غنوصية

الغنوصية أو العرفانية أو المعرفية (بالإنجليزية: Gnosticism)‏ هي مصطلحات حديثة تطلق على مجموعة من أفكار ومعارف من الديانات القديمة التي انبعثت من المجتمعات اليهودية في القرنين الأول والثاني الميلاديين. وبحسب تفسيرهم للتوراة، اعتبر الغنوصيون (أو العرفانيون) أن الكون المادي هو انبثاق للرب الأعلى الذي وضع الشعلة الإلهية في صلب الجسد البشري. ويمكن تحرير أو إطلاق هذه الشعلة عن طريق معرفتها، أي "أغنصتها".

انتشرت الأفكار الغنوصية في محيط البحر المتوسط في القرن الثاني الميلادي متأثرة بأفكار الحركة المسيحية الأولى وبنظريات الأفلاطونية الوسطى. وبدأ انتشار الغنوصية إلى الإضمحلال من دون أن تغيب وتحولت إلى عامل مؤثر غير مباشر للثقافة الغربية التي ظهرت ببزوغ النهضة والباطنية الغربيتين وبرزت شهرتها في الروحانية الحديثة. انتشرت الغنوصية في زمن الامبراطورية الفارسية حتى ظهرت في الصين على شكل الديانة المانوية وفي العراق بشكل الديانة المندائية.

والإشكال الأساسي الأكاديمي الذي يواجه الغنوصية هو ماهيتها، أهي ظاهرة عابرة لديانات متعددة أم هي ديانة بحد ذاتها؟

التسمية

الأغنوصية هي تعريب لمصطلح (Gnosticism) الإنكليزي والذي يعود لكلمة  γνωστικός (غنوستسكوس) اليونانية والتي تعني "ذوي المعرفة". اختلف العرب في ترجمتها إلى العربية ومن المصطلحات الرديفة: "العرفانية" ، "المعرفية" و الغنوصية" ،"الروحية"، "الأدرية"، "مذهب العرفان" و"الإدراكية". ومن أشهر ما اتبعها في العالم العربي هم الدروز الذين يسمونها بـ"العرفان".

والمعنى الحرفي لكلمة "غنوسس" اليونانية هي "المعرفة الشخصية المستقاة من الخبرة النفسية". أما المعنى بالمفهوم الديني فهو: "المعرفة الروحية المبنية على العلاقة مع الله". إن الصلاح والخلاص في معظم الأفكار الغنوصية هو "المعرفة بالله". وهذه المعرفة هي المعرفة الداخلية للانسان وهي تختلف عن مفهوم المعرفة الأفلاطونية المحدثة التي تدعوا للمعرفة الخارجية وعن المفهوم المسيحي الأرثوذكسي الأول. أما المعنى التقليدي لكلمة "غنوستيكوس" اليونانية فهو "المتعلم" أو"المفكر" بحسب ما ظهر في أعمال أفلاطون. وفي العصر الهليني، أصبحت ترمز للمتعلم أو المثقف المسيحي بشكل خاص. واصبح للكلمة معنى ومفهوم سلبي هرطقي بعد الأعمال والأفكار التي ترجمها إيرينيئوس.

البدايات

هناك اختلاف كبير حول بدايات الأفكار الغنوصية. يعتقد أن المجموعة المسيحية التي دعيت بالغنوصية هي من ابتدأت بطرح الأفكار. لكن الأبحاث الأكاديمية الحديثة تشير إلى أن البدايات تعود إلى البيئة اليهودية المتزمتة وإلى طوائف العهد المسيحي الأول. هناك دلائل إلى أن الغنوصية نشأت في الإسكندرية وتعايشت مع المسيحية الأولى حتى القرن الرابع الميلاد. وسبب شيوع الفكرة هو عدم وجود التنظيمات الكنسية في ذلك الزمن مما سمح بدمج أفكار جديدة مع معتقدات وأفكار قديمة لخلق معتقدات جديده وهذا ما لا تسمح به المؤسسات الكهنوتية والدينية المنظمة. ولهذا، يفرق الباحثون بين "الغنوص" (Gnosis) والتي يستعملونها في دراسة الغنوصية الأولى وبين "الغنوصية" (Gnostism) التي ترمز عندهم إلى الفرق الغنوصية المنظمة التي انبزغت في القرن الثاني الميلادي. لا يمكن البت بشكل قاطع عن صحة بدايات الغنوصية لعدم وجود أي نصوص ترجع إلى ما قبل المسيحية.

البدايات اليهودية المسيحية

لدى الباحثون المعاصرون قناعات ثابتة بأن الغنوصية نشأت في أوساط يهودية الغير كهنوتية أو بين المسيحيين اليهود الأوائل في القرن الأول الميلادي. من هذه الدلائل أن آباء الكنيسة المسيحية الأولى أشاروا لرؤساء الفرق الغنوصية بالمسيحيون اليهود كما اعتمد الغنوصيين الأوائل المصطلحات اليهودية وأسماء ألهة اليهود وبخاصة من أدب "قصور السماء" اليهودية ومن المفارقات أن بعض الباحثين، مثل غيرشوم شوليم، اعتبر الغنوصية أهم قضية ميتافيزيقية ضد اليهود بينما اعتبرها الباحث ستيفن بايمي نوع من أنواع معاداة السامية.

بدأت الغنوصية المسيحية بشكل واضح مع تباشير بولس الرسول ويوحنا وبخاصة عندما تناولوا الفرق بين الجسد والروح، قيمة الكاريزما، وتجريد الشريعة اليهودية من الأهلية. ففي هذه الحقبة، اعتبر أن الجسد هو مادي يفنى بينما الروح فهي أبدية يمكن خلاصها. وبدأت معهم تأخذ فكرة الغنوصية معاني مهمة وعميقة. وتعتبر الإسكندرية منشأ الاغنوصية بسبب تزاوج العديد من الثقافات فيها منها المسيحيون اليهود والإغريق كما انتشرت فيها مختلف الطروحات الفكرية والمعروفة في ذلك الزمن مثل القيامة اليهودية وطروحات الحكمة الربانية والفلسفة اليونانية والديانات الهيلينية السرية.

مؤثرات الأفلاطونية المحدثة

في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، ظهرت بعض الدراسات التي ربطت بين الغنوصية والطروحات الأفلاطونية المحدثة. كما استعملت الغنوصية العديد من الأفكار الافلاطونية ومصطلحاتها كما اعتمدوا مباديء الفلسفة اليونانية مثل الآقنوم (الواقع، الوجود)، الموجودية (الجوهر، الماهية، الكينونة) والخالق (الرب خالق الكون). كما تأثرت بالبلاطونية الوسطى والبيثاقورية المحدثة التي اعتمدتا مبداد مصالحة العقائد القديمة مع المكتشفات الحديثة وحتى تطويرهم ليصبحوا وحدة واحدة. وهذا ما رفضته الافلاطونية المحدثة.

مؤثرات فارسية

اشار الباحثون الاكاديميون، منهم ويلهيم بوسيت (1865-1920) وريتشارد رايتجنستين (1861-1931) في أوائل القرن العشرين إلى امكانية نشؤ الفكر الغنوصية كتزاوج لمعتقدت بلاد فارس وبلاد ما بين النهرين مع الفكر اليهودي. الا أن هذه الطروحات رُفضت من قبل كارستن كولبي الذي أثبت عدم صحتها. وعرض جيو ويدينغرين فكرة أن للغنوصية الزردشتية جذور في الثقافة الأرامية في بلاد ما بين النهرين.

أوجه التشابه مع البوذية

في عام 1966، بيّن ادوارد كونز، باحث في البوذية، عن وجود تشابه ظاهري بين الغنوصية والبوذية مبنيا أبحاثه على ابحاث اسحاق جاكوب شميت (اسحق يعقوب الحداد)، لكن يرفض الباحثون المعاصرون لهذه الفرضيات. من دون احتمالية حدوثها.

خصائص الغنوصية

علم اللاكونيات

تعتقد المرويات المصرية الشامية عن وجود أله أعظم يسمى "موناد" أو الواحد الذي ينبثق عنه ألهة دنيا تسمئ "أيون". آحد هذه الأيونات هو "ديميروج" خالق الكون المادي. وعندما "تسقط" بعض العناصر الالهية تحتجز في جسد البشر. وتعود هذه العناصر إلى العلي مرة أخرى عندما يصل الجسد إلى إدراك هذه العناصر بصورة بديهية، أي بغنوصية.

الثنائية والتوحيد

تتفاوت طروحات الغنوصية بمفهوم ثنائية الوجود بين الله والعالم بمستاويات متفاوتة ما بين الثنائية الأصولية الراديكالية المتبعة في ألمانية حيث الثنائيتان متساويتا السلطة وبين "الثنائية الملطفة" التي اعتمدتها الغنوصية التقليدية حيث لكل ثنائية سلطة متفاوتة وتقترب للتوحيد. ومن هنا تبدو الغنوصية الفلانتينية مبدأ توحيديا يستخدم مفردات ثنائية.

الممارسات الشعائرية والأخلاقية

تعتنق الغنوصية المباديء الزهدية وبخاصة في طقوسهم الجنسية والغذائية. الا أن زهدهم يقل في المسائل الأخلاقية الأخرى، حيث يترك حيز لأخذ القرار بحسب الدوافع الداخلية.قالب:Refn

مفاهيم الغنوصية

الواحد الأحد (الموناد)

يسمى الإله الواحد الغنوصيين بـ"الموناد"، الواحد الأحد، وهو علة الملاء الأعلى التي هي منطقة النور. وتسمى انبعاثاته أو فيضه إلإلهي بـ"الإيون"، أي الدهر.

الملأ الأعلى (بليروما)

تسمى القدرة الكاملة لله عند الغنوصيين بـ"بليروما"، أي الملاء الأعلى، والتي هي مركز الحياة اإلهية ومنطقة النور التي تتخطى عالمنا والتي يقيم بها مخلوقات روحية مثل الإيون (المخلوقات الأبدية) وبعض الأرشون (خدم الخالق المادي الذين يتصلون بالبشر). ويعتقد البعض أن المسيح هو من الإيون الذي أرسل من الملاء الأعلى إلى الأرض ليدل البشر على إعادة اكتشاف المعرفة التي تعيدهم إلى المعرفة الإلهية المفقودة.

الفيض

يعتقد الغنوصيون بأن النور الألهي يفيض تنازليا عبر سلسلة من المراحل والتدرجات والعوالم والأقاليم ليصبح ماديا. ثم يعاود التتابع بشكل عكسي ليعود إلى الواحد الأحد عن طريق التأمل والمعرفة الروحية.

المخلوقات الأبدية (الإيون)

المخلوقات الأبدية، الإيون، عند الغنوصيون هم من فيض الواحد الأحد الذين يتكاثرون بالتتالي كجوزين من الفيض، السالب والموجب أو المذكر والمؤنث. وبحسب النصوص، وصل عددهم إلى ثلاثون مخلوق. ومن أمثلة زوجي المخلوقات الأبدية: المعرفة (وهي قرين المسيح) وروح القدس (أي الحكمة).

الحكمة (صوفيا)

تعتبر الحكمة هي أدني مستويات فيض الواحد الأحد ومنها وجد خالق العالم المادي، ديميورغي، والمسؤول عن خلق العالم المادي.

خالق العالم المادي (ديميورغ)

الديميورغ، عند الغنوصيين، هو فيض من الحكمة وهو المسؤول عن خلق الكون المادي والشكل المادي للبشر. الذي بدوره يخلق عدد من الأزواج المساعدة التي تترأس مهام مادية مختلفة من الخلق والتي من أدوارها أن تضع العقبات امام البشر لمنعهم من العودة إلى المعرفة الربانية. من أسمائه المتداولة عبر الثقافات أسماء: سمئيل (الإله الأعمى)، سكلاس (المعتوه)، أهريمان ، ئيل، الشيطان و يهوه.

خدم خالق العالم المادي (أرشون)

بعض الغنوصيون القدماء استعملوا مصطلح "أرشون" (خدم الرب) كصفة لبعض خدم خالق المادة (ديميورج). سماهم العهد القديم بالملائكة.

المسيح كمخلص غنوصي

يعتقد بعض الغنوصيين أن المسيح هو تجسيد للواحد الأحد آتى إلى الكون المادي ليدل البشر على الغنوصية.  بينما رفضوا أخرون فكرة تجسيد الرب في المسيح واعتبروا المسيح كبشري استطاع للوصول إلى الغنوصية وعلم مريديه نفس الطريقة. بينما يعتبر المندائيون المسيح كمسيح زائف لأنه شوه التعاليم التي علمها إياه يوحنا المعمدان.

انظر أيضًا

الغنوصية

الغنوصية،من الكلمة اليونانية ؟0٤ر٢ (= معرفة، عرفان)، ويمكن أن تترجم ب «العرفانية، نزعة فلسفية دينية صوفية معاً. وسميت بهذا الاسم لأن شعارهاهوان: بداية الكمال هي معرفة (غنوص) الانسان، اما معرفة الله فهي الغاية والنهاية» ( 24 , 8 V 7 , 78 ; V ). واهتمام الغنوصيينإنماهوبالكمال؟6رس٤٨٤ . ويمكن بلوغ الكمال بواسطة الغنوص (=العرفان، المعرفة). والغنوص يتم بوصفه عرفاناً بالانسان، وهذا العرفان بفضي الى عرفان اله. والعرفان بالله هو المؤدي الى النجاة او الخلاص، لأن الله هو الانسان. ولهذا فإن اساس الغنوص هو معرفة الانسان بنفه بوصفه إلهاً، وهذه المعرفة تؤدي الى نجاة الانسان.

وقد تنوعت اتجاهات اصحاب هذه النزعة، لكن يمكن اعتبار الخصائص التالية مميزة لهاجميعاً:

١) الخلاص أو النجاة بوصفه معرفة الانسانبذاته، وفيها تتحد الذات مع الأالوهية اتحاداً جوهرياً.

٢ - الثنوية الدقيقة. والثنوية هي أساس الزرادشتية. وقد ثبت الآن بعد اكتشاف أوراق بردى نجح حمادي بالدليل القاطع تاثر الغنوصية بزرادشت، فأحد الكتب الغنوصية في هذه الأوراق (رقم ٩ بحسبترقيم وتصنيف Puech) عنوانه: ازرادشت،، ومؤلف سفر يوحنا المنحول يذكر العنوان:

Zupoaorp ؟٨00 (=قول زرادشت»). كذلك نجد في مخطوطات قمران نزعة زرادشتية واضحة.

٣ -تجلىاالوهية من خلال صاحب وحي او خلص

وقد ازدهرت حركة الغنوصية في القرنين الثاني والثالث بعد الميلاد. وقد زعم بعض آباء الكنيسة (أوريجاس وهبوليت خصوصا) ان النتزعة الغنوصية وليدة تزاوج بين المسيحية وبين حركات روحية أخرى، أبرزها: اليونانية، والايرانية، واليهودية. فذهب أدولف فون هرنك ٧٠Harnack,Ad الى أن العنصر الأجنبي فيها عن المسيحية هو اليونان، ووصف ا لغنوصية بأنها حركة تهلين حارللمسيحية (تهلين = اعطاء صبغة هيلينية أي يونانية). ورأى ف. بوست Bousset .٧٧. أنه عنصر شرقي ايراني. وايد الراي الأول هانز ليزجانج . 11 Leisegang فقال إن الغنوصية ضرب من التفكير اليوناني الصوفي المعقل المنحل؛ ذلك لأن «طريقة التفكير وانظر، والتركيب والتفكر، والشكل الباطن والبنية الروحية للمذاهب الغنوصية تتجلى انها يونانيةممزوجةجزثياً بعناصر شرقية» . 11 ( 1924 )5.5 ,Leisegang : Die Gnosis وأكد الرأي الثافي ربتسنشتينفقررا ن الغنوصيةهي الاستمرا رالضروري للأديان الشرقية في شتى المعمورة، والنقطة العليا لتطورها الفرداني العالمي معاً . . وبمعفى ما هي المرحلة الأخيرة للهلينية أو الهلينشية -18. Reit zenstein: Die hellenistischen Mysté (1927 ,69 .rien religionen, s ويؤكد ربتسنشتين انتشار هذه النزعة في كل العالم الهليني: ذلك في التيارات الداعية إلى الاتماى المباشر بالألوهية، وفي طقوس أديان الأسرار، وفي فكرة ,الناس الإلهيين» ôeîoi aPÔpeç عند فيلون اليهودي والقديس بول.

وكل هذه الآراء تجعل من النزعة الغنوصية مزيجاً غير اصيل من أفكار دينية، متباينة الأصول، بما يجعلها تبدو كمذهب تلفيقي. لكن جاء ه. يوناس 11 - Jonas - وهو من تلاميذ مارتن هيدجر - في كتابه «الغنوصية وروح أواخر العصر القديم: (ج ١ سنة ١٩٣٤ ؛ ج٢ سنة ١٩٥٤) فقرر أن الغنوصية ليست ثنوية إيرانية، ولا واحدية يونانية، ولا مزاجاً من كلتيهما، بل هي نزعة قائمة برأسها، فيها يتجلى فهم جديد تماماً للعالم ولمعرفة ل انسان لنفسه. وهي نزعة لى انتزاع الصفة الدنيوية عن العالم، بمالاسلف له في العالم القديم. .

- كذلك جاء كوسبل Quispel . ت في كتابه: «الغنوصية بوصفها دينا عالميات (اتسورش) سنة ١٩٥١، ص ٧٩) فقرر «أن الغنوصية اسقاط اسطوري لتجربة الذات»، وأنها امكانية دينية للانسان بجانب إمكانياته الدينية الخرى،.

ومحصل النزعة الغنوصية ان الإنسان العادي لا يستطيع ان يعرف من هو الانسان. صحيح أن لدى كل إنسان الاسعدان لمعرفة من هو، ولهذا يمكن أن يقال إن كل إنسان غنوصي بالقوة. اما بالفعل فقليلون هم الذين يسلكون طريق الغنوصية. وهذا ما يؤكده مؤس المذهب، سيمون الاحر Simon Magus (راجع 12 : ٧1 . Refut (٧٤ا113000)، وكذلك يرد في الخطبة النعسانية Nassenerpre digt فإن إدراك سر الإنسان ليس من شأن الجاهل أو اللاصق بالأرض، ولا أولتك الذين لا يعرفون إلآ النفس، ولا العميان بالطبيعة، بل هو من شأن أولئك الذين يملكون الروح، والذين هم أرواح 7TPevfianK01، ويستطيعون التأويل عن طريق الروح، وبالجملة: الكمل نماء٤٨؟ . وهزلاء هم صفوة الانسانية، وامال العالم تستندإليهم.

وهناك مرتبة اعلى منهزلاء،هي مرتبة من صار العرفان (الغنوص) عندهم وحيا ويسجلون عرفام في كتب موحى بها. ولما كان الغنوصي ليس شيئاً بالنسبة الىغنوصه (عرفانه)، فإن معظم المصادر الغنوصية غفل من أسماء I لمؤلفين , ببد اننا نجد في بعضها احيا نا ذكراً لمؤس المذهب، سيمون الساحر، بوصفه الموحي . فيذكر مثلا اسم كتاب بعنوان: «الوحى العظيم»، وفيه يتكلم سيمون الساحر على النحو التالي: أخاطبكم بما اخاطبكم به وأكتب هذا الكتاب». ثم يتلو ذلك عرض لنشأة الكل (الكون، العالم كله) عن الصمت 0٤٧1 أو العقل ؟POD وعن الفكر PPOta¿ (راجع، 2 :18 ,٧1 .Hippulyt Refut وفي رسائل فلنتينوس ٧alentinus نجد أن العقل الأبدي ؟POU هو الذي يتكلم. وفي موضع آخر يقول إنه حظي برؤيا اللوغوس 10205

وهذا يسوقنا الى التحدث عن كتب الغنوصية. لقد اعتمد الباحثون حتى النصف الثاني من القرن التاسع عثر، في عرضهم لآراء الغنوصية، على ما أورده آباء الكنيسة المسيحيون في ثنايا ردودهم عليهم من نصوص لهم. وعن هذا الطريق وحده عرض مذهبهم ف. لل. باور 0 . Baur . ٤

ه وأدولف فون هرنك .٧ .٨ . Hilgenfeld وأ. هلجنفلد

. Harnak

ثم خطا البحث خطوة أوسع بإكتثاف كتابات اصلية للمانوية والمنداعية، بعد بقائها فترة طويلة فيظل الاعتقال، وذلك حين كشف عنها م. لدزبارسكي 4. Lidzbarski. واكتشفت نصوص مانوية في موضعين متقابلين: في آسيا الوسطى ( طرفان، سنة ١٩٠٤)، وفي مصر (في الفيوم، سنة ١٩٣١)، حيث اكتشفت كمية كبيرة من المخطوطات. وقد كان نشرها بطيئاً جداً، ولا يزال دون التمامحتىاليوم.

لكن النصوص الأصلية لكتابات المؤلفين الغنوصيين أنفسهم لم تكتشف لأول مرة إلا في سنة ١٩٤٥ أو سنة ١٩٤٦ بالقرب من مدينة نجع مادي بصعيد مصر، أو بناحية قصر الصياد(وهي مدينة Chenoboskon القديمة)، ضمن مجموعة من المخطوطات القبطية كات موجودة في جرة. ومرت المجموعة بأيد مختلفة، لأغها مسروقة، حتى وصل الجزء الأكبر منها في سنة ١٩٥٢ الى حوزة المتحف القبطي بمصر القديمة (في القاهرة)، بعد ان كان قد بيع جزء منها (المخطوط رقم ٣) في سنة ١٩٤٦ وقطعة من المخطوط رقم ١ وصل بطريقة ملتوية في سنة ١٩٥٢ الى معهد يونخ c . G . Jung في زيورخ (خطوط يونخ) . وأول من وصف هذه المجموعة وصفا علميا هر 14 .. Puech وذلك في مقال له بعنوان الكتابات الغنوصية الجديدة في مصر العلياء نشر ضمن سفر تذكاري على شرف W.E.Crum (بوستون سنة ١٩٥٠ ص٩١-١٥٤) وأعاد نشره في ٠الانسكلوبيديا الفرنسية» (ج١٩ سنة ١٩٥٧،

وفي هذه المجموعة المكتوبة على ورق البردى والمؤلفة من ١٣ مخطوطاً ، يوجد ٥١ كتاباً ، لم يكن معروفاً منها من قبل غير عدد قليل. راجع عنها خصوصاً :

Do esse : Les livres secrets des gnostiques . ل (a

1958 d'Egypte , 1 , Paris

1 Unnik : Evangelien aus demه٧ .٢٧.0 (

1960 , Nilsand

.11 .1. Puech : Les gnostiques (

ومنذ سنة ١٩٥٦ بدأ نشر هذه النصوص، واشترك في ذلك ياهور لبيب ويسى عبد المسيح من المصرين، وبويش

٨٨

الغتوصية

Puech ، وكوسبل Quispel، وتل ,Till، وكراوزه Krause وبيلنج Böhling من غير المصرين، كما ترجم بعضها الى لغات أوربية عديدة.

وقد أحدث اكتشاف هذه النصوص الأصلية الغنوصية ثورة في تصورنا للمذهب، لكن لا يمكن بيان نتائجها إلا بعد نشرها كلها ودراستها دراسة مستفيضة ومقارنتها بما أورده من ردوا على الغنوصية من آباء الكنيسة المسيحية.

ولهذانجتزىها هنا بذكر بعض المعافي الأساسية في الغنوصية:

؛-الثنوية: dualisme:

من الأفكار الأساسية في الغنوصية: الثنوية، أي القول بوجودمبدأين هما الروح والمادة، تجري أحداث الكون حسب ما بينهما من نزاع وتعارض. إن العالم يجري حب التعارض بين هذين العنصرين المؤلفين له، ودرجة تغلب الواحد منهما على الآخر. فإذا كانت الغلبة للمادة، كان الشر هو الغالب، وإذا كانت الغلبة للروح، كان الخير هو الغالب. إن المادة من مملكة الظلام، وفيها نزعة طبيعيةللعدواة ضد مبدأ النور. أما إذا كانت السيادة لمبدأ الروح في عملية تطور العالم، فإن العملية الكرنية يسودها الخير والنور. ونزعة الروح هي الى معرفة ذاتها. والمادة تحد من سلطان الروح : ولما كانت المادة لا تستطيع أن تسمو الى الروح، بينما الروح تعبر عن نفسها في المادة، فإن صدورات الروح تهدف الى ملء الهوة بين الروح والمادة. وتشخصات الروح تسمى الأيوناتع»٨0، التيهي نماذج ومثل العالم اللامتناهي في صورة مشخصة.

٢ - الصانع Demiurge

والفكرة الأساسية الثانية هي فكرة الصانع: لما كانت الروحوالمادةهما المبدآن لأعليان، فإنفكرة الخلقغيرواردة فيمذ*بالغذوصيين. ولهذالايقولونبخالقللعالم، بلبصانع للعالم، وهي فكرة نجدها عند أفلاطون.

٣- العرفان

والعرفان لا يتم بالفكروالتعلم، بل يتم في الجماعة وبالجماعة عن طريق الطقوس والمراسم والاحتفالات الخ. إن الغنوص (= المعرفة، العرفان) ليس معرفة بالأحوال الخارجية، بل بالحقاثق الباطنة، خصوصاً ما يتعلق بالتمييز بين الخيروالشر. وغاية المعرفة جعل الانسان إلاها. واتحاد

الانسان بالله هو المعرفة أوالعرفان. إن معرفة الانان لنفسه هي البداية، ومعرفته بالله هي نهاية الكمال. إن الانان لا يستطيع بنفسه أن يبلغ الدرجة العليا من المعرفة، لهذا لا بد من قوة علوية هي التي تلهمه هذه المعرفة العليا.

لهذا فإن كل الفرق الغنوصية تدعى اهااستودعت رسالة أو وحياً سرياً اوحي بم من السماء .

٤-الخل ص:

نظراً للنزاع بين النور والظلمة في العالم، فلا بد للانسان من الخلاص. والخلاص هو النجاة من العالم المادي، الظلماني الذي هو بطبعه شرير. ويمتزج بهذه الفكرة فكرة اللياذ بعالم آخر يتحرر فيه الانسان من اغلال الظلمة والمادة. لكن هذا الخلاص لن يتحقق إلا لعدد قليل من المختارين، ومن الأرواح المصطفاة. وهؤلاء هم وحدهم القادرون على بلوغ العرفان، ,الفئوص,. ولهذا فإن الغنوصيين الأوائل لم يعرفوا إلا بوجود طبقتين :طبقة الروحانيين irvevfjumKOt) وطبقة الهيولانيين uZtKOi (ويسمون أيضا: نفسانيين XOlKOlj'i'VXlKOe) ؛ وبخى المتأخرين منهم يميزون ثلاث طبقات : الروحانيون ، والنفسانيون والهيولانيون ، والطبقة الوسطى منهاهي طبقة أولئك الذين لا يملكون عرفاناً 7v۵atç ، بل علما 7TUJLÇ . اما الروحاني فهو الغنوصي الحقيقي، لأنه يمتلك العرفان («الغنوص»): إنه يشاهد، ويتلقى النور، نور البهاء المعقول.

أبرز شخصيات الغنوصية :

فإذا انتقلنا من هذه الملامح العامة المشتركة بين مختلف الفرق الغنوصية- الى الآراء المميزة لأبرز الشخصيات الغنوصية وجدنا أن :

١ - سيمون الساحر Simon Magus هو الذي يذكر دائما في المصادر على أنه أولهم. وربما كان السبب في ذلك هو ان يوستينوس الشهيد Justin Martyr وهو أول من كتب عن ,الهراطقة» كان من السامرة (في فلسطين قرب نابلس) وسيمون هو من السامرة. والمنقول ان سيمون الساحر هذا كان تلميذا لدوسثيوس805*1ن005صاحب فرقة كانت موجودة في عهد المكابيين. ويقول يوستينرس إن سيمونكان يمجده أتباعه بوصفه الإله الأعلى، وان صاحبته هيلانة كانت الفكرة

الغتوعية

٨٩

e ota الخلاقة، الإلهية. ولا تعثر في مذهبه على اثار للمسيحية إلآ قليلاً ومن تلاميذه . Ménandre

٢ - باسيليدس Basilides : واهم منه باسيليدس الذي عاش في القرن الثاني بعد الميلاد، في مدينة الاسكندرية (مصر) وخلاصة مذهبه كا عرضه القديس ايرنيوس Irenaeus أن الأب القديم غير المخلوق قد ولد اولاً: العقل (,نوس،). والنوسرلد اللوغوس؟٨000، واللوغوس ولد فرونسيس Phionesis وفرونسيس ولد صوفيا Sophia ودوناميس Dunamis. ومن هذين الآخرين ولدت السلسلة الأولى من الملائكة والقوى؛ والملائكة ولدوا اذاه الأولى. ومن هذه صدرت السلسلة الملائكية الثانية الذين خلقوا الماء الثالثة وهكذا الى أن وجدت ٣٦٥ سماء والملاثكة في السماء الدنيا خلقت العالم الأرضي، وتقاسموه فيما بينهم. وكان زعيمهم هو إله اليهود الذي أثار البغضاء بمحااته للشعب اليهودي. وهكذا صارت سائر الأمم اعداء للامة اليهودية. هنالك تدخل الإله الأعلى لينقذ العالم من الدمار، فأرسل انه الأول: «النوس، (العقل) - أي المسيح، لكي ينقذ من يؤمنون-من ملائكة العالم. فظهر النوس في شكل انسان، وبشر بدعوته، لكنه عند الصلب اتخذ شكل سيمون القورينائي Simon de tCyrene بحيث أن الذي صلب هو هذا الأخير على شكل المسيح، اما الميح نفسه فكان واقفاً هناك يسخر من اعدائه، ثم عاد الى الأب. ولهذا فإن من يعرف حق المعرفة لا يقر بأن المسيح صلب،وإلا لكان معفى ذلك ان لميح عبد الملائكة الدنيويين. ومن يفهم ان هذا هو ما حدث فعلا في عملية الصلب-اعني أن الذي صلب هو سيمون القوريناني على شكل

المسيح، وليس يوع المسيح نفسه - هو الذي ينجو من سلطان الملائكة الدنيويين.

اما ?^،^،/،Hippolytusنقدم لنا عرضاً مخالفاً تماماً لما قدم ايرينوس. فهو تصور باسليدس عدواً لفكر؛ الصدور عن اله، وهي فكرة منتشرة في مذهب الغنوصيينبوجم عام، ويؤكد أنه قال بمذهب الخلق من العدم. كما أنكر أن يكون ابن الله قد غادرمكانه ونزل خلال السموات الى الدنيا، لأن هذايناقض مذهبه في ان الوجودفي صعود، لافي نزول.

٣ -قالتينوس Valentinus

وأهم منه فالنتينوس الذي ولد في احدى مدن الساحل الشمالي من مصر، وتعلم في الاسكندرية في بداية القرن الثاني بعد الميلاد. وبعد ان اشتغل بالتعليم في الاسكندرية، رحل الى روما حيث عاش في عهد أسقفيتي هوجينوس Hyginus وأنيكيتوس Anicetus (١٣٧ - ١٦٦ ميلادية). وله مؤلمات عديدة ضاعت كلها، فيما عدا شذرات قليلة واردة في الردود علي. وتضمن هذه المؤلفات: اناشيد دينية، خطباً وعظية، رسائل، وكتابا يسمى «صوفيا.

وخلاصة مذهبه أن الايون aeon الأعلى قد دفعه الحب الى الافاضة، فصدرت عنه سلسلة من الايونات التي تؤلف البليروما Pleroma. فصدر النوس (=العقل) والأليتيا (الحقيقة)، ومن هذين صدر زوج آخر، وهكذا على شكل أزواج . وقد حاول التغلب على هذه الشنائية، لكن عبثاً، لأنها تقوم في أساس الغنوصية نفسها.