرة الالوهية هي الني تشغل الجزء الاكبر منه إن لم يكن كله، وثانياً بأنها فلسفة تقوم على الوجدان رالتجربة الذوقية الصوفية والكشف. ولهذا لا نجد أفلوطين يعنى بنظرية المعرفة، بل يفترض ابتداء الموقف الشكي، فينكر أن تكون للمعرفة العقلية أية قيمة، وإنما القيمة كلها في التجربة الصونية وفي الكشف والذوق. ولما كان العمود الرنيسي الذي يقوم عليه بناء فلفته هو اسه أو العالم المعقول، ومن العالم المعقول ينتقل الإنسان إلى العالم المحرس، ومن هذا الاخير يجاول أن يرتفع نانياً إلى الوحدة الأولى، فإننا سنجد فلسفته تنقسم في الرافع إلى ثلاثة اجزاء رئيسية : الأول العالم المعقرل، والثاني: عالم المحسوسات ، والثالث العرد من عالم المحسوسات إلى العالم المعقول.

العالم المعقول

الله وصفاته

قال أفلاطون بعالم معقول في مقال العالم المحسوس، وجعل حداً وسطاً بين العالمين هو عالم النفس أو النفس. فلدينا إذن عند أفلاطون عالم الصور؛ ثم العالم المادي او الذي تدخل نيه ما يسمى عادة باسم المادة عند أفلاطون، وقد رأينا من قبل أن المادة عند أفلاطون ليست الدقة المادة كيا نفهمها عند ارسطو وعند غيره؛ ثم ا لنفس لتفس.

أما أفنوطين فإنه وإن اخذ بجزء من هذا التمييز، فإنه لم بأخذ بهذا التمييز كله؛ فإنا نراه يفرق أولاً ببن عالمين: عالم المعقول وعالم المحسوس؛ ولكننا نجده بعد هذا يختلف مع افلاطون فيما يتصل بهذا العالم المعقول على , جه اخم . فإن العالم المعقول عند أفلاطون عبارة عن مجموع المور، وهذه الصور لا تشتق من مبدأ أعلى منها، ولو أن فكرة الخير قد توهم في عرضها بأنها تلعب مثل هذا الدر، فإنا نجد في الواقع ان فكرة الخير تختلط ببقية الصور، حتى لا يمكن أن تعد صورة الخير صورة قاثمة بذاتها مستقلة كل الاسفلان، أي بمعنى أن هناك هوة غير معبررة بينها وبين بقية الصور. أما أفلوطين فقد علا بفكرة ٠ الاول« أو المبدا، علواً كان من شأنه أن يقول معه بأن هناك هوة لا يمكن عبورها بين الأول وبين الصور نفها، ولكننا نجده بعد ذلك ومع تأكيده لوجود هذه الهوة في حالتين: أولأ في حالة الصلة بين الاول وبين المعقولات، ثم في حالة الصلة بين عالم المعقرل وعالم المحسوس - نقول على الرغم من ذلك نجده يختلف كذلك مرة أخرى مع افلاطون، فبدلاً من ان يقول مع افلاطون فبما يتصل بالهوة بين العالم المحسوس والعالم المعقول، إن هذه الهوة هرة تامة، بمعنى. أن هناك مبداين اصليين : ها المعقرل والمحسوس، ولا يرد الواحد إلى الآخر، نجد أفلوطين يقول إن هناك تصاعداً أو تنازلاً في الصلة بين المعقول والمحسوس، اعفي أن هناك ترتيباً ونظاماً فمته المعفول من حيث أنه الأول، ثم تتلوه بقية الأشياء، حتى نصل في أدن درجة من درجات هذا السلم !لى المادة الصرفة، أي ان المادة تشتق في النهاية من الأول. كذلك لا نجد آن الصور أو المعقولات افكار في عقل الله، وبالتالي هي الله عند أفلوطين، بل نجد أن الأشياء تترتب بحيث يكون ٠الأول، في القمة، ريليه «العقل الأول»، ثم بقية العقول. ويلاحظ هنا أيضاً أنه على الرغم من وجود هذا الترنيب التنازلي بين الأول وبقية المعقولات، فإن هنالك مع ذلك هرة غير معبورة، أي علواً مطلقاً للأول بالنسبة إلى المعقولات. وهذا يظهر لنا شيئاً، إن شئنا سميناه بالتناقض أو التعارض في النظر إلى الله، وصلته ببقية الأشياء من معقولات وعحسوسات. وعلى كل حال، فإن وضع المذهب الوجودي عند أفلوطين هو على النحو التالي: فنرى من ناحية أن هناك عالمين بينهما هوة من ناحية، وبينهما ترتب من ناحية أخرى وهما عالما المعقول والمحسوس؛ ومن ناحية اخرى نجد ان هناك في باب المعقولات ثلاثة مبادى، أو إن شئنا أقانيم، هي الله والعقل والنفس. واسه هو الأول، الواحد، المبدع ، اللامتناهي. والعقل هو صور الأشياء الموجودة، والنفس هي ما به يتم نحقق المرر في المحسوسات، أي هي قوة تكؤن في الواقع وطأ بين فعل ،الأول، وتحفق ,العقل» بوصفه صوراً.

فلنبحث في كل قم من هذه الأقسام الثلاثة الاخيرة كل على حدة. ولنبدأ بالته، فنجد أولاً ان الصفة الرئيسية والطابع العام الذي به ينطبع النظر إلى اله عند أفلوطين هو أن التة هو اللامتناهي في مقابل المتناهي، والأول في مقال ما بعده، والراحد في مقابل الكثرة، والمعقول في مقابل العقل. وهنا نجد ان صفات الن عند أفلوطين مرتبطة كل الارتباط بهاتين التفرقتين الرئيتين: أواً بين المتناهي واللامتناهي وثانياً بجن العقل والمعفول. ونرى في هذا المذهب اختلافاً كبيراً بين أفلوطين وبين السابقين؛ فلئن وصف افلاطون الله بأنه الخبر، ولئن قال بالوحدة، وإذا كان أرسطو قد عبر عن الله بأنه «فكز الفكر، ، وأنه غني مكتف بذاته ، فإننا نجد أفلوطين لا يقتصر علىهذا ل يريد أن يجرد فكرة الله من كل ما يوهم اختلالا في الوحدة أو في الكمال، وعلى الأخص في الوحدة. ففكرة الوحدة في الله، هي الأساس في نظرية الله عند أفلوطين، ولهذا نجد أفلوطين يحاول ما استطاع ان بسلب عن الله كل الأفكار، أو كل الصفات التى من شأنها أن توهم ، حقى جرد وهم، بان هناك تعددا أو تركيباً فيه، فنجده ينكر أن يكون الن عقلا وأن يكون وجوداً ، وينكر كذلك ان تكون له أية صفة من الصفات كاثنة ما كانت هذه الصفة. فاله هو الشيء الذي لا صفة له، ولا يمكن أن ينعت، ولا مكن أن يدرك، وهو الغني المكتفي بذاته، البسيط.

ويحسن قبل العرض لصفات الله عند أفلوطين أن ننقل نصا عربياً هو عبارة عن ترجمة مرسعة لبعض فصول « الستاعات» :

«كلما كان عد الأول فهر من الاول اضطراراً إلا انه إما أن يكون منه سواء بلا توسط، واما أن يكون منه بتوسط أشياء أخر، هي بينه وبين الاول؛ فيكون إذن للأشياء نظام وشنرح.[ و ] ذلك أن منها ما هو نان بعد الأول، ومنها ثالث؛ أما الثاني فيضاف إلى الأول؛ واما الثالث فيضاف إلى الثاني (أي يرد) . و وينبغي أن يكون قبل الأشياء كلها شيء مبسوط (أي بسيط)، وان يكون غير الأشياء التى بعده، وأن يكون مكتفياً غنياً بنفسه، وأن لا يكون غتلطأ بالاشياء ، وأن يكون حاضراً للاشياء بنوع ما، وأن يكون واحداً ، وأن لا يكون شيئاً ما ثم يكون بعد ذلك واحدأ، فإن الشىء إذا كان واحداً على هذا النوع كان الواحد فيه كذباً وليس واحداً حفاً؛ وأن ا يكون له صفة، ولا يناله علم البتة، وأن يكون فوق كل جوهر حسي وعقلى. وذلك إنه إن لم يكن الأول مبسوطا واحداً حقاً خارجاً عن كل صفة وعن كل تركيب لم يكن أول التة« - («التساعات»، ٤ :١٥٦ إلى ١٦٢).

ففي هذا النصر نجد أفلوطين يعرض لنا صفات الله، سوا، الصفات السلبية، أو الصفات الإيجابية: ذلك أنه لما كان الله لا بمكن ن يدرك إدراكاً مباشراً، أعني أن تقال عليه صفة إيجابية، فإننا لا نستطيع في هذه الحالة أن

ننعت اله إلا بالصفات السلبية . وهذه الصفات اللبية تتبع الفكرة الأولى الي لدينا عن الأول، وهي أنه لامتناه واحد خير، أي اننا سنضطر في الواقع إلى القول بوجود صفات إيجابية، منها سنستمد الصفات السلبية التي نضيفها إلى ات. ولكن هذه الصفات الإيجابية هي تحديد ووصف، فكيف وصح هذا، ونحن نقول عن الله إنه ليس له صفة، ولا يناله علم، وإلا لم يكن أول؟ وهكذا نرى أنفسنا مضطرين إلى نفي هذه الصفات الإيجابية بنوع ما، على حد تعببر النص. وعل كل حال فإننا نستطيع مع ذلك ان نضيف إلى الله صفات إيجابية ثلاثا: اللاتناهي - الوحدة -الخير - أو بتعبير آخر : اللامتناهي والواحد، والخير؛ وقد يضاف إلى هذا، الفعل أو إلقدرة.

فلننظر اول الأمر في صفات السلب، فنجد أن ات لا يمكن أن تكون له صورة، لأنه لا يمكن أن يفرق في داخل اله بين صورة ولا صورة، وإا أدى ذلك إلى التركيب والكثرة، وهذا يتناف مع المبدا الأصلي في صفات ات ونعني به الوحدة والبساطة. وكذلك لا يمكن ان تكون له صورة، لأن ماله صورة محدد، وات - كما قلا - لا يقبل التحديد ، لأنه لامتناو، فلا يمكن من هذه الناحية كذلك أن تكون له صورة. وإذا لم تكن له صررة فليس بذي جمال، أي لا يمكن أن يقال إن الله جميل، لأن الله هو الجمال، بمعنى أن اله ليس يدخل تحت صفة أعلى منه هي الجمال، إنما هو هذه الصفة العليا نفسها؛ بل أكثر من هذا، لا يمكن أن يقال عن الله إنه جمال بالمعنى العادي، ولكن إذا كان لا بد من وصفه بصفة الجمال، فإنه سيكون الجمال فوق كل جمال. وهذه طريقة جديدة في وضع صفات الله، سنجدها تنتشر بعد ذلك عند كثير من رجال العصور الوسطى، متأئرين جميعاً بوجه خاص بمن تأثر بأفلوطين مباشرة، وهو دينيس الأريوباغي المزعوم. وكذلك لا يمكن أن يقال عن الله إن له مقدارا لان المقدار يتناف مع اللاتناهي: فإن أي مقدار مهما كان، لا يمكن أن يتصور غير متناه في نفسه . كما لا يمكن أن يتصف الله بهذه الصفات المعروفة التي تضاف إليه دائا، مثل الحياة والعلم والقدرة والإرادة. كل هذه الصفات يجب الا تضاف إلى ات عند أفلوطين، وهى الصفات المعنوية المعروفة. فأولاً لا يمكن أن يتصف ال بالإرادة، لانه إذا كان مريداً، فمض ذلك أنه محتاج إلى غيره، والاحتياج يتناف مع

الوحدة والبساطة في الأرل، بل لن يكون حينثذ أول، لأن ما سيحتاج إليه سيكون هو الأول في الواقع هذا إلى أنه لن يكون واحداً لأنه سيتغير، وكما يقول أفلوطين هنا إن الشيء إذا كان واحداً على هذا النوع، أي على اساس أنه يتغير من حال إلى حال، كان الواحد فيه كذبا وليس واحداً حقاً. كذلك صفة الحياة تقوم على صفة الإرادة، لأن الحياة لا تقوم إلا إذا كانت هناك رغبات وإرادات، ومجموعها يكرن الحياة، فإذا أنكرنا الإرادة فقد أنكرنا بالتالى الحياة. ولا يمكن كذلك أن يتصف اس بالعلم لأن العلم يقتضي القسمة، أي يتنافى مع البساطة، وذلك لأن العلم هو أولأ تركيب من عدة أشياء لكي تتكون منها وحدة، أي تركيب معان جزئية لاستخراج معنى كلي. وثانياً يلاحظ في العلم أن هناك انقاماً من ناحية بين العاقل والتعقل، ومن ناحية اخرى بين العاقل والمعقول، وفي كلتا الحالتين لا بد من القول بالقسمة، والقسمة لا تقال إلا على المركب، فلا يمكن إذن أن يكون الله عاقلاً -اى عالمل ولا يمكن أن يقال في هذه الحالة إنه عاقل لذاته، لانه لابد فيحالة التعقل للذات من وجود انقسام كذلك، هو الانقام بين العاقل بوصفه عاقلا، والعاقل بوصفه معقولا، والعاقل والمعقول ليسا شيئا واحدا، فلا بد في هذا كله من القول بالقسمة، أي ان ننفي هنا البساطة. كذلك لا يمكن ان يقال عن الته إنه قادر، لأن القدرة تقتضي الأثر المباشر، والأثر المباشر يقتضي التنقل من أحوال إلى أحوال، وهذا بدوره يقتضي التغير، اعني يقتضى في النهاية الكثرة والتركيب، اجل، إن اس يؤثر ي الكون بقدرته، لكن هذا يحدث بدون ممارسة قدرة من جانب الله بالبة إلى الأشياء، بل تتحرك الأشياء بقدرته مع استمراره كما هو في سكونه وثباته. وإذا كنا قد نفينا عنه الصفات المعنوية، فعلينا أن ننفى عنه كذلك صفة الوجود، فلا يمكن ان يقال عن الله إنه موجود، ذلك لأن كل وجود فإنما يكون متأثراً ، أي خاضعاً للتأثر بفعل أو انفعال، وما هو خاضع ومتأثر متغير، أى لا يمكن أن يكون بسيطاً ؛ كما أن الموجود لابدله من مبدا للوجود، وهذا المبدا سيكون أعلى من الوجود، فإذا وصفنا الله بصفة الوجود، فإننا فى هذه الحالة نضيف إليه صفة من شاها أن تجعل قبله شيئاً، وهذا يتنافى مع كونه اول. ومن هذا كله نرى أن صفات اله يجب أن تنكر كلها. وإذا كان لنا أن نقول بأية صفة من الصفات الإيجابية، فعلين أن نلجاً إلى المذهب الذي أشرنا إليه ممزوجاً بمذهب السلب: فإذا قلنا إنه عالم فيجب ان نقول إنه علم فوق العلم، وإنه حياة فوق الحباة، وإنه قدرة فوق القدرة، وهكذا بأستمرار.

فكان الصفات السلبية نه ستنتهي إذن في الواقع إلى علب كل صفة عن اته، وسيكون حينئذ الحوهر بلا صفة. بيد أن الإنسان لا يستطيع أن يقف مع ذلك كما قلنا عند هذه الصفات السلبية،بللا بد ، مع مراعاة الناحية السلبية أن تضاف إلى ذلك ناحية إيجابية قدر المستطاع. وهنا نجد افلوطين يصف التة بطريقين: الطريق الأول بهذه الصفة التي هي الأساس في كل وصف سلبي، وهي أن اللة في مقابل كل فان وكل حادث، أي ان الله هو اللامتناهي. واللامتناهي هنا يقصد به أنه الواحد في مقابل كل كثرة وكل حدوث وكل تركيب، وعدا ذلك من الصفات التى لا تبق إلا بما هو فاي. والطريق الثاني أن يصفه من حيث الأثار الى ينتجها، وانه بهذا المعنى عند افلوطين ينصف بأنه الخير. ولم يد افلوطين حرجاً في ان يقول بهاتين الصفتين : الواحدية والخير، خصوصا وقد وجد افلاطون يصف الله بهما، وإن كان ذلك بطريقة مغايرة بعض الشىء لطريقة أفلوطين الخاصة.

وافلوطين يفهم اولاً من الواحد أنه البسيط في مقابل المركب، وأنه الذي لا يقبل التجزى« في مقابل الكثرة، وأنه الأول في مقابل التالي والمشتق، أعني أننا لا نستطيع في الواقع ان نحدد ماهية هذه الصفة، صفة الواحدية إلا بصفات ملبية، وهكذا سنجد أن هذه الصفة الإيجابية ستنحل في تماة الأمر إلى ان تكون هي الأخرى صفة ملبية، إذ لا يقصد أفلوطين من هذه الصفة إلا أن نكون في مقابل الكثرة والتركيب والتجزى، ولا يقصد يها مطلقاً ما نفهمه نحن من الوحدة، رياضية كانت أو عقلية، فإن لم تكن صفة ملبية بمعفى الكلمة، فإها في الواقع صفة مأخوذة عن السلب. وكذلك الحال فيما يتصل بفكرة الخير، فليس يقصد افلوطين من وراء هذه الفكرة أن يقول عن الله إنه خير بمعنى أنه يدخل ضمن الأشياء التي تحمل عليها صفة الخير بل بمعنى أن الله هو هو الخير. وهكذا لن يكون فوقه محمول أو صفة أعلى منه يوجد هو تحتها أو في داخلها، وتكون محمولة عليه أي أعم منه. فالخير هنا يجب أن يفهم بالطريقة عينها التي فهمنا بها فكرة الواحد. ولهذا سنجد فكرة الخير عند افلوطين ستنحل في الواقع إلى فكرة العلية بمعى ان الله قوة، رهذه القوة تفيض بما فيها وتنتج الوجود. رلكن هذا الفيض كما سنرى بعد حين ليس معناه خروج هذه القوة عن نفسها وفيضانها بما فيها في الخارج، او على الخارج، وإنما معناه أن تظل هذه القوة كما هي في نفسها، وتكون العلية عندها أن تبذل اثارها لا أن تبذل جوهرها. وهنا الفارق الكبير بين العلية حينما تقال على اله أو على الأول، وحينما تقال على بقية الأشياء، إذ هنا نجد فكرة عميقة يستخدمها أفلوطين لاول مرة تقريباً ، وستصبح فيما بعد مصدراً خصباً لكثير من الافكار، إن في المسيحية أو في الإسلام، اوفي كل المذاهب التي تنتسب إلى الأفلاطونية، وتتأثر بها في الفلسفة الحديثة، ونعفي بها «فكرة الكمال» فالعلية هنا ليت تأتي عن طريق منح القوة بما في الداخل لكى ينتقل هذا الممنوح إلى الخارج، فإن هذا المعنى يؤذن قطعاً بالتغير في المانح، لان جزءاً منه هو الذي سيتكون منه الممنوح؛ فهذا يحدث دائا بالنسبة إلى الاشياء المادية، إذ ان أي شيء محدث اثراً فإنما يكون ذلك بانتقال جزء من المؤثر إلى الأئر. ولكن الحال ليت كذلك فيما يتصل بالمعقولات. ، إذ ان المعقول يحدث أثره ولا ينقص هو من ناحيته، فالعلم الذي عندي وأنقله الى الآخرين لا يشص ءا الغل؛ وإما يظل العلم عندي كما كانت عليه الحال من قبل، إن لم يكن أكثر، لان الفيض في هذه الحالة، اعى الفيض الروحى، لا يكون على صورة اجزاء تنتقل من المؤثر إلى الأثر، وإنما يكون دائما على صورة حصول تأثر في الخارج؛ فحالة ان يكون الشيء متأثراً بشىء اخر هى حالة العلية، إذا ما فهمت من ناحية الكمال لامن ناحية التأئير المادي. وكذلك الحال بالنسبة إلى اس أو الاول او المعقول اياً كان: يظل كما هو ي استقلاله وكماله وذانه، رلا يخرج عن هذه الذات وإنما يحدث التأثير بتأثر الشى الخارجى، او بتعبير أدق، بأن يحدث تأثر خارجى، وهذا التأثر الخارجى الذي يحدث يكرن وجوداً ليس منتزعاً ، وكأنه جزء من الوجود الأول، وإنما اقصى ما يقال عنه إنه حالة تأثر صرف بشيء آخر. والعلية مفهومة على هذا النحو هي التي تضاف وحدها إلى الله؛ وهذه مسالة مهمة في الأفلاطونية المحدثة وفي كل المذاهب التي تقوم لاعلى التسلسل لجلي الذي يظهر واضحاً عند أرسطو، وهو أن التحريك انتقال الحركة من المحرك إلى المتحرك، وإنما تقوم على فكرة الكمال، بمعى وجود حالة تأثر درن تغير في المؤثر، وهذه الحالة تشبه تماماً تلك الي تحدث عنها أرسطو فيما يتصل بتحرك السماء الأولى بواسطة المحرك الأرل: فحالة العشق التي بها تتجه السماء الأولى إلى المحرك الأول، فتتحرك دون ان يتغيرهو، ودون أن يكون ثمة انتقال لحركة من المحرك الأول إلى السماء، تشبه تماماً هذه الحالة، حالة الكمال المؤنر عند انلوطين. فالأشياء إذن أو الوجود بوجه عام ينشا ع الأول بفيض من هذا الأول لا ينقص من ذاته، وإنما يجدث وجوداً في الخارج فحسب؛ وظاهر انع كما قلت الوسائط بين الأول وبين الحادث، اعني كلما اقترب الحادث من الأول، كانت درجته ومرتبته في الوجود والكمال أعظم وأكبر. فهنا نجد ان الوجود كله سيتوقف على عذا الأول من حيث أنه يفيض بذاته، فينتج عن هذا الفيض وجود متسلسل على طريق تنازلي، يبدا من الأول حتى نصل إلى ابعد الأشياء ونهايتها بالنبة إلى هذا الأول، وهذا الشى الأخير سيكون ادنى الاشياء مرتبة، وقابلا لان يتخذ اية صورة. والذى يحدث فى هذه الحالة، هو أن الأول يعطى الثافي صورته، والشاني يعطى الثالث صورته، وهكذا باستمرار حى نصل إلى آخر الأشياء . وآخر الاشياء لن يكون تحدثاً لآيةصورة، وتبعاً لهذا لن يكرن مالكاً لاية صورة، فهو الخالى من أية صورة أو اللامتحدد الصرف، أي هو الهيولي، والمادي.

وهكذا نجد أن الوجود كله، ابتداء من الأول حى اخر الأشياء، يكون وحدة تامة، تسير على اساس تصاعد أو نظام وشرح، وفي هذا التسلسل والنظام تكرن المرتبة العليا مصورة المرتبة الأدل منها، وهكذا باستمرار حتى نصل إلى شيء يوهب الصورة، ولا يهب الصورة. فليست فكرة الخلق عند أفلوطين تتم هنا على اساس وجود ضرورة منطقية، او على أساس فكرة التحريك، وإنما تتم على اساس فكرة الكمال وصدور الأشياء عن هذا الكمال.

ولكي يفهم أفلوطين هذه الأشياء الني يعسر جدا أن يعبر عنها بلغة العقل، يلجا إلى لغة القلب، أي إلى الأمثال والتشبيهات، فيقول إن هذا الفيض يحدث كما يصدر النرر عن الشمس دون أن تتغير الشمس، وكما يصدر الماء عن الينبوع دون ان يتغير الينبوع، فالمخلرفى بالنسبة إلى الخالق هو كشعاع الشم بالنبة إلى الشمس. وفي هذه التشبيهات غموض شدبد جداً، يؤذن، لو أنه اخذ بحروفه، بوجود تناقض شنيع في مذهب افلوطين، لاننا سنجد في هذه الحالة أن شعاع الشمس معناه تبدد للشمس وكثرة لها بالنسبة إليها كرحدة، أعني أن هذا الأثر المستمر الذي يكون للواحد في الأشياء، والقوة الحالة منه في جميع اجزاء الوجرد، سيقتضي لو اخذ بحروفه ان يقال بكشرة هذا الواحد وتعذده في الأشياء. ولكننا لا نستطيع أن نوجه هذا الاعتراض المنطقي العقلي الى مذهب يقول بالمعرفة القلبية والذوق والوجدان والعيان. وأحسن التشبيهات التي يمكن ان تستخدم في هذه الحالة أن يقإل إن حلول اس أو الأرل في الكون كحلول الروح في البدن، فلا يمكن تبعا لفكرة الررح القديمة طبعاً أن نتصور الررح حالة في مكان زعل بالذات، ولهذا تعد الررح في هذه الحالة حالة في جميع اجزاء الجسم، مع عدم تبديد أو تكثر . والتجاء أفلوطين !لى النشبيهات هنا مرجعه إلى عجز اللغة عن التعبير، عن مثل هذه المعاني اللطيفة التي تدق عن لغة العفل. وعلى كل حال ، فإن الصلة بين المخلوق وبين الارل أو بين الحادث والأول صلة تنحصر في أن يكون الحادث محمولا أو متعلقاً في وجوده بالأول. وفكرة الحمل أو التعلق يجب ألا تفهم هنا باللغة الأرستطالية ، وإنما يقصد بها فقط استمداد الوجود من الأول لا عن طريق الأخذ، وإنما عن طريق التأثر فحسب: فالحادث في حالة تأثر بقوة المحدث، وهذا كل ما يمكن أن يقال عن صلة هذا الحادث بالأول.

فإذا نظرنا إلى هذه الفكرة، فكرة الخاق أو الصدرر على هذا النحو، فهل يجب أن نفهم منها ما تفهمه المذاهب الأخر ى من فكرة الصدور؟ إذا فهمنا الصدور بمعفى خروج الشيء عن نفه وفيضه بما فيه على الخارج، بمعى خروجه منه إلى الخارج، فإن مذهب أفلوطين ينكر هذا الصدورانكاراًتاماً ، لان هذا المذهب يقوم في جوهره على أساس فكرة الوحدة وعدم التكثر إطلافاً في ذات الأول، كما يقوم من ناحية أخرى على أساس العلو المطلق لهذا الأول بالنبة إلى بقية الأشياء على الرغم بما فيهذه الفكرة من نعارض مع فكرة الفيض رالصدرر بالمعنى الذي حددناه. وعلى هذا فإذا فهمنا الصدور كما هي الحال في المذاهب الصدورية المعروفة ، فإن مذهب أفلوطين ليس مذهباً صدورياً إطلاقاً . ولكن إذا قصدنا من فكرة الصدرر وجود تأثر بقوة أولى في الخارج، ففي هذه الحالة يمكن أن نتحدث عن الصدور عند أفلوطين. ولكننا لا نستطيع أن نفهم بعد ذلك كيف يسمى هذا صدوراً مع قولنا بان فكرة الصدور تتضمن في جوهر ها فكرة البذل من الذات إلى الخارج.

وإذا نظرنا إلى المذهب مرة أخرى من ناحية وحدة الوجود، وجدنا أنه يمكن أن يسمى مذهب وحدة في الوجود بمعنى ان الكثرة في الواحد. ولكن إذا فهمنا وحدة الوجود بمعنى أن الواحد أيضاً في الكثرة، فإن مذهب أفلوطين لا يمكن أن يسمى حينثذ بمذهب رحدة في الوجود، وإنما هو مذهب وحدة في الوجود بمعنى ان الكثرة في الواحد فحسب، لا بمعنى ان الواحد في الكثرة (لأن هذا المعنى الأخير يؤذن بوجود تكثر في الواحد، وهذا يتنافى تمام التنافي مع فكرة افلوطين) .

فمن الممكن إذن أن نتحدث عن وحدة وجود عند افلوطين، من حيث أن وحدة الوجود تقوم على أساس أن الوجود المحوس خاضع ومشتق وصادر عن وجود معفول وان ما عدا الأول فهو عرض وليس بجوهر، وإذا كانت الحال كذلك فمن الممكن ان يقول افلوطن مع ذلك إن هذه الكثرة، كثرة العالم المحوس، موجودة في الواحد.

ولكن المهم عند أفلوطين ليس ان الرجود كله يكون وحدة شاملة متساوية متجانة في كل أجزائها، بل المهم أن يقول من ناحية بوجود الأول بحسبانه عالياً على الكون، وبينه وبين بقية المعقولات والمحوسات هوة لا تكاد تعبر، وما هنالك من تبعية من جانب العالم المعقول فبما عداالأول والعالم المحسوس بأكمله بإزاء اله، إنما ذلك صادر عن كرن هذه الأشياء الأخيرة تقوم بالته، أي تتقوم بفوته. ولكن ليس معنى هذا القيام به أنها هي هو، ولذا كانن وحدة الوجود عند أفلوطين ذات حد واحد، أعني انه يقول إن الكثرة في الواحد، ولا يقول إن الواحد في الكثرة. أما وحدة الوجود بالمعنى العام، فهي القول بالاثنين معاً أي الواحد في الكثرة، والكثرة في الواحد. والفارق هو في نقطة البدء : هل نبتدىء من الواحد لكي نقول بوجوده في الكثرة، وبهذا المعنى نكون الكثرة في الواحد؟ أو تكون نقطة البدء الكثرة ونرتفع منها إلى الواحد، وفي هذه الحالة يكون الواحد في الكثرة؟ ثم إذا انتقلنا من الوحدة الأولى ممثلة في الأول إلى بقية الموجود من معقول ومحسرس، وجدنا أن الأدن يقرم بالأعلى، فالترتيب إذن يؤذن بأن الأئر يؤذن بوجرد المزثر لأن الأدن يتوقف على الأعلى، وعلى هذا فسيكون نظام الكون على النحو التالي: الجم يشتاق ويتعلق بالنفس، والنفس تشتاق وتتعلق بالعقل، والعقل يشتاق ويتعلق بالأول الواحد. فإذا كنا قد انتهينا من البحث في الأول الواحد، فلننتقل منه إلى ما يأي في المرتبة الثانية بالنسبة إليه، ونعني به العقل.

العقل لأول

إذاكنا قد وصفنا الأول بأنه الواحد وميزناه هذا التمييز الحاد، فمن الطبيعي أن يكون الصادر عن هذا الأول ليس متميزاً بميزة الوحدة، وإنما فيه ثنائية؛ وهذا هو الفارق الاكبر بين الثاني وبين الاول. ولكنه ليس فارقاً حاداً كما يتوهم، وإنما يجب ان ينظر إلى هذه الثنان ية في داخل الثاني على أساس انها تفوم بالوحدة؛ أعني أنه لا بد من أن يكون الابن شبيهاً بالاب، وهذا الشبه سيكون في الطابع الأصلي للأب، وهذا الطابع هنا هو الوحدة. فالواحد الأول يطبع ابنه، أي الثاني، بطابع الواحد، على الرغم من وجود ثنائية في الثاني، لان الوحدة ي الثاني في مرتبة ادنى من الوحدة في الأول. وإذا كنا من ناحية أخرى قد نظرنا إلى الاول على أساس أنه فوق العقل، ما دمنا قد قلنا إن الواحد عال لا يمكن أن يوصف لأنه عال كل. العلر، ، فقد جعلنا هذا العلر فوق التعقل، فيكون من الطبيعي إذن أن يكون الثاني هو التعقل أو العقل، ما دامت الميزة الاولى للواحد بحسبانه عالياً أنه عال على الفكر أو العقل او التعقل، فكأن الثاني إذن هو العقل. ولكنه يلاحظ أن هذا العقل هو في الآن نفه وجود أعني أن الفكر والوجود شيء واحد في الوجود الصادر عن الأول، فهذا الثاني هو عقل من ناحية، من حيث أن ال أول معقول له وهو عاقل له، إذ هو يتأمل الأول ويكون الأول - كما قلنا - من صفاته أنه معقول وليس عاقلا، فمن هنا إذن كان الثاني عقلا وعاقلا وتعقلا- والكل بمعنى واحد. ولكن باعتبار الصلة من الأول بأزاء الثاني، سيرى أن الئاني يتقوم بالأول، بمعنى أن وجود الثاني لكون الأول (الكون هنا بمعنى الكينونة)، فهو إذن وجود. وهنا يلاحظ أن أفلوطين كان في هذا امتداداً لتيار موجود من قبل في الفلفة اليونانية خصوصاً ابتداء ، من أفلاطون. إذ نجد أفلاطون اولأ يقول في 1 السياسة 5 إن صورة الخير منتجة لصورتين معاً، هما صورتا التعقل أو العلم او العقل، وصورة الوجود؛ فهو الواهب للعقل والوجود معا. وثانيا نجده في محاورة السوفسطائ ي، ، يبحث كثيراً في الصلة بين الفكر وبين الوجود، فينتهي حينئذ إلى عد الفكر والوجود شيئاً واحداً . ونجد بعد أفلاطون أرسطو يقول: إن العقل الذي هو عقل - عاقل ومعقول معاً ، ومعقول لذاته في نفس الآن، إنما هو جوهر، أي ان فكر الفكر جوهر، والجوهر معناه الوجود القائم بالذات . فكان هذه خطوة أيضاً في عد الوجود والفكر شيئا واحدأ . ثم نجد هذا التيار يظهر بشكل أوضح - وإن صبغ بصبغة رياضية -عند الفيثاغورية المحدثة والأفلاطونية المجددة - فنجد حينئذ ان الواحد هو المعقول وهو الوجود معاً. إلا انه يلاحظ مع ذلك أن أفلوطين قد اتخذ خطوة أبعد من خطرات هزلاء، فأفلاطون قد قال بأن الوجود هو المعقول، او الفكر، لا من أجل جعل العقل هو الأصل في الوجود، ولكن من اجل رد الوجود إلى مرتبة دنيا بالنسبة إلى العقل؛ اما افلوطين فيقصد من وراء القول بأن الوجود هو العفلوان العقل هوالاصل في الوجود وان لا وجود إلا للعقل، وفي هذا نرى الطابع الذاتي الذي يطبع فكر افلوطين بوجه خاص وهو طابع لا نجده عند هؤ لاء المتفدمين.

وهذا العقل، الذي هو الثاني بالنسبة إلى الأول، يعقل على طريقة أرسطر، فمن ناحية الصورة تعقله بطريق الوجدان، ومن ناحية المادة تعقله إنما يكون للأول الذي صدر عنه. فهو لا يسلك إذن سبيل المعرفة المنطفية والتسلل الفكري البرهاني، وإنما «يشاهد» ويعاين ويكشف ويتذوق فحسب، ولهذا كان من العسير أن نعبر باللغة عن طريقة عيان الثاني للأئسياء التي يعاينها، ومن ناحية أخرى يلاحظ أن هذا العقل من ناحية المادة إنما يعقل الأول الذي صدر عنه بأن يتأمله وفي تأمله للأول يكون وحوده من حبث هو نكر. فهو موجود باعتباره عقلا متعقلا من حيث أنه يتعقل الاول، ويستحبل إلى عقل تبعاً لهذا، وهكذا نجد أن العقل يقوم بوظيفة التعقل بطريقةوجدانية، وأن موضوع هذا التعقل هو الأول.

إلا أن العقل حينما يتعقل، إنما يتصف بصفان، أو يتحدد بمقولات تختلف عن المقولات المعروفة. فالعقل -وقد قلنا إن ماهيته في الفكر والوجود معاً - له من ناحية الفكر ثلاث مقولات: الفعل والحركة والتغير؛ و من ناحية الوجود: الثبات وعدم الحدوث في الزمان. وهنا نرى افلوطين يحمل بثدة على مذهب أرسطو والرواقيين في المقولات، فينقد المقولات الأرستطالية على أساس أن فكرة الوحدة حينما تقال على العالم المعقول، فإنها لا يمكن ان تعد وحدة بالمعفى الصحيح، وإنما الوحدة بالمعنى الصحيح تقال فقط على الأول الواحد، على إلنحو الذي رأيناه. والكم لا يمكن ان يكون مقولاً على عالم العقل أو العالم المعقول، لأن الكم، سواء على صورة الانفصال أو الاتصال، لا يمكن ان ينطبق على المعقول من حيث هو شي، اصيل، وإنما يمكن أن ينطبق عليه من حيث ان ذلك صفة خارجية تقال عليه. وكذلك الحال بالنسبة إلى الكيف: الكيف شىء مضاف إلى الرجود الأصلى الذي هو العقل والوجود معا، فلا يمكن أن يعد اصلأ ومحمولاً اصلياً، اي مقولاً عليه؛ وكذلك، وبمثل هذا، يفال عن بقية المقولات الأرستطالية. كما أننا إذا قلنا عن هذا العالم المعقول إنه متصف بالخير، فيجب حينثذ أن نميز، فإما أن يكون معنى ذلك انه الخير؛ ولكننا في هذه الحالة إنما نردد ما قلناه بالنسبة إلى الأول، أو نقول عن العالم المعقول إنه خير، وحينئذ ستكون هذه الصفة خارجية تقال على العالم المعقول. وهكذا نجد في النهاية أن المقولات الوحيدة الي يمكن القرل بها، هي تلك التي تحدثنا عنها، واعني بها من ناحية التعقل او الفكر: الفعل والحركة والزمانية، ومن ناحية الرجود: الثبات وعدم التغير، وعدم الحدوث في الزمان.

والعقل حينما يفكر أو يعقل ينتج معقولات، وهذه المعقولات هي الصور الأفلاطونية المعروفة . وهنا نجد أفلوطين يقول عن الصور إنها جزء من العقل، أي انها افكار في العقل، وليست أشياء مختزنة في العقل، لأن الصفة الأولى للصور عند افلرطين انها فاعلة؛ فالفعل وقوة الأحداث من شانها أن تجعل لهذه الصور وجوداً خاصاً يختلف بعض الاختلان عن الوجود الذي للصور عند أفلاطون. ثم إننا نجد أفلوطين يتحدث عن هذه الصور على النحو الذي تحدث به افلاطون عن صوره في آخر حياته؛ اي بوصفها أعداداً. وقد كان العصر الذي نشأ فيه افلوطين عصراً يمتاز بنفوذ الناحية الرياضية في كل تفكيره، ولذا نجد أفلوطين يقول عن الصور إنها أعداد. ئم إنه يختلف عن أفلاطون بعد ذلك فيما يتصل بعدد الصور وكونها : فمن ناحية عدد الصور يلاحظ ان أفلوطين - وهذا أرجح تفسير لرأى افلوطين في هذا المدد - يقول إن الصور عحدودة لكل عصر بحب الأفراد، والصور لا توجد للأنواع، بل توجد للأفراد، وحينئذ قد يقال إن الصور عند أفلوطين لامتناهية . ولكن يرد على هذا بأن يقال إنها محدودة لكل عصر على حدة، ولهذا فإن عددها يتغير بحب العصر. ومن ناحية كون هذه الصور، أي انتساجها إلى الأشياء التي هي صورة لها، كنا قد وجدنا أفلاطون يقول إن لكل شي، صورة، حتى الاشباء الفذرة والدنيئة، وما أشبه ذلك. أما أفلوطين فينكر ذلك، ويجعل الصور الى للموجودات المحوسة في المرتبة العليا، كما أنه يلاحظ أخيراً ان هذه الصور هي في الوافع الوجود، ر الوجود والفكر عند أفلوطين -كما قلنا منذ قليل - واحد، ومن هنا لا نجد هذه التفرقة الحادة، بين الصور وبين المحرسات المتعلقة بالصرر، الى نجدها عند أفلاطرن، بل نجد شبهاً او اتفاقاً بين الصور وبين المحسوسات والاختلاف إنماهو فى لمرتبة.

ويلاحظ كذلك أن أفلوطين يقول عن الصور، كما بقول عن العقل برجه عام، إن بها اختلافا وتميزاً . وهو يجعل هذا الاختلاف والتميز من صفات العالم المعقول، والاختلاف والتميز إنما مصدرهما دائما وجود الإمكانية ، كما أن التغير الذي يضاف كمقولة إلى العالم المعقول يقتضي كذلك وجود الحدوث والإمكانية. والحدوث والإمكانية معناهما في الواقع وجود المادة او الهيولى، لأن الهيرلي معناها الإمكانية المطلقة، وحيث توجد الهيولى ترجد الإمكانية، وحيث ترجد إمكانية توجد هيولي. وعلى هذا فإذا كان ثمة إمكانية في العقل، فثمة هيولى. إلا أيه يلاحظ مع ذلك أن الهيولى هنا يجب الا تفهم بالمعنى العادي. بل يجب ان يميز ين نوعين من الهيولى عند افلوطين، فهناك هيولى معقولة، وهيولى محسوسة. وكلتاهما تكاد تكون في تعارض تام مع الأخرى: فالهيولى المعقولة تمتاز بالثبات، بينما الهيولى المحوسة تمتاز بالتغير، وهذا هر الفارف الأكبر بين كلا النوعين. ولكن هذا الفارق عبنه يتعلق بجوهر فكرة الهيولى في ذاتها. ولذا يحق لنا بعد ذلك أن نتساءل : أين يوجد الاتفاق أو الشبه بين. الهيرلى المحوسة والهيولى المعقولة، اللهم إلا في الاسم؟ الوانع أن ااسم وحده هو الذي بميز بين هذين النوعين من الهيرلي. وهكذا نجد أفلوطين يصور لنا الدرجة الثانية من درجات العالم المعقول، وهي درجة العقل على أساس أن هذا العقل هو فكر ووجود معا، وأن فيه تمابزا، مع ذلك، وهذا التمايز يؤذن من ناحية أخرى بوجود هيولى فيه. هذا !لى أن العالم المعقول على الرغم من أنه صادر عن الأول، فإنه ابدي لا يفنى.

النفس

وإذا كان العقل قد صدر عن الأوز بهذه الطريقة، فكذلك وبالطربفة عبنها صدر ألكال-¿ . وهذا الثالث لن يصدر عنه إلا ما هو محسوس، لأن صنة ألمعقول قد استنفدت كلها في هذا الثالث، فلم يعذ غير المحسرس في الوجود. وكما أن الثاني في مركز وسط بين الأول وبين ما يليه، كدلك هذا الثالث في مركز أوسط فيما بين الثاني والعالي المحسرس. وفكرة المركز الوسط هذه تتضمن أولاً أنه لما كان الأصل الذي أقمنا عليه فكرة الثاني هو أن الوحدة لا يمكر . أن توجد بالمعنى الحقيفي الدقيق إلا في الأول،,يكذك الحال بالسبة إلى الثالث، توجد الكثرة فيه درجة أكبر مما وجدت في الثاني، وإذا كنا قد قلنا مع ذلك بكثرة الصور في الثاني أو في العقل، فبطريقة اولى يجب أن بقال بكثرة أكبر في هذا الثالث.

وهذا الثالث وإن كان في مركز وسط بين العقل وبين العالم المحسرس، فإن قربه من الثاني أشد من قربه من العالم المحسرس، أعني أنه في صفاته أفرب ما يكون إلى العالم الثاني، أي أقرب إلى العقل منه إلى العالم المحسرس الذي يتلوه. ولهذا نجده يتصف بالكثرة الموجودة كذلك في الثاني، وبدرجة اكبر في العالم المحسوس؛ ولكن هذه الكثرة تجمعها - كما هي الحال في العقل - وحدة، وإن كانت هذه الوحدة ليست قوية متمكنة من الكثرة، كما هي الحال في العقل. هذا إلى أن الصفات أو المقولات التي نسبناها إنى العقل نجدها كذلك، ولكن بدرجة أقل طبعاً، في الثالث، من ناحية أن هذا الثالث يتائر بدرجة اكبر من العفل. وهذه الصفات هي: الغعل والحياة والحركة من ناحية الفكر، والثبات واللازمان من ناحية الوجود. إلا أن صنة الفعل هنا وصنة التغير واضحتان جدأ من حيث إنتاج ما هو محسرس، لان النفس ستكون في الواقع في مركز البارئ أو الصانع، وهي التي تصنع العالم المحسوس، فمن هنا كانت وظيفة الفعل - ويقصد بالفعل هنا المعنى العادي - أكبر في هذه الحالة منها في حالن العقل.

وهذا الثالث هو النف. فإن النفسر ي صورها أفلاطون كذلك تتصف بهذه الصفات، اعني قربها من العالم المحسرس، وعدم وجود وسائط بينها وبين هذا العالم - مما هو معقول - وانها هي الصانعة بالفعل فذا العالم المحسرس. وحينما يتحدث أفلوطين عن النفس، فإنا يقصد بها غاباً النفس الكلية، كما هي عند أفلاطون: فهناك نف شاملة هي التي يتم بها إنتاج العالم المحسوس. ومع ذلك فإذا بحثنا في مذهب أفلوطين بدرجة اعمق، وجدنا أنه يلجأ إلى القول أولا بشنائية في هذه النفس، وذلك لانه من أجل ان يفسر ما هنالك من نقص وشر في العالم المحسوس، يلجاً إلى نفس تكون أقل درجة بكثيرمن العقل. فلا بد له من القول، تبعاً لهذا، بنوعين من النفر: نفس عليا، ونفس دنيا. أما النفس العليا فهي اقرب ما تكون الى العقل، رلذا كانت ابعد ما تكون، بالنسبة إلى بقية النفوس، عن إحداث المحسرس. واما النفس الدنيا، فهي أقرب ما تكون إلى المحسرس، وبالتالي قادرة وحدها عل إحداث كل الحرادث أو الموجودات المحسوسة. ولهذا نجد ان افلوطين لم يستطع ان يضع المبدأ الثالث واحداً، بل قال به مزدوجاً. واكثر من هذا نجده يتحدث في مواضع كثيرة جداً عن نفوس في صيغة الجمع، ويقول بوجود عدد كبير جدا من النفوس. وصلة هذه النفوس بالنف الكلية لا بد أن تفهم على اساس يقارب فهمنا لفكرة وجود الصور المتعددة في. العقل الواحد. وهو هنا يلجاً من اجل هذا !لى عدة تشبيهات: فيشبه وجود النفوس المختلفة في النفس الكلية بالعلوم المختلفة داخل العلم، أد بالافكار المختلفة في داخل المذهب، أعني أنها تكرن كلها وحدة واحدة، وإن كان من الممكن أن يميز فيها بين أشياء متعددة.

وتأتي بعد ذلك، فيما يتصل بالنفس، مشكلة أخرى هي مثكلة إحداث النفس للعالم المحسرس. فكيف يمكن النفس التي هي موجودة في عالم معقول مع ذلك - وبين هذا العالم المعقول رالعالم المحسوس هوة كبيرة لا يمكن عبورها تقريباً - كيف يمكنها أن تنزل إلى المادة وتتصل جها؟،

هنا نجد أفلوطين يجيب عن هذا بأن يقول: إن النفس لما رأت اشتياق الهيولى إلى وجرد صورة لها، منحتها هذه الصورة، فاضطرت من أجل هذا إلى الحلول في المادة. وحلولها فيها لا يؤذن بوجود تشتت فيها، لأيا إنما تحل في المادة - والمادة كثرة - محتفظة مع ذلك بما لها من وحدة، كما هي الحال مثلاً في النفس الإنسانية بالنبة إل البدن: لا يمكن القول باها في محل بالذات، وإنما حالة في البدن كله، بمعنى أن البدن كله يقوم فيها، ويتقوم فيالواقعبها.

فإذا ما انتقلنا من هذا العالم، عالم النفس، إلى ما يليه، كان لدينا العالم المحسوس.

العالم المحسوس

وتبعاً للمبداً الذى يسود مذهب أفلوطين فى الوجود، كان عليه بالضرررة ان يغرل بوجود عالم المحسوس. وذلك أن هذا المبداً يقول إن العالم في تدرج نزرلي من حيث القوة، اي ان إضعافاً مستمراً للعقول. هنالك لا بد للإنسان ان ينتهي إلى درجة يتغلب فيها جانب المادة على جانب العقل، فيتكون عن ذلك مزيج هو المحسوم. وافلوطين يقول بفكرة المحسوس أر بفكرة المادة ار الموضوع الدائم مهما تعاقب عليه التغير، لنفس الأسباب التى ساقها أرسطو من أجل إثبات وجود الموضوع أعني المادة. فهو يقول مع ارسطو إن التغير أر تعاقب الأضداد يستلزم بالضرورة وجود محل تتعاقب عليه الأضداد، وهذا المحل هو المادة.

وهنا يلاحظ كذلك أن افلوطين يضيف إلى المادة نفس الصفات التى يضيفها ارسطو وأفلاطون إلى المادة، رهو يغالي في إثبات هذه الصفة الرئيسية للمادة، راعني بها أيا إمكانية مطلقة ولا تحدد صرف، رلا تعين خالص. وذلك أن ما أضطر أفلوطين إلى القول بوجود المادة، هو ان المادة هي الحد النهائي الذي يجب أن ينتهي إليه الإضعان المستمر أو التدرج النزولى للقوة العاقلة، فالقوة العاقلة -ار المعقول - يسير ضعيفاً شيئاً فشيئاً من قمة الأول الواحد، رلا بد ان ينتهي في النهاية إلى شيء هو في ادنى درجة من المعقولية، أر بعبارة ارضح: في درجة خالية من كل معقولية. ويقصد بالخلو من المعقولية هنا الخلو من الصورة تماماً، لآن الأصل في المعفول هو الصورة، وما ينتفى عنه صفة المعقول يكون خالياً من الصورة. اي يكون إمكانية صنرفة لتقبل كل صررة، أر بتعبيرآخر يكون عدم تحدد أو عدم تعين مطلق، وتلك هي الهيولى ار المادة. فإذا كنا في الواقع فد اضطررنا الى أن نقول عن الواحد إنه لا صفة له، فكذلك نقول عن الهبولى في الطرف الآخر المقابل تقالاً مطلقاً للطرن الأول إنها هي الأخرى عدم تعين، وأن ليت لها صفة. إلا اننا نفون هذا لسببين متعارضين كل التعارض، فنقول عن المادة إنها لا تعين صرف ولا صفة لها، لأنها قابلة لكل تعين، ولا لتعين بالذات، بينما الأرل غير قابل لأن تكون له صفة، لأنه فوق كل صفة، أو لأنه صفة فوق كل الصفات. وإذا كنا قد وجدنا أفلاطرن ينعت المادة بنعوت قريبة من هذه، وكذلك أرسطو - وإن كان هذا بدرجة أقل عنده - فإننا نجد أفلوطين يزيد عليهما في هذا الصدد لآنه أضاف إلى المادة شيئأ جديداً أخذه في الواقع عن التطور الجديد الذي عانته الفلسفة اليونانية في الطورالابق مباشرة على افلوطين، راعني به التطرر الذي جاء على يد الفيثاغورية المحدثة؛ وفيلون بوجه أخص. فإن فيلون والفيئاغورية المحدثة قد نظرنت تبعاً لتغليب النظرة الأخلاقية - وكذلك الحال في الرواقية ففد سادت فبها ايضاً النزعة الاخلاقبة - نقول إننا نجد عند كل هزلاء أن المادة ستنعت نعتا جديداً مصطبغاً بصبغة الأخلاق، فيقال عن المادة إنها الشر أو أصل الشر. وإذا كنا نجد شيئاً قريباً من هذا عند افلاطون في الدور المتأخر من ادوار حياته، فإن هؤلاء المحدثين قد اربوا على أفلاطون كثيراً ، فجعلوا الاصل في تفسير المادة رغبتهم في تفسير فكرة الشر. رلهذا نجد افلوطين قال بوجه خاص إن المادة أو الهيولى شر، وذلك لأن الشر معناه ففدان الخير، اعف أن الشر تبعاً لهذا صفة سلبية رنفي أر عدم للخير، اي ان الخير، وحده هو الإيجابي، اما الشر فهو عدم الخير، ولا يمكن أن ينعت بغير هذا. ولهذا فلا بد من القرل بوجود المادة من حيث إن المادة هي اللاتعين، فلكي يفسر رجود الشر يجب القول بوجود المادة، ما دام الشر هو السلب أو اللاتعين بالخير، وهكذا تظهر لنا الناحية الجديدة الأخلاقية التى أثرت في تصور المادة فى الفلفة اليونانية في هذا الدور.

وحينثذ مجب أن نتسا ءل - خصوصاً وقد عنى أفلوطين بالناحية الأخلاقية كل العناية حتى كادت أن تكون الغاية النهائية رالأولى من التفكير الفلسفي لديه - : هل م يكن ممكناً استبعاد هذا الشر غهائياً؟ وهل لا يمكن أن يتصور الإنسان العالم وقد خلا من هذا السلب؟ هذه مسائل قد عنى أفلرطين عناية خاصة بالبحث فيها، لكنه لم يأت بجواب حاسم في هذا الصدد، وكل ما يمكن أن يقال عن مذهبه في هذا هو أنه قال بوجود إضعاف مستمر عن طريق فكرة التدرج النزولي للمعقول، وهذا الإضعاف المستمر لا بد أن ينتهي الى القول بوجود شيء قد خلا من المعقول، وهذا الشيء هو الهيولى. ولما كانت هذه الهيولي مبدأ السلب، فهي بالتالي مصدر السلب، والسلب هو الشر، فكأن الهيولي بوصفها الحالة النهاثية للمعقول لا بد أن تكون مصدراً لوجودما، هي مصدره وهو الشر.

وهنا نجد افلرطين يقف موقفين مختلفين بعض الاختلاف أو كل الاختلاف فيما يتصل بهذه المسألة. فنراه من ناحية، وتبعا لنظريته في الوجود، ينكر على هذا العالم المحسوس كل قيمة، وينعته بأنه شر، وبأن من الخير الخلاص منه، وانه مصدر لكل فساد، وعلى ذلك فالعالم المحسوس - في كلمة واحدة - شر ولكننا نجده من ناحية اخرى يقول : إن هذا العالم المحسوس ليس شراً كله، وذلك الموقف الثاني قد عفى أفلوطين بالتحدث عنه لويلا خصوصاً لأنه كان عدواً للمسيحية كأشد ما تكون العداوة: فهو قد وجد كبار الآباء المسيحيين يعنون بهذه الناحية ناحية أن العال شر وخطيئة ولا قيمة له وهكذا. . . فكان عليه لكي يعارضهم من هذه الناحية ولكي يكون من ناحية أخرى مخلصاً لآبائه الروحيين، اعني الفلاسفة اليونانيين بوجه عام، كان عليه من ناحية أخرى أن يقول بفكرة الخبر في هذا العالم. ويوجه من أجل هذا اعتراضات رئيسية الى اصحاب الرأي القائل بأن العالم المحسوس شر، فيقول اولاً: كيف يحق لكم أن تنعتوا هذا العال بأنه شر، مع أنه ليس إلا صورة للخالت أو الله، وأنتم تقدسون هذا الإله؟ ثم كبف تقولون إن هذا العالم كله شر؛ مع أنكم تقولون من ناحية أخرى بوجود العقل في الإنسان وبالعاية الإلهية، وهذا كله يؤذن بأن الأشياء لم تخلق عبثأ؟ وهو يؤكد الحجة الأولى بأن يقول إن الذي أنتج العالم المحسوس هو العالم المعقول، وقد أنتجه على صورته، فكيف يمكن بعد ذلك أن نقول إن هذه الصورة تناقض الأصل هذا التناقض العجيب؟ وهنا يلجأ أفلوطين إلى تشبيهاته المعتادة؛ فيمثل بالشمس؛ قائلاً إن عالم امدرس هو كالأشعة بالنسبة الى الشمس أو كفروع الأنهار او النهيرات بالنسبة إلى النهر أو الينبوع؛ ويلجا بوجه خاص إلى تشبيه عنى بتطبيقه أشد العناية في هذه الناحية؛ وهو أن العالم المحسوس مرآة العالم المعقول؛ نحينئذ لا يشك في أن الصورة التي في المراة، وإن لم تكن هي الاصل، فإنبا لا بمكن ن تختلف اختلاقاً كلياً عن الأصل. هذا إلى أن ما نراه من تعدد في.المحسوس؛ لا يؤذن بوجود الشر على هذا النحو؛ وإنما الحال هنا كالحال بالنسبة إلى عدة مرايا تعكس شيئاً واحداً، فالأصل الواحد قد انعكس في عدة أشباء . ولكن هذا الانعكاس لم يكن من شانه أن يحدث تشويهاً كبيراً على اقل تقدير، في الصورة المتكونة. وكذلك الحال ايضاً في الصوت الواحد الذي يسمعه عدة أفراد فيظل مع ذلك على طبيعته، وإن اختلف بعض الاختلاف بحسب طبيعة الأشخاص، فإنه يظل الصوت الأصلي على كل حال. فكيف يجوز لنا ان نقول عن العالم إنه شر كله؟ من هنا ليس أمامنا غير سبيلين: إما أن نقول الأصل شر، فالصورة شر كذلك، وإما أن نقول بأن الأصل خير فالصورة خير بالضرورة. فلما كان لا بد من القول بأن الأصل، وهوالواحد الأول الأكمل. .. الخ هو الخير، فيجب بالتالي أن يكون العالم المحسوس الذي هو صورته خيراً كذلك، وإن كانت درجة الخير بالنسبة إلى هذا الأخير أقل بكثير جداً منها بالنسبة إلى الأول نظراً إلى أنه صورة وليس اصلا، اي في درجة خففة من الخير بالنسبة إلى خير الأول الواحد.

وهكذا ينتهي افلرطبن إلى القول بأن العالم خير، ويعني هنا خصرصا وفي عبارات خلابة شعرية بتمجيد هذا العالم الخير، ثم يبين ما فيه من انسجام وكيفية ارتباط اجزاثه بعضها ببعض. ويعنى اخيراً بمسالة العناية الإلهية : إما أغهم يقولرن بوجود الصدفة المحضة في كل شيء، وإما انهم يفسرون هذه العناية على انها القضاء والقدر، أعني الجبر والضرورة. ويرد أفلرطين على هذا الفريق وذاك، فيرد على الاول بأن يقول إن العالم لم يخلق عبثاً على هذا النحو، تسوده الصدفة، لأنه صورة لمعقول، والمعقول يسوده العقل، أي تنتفي معه الصدفة والاتفاق. ويرد على اصحاب الرأي الثاني بأن يقول إن الحرية يجب ان يؤكدها الإنسان؛ وأما العناية فمعناها أن كل شيء أو الأشياء جميعاً مرتبة ترتيباً كلياً مطلقاً عاماً على اساس الاتجاه نحو الخير، وهذه العناية من اجل ذلك لا تمتد إلا لى المساثل الكلية وحدها. اما العناية الفردية، بمعى تحديد مصير كل إنسان على حدة، فينكرها أفلرطين لأنه يأي ان يضيف إلى الله، او الأول، أن يعلم كل هذه الجزئيات التي تحدث تغيراً في طبيعته وكثرة فبها، كما انه يضيف إلى الإنسان حرية لا تتفق معها هذه العناية الفردية، وإنا العناية معناها عند افلوطين انسجام القوانين الكونية الكلية بعضها مع بعض، من اجل تحقيق انسجام في الكون.

العودة من العالم المحسوس إلى العالم المعقول

ينظر أفلوطين إلى النفس الإنسانية نف النظرة التي كانت لدى أفلاطون، فهو يقول إن النفس الانانية كانت تحيا من قبل حياة ابدية، ثم هبطت من هذه الحياة الأبدية إلى الحياة الجسمية البدنية.

أما العلة في ان النفس الإنسانية قد هبطت في العالم الجماني فإنها هي ذاتها العلة التي بها نشأ النوس كشيء صادر عن الواحد الأول، والنفس الكلية كشيء صادر عن النوس. فالنفس الأنسانية تصدر عن النفس الكلية بنفس الضرورة التي تصدر بها النفس الكلية عن النوس. وهنا يجب أن يفرق في داخل النفس الكلية، كماقلنا سن قبل، بين نغس كلية بالمعفى الحقيقي، وبين عدة نفوس تتصل كلنف منها بفرد في لعالم المحوس بالذات. فكا أن النفس الكلية هي المصدر بالنسبة إلى العالم المحسوس ككل، فلا بدان نفترض بالنسبة إلى الأفراد التي تكون العالم المحوس نفوساً تكون كالمصدر بالنسبة إليه . وهنا نجد النفس الكلية ستنقسم فمين او تكون ذات طبيعة مزدوجة : فهي من ناحية تشارك النفوس في طبيعته وفي مقامه في الوجود، وسن ناحية أخرى ستكون أقرب إلى البدن، فتكون ابعد ما تكون عن الاتصاف بصفات النوس وتكون في الواقع نفاً شهرانية، ولذا يمكن أن تسمى الأولى باسم النفس الإلهية، والنفس الثانية بالنفس الشهوانية.

والنفس عند أنلوطين يجب ألا ينظر إليها بوصفها شينا جسمياً كا فعل الرواقبون، فإن افلوطين يكرس فصولاً مهمة من ,الئساعات، من اجل تفنيد هذه النظرية، نظرية ان النفس ككل شيء في الوجود جم، ويستعيض عن هذه الفكرة بفكرة ان النفس، خصوصاً فيما يتصل بالنفس الإلهية، روحية خالصة، ومن طبيعة تختلف كل الاختلاف عن طبيعة البدن، وتتصف بالصفات التي اضفيناها منقبل على النفوس وعلى الواحد، فهذه النفس توجد خارجة عن الزمان، لأنها توجدابدية، أبدة المعقول أو النفس الكلية، وهى لا تقبل التغير، لأنها مستقلة بنفسها، قائمة بذاتها، دون أن تكون في حاجة إلى شيء فتزداد، او يكون منها شيء من خارج زيادة على نفسها فتنقص، اعفي انها لا تقبل أية درجة من درجات التغير، كما أن هذه النفس لا تحتاج إلى فكر، إذ لا داعى إلى الانتقال من شيء إلى شيء، والربط بين شيئين، كما هي الحال في الفكر، لأن إدراكها وجداني مطلق، وليست في حاجة إلى التذكر والخيال، لأنها ليست في حاجة إلى أن تتذكر شيئاً ليس أمامها حاضراً، بل كل شيء بالنسبة إليها حاضر، كما هى الحال بالنسبة إلى كل شى إلهى معقول. وهي بالتالي تتصف بكل الصفات التي نسبناها من قبل إلى النوس، ثم نجد افلوطين من ناحية أخرى يحمل على المذاهب التي نجعل النفس شيئاً متصلاً، أو متعلقاً بالبدن، ولا وجود لها إلا بوجوده، فهو من ناحية ينكر قول الفيثاغوريين الذين يقولون إن النفس إنجام للبدن، وينكر على ارسطو قوله إن النفس كمال اول لجسم طبيعي آلي، وذلك لأن هذا المذهب او ذاك ينظر إلى النفس على أنها فائمة بالبدن، اي ليس لها وجود مستقل خالص، ومعنى ذلك انه ليست لها روحية خالصة لا تتعلق بالبدن، وإنما كلشيء فيها متوفف على البدن. وإذا كانت الحال كذلك فينكر ان يكون لها وجود سابق على البدن، بل وينكر ان يكون لها خلود. و أما انلوطين، فنظراً لانه نظر إلى النفس، وعلى الأخص النفس الإلهية والجزءالإلهي من النفس الإنسن ية هذه النظرة التي اشرنا إليها، فإنه لم يكن في حاجة الى أن يبحث طويلاً في مسالة خلود النفس. فما دامت النفس مستقلة قائمة بذاتها إلهية معقولة، فهي بالضرورة كانت قبل حلولها في البدن، وستكون بعد مغادرتها للبدن، وخلود النفس بالتالي مؤكد.

وايا ما كان، فإن أفلوطبن مع ذلك قد كرس فصلاً رئيسياً لإثبات خلود النفس فنراه يلجا إلى نفس البراهين الى قال بها أفلاطون سنقبل في «فيدون» دون ان يضيف إليها جديداً يعتد به. وإنما المهم لديه أن يؤكد استقلال هذه النفس وقيامها بذاتها، وعدم اعتمادها على شيء يتصل بالبدن. وفد كان في وسع النفس الا تنزل هذا النزول إلى البدن، وإنا هي الضرورة هي التي تضطرها في وقت معين إلى أن تتخذ هذا المظهر. وهنا نجد افلوطين ينظر إلى المألة نظرتين متعارضتين، فتارة يقرل إن النف تنزل البدن بمحض اختيارها بعد أن كانت في عالم النف الكلية، وتظل محتفظة بكل الصفات الإلهية التي توجد في النف الكلية، ولكنها تسعى مع ذلك نحو الانفصال ونحو الانجاه إلى الفيض بشيء من ذاتها على الخارج، فإنها هنا تكون حرة ومزولة عن هذا الفيض، اي عن حلولها في البدن. ولكننا نجد افلوطين من ناحية !خرى ينفي هذه الحرية التى للنفس في هبوطها وحلولها بالبدن، ويقول إن ثمة وقتاً لا بد ان يأتي وتضطر فيه النفس إلى ان تحل في البدن. فهنا حرية من ناحية، رجبر رضرورة من ناحية اخرى.

لكن في وسع أفلوطين ان يتخلص من هذا التعارض، لان المبدا الأصلي الذي يقوم عليه مذهبه كله، وهو أن كل شيء اعلى يميل بذاته إلى أن يفيغ على ما هو أدنى - هذا ألمبدأ كان يزذن بالقول بأن النفس حرة في أن تفيض على البدن اعني أن تحل به، بينما كانت الناحية الأخرى، ناحية الشر الذي يحل بالنف من جراء تعلقها بالبدن - خصوصاً وان افلوطين قد نظر إلى الصلة بين النفر والبدن، على اساس ان بينهما هوة بعيدة تزيد بكثير جدا عما يفصل بين درجات المعقول بعضها وبعض، وذلك يفسر بأن أفلوطين قد وجد أننا هنا ننتقل من العالم المعقول إلى العالم المحسوس، فلا بد أن تكون الهوة هنا أكبر منها بين درجات العالم بعضها وبعض - نفول إنه من هذه الناحية كان على أفلوطين ان يقول إن في هبوط النفس شراً لا بد منه، وبالضرورة سنضطر النفس يوماً ما أن تنزل البدن الذي كان عليها أن تنزل به، ومن هنا كذلك اضطر إلى القول جهذين الموقفين المتعارضين.

والنفس الإنسانية من ناحية الإدراك تتبع طريقاً ذا درجات ثلاث، يبدا بالإحساس، ويتوسط في النظر، وينتهي إلى الوجذ. فالإحاس درجة دنيا من درجات المعرفة، ويقول عنه أفلوطين إنه كالرسول الذي يأتي من قبل العقل لإيقاظ النفس. ولو أننا نجد افلوطين مع ذلك يضيف إلى هذا الإحسامر قيمة ليت بالقليلة، فيقول عنه إنه صورة للمعقول، ويقول عنه إنه إذا كان النظر او الوجد يدرك الصور كما هي في النفوس، فإن الإلحساس يدرك الصور كما هى مفصلة بالاستعانة بالنظر. إلا أنه لا يرتمع بالإحساس إلى درجة اليقين، أو إلى درجة المصدر الذي يجب ان تبدا منه المعرفة، اي أنه لا ينب إلى الاحساس تلك القيمة التي نسبها إليه ارسطو، لان الإنان لا يستطيع ان يتعلق بالمحسوس ما دام المحوس مصدر التغير والكثرة والتبدد، ويجب على الانان في سلوكه نحو الله أن يتخلص من هذا المحسوس المتبدد المتكئر المتغير لكى ينتهى إلى الرحدة والطمانينة والسكون والثبات. لا بد إذن من التخلص من درجة الاحاس رالارنفاع منها إلى درجة اعلى وهذه الدرجة العليا هي درجة النظر، ونقصد بها الدرجة القي فيها يرتب الإنسان بين التصورات بعضها وبعض، ويربط فيما بينها من. أجل البرهان. وافلوطين يعتد كثيراً بهذه الدرجة الوسطى على اساس أنها درجة متوسطة بين العالم الأعلى الواحد وبين المحسوسات ويسمى هذه الدرجة من درجات التفكير بالديالكتيك، وينسب إلى الديالكتيك نفس القيمة والأهمبة الى نسبها إليه افلاطون. إلا أنهليسعلينا أن نقف عند حد الديالكتبك لأنه هو الآخر يفوم على أساس التفرقة بين الموضوع وبين الذات، وفي حالة الديا^كتيك تكون في حالة ثنائية، بمعنى التقابل بين الموضوع وبين الذات. وفى هذا كله نجد النف الإنسانية لا زالت متعلقة بالكثرة وبالتغير، لان الانتقال من الموضوع إلى الذات، أو من الذات إلى الموضوع، إنما هو تغير كذلك، فعلينا ان نتخلص ابضاً من هذه الدرجة الوسطى على الرغم مما لها من أهمية كبرى وقيمة عظيمة في تحصيل المعرفة، وأن نرتفع إلى درجة أعلى من المعرفة: فيها يرتفع التعارض بين الموضوع وبين الذات، وفيها تنتهي المعرفة الي تقوم على التعارض بين المرضوع وبين الذات، لان كل معرفة تقوم على أساس إدراك الذات لوجود خارجي في مقابلها؛ وعلينا كذلك أن لا ننظر إلى المعرفة بوصفها تحصيلاً وكسباً وملكاً، وإنما بحسبانها وجوداً او أتحادأ وهوية، اعنى أنه يجبعلى ,لغى الإل—انية أن ترجع من حالة 1 لتيئدوالكثرة الىحالة الرحدة المطلقة. وهذه الحالة هى حالة «الوجد».

ومعنى هذه الحالة أن يكون الإنسان خارجا عن طوره وعن نفسه، فهي حالة أشبه ما تكون بحالة الجنون في العشق، او حالة النشوة في السكر. وفي هذه الحالة يسقط كل شى، من الموجودات ولا يكون شىء من الأغيار موجرداً ، ؛ فتكون النفس حيننذ في حالة الفناء والطمس والمحو؛ أعني أن تزول كل المظاهر الخارجية بالنسبة إليها، ويصبح كل شيء في حالة عماء هو ما يسميه الصوفية المسلمون بحالة «الغراب الأسردء وما يسميه المتصرفة المسيحيون باسم «الليلة الظليء)). وفي هذه الحالة يكون الإنسان في أسوأ الحالات التي يمكن أن يمر بها، لأنه أصبح لا تعبنا صرفا، وأصبح فناء مطلقا؛ إذ انه هو اللاتملك الصرف في هذه الحالة، بمعنى أن الأغيار والأشياء الخارجية قد سقطت عنه، كما أن الواحد لم يملأه بعد، فيكون في حالة تتراوح إذن بين الخوف والرجاء وبين القلق والطمأنينة، خصوصا وأنه لا يدري بعد هل سيصل إلى درجة الطمأنينة أو لا يصل. فإذا ارتفع من هذه المرتبة، مرتبة الصعق، إلى مرتبة الطمأنينة بعد القلق، والهدوء والسكينة بعد الخوف، يصبح وكانه هر الله، أو بعبارة أدف بعرف بأنه هر الله . والمعرفة هنا لي- يقصد بها أن يكون ثمة ذات وموضوع، بل أن تكون الذات هي الموضوع، والموضوع هرالذات، فتكون بين الاثنين هوية مطلفة.

وفي هذه الحالة تسقط أيضاً التفرقة بين العاقل والمعقول، فيصبحان شيئاً واحداً . وبعد أن كان الإنسان في حالة التكثر والتغاير والتغير من حال !لى حال، يصبح في حالة طمأينة خالصة فيما يمونه باسم «حالة النفر المطمئنة» عند المتصوفة المسلمين، أو «حاله الاتحاد بالله «، وفيها يكون الإنسان خارجاً عن ذاته، ومتحداً بالذات الإلهية، أو حاصلاً على الذات الإهية، أي هو والذات الإفية شيئاً واحداً. وهذه الحالة تاتي إلبه لا باختيار وإرادة، بل يتلقاها وكأنها نور يهبط عليه، أعني. أنه في هذه الحالة لا يجاهد من أجل الحصول عليها، بل ينتظر وجودها فيه . ومن هنا كانت حالته حينئذ سلبية صرفة، هي حالة القبول أو التلقي للمدد الوارد من جانب الواحد.

وهنا نجد أنفسنا في عالم مختلف كل الاختلاف عن العالم الذي ألفناه في الفلسفة اليونانية بالمعفى الصحيح، إذ يسقط الفارق بين عالم الذات وعالم الموضوع، ولا يكون ثمة انسجام بين الاثنين ولا تفرقة، وإنما يكون عو لعالم الموضوع في عالم الذات، فننتقل حينئذ إلى الذاتية المطلقة الفي تفصل فصلا تاماً، أو شبه تام بين الروح اليونانية والروح الشرقية. وهكذا نجد أفلوطين يمثل في الواقع الروح الشرنية، أكثر من تمثيله للروح اليونانية- إن كان لنا ان نقول بعد ذلك إنه يمثل الروح اليونانية في شيء . وبهذا الإفناء للموضوع في الذات، وهذا الزوال للانسجام بين عالمي الذات والموضوع، ينتهي الفكر القديم.