صوفية

هذه المقالة عن الصوفية. من أجل استخدامات أخرى، انظر صوفية (توضيح).
هذه المقالة عن التصوف. من أجل استخدامات أخرى، انظر تصوف (توضيح).
هذه المقالة عن الصوفي. من أجل استخدامات أخرى، انظر صوفي (توضيح).

الصوفية أو التصوف هو مذهب إسلامي، لكن وفق الرؤية الصوفية ليست مذهبًا، وإنما هو أحد مراتب الدين الثلاثة (الإسلام، الإيمان، الإحسان)، فمثلما اهتم الفقه بتعاليم شريعة الإسلام، وعلم العقيدة بالإيمان، فإن التصوف اهتم بتحقيق مقام الإحسان، مقام التربية والسلوك، مقام تربية النفس والقلب وتطهيرهما من الرذائل وتحليتهما بالفضائل، الذي هو الركن الثالث من أركان الدين الإسلامي الكامل بعد ركني الإسلام والإيمان، وقد جمعها حديث جبريل، وذكرها ابن عاشر في منظومته (المرشد المعين على الضروري من علوم الدين)، وحث أكثر على مقام الإحسان، لما له من عظيم القدر والشأن في الإسلام.

قال أحمد بن عجيبة: «مقام الإسلام يُعبّر عنه بالشريعة، ومقام الإيمان بالطريقة، ومقام الإحسان بالحقيقة. فالشريعة: تكليف الظواهر. والطريقة: تصفية الضمائر. والحقيقة: شهود الحق في تجليات المظاهر. فالشريعة أن تعبده، والطريقة أن تقصده، والحقيقة أن تشهده». وقال أيضاً: «مذهب الصوفية: أن العمل إذا كان حدّه الجوارح الظاهرة يُسمى مقام الإسلام، وإذا انتقل لتصفية البواطن بالرياضة والمجاهدة يُسمى مقام الإيمان، وإذا فتح على العبد بأسرار الحقيقة يُسمى مقام الإحسان».

والإحسان كما تضمنه حديث جبريل هو: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، وهو منهج أو طريق يسلكه العبد للوصول إلى الله، أي الوصول إلى معرفته والعلم به، وذلك عن طريق الاجتهاد في العبادات واجتناب المنهيات، وتربية النفس وتطهير القلب من الأخلاق السيئة، وتحليته بالأخلاق الحسنة. وهذا المنهج يقولون أنه يستمد أصوله وفروعه من القرآن والسنة النبوية واجتهاد العلماء فيما لم يرد فيه نص، فهو علم كعلم الفقه له مذاهبه ومدارسه ومجتهديه وأئمته الذين شيدوا أركانه وقواعده - كغيره من العلوم - جيلاً بعد جيل حتى جعلوه علما سموه بـ علم التصوف، وعلم التزكية، وعلم الأخلاق، وعلم السلوك، أو علم السالكين إلى الله، فألفوا فيه الكتب الكثيرة بينوا فيها أصوله وفروعه وقواعده، ومن أشهر هذه الكتب: الحِكَم العطائية لابن عطاء الله السكندري، قواعد التصوف للشيخ أحمد زروق، وإحياء علوم الدين للإمام الغزالي، والرسالة القشيرية للإمام القشيري، والتعرف لمذهب أهل التصوف للإمام أبي بكر الكلاباذي وغيرها.

ومعنى التصوف الحقيقي كان في الصدر الأول من عصر الصحابة قالب:رضي الله عنهم، فالخلفاء الأربعة كانوا صوفيين معنى، ويؤكد ذلك كتاب حلية الأولياء للحافظ أبي نعيم الأصبهاني - أحد مشاهير المحدثين - فقد بدأ كتابه الحلية بصوفية الصحابة، ثم أتبعهم بصوفية التابعين، وهكذا.

انتشرت حركة التصوف في العالم الإسلامي في القرن الثالث الهجري كنزعات فردية تدعو إلى الزهد وشدة العبادة، ثم تطورت تلك النزعات بعد ذلك حتى صارت طرقا مميزة متنوعة معروفة باسم الطرق الصوفية. والتاريخ الإسلامي زاخر بعلماء مسلمين انتسبوا للتصوف مثل: الجنيد البغدادي، وأحمد الرفاعي، وعبد القادر الجيلاني، أحمد البدوي، إبراهيم الدسوقي وأبو الحسن الشاذلي، وأبو مدين الغوث، ومحي الدين بن عربي، وشمس التبريزي، وجلال الدين الرومي، والنووي، والغزالي، والعز بن عبد السلام كما القادة مثل: صلاح الدين الأيوبي، ومحمد الفاتح، والأمير عبد القادر، وعمر المختار، وعز الدين القسام.

نتج عن كثرة دخول غير المتعلمين والجهلة في طرق التصوف إلى عدد من الممارسات خاطئة عرّضها في بداية القرن الماضي للهجوم باعتبارها ممثلة للثقافة الدينية التي تنشر الخرافات، ثم بدأ مع منتصف القرن الماضي الهجوم من قبل المدرسة السلفية باعتبارها بدعة دخيلة على الإسلام. بينما يرى المتصوفة من علماء الشريعة ضرورة التفرقة بين التصوف كعلم وتجربة دينية ومنهج إسلامي أصيل مبني على الكتاب والسنة، وبين ممارسات العامة الدخيلة عليه، فكما أن أخطاء المسلمين لا تنفي الإسلام، فكذلك أخطاء عوام الصوفية لا تنفي التصوف ولا تجعله بدعة.

تعريف التصوف

من حيث اللغة

تعددت الأقوال في الأصل اللغوي لكلمة الصوفية، فمنهم من قال إنها ليست عربية، ذكر القشيري في كتابه الرسالة: «أنه ليس لهذا الاسم أصل في اللغة العربية»، وقد أرجعها الباحثون والمؤرخون المختصون في علوم الديانات القديمة، إلى أصل يوناني، هو كلمة: (سوفيا)، ومعناها الحكمة. وأول من عرف بهذا الرأي: البيروني[١] وذكر محمد جميل غازي، الذي قال: «الصوفية كما نعلم اسم يوناني قديم مأخوذ من الحكمة (صوفيا) وليس كما يقولون إنه مأخوذ من الصوف.[٢][٣][٤] وذكر المستشرقون بأن أنَّ كلمة «الثيوصوفيا» -الكلمة اليونانيَّة- يقولون: '' هذه هي الأصل كما ينقل كاتبها ماسينيون عن عدد المستشرقين؛ بأنَّ أصل التصوف: هو مشتق مِن الثيوصوفية '' وهذه الثيوصوفية كما يذكر -أيضًاً- عبد الرحمن بدوي، وينقل عن مستشرق ألماني فول هومر قوله: '' إن هناك علاقة بين الصوفية، وبين الحكماء العراة مِن الهنود '' ويكتب باللغة الإنجليزية جانيوسوفستز و«سوفستز» يعني: الصوفيين، هؤلاء إذا ربطنا هذه مع الثيوصوفية -أي: الصوفية- التي نقول «الثيو» معناها في لغتهم: الله قالب:عز وجل، فمثلاً الحكم الثيوقراطي يعنى: الحكم الإلهي، والثيوصوفية أي: عشاق الله، أو محبو الله قالب:سبحانه وتعالى الفيلسوفي هذا: عاشق الحكمة «فيلا» معناها: حكمة، أو محب الحكمة. وذكر أبو الريحان البيروني وهو أحد العلماء الذين ذهبوا للهند وكتبوا عن جغرافيتها وأدينها وعلومها، أن أصل الكلمة مؤؤخوذ من الهندية والهندية أخذتها من اليونانية فقد قال: «ومنهم مَن كان يرى الوجودَ الحقيقي للعلة الأولى فقط، لاستغنائها بذاتها فيه، وحاجة غيرها إليه، وأنَّ ما هو مفتقر في الوجود إلى غيره، فوجوده كالخيال غير حقٍّ، والحقُّ هو الواحد الأول فقط، وهذا رأي السوفية - كتبها بالسين - وهم الحكماء، فإنَّ سوف باليونانية: [الحكمة] وبها سمي الفيلسوف: بيلاسوفا، أي: محب الحكمة، ولما ذهب في الإسلام قوم إلى قريبٍ مِن رأيهم -أي: رأي حكماء الهند -سُمُّوا باسمهم- أي: الصوفية- ولم يَعرف اللقبَ بعضُهم فنسبهم للتوكل إلى الصُفَّة وأنَّهم أصحابها في عصر النَّبيِّ ، ثمَّ صُحِّفَ بعد ذلك، فصُيِّر مِن صوف التيوس...». وذكر أيضًا إن الصوفية هم حكماء الهند، وأنَّ اسمهم هو «السوفية»، وأنَّ ما يُطلق عليهم مِن الأسماء، أو ما حدث للاسم مِن التصحيف - فقيل: إنَّه مِن الصوف أو غير ذلك - هذا ليس له حقيقة.

وقال البعض بأنها عربية الأصل وهي على عدة أقوال، أشهرها:[٥]

  • أنه من الصوفة، لأن الصوفي مع الله كالصوفة المطروحة، لاستسلامه لله قالب:سبحانه وتعالى.
  • أنه من الصِّفة، إذ أن التصوف هو اتصاف بمحاسن الأخلاق والصفات، وترك المذموم منها.
  • أنه من الصُفَّة، لأن صاحبه تابعٌ لأهل الصُفَّة وهم مجموعة من المساكين الفقراء كانوا يقيمون في المسجد النبوي الشريف ويعطيهم رسول الله من الصدقات والزكاة طعامهم ولباسهم.
  • أنه من الصف، فكأنهم في الصف الأول بقلوبهم من حيث حضورهم مع الله؛ وتسابقهم في سائر الطاعات.
  • أنه من الصوف، لأنهم كانوا يؤثرون لبس الصوف الخشن للتقشف والاخشيشان.[٦]
  • أنه من الصفاء، فلفظة «صوفي» على وزن «عوفي»، أي: عافاه الله فعوفي، وقال أبو الفتح البستي قالب:رحمه الله:
صوفية

تَنَازَعَ النَّاسُ فِي الصُّوفِيِّ وَاخْتَلَفُوا وَظَنَّهُ الْبَعْضُ مُشْتَقًّا مِنَ الصُّوفِ
وَلَسْتُ أَمْنَحُ هَذَا الْاِسْمَ غَيْرَ فَتًى صَفَا فَصُوفِيَ حَتَّى سُمِّيَ الصُّوفِي
صوفية

وسُئل الشبلي: لم سميت الصوفية بهذا الاسم؟ فقال: هذا الاسم الذي أُطلق عليهم، اختُلِف في أصله وفي مصدر اشتقاقه، ولم ينته الرأي فيه إلى نتيجة حاسمة بعد.[٧] ويقول القشيري: «وليس يشهد لهذا الاسم من حيث العربية قياس ولا اشتقاق والأظهر فيه أنه كاللقب».[٨] وقال ابن تيمية أنهم ينسبون في رواية إلى صوفة بن أدبن طابخة قبيلة من العرب كانوا يعرفون بالنسك.[٦] وكرأي آخر، يقول الشيخ ابن الجوزي في محاولته التي اعتبرها علماء آخرون تقليلاً من شأن التصوف الإسلامي، ذكر في كتابه تلبيس إبليس: يُنسب الصوفيين إلى (صوفة بن مرة) والذي نذرت له والدته أن تعلقه بأستار الكعبة فأطلق اسم (صوفي) على كل من ينقطع عن الدنيا وينصرف إلى العبادة فقط.

وقال محمد متولي الشعراوي أنّ الصوفيّة منْ أصل صافى وصوفِيَ إليه: أي بادله الإخاء والمودّة، وتكونُ بتقرّب العبْد لربّه بالحُب والطّاعة ويُصافيه الله بقرْبه وكرامته، فنقول:الذي صوفِي مِن اللَّهِ قالب:جل جلاله.

ويقول الداعية محمد هداية: التصوف بمعناه اللغوي أي التزهد فنحن يجب أن نكون هكذا، أما التصوف بمعنى الشرك بالله وما يتبعه من مظاهر مثل مسح عتبات المساجد والصلاة في مساجد معينة فهو ليس من الإسلام في شئ.[٩]

من حيث الاصطلاح

كثرت الأقوال أيضا في تعريف التصوف تعريفا اصطلاحيا على آراء متقاربة، كل منها يشير إلى جانب رئيسي في التصوف، والتي منها:

  • قول زكريا الأنصاري: التصوف علم تعرف به أحوال تزكية النفوس، وتصفية الأخلاق وتعمير الظاهر والباطن لنيل السعادة الأبدية.[١٠]
  • قول الشيخ أحمد زروق: التصوف علم قصد لإصلاح القلوب وإفرادها لله قالب:سبحانه وتعالى عما سواه. والفقه لإصلاح العمل وحفظ النظام وظهور الحكمة بالأحكام. والأصول «علم التوحيد» لتحقيق المقدمات بالبراهين وتحلية الإيمان بالإيقان.[١١] وقال أيضا: وقد حُدَّ التصوف ورسم وفسر بوجوه تبلغ نحو الألفين مرجع، كلها لصدق التوجه إلى الله، وإنما هي وجوه فيه.[١٢]
  • قول الجنيد: التصوف استعمال كل خلق سني، وترك كل خلق دني.[١٣]
  • قول أبو الحسن الشاذلي: التصوف تدريب النفس على العبودية، وردها لأحكام الربوبية.[١٤]
  • قول ابن عجيبة: التصوف هو علم يعرف به كيفية السلوك إلى حضرة ملك الملوك، وتصفية البواطن من الرذائل، وتحليتها بأنواع الفضائل، وأوله علم، ووسطه عمل، وآخره موهبة.[١٥]

النشأة والتاريخ

جزء من سلسلة

الإسلام


ملف:Mosque02.svg
العقائد والعبادات

التوحيد · الشهادتان · الصلاة · الصوم
الزكاة · الحج

تاريخ الإسلام

صدر الإسلام · العصر الأموي
العصر العباسي · العصر العثماني

الشخصيات الإسلامية

محمد · أنبياء الإسلام
الصحابة · أهل البيت
المسلمون

نصوص وتشريعات

القرآن · الحديث النبوي
الشريعة الإسلامية . الفقه الإسلامي

فرق إسلامية

السنة · الشيعة · الإباضية · الأحمدية

حضارة الإسلام

الفن · العمارة
التقويم الإسلامي
العلوم · الفلسفة

تيارات فكرية

التصوف · الإسلام السياسي
حركات إصلاحية
الليبرالية الإسلامية

مساجد

المسجد الحرام · المسجد النبوي
المسجد الأقصى

مدن إسلامية

مكة المكرمة · المدينة المنورة · القدس

انظر أيضا

مصطلحات إسلامية
قائمة مقالات الإسلام
الإسلام حسب البلد
الخلاف السني الشيعي

ع · ن · ت
طالع أيضاً: تاريخ التصوف

أصل التصوف

يُرجع الصوفية أصل التصوف كسلوك وتعبد وزهد في الدنيا وإقبال على العبادات واجتناب المنهيات ومجاهدة للنفس وكثرة لذكر الله إلى عهد رسول الإسلام محمد وعهد الصحابة، وأنه يستمد أصوله وفروعه من تعاليم الدين الإسلامي المستمدة من القرآن والسنة النبوية. وكوجهة نظر أخرى، يرى بعض الناس أن أصل التصوف هو الرهبنة البوذية، والكهانة المسيحية، والشعوذة الهندية فقالوا: هناك تصوف بوذي وهندي ومسيحي وفارسي. بينما يرفض الصوفية المسلمون تلك النسبة ويقولون بأن التصوف ما هو إلا التطبيق العملي للإسلام، وأنه ليس هناك إلا التصوف الإسلامي فحسب.[١٦]

بداية ظهور اسم الصوفية

يقول القشيري: «اعلموا أن المسلمين بعد رسول الله قالب:صلى الله عليه وآله وسلم لم يَتَسمَّ أفاضلهم في عصرهم بتسمية علم سوى صحبة الرسول قالب:عليه الصلاة والسلام، إذ لا أفضلية فوقها، فقيل لهم «الصحابة»، ثم اختلف الناس وتباينت المراتب، فقيل لخواص الناس ممن لهم شدة عناية بأمر الدين «الزهاد» و«العُبَّاد»، ثم ظهرت البدعة، وحصل التداعي بين الفرق، فكل فريق ادعوا أن فيهم زهادًا، فانفرد خواص أهل السنة المراعون أنفسهم مع الله قالب:سبحانه وتعالى، الحافظون قلوبهم عن طوارق الغفلة باسم «التصوف»، واشتهر هذا الاسم لهؤلاء الأكابر قبل المائتين من الهجرة».[١٧]

ويقول محمد صديق الغماري: «ويعضد ما ذكره ابن خلدون في تاريخ ظهور اسم التصوف ما ذكره الكِنْدي ـ وكان من أهل القرن الرابع ـ في كتاب «ولاة مصر» في حوادث سنة المائتين: «إنه ظهر بالإسكندرية طائفة يسمَّوْن بالصوفية يأمرون بالمعروف». وكذلك ما ذكره المسعودي في «مروج الذهب» حاكيًا عن يحيى بن أكثم فقال: «إن المأمون يومًا لجالس، إذ دخل عليه علي بن صالح الحاجب، فقال: يا أمير المؤمنين! رجل واقفٌ بالباب، عليه ثياب بيض غلاظ، يطلب الدخول للمناظرة، فعلمت أنه بعض الصوفية». فهاتان الحكايتان تشهدان لكلام ابن خلدون في تاريخ نشأة التصوف. وذُكر في «كشف الظنون» أن أول من سمي بالصوفي «أبو هاشم الصوفي» المتوفى سنة خمسين ومئة».[١٨]

ظهور التصوف كعلم

بعد عهد الصحابة قالب:رضي الله عنهم والتابعين قالب:رحمهم الله، دخل في دين الإسلام أُمم شتى وأجناس عديدة، واتسعت دائرة العلوم، وتقسمت وتوزعت بين أرباب الاختصاص؛ فقام كل فريق بتدوين الفن والعلم الذي يُجيده أكثر من غيره، فنشأ ـ بعد تدوين النحو في الصدر الأول ـ علم الفقه، وعلم التوحيد، وعلوم الحديث، وأصول الدين، والتفسير، والمنطق، ومصطلح الحديث، وعلم الأصول، والفرائض «الميراث» وغيرها. وبعد هذه الفترة أن أخذ التأثير الروحي يتضاءل شيئاً فشيئاً، وأخذ الناس يتناسون ضرورة الإقبال على الله قالب:عز وجل بالعبودية، وبالقلب والهمة، مما دعا أرباب الرياضة والزهد إلى أن يعملوا هُم من ناحيتهم أيضاً على تدوين علم التصوف، وإثبات شرفه وجلاله وفضله على سائر العلوم، من باب سد النقص، واستكمال حاجات الدين في جميع نواحي النشاط.[١٩]

وكان من أوائل من كتب في التصوف من العلماء:

وشهدت الصوفية بعد جيل الجنيد قفزة جديدة مع الإمام الغزالي خاصة كتابه إحياء علوم الدين محاولة لتأسيس العلوم الشرعية بصياغة تربوبة، تلاه اعتماد الكثير من الفقهاء أبرزهم عبد القادر الجيلاني للصوفية كطريقة للتربية الإيمانية، ويبدو أن الجيلاني وتلاميذه الذين انتشروا في كافة بقاع المشرق العربي حافظوا على الجذور الإسلامية للتصوف بالتركيز على تعليم القرآن والحديث مقتدين بأشخاص مثل الحارث المحاسبي، والدليل على ذلك أن حتى ابن تيمية رغم الهجوم الضاري الذي يشنه على الصوفية في عصره، لا يرى بأساً في بعض أفكار التصوف ويمتدح أشخاصا مثل عبد القادر الجيلاني وأحمد الرفاعي. وينسب المؤرخين لهذه المدارس الصوفية المنتشرة دورا كبيرا في تأسيس الجيش المؤمن الذي ساند صلاح الدين في حربه ضد الصليبيين.

ظهور التصوف كطرق ومدارس

يرجع أصل الطرق الصوفية إلى عهد رسول الإسلام محمد بن عبد الله قالب:صلى الله عليه وآله وسلم عندما كان يخصّ كل من الصحابة قالب:رضي الله عنهم بورد يتفق مع درجته وأحواله:

  • أما الصحابي أبو بكر، فقد أخذ عنه الذكر بالاسم المفرد (الله).
  • وأما الصحابي علي بن أبي طالب، فقد أخذ من النبى الذكر بالنفي والإثبات وهو (لا إله إلا الله).[٢٠]

ثم أخذ عنهما من التابعين هذه الأذكار وسميت الطريقتين: بالبكرية والعلوية. ثم نقلت الطريقتين حتى التقتا عند الإمام أبوالقاسم الجنيد. ثم تفرعتا إلى الخلوتية، والنقشبندية. واستمر الحال كذلك حتى جاء الأقطاب الأربعة السيد أحمد الرفاعي والسيد عبد القادر الجيلاني والسيد أحمد البدوي والسيد إبراهيم الدسوقي وشيّدوا طرقهم الرئيسية الأربعة وأضافوا إليها أورادهم وأدعيتهم. وتوجد اليوم طرق عديدة جدًا في أنحاء العالم ولكنها كلها مستمدة من هذه الطرق الأربعة. إضافة إلى أوراد السيد أبو الحسن الشاذلي صاحب الطريقة الشاذلية والتي تعتبر أوراده جزءًا من أوراد أي طريقة موجودة اليوم.

الطرق الصوفية

طالع أيضاً: طرق الصوفية
ملف:Sanad-shazly.gif
سند الطريقة الشاذلية المتصل إلى النبي محمد.

الطريق لغة: هي «السيرة»، وطريقة الرجل: مذهبه، يقال: هو على طريقة حسنة وطريقة سيئة. واصطلاحاً: اسم لمنهج أحد العارفين في التزكية والتربية والأذكار والأوراد أخذ بها نفسه حتى وصل إلى معرفة الله قالب:جل جلاله، فينسب هذا المنهج إليه ويعرف باسمه، فيقال الطريقة الشاذلية والقادرية والرفاعية نسبة لرجالاتها. وقد أخذ اسم الطريقة من القرآن: قالب:قرآن مصور.

تختلف الطرق التي يتبعها مشايخ الطرق في تربية طلابهم ومريديهم باختلاف مشاربهم وأذواقهم الروحية، وباختلاف البيئة الاجتماعية التي يظهرون فيها. فقد يسلك بعض المشايخ طريق الشدة في تربية المريدين فيأخذونهم بالمجاهدات العنيفة ومنها كثرة الجوع والصيام والصمت والسهر وكثرة الخلوة والاعتزال عن الناس وكثرة الذكر والتفكر. وقد يسلك بعض المشايخ طريقة اللين في تربية المريدين فيأمرونهم بممارسة شيء من الصيام وقيام مقدار من الليل وكثرة الذكر، ولكن لا يلزمونهم بالخلوة والابتعاد عن الناس إلا قليلاً. ومن المشايخ من يتخذ طريقة وسطى بين الشدة واللين في تربية المريدين. وكل هذه الأساليب لا تخرج عن كتاب الله وسنة رسوله قالب:عليه الصلاة والسلام، كما يقولون، بل هي من باب الاجتهاد. ولذلك يقولون:

صوفية لِلَّهِ طَرَائِقٌ بِعَدَدِ أَنْفَاسِ الْخَلَائِقِ صوفية

وللطرق الصوفية شارات وبيارق وألوان يتميزون بها: فيتميز الرفاعية باللون الأسود. ويتميز القادرية باللون الأخضر. ويتميز الرحمانية باللون البرتقالي. ويتميز الأحمدية باللون الأحمر. أما البرهانية فإنها لا تتميز بلون واحد كسائر الطرق بل تتميز بثلاث ألوان: الأبيض الذي تميز به إبراهيم الدسوقي، والأصفر الذي تميز به أبو الحسن الشاذلي ومنحه لابن أخته إبراهيم الدسوقي، والأخضر وهو كناية عن شرف الانتساب لأهل بيت نبي الإسلام محمد قالب:صلى الله عليه وآله وسلم.

ومن أهم الطرق الصوفية المنتشرة في العالم الإسلامي:

اسم الطريقة نسبتها تاريخ الوفاة أماكن الانتشار
الطريقة القادرية الشيخ عبد القادر الجيلاني 561هـ سوريا والقوقاز وسنة العراق ومصر والبوسنة وآسيا الوسطى وشرق أفريقيا وجنوب اسيا والهند وباكستان والمغرب العربي والصين
الطريقة السعدية الشيخ سعد الدين الجباوي 575هـ بلاد الشام والانبار
الطريقة الرفاعية الشيخ أحمد بن علي الرفاعي 578هـ سوريا وسنة العراق ومصر وغرب آسيا والمغرب العربي والهند وباكستان
الطريقة الأحمدية أو البدوية الشيخ أحمد البدوي 627هـ مصر وسوريا وغرب العراق والمغرب العربي والهند وباكستان
الطريقة السهروردية الشيخ شهاب الدين عمر السهروردي 632 هـ سنة العراق وكشمير وباكستان وأفغانستان ومصر وكردستان
الطريقة الأكبرية الشيخ محي الدين بن عربي الملقب بالشيخ الأكبر 638هـ مصر وسوريا والمغرب العربي والاحساء
طريقة آل باعلوي الشيخ محمد بن علي باعلوي 653هـ اليمن وإندونيسيا وشرق آسيا والحجاز
الطريقة الشاذلية الشيخ أبو الحسن الشاذلي 656هـ مصر والسودان والحجاز والمغرب العربي واليمن والجزائر وتونس وسوريا والأردن والهند وباكستان
الطريقة البرهانية الدسوقية الشيخ إبراهيم الدسوقي 676هـ مصر والسودان وليبيا وتونس والجزائر والمغرب وألمانيا وإنجلترا وإيطاليا وفرنسا ودانمارك ولوكسمبرج وهولندا وروسيا والسويد وسويسرا والمملكة العربية السعودية والأردن وسوريا واليمن والإمارات العربية المتحدة والكويت وباكستان ولبنان والولايات المتحدة الأمريكية وكندا....
الطريقة القزلباشية الشيخ صفي الدين إسحاق الأردبيلي 730هـ أفغانستان واليونان وتركيا
الطريقة البكتاشية الشيخ محمد بن إبراهيم بكتاش 738هـ ألبانيا وشرق بلغاريا
الطريقة النقشبندية الشيخ محمد بهاء الدين شاه نقشبند 791هـ آسيا الوسطى وسوريا والقوقاز وسنة العراق وكردستان والحجاز وسنة إيران والبوسنة وباكستان
الطريقة العروسية الشيخ أحمد بن عروس 869هـ ليبيا وتونس
الطريقة العيساوية الشيخ محمد بن عيسى 933هـ الجزائر ليبيا تونس المغرب
الطريقة الخلوتية الشيخ محمد بن أحمد بن محمد كريم الدين الخلوتي 986هـ مصر وتركيا وفلسطين والأردن والجزائر وليبيا
الطريقة السمانية الشيخ محمد بن عبد الكريم السمان 1189هـ السودان والصومال وإثيوبيا
الطريقة الرحمانية الشيخ أمحمد بن عبد الرحمان بوقبرين 1208هـ الجزائر وشمال أفريقيا
الطريقة الفاضلية الشيخ محمد فاضل بن مامين 1211هـ موريتانيا والمغرب والسنغال وأفريقيا
الطريقة التيجانية الشيخ أبو العباس أحمد التيجاني 1230هـ الجزائر والمغرب وتونس والسنغال والنيجر ونيجيريا والحجاز والسودان
الطريقة الإدريسية الشيخ أحمد بن إدريس الفاسي 1253هـ السودان والصومال
الطريقة المولوية الشيخ جلال الدين الرومي 672هـ تركيا وحلب واسيا الوسطى وسنة العراق ومصر والبوسنة وتونس وغرب بيروت
الطريقة الختمية الشيخ محمد عثمان الميرغني الختم 1267هـ السودان وإريتريا وإثيوبيا والسنغال
الطريقة السنوسية الشيخ محمد بن علي السنوسي 1276هـ ليبيا وشمالي أفريقيا والسودان والصومال والحجاز وغرب الأنبار
الطريقة الكسنزانية الشيخ عبد الكريم شاه الكسنزان 1317هـ سنة العراق وكردستان العراق
الطريقة العلاوية الشيخ أحمد مصطفى العلاوي 1353هـ الجزائر وتونس والمغرب والسنغال
الطريقة الجعفرية الشيخ صالح عمر الجعفري الحسيني إمام الأزهر 1399هـ المغرب والسنغال وغرب أفريقيا
الطريقة القادرية البودشيشية سيدي علي بن محمد الملقب بسيدي علي بودشيش المغرب
الطريقة النونية الرفاعية الشافعية الشيخ الحبيب نور الدين علي محمد حسن السليماني الهاشمي الأمير السعودية ومصر والولايات المتحدة وجنوب شرق آسيا
الطريقة الكركرية الشيخ محمد فوزي الكركري ما زال حي المغرب وفرنسا وإندونيسيا وباكستان ومصر والسعودية والجزائر وتونس وليبيا والأنبار والبرازيل والسودان وبريطانيا وإسبانيا وبلجيكا وأستراليا وكردستان وتركيا والإمارات العربية المتحدة ولبنان

التصوف والجهاد

طالع أيضاً: جهاد الصوفية

جهاد النفس هو أحد أدوات التصوف في صناعة الشخصية الإسلامية، ويسمونه «الجهاد الأكبر»، كما يسمون جهاد الأعداء بـ «الجهاد الأصغر»، وقد ظهر من الصوفية مجاهدون كثر عبر تاريخ المسلمين قديماً وحديثاً، وأكثر ما يكون ظهورهم في أوقات الاستعمار ونوازل الأمة الإسلامية.[٢١]

التصوف وعلم الكلام

إذا نظرنا إلى طبيعة كل من علم الكلام والتصوف، فإننا نجد أن طبيعة علم الكلام نظرية، إذ يبحث في الأصول الاعتقادية كوجود الله قالب:سبحانه وتعالى ووحدانيته وإرساله الرسل واليوم الآخر، بينما طبيعة علم التصوف عملية، فإذا بحثنا عن طبيعة التصوف فإننا يمكن أن نستخلصها من تعريف التصوف، ونجد هناك عدة تعريفات للتصوف يمكن إيجازها فيما يلي:

  • اتجاه أخلاقي يربط التصوف بالسلوك والأخلاق فيقول البعض في تعريف التصوف: «الدخول في كل خلق سني والخروج من كل خلق دني» وأيضا «التصوف خلق، فمن زاد عليك في الخلق فقد زاد عليك في الصفاء».[٢٢]
  • اتجاه يربط بين التصوف والزهد والعبادة، وهذا الاتجاه يهتم بالوسيلة التي يتخذها المتصوف، ولقد عرف بين الصوفية الزهاد والنساك، يقول ابن خلدون: «إن أصل طريقة المتصوفة لم تزل عند سلف الأمة وكبارها من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، طريقة الحق والهداية، وأصلها العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها، والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه، والانفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة».[٢٣]
  • اتجاه ثالث يربط بين التصوف والمعرفة والمشاهدة ورؤية القلب وهو يعبر عن الاتجاه الروحي، والتجربة النفسية التي يحياها المتصوف، فالصوفي: «من صفى ربه قلبه، فامتلأ قلبه نوراً، ومن دخل في عين اللذة بذكر الله».[٢٤]

وعلى هذا يتبين أن طبيعة التصوف عملية تهتم بالأخلاق والسلوك، وبذلك تفترق عن المسلك النظري لعلم الكلام. وهناك فرق آخر بين العلمين، يتعلق بالعلم والمعرفة وأداة المعرفة البشرية، فلقد فرق معظم الصوفية بين المعرفة والعلم، فالمعرفة تتطلب اتصالاً مباشراً، وهذا يعني أن معرفة الله معرفة مباشرة، العارف هو الإنسان والمعروف هو الله، وهذه المعرفة مباشرة دون واسطة إلا ذات المعروف نفسه وهو الله. أما لفظة العلم فلا يصح أن تكون مرادفة للفظ المعرفة عند الصوفية لأن العلم إنما يقوم على الحس أولاً، ثم يقوم على العقل ثانياً، فالمنهج في العلم حسي تجريبي عقلي، والتصوف لا يعول على الحس ولا يركن إلى العقل، إنما الصوفية أرباب أحوال وأصحاب أذواق وأحاسيس من قبيل الوجدانيات التي لا تعرف بعقل أو شيء من قبيل العقل إنما هي معرفة بالقلب، وهي لا تستمد من تجربة ولا معلم ولا كتاب، وإنما معرفة عن تجربة ذوقية باطنية، ومعرفة القلب الذي يعرف ويشاهد، لأنه هو الذي تذوق وهو الذي تحقق. والعلم بمعناه الصوفي الروحي يختلف عن علم الظاهر مثل علم الكلام والفقه والنحو وغير ذلك من العلوم، إذ كل ذلك من قبيل الدراسة، بينما عند الصوفية هو معرفة، وليس علماً يتدراس بين الخلق، ولا علم تستمد عناصره من العالم الطبيعي المحسوس، إنما هو معرفة أو عرفان. وعلى هذا يمكن القول بأن معرفة الله عند الصوفية طريقها القلب، إذ أن الإنسان لا يستطيع أن ينال المعرفة الإلهية بواسطة حواسه، لأن الله ليس شيئاً مادياً يمكن إدراكه بالحواس، كما لا يمكن إدراك ذات الله تعالى بالعقل أيضاً، لأن الله وجوده غير محدود، ولا يدخل في الفهم والتصور ولا يستطيع منطق العقل البشري أن يتجاوز المحدود، فيذكر أبو بكر الكلاباذي قول الصوفية بأن السبيل معرفة الله هو الله، وأن العقل مُحدث، ولا يدل المحدث إلا على مُحدث مثله.[٢٥]

ويوضح الغزالي طريق الصوفية في المعرفة فيقول: «فاعلم أن ميل أهل التصوف إلى العلوم الإلهامية دون التعليمية فلذلك لم يحرصوا على دراسة العلم وتحصيل ما صنفه المصنفون والبحث عن الأقاويل والأدلة المذكورة، بل قالوا: الطريق تقديم المجاهدة ومحو الصفات المذمومة وقطع العلائق كلها والإقبال بكنه الهمة على الله تعالى، ومهما حصل ذلك كان الله هو المتولى لقلب عبده والمتكفل له بتنويره بأنواه العلم، وإذا تولى الله أمر القلب فاضت عليه الرحمة وأشرق النور في القلب، وانشرح الصدر وانكشف له سر الملكوت، وانقشع عن القلب حجاب الغرة بلطف الرحمة وتلألأت فيه حقائق الأمور الإلهية، فليس على العبد إلا بالاستعداد بالتصفية المجردة وإحضار الهمة مع الإرادة الصادقة والتعطش التام والترصد بدوام الانتظار لما يفتحه الله من الرحمة».[٢٦]

ومن هذا النص يمكننا أن نستخلص سمة المعرفة، من حيث أنها تتصل بالتجربة وبالسلوك العلمي أكثر من اتصالها بالفكر والنظر إذ أنها تقوم على التجربة التي يخوضها الصوفي، ومعاناته لتلك التجربة، وهذا هو الدور الإيجابي للصوفي، ثم يحل عليه الفضل الإلهي ليريه الله ما شاء له أن يريه، وهذا المنهج يعرف عند الصوفية منهج الكشف والإلهام وهو منهج ذوقي، وإدراك مباشر يختلف عن الإدراك الحسي المباشر، والإدراك العقلي المباشر، والكشف هو بيان ما يستتر على الفهم فيكشف عنه للعبد كأنه رأي عين. ويصفه الغزالي بأنه نور يقذفه الله في القلب، وهو سبيل الوصول إلى اليقين، فيقول مبيناً وصوله إلى اليقين بعد الشك: «ولم يكن ذلك بنظم دليل وترتيب كلام، بل بنور يقذفه الله في الصدر، وذلك النور هو مفتاح أكثر المعارف، فمن ظن أن الكشف موقوف على الأدلة المجردة، فقد ضيق رحمة الله الواسعة».[٢٧] وهذا المنهج يقابل منهج النظر العقلي، الذي يقول به المتكلمون، وهو في رأي الغزالي يعد أعلى مرتبة وأرقى مناهج المعرفة، فهناك الإنسان العامي الذي يقوم منهجه في المعرفة على التقليد، وهناك المتكلم الذي يقوم منهجه على الاستدلال العقلي، وهو في رأي الغزالي قريب من منهج العوام، وهناك العارف الصوفي الذي منهجه المشاهدة بنور اليقين، وعلى هذا فالمعرفة الصوفية في تدرج أنواع المعرفة تعد أعلاها، فهي تنطوي على معرفة العوام والمتكلمين وتتجاوزها.[٢٨]

ويمكن القول بأن الصوفية يقولون بتدرج المعرفة وفقاً لموضوعات المعرفة، فمعرفة الله قالب:سبحانه وتعالى هي أعلى المعارف وهي تدرك عندهم بالقلب، أما دون ذلك من المعارف فإدراكه بالحس وبالعقل وبالسمع، في حين يرفض المتكلمون تلك المعرفة الإلهامية لأنها ذاتية وليست موضوعية، وليست عامة مطلقة، وليست متيسرة لكل الناس، وعلى كل فإن منهج الصوفية في المعرفة وهو الإلهام مقابل لمنهج المتكلمين في المعرفة وهو النظر، ولقد عارض المتكلمون بشدة بعض أقوال الصوفية القائلين بالحلول والاتحاد.[٢٩] وعلى الرغم من تباين طبيعة علم الكلام والتصوف، واختلاف أداة المعرفة بينهما، إلا أن ذلك لا يعني الانفصال التام بينهما، وذلك لاستناد التصوف على القرآن والسنة، وأنه لابد للصوفي الحقيقي من علم كامل بالكتاب والسنة الصحيحة لكي يصحح اعتقاداته، ويقول الإمام عبد الوهاب الشعراني في تعريفه لعلم التصوف أنه: «علم انقدح في قلوب الأولياء حين استنارت بالعمل بالكتاب والسنة، والتصوف إنما هو زبدة عمل العبد بأحكام الشريعة».[٣٠] وعلم الكلام هو العلم الذي يبحث في أمور العقائد ويعتمد على الكتاب والسنة. ونجد لدى الصوفية كما يذكر عنهم أبو بكر الكلاباذي في كتابه «التعرف لمذهب أهل التصوف» أقوال في موضوعات علم الكلام، فيذكر قولهم في التوحيد والصفات والقدر وغير ذلك من الموضوعات التي خاص فيها المتكلمون، وطريقتهم في ذلك تجري في الغالب على طريقة متكلمي أهل السنة من ماتريدية وأشاعرة.[٣١]

اتباعهم للقرآن والسنة

يرى أئمة التصوف أنهم متبعون للكتاب والسنة، وأن علمهم هذا كباقي العلوم الإسلامية من الفقه والعقيدة مستمد من الكتاب والسنة، دل على اعتقادهم بذلك أقوالهم، والتي منها:

  • قول الجنيد: «الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من اقتفى أثر الرسول قالب:عليه الصلاة والسلام.» وقال أيضا:«من لم يحفظ القرآن، ولم يكتب الحديث، لا يقتدي به في هذا الأمر لأن علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة.».
  • قول سهل التستري:.«أصولنا سبعة أشياء: التمسك بكتاب الله، والاقتداء بسنة رسوله، وأكل الحلال، وكفِ الأذى، واجتناب الآثام، والتوبة، وأداء الحقوق.»[٣٢]
  • قول أبو الحسن الشاذلي:«إِذا عارض كشفُك الصحيح الكتابَ والسنة فاعمل بالكتاب والسنة ودع الكشف، وقل لنفسك: إِن الله ضمن لي العصمة في الكتاب والسنة، ولم يضمنها لي في جانب الكشف والإِلهام».[٣٣]
  • قول أبو الحسين الوراق: «لا يصل العبد إِلى الله إِلا بالله، وبموافقة حبيبه في شرائعه، ومَنْ جعل الطريق إِلى الوصول في غير الاقتداء يضل من حيث يظن أنه مهتد».[٣٤]
  • قول عبد الوهاب الشعراني: «إن طريق القوم - أي الصوفية - محررة على الكتاب والسنة كتحرير الذهب والجوهر، فيحتاج سالكها إِلى ميزان شرعي في كل حركة وسكون».[٣٥]
  • قول أبي يزيد البسطامي حيث سئل عن الصوفي فقال: «هو الذي يأخذ كتاب الله بيمينه وسنة رسوله بشماله، وينظر بإِحدى عينيه إِلى الجنة، وبالأخرى إِلى النار، ويأتزر بالدنيا، ويرتدي بالآخرة، ويلبي من بينهما للمولى: لبيك اللهم لبيك».[٣٦]

ويستدلون أيضا على صحة توجههم بمواقف أئمة المذاهب السنية الأربعة الداعية إلى التصوف بمعناه الصحيح. أما معارضيها فيعتبرونها ممارسة تعبدية لم تذكر لا في القرآن ولا في السنة ولا يصح أي سند لإثباتها وعليه فهي تدخل في نطاق البدعة المحرمة التي نهى عنها رسول الإسلام محمد.

مصطلحات الصوفية

ملف:Mevlana Konya.jpg
متصوفون أتراك مولويون يؤدون حركاتهم التقليدية أمام ضريح المولى جلال الدين الرومي في قونية
طالع أيضاً: مصطلحات علم التصوف

إِن لكل علم من العلوم كالفقه والحديث والمنطق والنحو والهندسة والفلسفة اصطلاحات خاصة به، لا يعلمها إِلا أصحاب ذلك العلم، ومن قرأ كتب علم من العلوم دون أن يعرف اصطلاحاته، أو يطلع على رموزه وإِشاراته، فإِنه يؤول الكلام تأويلات شتى مغايرة لما يقصده العلماء، ومناقضة لما يريده الكاتبون فيتيه ويضل.

وللصوفية اصطلاحاتهم التي قامت بعض الشيء مقام العبارة في تصوير مدركاتهم ومواجيدهم، حين عجزت اللغة عن ذلك. فبسبب ذلك دعى الصوفية من يريد الفهم عنهم إلى صحبتهم حتى تتضح لهم عباراتهم، ويتعرفوا على إِشاراتهم ومصطلحاتهم. قال بعض الصوفية: «نحن قوم يحرم النظر في كتبنا على من لم يكن من أهل طريقنا».[٣٧] وقال عبد الوهاب الشعراني: سمعت سيدي عليًا الخواص يقول: «إِياك أن تعتقد يا أخي إِذا طالعت كتب القوم، وعرفت مصطلحهم في ألفاظهم أنك صرت صوفيًا، إِنما التصوف التخلق بأخلاقهم، ومعرفة طرق استنباطهم لجميع الآداب والأخلاق التي تحلَّوْا بها من الكتاب والسنة».[٣٨]

وإِن كلام الصوفية في تحذير من لا يفهم كلامهم ولا يعرف اصطلاحاتهم من قراءة كتبهم ليس من قبيل كتم العلم، ولكن خوفاً من أن يفهم الناس من كتبهم غير ما يقصدون، وخشية أن يؤولوا كلامهم على غير حقيقته، فيقعوا في الإِنكار والاعتراض، شأن من يجهل علماً من العلوم. لأن المطلوب من المؤمن أن يخاطب الناس بما يناسبهم من الكلام وما يتفق مع مستواهم في العلم والفهم والاستعداد.[٣٩] فمن هذه المصطلحات:[٤٠]

  • الأنس: قال الجنيد: هو ارتفاع الحشمة مع وجود الهيبة.
  • الاتصال: وهو أن ينفصل العبد بسره عما سوى الله، فلا يَرَى بسره - بمعنى التعظيم - غيرَه، ولا يسمع إلا منه.
  • التجريد: وهو أن يتجرد العبد بظاهره عن الأعراض، وبباطنه عن الأعواض.
  • الوجد: هو ما صادف القلب من فزع، أو غم، أو رؤية معنى من أحوال الآخرة، أو كشف حالة بين العبد وبين الله.
  • التواجد: هو ظهور ما يجد في باطنه على ظاهره، ومن قوي حاله تمكن فسكن.
  • الغيبة: أن يغيب عن حظوظ نفسه فلا يراها، وهي قائمة معه، موجودة فيه، غير أنه غائب عنها بشهود ما للحق.
  • الجمع: جمع الهمة: وهو أن تكون الهموم كلها هما واحدا وهو الله.

المنهج العملي في التصوف

يرى الصوفية أنهم لا يكتفون بأن يوضحوا للناس أحكام الشرع وآدابه بمجرد الكلام النظري، ولكنهم بالإضافة إلى ذلك يأخذون بيد تلميذهم ويسيرون به في مدارج الترقي، ويرافقونه في جميع مراحل سيره إلى الله، يحيطونه برعايتهم وعنايتهم، ويوجهونه بحالهم وقولهم، يذكرونه إذا نسي، ويقوِّمونه إذا انحرف، ويتفقدونه إذا غاب، وينشطونه إذا فتر. وهكذا يرسمون له المنهج العملي الذي يمكنه به أن يتحقق بأركان الدين الثلاثة: الإسلام والإيمان والإحسان. ومن أهم الطرق العملية التي يطبقها رجال التصوف للوصول إلى رضا الله ومعرفته:

العلم

يعتقد الصوفية أن العلم والعمل توأمان لا ينفكان عن بعضهما، والسالك في طريق الإيمان والتعرف على الله والوصول إلى رضاه لا يستغني عن العلم في أية مرحلة من مراحل سلوكه. ففي ابتداء سيره لا بد له من علم العقائد وتصحيح العبادات واستقامة المعاملات، وفي أثناء سلوكه لا يستغني عن علم أحوال القلب (بسط وقبض) وحسن الأخلاق وتزكية النفس. ولهذا اعتُبِرَ اكتساب العلم الضروري من أهم النقاط الأساسية في المنهج العملي للتصوف، إذ يرى الصوفية أن التصوف ليس إلا التطبيق العملي للإسلام كاملاً غير منقوص في جميع جوانبه الظاهرة والباطنة.[٤١]

الصحبة

يعتقد الصوفية أن للصحبة أثراً عميقاً في شخصية المرء وأخلاقه وسلوكه، وأن الصاحب يكتسب صفات صاحبه بالتأثر الروحي والاقتداء العملي. وأن الصحابة قالب:رضي الله عنهم ما نالوا هذا المقام السامي والدرجة الرفيعة إلا بمصاحبتهم لرسول الإسلام محمد ومجالستهم له. وأن التابعون أحرزوا هذا الشرف باجتماعهم بالصحابة.

وبما أن الصوفية وباقي المسلمين يؤمنون بأن رسالة النبي محمد عامة خالدة إلى قيام الساعة، فإن الصوفية يرون أن لرسول الإسلام ورّاثاً من العلماء العارفين بالله، ورثوا عن نبيهم العلم والخُلق والإيمان والتقوى، فكانوا خلفاء عنه في الهداية والإرشاد والدعوة إلى الله، فمَنْ جالسهم سرى إليه من حالهم الذي اقتبسوه من رسول الإسلام محمد ، ومَنْ نصرهم فقد نصر الدين، ومن ربط حبله بحبالهم فقد اتصل بالرسول محمد حسب اعتقادهم. ويرون أن هؤلاء الوراث هم الذين ينقلون للناس الدين، مُمَثَّلاً في سلوكهم، حيَّاً في أحوالهم، واضحاً في حركاتهم وسكناتهم، هم من الذين عناهم الرسول محمد بقوله: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك».[٤٢] ويعتقدون أن أمثال هؤلاء الوراث لا ينقطع أثرهم على مر الزمان، ولا يخلو منهم بلد، وأن صحبتهم دواء مجرب، والبعد عنهم سم قاتل، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم؛ مرافقتهم هي العلاج العملي الفعَّال لإصلاح النفوس، وتهذيب الأخلاق، وغرس العقيدة، ورسوخ الإيمان.

ويستدلون على أهمية الصحبة بآيات من القرآن، منها:

  • ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾.[٤٣]
  • ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾.[٤٤]
  • ﴿وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ﴾.[٤٥]
  • ﴿الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾.[٤٦]
  • ﴿مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا﴾.[٤٧]

ويقول أئمة التصوف في أهمية صحبة الشيوخ المرشدين:

  • قال أبو حامد الغزالي : «مما يجب في حق سالكِ طريق الحق أن يكون له مرشدٌ ومربٌّ ليدله على الطريق، ويرفع عنه الأخلاق المذمومة، ويضع مكانها الأخلاق المحمودة».[٤٨]
  • قال ابن عطاء الله السكندري : «وينبغي لمن عزم على الاسترشاد، وسلوك طريق الرشاد، أن يبحث عن شيخ من أهل التحقيق، سالك للطريق، تارك لهواه، راسخ القدم في خدمة مولاه فإذا وجده فليمتثل ما أمر، ولينْتهِ عما نهى عنه وزجر».[٤٩]
  • قال أحمد زروق : «أخذ العلم والعمل عن المشايخ أتم من أخذه دونهم (بل هو آياتٌ بيِّناتٌ في صُدور الذينَ أوتوا العلمَ)، (واتَّبِعْ سبيلَ مَنْ أنابَ إليَّ)، فلزمت المشيخة».[٥٠]

مجاهدة النفس

يعرّف الصوفية مجاهدة النفس على أنها: «بذل الوسع في حمل النفس على خلاف هواها ومرادها المذموم، وإلزامها تطبيق شرع الله أمراً ونهياً». ويقولون أنه ليس المراد من مجاهدة النفس استئصال صفاتها؛ بل المراد تصعيدها من سيء إلى حسن، وتسييرها على مراد الله وابتغاء مرضاته.

ويستدل الصوفية على المجاهدة بآيات من القرآن وأحاديث من السنة، منها:

  • في القرآن: ﴿والذينَ جاهَدوا فينا لنَهديَنَّهم سُبُلَنا﴾.[٥١]
  • في السنة النبوية: «المجاهدُ مَنْ جاهد نفسَهُ في الله».[٥٢]

ومن أقوال أئمتهم في الحث على مجاهدة النفس:

  • قال أبو عثمان المغربي: «من ظن أنه يُفتح له بهذه الطريقة أو يكشف له عن شيء منها لا بلزوم المجاهدة فهو في غلط».[٥٣]
  • قال زكريا الأنصاري : «إنَّ نجاة النفس أنْ يخالف العبدُ هواها، ويحملَها على ما طلب منها ربُّها».[٥٤]
  • قال أحمد بن عجيبة: «لا بد للمريد في أول دخوله الطريق من مجاهدة ومكابدة وصدق وتصديق، وهي مُظهِر ومجلاة للنهايات، فمن أشرقت بدايته أشرقت نهايته، فمن رأيناه جادَّاً في طلب الحق باذلاً نفسه وفلسه وروحه وعزه وجاهه ابتغاء الوصول إلى التحقق بالعبودية والقيام بوظائف الربوبية ؛ علمنا إشراق نهايته بالوصول إلى محبوبه، وإذا رأيناه مقصِّراً علمنا قصوره عما هنالك».[٥٥]

واعترض أقوام على رجال التصوف واتهموهم بأنهم يُحَرِّمون ما أحل الله من أنواع اللذائذ والمتع، وقد قال الله: (قٌلْ مَنْ حرَّمَ زينة الله التي أخرجَ لعبادِهِ والطيبات من الرزق...) [الأعراف: 32]. ولكن رجال التصوف ردوا عليهم بقولهم أنهم لم يجعلوا الحلالَ حراماً، إذْ أسمى مقاصدهم هو التقيد بشرع الله، ولكنهم حين عرفوا أن تزكية النفس فرضُ عين، وأن للنفس أخلاقاً سيئة وتعلقات شهوانية، توصِل صاحبها إلى الردى، وتعيقه عن الترقي في مدراج الكمال، وجدوا لزاماً عليهم أن يهذبوا نفوسهم ويحرروها من سجن الهوى.

وبهذا المعنى يقول الصوفي الحكيم الترمذي رداً على هذه النقطة، وجواباً لمن احتج بالآية القرآنية: ﴿قُلْ مَنْ حرَّمَ زينة الله﴾ : «فهذا الاحتجاج تعنيف، ومن القول تحريف لأنَّا لم نُرِدْ بهذا، التحريمَ، ولكنا أردنا تأديب النفس حتى تأخذ الأدب وتعلم كيف ينبغي أن تعمل في ذلك، ألا ترى إلى قوله جل وعلا: ﴿إنّما حرّم ربيَ الفواحشَ ما ظهر منها وما بطنَ والإثمَ والبَغيَ بغيرِ الحقِّ﴾[الأعراف: 33]. فالبغيُ في الشيء الحلال حرامٌ، والفخرُ حرام، والمباهاةُ حرام، والرياء حرام، والسرف حرام، فإنما أُوتِيَتِ النفسُ هذا المنعَ من أجل أنها مالت إلى هذه الأشياء بقلبها، حتى فسد القلب. فلما رأيتُ النفس تتناول زينة الله والطيبات من الرزق تريد بذلك تغنياً أو مباهاة أو رياء علمتُ أنها خلطت حراماً بحلال فضيَّعَتِ الشكرَ، وإنما رُزِقَتْ لتشكُرَ لا لِتكْفرَ، فلما رأيتُ سوء أدبها منعتُها، حتى إذا ذلَّت وانقمعت، ورآني ربي مجاهداً في ذاته حق جهاده، هداني سبيله كما وعد الله: ﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينَّهم سُبُلَنا وإنَّ اللهَ لَمَعَ المحسنين﴾ [العنكبوت: 69] فصرتُ عنده بالمجاهدة محسناً فكان الله معي، ومن كان مع الله فمعه الفئة التي لا تغلب، والحارس الذي لا ينام، والهادي الذي لا يضل، وقذفَ في القلب من النور نوراً عاجلاً في دار الدنيا حتى يوصله إلى ثواب الآجل».[٥٦]

ذكر الله

طالع أيضاً: ذكر (إسلام)
ملف:Masbaha.jpg
مسبحة، يستعملها الصوفيون لأورادهم وأذكارهم

يعرّف الإمام ابن عطاء الله السكندري الذكر على أنه: هو التخلص من الغفلة والنسيان بدوام حضور القلب مع الحق، وقيل: ترديد اسم الله بالقلب واللسان، أو ترديد صفة من صفاته، أو حكم من أحكامه، أو فعل من أفعاله، أو غير ذلك مما يُتقرَّبُ به إلى الله.[٥٧]

ويعتقد الصوفية أن الذكر يثمر المقامات كلها من اليقظة إلى التوحيد، ويثمر المعارف والأحوال التي شمَّر إليها السالكون، فلا سبيل إلى نيل ثمارها إلا من شجرة الذكر، وكلما عظمت تلك الشجرة ورسخ أصلها، كان أعظم لثمرتها وفائدتها. وهو أصل كل مقام وقاعدته التي يبني عليها، كما يُبنى الحائط على أساسه، وكما يقوم السقف على جداره.

حث أئمة التصوف على الذكر كثيرا، فقال الإمام أبو القاسم القشيري : الذكر منشور الولاية، ومنار الوصلة، وتحقيق الإرادة، وعلامة صحة البداية، ودلالة النهاية، فليس وراء الذكر شيء؛ وجميع الخصال المحمودة راجعة إلى الذكر ومنشؤها عن الذكر. وقال أيضاً: الذكر ركن قوي في طريق الحق قالب:سبحانه وتعالى، بل هو العمدة في هذا الطريق، ولا يصل أحد إلى الله إلا بدوام الذكر.[٥٨]

ويجعل الصوفية للذكر أنواع، ولكل منها أدلة عندهم من الكتاب والسنة يجيزونها بها، ولكل منها فوائد تعود على السالك إلى الله بما يناسب حاله، فيذكرون:

  • ذكر السرّ، وذكر الجهر.
  • الذكر الفردي، والذكر الجماعي.
  • الذكر باللسان، والذكر بالقلب.

الخلوة

يعرف الصوفية الخلوة على أنها: انقطاع عن البشر لفترة محدودة، وترك للأعمال الدنيوية لمدة يسيرة، كي يتفرغ القلب من هموم الحياة التي لا تنتهي، ويستريح الفكر من المشاغل اليومية التي لا تنقطع، ثم ذكرٌ لله بقلب حاضر خاشع، وتفكرٌ في آلائه آناء الليل وأطراف النهار، وذلك بإرشاد شيخ عارف بالله، يُعلِّمه إذا جهل، ويذكِّره إذا غفل، وينشطه إذا فتر، ويساعده على دفع الوساوس وهواجس النفس.[٥٩]

أما عن دليلها الذي يستدلون به من الكتاب والسنة، عديدة، منها:

  • الآية القرآنية الكريمة: ﴿73﴾ [المزمل: 8]. وقد قال العلامة أبو السعود مفسراً لهذه الآية: «ودُم على ذكره تعالى ليلاً ونهاراً على أي وجه كان؛ من التسبيح والتهليل والتحميد... إلى أن قال: وانقطعَ إليه بمجامع الهمة واستغراق العزيمة في مراقبته، وحيث لم يكن ذلك إلا بتجريد نفسه قالب:عليه الصلاة والسلام عن العوائق الصادرة المانعة عن مراقبة الله، وقطع العلائق عما سواه».[٦٠]
  • حديث عن عائشة أنها قالت: «أولُ ما بُدِئَ به رسول الله من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حُبِّبَ إليه الخلاءُ، وكان يخلو بغار حِراءَ؛ فيتَحَنَّثُ فيه - وهو التعبد - الليالي ذوات العدد، قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة، ويتزود لمثلها، حتى جاءه الحق، وهو في غار حراء».[٦١] وقد قال ابن أبي جمرة في شرحه لهذا الحديث: «في الحديث دليل على أن الخلوة عون للإنسان على تعبده وصلاح دينه، لأن النبي لما اعتزل عن الناس وخلا بنفسه، أتاه هذا الخير العظيم، وكل أحد امتثل ذلك أتاه الخير بحسب ما قسم له من مقامات الولاية. وفيه دليل على أن الأوْلى بأهل البداية الخلوة والاعتزال، لأن النبي كان في أول أمره يخلو بنفسه».[٦٢] وقال القسطلاني في شرحه لحديث عائشة المذكور: «وفيه تنبيه على فضل العزلة لأنها تريح القلب من أشغال الدنيا، وتفرغه لله تعالى، فتنفجر منه ينابيع الحكمة. والخلوة أن يخلو عن غيره، بل وعن نفسه بربه، وعند ذلك يصير خليقاً بأن يكون قالبه ممراً لواردات علوم الغيب، وقلبه مقراً لها».[٦٣]

ويذكر الإمام الغزالي طريقة الخلوة ومراحلها ومقاماتها، فيقول: «أن الشيخ يُلزِم المريد زاوية ينفرد بها، ويوكل به من يقوم له بقدر يسير من القوت الحلال - فإنَّ أصل الدين القوت الحلال - وعند ذلك يلقنه ذكراً من الأذكار، حتى يشغل به لسانه وقلبه، فيجلس ويقول مثلاً: الله، الله، أو سبحان الله، سبحان الله، أو ما يراه الشيخ من الكلمات، فلا يزال يواظب عليه، حتى يسقط الأثر عن اللسان، وتبقى صورة اللفظ في القلب، ثم لا يزال كذلك حتى تُمحى من القلب حروف اللفظ وصورته، وتبقى حقيقة معناه لازمة للقلب، حاضرة معه، غالبة عليه، قد فرغ عن كل ما سواه، لأن القلب إذا اشتغل بشيء خلا عن غيره - أيَّ شيء كان - فإذا اشتغل بذكر الله وهو المقصود، خلا لا محالة من غيره. وعند ذلك يلزمه أن يراقب وساوس القلب، والخواطر التي تتعلق بالدنيا، وما يتذكر فيه مما قد مضى من أحواله وأحوال غيره، فإنه مهما اشتغل بشيء منه - ولو في لحظة - خلا قلبه عن الذكر في تلك اللحظة، وكان أيضاً نقصاناً. فليجتهد في دفع ذلك، ومهما دفع الوساوس كلها، وردَّ النفس إلى هذه الكلمة، جاءته الوساوس من هذه الكلمة، وإنها ما هي؟ وما معنى قولنا: الله؟ ولأي معنى كان إلهاً، وكان معبوداً؟ ويعتريه عند ذلك خواطر تفتح عليه باب الفكر، وربما يَرِدُ عليه من وساوس الشيطان ما هو كفر وبدعة، ومهما كان كارهاً لذلك، ومُتَشمِّراً لإماطته عن القلب لم يضره ذلك».[٦٤]

ويجعل الصوفية للخلوة نوعين، هما:

  • خلوةٌ عامة: ينفرد بها المؤمن ليتفرغ لذكر الله بأية صيغة كانت، أو لتلاوة القرآن، أو محاسبة نفسه، أو ليتفكر في خلق السموت والأرض.
  • خلوةٌ خاصة: يقصد منها الوصول إلى مراتب الإحسان والتحقق بمدارج المعرفة، وهذه لا تكون إلا بإشراف مرشدٍ مأذون، يُلَقِّنُ المريد ذكراً معيناً، ويكون على صلة دائمة به ليزيل عنه الشكوك ويدفعه إلى آفاق المعرفة، ويرفع عنه الحجب والأوهام والوساوس، وينقله من الكون إلى المُكَوِّن.

العقيدة التي يتبنّاها الصوفية

ملف:Sufis in Cairo, Egypt, photo by Zangaki in 1870.jpg
موكب أحد الطرق الصوفية في القاهرة سنة 1870

يعلن المتصوفة حاليا بمعظمهم اعتقادهم حسب مبادئ عقيدة الأشاعرة التي انتشرت وسادت كمذهب عقيدي رسمي لأهل السنة والجماعة، بل وتبناها جمهور علماء أهل السنة والجماعة من الإمام النووي، والإمام ابن حجر العسقلاني، والإمام السيوطي، وغيرهم الكثير. فبالتالي فإن كتب المتصوفة الحديثين لا تخرج عن عقيدة أهل السنة سواء كانت أشعرية أوماتريدية. وذلك بالرغم أنهم يتبنون كتب ابن عربي والسهروردي التي تتهم من قبل الحركات السلفية وبعض الباحثين المعاصرين بأنها تتضمن ما يفيد بعقائد الحلول ووحدة الوجود، لكن المتصوفة يقولون أن هذه الكتب ليست في متناول العوام (والعوام في نظر المتصوفة هو كل من لم يتمرس بالصوفية وممارساتها) ، وأنه بالإمكان حمل كلام ابن عربي والسهروردي على محامل نابعة من الإسلام، فالعوام غير قادرين على تذوق المعاني التي لا تتجلى إلا لمن حصل على الكشف الإلهي، بالتالي فهم وحدهم من يمتلك حق التأويل لهذه الكتب والمقولات للشيوخ الكبار مثل ابن عربي والسهروردي. ويرى الشيخ المسافر أن ابن عربي والسهروردي وابن سبعين، فضلا عن جلال مسيرتهم في التصوف، ينتمون إلى ميدان الحكمة الفلسفية، وان كثيرا من كتبهم فلسفية بامتياز، وإن لم تسم بذلك. ويشهد على ذلك إنتاج ذلك العدد الكبير من فلاسفة الغرب الذين اسسوا اطروحاتهم الفلسفية أو ضمنوها أجزاء من إنتاج المشايخ الأولياء الثلاثة، أو كما يطلق عليهم البعض «الفلاسفة العظام الثلاثة».

  • قال أبو القاسم القشيري في رسالته المشهورة بالرسالة القشيرية عند ذكر عقيدة الصوفية ما نصه: «وهذه فصول تشتمل على بيان عقائدهم في مسائل التوحيد ذكرناها على وجه الترتيب. قال شيوخ هذه الطريقة على ما يدل عليه متفرقات كلامهم ومجموعاتها ومصنفاتهم في التوحيد: إن الحق قالب:سبحانه وتعالى موجود قديم لا يشبهه شيء من المخلوقات، ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض، ولا صفاته أعراض، ولا يتصور في الأوهام، ولا يتقدر في العقول، ولا له جهة ولا مكان، ولا يجري عليه وقت وزمان.»
  • وقال الشيخ أبو بكر الكلاباذي الحنفي في كتابه التعرف لمذهب أهل التصوف: «اجتمعت الصوفية على أن الله لا يحويه مكان ولا يجري عليه زمان.»

عقيدة الصوفية في الأولياء

الولي عندهم هو: عبد لله، اختصه الله بعنايته وتوفيقه واصطفاه من بين عبيده، وهو عبد لا يضر ولا ينفع بذاته كباقي البشر، هو دون الأنبياء في المرتبة والمنزلة، إذ لا أحد يصل إلى رتبة الأنبياء مهما ارتقى في مراتب الولاية، لذلك فالولي ليس بمعصوم عن الخطأ، إلا من عصمه الله. ويستشهدون بالآية القرآنية: (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الذين ءامنوا وكانوا يتقون) فالمتقون هم أولياء الله. وقد ورد تحذير في أحاديث النبي محمد ، وذلك كما في الحديث القدسي: من عادى لي ولياً فقد ءاذنته بالحرب.[٦٥]

مراتب الأولياء

جعل الصوفيةُ الأولياءَ على مراتب، وذلك بحسب اجتهادهم في دقائق التقوى -وبحسب ما يعتبرونه توفيقًا من الله لهم-، وبذلك تفاوتت مراتبهم في مقامات الولاية، فليس كل المتقين على درجة واحدة. أما من حيث الدرجات، فيجعلون المراتب من الأفضل إلى الأدنى كالتالي:[٦٦]

  • القطب الغوث، الذي به يغاث عباد الله وبواسطته تنزل الرحمة، اشتهر منهم أربعة: الإمام عبد القادر الجيلاني، والإمام أحمد الرفاعي والإمام أحمد البدوي والإمام إبراهيم الدسوقي.[٦٧]
  • ثم الإمامان، وهما كالوزيرين له.
  • ثم الأربعة الأوتاد الحافظون لجهات الأرض.
  • ثم السبعة النجباء والحافظون للأقاليم السبعة.
  • ثم الأربعون الأبدال الساعون في قضاء حوائج المسلمين، وهم في الشام. وقد ورد فيهم أحاديث مختلف في صحتها منها قول النبي محمد: «الأبدال بالشام وهم أربعون رجلاً كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً، يُسقَى بهم الغيث، ويُنتصر بهم على الأعداء، ويُصرف عن أهل الشام بهم العذاب» [٦٨]
  • ثم التسعة والتسعون الذين هو مظاهر أسماء الله.
  • ثم الثلاثمائة والتسعون الأولياء الصالحون من المؤمنين.

وأهل مراتب الصوفية لا بد من وجودهم في كل زمان إلى غاية نزول عيسى بن مريم عليه السلام.

كرامات الأولياء

الكرامة هي أمر خارق للعادة غير مقرونة بدعوى النبوة، يظهرها الله قالب:عز وجل على أوليائه الصالحين من أتباع الرسل كرامة لهم. وقد أجمع أهل التصوف على إثبات كرامات الأولياء، وكلام البهائم، وطي الأرض، وظهور الشيء في غير موضعه ووقته.[٦٩]

  • ويستدلون على صحتها ووجودها بآيات من القرآن، منها:
    • قصة الذي عنده علم من الكتاب في الآية القرآنية: (أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك).
    • قصة مريم بنت عمران حين قال لها النبي زكريا: (أنى لك هذا؟ قالت: هو من عند الله).
  • ومن أحاديث النبي محمد: «أن رجلين خرجا من عند النبي في ليلة مظلمة، وإذا نور بين أيديهما حتى تفرقا، فتفرق النور معهما».[٦٥]
  • ومن قصص وقعت للصحابة: قصة الصحابي عمر بن الخطاب: عن ابن عمر قال: وجه عمر جيشا وولى عليهم رجلا يدعى سارية، فبينما عمر في المدينة يخطب على المنبر جعل ينادي: يا سارية الجبل!! ثلاثا. ثم قدم رسول الجيش فسأله عمر، فقال: يا أمير المؤمنين هزمنا فبينما نحن كذلك إذ سمعنا صوتا ينادي يا سارية الجبل ثلاثا، فأسندنا ظهورنا إلى الجبل فهزمهم الله. قال: فقيل لعمر إنك كنت تصيح هكذا وهكذا.[٧٠]

الصوفية يعتبرون أن أعظم الكرامات هي الاستقامة على شرع الله. قال أبو القاسم القشيري : واعلم أن من أجلِّ الكرامات التي تكون للأولياء دوام التوفيق للطاعات، والحفظ من المعاصي والمخالفات.[٧١]

والصوفية يمنعون إِظهار الكرامة إِلا لغرض صحيح ؛ كنصرة شريعة الله أمام الكافرين والمعاندين، أما إِظهارها بدون سبب مشروع فهو مذموم، لما فيه من حظ النفس والمفاخرة والعجب. قال الشيخ محي الدين بن عربي : ولا يخفى أن الكرامة عند أكابر الرجال معدودة من جملة رعونات النفس، إِلا إِنْ كانت لنصر دين أو جلب مصلحة، لأن الله هو الفاعل عندهم، لا هُمْ، هذا مشهدهم، وليس وجه الخصوصية إِلا وقوع ذلك الفعل الخارق على يدهم دون غيرهم ؛ فإِذا أحيا كبشاً مثلاً أو دجاجة فإِنما ذلك بقدرة الله لا بقدرتهم، وإِذا رجع الأمر إِلى القدرة فلا تعجب.[٧٢]

كما أن الصوفية لا يعتبرون ظهور الكرامات على يد الولي الصالح دليلاً على أفضليته على غيره. قال الإِمام اليافعي : لا يلزم أن يكون كلُّ مَنْ له كرامة من الأولياء أفضلَ من كل من ليس له كرامة منهم، بل قد يكون بعض مَنْ ليس له كرامة منهم أفضل من بعض مَنْ له كرامة، لأن الكرامة قد تكون لتقوية يقين صاحبها، ودليلاً على صدقه وعلى فضله لا على أفضليته، وإِنما الأفضلية تكون بقوة اليقين، وكمال المعرفة بالله.[٧٣]

ويعتبر الصوفية أن عدم ظهور الكرامة على يد الولي الصالح ليس دليلاً على عدم ولايته. قال الإِمام القشيري : لو لم يكن للولي كرامة ظاهرة عليه في الدنيا، لم يقدح عدمها في كونه ولياً.[٧٤]

هل يجوز للولي أن يعرف أنه ولي

اختلف الصوفية في الولي: هل يجوز أن يعرف أنه ولي أم لا؟ على قولين.:[٦٩]

  • فقال بعضهم: لا يجوز ذلك؛ لأن معرفة ذلك تزيل عنه خوف العاقبة، وزوال خوف العاقبة يوجب الأمن، وفي وجوب الأمن زوال العبودية؛ لأن العبد بين الخوف والرجاء.
  • وقال الأجلة منهم والكبار: يجوز أن يعرف الولي ولايته؛ لأنها كرامة من الله للعبد، والكرامات والنعم يجوز أن يعلم ذلك فيقتضي زيادة الشكر. ويستدل هؤلاء بأن النبي محمد قد أخبر أصحابه بأنهم من أهل الجنة، وشهد للعشرة بالجنة، وشهادة النبي توجب سكونا إليها، وطمأنينة بها، وتصديقا لها. ومع ذلك فقد أخبرهم النبي بذلك.

الشريعة والطريقة والحقيقة

يقسّم الصوفية الدين إلى ثلاثة أركان رئيسية: هي الشريعة، والطريقة، والحقيقة - حيث يعتبره السلفيون أنه تقسيم بدعة في دين الإسلام، ولم يرد في صحته أي أدلة -. ويستدل الصوفية على صحة هذا التقسيم ما ورد بحديث نبي الإسلام محمد الذي اشتهر باسم حديث جبريل وهو مروي عن الصحابي عمر بن الخطاب، يقول:

بينما نحن جلوس عند رسول الله إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لايرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع يديه على فخذيه وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام. قال : الإسلام أن تشهد أن لاإله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا. قال: صدقت. فعجبنا له يسأله ويصدقه. قال: فأخبرني عن الإيمان قال :أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.قال: فأخبرني عن الساعة قال: مالمسؤول عنها بأعلم من السائل قال: فأخبرني عن أماراتها قال: أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاة الشاه يتطاولون في البنيان. ثم انطلق. فلبث مليا ثم قال: ياعمر أتدري من السائل قلت الله ورسوله أعلم قال: فإنه جبريل آتاكم يعلمكم دينكم.[٧٥]

فالحديث يذكر أقسام الدين كما يقولون، وهي:

  • ركن الإِسلام: وهو الجانب العملي؛ من عبادات ومعاملات وأُمور تعبدية، ومحله الأعضاء الظاهرة الجسمانية. وقد اصطلح العلماء على تسميته بالشريعة، واختص بدراسته الفقهاء.
  • ركن الإِيمان: وهو الجانب الاعتقادي القلبي؛ من إِيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقضاء والقدر. وقد اختص بدراسته علماء التوحيد.
  • ركن الإِحسان: وهو الجانب الروحي القلبي؛ وهو أن تعبد الله كأنك تراه، فإِن لم تكن تراه فإِنه يراك، وما ينتج عن ذلك من أحوال وأذواق وجدانية، ومقامات عرفانية، وعلوم وهبية، وقد اصطلح العلماء على تسميته بالحقيقة، واختص ببحثه الصوفية.

وللوصول إِلى هذا المقام، والإِيمان الكامل، لابد من سلوك الطريقة، وهي مجاهدة النفس، وتصعيد صفاتها الناقصة إِلى صفات كاملة، والترقي في مقامات الكمال بصحبة المرشدين، فهي الجسر الموصل من الشريعة إِلى الحقيقة. قال السيد في تعريفاته: «الطريقة هي السيرة المختصة بالسالكين إِلى الله، من قطع المنازل والترقي في المقامات».[٧٦]

ولتوضيح الصلة بين الشريعة والحقيقة يضربون لذلك مثلاً الصلاة، فالإِتيان بحركاتها وأعمالها الظاهرة، والتزام أركانها وشروطها، وغير ذلك مما ذكره علماء الفقه، يمثل جانب الشريعة، وهو جسد الصلاة. وحضور القلب مع الله في الصلاة يمثل جانب الحقيقة، وهو روح الصلاة. فأعمال الصلاة البدنية هي جسدها، والخشوع روحها. وما فائدة الجسد بلا روح؟! وكما أن الروح تحتاج إِلى جسد تقوم فيه، فكذلك الجسد يحتاج إِلى روح يقوم بها، ويستدلون على ذلك بالآية القرآنية: (أقيمُوا الصلاةَ وآتوا الزكاةَ)[٧٧] ولا تكون الإِقامة إِلا بجسد وروح، ولذا لم يقل: أوجدوا الصلاة.

فالشريعة عندهم هي الأساس، والطريقة هي الوسيلة، والحقيقة هي الثمرة، وهذه الأشياء الثلاثة متكاملة منسجمة، فَمَنْ تمسَّك بالأولى منها سلك الثانية فوصل إِلى الثالثة، وليس بينها تعارض ولا تناقض، ولذلك يقول الصوفية في قواعدهم المشهورة: (كل حقيقة خالفت الشريعة فهي زندقة).

ويقول الشيخ أحمد زروق: لا تصوف إِلا بفقه، إِذ لا تعرف أحكام الله الظاهرة إِلا منه. ولا فقه إِلا بتصوف، إِذ لا عمل إِلا بصدق وتوجه لله تعالى. ولا هما (التصوف والفقه) إِلا بإِيمان، إِذ لا يصح واحد منهما دونه. فلزم الجميع لتلازمها في الحكم، كتلازم الأجسام للأرواح، ولا وجود لها إِلا فيها، كما لا حياة لها إِلا بها، فافهم.[٧٨]

ويقول الإِمام مالك بن أنس: مَنْ تصوف ولم يتفقه فقد تزندق، ومن تفقه ولم يتصوف فقد تفسق، ومن جمع بينهما فقد تحقق.[٧٩]

ويقولون أنه كما حفظ علماء الظاهر حدود الشريعة، كذلك حفظ علماء التصوف آدابها وروحها، وكما أبيح لعلماء الظاهر الاجتهاد في استنباط الأدلة واستخراج الحدود والفروع، والحكم بالتحليل والتحريم على ما لم يَرِدْ فيه نص، فكذلك لعلماء الصوفية أن يستنبطوا آداباً ومناهج لتربية المريدين وتهذيب السالكين.

وحدة الوجود والحلول والاتحاد

إِن من أهم ما ينتقد به المعارضون للصوفية اتهامهم بأنهم يقولون بالحلول والاتحاد، بمعنى أن الله قد حلَّ في جميع أجزاء الكون؛ في البحار والجبال والصخور والأشجار والإِنسان والحيوان، أو بمعنى أن المخلوق عين تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. ويرى الصوفية أنه لاشك أن هذا القول كفر صريح يخالف عقائد الأمة الإسلامية. فالصوفية ينفون هذه التهمة عن أنفسهم جملة وتفصيلا، ويحذرون من أن يرميهم أحد بهذه العقيدة الكفرية جزافاً دون تمحيص أو تثبت، ومن غير أن يفهم مرادهم، ويطلع على عقائدهم الحقة التي ذكروها صريحة واضحة في أُمهات كتبهم، كالفتوحات المكية للشيخ الكبير محي الدين ابن عربي ، وإحياء علوم الدين للامام أبو حامد الغزالي ، والرسالة القشيرية للامام ابي القاسم القشيري الشافعي والمثنوي لجلال الدين الرومي وغيرها.

صريح أقوالهم في رفضهم لعقيدة وحدة الوجود والحلول والاتحاد

صرح أئمة الصوفية في كتبهم برفضهم لعقيدة وحدة الوجود والحلول والاتحاد بالمعنى السابق ذكره، والتي منها:

  • يقول الشعراني : ولعمري إِذا كان عُبَّاد الأوثان لم يتجرؤوا على أن يجعلوا آلهتهم عين الله؛ بل قالوا: ما نعبدهم إِلا ليقربونا إِلى الله زلفى، فكيف يُظَن بأولياء الله أنهم يدَّعون الاتحاد بالحق على حدٍّ ما تتعقله العقول الضعيفة؟! هذا كالمحال في حقهم؛ إِذ ما مِن وليٍّ إِلا وهو يعلم أن حقيقته قالب:سبحانه وتعالى مخالفة لسائر الحقائق، وأنها خارجة عن جميع معلومات الخلائق؛ لأن الله بكل شيء محيط.[٨٠]
  • قال الشيخ محي الدين بن عربي في عقيدته الوسطى: اعلم أن الله واحد بالإِجماع، ومقام الواحد يتعالى أن يحل فيه شيء، أو يحل هو في شيء، أو يتحد في شيء.[٨١]
  • وقال في باب الأسرار: لا يجوز لعارف أن يقول: أنا الله، ولو بلغ أقصى درجات القرب، وحاشا العارف من هذا القول حاشاه، إِنما يقول: أنا العبد الذليل في المسير والمقيل.[٨٢]
  • وقال في باب الأسرار: من قال بالحلول فهو معلول، فإِن القول بالحلول مرض لا يزول، وما قال بالاتحاد إِلا أهل الإِلحاد، كما أن القائل بالحلول من أهل الجهل والفضول.[٨٢]
  • وقال أيضاً في الباب الثاني والتسعين ومائتين: من أعظم دليل على نفي الحلول والاتحاد الذي يتوهمه بعضهم، أن تعلم عقلاً أن القمر ليس فيه من نور الشمس شيء، وأن الشمس ما انتقلت إِليه بذاتها، وإِنما كان القمر محلاً لها، فكذلك العبد ليس فيه من خالقه شيء ولا حل فيه.[٨٣]
  • قال صاحب كتاب نهج الرشاد في الرد على أهل الوحدة والحلول والاتحاد: حدثني الشيخ كمال الدين المراغي قال: اجتمعتُ، بالشيخ أبي العباس المرسي - تلميذ الشيخ الكبير أبي الحسن الشاذلي - وفاوضْته في هؤلاء الاتحادية، فوجدته شديد الإِنكار عليهم، والنهي عن طريقهم، وقال: أتكون الصنعة هي عين الصانع؟!.[٨٤]
  • قال أبو حامد الغزالي: وأما القسم الرابع وهو الاتحاد فذلك أيضا أظهر بطلانا لأن قول القائل إن العبد صار هو الرب كلام متناقض في نفسه، بل ينبغي أن ينزه الرب قالب:سبحانه وتعالى عن أن يجري اللسان في حقه بأمثال هذه المحالات... فالاتحاد بين شيئين مطلقا محال...فأصل الاتحاد إذا باطل... وأما القسم الخامس وهو الحلول فذلك يتصور أن يقال أن الرب قالب:تبارك وتعالى حل في العبد أو العبد حل في الرب، تعالى رب الأرباب عن قول الظالمين.[٨٥]
  • قال الإمام أحمد بن عجيبة في تفسيره البحر المديد: واعلم أن ذات الحق ـ قالب:جل جلاله ـ عمّت الوجود، فليست محصورة في مكان ولا زمان، قالب:قرآن مصور ، فأسرار ذاته قالب:سبحانه وتعالى سارية في كل شيء، قائمة بكل شيء، كما تقدّم، فهو موجود في كل شيء، لا يخلو منه شيء، أسرار المعاني قائمة بالأواني، وإنما خصّ الحق قالب:سبحانه وتعالى السماء بالذكر؛ لأنها مرتفعة معظّمة، فناسب ذكر العظيم فيها، وعلى هذا تُحمل الأحاديث والآيات الواردة على هذا المنوال. وليس هنا حلول ولا اتحاد؛ إذ ليس في الوجود إلاّ تجليات الحق ومظاهر ذاته وصفاته، كان الله ولا شيء معه، وهو الآن على ما كان عليه، فما مثال الكون إلا كجبريل حين يتطوّر على صورة دحية، غير أنَّ رداء الكبرياء منشور على وجه ذاته وأسرار معانيه، وهو ما ظهر من حسن الكائنات، وما تلوّنت به الخمرة من أوصاف العبودية. ولا يفهم هذا إلاَّ أهل الذوق السليم. وبالله التوفيق.[٨٦]

تأويلهم لأقوال أوهمت وحدة الوجود أو الحلول أو الاتحاد

وأما ما ورد من كلام الصوفية في كتبهم مما يفيد ظاهره الحلول والاتحاد، فيقولون أنه إما مدسوس عليهم، بدليل ما سبق من صريح كلامهم في نفي هذه العقيدة. وإِما أنهم لم يقصدوا به القول بهذه الفكرة والنحلة ، ولكن بعض منتقديهم حملوا المتشابه من كلامهم على هذا الفهم ، ورموهم بالزندقة والكفر. أما غيرهم فقد فهموا كلامهم على معناه الموافق لعقيدة أهل السنة والجماعة، وأدركوا تأويله بما يناسب ما عرف عن الصوفية.

  • قال جلال الدين السيوطي : واعلم أنه وقع في عبارة بعض المحققين لفظ الاتحاد، إِشارة منهم إِلى حقيقة التوحيد، فإِن الاتحاد عندهم هو المبالغة في التوحيد. والتوحيد معرفة الواحد والأحد، فاشتبه ذلك على من لا يفهم إِشاراتهِم، فحملوه على غير محمله؛ فغلطوا وهلكوا بذلك.. إِلى أن قال: فإِذن أصل الاتحاد باطل محال، مردود شرعاً وعقلاً وعرفاً بإِجماع الأنبياء ومشايخ الصوفية وسائر العلماء والمسلمين، وليس هذا مذهب الصوفية، وإِنما قاله طائفة غلاة لقلة علمهم وسوء حظهم من الله، فشابهوا بهذا القولِ النصارى الذين قالوا في عيسى : اتَّحَد ناسوتُهُ بلاهوتِهِ. وأما مَنْ بالعناية، فإِنهم لم يعتقدوا اتحاداً ولا حلولاً، وإِن وقع منهم لفظ الاتحاد فإِنما يريدون به محو أنفسهم، وإِثبات الحق قالب:سبحانه وتعالى.[٨٤]
  • وقال: وقد يُذْكَر الاتحاد بمعنى فناء المخالفات، وبقاء الموافقات، وفناء حظوظ النفس من الدنيا، وبقاء الرغبة في الآخرة، وفناء الأوصاف الذميمة، وبقاء الأوصاف الحميدة، وفناء الشك، وبقاء اليقين، وفناء الغفلة وبقاء الذكر.[٨٧]
  • وقال: وأما قول أبي يزيد البسطامي: (سبحاني، ما أعظم شأني) فهو في معرض الحكاية عن الله، وكذلك قول من قال: (أنا الحق) محمول على الحكاية، ولا يُظَنُّ بهؤلاء العارفين الحلول والاتحاد، لأن ذلك غير مظنون بعاقل، فضلاً عن المتميزين بخصوص المكاشفات واليقين والمشاهدات. ولا يُظَنُّ بالعقلاء المتميزين على أهل زمانهم بالعلم الراجح والعمل الصالح والمجاهدة وحفظ حدود الشرع الغلطُ بالحلول والاتحاد، كما غلط النصارى في ظنهم ذلك في حق عيسى. وإِنما حدث ذلك في الإِسلام من واقعاتِ جهلةِ المتصوفة، وأما العلماء العارفون المحققون فحاشاهم من ذلك.. إِلى أن قال: والحاصل أن لفظ الاتحاد مشترك، فيطلق على المعنى المذموم الذي هو أخو الحلول، وهو كفر. ويطلق على مقام الفناء اصطلاحاً اصطلح عليه الصوفية، ولا مشاحة في الاصطلاح، إِذ لا يمنع أحد من استعمال لفظ في معنى صحيح، لا محذور فيه شرعاً، ولو كان ذلك ممنوعاً لم يجز لأحد أن يتفوه بلفظ الاتحاد، وأنت تقول: بيني وبين صاحبي زيد اتحاد. وكم استعمل المحدِّثون والفقهاء والنحاة وغيرهم لفظ الاتحاد في معان حديثية وفقهية ونحوية. كقول المحدِّثين: اتحد مخرج الحديث. وقول الفقهاء: اتحد نوع الماشية. وقول النحاة: اتحد العامل لفظاً أو معنى. وحيث وقع لفظ الاتحاد من محققي الصوفية، فإِنما يريدون به معنى الفناء الذي هو محو النفس، وإِثبات الأمر كله لله قالب:سبحانه وتعالى، لا ذلك المعنى المذموم الذي يقشعر له الجلد.[٨٤]
  • نقل الشعراني عن الشيخ علي بن وفا قوله: المراد بالاتحاد حيث جاء في كلام القوم فناء العبد في مراد الحق قالب:سبحانه وتعالى، كما يقال: بين فلان وفلان اتحاد، إِذا عمل كل منهما بمراد صاحبه.[٨٨]
  • قال الشيخ ابن القيم في كتابه مدارج السالكين شرح منازل السائرين: الدرجة الثالثة من درجات الفناء: فناء خواص الأولياء وأئمة المقربين، وهو الفناء عن إِرادة السوى، شائماً برق الفناءِ عن إِرادة ما سواه، سالكاً سبيل الجمع على ما يحبه ويرضاه، فانياً بمراد محبوبه منه، عن مراده هو من محبوبه، فضلاً عن إِرادة غيره، قد اتحد مراده بمراد محبوبه، أعني المراد الديني الأمري، لا المراد الكوني القدري، فصار المرادان واحداً.. ثم قال: وليس في العقل اتحاد صحيح إِلا هذا، والاتحاد في العلم والخبر. فيكون المرادان والمعلومان والمذكوران واحداً مع تباين الإِرادتين والعلمين والخبرين، فغاية المحبة اتحاد مراد المحب بمراد المحبوب، وفناء إِرادة المحب في مراد المحبوب. فهذا الاتحاد والفناء هو اتحاد خواص المحبين وفناؤهم؛ قد فَنَوْا بعبادة محبوبهم، عن عبادة ما سواه، وبحبه وخوفه ورجائه والتوكل عليه والاستعانة به والطلب منه عن حب ما سواه. ومَنْ تحقق بهذا الفناء لا يحب إِلا في الله، ولا يبغض إِلا فيه، ولا يوالي إِلا فيه، ولا يعادي إِلا فيه، ولا يعطي إِلا لله، ولا يمنع إِلا لله، ولا يرجو إِلا إِياه، ولا يستعين إِلا به، فيكون دينه كله ظاهراً وباطناً لله، ويكون الله ورسولهُ أحبَّ إِليه مما سواهما، فلا يوادُّ من حادَّ الله ورسوله ولو كان أقرب الخلق إِليه، وحقيقة ذلك فناؤه عن هوى نفسه، وحظوظها بمراضي ربه تعالى وحقوقه، والجامع لهذا كله تحقيق شهادة أن لا إِله إِلا الله علماً ومعرفة وعملاً وحالاً وقصداً، وحقيقة هذا النفي والإِثبات الذي تضمنتْهُ هذه الشهادة هو الفناء والبقاء، فيفنى عن تأله ما سواه علماً وإِقراراً وتعبداً، ويبقى بتألهه وحده، فهذا الفناء وهذا البقاء هو حقيقة التوحيد، الذي اتفقت عليه المرسلون صلوات الله عليهم، وأُنزلت به الكتب، وخلقت لأجله الخليقة، وشرعت له الشرائع، وقامت عليه سوق الجنة، وأسس عليه الخَلْق والأمر.. إِلى أن قال: وهذا الموضع مما غلط فيه كثير من أصحاب الإِرادة. والمعصوم من عصمه الله، وبالله المستعان والتوفيق والعصمة.[٨٩]
  • قال الشيخ ابن تيمية في تبرئة الصوفية من تهمة القول بالاتحاد: ليس أحد من أهل المعرفة بالله، يعتقد حلول الرب تعالى به أو بغيره من المخلوقات، ولا اتحاده به، وإِن سُمع شيء من ذلك منقول عن بعض أكابر الشيوخ فكثير منه مكذوب، اختلقه الأفاكون من الاتحادية المباحية، الذين أضلهم الشيطان وألحقهم بالطائفة النصرانية.[٩٠]
  • وقال: وأما قول الشاعر في شعره: (أنا مَنْ أهوى، ومَنْ أهوى أنا) فهذا إِنما أراد به الشاعر الاتحاد المعنوي، كاتحاد أحد المحبّين بالآخر، الذي يحب أحدهما ما يحب الآخر، ويبغض ما يبغضه، ويقول مثل ما يقول، ويفعل مثل ما يفعل؛ وهذا تشابه وتماثل، لا اتحاد العين بالعين، إِذا كان قد استغرق في محبوبه، حتى فني به عن رؤية نفسه.[٩١]

أفكار أخرى

  • الكشف: هو نور يحصل للسالكين في سيرهم إِلى الله؛ يكشف لهم حجاب الحس، ويزيل دونهم أسباب المادة نتيجة لما يأخذون به أنفسهم من مجاهدة وخلوة وذكر.
  • الفراسة: والتي تختص بمعرفة خواطر النفوس وأحاديثها، يقول ابن عجيبة: الفراسة هي خاطر يهجم على القلب، أو وارد يتجلى فيه، لا يخطئ غالباً إِذا صفا القلب، وفي الحديث: (اتقوا فراسة المؤمن، فإِنه ينظر بنور الله)[٩٢]، وهي على حسب قوة القرب والمعرفة، فكلما قوي القرب، وتمكنت المعرفة صدقت الفراسة، لأن الروح إِذا قربت من حضرة الحق لا يتجلى فيها غالباً إِلا الحق.[٩٣]
  • الإلهام والتحديث: وهو ما يُلقَى في الرُّوع بطريق الفيض. وقيل: الإلهام ما وقع في القلب من علم.
  • العلم اللدني: ويتحدث عنه الصوفية والذي يكون في نظرهم لأهل النبوة والولاية، كما كان ذلك للخضر، حيث ورد ذلك في الآية القرآنية: (وعلمناه من لدنّا علماً).
  • النبي محمد: ويعتقدون بالأخذ عنه يقظةً ومناماً.[٩٤] ويعتقدون بأنه باب الله ووسيلته العظمى إليه[٩٥] وأنه بشر ولكن ليس كالبشر[٩٦]، ويعتقدون أن محبته شرط في الطريق، لذلك يكثرون من ذكره ومن الصلاة عليه ومن مديحه وإنشاد الشعر فيه، ولهذه الأمور يكثرون من إقامة الموالد والذي يقومون فيه بالإنشاد والوعظ والتحدث في سيرته وشمائله، ولا يجيزون فيه الاختلاط ولا باقي المحرمات.
  • الشيخ المربي: لا بد في التصوف من التأثير الروحي، والذي يأتي بواسطة الشيخ الذي أخذ الطريقة عن شيخه حتى تصل سلسلة التلقي في سند متصل من الشيخ إلى الرسول محمد بن عبد الله. فيقولون: من لا شيخ له فشيخه الشيطان!
  • البيعة: يبايع فيه المريد المرشد، ويعاهده على السير معه في طريق التخلي عن العيوب والتحلي بالصفات الحسنة، والتحقق بركن الإحسان، والترقي في مقاماته. وهو بمثابة الوعد والعهد.
  • المجاهدة : يقول الصوفية : التخلي ثم التحلي ثم التجلي، التخلي عن الأخلاق الذميمة ، والتحرر من قيود القوى الظلمانية في النفس من الشهوة والغضب والحسد، أخلاق الحيوانات والسباع والأبالسة. ثم التحلي بالأخلاق الحميدة ، واستنارة القلب والنفس بنور سيدنا رسول الله وأهل بيته، ثم تجلي أنوار الله لعين القلب بعد محو الحُجُب التي كانت تحجب القلب عن المشاهدة والتنعم بها. وهذا هو أعلى نعيم أهل الجنة، يكرم الله به خواص عباده المحبوبين له في هذه الدار، كلٌ بحسب حظه ونصيبه من رسول الله.
  • التبرك: وهو طلب البركة من الله من طريق الأسباب الشرعية، وأعظمها التوسل إليه بذلك المتبَرّك به، سواء أكان شخصا أو أثرا أو مكانا. وهذه البركة كما يعتقدون تُطلب بالتعرض لها في أماكنها بالتوجه إلى الله ودعائه. ويستدلون بالقصص الكثير الواردة بتبرك الصحابة بالنبي محمد؛ بشعره وعرقه ودمه وموضع صلاته.[٩٧]
  • التوسل: هو أحد طرق الدعاء، وباب من أبواب التوجه إلى الله، والمتوسل به إنما هو واسطة ووسيلة للتقرب إلى الله، والتوسل حسب اعتقادهم يكون بالأنبياء أو الأولياء، أو يكون بالأعمال الصالحة للإنسان، وأعظم هذه الوسائل عندهم هو النبي محمد.
  • معرفة الله ومعرفة النفس : في الحديث (من عرف نفسه عرف ربه) قال أهل التصوف : من عرف نفسه بالنقص والحاجة والعبدية، عرف ربه بالكمال والغنى والربوبية، ولكن قليل من يعرف نفسه بهذا المعنى ويراها على حقيقتها، فأغلب الناس ينازعون الربوبية ويعترضون على القدر ولا يرضون بحكم الله ويقل فيهم التوكل ويعتمدون بقلوبهم على الأسباب، فهي مشهدهم وموضع نظرهم، وليس مشهدهم أن الله تعالى هو المتصرف المعطي المانع.. أكثر الناس يعيشون أسرى نفوسهم.
    ولذلك قال الصوفية (أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك) فلا سبيل لأحد إلى معرفة الله تعالى ما دامت فيه بقية من نفسه الأمارة بالسوء، لأنها أغلظ حجاب بين العبد وربه.. ولا سبيل إلى قطع واقتحام هذه العقبة إلا بشيخ من شيوخ الطريق، من خارجها، يصل السالك أو المريد مدد سيده رسول الله ص من خلال شيخه هذا، مدد يعينه على اقتحام عقبة نفسه الأمارة لتموت ويولد صاحبها ولادة أخرى (موتوا قبل أن تموتوا)، ومن الطبيعي أنه لا يمكن للنفس أن تسمح لصاحبها أن ينتصر عليها دون معين من خارجها من المشايخ الكُمّل.
  • زيارة القبور: اعتنى الصوفية بقبور الأنبياء والصالحين والأولياء، فشيّدوا حولها المساجد، وبنوا عليها القباب، وذلك حفاظا عليها من الاندثار، وضياع هذه المعالم. وأصبحوا يقصدونها طلبا للبركة، وطلبا لاستجابة الدعاء من الله عندها. ويرون أنهم بذلك متبعون لأئمة السنة، حيث يقولون بأنه وردت نصوص من هؤلاء الأئمة على جواز البناء على قبور الصالحين والأولياء. وجواز قصدها للتبرك.[٩٨]

موقف أئمة السنة من التصوف

هذه نبذة من الأقوال والشهادات عن التصوف والصوفية :

  • أبو حنيفة النعمان : قال الفقيه الحنفي علاء الدين الحصكفي في الدر المختار في شرح تنوير الأبصار: «قال الأستاذ أبو القاسم القشيري في رسالته مع صلابته في مذهبه وتقدمه في هذه الطريقة: سمعت الأستاذ أبا علي الدقاق يقول: أنا أخذت هذه الطريقة من أبي القاسم النصراباذي. وقال أبو القاسم: أنا أخذتها من الشبلي، وهو أخذها من السري السقطي، وهو من معروف الكرخي، وهو من داود الطائي. وهو أخذ العلم والطريقة من أبي حنيفة، وكل منهم أثنى عليه وأقر بفضله. فعجبا لك يا أخي: ألم يكن لك أسوة حسنة في هؤلاء السادات الكبار؟ أكانوا متهمين في هذا الإقرار والافتخار، وهم أئمة هذه الطريقة، وأرباب الشريعة والحقيقة، ومن بعدهم في هذا الأمر فلهم تبع، وكل ما خالف ما اعتمدوه مردود ومبتدع».

يقول ابن عابدين في حاشيته رد المحتار على الدر المختار متحدثاً عن أبي حنيفة، تعليقاً على كلام الحصكفي صاحب الدر الآنف الذكر: (قوله: من أبي حنيفة) هو فارس هذا الميدان، فإن مبنى علم الحقيقة على العلم والعمل وتصفية النفس، وقد وصفه بذلك عامة السلف، فقال أحمد بن حنبل في حقه إنه كان من العلم والورع والزهد وإيثار الآخرة بمحل لا يدركه أحد ، ولقد ضرب بالسياط ليلي القضاء فلم يفعل. وقال عبد الله بن المبارك: ليس أحد أحق من أن يقتدى به من أبي حنيفة، لأنه كان إماما تقيا نقيا ورعا عالما فقيها، كشف العلم كشفا لم يكشفه أحد ببصر وفهم وفطنة وتقى. وقال الثوري لمن قال له جئت من عند أبي حنيفة: لقد جئت من عند أعبد أهل الأرض، وأمثال ذلك مما نقله ابن حجر وغيره من العلماء الأثبات.

ويستكمل شارحًا: قوله: وهم أئمة هذه الطريقة إلخ في رسالة الفتوحات للقاضي زكريا الأنصاري: الطريقة سلوك طريق الشريعة، والشريعة: أعمال شرعية محدودة، وهما والحقيقة ثلاثة متلازمة، لأن الطريق إليه تعالى ظاهر وباطن فظاهرها الطريقة والشريعة، وباطنها الحقيقة فبطون الحقيقة في الشريعة، والطريقة كبطون الزبد في لبنه، لا يظفر بزبده بدون مخضه، والمراد من الثلاثة إقامة العبودية على الوجه المراد من العبد اهـ ابن عبد الرزاق.

(قوله: ومن بعدهم) أي من أتى بعد هؤلاء الأئمة في الزمان سالكا في هذا الأمر وهو علم الشريعة والحقيقة فهو تابع لهم، إذ هم الأئمة فيه فيكون فخره باتصال سنده بهذا الإمام كما كان ذلك فخر الأئمة المذكورين الذين افتخروا بذلك وتبعوه في حقيقته ومشربه، واقتدى كثير منهم بطريقته ومذهبه».[٩٩]

فقيها وصوفيا فكن ليس واحد فإنّــي وحق الله إيّـــاك أنصـح
فذلك قـاس لم يذق قلبه تُقى وهذا جهول، كيف ذو الجهل يصلحُ؟![١٠١]

فهذا الإمام الشافعي يحرص على الاقتداء بالصوفية ويستفيد منهم ويغترف من معينهم، وكان يقول : «حُبب إليّ من دنياكم ثلاث: ترك التكلف، وعشرة الخلق بالتلطف، والاقتداء بطريق أهل التصوف».[١٠٢] يتأكد تعظيم واحترام الإمام الشافعي للصوفية من خلال القصة التالية: «مر طائفة من المتصوفة على أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي قالب:رضي الله عنه في صحن المسجد، فقال الشافعي قالب:رضي الله عنه: والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة ما على وجه الأرض في هذه الساعة قوم أكرم على الله قالب:عز وجل منهم».[١٠٣] كما أنه استفاد كثيرا من الصوفية، وكان يقول: «صحبت الصوفية فلم استفد منهم سوى حرفين، وفي رواية سوى ثلاث كلمات قولهم: الوقت سيف إن لم تقطعه قطعك، وقولهم: نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، وقولهم: العدم عصمة».[١٠٤]

  • أحمد بن حنبل : وأما الإمام أحمد بن حنبل فكان يُعظم الصوفية ويرفع من قدرهم؛ لأنهم أئمة هدى وصلاح وخير لهذه الأمة. فقد نقل العلامة محمد السفاريني الحنبلي، ، عن إبراهيم بن عبد الله القلانسي، ؛ أن الإمام أحمد، قال عن الصوفية: «لا أعلم أقواما أفضل منهم. قيل إنهم يستمعون ويتواجدون، قال: دعوهم يفرحوا مع الله ساعة».[١٠٥]

وقد كان الإمام أحمد قبل ذلك يحذر ابنه عبد الله من صحبتهم فلما سبر مذهبهم، وعرف أحوالهم، ومنزلتهم أمره بملازمتهم والاقتداء بهم، وفيما يلي قصته مع ابنه: «كان الإمام أحمد قالب:رحمه الله تعالى قبل مصاحبته للصوفية يقول لولده عبد الله قالب:رحمه الله تعالى: «يا ولدي عليك بالحديث، وإياك ومجالسة هؤلاء الذين سموا أنفسهم صوفية، فإنهم ربما كان أحدهم جاهلا بأحكام دينه، فلمــا صحــب أبـا حمزة البغدادي الصوفي، وعرف أحوال القوم، أصبح يقول لولده: يا ولدي عليك بمجالسة هؤلاء القوم، فإنهم زادوا علينا بكثرة العلم والمراقبة والخشية والزهد وعلو الهمةالحديث»، [١٠٦] بل أكثر من هذا فالإمام أحمد يُعد في نظر الكثيرين، من كبار الصوفية، لأنه يعتبر من الأوائل الذين تكلموا بعلوم الصوفية كما صرح بذلك ابن تيمية في مجموع فتاويه بقوله: «وقد نُقل التكلم به عن غير واحد من الأئمة والشيوخ، كالإمام أحمد بن حنبل، وأبي سليمان الداراني، وغيرهما».[١٠٧] وهذا ما يفسر إدراج الصوفية الإمام أحمد ضمن تراجمهم وطبقاتهم مثل: «حلية الأولياء» لأبي نعيم، و«الطبقات الكبرى» للشعراني، و«الكواكب الدرية» للمناوي، و«التذكرة» لفريد الدين العطار.

  • أبو حامد الغزالي : بقدر اشتهار الغزالي بأشعريته، اشتهر بتصوفه، ولذلك فهو يمثل مرحلة خطيرة من مراحل امتزاج التصوف بالمذهب الأشعري حتى كاد أن يكون جزءاً منه، ولكن ما نوعية التصوف الذي اعتنقه الغزالي بقوة حتى قال فيه في المنقذ - بعد شرح مطول لمحنته ورحلته وعزلته -: «ودمت على ذلك مقدار عشر سنين، وانكشفت لي في أثناء هذه الخلوات أمور لا يمكن إحصاؤها واستقصاؤها، والقدر الذي أذكره لينتفع به: إني علمت يقيناً أن الصوفية هم السالكون لطريق الله تعالى، وأن سيرتهم أحسن السير، وطريقهم أصوب الطريق، وأخلاقهم أزكى الأخلاق، بل لو جمع عقل العقلاء، وحكمة الحكماء، وعلم الواقفين على أسرار الشرع من العلماء، ليغيروا شيئاً من سيرهم وأخلاقهم، ويبدلوه بما هو خير منه، لم يجدوا إليه سبيلاً، فإن جميع حركاتهم وسكناتهم، في ظاهرهم وباطنهم، مقتبسة من نور مشكاة النبوة، وليس وراء نور النبوة على وجه الأرض نور يستضاء به» ثم يشرح ويوضح فيقول: «وبالجملة فماذا يقول القائلون في طريقة طهارتها - وهي أول شروطها - تطهير القلب بالكلية عما سوى الله تعالى، ومفتاحها الجاري منها مجرى التحريم من الصلاة، استغراق القلب بالكلية بذكر الله، وآخرها الفناء بالكلية في الله؟ وهذا آخرها، بالإضافة إلى ما يكاد يدخل تحت الاختيار والكسب من أوائلها، وهي على التحقيق أول الطريقة، وما قبل ذلك إلا كالدهليز للسالك إليه».[١٠٨]
  • العز بن عبد السلام الملقب بسلطان العلماء : وقد أخذ التصوف عن شهاب الدين عمر السهروردي، وسلك على يد الشيخ أبي الحسن الشاذلي، قال: «قعد القوم من الصوفية على قواعد الشريعة التي لا تنهدم دنيا وأخرى، وقعد غيرهم على الرسوم، ومما يدلك على ذلك، ما يقع على يد القوم من الكرامات وخوارق العادات، فإِنه فرع عن قربات الحق لهم، ورضاه عنهم، فلو كان العلم من غير عمل، يُرضي الحق تعالى كل الرضا، لأجرى الكرامات على أيدي أصحابهم، ولو لم يعملوا بعلمهم، هيهات هيهات».[١٠٩]
  • النووي : قال في رسالته المقاصد: أصول طريق التصوف خمسة: تقوى الله في السر والعلانية، واتباع السنة في الأقوال والأفعال، الإِعراض عن الخلق في الإِقبال والإِدبار، الرضى عن الله في القليل والكثير، والرجوع إِلى الله في السراء والضراء.[١١٠] ولكن التصوف عند الامام النووي شيخ مذهب أئمة الشافعية بمعني تزكية النفس لا غير فقد قال النووي أصول الدِّين أربعة : الكتابُ والسنُّة والإجماع والقياس المعتبران. وما خالف هذه الأربعة فهو بدعةُ ومرتكبُه مُبتدع ، يتَعَيَّنُ اجتنابه وزجرهُ. ومن المطلوب اعتقاد من علم وعمل ولازم أدب الشريعة ، وصحب الصّالحين. وأمّا من كان مسلوباً عقلهُ أو مغلوباً عليه ، كالمجاذيب ، فنسلّم لهم ونفوّض إلى الله شأنهم ، مع وجوب إنكار ما يقع منهم مخالفا لظاهر الأمر ، حفظاً لقوانين الشَّرع[١١١]
  • ابن تيمية : تحدث ابن تيمية عن التصوف في مجموع فتاويه فقال: «وقد نُقل التكلم به عن غير واحد من الأئمة والشيوخ، كالإمام أحمد بن حنبل، وأبي سليمان الداراني، وغيرهما».[١١٢]

وقال: «وأما جمهور الأمة وأهل الحديث والفقه والتصوف فعلى ما جاءت به الرسل وما جاء عنهم من الكتب والأثارة من العلم وهم المتبعون للرسالة اتباعا محضا».[١١٣] ولم يثبت عنه أنه انتمى إلى التصوف مع أنه امتدح بعض المتصوفة، وخلاصة رأيه في التصوف ومن انتمى إليه تتلخص في قوله: وأولياء الله هم المؤمنون المتقون، سواء سمى أحدهم فقيراً أو صوفياً أو فقيهاً أو عالماً أو تاجراً أو صانعاً أو أميراً أو حاكماً أو غير ذلك، قال تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ. انتهى. وفي المقابل فقد ذم آخرين من الذين يدعون الانتماء إليهم كالحلاج وابن عربي وغيرهما، ولذلك قال في الفتاوى: وقد انتسب إليهم طوائف من أهل البدع والزندقة، ولكن عند المحققين من أهل التصوف ليسوا منهم: كالحلاج مثلاً. انتهى.[١١٤]

  • تاج الدين السبكي : قال في كتابه «معيد النعم ومبيد النقم»، تحت عنوان الصوفية: حياهم الله وبيَّأهم وجمعنا في الجنة نحن وإِياهم. وقد تشعبت الأقوال فيهم تشعباً ناشئاً عن الجهل بحقيقتهم لكثرة المُتلبِّسين بها، بحيث قال الشيخ أبو محمد الجويني: لا يصح الوقف عليهم لأنه لا حدَّ لهم. والصحيح صحته، وأنهم المعرضون عن الدنيا المشتغلون في أغلب الأوقات بالعبادة.. ثم تحدث عن تعاريف التصوف إِلى أن قال: والحاصل أنهم أهل الله وخاصته الذين ترتجى الرحمة بذكرهم، ويُستنزل الغيث بدعائهم، فوعنَّا بهم.[١١٥]
  • جلال الدين السيوطي : قال: إن التصوف في نفسه علم شريف، وإِن مداره على اتباع السنة وترك البدع، والتبرِّي من النفس وعوائدها وحظوظها وأغراضها ومراداتها واختياراتها، والتسليمِ لله، والرضى به وبقضائه، وطلبِ محبته، واحتقارِ ما سواه.. وعلمتُ أيضاً أنه قد كثر فيه الدخيل من قوم تشبهوا بأهله وليسوا منهم، فأدخلوا فيه ما ليس منه، فأدى ذلك إِلى إِساءة الظن بالجميع، فوجَّه أهلُ العلم للتمييز بين الصنفين ليُعلمَ أهل الحق من أهل الباطل، وقد تأملتُ الأمور التي أنكرها أئمة الشرع على الصوفية فلم أرَ صوفياً محقِّقَاً يقول بشيء منها، وإِنما يقول بها أهل البدع والغلاةُ الذين ادَّعَوْا أنهم صوفية وليسوا منهم.[١١٦]
  • ابن عابدين : وقد تحدَّثَ عن البدع الدخيلة على الدين مما يجري في المآتم والختمات من قِبل أشخاص تزيَّوْا بزِي العلم، وانتحلوا اسم الصوفية، ثم استدرك الكلام عن الصوفية الصادقين حتى لا يُظن أنه يتكلم عنهم عامة فقال: ولا كلام لنا مع الصُدَّقِ من ساداتنا الصوفية المبرئين عن كل خصلة رديَّة، فقد سُئل إِمامُ الطائفتين الجنيد: إِن أقواماً يتواجدون ويتمايلون؟ فقال: دعوهم مع الله يفرحون، فإِنهم قوم قطَّعت الطريقُ أكبادَهم، ومزَّق النصبُ فؤادَهم، وضاقوا ذرعاً فلا حرج عليهم إِذا تنفسوا مداواةً لحالهم، ولو ذُقْتَ مذاقهم عذرتهم في صياحهم.[١١٧]
  • الإمام الشاطبي : حيث عقد العزم على التأليف في التصوف ثم أعجلته المنية قبل تحقيق المراد، يقول : «وفي غرضي إن فسح الله في المدة وأعانني بفضله ويسر لي الأسباب أن ألخص في طريقة القوم أنموذجا يستدل به على صحتها وجريانها على الطريقة المثلى، وأنه إنما داخلتها المفاسد وتطرقت إليها البدع من جهة قوم تأخرت أزمانهم عن عهد ذلك السلف الصالح، وادعوا الدخول فيها من غير سلوك شرعي ولا فهم لمقاصد أهلها، وتقوَّلوا عليهم ما لم يقولوا به، حتى صارت في هذا الزمان الأخير كأنها شريعة أخرى غير ما أتى به محمد ، وأعظم من ذلك أنهم يتساهلون في اتباع السنة، ويرون اختراع العبادات طريقا للتعبد صحيحا، وطريقة القوم بريئة من هذا الخباط بحمد الله».[١١٨]

ويشيد بمذهب الصوفية بقوله: «وقد بنوا نحلتهم على اتباع السنة، وهم باتفاق أهل السنة، صفوة الله من الخليقة».[١١٩]

  • العلامة ابن خلدون : يقول ابن خلدون: «هذا العلم ـ يعني التصوف ـ من علوم الشريعة الحادثة في الملَّة؛ وأصله أن طريقة هؤلاء القوم لم تزل عند سلف الأمة وكبارها من الصحابة والتابعين ومَن بعدهم طريقة الحق والهداية، وأصلها العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى، والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها، والزهد في ما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه، والانفراد عن الخلق، والخلوة للعبادة، وكان ذلك عامَّاً في الصحابة والسلف. فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية والمتصوفة».[١٢٠]

من مشاهير الصوفية من أهل السنة

انتسب إلى التصوف علماء كثيرون من أهل السنة، منهم:

من المتقدمين

قالب:عمو-3قالب:عمو-3قالب:عمو-3

ومن المتأخرين

قالب:عمو-3قالب:عمو-3قالب:عمو-3

ومن المعاصرين

قالب:عمو-3قالب:عمو-3قالب:عمو-3

كتب في التصوف

قالب:عمو-4قالب:عمو-4قالب:عمو-4
  • العروة الوثقى، تأليف الإمام محمد الدين النهركاريزي.
  • جامع كرامات الأولياء، تأليف يوسف النبهاني.
  • مودة القربى، تأليف الشيخ محمد عبيد الله جانفداء النقيبي.
  • كتب الحكيم الترمذي أبي عبد الله محمد بن علي.
  • حل الرموز ومفاتيح الكنوز في شرح بعض المصطلحات والمفاهيم الصوفية المبهمة، تأليف العز بن عبد السلام.
  • الفتوحات الإلهية شرح المباحث الأصلية، تأليف أحمد بن عجيبة.
  • معراج التشوف إلى التصوف، تأليف أحمد بن عجيبة.
  • في ملكوت الله مع أسماء الله، للعارف بالله تعالى الشيخ عبد المقصود محمد سالم مؤسس جماعة تلاوة القرآن الكريم.
  • كتاب تنوير القلوب في معاملة علام الغيوب، للشيخ محمد أمين الكردي.
  • كتاب تربيتنا الروحية، تأليف الشيخ سعيد حوى.
  • الطريق إلى الله، تأليف الشيخ علي جمعة.
  • الموسوعة اليوسفية في بيان أدلة الصوفية، الشيخ يوسف خطار محمد.
  • موسوعة الكسنزان الصوفية الكاملة 24 مجلد، تأليف الشيخ محمد عبد الكريم الكسنزاني.
  • حقائق عن التصوف، تأليف عبد القادر عيسى.
  • تاريخ الصوفية، تأليف عبد القادر عيسى
  • نعت البدايات وتوصيف النهايات، تأليف ماء العينين القلقمي.
قالب:عمو-4

انظر أيضًا

التصوف الإسلامي

اسم التصوف

أول مشكلة تثار بالنسبة إلى التصوف الإسلامي، هي مشكلة اسمه، من أين اشتق، شأنه شأن علم «الكلام» . وهي مشكلة قديمة نجدها تثار في أقدم ما لدينا من كتب في التصوف الإسلامي، مثل كتاب «اللمع» لأبي نصر الزاج(')، ثم تناولها من بعده من كتبو في التصوف، مثل «الرسالة القشيرية» لعبد الكريم بن هوازن القشيري، التي كتبها مؤلفها في سنة ٤٣٧ه.

فالسراج (المتوفى في شهر رجب سنة ٣٧٨ه/ اكتوبر نوفمبر سنة ٩٨٨م) يعقد فصلاً بعنوان: «باب الكشف عن اسم الصوفية، ولم سموا بهذا 1 لاسم، ولم نسبوا إلى هذه اللبسة» يبدأه بالسؤال عن السبب في تسمية «الصوفية» بهذا الاسم، دون نسبتهم إلى حال ولا إلى علم معين. كما ينسب الفقهاء إلى الفقه وأصحاب الحديث إلى الحديث، ويجيب عن هذا قائلا: «لان الصوفية لم ينفردوا بنوع من العلم دون نوع ٠ ولم يترسموا برسم من الأحوال والمقامات دون رسم . وذلك لأنهم مغدن جميع العلوم. ومحل جميع الأحوال المحمودة والأخلاق الشريفة سالفاً ومستأنفاً، وهم مع الله تعالى في الانتقال من حال إلى حال مستجلبين للزيادة . فلما كانوا في الحقيقة كذلك، لم يكونوا مستحقين اسماً دون اسم. فلأجل ذلك ما أضفت إليهم حالاً دون حال، ولا أضفتهم إلى علم دون علم» ٠ وينتهي إلى القول بأنه يسميهم بهذا الاسم نسبة «إلى ظاهر اللبسة لأن لبسة الصوف دأب الأنبياء عليهم السلام، وشعار الأولياء والأصفياء» . فرأيه إذن أن اسم الصوفية مأخوذ من كون اللباس الغالب عليهم هو لبس الصوف « لأن لبس الصوف كان دأب الأنبياء - عليهم السلام! - والصديقين وشعار المساكين المتنسكين» .

ويرئ السزاج على من يقول إن اسم الصوفية

(١) أبو نصر السراج: كتاب «اللمع» ص٠ ٢ وما يتلوها، نشرة نيكلسون، لذن١٩١٦.

محدث، ولم يوصف به أحد من أصحاب رسول الله ولا من بعدهم. ولا يعرف الناس «إلا العباد والزهاد والسياحين والفقراء . وما قيل لأحد من أصحاب رسول الله ا’, صوفي» - بأن السبب في ذلك أنهم نسبوا إلى الصحبة، صحبة رسول الله، وهي أشرف من النسبة إلى الصوف.

فإن قال قائل : إنه اسم مخدث أحدثه البغداديون 1 رد السراج على هذا بقوله إن هذا محال «لأن في وقت الحسن البصري - رحمه الله - كان يغرف هذا الاسم. . . وقد روي عنه أنه قال: «رأيت صوفياً في الطواف فأعطيته شيناً فلم يأخذه وقال : معي أربعة دوانيق فيكفيني ما معي» . كما يروي عن سفيان الثوري أنه قال! لولا أبو هاشم الصوفي ما عرفت دقيق الرياء» . بل يذهب إلى أبعد من ذلك فيقول إنه في الكتاب الذي جمع فيه أخبار مكة عن محمد بن إسحاق بن يسار، وعن غيره يذكر أنه قبل الإسلام قد خلت مكة في وقت من لأوقات حتى كان لا يطوف بالبيت أحد . وكان يجيء من بلد بعيد رجل صوفي فيطوف بالبيت وينصرف . فإن صح ذلك يدل على أن قبل الإسلام كان هذا الاسم يعرف، وكان ينسب إليه أهل الفضل والصلاح" (ص٢٢)

وخلاصة رأي السراج :

أ- أن اسم الصوفية مشتق من الصوف، بوصفه اللبسة الغالبةعلى هؤلاء؛

ب - وأنه اسم قديم، قذ وجد حتى قبل الإسلام؛

ج - إنهم لم ينسبوا إلى حال معينة أو علم معين لأنهم يتخلقون بكل الأخلاق الفاضلة ويتسمون بكل الأحوال الشريفة، فلا محل لتمييزهم بحال دون حال، ولا بخلق دون خلق ٠

وإذا نظرنا في قوله إنه اسم قديم، واستبعدنا ما جاء في «أخبار مكة» على أساس أنه وصف لحال شخص، وليس رواية لقول حتى يكون الاسم معروفاً بهذا الوصف : الصوفي، فمن المهم قوله إن الحسن البصري استعمل هذا اللفظ : «صوفي» ، والحسن البصري توفي سنة ١١٠ه (٧٢٨م) ، ثم ما روي عن سفيان الثوري (المتوفى في شعبان سنة ١٦١ه - مايو سنة ٧٧٨) من ذكره أبا هاشم الصوفي، لأنه إذا صح هذان القولان

التصوف الإسلامي

وأنهما رويا بحروفهما، لكان علينا أن نستنتج أن كلمة «صوفي» كانت معروفة وشائعة للدالة على الزهاد السالكين في أوائل القرن الثاني للهجرة (الثامن الميلادي) أو قبله بقليل، وكان يسمى بها بعض الناس في النصف الأول من القرن الثاني للهجرة.

وعبد الرحمن الجامي (المتوفى سنة ٨٩٨ه) يرى أن أول من حمل اسم «صوفي» هو أبو هاشم الكوفى هذا، الذي عاش فى النصف الأول من القرن الثاني للهجرة (الثامن الميلادي) والقشيري(٢) (المتوفى سنة ٤٦٦ ه) يرى أن هذا الاسم انتشر قبل سنة مائتين للهجرة ( = سنة ٨١٥ ميلادية) ٠

لكن هذه كلها أقوال لمتأخرين عن القرن الثاني، وليست لدينا روايات كتابية وثيقة من القرنين الأول والثاني ورد فيها اسم «الصوفي" ولعل أقدم ما وصلنا من مؤلفات ذكرت اسم الصوفي والصوفية هو كتاب «البيان والتبيين» للجاحظ(٣) (المتوفى سنة ٢٥٠ أو سنة ٥٥ ٢ ه) إذ يذكر «الصوفية من النساك» ويورد أسماء من عرف بالفصاحة منهم .

ورأي السراج هذا في اشتقاق أو في سبب التسمية بالصوفي والصوفية هو أرجح الآراء، وإن طعن فيه القشيري على أساس أن الصوفية لم يختصوا بلباس الصوف دون غيره من الأقمشة . أما الآراء الأخرى الواردة في المصادر العربية فبعيدة الاحتمال، ونذكر أهمها هنا على سبيل الاستقصاء فحسب:

١ - منها أنهم سموا بذلك نسبة إلى أهل «الصفة» وهي «المقعد»، وكان لقباً أعطي لبعض فقراء المسلمين في عهد الرسول والخلفاء الراشدين، ممن لم تكن لهم بيوت يأوون إليها فكانوا يأوون إلى مقعد مغطى خارج المسجد الذي أمر الرسول ببنائه في المدينة.

٢ - ومنها أن اسم الصوفية مشتق من «الصفاء»، وأن الصوفي هو الذي:

صافى فصوفي، لهذا سمي الصوفي

(١) عبد الرحمنالجامي:«نفحات الأنس»ص٣٤، نثرة 5مة.٣1 في كلكتة سنة١٨٥٩

(٢) «الرسالة القشيرية»،ص٢٩ القاهرة سنة١٣١٨ه.

(٣) الجاحظ:«البيانوالتبين»ج١ص١٣٨ ، القاهرة سنة١٣١٣ه.

كماقيل في بعض الشعر، بمعنى أنهم صفوا من الشرور وأكدار الدنيا وشهواتها -

٣ - ومنها أنهم ينسبون إلى «الصف م الأول من بين المؤمنين في الصلاة -

٤ - ومنها أنهم ينسبون إلى بني صوفة، وهي قبيلة بدوية كانت تخدم الكعبة في الجاهلية.

ه - ومنها أنهم ينسبون إلى «الصفوانة» وهي نوع من البقل.

٦ - ومنها أنهم ينسبون إلى «صوفة القفا» وهي خصلة الشعر على القفا .

وكما لاحظ القشيري ٠ بحق فإن هذه الآراء لا يشهد لها اشتقاق من جهة العربية ولا قياس، وكلها بعيدة من جهة القياس اللغوي.

فلما جاء الباحثون من المستشرقين في العصر الحديث حاولوا أن يجدوا لهذا الاسم أصلاً غير عربي:

١ - فجاء أولاً يوسف(٥) فونهمر١٨١٨ فأكد أن ثم علاقة بين الصوفية وبين الحكماء العراة الهنود -Gymnosophistes، وكأن الكلمتين العربيتين «صوفي» وه ما في لا ترجع إلى نفس المصدر، مثل الكلمتين اليونانيتين Sophos (= حكيم) ,-SapheS (= صافي)،

(٤) هكذا صروابها (لا كما كتبها ماسينيرن في دائرة المعارف الإسلامية الطبعة الأولى ج٤ ص ٦٨١ عمود ب من النخة الإنجلبزية). يقولون: أخذ بصوفة قفام: إذا أخذ بالشعر الانل في نقرته. ريقال: أخذ يصوف رقبته وبصافها، أي بجلدا، أو بشعره المتدلي في نقرة

Joseph von Hammer: Geschichte der Schönen Redekünste (٥) Persiens, p. 346, n j. Vienna 1818.

٠ يقول القشيري : «التصرف. . . هذه التسمية غلبت على هذم الطائفة فيقال: رجل صوفي، وللجماعة: صوفية. ومن يتوصل إلى ذلك يقال له: متصوف، وللجماعة: المتصوفة، ولي يشهد لهذا الاسم من حيث العربية قياس ولا اشتقاق والأظهر فيه أنه كاللقب. فأما قول منقال إنه من الصوف، وتصوف: إذ لبس الصوف، كما يقال: تقمص إذا لبس القميص - فذلك وجه. ولكن القوم لم يختصوا بلبس الصوف - ومن قال إنهم منسوبون إلى «صفة» مسجد رمول اله ٠ فالنسبة إلى الصفة لا تجيء على نحو؟ الصوفي - ومن قال إنه من الصفاء فاشتقاق الصوفي من الصفاء بعيد في مقتضى اللغة - وفول من قال إنه مشتق من؟ الصف، فكأنهم في الصف الأول بقلوبهم من حيث المحاضر: من اسه تعالى، فالمعنى صحيح، ولكن اللغة لا تقتضي هذم النبة إلى: «الصف» «الرسالة القشيرية» ص١٢٦ طبع صبيح، القامرة بدون تايخ).

التصوف الإسلامي

واضح، متميز، ظاهر).

لكن رفض هذا الرأي ف ا.ج. تولك(١) في سنة ١٨٢١-

غير أن أدلبرت مركس جاء فأيد رأي يوسف فون همر وهو إرجاع كلمة صوفية إلى الكلمة اليونانية

لكن البحث الحاسم في هذه المسألة هو ذلك الذي قام به تيودر نيلدكه، المستشرق الألماني العظيم، في مقال له نشر في مجلة الجمعية المشرقية الألمانية في سنة ١٨٩١ (المجلد رقم ٤٨ ص٤٥ وما يتلوها) . بين تيلدكه أن كلمة اليونانية غير

معروفة في الآرامية، ولهذا يصعب العثور عليها في العربية نقلاً عن الآرامية . ومن ناحية أخرى نجد في الآرامية وفي العربية الكلمات (سوفسطائي) وفيلوسوفس -

والحروف اليوناني 0 قد عرب إلى ص، كما هي الحال في معظم أو في كل الأحوال التي عربت فيها كلمات يونانية تحتوي على حرف ص اليوناني، ولا تعثر عليها معربة إلى حرف ص . فلو كانت كلمة «صوفي» مشتقة من كلمة يونانية. لكانت الصاد التي في أولها شاذة تماماً. ومن ناحية أخرى ليس ثم دليل حقيقي على أن كلمة «صوفي» مشتقة من (سوفس)

اليونانية، بينما اشتقاقها من كلمة «صوف» العربية تقره اللغة العربية والمصادر العربية .

ثم أورد نيلدكه ةاًلة1)1ة\ .111 بعد ذلك عدة نصوص من القرنين الأول والثاني للهجرة تدل على أن لبس الصوف الخشن كان شائعاً عند عامة الناس وخصوصاً عند أولئك الذين سلكوا سبيل الزهد. وعبارة «لبس الصوف» ترد مراراً في النصوص القديمة (القرنين الأول والثاني للهجرة) بمعنى أن الشخص زهد في الدنيا وصار زاهداً. وينتهي إلى تاييد ما ذهب إليه السزاج وكثير من المؤلفين المسلمين من أن «الصوفي» نسبة إلى الصوف .

F.A.G. Tholuck: Soufismus sive Theoiophia Pena rum pantheistica, Berlin, 1821, pp. 30 sqq.

وبرأي نيلدكه — وهو رأي معظم المؤلفين المسلمين كما رأينا -أخن نيكلسون في مقاله في (دائرة معارف الدين والأخلاق ، ولوي ماسينيون فى مقاله عن «التصوف» في دائرة المعارف الإسلامية»() وبضيف نيكلسون أنه في الفارسية يقال بشمينه بوش» على المتصوف، ومعناها «لابس الصوفا. والزهاد المسلمون القدماء الذين كانوا يلبسون الصوف قد استمدوا هذه العادة من الرهبان النصارى . ويورد شاهداً على ذلك أنه حين ورد حماد بن سلمة (المتوفى سنة - ٧٨٤م) إلى البصرة قال لفرقد السنجي (أو السبخي) الذي تبدى أمامه في ثوب من الصوف : دع عنك هذه (الشارة) النصرانية . وهذه الثياب التي من الصوف كان يطلق عليها سم «زي الرهبان» . ونسب إلى النبي I حديث مفاده أن عيسى المسيح كان يلبس الصوف .

ويحدد ماسينيون أول تاريخ لظهور اللفظ «صوفي» بالنصف الثاني من القرن الثاني الهجري (الثامن الميلادي) مع جابر بن حيان الذي كان يسمى الصوفي وكان له مذهب صوفي خاص (راجع كشيش النسائي المتوفى سنة ٢٥٣ه/٨٦٧م : «الاستقامة»، تحت اللفظ)، ومع أبي هاشم الكوفي، الصوفي الشهير. وأما الجمع «صوفية» الذي يظهر في سنة ١٩٩ ه بمناسبة فتنة صغيرة قامت في الإسكندرية (راجع الكندي : "قضاة مصر" ، نشرة Guest ص١٦٢، ٤٤٠)فيدلفيذلك التاريخ -تبعاً للمحاسبي («المكاسب» ، مخطوط باريس، ص٨٧) والجاحظ («البيان والتبيين» ج١ ص ١٩٤ ) على فرقة صغيرة شبه شيعية من الصوفية الذين أصلهم من الكوفة، كان آخر رؤسائها هو عبدك الصوفي، المتوفى في بغداد حوالي سنة ٢١٠ه (٨٢٥م). واقتصر اسم "الصوفي» آنذاك على من في الكوفة . ولكن بعد مرور ٠ ه سنة كان يطلق على كل صوفية العراق (في مقابل «ملامتية» خراسان) I وبعد ذلك بقرنين أطلق اسم «الصوفية» على كل الصوفية المسلمين, ويشير إلى ما أشار إليه نيكلسون منقبل من أن عادة لبس الصوف كانت مسيحية المصدر، وإن ثم عدة أحاديث

Reynold A. Nicholson, s.v. Sufis, in Encyclopaedia of Reli- (٢) gion and Ethics, Volume XII, p. 10 New-York, 1928.

Louis Massignon, s.v. Tasawwuf, in The Encyclopeadia of (٣) Islam, vol. IV, p. 681. Leyden, 1934.

(٤) العقد الفريد لابن عبد ربه ج٣ ص٣٤٨، القاعرة سنة ٠٠١٢٩٣

التصوف الإسلامي

رواها الجويباري - وربما كان هو الذي اخترعها - تشير إلى أن النبي تلخة كان يرى أن الصوف هو اللباس اللائق بالرجل المتدين ٠

ونوت أن نعترض هنا على هذا الربط المغتصب في نظرنا - بين لبس الصوف وبين التأثر بالرهبان النصارى. إذ يجب أن يلاحظ أولا، كما قال القشيري («الرسالة» ص١٢٦) أن الصوفية المسلمين «لم يختصوا بلبس الصوف» بل كان الأغلب عليهم لبس المرقعات، وهي ثياب مؤلفة من قطع مختلفة الأشكال وأنواع الأقمشة والألوان، كما كان البعض يلبس الجلود بفرائها، وخصوصاً جلود الأغنام والماعز. ويحكي السراج أن يحيى بن معاذ الرازي (المتوفى سنة ٥٨ ٢ه) «كان يلبس الصوف والخلقان في ابتداء أمره، ثم كان في آخر عمره يلبس الخز واللين»، وأن أبا حفص النيسابوري (المتوفى سنة ٢٦٥ تقريباً) «كان يلبس قميصاً خزاً وثياباً فاخرة» . ومعنى هذا أن الصوفية المسلمين الأوائل، الذي يزعم لهم نيكلسون وماسينيون التأثر بلباس الرهبان النصارى، لم يختصوا بلباس الصوف، ولا بنوع من القماش دون نوع. ويقرر السراج هذا بصراحة فيقول : «آداب الفقراء في اللباس أن يكونوا مع الوقت: إذا وجدوا الصوف أو اللبد أو المرقعة لبسوا؛ وإذا وجدوا غير ذلك لبسوا٠ والفقير الصادق أيش ما لبس يحسن عليه، ويكون عليه في جميع ما يلبس الجلالة والمهابة، ولا يتكلف ولا يختار؛ وإذا كان عليه(٢) فضل يؤاسي من ليس معه، ويؤثر على نفسه إحوانه بإسقاط رؤية الإيثار. ويكون الخلقان أحب إليه من الجديد. ويتبرج بالثياب الكثيرة الجيدة، ويضن بالخريقات الخلق القليلة، ويتكلف للنظافة والطهارة» .

ويلاحظ ثانياً أن الرهبان النصارى لم يقتصروا على لبس الصوف. بل كان الكثير منهم يلبسون ثياباً مصنوعة من جلد الماعز أو شعر الجمل ٠ وكان الواحد منهم يشد إلى وسطه زناراً، ذكرى لما كان يلبسه يحيى

(١) أبو تصر عبد السه بن علي السراج الطوسي: «اللمع» ص١٨٨ ، نشرة نيكلسون، لندن سنة ١٩١٤ .

(٢) ئوبزائد.

Cassian: De Institutions Coenibiorum 1٠ 8 Patrologia ٣) راجع) latina, XLIX, 74.

المعمدان ؛ وصار هذا الزنار جزءاً أساسياً من لباس الرهبان؛ وكان من الجلد عادة ونيسمى في اليونانية

balteus, zoma, cinctura وفي اللاتينية ،

cingulum، و cingulum، الخ. كذلك اتخذ الرهبان

وكان cucullio, cucullus النصارى غطاء للرأس سمي

في الأصل الغطاء العادي للرأس عند الفلاحين في الغرب والشرق، وكان أحياناً منفصلاً وأخرى متصلاً بسائر الدثار؛ ثم استعملوا غطاء للأكتاف سمي scapulare (من = scapula كتف)، وإن كان القديس بندكتوس هو أول من استعمله.

ومن هذا نرى أنه لا محل أبداً للربط بين ثياب الرهبان التصارى وبين فكرة تأثر الصوفية المسدمين بهم.

ولكن هذا شيء، وآمر آخر أن يكون اشتقاق اسم «الصوفية» من لبس الصوف، فهذا لا يزال أرجح الآراء

ومن الصوفي يشتق الفعل: «تصوف» - بمعنى: سلك مسلك الصوفي.

ومن أسماء الصوفية ايضاً: الفقراء ٠ ويقول السراج إن «أهل الشام يسمون الصوفية: فقراء، ويقولون: قد سماهم الله تعالى فقراء، فقال: 2للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم6 لآية (سورة الحشر: ٨) وقوله تعالى: 2للفقراء الذين أخصروا في سبيل |للهه الآية (سورة البقرة: ٢٧٣)(ه)».

ولكن الأصح عدم اعتباره مرادفاً للصوفية، وإنما الفقر مقام من مقامات الصوفية .

كذلك الحال في تسميتهم بالعارفين : فالعرفان مرتبة من مراتب الطريق فحسب، ولا يصل إليها من الصوفية إلا من بلغ درجة عالية في سلم الطريق

وقد يفرقون بين الصوفي والمتصوف، كما يفرقون بين الفيلسوف والمتفلسف. وتظهر هذه التفرقة بوضوح في كلمة جميلة للحلاج، قال: «من أشار إليه فهو متصوف، ومن أشار عنه فهو صوفي»" ٠ فالأول لا يزال

(٤) «إنجيلمتى» اصحاح٣عبارة ٤.

(٥) ابرنصر السراج: «اللمع» ص ٢٦ ، نشرة نيكلسون، لندن سنة ١٩١٤ (٦) المناوي: «الكواكب الذرية»، أوردم ماسينبون في النصوص الحلاجبة التي ألحقها بكتابه «بحث في نشأة المصطلح الفني للصرف ازسلامي» ص٤٤٠، باريس، سنة ١٩٥٤.

التصوف الإسلامي

يفرق بين الرب والعبد، والثاني قد اتحد بالذات الإلهية حتى صار يتكلم عنها وباسمها٠

-٢-

حد التصوف

فإذا انتقلنا الآن من مشكلة اسم التصوف، إلى مشكلة جده، وجدنا أنفسنا بإزاء حشد هائل من التعريفات جمع منها نيكلسون ٧٨ تعريفاً. لكن الأغلب على هذه التعريفات هو الجانب الأدبي والبلاغى، دون التحديد العلمى الدقيق. ونجتزى ء هنا بشواهد(٢) منها للدالة على هذا:

١ - «سئل الجنيد عن التصوف فقال : هو أن تكون مع اله تعالى بلا علاقة» ؛

٢ - «وقال الجنيد: التصوف عنوة لا صلح فيها» .

٣ ٠ وقال أيضاً: «هم أهل بيت واحد، لا يدخل فيهمغيرهم".

٤ - وقال أيضاً: «التصوف ذكر مع جتماع، ووجد مع استماع، وعمل مع اتباع" .

ه - وقال أيضاً؟ «الصوفي كالأرض؟ يطرح عليها كلقبيح، ولا يخرج منها إلا كل مليح»؛

٦ - وقال أيضاً: «إنه كالأرض: يطؤها البر والفاجر، وكالسحاب يظل كل شيء، وكالقطر يسقي كل شيء.

٧ - «وقال سهل بن عبد الله: الصوفي من يرى دمه هدراً، وملكه مباحاً» .

٨ ٠ وققال الثوري: نعت الصوفي: السكون عند العدم، والإيثار عند الوجود» .

٩ - وقال الشبلي : التصوف الجلوس مع الله بلا هم».

٠ ١ - وقال الشبلي الصوفي منقطع عن الخلق متصل بالحق، لقوله تعالى : واصطنعتك لنفسي»

(١) فيمقاللهفي«مجلة الجمعية الأسيوية الملكية، ؟٨•1 سنة ١٩٠٦

ص٣٠٣ -٣٤٨،

(٢) الرسالة القشيرية» ص١٢٧ وقارن ايضاً «اللمع» للسراج صه٢.

(سورة طه، آية: ٤١) قطعه عن كل غير" ثم قال: «لن تراني»؛

١١-وقال الشبلي أيضاً: «الصوفية أطفال، في حجر الحق».

٢ ١ - وقال أيضاً : «التصوف بزقة مخرقة» .

١٣- وقال أيضاً: «هو العصمة عن رؤية الكون» .

١٤- «وقال الجريري : التصوف مراقبة الأحوال، ولزوم الأدب».

ه ١ - «سئل ذو النون عن التصوف فقال : هم قوم آثروا الله -عز وجل - على كل شيء فآثرهم الله -عز وجل-على كل شيء»

٦ ١ - «وسئل عمرو بن عثمان المكي عن التصوف فقال : «أن يكون العبد في كل وقت بما هو أؤلى به في الوقت».

١٧ - «وسئل سحنون عن التصوف فقال: «أن لا تملك(٣) شيئاً وا يملكك شيءه(٤)

٨ ١ - «وسئل رويم عن التصوف فقال : استرسال النفس مع اللم تعالى على ما يريد،

٩ ١ - «قال أبو يعقوب المزابلي : التصوف حال تضمحل فيها معالم الإنسانية»

٠ ٢ - «وقال رويم بن أحمد البغدادي : التصوف مبنى على ثلاث خصال: التمسك بالفقر والافتقار، والتحقق بالبذل والإيثار، وترك التعرض والاختيار»

٢١-«وقال معروف الكرخى: التصوف الأخذ بالحقاتت، والياس مما في أيدي الخلائق،( .

٢٢- وقال عبد الواحد بن زيد : الصوفية هم «القائمون بعقولهم على همومهم، والعاكفون عليها بقلوبهم، المعتصمون بسيدهم من شر نفوسهم»

٢٣ - «وسئل ذو النون المصري عن الصوفي فقال:

(٣)فيالمطبوع. أنتملك (٤) «الرسالة القشيرية»ص١٢٧.

(٥) الرسالة القشيرية»ص١٢٨

(٦) السراج م «اللمع ص ٢٥، (٧) السراج:«اللمع»ص٢٦-٢٧،

الصوف الإسلامي

هو الذي لا يتعبم طلب، وا يزعجه سلب»(١).

٢٤-وسئل ذو النون عن الصوفية فقال : «هم قرم آثروا الله تعالى علىكل شيء فآثرهم اشه على كل شيء »(١)

ه ٢ - ويلخص الراج تعريفات الصوفية بأن الصوفية: «هم العلماء بالله، وبأحكام الله، العاملون بما علمهم اله تعالى، المتحققون بما استعملهم الله عز وجل، الواجدون بم تحققوا، الفانون بما وجدوا، لأن كل راحد قد فني بما وجد"(').

وهذه التعريفات ترجع إلى صوفية من القرنين النالث والرابع الهجريين، وتتسم بالطابع العملي السلوكي، وا تشير إلى الجانب المتعلق بالمعرفة، كما أنها لم تعرف بعد علاقة الاتحاد أو الحلول أو وحدة الوجود فيما بين الله والصوفي, وكما لاحظ ماسييون بحق فإنها «غرائب عقائدية وأدبية لا شأن لها بتاريخ معاني هذا اللفظ»(٢).

أ - حقيقة التصوف :

والحق أن التصوف يقوم في جوهره على أساسين:

١ - التجربة الباطنة المباشرة للاتصال بين العبل والرب؛

٢ - إمكان الإتحاد بين الصوفي وبين الله.

أما الأساس الأول، وعو التجربة الصوفية، فيقتضي القول بملكة خاصة غير العقل المنطقي، هي التي يتم بها هذا الإتصال، وفيها تتأحد الذات والموضوع، وتقوم فيها البواده واللوامح واللوامح مقام التصورات والأحكام والقضايا في المنطق العقلي. والمعرفة فيها معاشة، لا متأملة. ويغمر صاحبها شعور عارم بقوى تضطرم فيه تغمره كفيض من الور الباهر، أو يغوص فيها كالأمواج العميقة ويبدو له ايضاً ان قوى عالية قد غزته وشاعت في كيانه الروحي، وهو لهذا يسميها واردات، ونفحات علوية، وفي مرتبة أدنى تدعى

(١) السراج: اللمع٤ص٢٦-٢٧

(٢) لرب ماسينيون: ابحث في نثأة المصطلح الغني للتصوف الإسلامي» ص١٥٦، باريس سنة ١٩٥٤ .

خواطر. ومن هنا يشعر صاحب هذه التجربة بإثراء في كيانه الروحي، وتحرر في أفكاره وخواطره، وانطلاق لطاقات حبيسة عميقة الغور في نفسه. ويصحب هذه الأحوال أحياناً ظواهر نفسية غير عادية مثل الشعور بأن ثمة هواتف وأصواتاً يسمعها، أو تخيل رؤى خارقة، أو الإحساس بجذبات ومواجيد؛ وقد تفرط أحياناً فتصبح أحوالاً غير سوية تماماً كأنها نوبات هستيرية أو صرعات. وقد يستعان على استدعاء هذم لأحوال بوسائل صناعية، مثل الموسيقى (السماع على حد تعبير الصوفية) والرقص أو تحريك البدن بطريقة منتظمة وبإيقاع متفاوت الشذة. ولهذا كان للأحوال والمقامات ~ بالمعنى الاصطلاحي -دور أساسي جداً في كل تصوف.

ويدخل في هذه التجربة الباطنة عنصر سلبي هو محاولة الكشف عن دقاثق الرياء والشهوة الخفية والشرك الخفي ووساوس الشيطان والنفس الأنارة بالسوء، والخواطر المذمومة.

أما الأساس الثاني فضروري جداً في مفهوم التصوف، وإلا كان مجرد أخلاق دينية. ويقوم في توكيد المطلق، أو الوجود الحق، أو الموجود الواحد الأحد الذي يضم في حضنه كل الموجودات؛ وفي إمكان الاتصال به اتصالا متفاوتا في المراتب حتى يصل المرء إلى مرتبة الاتحاد التام، بحيث لا يبقى ثم إلا هو. ومن هنا كان طريق التصوف سلماً صاعداً ذا درجات نهايتها عند الذات العلية، وكان سفراً يرقى في معارج حتى ذروة الاتحاد.

ب - مدى انطباقها على التصوف الإسلامي:

فإذا بحثنا الآن في مدى انطباق حقيقة التصوف هذه كما بيناها، على التصوف الإسلامي وجدناه في مجموعه يفوم على هذين الأساسين، وحتى منذ بدايته في القرن الثاني للهجرة

ذلك أن التصوف الإسلامي منذ رابعة العدوية في الثلث الثاني من القرن الثاني للهجرة قد قام على أساس منهج استبطان كامل للنفس في علاقتها بالله، وعلى أسان محاولة اتحاد بالمطلق او على الأقل ايجاد صلة خلة به وعشق له تسمح، إذا ما تعالت، بالإتحاد مع الذات. والتطور في هذا السبيل واضح مستقيم صعداً من فكرة

التصوف الإسلامي

العشق الإلهي عند رابعة العدوية في النصف الثاني من القرن الثاني حتى قولة الحلاج المشهورة «أنا الحق» في نهاية القرن الثالث , وتحليل أحوال النفس كان منذ البداية مطلباً أساسياً لهذا التصوف : نجده عند رابعة وعند المحاسبي والكرخي والبسطامي والجنيد والحلآج، ويزداد عمقاً وتدقيقاً لدى المكي والهروي والغزالي وابن عربي وابنسبعين، حتى أصبح الشطر الأكبر في كتب التصوف مخصصاً لتحليل أحوال النفس في ملابساتها مع أمور الحياة.

ج - خصائص الطريق الصوفي:

وهنا قد يقال : إن تحليل أحوال النفس أمر يقوم به الفلاسفة ايضا، والقول بوحدة الوجود موجود في الأفلاطونية المحدثة ومن تأثر بها من مذاهب فلسفية. فكيف نميز الصوفية عن هؤلاء، والتصوف عن الإلهيات؟

والجواب عن ذلك أن الصوفية يتميزون من الفلاسفة الإلهيينفيمايليم

١ ٠ أداة المعرفة عندهم هي ملكة خاصة، تسمى الوجدان أو الذوق intuition أو العيان، بينما عند الإلهيينهي العقل والبرهان العقلي

وفي هذا المجال يفرقون بين علم الظاهر، وعلم الباطن ٠ ويقصدون بعلم الظاهر أساساً علم الشريعة لأنه يتعلق بالأعمال الظاهرة، كأعمال الجوارح الظاهرة وهي العبادات والأحكام الشرعية. أما علم الباطن فيتعلق بالأعمال الباطنة، «كأعمال القلوب وهي المقامات، والأحوال مثل التصديق والإيمان واليقين، والصدق والإخلاص، والمعرفة، والتوكل، والمحبة، والرضا، والذكر، والشكر، والإنابة، والخشية، والتقوى، والمراقبة، والفكرة، والاعتبار، والخوف والرجاء، والصبر والقناعة، والتسليم، والتفويض، والقزب والشوق، والوجد والوجل، والحزن والندم، والحياء والخجل، والتعظيم والإجلال والهيبة»(١). وواضح أن علم النفس عند الفلاسفة والنفسانيين لا يعني بهذه المعاني، فهي إذن من مميزات علم الباطن عند الصوفية إن علم النفس الصوفي دراسة لأحوال النفس في علاقتها باشه.

(١) ابو نصر السراج:«اللمع،ص٢٣ - ٢٤.

ويرتبط يهذا أيضاً معنى المشاهدة، فيقولون «فلان يشاهد العلم، وفلان يشهد الوجد، وفلان يشاهد الحال , ويريدون بلفظ «الشاهد»: ما يكون حاضر قلب الإنسان وهو ما كان الغالب عليه ذكره حتى كأنه يراه ويبصره وإن كان غائباً عنه. فكل ما يستولي على قلب صاحبه ذكرم : قو يشاهده ه وربما كانت أقرب الكلمات الأوروبية إليها كلمة Erlebnis الألمانية.

«والمعرفة» التي يصل إليها الصوفي هي إذن معرفة مباشرة يغير وسائط من مقدمات أو قضايا أو براهين. إنها معرفة فوق عقلية، لا يجوزها إلا من سلك سبيل التصوف، وألهم المغرفة المباشرة؛ ومن هنا أيضاً تسمى المعرفة «كشفا». ولهذا يرى الصوفية أن هذه المعرفة هي «علم الصديقين، وإن من كان له منه نصيب فهو من المقزبين، وينال درجة أصحاب اليمين»(٣) وهي من مواهب الله وكرمه وفضله، ولا تأتي إلا بعد طهارة القلب وتزكيته؛ هنالك تفيض عليه الأنوار من قبل الواحد الحق. وإذا وصل المرء إلى هذه الدرجة سمي «عارفاً».

وقد خص ابن سينا في كتاب «الإشارات والتنبيهات» العارف بعدة إشارات وتنبيهات تعد في الذروة من حيث الإيجاز والثراء في المعنى.

والمعرفة بهذا المعنى تناظر ما يعرف بالغنوص في العصر المسيحي الهليني: فهذه الكلمة تدل في كتابات من عرفوا «بالغنوصيين» على رؤية الحق مباشرة، لا عن طريق البحث والبرهان. والغنوص يقوم على أساس أن الإنسان لا يستطيع بقوام العادية الوصول إلى المعرفة العليا، ولهذا يحتاج إلى مصدر عال لإيصالها إليه. ولا يستطيع المرء تحصيل الاستعداد للاتصال بهذا المصدر إلا إذا تطهر قلبه . يقول فالنتينوس، وهو من أكبر الغنوصيين: «من له قلب مطهر، يشع بالنور، هو الذي يظفر برؤية الله] .

٢ - كذلك يتميزون فيما يتعلق بالقول بوحدة

(٢) ,الرسالة القبرية» ص٠٤٤

(٣) أبوطالب المكي.قوت القلوب،ج١ص١٧٣ ، لقاهرة سنة ١٣١٠ ه بالمطبعة الميمنية بمصر

(٤) ابن سينا: «الإشارات والتنبيهات،، ج٣ في علم ما بعد الطبيعة النمط التاسع، ص٣٧٥، ٣٩٥؛ طهران سنة ١٣٧٩ه، مطبعة الحيدري

التصوف الإسلامي

الوجود، بأنهم يهدفون أساساً ومنذ البداية إلى الوصول إلى هذا الاتحاد، ولا يقتصرون على معرفة أن الوجود واحد، أو أن الله هو الكل في الكل؛ وسلوكهم كله مقود منذ البداية لهذه الغاية.

وبعبارة أوضح نقول إن المهم عند الصوفي في القول بوحدة الوجود الاتحاد بالذات الإلهية أو بالواحد؛ أما عند الفيلسوف الإلهي القائل بوحدة الوجود فإن المهم هو معرفة ترتيب الكون وكيفية تركيبه بصدوره عن الواحد في صدورات متوالية يتدفق بعضها من يعض في مراتب، فوخدة الوجود عند الفيلسوف الإلهي نظرية في الكون، وعند الصوفي أساس يستند إليه في تجربة الاتحاد. الأول يسعى لإدراك الوحدة، والثاني يفترضها مقدماً ويسلك الطريق لتحقيقها بنفسه في تجربته الذاتية. الأول يضع النظرية، والثاني يعيشها في تجربة حية. ذلك أن التصوف يقوم أساساً على السلوك، والممارسة، والتجربة الحية . بينما الإلهيات لا شأن لها بالعمل والممارسة، بل هي علم نظري خالص. وصاحب الإلهيات هو الذي يثبت نظرية وحدة الوجود؛ وليس للصوفي، بما هو صوفي، أن يثبتها؛ بل عليه أن يتلقاها مسلمة من صاحب العلم الإلهي، ثم أن يعانيها تجربة حية

د - الدور الاجتماعي للتصوف الإسلامي م

وهذا الجانب العملي يقودنا إلى الحديث عن الدور الاجتماعي للتصوف الإسلامي، وهو دور قد أبرزه ماسينيون في مقدمة كتابه : «بحث في نشأة المصطلح الفني للتصوف الإسلامي»" ) فقال إن منهج الاستبطان الذي يقوم عليه، وبه أحيا الإسلام وعلومه على حد تعبير الغزالي، يحيل الصوفية إلى أطباء نفسانيين يعملون على شفاء بلايا الآخرين. ذلك لأن الصوفية، كما يقول المحاسبي في كتاب «المحبة» قد رنوا بأبصارهم، بفضل ضياء الحكمة الإلهية، إلى المناطق التي تنمو فيها الادوية وقد علمهم الش كيف يفعل الدواء، فبدأوا بشفاء قلوبهم، وأمرهم حينذاك بأن يواسوا قلوب المحزونين والذين يتألمون . «فالتصوف ليس إذن مجرد أسماء

L. Massignon: Essai sur les origines du lexque technique de la mystique musulmane, p. 16 sqq. Paris, 1954.

تسرد، أو وصفات صيدلية، بل هو علاج بدأ الطبيب المعالج فجربه على نفسه، ابتغاء أن يفيد به الآخرين. والتصوف كما يقول (أبو الحسين) النوري ليس نصوصاً وعلوماً نظرية، بل أخلاق. أي أنه قاعدة للحياة وكما يقول الجنيد: «ما أخذنا التصوف عن القيل والقال، لكن عن الجوع وترك الدنيا وقطع المألوفات والمستحسنات»

ومن هنا أتت الأهمية الاجتماعية للتصوف الإسلامي: إنها جاءت من قيمته الطبية النفسية المفترضة. فهل استطاع شيوخه، حسبما زعموا، أن يستقوا من حياتهم الباطنة الوسائل لعلاج آلام القلوب، وتضميد جراح الجماعة وقد مزقتها رذائل أعضائها غير الصالحين؟ الوسيلة الوحيدة الميسورة لنا للفحص عن الحقيقة التي استهدفتها تجارب الصوفية المسلمين هي النظر في نتائجها الاجتماعية: أعني قيمتها، وأثر طريقتهم في الحياة بالنسبة إلى علاج الهينة الاجتماعية - دون أن ندع استطلاعنا يستغرق في السبحات المفاجئة الغريبة التي تنطلق من هذه العقول، في حالات الوجد المجرد، التي يفخر البعض إتان وحدتهم فيها بأن ينسوا في ال أنهم ليسوا بحاجة إلى رحمة الناس *

وقوة التصوف الإسلامى الدائمة ليست فى الانعزال المترفع المحزون الذي فيه يصبح المجذوب

بلهيفي الشوق الخارق إلى التضحية في سبيل إخوانه، فى الوجد العالى للاستشهاد الذى تغنى به الحلاج حين قال :

فالصوفي يخدم نفسه، كما يخدم الآخرين: يكتشف عيوب نفسه، ليعالجها في نفسه وفي الغير؛ ويرتفع بمستوى حياة الروحية، ليجعل منها نموذجاً يحتذيه، ليس فقط أصحابه في الطريقة، بل وسائر الأمة. ويستهلك نفسه في الحب الإلهي ليستطيع الشفاعة للآخرين عند مولى الشفاعة. ويستشهد، ابتغاء أن يكون شاهداً على الحق. وما أروع ما قال الحلاج وهو مصلوب على الجذع، لما سنل: «ما حد التصوف»

(٢) «الرسالةالفشيرية»ص٢٠، القاهرة، منة ١٩٥٩ ، مطبعة لحلبي.

(٣) أورده ابنعجية في الفتوحات ج١ص٤٦

(٤) أوردهماسييونفي«عذاب الحلاج،ص٣٠٣، ٧٦٨،

التصوف الإسلامي

فقال: ما ترون!» أي الاستشهاد في سبيا، الحق.

ومن هنا رأينا الحلاج في يوم الوقوف بعرفات، حين يتوجه كل حاج بالدعاء إلى الله ليغفر ذنوب أهله وأقاربه ٠ يدعو هو للأمة الإسلامية جمعاء " كذلك نرى أن ابن سبعين يلقي السلام على المؤمنين والكافرين على السواء .

ه , دور الصوفية في نشر الدعوة الإسلامية :

وللصوفية وبخاصة للطرق الصوفية المنتظمة، دور هائل في نشر الدعوة الإسلامية في خارج دار الإسلام.

ونأخذ مثالاً على ذلك ما حدث في الهند. فكما قال ماسينيون بحق ): «إن الإسلام لم ينتشر في الهنن بواسطة الحروب، بل انتشر بفضل الصوفية، والطرق الكبرى، وهي : الجشتية، والكبروية، والشطارية والنقشبندية» ذلك لأن «التوفيق الاجتماعي بين الظافرين والمقهورين لا يتم إلا بواسطة أولنك الذين يعطون ولا يطالبون، ويفرضون ولا يأملون في شيء» وقد كان للتصوف الإسلامي في الهند الفضل في المصالحة بين الطوائف، كما يتجلى ذلك في تصوف باباكيور (المتوفى سنة ٩٧٩ه/ ١٥٧١ م) في مدينة جواليور، وما قام به كبير (المتوفى سنة ٩٢٤ه/١٥١٨م) الذي تأثر به السيكه (السيخ) فمزجوا بين تصوف كبير الإسلامي وبين الهندوكية، وأدمج مؤسس مذهبهم، نانك (المتوفى سنة ٩٤٦ه/١٥٣٩م) في كتابه الذي يقدسه السيكه: «ادي جرنته" Adi Granth - قصائد صوفي مسلم هو فريد شكر كنجي.

وانتشار الإسلام في إفريقية السوداء جنوبي الصحراء: السنغال، ومالي، والنيجر وغينيا وغانا ونيجريا وتشاد - إنما يرجع الشطر الأكبر من الفضل فيه إلى الطرق الصوفية، خصوصا التجانية والسنوسية والشاذلية. فكانت الزوايا والرباطات التي أسسها شيوخ هذه الطرق الصوفية بؤرات لشر الدعوة الإسلامية بين الشعوب الوثنية في غربي القارة الإفريقية وقلبها.

(١) ابن الجوزي مرآة الزمان، اورده ماسينيون في «بحث».٠٠ ص٤٣٩ ، باري منة ١٩٥٤.

(٢) ماسييون:«بحثفيثشأة»...ص٨٦- ٠٨٧ باري، سنة ١٩٥٤.

ومرد هذا خصوصا إلى اختلاط الصوفية بالطبقات الشعبية في هذه البلاد وعيشهم بين العامة والفقراء، مما أبدى لهؤلاء نماذج حية تتصف بالتقوى والصلاح، إلى جانب ما تقوم به هذه الطرق من خدمات اجتماعية وألوان من البر والإحسان والمواساة والمؤاخاة «إن النموذج المقنع الذي تبذى عنه الصوفية المسلمون وشيوخ الجشتية والشطارية والنقشبندية، وقد تعلموا اللغة الشعبية واختلطوا بحياة عامة الناس، نقول : إن هذا النموذج هو الذي جعل العديد من الهندوكيين والملاويين (سكان الملايو) يعتنقون الإسلام، وليس التعصب المستبد للغزاة (المسلمين) الذين كانور يتكلمون لغة أخرى أجنبية» ٠

ه ٠ ه

ويتصل بهذا أيضاً دور الصوفية في الجهاد بالمرابطة في الثغور الإسلامية لحمايتها ضد المعتدين على حدود دار الإسلام والتصوف الإسلامي نشأ وتطور واستمر إلى عهد قريب مجاهداً مرابطاً. والرابطات، وهي قلاع حربية حصينة، كانت في أصلها وتطورها خانقاهات للصوفية المرابطين فيها للجهاد ضد أعداء المسلمين فعبادان كانت في الأصل أول رباط تجمع فيه «متطوعة» البصرة للدفاع عن هذا الثغر الإسلامي وفيه رابط عدد كبير من كبار مشايخ الصوفية، مثل مقاتل بن سليمان (المتوفى سنة ٥٨ ١ه؛ راجع «تاريخ بلخ» ، مخطوط باريس برقم ١١٥ في المخطوطات الفارسية القديمة، ورقة ٢ ٥ أ) ، وحماد بن سلمة (المتوفى سنة ١٦٧ ، راجع «الاعتدال" للذهبي ج ١ ص٢٧٨)، وبشر الحافي (راجع: الغزالي: «كيمياء السعادة"، ترجمة رتر ص ١٧١).

ورباط المنستير في تونس (القرن الثاني الهجري) ورباط الفتح (عاصمة دولة المغرب حالياً) ومنات غيرها كانت حصوناً حربية وخانقاها صوفية في وقت واحد معاً . كذلك الزوايا في المغرب اتخذت نفس معنى الرباط. وكثير من الرباطات مرتبط بشيوخ صوفية كبار. كرباط العباد بالقرب من تلمسان في الجزائر كان حول

(٣) ماسيون! «بحثفي نشأة،. ص١٥. باريس، سنة ١٩٥٤

(٤) «تاريخ بلخ» = «فضاتل بلخ، ص٨٩. نشرة عبد الحي حبيبي، طهران

التصوف الإسلامي

قبر سيدي أبي مذين، ورباط تافرطست على حدود وادي سبو في المغرب يحتوي على مسجد وقبر لأميرين من بغي مرين، ورباط تسكيدلت في جنوب غربي وهران يضم قبر أحد الأولياء من بني ازناسن" ). وفي المشرق أنشأ تور الدين زنكي في سنة ١٤٨/٥٤٣ الخانقاه القديم في حلب .

ومحى الدين بن عربى لعب دوراً هاماً فى حث سلاجقة الروم على محاربة الصليبيين .

و - النزعة الإنسانية العالمية في التصوف الإسلامي

ويمتاز التصوف الإسلامي بنزعة إنسانية عالمية منفتحة على سائر الأديان والأجناس. وإذا كان الإسلام في جوهره ديناً منفتحاً على كل الأجناس لا فرق عنده بين مسلم ومسلم يختلفان جنساً أو لغة أو مكاناً أو زماناً، فإن الصوفية المسلمين قد وسعوا من الآفاق التي يستشرف إليها الإسلام، فامتدوا بها إلى الأديان الأخرى:

فأبو يزيد البسطامي يدعو الله لجميع الناس، ويلتمس منه أن يبسط رحمته على النوع البشري كله، ويود لو يتشفع للناس كافة، لا للمذنبين من الأمة الإسلامية وحدهم، بل لكل الخطاة بأي دين دانوا ويوت لو تحمل عن الخطاة جميعاً العقاب، فاتسع وجوده ليشمل النار كلها، فلا يبقى فيها موضع لغيره ٠

أ - ومن كلماته المشهورة في هذه المعاني : «أنه اجتاز بمقبرة اليهود فقال: معذورون، ومر بمقبرة المسلمين فقال : مغرورون» > .

ب - «جاز أبو يزيد على مقابر اليهود فقال: ما هؤلاء حتى تعذبهم؟ كف! عظام جرت عليهم القضايا.

( ١ ) راجع G، Marçais: «Note sur les ribats en Berberie» in

Mélanges René Basset, Paris, 1925, vol. II, 395-430.

(٢) راجع ترجمتنا لكتاب أسين يلاثيوس؟ «ابن عربي، حياته رمذهبه القاهرة، سة ٠١٩٦٥

(٣) السراج:«اللمع»ص٣٩١، نئرة نبكلسون، سنة ١٩١٤.

(٤) ماسييون: مجموع نصوص غبر منشورة خاصة بالصوفية الملمين» ص٣٠ - ٣١. باريس سنة٩٢٩.

ج - قال أبو يزيد: «إلهى! إن كان فى سابق علمك أن تعذب احداً من خلقك بالنار، فعظم خلقي نيه (أي في النار) حتى لا يسع معي غيري» .

د - «ما النار؟! لأستندن إليها غداً وأقول : اجعلني لأهلها فداء، أو لأبلعتها! - ما الجتة؟ لعبة صبيان!»(٥).

ه-»لو شفعني الله في الأولين والأخرين، لم يكن ذلك عندي بكثير: غاية الأمر أنه شفعني في لقمة طين» .

ومحي الدين ابن عربي عبرعن هذه النزعة الكلية في أبياته المشهورة :

لقد صار قلبي قابلاً كل صورة:

فمزعى لغزلان، ودير لرهبان وبيت لأوثان، وكعبة طائف

وألواح توراة، ومصحف قرآن أدين بدين الحب، أنى توجهت

ركائبه فالحب ديني وإيماني(٦) وكثيراً ما ردد جلال الدين الرومى هذا المعنى فى قصائده، ونذكر منها :( >

تدابيراى مسلمانان كه من خودرا نميدانم

نه تزسانه يهوديم من نه كبرم نه مسلمانم نه شرقيم نه غربيم نه علويم نه شفليم

نه ز أركان طبيعيم نه از أفلاك كردانم نه ازهندم نه أزجينم نه ازبلغار وسقسينم

نه ازملك عراقينم نم ازخاك خراسانم نشانم بي نشان باشد مكانم لاسكان باشد

نهتن باشد نهجان باشد، كهمنخودجانجانانم دوئيراجونبرونكزدم، دوعالمرايكيديدم

يكيبينم، يكىجويم، يكىدانم، يكيخوانم وترجمتها]

«أيها المسلمون! ليت شعري ما التدبير؟ أنا لا أدري من أنا:

(٥) ماسينيون، المرجعنفسهص٣١-٣٢

(٦) «ترجمان الأشواق» لابن عربي، ص٣٩ - ٤٠، بيروت، سنة

(٧) ٠ش٠س السنان، سعاران من كبة ديوان فس ين رمارر حان هدايت، ص٢٥٧ طبعة تبريز، ١٣١٦ شمسية رتوجد في «كلبات شمس تبريز؟ ص٤٦٠، طبع الهند، مطبعة متثى نول كشرر في لكنهو، مع زيادات واختلان في الرواية.

التضامن

فلا أنا مسيحي ولا يهودي ولا زرداشتي وا مسلم

ولاشرقي ولاغربي، ولاعلويواسفلي ولاأنامنعناصر الطبيعة، ولاأنا من لفلك لدوار

ولا أنا هندي و لا صيني ولا بلغاري ولا من سقسين ولا عراقي ولا من أرض خراسان

علامتي بلا علامة، مكاني بلا مكان ولا أنا جسم ولا روح، فنفسي روح الأرواح

لما لفظت الأثنينية رأيت العالم واحداً، إني أرى واحداً، وأنشد واحداً وأعلم واحداً وأقرأ واحداً

وفي هذه المعاني أيضاً يقول ابن الفارض في تائيته المشهورة :

وماعقدالزنارحكماًسوى يدي فإنحل بالإقراربي فهي حلت وإن نار بالتنزيل محراب مسجد فما بار بالإنجيل هيكل بيعة وأسفارتوراة الكليم لقومه يناجي بهاالأحبارفي كل ليلة وإنخرللاحجارفيالبدعاكف فلاوجه للإنكاربالعصبية(٢) فهو يجمع بين تجارب النصارى واليهود والبراهمة ويرى فيها فروعاً لينبوع واحد، هو التقوى الكاملة المبنية على أساس وحدة الوجود’

وهكذا يحقق الصوفية المسلمون - وإلى أعلى درجة - ذلك المجتمع المفتوح société ouverte الذي تحدث عنه برجسون في كتابه المشهور: «ينبوعا الأخلاق والدين» ، لأنهم منفتحون على كل التجارب الدينية لإنسانية، متعاطفون مع سائر التيارات الروحية، مستشعرون للإخوة الإنسانية الجامعة بين الناس جميعاً على اختلاف الأزمنة والأمكنة.

(١) ترجم نيكلسون هذم القصيدة بتصرن كبير في ما ترجمه من "قصائد مختارة من ديوان شمس تبريز» (ص٣٤٤)، ومن هنا جاءت ترجمة د. أبي العلا عفيفي عن ترجمة نيكلسون غير متمئية مع الأصل الفارسي (راجع «في التصون الإسلامي وتاريخه) دراسات قام بها نيكلسون، وترجمها عفيفي، ص ٩٥، القاهرة سنة ١٩٥٦).

(٢) شرحالكاشانيعلى«تائية ابن الفارض،،ص٤٦٣ - ٤٦٤.طبعحجر سنة ١٣١٩ ه. الأبيات أرقام ٧٣٥٠٧٣٢. وعقد الزنار كناية عن اعتناق المسيحية واليهردية والمجومية. والبد هو الصنم الهندوكي والبوذي، والمقصود: بيت أو معبد البد، وقد ترجم «التاتية، إلى الألمانية نظماً همر - بورجشتال Hammer- Purgstall في فيينا سة ١٨٥٤؛ وإلى الإيطالية Ignazio di Matteo (روما سنة ١٩١٧). وعلق على هذم الترجمة ك.ا: نلينو Nallino في RSO ج٨ (روما، ١٩١٩، ١٩٢٠)؛وترجمهاإلى الإنجليزية نيكلسون في كتابه "دراسات غي التعوف الإسلامي» ص١٩٩ , ٢٦٦، كمبردج سنة

  1. ^ البيروني، "تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة"
  2. ^ غازي، محمد جميل، "الصوفية الوجه الآخر"، ص47
  3. ^ محيي الدين ابن عربي، الفتوحات المكية في معرفة الأسرار المالكية والملكية، 2/266
  4. ^ الرسالة القيشرية ص 12.
  5. ^ من كتاب حقائق عن التصوف، تأليف: عبد القادر عيسى، ص25.
  6. ^ أ ب قالب:استشهاد بكتاب
  7. ^ قضية التصوف المنقذ من الضلال، عبد الحليم محمود، ص: 29.
  8. ^ الرسالة القشيرية، ص: 279.
  9. ^ الداعية محمد هداية فى حوار لـ"اليوم السابع" قالب:Webarchive
  10. ^ على هامش الرسالة القشيرية ص7.
  11. ^ قواعد التصوف، تأليف: أحمد زروق، قاعدة 13 ص 6.
  12. ^ قواعد التصوف، تأليف: أحمد زروق، ص2.
  13. ^ النصرة النبوية، تأليف: مصطفى المدني ص22.
  14. ^ نور التحقيق، تأليف: حامد صقر ص93.
  15. ^ معراج التشوف إلى حقائق التصوف، تأليف: أحمد بن عجيبة الحسني ص4.
  16. ^ حقائق عن التصوف، تأليف عبد القادر عيسى، ص30.
  17. ^ كشف الظنون عن أسماء الكتب والفنون، تأليف: حاجي خليفة، ج1، ص414.
  18. ^ الانتصار لطريق الصوفية، تأليف: محمد صديق الغماري، ص17-18.
  19. ^ مجلة العشيرة المحمدية، عدد محرم 1376هـ، من بحث: التصوف من الوجهة التاريخية، للدكتور أحمد علوش.
  20. ^ عبد الرحمن الجبرتي، تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار، ج1، ص346.
  21. ^ أنظر "البطولة والفداء عند الصوفية" للباحث أسعد الخطيب
  22. ^ أبو القاسم القشيري، الرسالة القشيرية، ص: 551-554.
  23. ^ ابن خلدون، المقدمة، ص: 439.
  24. ^ د. كمال جعفر، التصوف طريقاً وتجربة ومذهباً، ص: 7-8.
  25. ^ الكلاباذي، التعرف لمذهب أهل التصوف، ص: 63 وما بعدها.
  26. ^ الغزالي، إحياء علوم الدين، ج2، ص: 19. قالب:Webarchive
  27. ^ الغزالي، المنقذ من الضلال، ص: 7.
  28. ^ الغزالي، إحياء علوم الدين، ج2، ص: 13-14، وأيضا: د. أبو الوفا التفتازاني، مدخل إلى التصوف الإسلامي، ص: 171-176.
  29. ^ انظر على سبيل المثال ما ذكره ابن خلدون في المقدمة، ص: 442 وما بعدها.
  30. ^ الشعراني، الطبقات الكبرى، تحقيق: عبد الغني محمد علي الفاسي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط2، 2006م، ص: 9.
  31. ^ د. أبو الوفا التفتازاني، علم الكلام وبعض مشكلاته، ص: 5.
  32. ^ طبقات الصوفية، تأليف: أبو عبد الرحمن السلمي، ص210.
  33. ^ إِيقاظ الهمم شرح متن الحكم، تأليف أحمد بن عجيبة، ج2، ص302-303.
  34. ^ طبقات الصوفية، تأليف: أبو عبد الرحمن السلمي، ص300.
  35. ^ لطائف المنن والأخلاق، تأليف: عبد الوهاب الشعراني، ج1، ص2.
  36. ^ شطحات الصوفية، تأليف: عبد الرحمن البدوي، ص96.
  37. ^ اليواقيت والجواهر للشعراني ج1. ص22.
  38. ^ لطائف المنن والأخلاق للشعراني ج2 ص149.
  39. ^ لهذا أفرد البخاري في صحيحه باباً في ذلك فقال: "باب من خص بالعلم قوماً دون قوم كراهية أن لا يفهموا، وقال علي : (حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يُكذَّبَ الله ورسولهُ؟) " صحيح البخاري.
  40. ^ التعرف على مذهب أهل التصوف، تأليف: الكلاباذي، ص125-145
  41. ^ حقائق عن التصوف للشيخ عبد القادر عيسى ص79.
  42. ^ رواه مسلم في صحيحه
  43. ^ سورة التوبة، آية: 119.
  44. ^ سورة الكهف، آية: 28.
  45. ^ سورة لقمان، آية: 15.
  46. ^ سورة الفرقان، آية: 59.
  47. ^ سورة الكهف، آية: 17.
  48. ^ خلاصة التصانيف في التصوف، تأليف: الغزالي ص18.
  49. ^ مفتاح الفلاح ومصباح الأرواح، تأليف: ابن عطاء الله السكندري ص30.
  50. ^ قواعد التصوف، تأليف: أحمد زروق القاعدة 65.
  51. ^ سورة العنكبوت، آية: 69.
  52. ^ أخرجه الترمذي في كتاب فضائل الجهاد، وقال: حديث حسن صحيح.
  53. ^ الرسالة القشيرية، تأليف: أبو قاسم القشيري، ص48 - 50.
  54. ^ تعليقات على الرسالة القشيرية، تأليف: زكريا الأنصاري.
  55. ^ إيقاظ الهمم في شرح الحكم، تأليف: أحمد بن عجيبة، ج2، ص370.
  56. ^ كتاب الرياضة وأدب النفس للحكيم الترمذي ص124.
  57. ^ مفتاح الفلاح ومصباح الأرواح، تأليف: ابن عطاء الله السكندري، ص4.
  58. ^ الرسالة القشيرية ص110.
  59. ^ حقائق عن التصوف للشيخ عبد القادر عيسى، ص162
  60. ^ تفسير العلامة أبي السعود على هامش تفسير فخر الدين الرازي ج8/ص338.
  61. ^ رواه البخاري في صحيحه باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله.
  62. ^ بهجة النفوس شرح مختصر البخاري للإمام الحافظ أبي محمد عبد الله بن أبي جمرة الأزدي الأندلسي قالب:رحمه الله المتوفى 699هـ. ج1/ص10 - 11.
  63. ^ إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري ج1/ص62 للقسطلاني المتوفى سنة 923هـ.
  64. ^ الإحياء للغزالي ج3/ص66.
  65. ^ أ ب صحيح البخاري.
  66. ^ التعرف على التصوف، تأليف: أحمد بن شهاب، ص53.
  67. ^ الخبر الدال على وجود القطب والأوتاد والنجباء والأبدال، تأليف: السيوطي
  68. ^ رواه الإمام أحمد في مسنده، وقال السيوطي عنه: رجاله رجال الصحيح غير شريح بن عبيد وهو ثقة. قال الشيخ أحمد محمد شاكر في تعليقه على مسند الإمام أحمد 2/171، قال: «وإسناده ضعيف لانقطاعه ….». وقال ابن القيم: «ذكره الإمام أحمد ولا يصح أيضاً فإنه منقطع» المنار المنيف ص136. وقال الشيخ الألباني: ضعيف، انظر ضعيف الجامع الصغير ص334
  69. ^ أ ب كتاب التعرف على مذهب أهل التصوف، لأبي بكر الكلاباذي، توفي 380هـ.
  70. ^ قال السيوطي في الدرر المنتثرة عن الحديث: ألف القطب الحلبي في صحته جزءا. وقال السخاوي في المقاصد: والقصة عند البيهقي في الدلائل واللألكائي في شرح السنة.
  71. ^ الرسالة القشيرية ص160.
  72. ^ الباب الخامس والثمانون والمائة من الفتوحات المكية. كذا في اليواقيت والجواهر للشعراني ج2. ص117.
  73. ^ كتاب نشر المحاسن الغالية لعبد الله اليافعي ص119.
  74. ^ الرسالة القشيرية ص159.
  75. ^ صحيح مسلم.
  76. ^ تعريفات السيد ص94.
  77. ^ سورة البقرة: 110
  78. ^ قواعد التصوف، تأليف: أحمد زروق، قاعدة 3. ص3.
  79. ^ شرح عين العلم وزين الحلم، تأليف: مُلا علي القاري، ج1 ص33.
  80. ^ اليواقيت والجواهر، تأليف: الشعراني، ج1 ص83.
  81. ^ الفتوحات المكية، تأليف: الشيخ محي الدين بن عربي، كما في اليواقيت والجواهر، تأليف: الشعراني، ج1. ص80-81.
  82. ^ أ ب الفتوحات المكية للشيخ محي الدين بن عربي، كما في اليواقيت والجواهر ج1. ص80-81.
  83. ^ الفتوحات المكية للشيخ الأكبر محي الدين بن عربي، كما في اليواقيت والجواهر ج1. ص80-81.
  84. ^ أ ب ت الحاوي للفتاوى، تأليف: جلال الدين السيوطي ج2. ص134.
  85. ^ المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى، تأليف الغزالي، ص130.
  86. ^ تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد [سورة الملك الآية: 16].
  87. ^ الحاوي للفتاوى، تأليف: جلال الدين السيوطي ج2. ص134.
  88. ^ اليواقيت والجواهر للشعراني ج1. ص83.
  89. ^ مدارج السالكين شرح منازل السائرين ج1. للشيخ ابن قيم الجوزية، ص90 و 91.
  90. ^ مجموع فتاوى الشيخ ابن تيمية، قسم التصوف ج11. ص74 -75.
  91. ^ مجموع رسائل ابن تيمية ص52.
  92. ^ رواه الترمذي عن أبي سعيد الخدري في كتاب التفسير.
  93. ^ معراج التشوف ص18.
  94. ^ يستدلون بحديث: (من رآني في المنام فسيراني في اليقظة) رواه البخاري في صحيحه.
  95. ^ يستدلون بآية: (وابتغوا إليه الوسيلة).
  96. ^ يستدلون بحديث: (إني لست كهيئتكم إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقين) رواه البخاري في صحيحه.
  97. ^ انظر كتاب مفاهيم يجب أن تصحح، تأليف: السيد محمد علوي المالكي، ص232-257
  98. ^ من هذه النصوص، قال الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 1/122 : أخبرنا إسماعيل بن أحمد الحيري قال أنبأنا محمد بن الحسين السلمي قال سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول سمعت أبا علي الصفار يقول سمعت إبراهيم الحربي يقول قبر معروف -الكرخي- الترياق المجرب. قال الذهبي في السير معلقا :يريد إجابة دعاء المضطر عنده لأن البقاع المباركة يستجاب عندها الدعاء كما أن الدعاء في السحر مرجو ودبر المكتوبات وفي المساجد بل دعاء المضطر مجاب في أي مكان.
  99. ^ حاشية ابن عابدين الدر المختار (ج1/ص43). قالب:Webarchive
  100. ^ حاشية العلامة علي العدوي على شرح الإمام الزرقاني على متن العزية في الفقه المالكي 3/195، شرح عين العلم وزين الحلم للإمام مُلا علي القاري 1/33، نقلا عن كتاب حقائق عن التصوف، 361 ـ 362.
  101. ^ ديوان الإمام الشافعي، 42-43.
  102. ^ كشف الخفا ومزيل الإلتباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس للإمام العجلوني، 1/341.
  103. ^ التصوف في تراث ابن تيمية، 39.
  104. ^ تأييد الحقيقة العلية، للسيوطي، 13.
  105. ^ غذاء اللباب شرح منظومة الآداب، 1/120، نقلا عن حقائق عن التصوف، 363.
  106. ^ تنوير القلوب، أمين الكردي، 434.
  107. ^ مجموعة الفتاوى، لشيخ الإسلام أحمد بن تيمية الحراني، 11/5.
  108. ^ المنقذ من الضلال والمفصح بالأحوال، 378.
  109. ^ نور التحقيق، تأليف: الشيخ حامد صقر، ص96.
  110. ^ مقاصد الإِمام النووي في التوحيد والعبادة وأصول التصوف، ص20.
  111. ^ كتاب المقاصد في بيان العقائد وأصول الأحكام للإمام النووي (ص92
  112. ^ مجموع فتاوى ابن تيمية، 11/5.
  113. ^ مجموع فتاوى ابن تيمية، جزء 12 صفحة 26.
  114. ^ موقف ابن تيمية من التصوف - إسلام ويب - مركز الفتوى قالب:Webarchive
  115. ^ كتاب معيد النعم ومبيد النقم، تأليف: تاج الدين السبكي، ص119
  116. ^ تأييد الحقيقة العلية، تأليف: السيوطي ص57.
  117. ^ الرسالة السابعة، شفاء العليل وبل الغليل في حكم الوصية بالختمات والتهاليل، لإمام ابن عابدين، ص172 -173
  118. ^ الاعتصام، 1/90.
  119. ^ الموافقات، 4/239.
  120. ^ مقدمة ابن خلدون، 3/989.
  121. ^ حيث يقول عن نفسه: «وأما لبس الخرقة واتصالها بأمير المؤمنين علي كرم الله وجهه فإني لبستها من جماعة ووصلت إلي منه من طرق رجاء أن أكون في زمرة محبيه وجملة مواليه يوم القيامة» مناقب الأسد الغالب علي بن أبي طالب، تأليف:ابن الجزري، تحقيق: طارق الطنطاوي، مكتبة القرآن، مصر - القاهرة، ص25.
  122. ^ قال السيوطي في رسالته "تنبيه الغبي بتبرئة ابن عربي": «الشيخ عز الدين كان في أول أمره على طريقة الفقهاء من المسارعة إلى الإنكار على الصوفية، فلما حجّ الشيخ أبو الحسن الشاذلي ورجع، جاء إلى الشيخ عز الدين وأقرأه البسلام من النبي، فخضع الشيخ عز الدين لذلك ولزم مجلس الشاذلي وصار يبالغ في الثناء على الصوفية لما فهم طريقهم على وجهها وصار يحضر معهم مجالس السماع ويرقص فيها» انظر تنبيه الغبي بتبرئة ابن عربي، تأليف: السيوطي، ص3-4.ولطائف المنن، تأليف: ابن عطاء الله السكندري، ص77.