ماركسية

الماركسية (بالإنجليزية: Marxism) مجموعة النظريات والممارسات السياسية والاجتماعية المتنوعة، وكذلك السياسات المرتبطة (أو المبررة بالاستناد إلى مرجعية) كتابات كارل ماركس، وهو فيلسوف من أصول ألمانية يهودية من القرن التاسع عشر. وكان عالم اقتصاد، وصحفي وثوري شاركه رفيقه فريدريك إنجلز في وضع الأسس واللبنات الأولى للنظرية الشيوعية، ومن بعدهم بدأ المفكرون الماركسيون في الإضافة والتطوير للنظرية بالاستناد إلى الأسس التي أرسى دعائمها ماركس.

سميت بالماركسية نسبة إلى مؤسسها الأول كارل ماركس، الذي أسس نظرية الشيوعية العلمية بالاشتراك مع فريدريك إنجلز. كان الاثنان اشتراكيين بالتفكير، لكن مع وجود الكثير من الأحزاب الاشتراكية، تفرد ماركس وأنجلس بالتوصل إلى فكرة الاشتراكية كتطور حتمي للبشرية وفق المنطق الجدلي وبأدوات ثورية. فكانت مجمل أعمالهما تحت اسم واحد وهو الماركسية أو الشيوعية العالمية. كانت أعمالهم تهتم في المقام الأول في تحسين أوضاع العمال المهضومة حقوقهم من قبل الرأسماليين، والقضاء على استغلال الرأسماليين للإنسان العامل.

بعد أن وضع كارل ماركس وفريدريك إنجلز كتاب البيان الشيوعي سنة 1848، ابتدأ العالم يدرك كلمة الماركسية ولكن لم تكن فكرتها قد تبلورت. أصبح ذلك من ممكنا بعد سنة 1917 مع ثورة البلاشفة في روسيا. ومن ثَمّ، أصبحت العقيدة الماركسية ومنها الماركسية-اللينينية اتجاها سياسيا عالميا يسعى إلى إرسائه جزء من الدول المساندة لهذهِ الإيديولوجيا، ومن الجانب الآخر تسعى الدول الرأسمالية إلى تدميرها باعتبارها عدوّا رئيسيّا لها.

ولقد ظلت الماركسية بمثابة المبدأ المنظم لمجتمعات يعيش فيها أكثر من ثلث سكان المعمورة طوال الجزء الأعظم من القرن العشرين، وحتى قبل سنوات من نهاية الألفية الثانية. وقد وثق ديفيد ماكليلان وفسر تأثير الماركسية على الثقافة، والتاريخ، وعلم الاجتماع، والعلوم السياسية، وعلم الاقتصاد، والفلسفة فى كتاب من تحريره نشر عام 1983 بعنوان، ماركس: المائة سنة الأولى. ومع ذلك مازال تناول تشارلز رايت ميلز فى كتابه الماركسيون (الصادر عام 1962) يعد من أفضل المعالجات فى الموضوع. ويتميز هذا الكتاب بأنه يقدم مدخلاً مفيدا لطلاب علم الاجتماع على وجه الخضوص، ذلك أن معالجته تنزع للتشكك المفيد، وتتجنب الرطانة الماركسية.

نظرة عامة

تسعى الماركسية إلى شرح الظواهر الاجتماعية داخل أي مجتمع معين من خلال تحليل الظروف المادية والأنشطة الاقتصادية المطلوبة لتلبية الاحتياجات المادية للإنسان. يفترض أن شكل التنظيم الاقتصادي، أو نمط الإنتاج، يؤثر على جميع الظواهر الاجتماعية الأخرى بما في ذلك العلاقات الاجتماعية الأوسع، والمؤسسات السياسية، والأنظمة القانونية، والأنظمة الثقافية، والجماليات والأيديولوجيات. تشكل هذه العلاقات الاجتماعية، إلى جانب النظام الاقتصادي، قاعدةً وبنية فوقية. مع تحسن قوى الإنتاج (أي التكنولوجيا)، تصبح الأشكال الحالية لتنظيم الإنتاج متقادمة وتعوق المزيد من التقدم. كتب كارل ماركس: «في مرحلة معينة من التطور، تتعارض قوى الإنتاج المادية في المجتمع مع علاقات الإنتاج الحالية أو -وهذا يعبر فقط عن الشيء نفسه من الناحية القانونية- مع علاقات الملكية التي في إطارها. كانت تعمل حتى الآن. ومن أشكال تطور قوى الإنتاج، تتحول هذه العلاقات إلى قيود لها. ثم يبدأ عصر الثورة الاجتماعية».

تظهر أوجه القصور هذه على أنها تناقضات اجتماعية في المجتمع تُحارب بدورها على مستوى الصراع الطبقي. في ظل نمط الإنتاج الرأسمالي، يتجسد هذا الصراع بين الأقلية التي تمتلك وسائل الإنتاج (البرجوازية) والأغلبية العظمى من السكان الذين ينتجون السلع والخدمات (البروليتاريا). انطلاقًا من الفرضية التخمينية القائلة بأن التغيير الاجتماعي يحدث نتيجة للصراع بين الطبقات المختلفة داخل المجتمع التي تناقض بعضها البعض، يستنتج الماركسي أن الرأسمالية تستغل وتضطهد البروليتاريا، وبالتالي فإن الرأسمالية ستؤدي حتما إلى ثورة بروليتارية. في المجتمع الاشتراكي، ستُستبدل الملكية الخاصة -كوسيلة للإنتاج- بالملكية التعاونية. لن يؤسس الاقتصاد الاشتراكي الإنتاج على خلق أرباح خاصة، ولكن على معايير إشباع الحاجات البشرية؛ أي الإنتاج للاستخدام. أوضح فريدريك إنجلز أن النمط الرأسمالي للتملك، الذي يستعبد فيه المنتج المنتج أولاً، ثم المستولي عليه، يُستبدل بنمط الاستيلاء على المنتجات الذي يقوم على طبيعة وسائل الإنتاج الحديثة؛ من ناحية، التملك الاجتماعي المباشر، كوسيلة للحفاظ على الإنتاج وتوسيع نطاقه؛ ومن ناحية أخرى، التملك الفردي المباشر، كوسيلة للعيش والتمتع.

يرى الاقتصاد الماركسي وأنصاره أن الرأسمالية غير مستدامة اقتصاديًا وغير قادرة على تحسين مستويات المعيشة للسكان بسبب حاجتها للتعويض عن انخفاض معدل الربح عن طريق خفض أجور الموظفين والمزايا الاجتماعية أثناء ممارسة العدوان العسكري. سيخلف نمط الإنتاج الاشتراكي الرأسمالية كطريقة إنتاج للبشرية من خلال ثورة العمال. وفقًا لنظرية الأزمة الماركسية، فإن الاشتراكية ليست حتمية ولكنها ضرورة اقتصادية.

تاريخ المصطلح

الماركسية مذهب اقتصادي سياسي أيديولوجي تعاون ماركس وإنجلز معاً على تأسيسه وبنائه، على أن من الملاحظ أن الصفة: «ماركسي»، والاسم: «ماركسية» لم يصدرا عن ماركس نفسه وأصحابه، وإنما عن خصومه من أنصار باكونين لما أن دب النزاع بين الفريقين، وأدى هذا النزاع إلى طرد أنصار باكونين في مؤتمر «الدولية الأولى» الذي انعقد في لاهاي (هولندة في 2 - 9 سبتمبر سنة 1872). وكان الخلاف بين الفريقين يدور حول أمور تتعلق بتنظيم الاشتراكية الدولية، وبدور الدولة في عملية التطور نحو الاشتراكية. فكان أنصار باكونين يرفضون تقوية اختصاصات المجلس العام للدولية الاشتراكية، كما كانوا يرفضون دكتاتورية البروليتاريا (طبقة الأجراء). ومنذ بدأ الخلاف كان باكونين في رسائله يسخر من «ماركس والماركسيين»، ويهاجم «دكتاتورية الشرذمة الماركسية المتسلطة على أنقاض الدولية» la dictature de la coterie marxienne sur les ruines de l'Internationale على حد قوله. ووصف مؤتمر لاهاي بأنه «تزييف ماركسي». ورد عليه أنصار ماركس بنفس الطريقة فنعتوا خصومهم بنعت «الباكونيين». وهكذا كان اللفظ «ماركس» و«ماركسية» على لسان وبقلم أنصار باكونين منطوياً على الذم.

ثم وقع انقسام آخر في الحركة الاشتراكية في فرنسا، وفي مؤتمر رانس سنة 1881، وبعد ذلك بعام في مؤتمر سانت اتيين St. Etienne بين «الإمكانيين» Possibilistes و«الماركسيين». فالأولون كانوا يقولون بإجراء إصلاحات تدريجية في سبيل تحقيق الاشتراكية في النهاية، وهاجموا «برنامج الحد الأدنى» Programme minimum الذي وضعه ماركس وزوج ابنته بول لافارج وج. جسو J. Guesoe.

وعلى الرغم من أن نظريات كارل ماركس عرفت ونوقشت في روسيا في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، فنادراً ما نجد استعمال اللفظ «ماركسية» للدلالة على مذهبه وآرائه. ولا تجد اللفظ في كتابات بلخانوف الذي صار ماركسياً بعد أن كان شعبياً، بل يقول مثلاً: «الجزء الفلسفي التاريخي من مذهب ماركس» . وإنما بدأ يظهر استعمال اللفظ «ماركسية» في كتابات الروس خلال التسعينات من القرن الماضي (1890 وما يليها).

ولما استعمل هذا اللفظ: «ماركسية» واتسع انتشاره في أوربا في مستهل القرن العشرين اتخذ عدة مفهومات متباينة، فكان يعني في نظر علماء الاقتصاد «نظرية في القيمة». ووصف المؤرخ الانجليزي J. Dahleberg Acton الجزء الأول من كتاب «رأس المال» بأنه «قرآن الاشتراكيين الجدد» وهو تشبيه سيرد مراراً فيما بعد، فمثلاً ينعت برترند رسل كتاب «رأس المال» بأنه «إنجيل مشاعر الانتقام البروليتارية»، ويقول برنرد شو بلهجته الساخرة: «الماركسية هي مثل المورمونية، والفاشية، والامبريالية وكل المذاهب التي تريد في الواقع أن تكون كاثوليكية (جامعة) النزعة».

تطور الماركسية

يمكن القول بأن النجاح السياسى الذى حققه الحزب الاشتراكى الديمقراطى فى أن يقدم نفسه باعتباره الصوت الرئيسى المعبر عن حركة الطبقة العاملة الألمانية فى ثمانينيات القرن التاسع عشر، هذا النجاح كان نذير سوء للتطور المستقبلى للماركسية كنسق فكرى ونظرية اجتماعية. فقد شجع هذا النجاح على التنظير غير الناضج للأفكار غير المكتملة لماركس وإنجلز لتتمركز حول محورها الاقتصادى، بحيث يمكنها أن تؤدى بكفاءة دورها كأساس مذهبى للحركة الدولية التى كانت تتطور بسرعة آنذاك (الدولية الثانية تحت قيادة الألمان). وربما كانت مساهمة إنجلز فى هذه العملية، كما تعبر عنها صياغته لمذهب المادية الجدلية بمثابة اللحظة الحاسمة فى تطور الماركسية.

بيد أن الفائدة الرئيسية التى لا يمكن التشكك فيها والتى نتجت عن هذا التنظير ذى النزعة الحتمية الاقتصادية كانت ذات طابع سياسى وهى تتمثل على وجه التحديد فى انصهار الأفكار الثورية الماركسية فى إطار الفكر الاشتراكى الديموقراطى، وبما فى ذلك القبول بما يطلق عليه الديموقراطية البورجوازية (حيث أنه لا شيء يمكن أن يمنع إحلال الاشتراكية محل الرأسمالية، فليست هناك حاجة إلى تحدى القواعد الأساسية للنظام الديموقراطي). وعادةً ما يعزى الفضل فى هذا الإنجاز إلى زعيم الحزب الاشتراكى الديموقراطى كارل كاوتسكى. وما أن أصبحت ماركسية كاوتسكى المحافظة هى الاتجاه المهيمن في صفوف الحزب، حتى تم تحديها من جانب اليمين (تحريف إدوارد بيرنشتاين) ومن جانب اليسار (عفوية روزا لوكسمبورج). وقد انتقد برنشتاين التمسك يالنزعة الثورية فى الماركسية، فى حين عارضت لوكسمبورج القبول بفكرة التمثيل النيابي. وقد تحدت أفكار لوكسمبورج لفترة قصيرة هيمنة المحافظين خلال انقلاب سبارتاكوس الفاشل الذى وقعت أحداثه فى برلين عام 1918. أما أفكار برنشتاين فقد كتب لها فى النهاية الانتصار على النزعات المحافظة للحزب الاشتراكى الديموقراطي فى مؤتمره بمدينة بادجودسبرج عام 1959.

أما فيما يتصل بالسياسات العالمية، فقد كان الأكثر أهمية بكثير من تلك التيارات الألمانية المتعارضة فى تحديد مصير كل من الاشتراكية والماركسية - طوال القسم الأعظم من القرن العشرين- كان ذلك التيار المعارض الذى نشأ فى روسيا فى بواكير هذا القرن. هذا التيار هو البلشفية التى وضع أسسها لينين خلال مساره النضالى فى مواجهة المرادف الروسي للماركسية الأرثوذكية الألمانية، أى المانشفيك. و لأسباب عرضها هربرت ماركيوز فى مؤلفه الماركسية السوفيتية (الصادر عام 1958) - بوضوح لا نظير له - أفضى تأسيس الماركسية اللينينية أو الستالينية كإيديولوجية مهيمنة على الدولة السوفيتية إلى انتحار أكثر الأفكار الماركسية تأثيراً، كمشروع فكرى نقدي خلاق. ومن العوامل التى أدت إلى تعظيم دلالة هذه التراجيديا الإنسانية والفكرية بواسطة الكومينترن (ثم فيما بعد من قبل الدولية الثالثة أو الشيوعية) التصدير الناجح لتلك الأفكار إلى معظم بقية العالم، وخاصة إلى الصين.

فى مقابل ذلك، احتفظت الماركسية بمعظم قدرتها النقدية والسياسية والفكرية فى العالم غير الشيوعي، رغم تأثرها بالطبع بشدة بظهور الماركسية اللينينية إلى حيز الوجود. ففى الدول المتخلفة ساعدت الماركسية على تتشيط وقيادة العديد من حركات التحرر الوطني، على الرغم من وجود خلاف كبير حول ماهية العناصر الماركسية المشاركة فى بعض هذه الحركات على وجه التحديد (وفى هذه النقطة يمكن مراجعة دراسة إيدن فوستر كارتر المهمة المعنونة: الاتجاهات الماركسية - الجديدة فى التتمية والتخلف"، المنشورة عام 1974 فى الكتاب الذى حرره دى كادت وويليامز بعنوان علم الاجتماع والتنمية)؛ وقد لعبت الماركسية دوراً مساوياً فى الأهمية فى نشوء دولة الرفاهية، وموخراً في ظهور الحركات الاجتماعية الجديدة فى الدول المتقدمة. وهنا أيضاً تأثرت الماركسية بالصراعات الداخلية بين الجماعات المختلفة التى تدعى كل منها أنه يمثل التقاليد الأصيلة التى أرساها ماركس وإنجلز. وأكثر هذه الحوارات حدة تلك المواجهة بين التفسيرات البنائية والإنسانية، التى وصلت إلى ذروتها فى الحوار حول أعمال ألتوسير، كما يتبدى ذلك على سبيل المثال فى هجوم طومسون القاسى على المبنائية الماركسية فى كتابه عقم النظرية (الصادر عام 1978).

و الخلاصة، أنه على الرغم من مساهمة الماركسية فى الجرائم التى اقترنت بالماركسية اللينينية، فإنه من المفارقة أنها ما تزال تمثل عنصراً بالغ الأهمية فى السعي للمعرفة والعدالة الاجتماعية فى عصر ما بعد الشيوعية. وربما تبقى على قيد الحياة سياسياً فى الشكل السوفيتي لنمط التنظيم الاجتماعي، على الرغم من التفسير الخاص الذى أضفته على هذه العناصر قى الاتحاد السوفيتي من سيطرة الدولة الاقتصادية والسياسية. فلقد نبع مفهوم السوفييت من موقف ليبرالى فوضوى فى التقاليد الماركسية تم قمعه وتهميشه فى ظل الشيوعية، و لكنه ظل قائماً فى بعض المواقع كيوتوبيا مثالية، مشيراً إلى إمكانية إقامة مجتمع استتاداً إلى أسس المنافسة والإدارة الذاتية للمشروعات والروابط المؤسسية السياسية الديموقراطية. ويتيح هذا النمط، كما تمت ممارسته فى بعض الكوميونات على سبيل المثال، بديلا للأشكال المختلفة لنظام السوق.

أقسام الماركسية

تنقسم الماركسية إلى ثلاثة أقسام أساسية:

بناء الماركسية

قام كارل ماركس وفريدريك انجلز ببناء الماركسية من خلال نقد وإعادة قراءة كل من:

  1. الفلسفة الألمانية: فقد أهتم بالفلسفة الكلاسيكية الألمانية وخاصة مذهب «هيغل» الجدلي، ومذهب فيورباخ المادي، ونقد المذهبين ليخرج بمذهبه الفلسفي وهو المادية الجدلية (الدياليكتيكية).
  2. الاقتصاد السياسي الإنجليزي: وخاصة للمفكر آدم سميث والنموذج الاقتصادي لديفيد ريكاردو، حيث قام بنقد الاقتصاد وفق المنطق الجدلي وقدم الاقتصاد السياسي الماركسي.
  3. الاشتراكية الفرنسية: تأثر ماركس بالاشتراكية الفرنسية في القرن التاسع عشر. وقدم اشتراكيته العلمية والتي هي تمثل تغير ثوري.

للمجتمع بفعل تناقضات الرأسمالية ولم تعد الاشتراكية حلما طوباويا بل قدم اشتراكية علمية.

وجهات النظر المختلفة للماركسية

يلخص كارل ديل K. Diehl الماركسية في ثلاث نظريات تتعلق بالتطور الاقتصادي، هي: نظرية التجميع، نظرية التبئيس (جعل الناس بائسين)، ونظرية الأزمات. ويصف J. Plenge الماركسية بأنها أكثر من نظرية في الاقتصاد. «فهي لم تقتصر على إعطاء صورة شاملة رائعة للحياة الاقتصادية في القرن التاسع عشر ولم تر فيها مجرد جريان أعرج بغير تطور للإنتاج من خلال تبادل الاستهلاكيات وتوزيعها، بل رأت فيها تغييراً شاملاً وانطلاقاً متفجراً لقوى عاصفة تجري نحو انهيار نهائي» ويرى H. Schack أن الماركسية تتميز بأربع علامات:

  1. فهي إيديولوجية البروليتاريا؛
  2. وهي تقوم على التجميع Kollektivismus؛
  3. وهي اشتراكية علمية؛
  4. وهي اشتراكية ذات نزعة انسانية .

ويرى الاقتصادي الكبير فرنر زومبرت W. Sombart أن «السر الحقيقي للماركسية إنما يقوم في التأليف بين الحياة الألمانية والحياة الغربية».

وعند هاماخر E. Hammacher «أن مذهب المادية الديالكتيكية، وهو نظرة البروليتاريا في العالم، هو مزيج مهجن من المثالية الألمانية والوضعية الفرنسية والفكر الاقتصادي الإنجليزي». وهاماخر كان أول مؤلف غير ماركسي عرض «النظام الفلسفي الاقتصادي للماركسية» في كتاب له بهذا العنوان ظهر في سنة 1909.

وزعم F. J. Schmidt أن الماركسية هي «الفلسفة الوحيدة في العصر الحاضر التي لها تأثير قوي في الواقع العملي»، و«أنها فلسفة من الطراز الكبير . . . أعني فلسفة تحرك العالم» (في مقال بعنوان: «هيجل وماركس»، في «الحوليات البروسية» برقم 151 (سنة 1913) ص 417).

واخذ S. Hlander على نظرة ماركس قصورها لأن ماركس «لا يوجد في نظره غير مشاكل بروليتارية»، ولهذا ينبغي علينا أن نسمي ماديته: «مادية بروليتارية» («ماركس وهيجل» ص 38، سنة 1942).

وقسم ريون آرون R. Aron الماركسية إلى أُسَر مقدسة متباينة: فهناك ماركسية كنتية (نسبة إلى فلسفة كنت الأخلاقية) حين تضع الاشتراكية هدفاً لها ايجاد ضمير أخلاقي تجاه الواقع الرأسمالي، وهناك ماركسية هيجلية تستند خصوصاً إلى «ظاهريات العقل» لهيجل؛ وهناك ماركسية ذات نزعة علمية مستمدة من كتاب «ضد دورنج» anti-Dühring. لكنا جميعاً تزعم أنها إنسانية النزعة.

النزعة الإنسانية في الماركسية

نبدأ فنقول إن الوصف بـ «إنسانية» مقصود به أن يكون في مقابل «الألوهية». فماركس يهدف إلى تحرير الإنسان من عبودية الألوهية. إذ أخذ بما قاله فويرباخ (لودفيك فويرباخ) من أن الدين يغاير الإنسان، أي يقف عثرة دون تفتح قوى الإنسان تفتحاً كاملاً. ومن رأي ماركس أن حل المشاكل الإنسانية ليس ممكناً إلا على المستوى الإنساني المحض (كارل ماركس: «نحو نقد فلسفة القانون لهيجل»، مقدمة طبعة ديتس Dietz لمؤلفات ماركس، سنة 1970، ج1 ص 38).

والإنسان - هكذا يرى ماركس - لا يعرف طبيعته الحقيقية؛ إنه يبحث عنها، كما يبحث عن شكل للاتحاد مع العالم وبني الإنسان من خلال مجرى المنازعات التاريخية. والناس فيما بينهم متنازعون وكل فرد يعيش في تناقض مع ذاته. وعلى الرغم من أن الإنسان جزء من الطبيعة، فإنه يعيش بمعزل عن الطبيعة، لأنه فقد ما لا يزال يملكه الحيوان: أعني الانتساب التلقائي إلى العالم. والإنسان، وقد انفصل عن الطبيعة وعن إخوانه في الإنسانية، يسعى إلى الاتحاد مع الطبيعة ومع إخوانه، إنه يعيش في صراع وتوتر، بيد أنه ينشد نهاية لهذا التوتر والصراع. ويأمل ماركس أن يحقق المستقبل التصالح بين كل ما كان في تصارع على مدى التاريخ: الوجود والآنية، الذات والموضوع، الإنسان والطبيعة، الفرد والمجتمع، الإنسان والوسط، الدولة والمجتمع، الفرد الخاص والمواطن في الدولة.

ويريغ ماركس إلى تشكيل حياة الإنسان على الأرض تشكيلاً إنسانياً خالصاً، حتى يكف الإنسان عن النظر إلى الوحدة والسعادة والحب على أنها مثل عليا بعيدة المنال أو لن تتحقق على الأرض بل في حياة أخرى في السماء. وعلى مثال فويرباخ، أخذ على الأديان أنها لم تهتم بالإنسان الحقيقي وأنها أحالت إلى عالم علوي كل ما يحتاج إليه الإنسان: من وحدة، وتفتح، واجتماع. وفي رأي ماركس أن الدين «تحقيق خيالي لماهية الإنسان، لأن الكائن الإنساني ليست له حقيقة واقعية» (الكتاب نفسه، ص 378).

كذلك يأخذ ماركس على الدين أنه يفصل فصلاً قاطعاً بين حياة أرضية وحياة أبدية، ولهذا يدعو الفقراء إلى الاستسلام واليأس من الدنيا. يقول ماركس: الدين هو زفرة الخليقة المقهورة، وهو مزاج عالم بلا قلب، وهو الروح لأحوال بلا روح. إنه أفيون الشعب» (الكتاب نفسه ص 378) . إن الفقراء ينتظرون الموت مستسلمين عاجزين، وينتظرون الجزاء في عالم آخر. ولهذا يقبلون، دون تمرد ولا ثورة، أشكال الحكم الاستبدادية، وبقاء نظام الطبقات؛ ولا يسعون للاتحاد فيما بينهم من أجل تغيير العالم. وهكذا يغايرون أنفسهم بواسطة الدين، ويحال بينهم وبين الفعل. ولهذا ينبغي - هكذا يزعم ماركس - على الإنسان أن يتحرر من مغايرة الدين له. يقول ماركس: «إن إزالة الدين، بوصفه السعادة الوهمية للشعب، هي الشرط لتحقيق سعادته الحقيقية. ومطالبته بالتخلي عن الأوهام المتعلقة بأحواله هي المطالبة بالتخلي عن أحوال تحتاج إلى الأوهام» (الكتاب نفسه ص 379).

وكما انتقد ماركس الدين، انتقد الفلاسفة: إذ أخذ عليهم افتقارهم إلى الواقعية. فعلى الرغم من أن الفلاسفة يسعون إلى حل التناقضات الإنسانية فإنهم يقنعون بحلول عقلية خالصة. إنهم يسعون إلى تفسير العالم، بدلاً من أن يسعوا إلى تغييره. وهم يحثون على الهروب من الواقع باللجوء إلى التأمل في المطلق، بدلاً من أن يعملوا على تفسير العالم تفسيرات مختلفة، لكن المهم هو تغيير العالم» (أقوال حول فويرباخ «Thesen über Feuerbach» ص 11. طبعة ديتس Diez سنة 1969، ج3 ص7). كذلك يأخذ ماركس على الفلاسفة - وكذلك على الأديان - اعتقادها في كائنات مجردة، وفي المطلق، وفي حياة فوق حسية؛ وينعي عليهم أنهم لم يحفلوا بحاجات الإنسانية العينية، وأنهم لم يفكروا في تغيير العالم بالأفعال لا بالأقوال.

إن الإنسان الذي يريده ماركس هو ذلك الذي لا يقيم تحقيقه لذاته وكماله على أي شكل من المجردات، مثل الألوهية أو الإديولوجيا، وإنما يحقق نفسه بالاتحاد مع العالم بواسطة العمل الخلاق والنشاط البناء والعلاقات الاجتماعية العينية المنسجمة. ولهذا يقول إنه في المجتمع السليم يجب أن يكون العمل تعبيراً مباشراً عما هو إنسانى في الإنسان. إن الانسان، بواسطة العمل الخلاق، يصل إلى شكل من الاتحاد العيني بينه وبين الطبيعة، وبينه وبين سائر الناس، وبهذا يتغلب على الجزع الناشئ، من شعوره بالانفصال بين نفسه من ناحية، وبين العالم والناس من ناحية أخرى. بالعمل يستطيع الإنسان أن يعيش الاتحاد مع العالم والناس، بدلاً من أن يكتفي بأن يحلم بهذا الاتحاد. بالعمل يمكنه أن يتحد مع الموضوع، بينما هو يقوم بتشكيله ويعبر عن أحسن ما في ذاته من خلال هذا التشكيل. فالفرد الذي يصنع موضوعاً - مثلاً: شيئاً يدوياً، أداة، أو آلة (ماكينة) يتعرف فيه شخصيته هو وقد تموضعت وصارت عينية؛ وفي نفس الوقت يفيد هذا الموضوع في الوفاء بصنع حاجيات سائر الناس؛ وهؤلاء الأخيرون بدورهم يتعرفون في الموضوع المصنوع الشخصية المتموضعة لصانعه. وعلى هذا النحو يوحد العمل الخلاق بين الإنسان وبين ذاته، وبينه وبين سائر الإنسانية. ويمكنه من تحقيق إمكانياته العقلية والعاطفية، والتواصل العيني بينه وبين سائر بني جنسه.

لكن هذا التمجيد الحار للعمل يقول به أيضاً كل رأسمالي، بل وأكثر، لأنه بالعمل ينمي رأسماله. فبماذا يتميز كارل ماركس إذن من غلاة الرأسمالية؟

هنا يرد ماركس بأن العامل في المجتمع الرأسمالي يؤدي نصيبه من العمل دون لذة أو رغبة. إن عمله خالٍ من كل اهتمام إنساني. والعامل يقنع ببيع «قدرته على العمل» ويتحول بذلك إلى آلة (ماكينة) لإنتاج الأرباح. إنه لا يموضع نفسه بعدُ في انتاجه، ولا يتعرف ذاته في موضوع عمله، ولن يقر له الآخرون بأنه المنتج لناتج عمله. وبهذا يصير ناتج عمله غريباً عنه، بل عدواً له. يقول ماركس: «وهناك نتيجة مباشرة لكون الإنسان قد صار غريباً عن ناتج عمله وعن نشاطه في الحياة وعن ماهية جنسه هي مغايرة ال‘نسان للإنسان. وإذا ما صار الإنسان تجاه ذاته، صار الإنسان الآخر تجاهه هو» («المخطوطات الاقتصادية- الفلسفية» [1844]. طبعة ديتس سنة 1968، المجلد التكميلي ص 518).

وبدلاً من أن يجد لإنسان ذاته في عمله، يفقد العامل ذاته، إذا أدى العمل لصالح مالك أدوات الإتاج. وبدلاً من أن يوحد بين ذاته وبين الموضوع وبين ذاته وبين الآخرين، يقع هو في نزاع مع ذاته ومع المجتمع. وبدلاً من أن يؤكد حريته من خلال عمله، يصير عبداً للإنتاج. إنه يعمل من أجل النقود، لا من أجل الاستمتاع بتحقيق ذاته وإصلاح حال العالم؛ وبهذا ينضاف انهيار الروح (العقل) إلى استهلاك البدن. وحتى العادة الظاهرة والرخاء اللذين يبدوان على الرجل الرسمالي خداعان: فهو الآخر ينهار من حيث هو إنسان، لأنه لا يعود يرى الإنسان في العامل، بل يرى فيه مجرد آلة لاجتلاب الأرباح. إنه لا يعود يرى في الموضوع التعبير الموضوعي لشخصيته، بل يرى فيه مجرد إمكانية لفائض القيمة. وهكذا تصير للنقود قيمة ذاتية مطلقة، وتصير قيمة في ذاتها. في المجتمع الرأسمالي تصبح النقود إلهاً جديداً، يعبده المالك الرأسمالي، ويغذيه العامل المستغل. وهكذا تندس النقود بين الإنسان والإنسان. وكل فرد سيقدر حينئذ بحسب ارتفاع رأس ماله أو بحسب ما يساويه عمله من نقود. يقول ماركس: «إن النقود هي القيمة العامة الذاتية لكل الأشياء، وهكذا تسلب النقود العالم كله وعالم الناس والطبيعة قيمها الحقيقية. إن النقود هي الماهية لعمل الإنسان والمغايرة للانسان ولوجوده، وهذه الماهية الغريبة تسيطر عليه، وهويعبدها.» («في المسألة اليهودية»، طبعة ديتس سنة 1970 ج1 ص 375)

وهكذا تتحول العلاقات بين الناس إلى موضوع للتبادل. وتكون العلاقات الإنسانية مجرد علاقات بين سادة ومسودين، أي علاقات نزاع وصراع. ذلك أنه حين يصير الهدف من الحياة هو تحصيل الثراء، هنالك تستحيل العلاقات التلقائية والأخوية وتنتفي بينهم المساواة، وهذا أيضاً يصدق على علاقات الإنسان بالطبيعة.

والناس ينطبعون بإيديولوجية الطبقة السائدة، أعني أن المستغلين يُعدّون بإيديولوجيتهم طبقة المستغلين. فالمجتمع الذي يسوده الظلم يبدو في الواقع واحداً تشيع فيه روح وأخلاق واحدة. والمجتمع الحديث المجرد من الإنسانية تنظر إليه الأغلبية على أنه الشكل الممكن الوحيد للمجتمع. والإنسان كما هو في هذا المجتمع سينظر اليه على أنه الإنسان الوحيد الممكن، كما ينظر الى أشكال الحياة والتفكير الحاضرة على أنها الأشكال الوحيدة الممكنة للحياة وللتفكير. ومن هنا يقول ماركس إن وعي الانسان وعي زائف.

ويزعم ماركس أن الربح والمنافسة والصراع بين الطبقات والحروب - كل هذه الأمور هي من ثمار المجتمع الرأسمالي، وليست في طبع الإنسان!

ولا سبيل - في نظره - إلى التخلص من الوعي الزائف إلا إذا كف الناس عن النظر إلى العالم بمنظار إيديولوجية الطبقة المالكة، وسعوا إلى تغيير المجتمع الظالم.

وحين يتحدث ماركس عن الإنسان يتحدث عن الإنسان الشامل أي الإنسان الذي يعمل، بوصفه فرداً وكائناً اجتماعياً معاً، على تحقيق ذاته وممارسة كل إمكانياته اليدوية والعقلية والاجتماعية والروحية. وهو يهدف خصوصاً إلى تحرير الإنسان من «تقسيم العمل»، إذ كان يرى في «تقسيم العمل» ما يصيب الإنسان بالضمور والهزال، لأن الإفراط في التخصص في العمل يحكم على الإنسان بالاقتصار على نشاط واحد، بينما الإنسان السوي يشعر بالحاجة إلى التعبير عن ذاته بطرائق وبأشكال مختلفة. ويتصور ماركس المجتمع الشيوعي على أنه مجتمع حر يعمل فيه الإنسان بحسب مزاجه ولذته، وينال ثقافة كاملة في كل مجال. ويتخيل أن يكون في وسع الإنسان في هذا المجتمع الشيوعي أن يقوم - مثلاً - في الصباح بالقنص، وبعد الظهر بالصيد، وفي المساء بتربية الماشية أو النقد الأدبي، دون ان يصير بذلك قناصاً أو صياداً او راعياً أو ناقداً!

وتحت تأثير باخوفن Bachofen (١٨١٥- ١٨٨٧) ولويس هنري مورجان (١٨١٨- ١٨٨١) صار ماركس في أخريات عمره يعتقد أن الإنسان في المجتمع الزراعي البدائي لا بد أنه قد عرف نوعاً من السعادة الغريزية لأنه كان يعيش في مجتمع تسوده المساواة ويخلو من الطبقات. وإنما سقط الإنسان من يوم أن حدث «تقسيم للعمل»: إذ به انقسم الناس إلى طبقتين متصارعتين: الطبقة المالكة التي تملك الثروات وتتولى المهام القيادية في الاقتصاد والسياسة والدين، ثم الطبقة المسودة، المسحوقة الملزمة قهراً بالأعمال المرهقة والمسخرة لأشق الأفعال. ويقول ماركس إن ما قبل تاريخ الإنسانية قد بدأ بتقسيم العمل.

والماركسية نوع من «المسيحية» (بالمعنى الاشتقاقي الأصلي لهذا اللفظ: أي القول بمخلص فادٍ للبشر من الخطيئة الأولى) Messianismus، لكنها مسيحية مادية. فكما انتظر اليهود مخلصاً («مسيحاً»)، كذلك يؤمل الشيوعيون الماركسيون في مجتمع قائم على العمل والحب، كما قال موريس توريز Thorez الأمين العام السابق للحزب الشيوعي الفرنسي (راجع اعماله ج 14 ص 164 وما يتلوها). وكما أنه لكل مسيحية، مسيح أو مخلص يحرر الإنسانية من ابتلائها بالخطيئة، كذلك تقول الماركسية بمخلص هو «البروليتاريا» (= طبقة الأجراء). وفي هذا يقول البير كامي: «إن البروليتاريا، بفضل آلامها ونضالها، هي المسيح الإنساني الذي يكفر عن الخطيئة الجماعية للمغايرة». لكن هذا المخلص لم يعد - كما في المسيحية - إلاهاً صار إنساناً، بل طبقة بأكملها، ستنقذ بالثورات الإنسانية المتغايرة من حالتها البائسة الراهنة وتسمو بها إلى حالة رفيعة تنحل فيها كل التناقضات وتزول فيها كل الطبقات.

وتحت تأثير بازار Bazard وكونسيدران Considérant وبلانكي Blanqui وجيزو Guizot رأى ماركس في «الصراع بين الطبقات» (وهو تعبير كان أول من استعمله هو كارل جرون Karl Grun) المحرك للتاريخ. صحيح أنه لم ينكر تماماً دور الأفراد العظام، لكنه رأى أن دورهم في تحريك التاريخ وتوجيهه ضئيل للغاية، وأكد أن التاريخ إنما يتحرك إلى الأمام بواسطة الصراع بين الطبقات المتنازعة. ويحاول ماركس في كتابه «رأس المال» أن يبرهن على أن ظهور طبقتي البورجوازية والبروليتاريا المتصارعتين يمثل تقدماً في التاريخ. فبظهور البورجوازية نتيجة لقيام الثورة الفرنسية في سنة 1789 وهي التي قضت على الطبقة الارستقراطية وطبقة رجال الدين - زالت الطبقة المؤلفة من الحرفيين والفلاحين الفقراء لأن هؤلاء تحولوا إلى عمال مصانع. ولما كانت وسائل الإنتاج قد تركزت في أيدي أفراد قلائل هم كبار رجال الأعمال وأصحاب المصانع الكبرى، صارت البورجوازية طبقة قليلة العدد، يينما صار الأجراء (البروليتاريا) هم الجماهير العريضة. فازداد انقسام المجتمع إلى معسكرين متعاديين كبيرين، إلى طبقتين متنازعتين هما: البورجوازية والبروليتاريا. ويزعم ماركس أنه بفضل الوعي الطبقي عند البروليتاريا، وكثرتها العددية وتجمعها في اتحادات ونقابات، وبفضل بؤسها الشديد، فإنها ستستولي على السلطة، وتتحول من مستوى المغايرة إلى مستوى الإنسان الكامل! وسيسهل على البروليتاريا تحقيق هذه المهمة تزايد ضعف الرأسمالية بسبب الأزمات الاقتصادية المتوالية.

نظريات ماركس الاقتصادية

فيما يتصل بنظرياته الاقتصادية، نذكر أنه يرى أن السلع تتبادل بأسعار تحددها كمية العمل اللازمة لانتاجها. وثمن العمل يحدده أصحاب الاعمال وفقاً لأقل ما يكفي لبقاء العمال في قيد الحياة وتناسلهم. لكن العمل ينتج سلعاً تزيد قيمتها عن أجور العمال، والفارق بين المقدارين: مقدار السلع ومقدار أجور العمال - يذهب إلى اصحاب رؤوس الأموال. وهكذا يرجع بؤس الجماهير العريضة من العمال والأجراء إلى فعل قوانين اقتصادية. لكن ماركس يعزو هذه القوانين إلى الرأسمالية بخاصة، وهو يرى أن الرأسمالية هي مجرد مرحلة في التطور التاريخي، مرحلة ستدمر نفسها بنفسها بواسطة تناقضاتها الداخلية. وستنشأ بعدها مرحلة يسود فيها الاجراء، ويصبح المجتمع عقلياً تقدمياً، ليس فيه أجور ولا نقود ولا طبقات اجتماعية، بل ولا حكومة، بل يصير «تجمعاً حراً مؤلفاً من منتجين يعملون تحت رقابة واعية هادفة صادرة عن ذات أنفسهم».

وأما ما هو رأس المال في نظر ماركس، فإنه يقرر أولاً أن رأس المال ليس «شيئاً، (نقوداً، وسائل إنتاج) بل هو عملية دورية processus cyclique تسير على الدوام على مستوى المجتمع بأسره، وخطتها الرئيسية هي الإنتاج. كذلك ليس رأس المال سنداً قانونياً titre juridique مثل الملكية القانونية (الخاصة) لوسائل الإنتاج. إنما رأس المال نظام من العلاقات الاجتماعية خاص بالإنتاج، لا يشمل إلا وجود فائض العمل. لكن فائض العمل اتخذ على مدى التاريخ أشكالاً اخرى غير شكل راس المال: منها الريع الإقطاعي، فإنه هو الآخر شكل من أشكال فائض العمل، وكان على رأس المال القضاء عليه حتى ينمو هو على شكل أكثر انطلاقاً. إن رأس المال ليس إلا نظاماً من العلاقات الاجتماعية التاريخية، المؤقتة، الانتقالية، شأنه شأن مجموع الأشكال الاقتصادية للتبادل.

انظر أيضًا