يوهان غوتليب فيشته
يوهان غوتليب فيشته (بالألمانية: Johann Gottlieb Fichte) (1762–1814) فيلسوف ألماني. واحد من أبرز مؤسسي الحركة الفلسفية المعروفة بالمثالية الألمانية، الحركة التي تطورت من الكتابات النظرية والأخلاقية لإمانول كانت. كثيرا ما يقدم فيشته على أنه الشخص الذي كانت نماذج فلسفته جسرا بين أفكار كانت والمثالي الألماني هيغل. بدأ الفلاسفة والدارسون حديثا تقدير فيشته كفيلسوف هام في حد ذاته لأجل رؤاه المختلفة في طبيعة الوعي الذاتي والإدراك الذاتي. مثل ديكارت وكانت قبله كانت مشكلة الذاتية والوعي دافعا لتأمله الفلسفي. كتب فيشته أيضا في الفلسفة السياسية وينظر إليه من عديدين كأب القومية الألمانية.
حياته وعمله
ولد فيشته في مدينة رامنو في ولاية ساكسونيا 1762 بدأ دراسته في إكلركية/مدرسة جينا لللاهوت. في 1784 ودون إكمال شهادته أنهى فيشته دراسته. عمل فيشته مدرسا خاصا في زيورخ وفي 1790 أصبح ملازما ليوحنا ران ابن أخت الشاعر الشهير فريدريش غوتليب كلوبشتوك.
في 1790 بدأ فيشته في دراسة أعمال الفيلسوف إيمانويل كانت التي كانت مرجعا له طوال مسيرة الفكرية. بعدها بوقت ليس بطويل التقى فشته باستاذه كانت في مدينة كونيغسبرغ. أصدر فيشته كتابه الأول "محاولة في نقد الثورة" بتاريخ 1792 الكتاب الذي يحاول فشته الربط بين الوحي الإلهي وفلسفة كانت المادية النقدية.
كانت الطبعة الأولى من الكتاب قد نشرت بدون علم من كانت أو فيشته وبدون اسم المؤلف وبدون مقدمة موقعة. وهكذا ظن القراء المتابعون خطأ أنه كتاب جديد لايمانويل كانت نفسه. جميع القراء في بداية الامر ومن ضمنهم النقاد الذين كتبو مراجعات أولية عن الكتاب ظنوا أن كانت كان مؤلف الكتاب. حينها ظهر كانت للناس ووضح الالتباس الذي حصل وفي نفس الوقت أشاد بالكتاب ومؤلف الكتاب.
بعد هذا المديح والإطراء ارتفعت شهرة فيشته، كتب الشاعر الدنماركي جينس إيمانول باجسن الذي كان مقيما في ألمانيا في حينها ويكتب باللغة الألمانية رسالة إلى صديق له جاء فيها: " اما أكثر الاخبار إدهاشا لي وصدمة فهي ذلك الكتاب. لا أحد غير ايمانويل كانت يمكن أن يكتب مثل هذا الكتاب. لكن مع كل ذلك هذه أخبار رائعة. فقد ظهرت شمس ثالثة في الجحيم الفلسفي. وهذه الاخبار جعلتني في تشتت كهذا الذي انا فيه".
مات فيشته من مرض التيفوئيد لاثنين وخمسين عاما. وابنه إيمانويل هرمن فيشته له مساهماته أيضا في مجال الفلسفة.
كتاباته
كان فيشته يحاكي أسلوب ايمانويل كانت شديد الصعوبة. فقدم فيشته أعمالا كانت بالكاد مفهومة. جاء في كتاب تاريخ الفلسفة كلام عن هذا الأسلوب الصعب: "لم يكن فيشته يتردد في التباهي بمهارته الفائقة في التظليل والتعتيم. وكان يشير إلى طلابه أحيانا كثيرة بأنه ليس هناك الا رجل واحد فقط في العالم يتمكن تماما من استيعاب ما يكتبه فيشته. وحتى هذا الرجل الواحد سيواجه مشاكل في اقتناص المعنى الحقيقي وراء كتابات فيشته". هذه الملاحظة كثيرا ما تنسب خطأ إلى الفيلسوف هيغل.
لم يؤيد فيشته حجة كانت في وجود النومينا وأنكر وجود حقيقة للأشياء "في ذاتها". أو حقيقة ما فوق المعقول الحقيقة التي تكون بعيدة عن مقدرات العقل الإنساني. ويرى فيشته الفصل الصارم والمنضبط بين "الأشياء في ذاتها" والأشياء "كما تظهر لنا". وباللغة اللاتينية تسمى هذه الاضداد نومينا وفينومينا.
العمل الفلسفي
القومية
ألقى فيشته، بين ديسمبر 1807 ومارس 1808، سلسلة من المحاضرات حول «الأمة الألمانية» وثقافتها ولغتها، مبرزًا نوع التعليم الوطني الذي يأمل أن يرفع الأمة من إذلال هزيمتها على أيدي الفرنسيين. بعد أن كان مؤيدًا لفرنسا الثورية، أصبح فيشته مستاءً عندما تقدمت جيوش نابليون عبر أوروبا بحلول عام 1804، واحتلت الأراضي الألمانية، وجردتهم من موادهم الخام وأخضعتهم للحكم الأجنبي. نتيجة لذلك اعتقد فيشته أن ألمانيا ستكون مسؤولة عن نقل فضائل الثورة الفرنسية إلى المستقبل. وعلاوة على ذلك، لم تُثر نزعته القومية نتيجة للإهانة والهزيمة العسكرية البروسية، إذ لم تحدث بعد، بل نتج عن الإخلاص لفلسفته الإنسانية. التفت إلى الأمة الألمانية كأداة لتحقيق ذلك، من خلال خيبة الأمل في الفرنسيين.
تزامنت هذه المحاضرات، بعنوان خطاب إلى الأمة الألمانية، مع فترة إصلاح في الحكومة البروسية، تحت اشراف البارون فوم ستين. يظهر الخطاب اهتمام فيشته خلال تلك الفترة باللغة والثقافة كأدوات للتنمية الروحية البشرية. اعتمد فيشته على الأفكار السابقة ليوهان جوتفريد هردر، وحاول توحيدها بنهجه الأكثر انتظامًا. هدف الأمة الألمانية، وفقًا لفيشته، هو «العثور على إمبراطورية من الروح والعقل، وإبادة القوة المادية الخام التي تحكم العالم تمامًا». ارتكزت قومية فيشته، الثقافية بالكامل والتي تشبه القومية الألمانية لهردر، على الجمالية والأدبية والأخلاقية.[١]
استهوت القومية التي قدمها فيشته في الخطاب بعد أكثر من قرن من الزمان الحزب النازي في ألمانيا، الذي بحث في فكر فيشته القومي الرائد. ومثل نيتشه، فإن ارتباط فيشته بالنظام النازي جاء في قراءات ملونة لقومية فيشته الألمانية في فترة ما بعد الحرب. عُززت قراءة فيشته هذه في كثير من الأحيان بالرجوع إلى خطاب غير منشور من عام 1793، المساهمات في تصحيح حكم الجمهور بشأن الثورة الفرنسية، أعرب فيه فيشته عن مشاعر معادية للسامية، مثل الجدال ضد توسيع الحقوق المدنية لليهود، ووصفهم بأنهم «دولة داخل الدولة» والتي يمكن أن «تقوض» الأمة الألمانية.
غير أن هذا الخطاب أرفِق بحاشية قدم فيها فيشته التماسًا مؤثرًا بالسماح لليهود بممارسة دينهم دون عائق. وعلاوة على ذلك، فالفصل الأخير من الحياة المهنية الأكاديمية لفيشته هو الاستقالة من منصبه كرئيس لجامعة برلين احتجاجًا على رفض زملائه معاقبة من يضايق الطلاب اليهود. وبينما سعت المنحة الدراسية الحديثة إلى فصل كتابات فيشته بشأن القومية عن تبنيه من قبل الحزب النازي، تواصل الجمعية التفريط في إرثه، على الرغم من أن فيشته، وكأنه يستبعد كل أساس للشك، يحظر بوضوح -في نسخته المعاد صياغتها علم الأخلاق على أساس علم المعرفة- الإبادة الجماعية والجرائم الأخرى ضد الإنسانية:
إذا قلت إن ضميرك أمرك بإبادة الشعوب لآثامها، [...] يمكننا أن نقول لك بثقة أنك على خطأ، لأن مثل هذه الأشياء لا يمكن أن تأمرها فهي ضد الحرية والقوة الأخلاقية.
النساء
قال فيشته إنه «ينبغي منع النساء اللواتي كنّ يدعون إلى إخضاع أنفسهن تماما لسلطة آبائهن وأزواجهن، من الحصول على المواطنة الفعالة، والحرية المدنية بل وحتى حقوق الملكية».
فشته
فيلسوف مثالي ألماني
يمتاز فشته من كنت وسائر الفلاسفة المحدثين بأنه جمع بين النزعة النظرية الفكرية وبين النشاط العملي في الحياة.
وقد كان يمتلى ء حبا عنيفا للتفكير النظري وفي نفس الوقت يمتلىء شهوة عنيفة للعمل في مسرح العالم. فلو قارنا فشنه بالمفكرين النظريين أمثال ديكارت واسبينوزا وليبنتس فإنا نجد فشته يمتاز بأنهم كان مدفوعاً إلى جاب الدوافع النظرية بدوافع عملية حتى كان بطعه أميل إلى العمل والنشاط العملي ولو قارناه بليبنتس نجد ان حماسته كانت بالغة إلى حد لا يمكن تطبيق مبادئه على الواقع العملي، ذلك لأن مثاليته المتحمسة باعدت بينه وبين المهارة العملية المؤدية إلى النجاح في الحياة، فليبنتس كان من الذكاء العملي المتلائم مع الظروف بحيث استطاع ان ينال مكانة ممتازة من الناحية السياسية إلى جانب مكانته الفلسفية. أما فشته فكان من التعلق بأهداب المثل العليا في السياسة والعمل بحيث لم يستطع أن يلائم بين السياسة والعمل ولذا لم يظفر بالمكانة التي كان ينشدها.
قال فشته عن نفسه: «إني لست من ذلك انوع من العلماء المحترفين. إنفي لا أستطيع الاتصار على التفكير فحسب بل أريد العمل،. وهو حين تلقى مذهب كنت لم يتلقه كتلميذ يتلقاه من استاذه معداً من قبل، عليه ان يكيف نفسه وفقاً له، بل تلقاه فقى امتلأ ايماناً بأن له رسالة وأن لديه القدرة على تحقيق هذه الرسالة.
حياته
ولد فشته Johann Gottlieb Fichte في ٩ ١ مايو سنة ١٧٦٢ في فرية Ramenau من مقاطعة Oberlausitz. وكان أبوه وجده نساجا للصوف كما كانت أمه ابنة تاجر في الصوف. وامضى طفولته كما يمضيها اي طفل الماني في قرية فتعلم القراءة والكتابة وساعد اباه في العمل في نول الصوف، وفي رعي بعض الحيوان. ولكن نبوغ الطفل المبكر لفت الأنظار إليه واطلق شهرته في القرية قالتفت إليه قسيس القرية واهتم بتوفير التعليم له. وابتداء من هذه اللحظة بداً فشته يتعد لتعليم عال فدرس في مدرسة «مايسن» ثم في مدرسة شولبفورتا» عام ١٧٧٤. وفي هذه القرية كان يحيا حياة منعزلة لأن معهد الشولبفورتا كان أقرب ما يكون إلى المدارس الدينية. واحس فشته بوء المعاملة من زملائه ولم يستطع البقاء. ففكر في الهرب للتخلص من قيود هذه المدرسة الرهبانية. فهرب منهامتجهاإلى همبورج؛ ولكنه في الطريق فكر فيما فعل. فعاد من جديد بعد أن بدأ الهرب، وأفضى لمدير المدرسة بالدوافع التي دفعته إلى الهرب. وسرعان ما انتظم في المدرسة وبدأت الحياة فيها تلائم نفسه.
١٢٩
وكانت سنه ست عشرة سنة حينما بدأ لسنج يكتب مقالاته ضد جيتسه الراعي في همبورج فوقعت هذه الأبحاث بين يدي فشته وهو في مدرسة شولبفورتا، فكان لها تأثير بالغ في التطور الروحي لفشته. ثم بدأ يهتم بالمناقشات التي كانت تدور والمساجلات التي كانت تثور بين كبار المفكرين في ذلك العصر. ثم ترامى إلى مسمعه شيء من اخبار فلسفة كنت فبداً يهتم بها. وفي خريف سنة ١٧٨٠م انتهى فشته من دراسته الثانوية وبدأ دراسته الجامعية في جامعة يينا Jena بتغاء دراسة اللاهوت. ولا ندري الكثير عما تم خلال السنوات التالية الثمافي، وكل ما نعلمه أنه درس اللاهوت على يدي Griesbach كما درس الفيلولوجيا على يد شولئى Schultz؛ واستمع الى محاضرات عن أسخيلوس الشاعر المسرحي المشهور. ثم انتقل إلى جامعة ليبتسكوتابعدراساته هناك وتأثر خصوصا بالمحاضرات الي القاها في اللاهوت Pezold وإن كانت هذه المحاضرات ذات نزعة جبرية واضحة. وبذلك ابتدأت دراساته الفلسفية الصحيحة، وقد فال له أحد القسس الذين أفضى إليهم فشته بآرائه إنه على الطريق بأن يصبح إسبينوزيا. فعليه أن يدرس ميتافيزيقا افلف» Wolf كعقار مضاد للسم الذي دخل فيه من النزعة الإسبينوزية. ويهذا بدأ الاهتمام بمذهب فلف ودراسته بعناية.
والذي دعا ذلك القسيس أن يظن في فشته نوازع إسبينوزية هو أن فشته كان ينزع نزعة جبرية إذ كان ينكر في ذلك الوقت حرية الإرادة. والواقع أن رسائل فشته في تلك الفترة تدل على أنه كان يؤمن بنوع من الجبرية، وأن هذا المذهب يستهويه؛ ولكن هذه الجبرية لا تدل على أنه كان إسبينوزيا. وفضلا عن ذلك فإن بضاعته الفلسفية، في ذلك العهد، كانت من الضالة بحيث لا يمكن أن نعده ذا نزعة واضحة في أية ناحية. أما من الناحية الخارجية فقد اح في هذه الفترة بمرارة الفقر مرارة بالغة، وقد كان بلا عون وسند محروما من كل الموارد المالية التي تهيء لأمثاله العيشة السهلة، فلم يكن يستطيع شراء الكتب؛ ولهذا كانت تنقصه المراجع والقدرة على إكمال دراسته في الموضوعات التي تهمه.
مرحلة التتقل
ولقد بدأ حياته العملية بأن كان مدرساً خصوصياً سنة ١٧٨٤ في أماكن كثيرة من إقليم ,سكسا. ولاندري بالدقة المواضع التي قام فيها بمهنته هذه المملة الثقيلة ولكنه ابتداء
من سبتمبر سنة ١٧٨٨ م بدأ حياة التنقل والرحلات. فرحل إلى زيورخ، في ١ سبتمبر سنة ١٧٨٨ ليكون مدرسا في أحد البيوت ثم ما لبث أن صادفته مشقات في هذه الوظيفة، فتركها واضطر إلى تغييرها. ولكنه استطاع في هذه الفترة القصيرة أن يعقد بعض الصلات التي عوضت عما لقيه من المتاعب في عمله التعليمي هذا. ومن بين هؤلاء الذين اتصل بهم لاهوي المافي هوآخيلس Achelis ، كان هو الآخر معلما خصوصياً في زيورخ، ثم شاعر سويسري هز Escher وأفاد فشته من هذه الصلات فاثدة بالغة. غير أن اهم شخصية عرفها في زيورخ هي لافاتر Lavater المفكر اللاهوقي الويسري الشهير صديق جيته ومن أكبر الأعلام في ذلك العصر. فبدأت في هذه الجواء الروحية تتكون شخصية فشته، ولكنه غادر زيورخ في مارس سنة ١٧٩٠ وانتقل منها إلى ليبتك حيث أقام بها عاما. عادفشته إلى ليبتسك في ربيع سنة ١٧٩٠م ورأسه مليء بالأفكار والموضوعات المتصلة بمصيره. وهذه السنة، سنة ١٧٩٠، كانت حاسمة في تطوره الروحي: فقد بدأ يشعر بنقص. في تكوينه الفكري، وبذأ يشعر في الوقت نفه بقواه الروحية وبالاتجاه الحقيقي لتفكيره، وبدأ يفحص عن نفسه ووجد أن اتجاهه الحقيقي إلى الفلسفة. وبعد ان كانت علوم البلاغة تستحوذ على نفس، خصوصاً وقد عرف منذ الصغر بملكة في الخطابة خارقة، سرعان ما أدرك خلو الخطابة من مضمون فلسفي يملؤها.
ما هي الفلسفة التي بدأ يتأثر بها؟ إها الفلسفة الكنتية التي يدأت تسيطر على نفس فشته في النصف الثاني من عام سنة ١٧٩٠. كتب إلى صديق له في زيورخ يقول: القد وجدت الآن الراحة والمتعة لنفى، ووجدت الطريق الحقيقي الذي ينبغي علي ان اسلكه . لقد اسلمت نفسي كلها لدراسة فلسفة كنت، إنها فلسفة من شأنها أن تروض ملكة الخيال وتكبح جنوح إلخيال عندي. إنها تعطي الأهمية للعقل وترفع الروح كلها فوقكل الشؤون الأرضية؛ لقد اتخذت أخلاقا نبيلة بدلاً من أن أتعلق بأمور خارجة عن نفسي، فأصبحت أعنى أولا بذاتي، وهذا هو الذي أعطافي الراحة، راحة لم أشعر بمثلها من قبل؛ لقد انقضى العهد الذي كانت فيه ذاتي مترنحة تحت ظروف الأيام، وسأكرس لهذه الفلسفة (فلسفة كنت) بضع سنوات مقبلة من عمري على الأقل. وكل ما سأكتبه، لعدة سنوات، سيكون متعلقاً يهذه الفلسفة. إها فلسفة صعبة فوق كل تصور، وتحتاج الى من ييرها».
ويردد فشته برسائله في ذلك العهد هذا المعى مرارا، ويبين التأثير العجيب الذي أحدثته فلسفة كنت في نفسه. إنه جامح الخيال، فما أحوجه إلى هذه الفلسفة القادعة الكابحة التي هي فلسفة كنت! ولم تكن حراسة فشته لمذهب كنت مجرد تحول في حياته، بل كانت في نفس الوقت اعتناقا لمذهب فلسفى. فقد تغيرت تصوراته تغيرا جذريا، ومشكلة الحرية قد وجدت الحل واصبح يؤمن إيمانا جازماً بإمكان الحرية بعد أن كان ينكرها في العهد الأول تحت تاثير النزعة الجبرية التي استولت على نفسه. وفي رسائله إلى أصدقائه في ذلك العهد ومنهم ،اخيلى، يعبر عن الثورة الحاسمة القي انتابت افكاره وتصوراته، وعن تخلصه من النزعة الجبرية. قال:
٠لقد أتيت من زيورخ إلى ليبتسك برأس حافل بالمثروعات. وكلها اخفقت وتطايرت مثل فقاعات الصابون، ولم يبق في رأسي شيء . وألقيت بنفسي في الفلسفة وكان ذلك في فلسفتي الكنتيه. وهنا وجدت الدواء لمصدر العلة عندي، وشعرت بلذة بالغة. وما اعمق الأثر الذي احدثته هذه الفلسفة وخصوصا الجانب الأخلاقي منها، وهو جانب يظل مع ذلك غير مفهوم دون دراسة نقد العقل الرد!.
٠والشورة الي أحدثتها في كيافي وفي طريقي في التفكير، كل هذا أمر يتجاوز كل تعبير». وكتب إلى 10اس*55ذء٢٧ يقول : ٠إفي اعيش في عالم جديد منذ ان قرأت نقد العقل العملي. إن الأمور التي كانت تبدو ليغير قابلة للإنكار قد أصبحت الآن منكرة، والأمور التي كنت أؤمن بها قد بدت لي اغها كانت بغيردليل، بينما اتضحت لي المعافي الكبرى مثل: معفى الحرية المطلقة، والواجب. . . إلخ.
وكل هذا قد أشاع البهجة في نفسي، وما اروع ما في هذا المذهب من احتفال بمعنى الإنسانية! وما اعظم قوة هذا المذهب!» . وكانت أولى ثمار هذه العناية بفلسفة كنت أن بدا في وضع شرح لكتاب نقد العقل» كتبه في شتاء سنة ١٧٩٠/ سنة ١٧٩١ م وكان عليه ان يظهر في أبريل عامسنة١٧٩١ ما سيلفت اانتباه إليه ككتاب في الأمور الفلسفية قبل ان يعود إلى زيورخ، ولكن لم يتيسر نشره في ذلك الموعد، واضطر من اجل هذا إلى ان يؤجل عودته إلى زيورخ لمدة طويلة. واضطر إلى اتخاذ مهنة مدرس خصوصي مرة اخرى في مدينة «وارسو»، ولكنه لم يستمر في هذه الوظيفة لمدة طويلة. فبعد أن غادر ليبتك ووصل إلى وارسو في مايو اضطر في ه ٢ يونيو
سنة ١٧٩١ إلى مغادرة وارسو. وكان يهدف من هذه الرحلة حينما غادر وارسو ان يزور كونجسبرج Königsberg ، ليعرف شخصيا ذلك الرجل الذي يدين له بتغيير حياته تغييرا شاملاً فوصل إلى كونجسبرج في أول يوليو، وزار كنت في ٤ يوليو. وكان كنت في ذلك الحين في أوج شهرته وفي أخريات عمره، يفد إليه الناس من جميع أنحاء العالم ولكنه مع ذلك استقبل هذا الشاب المغرور دون مراسم، مما أثر في نفسه بعض التأثير. وحضر محاضرات كنت، فشعر بخيبة أمل لأنه وجد محاضراته مدعاة إلى النعاس.
ولكن فشته استطاع بفضل هذه المقابلة أن يعرف الطريق. الذي يجب أن يبداً بالسلوك فيه. لقددله كنت على مذهبه الأخلاقي وعلى أهمية العقل العملي بالنسبة إلى الحقائق الدينية، لأنه عن طريق هذا العقل العملي يمكن إثبات العقائد الدينية، فكان لهذا أثر في توجيه فشته في هذا الاتجاه خصوصا ويجب أن لا ننسى أن تكوينه حق الآن كان تكويناً دينياً.
ولقد كان على فشته أن يطبق نتائج الفلسفة النقدية على علم اللاهوت وعلى الوحي الديني وكانت فكرة الوحي لم تشغل بال كنت حى ذلك الحين ولم يكن مذهب كنت في الدين قد ظهر، وإن كان مشغولا في ذلك الوقت بهذه المسألة، وكان العالم ينتظر رأيه في الدين بصبر نافذ. فوجد فشته في هذا الموضوع ما يوجه اهتمامه إلى هذه الناحية، إذ كان يستطيع فيها أن يبين أنه استطاع أن يفهم روح فلسفة كنت، وأن يسلك سبيله قدماً على الدرب الذي اختطه كنت بفلسفته النقدية. فاستقر عزمه على أن يقيم موقتاً في كونجسبرج. وفي خلال اربعة اسابيع استطاع ان يكتب بحثاً عن ٠نقد الوحي، أرسله إلى كنت في ١٥ أغطس سنة ١٧٩١ . وقرأه كنت ونظر إلى هذا البحث على اساس انه كتب بروح الفلسفة الكنتية. ولكنه رأى فيه طريقة في الكتابة ادهشته. فاهتم بهذا الفى اهتماما بالغا ودعا ه إلى ان يحضر مجلسه الخاص. وكتب فشته في يومياته عن هذه الفترة يقول: ٠الآن، والآن فقط تعرفت في كنت القسمات التي تجعل من كنت ذلك الفيلسوف العظيم». وبدأ يتعرف أصدقاء كنت، وذاعت شهرته بينهم. خصوصاً وقد تعرف إلى اول شارح لنقد كنت وهو Borouski ولكن ضيق ذات يده اضطره إلى أن يترككونجسبر.
وبدأ التنقل من جديد فانتقل إلى ,كركوف» حيث استأنف حياة التدريس الخاص. غادر ٠كونجبرج» في ٢٦
١٣١
سبتمبر سنة ١٧٩١ متجها إلى كركوف ومن هنا بدأ يكتب أولى مؤلفاته ذات الشهرة؛ فكتب كتابا بعنوان «محاولة لنقد كل وحي» وظهر هذا الكتاب في إبريل سنة ١٧٩٢م. ومن المصادفة العجيبة ان اسم المؤلف لم يظهر على صفحة العنوان! لكن هذا الكتاب أثارهياجاً شديداً في جميع الاوساط في Jena : وكان الناس -كما قلناينتظرون ظهوركتاب كنت عن الدين. فبدا لهم- والمؤلف يصرح بذلكد ان هذا الكتاب عحاولة لنقد كل وحي وقد كتب بروح كنت. فخيل إلى الناس-وقد ظهر هذا الكتاب دون اسم المؤلفد ان مؤلف هذا الكتاب لا يمكن إلا أن يكون كنت نفسه. وكل الذين كتبوا عنه في ذلك الحين أكدوا هذا بكل ثقة ومجدوا الكتاب تمجيداً بالغاً تحت وهم ان الكتاب لكنت, ولكن كنت اضطر إلى ان يصدرتصريحاً رسمياً يعلن فيه انه ليس مؤلف هذا الكتاب، وظهرتصريحه في ٣ يوليوسنة ١٧٩٣ واعلن في هذا البيان ايضاً ان مؤرلف هذا الكتاب هوفشته.
وبهذا اشتهرفشته. ولكن يمكن القول، تبريراً لإمكان وقوع الخلط، هو ان هذا الكتاب الف فعلا بروح كنت. وقد كان لهذا الكتاب اثر بالغ، وأحدث دويا في ختلف الأوساط فلم تمض سنة واحدة حتى طبع مرة اخرى وبدا الجمهور يؤيده. والمهم ان فشته بدأ يشعر بمكانته، وبأن صفحة جديدة من حياته قد بدأت، وبأن قواه الفكرية في المستوى العالي الذي يضارعمستوى كنت.
ثم رحل فشته من اكركوف، وعادإلى سويسرافوصل إليها سنة ١٧٩٣ . وفي صيف تلك السنة، وفي الشتاء التالي تجمعت في نفه كثيرمن المشروعات العلمية. وفي نفس الوقت امتلأت نفه حماسة لما كان يضج به العالم في ذلك الحين من المثل العليا السياسية التي اطلقتها الثورة الفرنسية.
وفي تلك السنة، سنة ١٧٩٣ م، كان النضال على اشده بين القائمين بالثورة الفرنسية. وفي نفس الوقت كانت بروسيا مشغولة بالمراسيم الدينية التي اثارت ضجة سياسية، وانتشر مد الثورة الفرنسية في المانيا وبداً الشباب يتحمس لها. وفي هذه الفترة اشتعلت حماسة هيجل وصديقه الشاعر هيلدرلن. لكن على إثر حركة الأرهاب التي اطاحت برؤ وس الكثيرين، وعلى رأسهم زعماء الثورة الفرنسية أنفسهم إذ قتل بعضهم بعضا، بدأ المد ينحسر في سائر انحاء العالم لما رأوا الأفكار السياسية قد تحولت إلى مجزرة دموية. فأخذ الكتاب المتحمسون يعيدون النظر في هذه الثورة التي ادت إلى هذه
النتائج الدموية. وأخذ فشته مكان الصدارة بين الكتاب. وكان بطبعه الحماسي الخطابي ذا ميل إلى التفكير السياسي، فبدأ يكتب مقالات من أجل تصحيح احكام الجمهور المتعلقة بالثورة الفرنسية. وطالب أمراء أوربا بالسماح لحرية الفكر بعد ان ضغطوا على هذه الحرية فحرموا الناس من التفكير الحر. وأصدر كتيبين في هذا الموضوع ظهرا غفلين من اسمه وسيكون لهما فيما بعد أثرهما في تفكير فشته السياسي. وفي نفس الوقت كانت تنضج افكاره الفلسفية. وكان مشغولا بنظريته في العلم؛ تلك النظرية التي رأى اها الصورة الوحيدة الي يمكن ان تستخرج من الفلسفة النقدية . وفي شتاء سنة ١٧٩٣- سنة ١٧٩٤م القى اول محاضراته في زيورخ عن هذا الموضوع أي «نظرية العلم كما ينبغي ان تستنبط من فلسفة كنت النقدية» القاهاأمام جمهوركبيركانمن بينهم لكاتبالكبير Lavater . وقد كتب إليه في إبريل سنة ١٧٩٤ م رسالة يمجد فيها هذه المحاضرة؛ ويصف فشته بأنه المع مفكر عرفه حقى الآن. وهذا انتهت إقامته في سويسرا، وانتهى ما يمكن ان يسمى عهد التنقل في حياته.
مرحلة الأستاذية
وبدات المرحلة الثالثة والأخيرة وهي مرحلة الأستاذية. ذلك انه حينما دعى رينهولد Reinhold إلى شغل كرسي الأستاذية في جامعة كيل Kiel خلا كرسي الأستاذية في Jena واتجهت الانظار إلى فشته لشغل هذا المنصب على اساس ان سلفه كان كتتيا فينبغي منح هذا الكرسي لكنتي آخر. فاقترح المشرع Hufeland تعىين فشته لكرسي الفلسفة في جامعة «يينا» واهتم بهذا الاقتراح الشاعر العظيم جيته» وحل جيته اميرفايمارعلى إسناد هذا الكرسي إلى «فشته».
ومن هنا بدأ التدريس في الجامعة ابتداء من شهرمايو سنة ١٧٩٤ وفي هذا المنصب دأ يلقي محاضراته مهتما كل الاهتمام بفلسفة كنت. ولكنه استطاع ان يعطيها طابعه الخاص، فكانت دورسه الأولى عن فكرة نظرية العلم، ودروسه الثانية عن اساس نظرية العلم الشاملة. وفي نفس الوقت كان يلقي محاضرات متنوعة في الأخلاق وفي نظرية العلم. وظفر عن طريق هذه المحاضرات بمكانة علمية رفيعة في جميع الاوساط العلمية في ذلك الوقت. وفي تلك الفترة بدأ يكتب مؤلفاته الأولى التي وضع بها الأساس لنظرية العلم. فالمؤلفات التي كتبها في سنة ١٧٩٤ كانت الأساسفي نظرية العلم أما السنوات ما بين ١٧٩٦- ١٧٩٨ فقد أقام فيها نظرية
١٣٢
القانون والأخلاق على اساس نظرية العلم الي وضعها من قبل. فتبين للناس من هذه المؤلفات الأولى أن فشته هوخير خلف لكنت. وسرعان ما أقر له بالفضل كثير من كبار العقول في ذلك العصر. «فرينهولد» اصبح من أنصار نظرية العلم عند فشته. وشلنج بداً طريقه الفلفي نصيراً لنظرية العلم عند فشته. وقام فريدرث اشليجل FR.Schlegel يمجد مؤلفات فشته بوصفها من اعظم إنتاج القرن الثامن عثر؛ وعدها نظيرا للثورة الفرنسية في أهميتها. وبدأت المجلات في Jena تجعل نفسها منبراً للدعوة لفلسفة فشته. وأصبح شغل الناس الشاغل في ذلك العهد أي في السنوات الست الأخيرة من القرن الثامن عشر، نظرية العلم عند فثته. لكن هذه الثهرة نفسها كانت السبب لجلب خصومات لا تنتهي، كما هوطبيعي.
فلقيمذهب فشته الكثيرمن المعارضات، وولد العديد من العداات الشخصية وغير الثخصية. ومن هنا قامت المشاكل والمنازعات بينه وبين سائر الكتاب والمفكرين. وكان كفؤاً لها جميعاً، لأن مزاجه المناضل كان ولوعاً بالدخول في المساجلات والسير فيها حى النهاية: ولم يكن يبداً بالهجوم ولكن إذا هوجم فهو الليث عاديا يسعى للقضاء على الخصم قضاء مبرماً . وقد بدات هذه امساجلات في صورة خفيفة مع كاتب يدعى إيرهارد شمد Schmid ولكنها كانت مساجلة تافهة إذ ان خصمه كان ضئيل القيمة، وما لبثت الخصومات الأشد والأهم ان بدات.
لقد سبق ان اتهم فشته بنوع من الإلحاد، ولكن هذه التهمة ما لبثت أن تبددت. أما هذه المرة سنة ١٧٩٤ فقد تدخلت السلطات فعلاً ووجم الاتهام إليه بأنه يعمل على تقويضدعاثم لشعائر الدينية واضطر، لما صدر الحكم ضده، لتبديد هذه التهمة إلى الخضوع كما قال للسلطة. فمرت هذه العاصفة، ولكن كان لها تأثير كبير في نفسه فيما بعد. ثم ثارت المثكلة الكبرى المسماة باسم مشكلة الإلحاد بعد ذلك بقليل وذلك في سنة ١٧٩٨ . وبدأت النشرات الخالية من التوقيع تترى ضد فثته وصدر الحكم بإدانته. وعلى الرغم من استثنا فه لهذا الحكم، فإنه لم يفلح في تبرئة نفسه على الرغم من تدخن كثير من الثخصيات الكبيرة المعاصرة لصالحه. فاضطر إلى مغادرة يينا Jena . وذهب بعد ذلك إلى برلين في ٣ يوليو سنة ١٧٩٩ ثم كات الحرب بين بروسيا ونابليرن، وبدأت الحركات الوطنية في بروسيا من أجل طرد نابليون من
ألمانيا. ولعب فشته في هذه المعركة الوطنية دورا خطيرا. فقد أحس بدوره في هذه المعركة ضد الغاصب الغازي، وهو نابليون. وبداً يوجه خطباً الى الامة الالمانية، خطباً ستصبح فييا بعد من المؤلفات المشهورة جداً لفشته. واستمر في هذا الكفاح حتى انتصرت المانيا سنة١٨١٣ . ثم توفي فشته في ٢٧
يناير سة ٠١٨١٤
مؤلفاته
بحسب الترتيب التاريخي لظهورها :
١-محاولة نقد كل وحي. ظهر في كونجسبرج، ١٧٩١؛
٢- مطالبة أمراء أوربا بإقرارحرية الفكر، سنة ١٧٩٣؛
٣-تصحيح آراء الناس في الثورة الفرنسية، سنة ١٧٩٥؛
٤- نقد لكتاب «أنسيداموس»- وهذا الكتاب في غاية الأهمية لأنه الأساس لمذهب العلم عند فشته، سنة ١٧٩٤؛
٥- فكرة مذهب العلم أو الفلسفة، سنة ١٧٩٤؛
٦- اساس مذهب العلم، سنة ١٧٩٤؛
٧- أساس خصائص مذهب العلم، سنة ١٧٩٥؛
٨- المدخل الأول إلى مذهب العلم، سنة ١٧٩٧ ؛
٩- المدخل الثاني إلى مذهب العلم، سنة ١٧٩٧ ؛ وقد وجهه إلى القراء الذين لدهم مذهب فلسفي من قبل؛
١٠- محاولة لعرض جديد لمذهب العلم، سنة ١٧٩٧ ؛
١ ١- اساس الحق الطبيعي وفقاً مبادى، مذهب العلم، ١٧٩٦٥؛
٢ ١-مذهب الأخلاق وفقاً لمبادىء مذهب العلم، سنة ١٧٩٨؛
١٣-في كرامة الإنسان، سنة ١٧٩٤؛
١٤- محاضرات في مصير العالم (بكسر اللام)، منة ١٧٩٤
١٥- حول الأساس لاعتقادنا في حكم اشه للعالم؛ سنة
١٧٩٨؛
١٣٣
١٦- في مصير الإنسان، سنة ١٨٠٠؛
١٧- تقرير واضح وضوح الشمس إلى الجمهور حول حقيقة الفلسفة الجديدة، سنة ١٨٠١؛
١٨- ملامح العصر الحاضر، سنة ١٨٠٦؛
١٩- التنبيه على الحياة السعيدة؛ وهي محاضرات القاها في برلين سنة ١٨٠٦.
٢٠- خطب موجهة إلى الأمة الألمانية، سنة ١٨٠٨.
ثم محاضرات عديدة تتعلق بمذهب العلم نذكر منها:
٢١-عرض لمذهبد لعلم، سنة ١٨٠١؛
٢ ٢- مذهب العلم : عاضرات ألقيت عام سنة ٠١٨,٤
٢٣تقرير عن فكرة مذهب العلم، سنة ١٨٠٦ .
٢٤مذهب العلم بشكل إجمالي، سنة ١٨١٠.
٢٥وقائع الشعور، محاضرات القيت في برلين في شتاء سنة ١٨١٠سستة ١٨١١,
٢٦مذهب العلم، عحاضرات القيت سنة ١٨١٢.
٢٧مذهب العلم، محاضرات القيت سنة ١٨١٣ .
مراحل تطور فشته الروحية:
تطور فشته الفلسفي يستغرق السنوات الثلاث والعشرين الأخيرة في حياته منذ ابتداء دراسته لفلسفة كنت حتى محاضراته الأخيرة في مذهب العلم أي من سنة ١٧٩٠ حتى سنة ١٨١٣ ومن هذه الفترة أمضى قرابة تسع سنوات يحاضر في الجامعات، في يينا Jena من ربيع سنة ١٧٩٤ حتى ربيع سنة ١٧٩٩؛ وأمضى صيف سنة ١٨٠٥ في جامعة «إيرلنجن»؛ وفي شتاء سنة ١٨٠٦ إلى سنة ١٨٠٧ في كونجسبرج. وأمضى السنوات الباقية حقى وفاته في جامعة برلين، منذ إنشاء هذه الجامعة حتى وفاتم. ونستطيع ان نميز في حياته ثلاث مراحل وفقاً لحياته الخارجية:
الأولى : تبدأ بدراسة فلسفة كنت، وتستمر حتى دعوته استاذاً في جامعة Jena من سنة ١٧٩٠، سنة ١٧٩٤.
الثانية: تبداً من سنة ١٧٩٤ وقد امضاها في جامعة
Jena وتزلف النواة التي غت فيما بعد فكونت مذهب العلم، وتنتهي في سنة ١٧٩٩ -
الثالثة: من سنة١٧٩٩م حتى وفاته فيسنة١٨١٤: وفيها يتغير مذهب العلم تغيراً ظاهراً، وتقع هذه المرحلة في المدة التي قضاها في جامعات إيرلنجن وكونجبرج ثم برلين. وواضح من هذا كله ان جوهر فلسفة فشته هومذهب العلم. ولهذا سنكرس له الجزء الرئيسي من الحديث عن فلسفته.
مذهب العلم عند فشته
قال فشته في مقدمة المدخل الأول لمذهب العلم في سنة ٠١٧٩٧
»إن مؤلف مذهب العلم- بعد معرفة سريعة بما كتب في الفلسفة بعد ظهور كتب كنت النقدية- اقتنع اقتناعا تاما بأن الهدف الذي استحدثه هذا الرجل العظيم (كنت) لإحداث ثورة في أفكار العصر فيما يتصل بالفلسفة وكل العلوم قد أخفق إخفاقا قاماً، وانه لا واحد من خلفائه العديدين قد فهم شيثاً مما قصده كنت. ولكن مؤلف مذهب العلم يعتقد أنه عرفه، ولهذا عزم ان يكرس حياته لعرض الاكتشاف الذي قام به هذا المفكر كنت وسيبذل كل ما في وسعه في هذا السبيل». ويقول في موضع آخر:
ولقد قلت مراراً وأكرر ان مذهبي ليس شيئاً آخر غير مذهب كنت أي أن مذهبي يعبر عن نفس وجهة النظر، وإن كان في سيره مستقلا تمام الاستقلال عن عرض كنت لمذهبه. ولم أقل هذا لأتستر وراء شخصية كبيرة او لكي اجد لمنعي سنداً خارجه وإغا أقول هذا إقراراً للحق وإنصافاً للحقيقة».
ومن هذا يتبين ان فشته كان يؤمن ويقرر صراحة أن مذهبه هو مذهب كنت، ولكن كما فهمه هو، وفهمه له هو الفهم الحقيقي الذي يتفق مع الهدف الأصلي الذي استهدفم كنت من فلسفته. وإذا كان قد تواضع وقال إن مذهبه عرض جديد فقط لمذهب كنت، فإنه أراد ان يقول في نفس الوقت إن هذا العرض هو وحده الصحيح لمذهب كنت. أي انه هو الذي فهم المغزى الوحيد الذي قصده كنت من وراء الفلسفة. وكنت لم يعرض إلا خطوطها الأولية اما فشته فهو الذي سيعرضها عرضاً تاماً. ولكن هل هذا صحيح؟ اي هل مذهب فشته هو مجرد عرض واضح صريح لحقيقة مذهب كت؟ ن
١٣٤
يخيل إلينا بادى الرأي أنه لا شيء أبعد عن مذهب كنت من مذهب فثته. مما جعل كنت نفه يصرح بأن مذهب فشته ليس من مذهبه ولا من روح مذهبه في شيء، لأنا لونظرنا نظرة خارجية إلى مذهب فثته لوجدناه تحديا لروح كنت ا لقدية. ان مذهب فثته عحاولة جريئة لإعادة تلك الميتافيزيقا القي سعى كنت طوال حياته إلى هدمها. فكيف نقول إذن إن فثته يمثل روح مذهب كنت؟! إن الخلاف بين كليهما من كل النواحي. فمن حيث نقطة الابتداء نجد فشته يؤكد وجود مبدا واحد مطلق هو الأساس لمادة المعرفة وشكلها. ومن حيث سير المذهب نجد أن مذهب فثته يعتمد على الاستباط القبلي. ومن حيث الغاية التي يمضي إليها نجد فشته ينتهي إلى العودة إلى هذا المبداً الواحد المطلق. إن منهج فشته يقوم على أساس اديالكتيكى، يدعي أنه يستطيع ان يبنفي العالم كلم استباطاً من مبداً واحد مطلق-وعلى العكس من هذا نجد نقد كنت.
إن كنت يبداً لا من مبداً بل من معطيات واقعية للشعور ولثن كانت هذه المعطيات ليست تجريبية عرضية، فاها معطيات ضرورية كلية تؤلف الملك العام لكل أنواع الشعور. ثم يرتفع كنت من هذه المعطيات عن طريق التحليل إلى مبادى تفسيرها. وتبعاً لهذا٠ وما دام قد بداً من المعطيات الكثيرق فإنه لا يستطيع ان يعرف مقدماً عدد وطبيعة هذه المبادىء : فربما كانت كثيرة وربما لم تكن مطلقا. ولا يستطيع نقد كنت أن يؤكد قبلياً هل هذه المبادىء عديدة مستقلة أو يمكن ردها إلى الواحد؟ وهل هي نسبية او يمكن الوصول إلى مبداً مطلق؟ بل إن كنت ينتهي من تحليل هذه المعطيات الضرورية للشعور إلى القول باستحالة الصعود إلى مبدأ واحد مطلق للأشياء ، وينتهي إلى القول بضرورة التوقف عند عدد متكثر من المبادىء لا يمكن ردها إلى أبسط منها. وهكذا نجد ان نقطة الابتداء والسير والانتهاء تختلف في كل من مذهبي فثته وكنت.
لكن هذا الاختلاف ليس اختلافاً جوهرياً كما يبدو لأول وهلة ذلك أنه إذا صح أنه لا يوجد لمذهب كنت نقطة انتهاء واحدة ، وأن الكنتية تبدو أنها تنتهي الى ثنائية لا يمكن ردها إلى الوحدة ، فإن هذه الثنائية نفسها في نظر كنت ليست إلا علامة من علامات نقص عقلنا ؛ ولكن عقلنا في جوهره ينبذ هذا الفصل بين وجهة النظر النظرية ووجهة النظر
العملية ، بين الطبيعة المحوسة ، والحرية النوميناوية(١) فإن هذا الفصل مرده إلى تصور عقلنا لا إلى حقيقة هذه المبادى نفسها . لهذا قرر كنت في قرارة نفسه ان العقل واحد وليس ثنائيا والذي حمله على ان ينظر إلى العقل على أنه عقلان هو أن عقلتا قاصر لا يستطيع أن يدرك الوحدة القاثمة بين العقل النظري والعقل العملي . وكنت في نقد الحكم يقرر وحدة الحرية والطبيعة ويتحدث عن الحرية التي تنشى الطبيعة وتحقق نفسها عن طريق هذا الإنشاء . ومبدأ الغائية ليس مبدأ لتعيين الأشياء بل هومبداً للحكم المتعين أي هومجرد وجهة نظر للحكم على الأشياء . ولكن وجهة النظر هذه تتفق مع ميل العقل بالطبيعة إلى اًن يجعل نفسه في هوية مع المطلق . وهكذا نجد أنه ليس ثم تعارض جذري بين روح مذهبكنت وفلسفة فثته ولقد قال فشته : إن المثالية النقدية التى هي الأساس في مذهب كنت ومذهبه يمكن ان تتخذ احد منهجين :أ إما منهج كنت القائم على الارتداد التحليلي ؛ ب ) أو منهج فشته القائم على البناء التركيبي . وهكذا نجد انه ليس ثمة تعارض اساسي بين منهجي كليهيا.
وإذا كان بعض المؤرخين قد أخذوا على مذهب فيشته انه خاو وديالكتيكي وعابث وأنه مجرد تلاعب بالتصورات يفترض مقدما ما يريد تفسيره ، فإن فشته يرد على هذا بقوله : إن الاتفاق بين الفلسفة أو المثالية وبين التجربة والقول ان الإستنباط القبلي الخالص يقدم نتائج هي معطيات تحققها فيما بعد الملاحظة البعدية -نقول: إن هذا الاتفاق الذي طالما سخر منه البعض ليس امراً منافياً لا يجري عليه الواقع، حق لو اتخذنا الطريق الآخر ، أي طريق التحليل ، للارتداد منه إلى التركيب.
والسبب في عدم إدراك الناس لهذه الحقيقة، أي إمكان الاستباط من المدأ للوصول إلى تقرير الحقيقة الواقعية ، هو جهلهم بحقيقة الفلفة . ذلك لأن الفلسفة ليست علماً يدخل في ميدان لادراك العام، ولا هي علم مثل الرياضيات يمكن كل إنسان أن يتيقن منها ، وإنما الفلسفة طريقة للنظر أخرى ، لو أدركنا الأشياء من خلالها لتبين لنا هذا الارتباط بين ما يفضي إليه الاستباط القبلي ابتداء من
(١) اي المتعلقة باكي ء في ذاتم علهوء0سهلم
مبدأ وما يشاهد في واقع التجربة . ومذهب العلم يريد به فشتم ان يؤلف العناصر الضرورية للتجربة دون ان مجسب حساا لمحتوى التجربة نفها . إنه يسعى إلى الكشف عن المدأ الذي هو الأساس في التجربة . فإذا ما كشف عن هذا المبدأ استطاع ابتداء منه ان يبين محتوى التجربة ، وأن يستنبطه كله بطريقة قبلية . ومنهج فشته يقتضي وجود مذهب كلي كامل مقفل في داخل العقل، ابتداء منه يستطيع أن يستنتج كل العناصر المكونة للعالم ، وبدون هذا المذهب القائم في العقل لن تصبح المعرفة الفلسفية الحقيقية كلية ، بل تضيع المعرفة في نسبية إلى غير نهاية ، ولن تبلغ اليقين أبداً . كذلك ستنتهي بدون هذا المذهب الواحد القائم - ستنتهي إلى مذاهب متعددة مغلق بعضها على بعض ، وتؤدي إلى معارف جزئية لن تكون تلك المعرفة الكلية التي فيها التفسير الكلي للكون ، أعني الفلسفة ، لأن الفلسفة هي التفسير الكلي للكون . وفكرة معقولية الأشياء لا تنفصل عن فكرة وحدة الأشياء . فرد الاختلاف والكثرة الى الوحدة المطلقةهو الذي يجعل الأشياء معقولة. ولا بد أن نبين إعتماد الأشياء وتوقفها بعضها على بعض حتى تكون معقولة فالمعقولية لا يمكن أن تنتج إلا نتيجة لتوقف الأشياء بعضها على بعض ، أي بوحدتها وترابطها وتسلسلها .
بداية مذهب فشته
موقف فشته من أ - رينهولد : ب - وأنسيداموس : ج-وميمون
لقد اهتم فثته بمعالجة موضوعات ثلاثة هي التي تكون سير مذهبه الفلسفي. أما الموضوعان الأولان فهما: الايمان الوضعي في الدين، والحق الوضعي في الدولة. والمرضوع الثالث هو المعرفة الوضعية أو التجريبية . وهذا الموضوع الثالث هو الأساس في الفلسفة النقدية ، ويقصد به تفسير وتأسيس العلم : أي كيف نفسر إمكان العلم وكيف نقيمه على اساس حقيقي ، لأن الفلسفة النقدية هي امتحان لقوى العقل، من أجل معرفة طاقة العقل على الادراك ومدى الصحة واليقين في تقديرات العقل. ولهذا كان الهدف الأساسي لمذهب كنت ومذهب خلفائه تأسيس المعرفة الكلية ابتداء من مبدأ واحد أحد .
والموقف الذي اتخذه فشته في هذا الموضرع لم يكن هو وحده صاحبه في ذلك العهد . بل ادت إليه كما رأينا من قبل
المواقف التي إتخذها خلفاء كنت أنفسهم . إن هذا الموقف يتخذ نقطة إبتدائه من كنت ويجد سلفاً له عند رينهولد . وقد انتهى رينهولد إلى الاتفاق مع فشته في المرحلة الثانية من مراحل تطوره . كا نجد في موقف ٠ أنسيداموس » موقف المتشكك المعارض لمذهب كنت وفي موقف سالمرن ميمون النصير المتشكك للفلسفة النقدية . فكان ثمة موقفان : موقف رينهولد من ناحية وهو الذي تأدى برينهولد إلى فلسفة في المبادىء أو العناصر عنط0800لن08٤800ع1ع ومن ناحية أخرى نجد موقف ميمون وأنسيداموس المتشكك في قيمة الفلسفة النقدية .
ولقد كان دور رينهولد أن يحدد الواجب على كل شارح لكنت أن يقوم به على نحو إيجابي ، بينما كان موقف أنسيداموس وميمون ان يبينا الموقف السلبي الذي يمكن أن يتخذ بازاء نقد كنت . ومن هنا كان من الممكن ان يتعلم الإنسان من السيداموس وميمون ما هو الاتجاه الذي ينبغي على الفلسفة النقدية أن تتخذه. ويهذا أمكن فشته أن يحدد موقفه سلبياً عن طريق أنسيداموب وميمون وايجابياً عن طريق رينهولد . وكان لا بد، تبعا لهذا ، من تفنيد موقف أنسيداموس من أجل إمكان الابتمرار في الفلفة النقدية . وبعد هذا يمكن وضع الفلسفة النقدية على أساس سليم . وهذا ما فعله فشته سلبياً بالهجوم على انسيداموس ، وايجابياً بوضع مذهب العلم :
العلم كمذهب: نظر كنت الى الفلسفة على اسلس ان واجبها هو الوصول إلى كل محكم الأجزاء لا يقبل اي ثغرات ، ولا أية زعزعة . ومن أجل بيان مهمة الفلفة كتب رسالة عنوا:ها : , حول فكرة مذهب العلم او الفلسفة» فإذا كان على الفلفة ان تصبح علماً يقينياً لا يقبل الجدل والمعارضة فينبغي عليها ان تحل كل ألوان التناقض والتعارض بين المذاهب الفلسفية. أما التعارض بين المذاهب , الدوجماطيقية» فقد حكته الفلسفة النقدية ؛ ولكن التعارض بين المذهب النقدي والمذهب , الدوجماطيقي » فإنه لم يحل حتى الآن فلا بد من البحث عن مذهب يستطيع أن يحل التعارض بين المذهب التوكيدي » الدوجماطيقي» وبين المذهب النقدي . ولم يقم أحد يهذه المهمة بعد - هكذا يقول فشته ؛ فالأعمال التي تمت حقى الآن عرضية موقوتة . وكنت العبقري، ورينهولد المنظم، وميمون الفائق» هم الأسلاف المهمون على هذا الطريق. فلنتساءل أولاً: كيف
فثته
يمكن ان تكون الفلسفة علماً ؟ إن العلم امر واحد؛ العلم كلي . ولا يمكن ان يكون العلم عمكناً بغيرهذا الترابط بين القضايا التي تؤلف كلا يقينياً ثابت اليقين . وإذا لم يكن احد هذه المبادىء او القضايا يقينياً ، فإن الكلي يصبح هو الآخر غيريقيفي وبالتالي لن يكون ثمة ارتباط محكم بين مبادىء العلم ؛ وبالتالي لن يكون ثمة علم . ففكرة العلم تقتضي إذن ان يكون لكل المبادىء ارتباط محكم ، ويكون لها جميعاً نفس اليقين ؛ لأنه لوحدث عدم اتفاق بين يقين أحد المبادى* ويقين مبدأ آخر، فإن ارتباط هذه المادىء لن يكون كلا ، أي لن يكون علماً.
إن طابع العلم هو اليقين الشامل المنتظم في كل أجزائه . وتبعاً لمذا يقتضي العلم الارتباط المحكم الواحد بين جميع المبادى، والقضايا . وما دام الأمر كذلك فيقين المبداً الواحد يتوقف عليه يقين سائر المبادىء : فإن كانت قضية يقينية فإن سائر القضايا تكون يقينية ، ولن تكون يقينية إلا بهذا الارتباط المحكم بين جميع الأجزاء . وهذا المبداً الذي يتوقف عليه يقين الباقي ينبغي إذن أن يكون واحداً ، لأنه لو كانت هذه المبادى* كثيرة فلن يبقى إذن طابع الارتباط الضروري اوطابع الكلية المحكمة قائما. ولولم يكن هذا المبدأ يقينياً لما اصبح شيء بعده يقينيا . وينبغي أن يكون هذا المبدأ الأول يقينياً قبل ارتباطه بالباقي ؛ لأن الباقى يستمد يقينه من هذا امبدا الأول . فإن لم يكن يقينياً تمام اليقين لسرت في باقي المبادىء شائعة عدم اليقين . وهذا المبدا الذي قلنا إن منه يستمد يقين سائر المبادىء والذي قلنا إنه يجب أن يكون يقيئاً يسمى بامبداً الاساسي Grundsatz . وبدون هذا المبدأ الأساسي لن يكون ثمة علم ؛ وبدون وحدة امبدأ الأساسي الثابت اليقين فلن يكون هناك يقين في سائر المبادىء وبالتالي لن يكون ثمة علم ؛ لهذا ينبغي الإجابة عن السؤالين الآتيين ابتغاء تأسيس العلم بوجه عام .
اولاً : كيف يقوم. يقين المبدا الأساسي ؟
ثانياً : كيف يتتقل يقين المبدا الأساسي الى سائر الدى؟
حقاً إن المبدا الأساسي الذي يتوقف عليه سائر المبادىء هو • المحتوى» الداخلي للعلم ، والتسلسل الضروري لسائر المبادىء هوالارتباط اوالمذهب أوالشكل الخاص بالمبادى، . وعلى هذا فنحن بإزاء فلسفة فشتم امام امرين رئيسيين :
الأول : المبدا الأساسي ، وهو الذي يتوقف عليه سائر المبادىء ، ومن يقينه يستمد يقين سائر المبادىء ، وبفضله نحكم سائر المادىء .
الثافي : مذهب العلم اي ارتباط المبادىء بعضها ببعض ارتباطا ضروريا محكها يقينيا يستمد ارتباطه وإحكامه ويقينه من يقين المبدا الأساسي . ويمكن التعبير إذن عن هذين السؤالين الأساسين بعبارة اخرى مثل : كيف يمكن قيام المحتوى والشكل للعلم؟ وحل هذا السؤالعلمهوالآخر، إنه العلم الذي يبين إمكان العلم ، وبعبارة اخرى ، إنه العلم بالعلم بوجه عام ؛ وفي كلمة واحدة : إنه مذهب العلم . وعلى هذا فإن مذهب العلم عند فشته هوالعلم الباحث في إمكان العلم بوجه عام ، وبدون مذهب العلم لن تقوم الفلسفة بوصفها علما واضحا بينا . ومهمة مذهب العلم تأسيس المعرفة وفقاً للمحتوى وللشكل ، اي تأسيس كل العلوم المحدودة التي يؤلف كل منها كلا متوقفاً على مبدا أساسي . فلا واحد من هذه العلوم الجزئية قادر على أن يبرر مبدأه الأساسي ولا شكله المذهبي ، بل كلاهما ينتسب الى الشروط السابقة والتي تحتها يقوم كل منها بحل مهمته ؛ أي ان لكل علم مذهباً ؛ ولكن هذا المذهب يتوقف على المبادىء السابقة . وهذه المبادىء السابقة تتوقف على مبدا واحد اساسي هو الذي تستمد منه مذاهب العلوم الجزئية يقينها وقيامها . ومذهب العلم وظيفته تحديد هذه المبادىء السابقة التي تقتضيها هذه العلوم الجزئية فمذهب العلم عليه أن يبرهن على الشروط الي تعتمد عليها سائر العلوم من حيث الشكل ومن حيث المحتوى دون ان تكون هذه العلوم الجزئية قادرة على البرهنة عليه ؛ وبعبارة أرسطية : إن العلوم تستمد مبادئها من علوم أسبق منها ، والبحث في مبادىء هذه العلوم الجزئية لا يتم في داخل هذه العلوم الجزئية، بل ينتسب إلى علوم اسبق منها . ولكن أرسطولا يتحدث عن مبادىء العلوم بل عن موضرعاتها، وعن كون هذه الموضوعات مبرهناً عليها في علوم اسبق منها . ولكن مذهب العلم علم هو الآخر؛ ولهذا يجتاج ايضاً إلى محتوى وإلى شكل ؛ وإلى أن يكون له مبدأ أساسي وارتباط تنظيمي منهجي . ولكن هذا المبدا الأساسي والشكل والمحتوى لمذهب العلم لا يستمد من الغيركما في سائر العلوم ؛ بل يجب أن يستمد من نفسه . وهذا هو الفارق بين مذهب العلم بوصفه علماً ، وبين سائر العلوم . فكيف يصل مذهب العلم
١٣٧
إلى مبدئه الأساسي والى منهجه ؟ وأين يقوم مبدؤه الأساسي ونظامه ؟؟
إن مذهب العلم -كما قلنا-لايمكنأن يبرهن على مبدئه الأساسي بالاستناد الى مبدأ آخر وإلا لم يكن مبدءاً اساسياً ، لأن المبدا الأساسي هو الذي لا يستمد قيمته من غلر٠ بل من تفسه ، وكذلك لا يستمد مذهب العلم من علم اعلى منه ، وإلا لم يكن مذهبا في العلم . والنتيجة المنطقية لهاتين القضيتين هي : أن المبدأ الأساسي في مذهب العلم لا يقبل البرهنة ضرورة، ولكنه مع ذلك يقيني كل اليقين، ولا يمكن أن يستمد يقينم من مبدأ آخر بل يستمد يقينه من نفسه ؛ ويقينم ليس يقيناً غير مباشر، أو بوسائل ؛ بل يقينه مباشر، و بغير وسيط ، فكيف يتيسر هذا ؟ إن كل مبدأ بتحد بواسطة محتواه [ الموضوع والمحمول ] وشكله أي الإرت ط أو الرابطة . فإذا كان المبدا يتعين أن يكون يقينيا بنفسه ، فلا يمكن أن يتحدد عحتواه أو شكله بواسطة مبداً آخر ، بل ينبغي ان يكون يقينيا بنفسه . وهو المبدا الأول المطلق وهو امبدا الأساسي لمذهب العلم . ولو وجب ان يوجد مبادىء اخرى اساسية غير هذا المبدأ الأساسي ، فإن هذه المبادىء لن تكون أساسية بمعفى مطلق بل بمعنى نسبي . وكونها اساسية بمعفى نسبى اي أنها جزثياً تتحدد بامبدأ الأساسي وجزئياً تستمد يقينها من نفسها .
وامادى«الأساسية النسبية هي تلك المبادىء التي يتحدد فيها إما المحتوى وإما الشكل عن طريق المبداً الأساسي، وهذه المبادىء الأساسية النسبية لو كانت مكنة لا يمكن أن تكون غير مبدأين . احدهما يتعلق بالشكل والآخر يتعلق بالمضمون - ولهذا فإن مذهب العلم لا يمكن ان يكون له غير مبادى« ثلاثة رثيسية :
( أ ) مبدأ اساسي مطلق .
( ب و ج) مبدان نسبيان أولان اساسيان .
والمبدأ الأول الأساسي المطلق لا يكن إلا أن يكون واحدا فحسب .
تعيين المبدا الأساسي ووحدته :
وعلى هذا المبدأ الأساسى الأول المطلق يتوقف سائر المبادىء ، ويتحدد تبعاً له امبدآن النسبيان التاليان له . وهذان كما قلنا يتحدد احدهما عن طريق المحتوى ، والآخر
عن طريق الشكل فحسب . أما سائر المبادىء بخلاف هذين المبدأين فتتحدد بالأول : إن من حيث الشكل ومن حيث المحتوى لهذا فإن توالى سائر المبادىء ونظام الكل يتوقف بأكمله على المبدأ الأساسي الأول المطلق وهذا النظام هو الشكل التنظيمي الذي يتحلى به مذهب العلم ، ويستمده لا من الخارج بل من نفسه . إن مذهب العلم يستمد من نفسه محتواه وشكله ، وهو بالتالي يتأسس بنفسه في نفسه ولا يتأس لدى أي علم آخر، بل سائر العلوم تتأسس في مذهب العلم . صحيح أن لكل منها مبدأها الخاص ، ولكن هذه المبادىء الخاصة هي مبادىء لمذهب العلم أي ألمها متضمنة في المبدأ الأساسي الأول ومؤسسة فيه . فهذا المبدأ الأساسي الأول ينبغي إذن ان يحمل محتوى كل العلوم في داخله ، وإذن فمحتواه هو المحتوى بمعنى الكلمة أو هو المحتوى المطلق للعلم بوجه عام .
واضح من هذا أنه ما دامت العلوم الأخرى تستمد مبادثها من مذهب العلم فهي متضمنة في مذهب العلم . وعلى هذا فإن مذهب العلم هو المحتوي حقا وفعلا ، بكل ما لهذه الكلمة من معفى . وإذا لم يوجد مبدأ له هذه الصفة فإنه لن يوجد مذهب في العلم، وبالتالي لن يوجد اساس ولا مذهب للعلم الإنسافي . وبالجملة فإنه بدون هذا المبدأ الأساسي لا تقوم للعلم اية قائمة، لأننا إذا افترضنا عدم إمكان وجود مثل هذا المبداً في العلم فنحن بين إحدى خصلتين :
(أ) إما أنه لا يوجد مبدأ مطلق أول واحد له يقين مباشر وعليه تتوقف سائر المبادىء - وبالتالي سيكون العلم سلسلة لا تنتهي ؛
( ب ) أو توجد مبادىء أساسية ، لا واحدة بل كثيرة لا ارتباط بينها ، أي توجد مبادى، أساسية منعزلة ، وفي هذه الحالة يتسلسل العلم في سلاسل عديدة لاغهايةلها، منفصلة عن بعضها كل الانفصال. وإذا كانت الللة غير متناهية ، فانها لا تكمل ابداً ، وتصبح بغيراساس ، وبالتالي تصبح غيريقينية ، لأن من الممكن في توالي السلسلة ان بوجد مبدأ يقضي على يقين كل المبادىء السابقة .
لقد تبين لأنصار كنت أن « نقده » يؤدي إلى كثيرمن سوء الفهم نظراً لأصالة فكرته وجدة اصطلاحاته ، على الرغم من حرص كنت البالغ على تحديد ألفاظه . فقد فهم
الميتافيزيقيون من عبارة كنت : « المكان والزمان شكلان» أن المكان والزمان امتثالان، ومن قوله:« الأشياء خارجنا لا نعرفها إلا كظواهر ان الأشياء في ذاتها هي ظواهر لأننا لا نملك ان نعرف غير الظواهر . كذلك فهموا من قول كنت إن 1 الحقائق الأساسية في الأخلاق والدين لا تقبل البرهان» فهموا من هذا ان هذه الحقائق ليس لها مبدا صحيح صحة كلية(١). والأفكار الجديدة الي أق بها كنت قد افضت هي الأخرى الى عدم إدراك صحيح لمدلولها ، لأن كنت لم يوضحها الايضاح الكافي الحاسم .
فتميزه بين الأحكام التركيبية القبلية والأحكام التركيبية البعدية ، وكذلك فرقم بين الأحكام التحليلية والأحكام التركيبية كل هذا لا يبرره كنت تبريراً يقنع غير الكنتيين. إنه يقول إن الربط بين الموضوع والمحمول في الحكم التركيبي لا يقوم على المعطيات، بل على شكول قبلية فيناهي التي تجعل التجربة ممكنة ، وان وجود هذه الثكول يبرهن ويفسر أن التجربة هي امتثال لإدراكات مرتبطة ارتباطا ضروريا . ولكن هذا القول لا يقنع غيرأولثك الذين تصوروا التجربة على هذا النحو، مع اننا نجد كثيراً من الفلاسفة يرون ان التجربة ليست إلا مجموع الإدراكات الحسية المتغيرة ولا تقدم لنا غير امتثالات لما هومتغيروما هونسبي . اما الكلية والضرورية اللتان يعزوهما كنت إلى موضوعات التجربة فلا يمكن الكثف عنهما إلا ببرهان تقوم به القوة المفكرة التي تتصور الأشياء كما هي في ذاتها . ومعى هذا ان التجريبيين التقليدين - لوك ومدرسته - لا يمكن أن يقتنعوا بدعوى كنت هذه عن التجربة . صحيح ان كنت يلجاً إلى الرياضيات يستمد من احكامها تأييداً لتعريفه للأحكام التركيبية القبلية، لكن هذا اللجو*أيضاًيمكنالاءتراخىءليهبانالرياضياتشهاليتمن الضرورية والكلية كما يزعم كنت وقد أثبت نقد الرياضيات في أواخر القرن الماضي والنصف الأول من هذا القرن انه ليس ثم ضرورية ولا كلية في الأحكام الرياضية. بل هناك تحصيل حاصل مستمر ، وأن القضايا الرياضية إن هي إلا فروض ميسرة وبديهياتها تعريفات مقنعة . و معلوم ان التعريف من وضع العقل . ولا يستمد في هذه الحالة صدقه من الأشياء نفسها . والخلاصة إذن أنه لا يمكن الاستدلال على ضرورة الحكم التركيبي من شكل الحساسية ولا من شكل الذهن لأن
F. Reinhold; Venuebeiner neuen Theorie. Vorrede, ١) .51-17 م. م)
توكيد هذين الشكلين يتوقف على توكيد هذه الضرورة من قبل أما الالتجاء إلى التمييز بين لعيان والتصور فلا يحل المألة في شيء . فمن يفكر في٣،٥ يفكر في الوقت نفسه في ٨ ولا حاجة به إلى عيان خاص .
كذلك نجد كنت ، في الحساسية المتعالية من ا نقد العقل المحض » يقرر أن المكان والزمان شكلان للعيانات الخالصة الحسية ، مسندا إلى قبلية هذه العيانات قبلية تستند بدورها إلى ضرورتها وكليتها . فهنا ايضاً دور. إن نقد العقل يقول إن ضرورة المكان ناشئة عن كون الادراك التجريبي لثي ء خارج عنا يفترض إمكان امتثال المكان. لكن طالما كانت فكرة الامتثال والشكل الخاص بالامتثال البيط غير محددين وطالما لم نبرهن على ان المكان يجب ان يكون شكن امتثال الحس الخارجي فيما يتصل بامتثال الموضوعات الخلرجة عنا ، فإن خصوم الفلسفة النقدية يقولون إنه لما كان امتثال المكان ضروريا لامتثال الأشياء الخارجية، فإن إمكان امتثال المكان في العقل يتحدد بهذه الأشياه نفسها الي تقع خارجاً عنا . وبعبارة اخرى . ضرورية المكان ناشئة عن الأشياء ، لا عن العقل.
ولا سبيل إلى حل هذه الصعوبات التي يحفل بها مذهب كنت إلا بالكشف عن مبدأ أساسي من شأنه ان يحدد بقية المذهب . ومذهب كنت النقدي يفترض اكتشاف هذا المبدأ لأنه مهد له بالنقد .
لهذا جاء رينهولد فكشف عن هذه النقائص في مذهب كنت وبين ضرورة إيجاد مبداً اساسي لا بد أن يكون ذا قيمة كلية ، وان يكون بينا بنفسه ، ولا يفسر إلا بنفسه ، اعني مداً واحداً أحداً ، يصلح لكل علم ، وعليه تقوم < فلسفة العناصر» Elementarphilosophie التي رأى فيهارينهولد الفلسفة المنشودة . هذا المبدا ضروري ، وضرورته مستمدة من نفسه ، ولذا يعبر عن واقعة Faktum يدركها الناس جميعا من مجرد التأمل . وهذا إنما يتحقق في الشعور. ومبدا فلسفة العناصر إذن هو الشعور Conscience, Bewusstsein . والشعور مرتبط ارتباطاً لا ينفصم بالامتثال . ولهذا يمكن صياغة هذا المبدأ الأول والأساسي هكذا : ٠ الامتثال هو في الشعور متميز من الممتثل والشيء الممتثل، وفي نفس الوقت على علاقة مئ». وهذه القضية يقول رينهولد إغها قضية صادقة صدقاً كلياً لا يمكن اي شاك أن يشكك فيها . ومن يشكك فيها يفقد الشعور ذلك أن الشعور بالذات لا يتم إلا
سه
١٣٩
بالامتثال الذي تميزمن الذات الممتثلة من ناحية ، ومن ناحية اخرى لا يشعر المرء بامتثاله إلا بواسطة ما يمتثله. ولا سبيل إلى إنكار الذات التي تمتثل ، والموضوع الممتثل . واشد الناس إيغالا في النزعة الذاتية مضطرون إلى التمييز في امتثالاتهم بين الأنا الذي يمتثل، وبين الشيء الذي يمتثله هذا الأنا، حتى لوكان هذا الشيء مجرد شيء متصور ، لأننا لا نقصد بالشيء الممتثل انه شيء يوجد خارج الذات ، بل كلما نقصده هو ان عملية الامتثال تقتضي ذاتا تمتثل وشيئا يمتثل ، سواء كان هذا الشيء خارج الذات او داخلها . والتمييز بين الذات والموضوع الممتثل يتم في داخل الشعور نفسه . ويمكن تعريف كليهما بقولنا إن الذات هي ما يمتثل؛ والموضوعهوما يمتثل؛ وكلاهما متميز من عملية الامتثال نفسها . وفلسفة العناصر ينبغي عليها ان تبدا من الامتثال بصرف النظر عن الذات واموضوع ؛ ومن الامتثال تستنبط ماهية ملكة المعرفة . إن الامتثال كما قلنا ينبغي ان يتضمن عنصرين : احدهما هومادة الامتثال ويناظرالموضوع؛ والثاني هوشكل الامتثال يناظر الذات أويتعلق بها . لكن ينبغي ألا نخلط بين المادة وبين الموضوع ، فالموضوع الذي يتعلق به الامتثال يظل هو هو بغير تغيير؛ بينما المادة تتغير . إن الموضوع خارجنا ، اما المادة ففي داخلنا . ولكن مادة الامتثال ليست الامتثال نفسه ؛ بل تصبح امتثالا بتطبيق الشكل عليها . فمثلا بالنبة إلى هذه القاعة : مادة الامتثال هي المعطيات الحسية اللونية والضوثية والسمعية واللمسية والشمية الخ التي ترد إلى حواسي من الأشياء الموجودة فيها ؛ ولكن هذه المعطيات خليط غامض غيرمرتب ، فيأقي الشكل ويرتبه في المكان والزمان ويربط بين اجزائه ربطاً علياً . وبهذا يتم الامتثال . ولهذا فإن لكل امتثال مادة وشكلا : وإن كانت هذه المادة لا يناظرها شيء حقيقي ، لأنها مجرد خليط من الإحساسات . وحتى الامتثالات نفسها ليست صوراً للأشياء ؛ لان الأشياء في ذاتها لا يمكن امتثالها، بل امتثالاقي هي مجرد صور لكيفية إدراكي للأشياء . لكن لماذا اتحدث إذن عن اشياء في ذاتها ؟ السبب في هذا ان الذات لا يمكن ان تقدم غيرشكل ، ولا تستطيع ان تقدم مادة ، بل لا بد من ان تكون المادة معطاة لها . من أين تعطى لها ؟ من الأشياء في ذاتها. وحتى في امتثال الذات لذاتها بم مادة معطاة ، فلولم تعط مادة لكانت للذات قدرة على الخلق، وإذا كان الشتكل معطى هوالآخرفإن الذات صاحبة الامتثال ستصبح لا شيء ، ولهذا ينبغي الاقرار بوجود عنصرين في الامتثال : احدهما معطى ؛ والثاني يحدثه
الل.
الشعور إذن هو الذي يقدم لنا الوسيلة لتحديد المبدا الأساسي.
ومن هنا دأ فشته فلسفته كلها فقد أثر فيه رينهولد تأثيراً بالغاً ، حتى إن مذهب العلم عند فشته نجد بذوره في « فلسفة العناصر » لرينهولد. لقد أخذ هشته عن رينهولد فكرة الاستنباط التركيبي ابتداء من مبدأ اول ، ووحدة الفلسفة كلها وحدة تامة ثابتة ، ونظرية الميول التى هى تؤلف نظرية العقل العملي والعلاقة بين الميل والامتثال منظوراً إليها على انها علاقة الواقع بالممكن . كذلك اخذ عنه نظرية العيان العقلي الي تسمح بأعلى مراتب الشعور بالذات ، والقول بفاعلية متأملة معاينة هي المصدر لكل الأشكال ابتداء من العيان حى الأفكار.
عرف فشته افكار رينهولد حوالي سنة ١٧٩١ أوسنة ١٧٩٢ ، وانعقدت أواصر الصلة بينهما في سنة ١٧٩٣ . وفي نوفمبر من هذه السنة الأخيرة كتب إلى رينهولد مبدياً إعجابه بأفكاره ، وفي السنة التالية كتب إليه مادحاً كتابه عن < اساس المعرفة الفلسفية » خصوصاً مبداه الأول، قائلا إنه كتب اشياء مشابهة تماما قبل ان يقرأ كتابه هذا ويستمر تأثيررينهولد في تزايد ، خصوصا في محاولة فشته وضع نظام فلسفي كامل استنباطا من مبدأ أول .
ما هذا المبدا الأول الذي اكتشفه فشته؟ إن المبدا الأول عنده هو الأنا المطلق ، او بلفظ آخر طالما استعمله فشته : Ichheit الذي هوالصفة المعنوية من «الأنا» ويمكن ان نستخدم له اللفظ : « الأنانة» الذي استعمله محي الدين ابنعري بمعفى مقارب ، إذ ورد في رسالته عن الاصطلاحات الصوفيه الواردة في الفتوحات المكية : « الاناتة : قولي أنا أنا». ولكن فشته يفهم هذا الاصطلاح بمعفى ديناميكي ، اي يفهمه بأنه فعل العقل . ذلك أن فشته قد استوحى فكرة مبدئه الأول من القانون الأخلاقي . لقد رأى ان الالتزام الأخلاقي هو القضية الأساسية التي يمكن بها إثبات الوجود، حتى ليجوز لنا أن نستعمل عبارة مشهورة بالصورة التالية للتعبير عن موقف فشته : اإن علي واجباً ، فانا إذن موجود». والحى أن نقطة انطلاق فشته ليست من نظرية المعرفة ، بل من نظرية الأخلاق .
الأنا يضع نفسه ، لكنه لا يضع نفسه فحسب، بل
٨^) ١٤٠
يضع اللا - أنا ، لأن الواجب ليس واجبا في الخلاء ، يل واجب نحو الغير، والالتزام الخلقي يفترض الغير، ولهذا فإن الأنا يضع الأنا ويضع في الوقت نفسه اللا - أنا بوصفه عالم التجربة الذي يتضمن ذوات اخرى وفي مجاله يقوم الأنا بواجباته . وفي هذا يختلف كل الاختلاف عن رينهولد لأن البحث عن مبدأ أول عند رينهولد ينشأ عن ضرورات إيجاد فلسفة متعالية ، أي عن اعتبارات متصلة بنظرية المعرفة . فالامتثال هو الذي يزودنا بالمبدا .
يقول فثته في مستهل « المدخل الأول إلى مذهب العلم »:
« تأمل في نفك ، واصرف نظرك عن كل ما يحيط بك إلى باطنك ، هذا هو المطلب الأول الذي تقتضيه الفلسفة من مريديها . الأمر لا يتعلق بشيء خارج عنك، بل يتعلق بك أنت وحدك .
< وأدفى نظرة في الذات تتكشف عن تمييز رائع بين ختلف التعينات المباشرة للشعور ، والتى يمكن أن نسميها ايضاً امتثالات : فبعضها يبدو لنا مستنداً كله إلى حريتنا، ولا نستطيع ان نعتقد أن ثمة شيئا خارجا عنا يناظرها . بل يبدو لنا خيالنا وإرادتنا حرين. وبعضها الآخر نعزوها إلى حقيقة مستقلة عنا ينبغي ان نقررها ، وكأن هذه الحقيقة نموذج لها ، ونعتقد أنا ملزمون بالإقرار بهذه الامتثالات ما دامت تتفق مع تلك الحقيقة . ولا نرى أنفسنا في المعرفة احراراً بالنبة إلى صات هذه الامتثالات. ونقول بايجاز : إن بعض امتثالاتنا يصحبها شعور بالحرية ، وبعضها الآخر يصحبها شعور بالضرورة .
«ولا عحل -عقلا- للتساؤل عن السبب في كون الامتثالات المتوقفة على الحريةهيعلىهذاالنحووليست على نحو آخر ، لأن مجرد القول إنها متوقفة على الحرية ينفي السؤال عن السبب ، إنها هكذا لأنني حددتها كذلك ، ولو حددتها على نحواخر لكانت على نحوآخر .
٠ لكن السؤ ل الجدير بان يسال هو : ما هو الأساس ( او السبب ) في نظام الامتثالات المصحوبة بالشعور بالضرورة ؟ وما هو السبب في هذا الشعور بالضرورة نفسه ؟ والجواب عن هذا السؤال هو مهمة الفلسفة ، وليست الفلسفة شيثا غير العلم الذي يحل هذه المشكلة. ونظام الامتثالات المصحوبة بالشعور بالضرورة يسمى أيضا :
التجربة : سواء الداخلية والخارجية. فعلى الفلسفة إذن-بتعبيرآخر - ان تقدم لنا الأساس لكل تجربة » .
السؤال الأساسي إذن في الفلسفة في نظر فشته هو : ما هو الأساس في كل تجربة ؟ إن الفلسفة لا تسلك غير سبيل التجريد ، اي انها ينبغي عليها - بحرية الفكر- أن تعزل ما هو متحد في التجربة ، اعفي ما إليه تنتسب معرفتنا ، والعقل ، أي ما يقوم بالمعرفة . والفيلسوف يرتفع فوق التجربة بأن يعزل أحد هذين العنصرين المرتبطين الواحد عن الآخر بواسطة التجريد ، وبهذا يقوم الفيلسوف بمهمته . فإن جرد العقل من التجربة جعل منه مبدهاً أول هو العقل في ذاتم ، وذا يقرر المثالية ، وإن جرد الشيء من التجربة جعل منه مبدأ اول هو الشيء في ذاته وبهذا ينتهي إلى النزعة التوكيدية . فالمثالية والتوكيدية هما المذهبان الممكنان ، ولا بد من التعارض بينهما لأن المبدأ الذي يبدأ منه كل منهما مضاد للآخر . وليس في وسع احدهما ان يقضي على الآخر ، لأن كلا منهما ينمو باحكام . والتوكيدية تقول إن كل ما يحدث في الشعور ناشىء عن شيء في ذاته ، حتى قراراتنا الحرة، بل وحتى قولنا إننا أحرار. وهى تنكر استقلال الأنا ، وتجعل الأنا من نتاج الأشياء وعرضاً من اعراض العالم. ولهذا تفضي النزعة التوكيدية إلى المادية والى الجبرية .
اما المثالية فتستطيع تفسير التجربة على نحو آخر، وذلك بأن ينظر العقل إلى الشيء في ذاته على أنه وهم وخيال. وتبعا لذلك يكون كل ما يستنبطه التوكيدي من الشيء في ذاته عديم القيمة.
وهنا تصبح المسالة على النحو التالي : هل ينبغي أن نضحي بحقيقة الأنا في سبيل حقيقة الشيء؟ او بالعكس نضحي بحقيقة الشيء في سبيل حقيقة الأنا؟ .
والسبيل إلى الفصل في هذه القضية لا يمكن أن يكون العقل نفسه، لأن القرار في ذلك لا يمكن أن يكون غير فعل إرادي يتحدد بالميل والمصلحة. والمصلحة العليا التي هي شرط لكل مصلحة اخرى هي فيما يتعلق بنا. وهذا بين عند الفيلسوف نفسه. فالمصلحة القي تقود كل فكر هي أن لا يفقد أناه في البرهان، بل يؤكده ويحافظ عليه. والناس صنفان: صنف لا يرتفعون إلى الشعور الكامل بحريتهم واستقلالهم، ولا يتعرفون أنفسهم إلا بقدر ما تعكسها الأشياء، ولا يرون
١٤١
في افعالهم غيرآثارللعالم الخارجي: وهؤلاء هم التوكيديون بالفطرة. والصنف الثافي مقتنعون باستقلال أناهم وكفايته، ولا يسعون لسنده بالعالم الخارجي، ففي باطنهم الغنية والكفاية: وهؤلاء هم المثاليون بالفطرة. الصنف الأول يؤمنون اولا بالأشياء ، وبعد ذلك يؤمنون بأنفسهم والصنف الثاني يؤمنون اولا بأنفسهم، وبعد ذلك يؤمنون بالأشياء. وما يختاره المرء من فلسفة يتوقف على ماهية الإنسان. لأن المذهب الفلسفي ليس أداة ميتة يمكن أن نأخذها او ان ندعها كيا نشاء ، بل هو أمر يتخذه الإنسان وتعتنقه نفسه.
ولنبرهنة على عدم كفاية موقف التوكيدي يقال له: إنك لا تستطيع ان تفسر الامتثال بواسطة الشيء في ذاته. إن من شأن العقل ان يدرك ذاته بذاته. فواء لديه اأحدث الأحوال أم عاناها ففي كلتا الحالتين يشعر بأنه يحدث أو يعافي، أي أن العقل يوجد لذاته، وفيه سلسلة مزدوجة مؤلفة من الوجود والإدراك، من الواقع والمثال. اما الشيء فلا يوجد لذاته، إذ ليس فيه غير سلسلة واحدة هي سلسلة الواقع، سلسلة ما هوموضوع. ومبدأ العلية الذي يهيب بم التوكيدي لا يفسر شيثاً. إنه يفسر كيف تنتقل القوة من حد الى حد آخر في سلسلة واقعية، ولكنه لا يستطيع ان يفسر الانتقال من الوجود إلى الأمتثال. إن الوجود يمكنه على احسن تقدير ان يفسر الوجود ولكنه لا يستطيع ان يفسر ما يقابله وهو العقل. ولهذا لم يق من سبيل للفلسفة غير المثالية.
والمثالية تفسر احوال الشعور عن طريق فعل العقل. والعقل فعال وليس منفعلا. لأنه أولي اصيل. إن العقل في جوهره الأصيل فعل Tun بل لا ينبغي ان نسميه ذاتاً فعالة! ein tätiges لأن هذا يجعلنا نفترض وجود شيء العقل خاصته - إن العقل فعل خالص.
والشعور بالذات فعل لا يقوم به احد غير الذات نفها، بل ينبغي على الذات أن تقوم بم هي نفسها، ولا تقوم بم مرة لكي يصبح فعلاً واحداً حدث مرة في الماضي، بل هوشعورمتجدد باستمرار، على الذات أن تقوم بم على الدوام. هذا الفعل هو الذي به يصبح الإنسان بوصفه إناناً كما هوبذاته: إنه تعبيرعن الذات الأصيلة المستقلة الحرة وهو الفعل الأصيل الأول، اليقيني إلى أقصى درجة، ومن يقينه تستمد سائر الأمور يقينها، ولهذا فإنه مبداً الفلسفة. ومن هنا تبدا الفلسفة حقاً، وكل نقطة ابتداء أخرى تقود إلى مصاعب لا تنتهي. وهكذا يتبين لفشته أن الفلسفة لا تبدا بقضية او
جملة، بل بفعل، هو فعل الشعور الذاقي الذي فيه تدرك الذات ذاتها إدراكا متواصلا لا ينقطع. ومن هنا كان شعار فلسفة فشته هو ذلك الذي اتخذه فاوست في رواية جيته: «في البدء كان الفعل».
ولا بد من التفرقة بين الأنا بوصفه فرداً، وبين الأنا بوصفه شعوراً بالذات. فأنا بوصفي فرداً تحدد من حيث ميلاده وتكوينه الجسمافي والعقلي إنما أنا كذلك نتيجة اسباب ليست هي إنا، لأها ليست فعاليتي الشعورية الخاصة، إها امور تتعلق باللا أنا والعالم الخارجي والظروف المحيطة. أما انا بوصفي شعوراً بالذات، فأنا من فعل نفسي وذاني. وهذا الفعل يغير احوالي، ويجعل مفي كائناً آخر غير الذي كنته، إنه يحيل اعتمادي إلى حرية وهذا التغيير ليس تغييرا في الظروف الخارجية، بل تغيير في أعمق عمائق جوهري، ورجوع إلى الأصل الأصيل في نفسي، إنه مولد جديد لذاقي.
والعقل من شأن الإرادة: العقل قرار وتصميم. وهذا العقل الذي تقوم به الذات هو تصميم من ذاقي، لا يمكن ان يبرهن عليه لي، بل لا بد من أن ينبثق من نفسي. ولهذا يطالب فشته: بالمطلب التالي: ,ضع ذاتك، وكن على وعي بها، وارغب في أن تكون مستقلا بذاتك، واجعل نفسك حرا، ه’ا لك يصبح كل ما هو أنت وكل ما تفكر فيه وكل ما تفعله، كلهذا يصبح في الحقيقة فعلك أنت،.
العقل هو مبدا الحرية وغايتها، وفكرة الحرية هي مبداً مذهب فشته وغايته. ولهذا كتب إلى رينهولد يقول: «إن مذهبي من بدايته إلى ء«نايتهبس1لآ تحيلا لفكرة الحرية، ولن يدخله اي عنصر آخر يمكن أن يتعارض مع الحرية،(١). والحرية عند فشته ليست حالة Zustand ، بل حياة حافلة وفعالية منتجة.
ومع الأنا ترتبط سلسلة من الأفعال التي تعد بمثابة شروط للشعور الذاقي وكل الأفعال التي يبسطها مذهب العلم عند فشته تنتسب إلى الشعور بالذات كما تنتسب الشروط المتعالية للمعرفة عند كنت إلى التجربة . وارتباط هذه بالشعور الذاتي ارتباط ضروري ، حى إنك لورفعتها لرفعت في الوقت نفسه الشعور الذاي . ولهذا يقرر فشته ان كل فعل يؤدي إلى الشعور بالذات هو فعل ضروري . وبعد أن كان كنت يتساءل: ماذا ينتسب إلى التجربة ؟ أتى فشته فتساءل : ماذا ينتسب إلى الشعور بالذات ؟تلكهي مسألة المسائل في مذهب العلم .
١٤٢
المبدأ الأول
المبدأ الأول والأساسي لا يمكن أن يبرهن عليه، إنه الأساس لكل تجربة ولكل شعور. ونحن نصل إليه بالتأمل في حقيقة الشعوروتجريده من كل ما لا يرتبط به ارتباطاً ضروريا.
والواقعة البسيطة من وقائع الشعور التي يجدها التأمل هي القضية: أ=أ وهي يقينية واضحة لكل شعور. ولكن ليس معنى هذه القضية أن أ موجودة، إغا نقول فقط : إذا وضعنا أ فقد وضعناها. ووضعها ليس ضرورياً. فإذا جردنا من ا ما ليسضرورياًفلاي بقى إلاصورةلوضع،أي الارتباط الضروري وهو: إذا وضعت أ فقد وضعنا ها. وهذا الارتباط الضروري لا يقوم في ا، لان وضعهاليسضرورياً،بليقوم فيما يتم يه الارتباط: إنه موضوع في «الانا، وإذا وضع شيء في الأنا، مثل أ، فإنالقضيةا= ا أو ان هذا الشيء (الموضوع في الأنا) مساو لنفسه وهذا لا يكون مكناً إلا إذا كان ما وضع فيه ا مساوياً لنفسه، اي فقط بشرط أن يكون أذا= أنا. ,القضايا التالية متاويات: أناء اناء أنا هوانا= أناموجود.
وإذا لم تصح القضية أح أ فلن يصبح أي حكم ممكنا. فالقضية أ= أ لا تصح إلا بشرط صحة لقضية: أناح أنا (أنا هو أنا). ومعنى هذا أن القضية «أنا موجود» هي الشرط الأساسي لكل حكم. وهكذا فإننا إذا تأملنا في حقيقة الشعور وجردناه من كل ما ليس ضرورياً له لبقيت لدينا كواقعة اساسية القضية : |أا موجود» ونحن ندرك هذه القضية اولا على انها تعبير عن واقعة، إذا ما نظر فيها بإمعان أكبر تبين انها فعل الوضع الذي يضع نفسه بنفسه، لأنه لا يمكن ان يكون من نتاج اي شيء آخر غير نفسه. فالفعل وناتج الفعل هنا شيء واحد ولهذا فإننا نقول عن القضية : «أا موجود» انها فعلفاعل.
«أ) إننا نحكم بواسطة القضية أ ءأ. وكل حكم، وفقا للشعور التجريبي، هو فعل من افعال العقل الإنسافي، لأنه يملك كل شروط الفعل فيالشعور الذاقي التجريبي، الواجب توافرها في التأمل.
«ب) وهدا الفعل اساسه شيء لا يقوم على اساس اعلى، هو س= أنا موجود.
اج) وتبعاً لذلك فإن الموضوع وضعاً بيطاً، القائم على نفسه- هو أساس لفعل ما (وسيتبين من مذهب العلم كله
أنه: لكل الأفعال) للعقل الانسافي، وتبعاً لذلك ايضاً فهو طابعه الخالص : الطابع الخالص للنشاط في ذاته: بصرف النظرعن الشروط التجريبية لخاصة به.
«وعلى هذا فإن وضع الأنا لنفسه هو نشاطه الفعال. -إن الأنا يضع نفسه، وهو موجود بفضل هذا الوضع الخالص لنفسه بنفسه، و بالعكس: الأنا موجود، ويضع وجوده، بعض وجودهالخالص- إن الأنا هو نفس الوقت الفاعل، ونتاج الفعل، هو الفعال، وما ينتج عن النشاط الفعال والفعل وناتج الفعل شيء واحد، ولهذا فإن: «أنا موجود» تعبيرعن فعالية، تعبيرعن الفعالية الوحيدة الممكنة كما سيتبين ذلك من مذهب العلم كله»(١).
إن الأنا لا يمكن أن يوضع إلا بنفسه: أي انه أصيل، يضع نفسه بنفسه، ولا يرجع إلا إلى نفسه. الأنا بالضرورة هوللأنا.
ومن هنا يمكن صياغة المبدا الأساسي في العبارة التالية
الأنا يضع أصلا وجوده هو فقط.
ذلك ان الشعور هو شعور بشيء. ما فثمة ذات تشعر، وموضوع يشعر به. ولا يمكن إدراك الشيء إلا بادراك ان ثمة ذاتا هي التفي تقوم بعملية الادراك. فكيف تضع الذات شيئاًإن لم تكن الذات موضوعة من قبل؟ «فتفسير الأساس في كل وقائع الشعور التجريبي هوأنه قبل كل وضع في الأنا يوضع الأنا نفسه»(٢).
ولما كان الأنا يضع نفسه بنفسه ومن اجل نفسه ففعله يرتد على نفسه.وعلىهذا فإن اتجاهم إلى المركز، لكن الاتجاه الى المركز لا يتم إلا إذا افترضنا ايضا اتجاها إلى الخارج. وهذا الفعل المتجه إلى الخارج هو القوة الباطة الخالصة المؤلفة لكل جسم مادي. ولكن الجسم لا يوضع إا بالنسبة إلى عقل خارجه، بينما الأنا ينبغي ان يضع نفسه من اجل نفسه كأنه موضوع بنفسه، أي أنه فعل متجه الى الداخل. فالعقل المتجه إلى الداخل (الأنا الذي يتأمل) والفعل المتجه إلى الخارج (الأنا الذى، يجري عليه التأمل) ختلفان، ولكنهما
ل. G. Fichte. Grundlage der gesamten Wissenschaftslehre. Felix (١) Meiner, 1956. s. 1516
(٢) الكتاب نقه، الطبعة المذكررة ٠ من ١٥
فشته
١٣
يقومان معا في جوهر الأنا.
إن المبدل الأول لا يقدر وحده على إيجاد تعينات الشعور الواقعي، إذ الشعور الواقعي لا يمكن استنباطه بالضرورة من الشعور الخالص، ولهذا فلا بد من القول بفعل آخر بخلاف وضع الأنا لنفسه، وهذا الفعل هو وضع الأنا لغيره.
ذلك أن الفعل لا يستطيع ان يفكر في ذاته دون ان تكون ثمة علاقة مع شيء معقول، فلا أنا بدون لا- أنا يكون موضوعا للتفكير. والسبب في هذا ان الامتثاليقتضي وجود الأنا واللا- أنا معا. ووظيفة اللا- أنا هي ان يمكننا من تشييد نظام التجربة.
وهذا المبدأ الثافي، وهو اللا-أنا، مطلقهو الآخر، ولا يمكن البرهنة عليه ولا استنباطه . ولهذا يبحث عنه بنفس المسلك الذي بحثنا بهعن لمبدأ الأول، اعني التأمل الباطن المباشر الذي يصنع الغضية أاتاوي أ (لا-ا)هيليست=ا. فإذا جردنا من عتوى ا ما ليس بضروري، فلا يبقى غير وضع المقابل أي صورة المقابلة. فهذه القضية ضرورية لا بسبب محتواها، بل بسبب صورتها: ولهذا فإن صورة المقابلة أصيلة مثل صورة الوضع، إغها تشير إلى فعل اصيل للأنا لا يمكن اشتقاقه من غيره. إن فعل المقابلة معناه وضع مقابل للثيء ولا بد ان يكون الشيء موجوداً او مفروضاً من قبل حتى يمكن وضع مقابله. والمبدأ الذي يعبر عن فعل المقابلة هو امبدأ الأساسي الثافي، ويمكن صياغته هكذا:
الأنا يضع الا- انا(١)
وقد ادى هذا اللا- أنا إلى كثيرمن سوء الغهم لفلسفة فشته. لأن هذه العبارة: ,الأنا يضع اللا- أنا» تحتمل عدة انواع من الغهم. إذ يتبادر لأول وهلة ان المقصود فيها بالأنا هو نحن، واللا- انا هو الأشياء الخارجة عنا أيالطبيعة او العالم. ومعفى هذا بصريح العبارة أن الأنا يخلق العالم! أي ان فشته يقول عن الأنا إنه خالق الأشياء. ومن هنا صرخ الناس: إن هذا تجديف وإلحاد. والحملة على فشته في أزمة الإلحاد المشهورة إنما انصبت على هذا امبدا الثاني مفهوماً على النحو الذي ذكرناه.
وفضلا عن ذلك قالوا: ما دام اللا- انا هو الأشياء
(١) -101 .2, s ى ,1 ,لماع .Grundlage der gesamten Wissenschaftslehre
(1956 .ل 25-26) 1846 1834 -0 .105
الخارجة عنه، أي الأشياء في ذاتها، اليس من التناقض إذن أن نعزو إلى الأنا شيئاً لا يضعه الأنا؟ أليس معنى هذا ان فشته يقول: الأنا يضع شيئاً لا يكن الأنا ان يضعه ابداً؟ وان لانا يتوقف عليه شيء هو بحسب حقيقته مستقل كل الاستقلال عن الأنا؟ اليس هذا خلفاً وإحالة؟! .
ولكن فشته- كما أوضح كونو(٢) فشر- لم يقصد هذا امعفى ابداً ولا يمكن ان يقصده. لان مذهب العلم قد قضى منذ البداية على فكرة الشى ء في ذاته بوصفه جوهراً متميزاً من لأنا. ولا يتحدث فثته ابداً عن الشيء في ذاته بهذا الوصف. إنكل ما يتميز من ١لأا هواللا-أا، كما أن كل ما يتميز من اهو لا أ- أ. ولكن لكي يمكن تمييز شيء من ا فلا بد أن يكون لدى فكرة عن ا. فليس ثم ا- ا بدون أ. وبالمثل: موقف لا- ا من اهو بعينه موقف الا- أنا من الأنا. فليس ثم لا- أنا بدون أنا. وعلى هذا فإنه إذا لم يوضع الأنا، فلا يمكن وضع اللا- أنا. وإذن فاللا- أنا مشروط بالأنا. ولكن الأنا يوضع بنفسه فقط. وعلى هذا فإن ما لا يكون مكنا إلا بشرط الأنا، لا يمكن ايضاً ان يوضع إلا بواسطة لأنا ولهذا فإن المبدأ القائل: بغير أنا لا يكون ثم لا- أنا» يساوي المبدأ القائل: الأنا يضع للا- أنا».
ويقول كونو فثر إنه لا يحق للمرء أن يفكر في أشياء وموضوعات وامتثالات فيما يتصل بهذا المبدا الثافي، بمعفى أن ثمة أشياء في ذاتها موجودة خارجنا. ولهذا فينبغي ان نأخذ الأشياء كما يمكن أن تفهم، وعلى هذا النحو فقط، أي على أساس انها ما يتميز من الأنا. «إننا نفهم من الاشياء : الطبيعة بوصفها موضوعا، والعالم بوصفه امتثالا، العالم الموضوعي. وهنا يتساءل المرء: بأية شروط تكون الأشياع بهذا المعفى، وهو الوحيد الذي ينبغي ان تفهم بم- تكون الأشياء مكنة؟ وبأي شروط توجد الطبيعة، بوصفها موضوعاً، والعالم الموضوعي، عالم الامتثال؟ إن لم توجد موضوعات، لم توجد طبيعة بوصفها موضوعا، ولا اي عالم موضوعي. تحت أي شرط تكون الموضوعات ممكنة؟ تحت شرط الذات، التي لها وحدها يمكن وجود الموضوع. إذ الموضوعهوما هو موضوع في مقابل الذات، اي ما يتميز منها. وهكذا نجد ان الموضوع هو اللا- انا بشرط الأنا.فبدون الأنا لا يوجد لا- انا وبدون الانا
KunoFischer: Fichte؛ Leben. Werke und Lehre 4. Aufl. 9. 322٢) -م)
324. Heidelberg, 1914
١٤٤
ليس ثم موضوع، ولا طبيعة بوصفها موضوعاً، ولا عالم موضوعي. إن الأنا يضع اللا- انا من أجل إمكان وجود الموضوعات، ومن أجل إمكان الأشياء بوصفها موضوعات، اي إمكان وجود عالم موضوع،(').
المبدأ انان
إن الأنا يضع نفسه ويضع مقابله وهو اللا- أنا. واللا-انا ليس شيئا فيذاته، وليس شيئا خارج الأنا، لأن حدود الأنا حدود مطلقة لا يمكن تجاوزها. فما يوضع يوضع بواسطة الأنا وفي داخل الأنا. ومن هنا امكن صياغة ذلك في المبدأ التالي :
إن الأنا يضع نفسه، ويضع مقابل نفسه، وكلا الوضعين في داخل الأنا، ومعفى هذا ان الأنا يضع نفسه كوحدة لمتقابلين هما الأنا واللا- أنا. وهذان المتقابلان متقابلان بالسلب والإيجاب، أي بالتناقض. ولهذا يمكن أن نقول ايضا: إن الأنا يضع نفسه كتناقض. ولكن التناقض يقتضي حلا له. ولهذا لا بد من حدوث فعل في الأنا به يجل هذا الاقض.
ويمكن مثيلهذا مراحل:
١- اللا- أنا ينفي الأنا. واللا- أنا موضوع في الأنا، ولهذا فإن الأنا ليس موضوعا في الأنا بالقدر الذي به اللا- أنا موضوعفيه.
٢- واللا- أنا لا يمكن ان يوضع إلا بالقدر الذي فيه يحتوي هذا الأنا على أنا موضوع يعارضه. وهكذا فلا بد أن يوضع الأنا في الأنا، بقدرما اللا- أنا موضوع فيه.
٣- وهذان النقيضان يستنبطان بالتحليل من المبدأ الثاني : فهذا المبدأ يناقض نفسه إذن ويقضي على نفسه بنغه .
٤-ولكنه لا يقضي على نفسه بنفسه إلا بالقدر الذي به المقابل يقضي على الموضوع أي من حيث أنه يحافظ على قيمته ولا ينتفي.
فالمبداً الثافي ينتفي ولا ينتفي.
٥- وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة إلى المبدأ الثاني، فهو كذلك ايضاً بالنسبة إلى امبدأ الأول. فإذا كان الانا هو اانا،
فينبغي وضع كل شيء في الأنا مما هو موضوع فيه. والمبدأ الثافي الموضوع في الأنا ينبغي في نفس الوقت أن يوضع وأن لا يوضع فيه. وتبعا لذلك لا يعود الأنا هو الأنا وتكون لدينا المتساويتان التاليتان:
الأناك اللا أنا اللا أنا =الأذا
إن الأنا واللا- أنا يرفع كلاهما الآخر، ولكنهما لا يرفع كلاهماالآخر فعلا، وإلا لامكن رفع لأنا نائياً، وهذا يناقض المبدأ الأول القائل ان الأنا يضع الأنا. ذلك لأنه إذ رفع الأنا لانتفى الشرط الذي به وحده يكون اللا- أناموجودا، وإذارفع الا- أنا لناقض ذلك المبدأ الثاني. فإذا تقرر أنه لا يمكن رفعهما كلية، لم يبق إلا إمكان رفعهما جزئياً، اي ان يحد كلاهما من الآخر، والحد رفع جزئي. ولهذا فإن الصورة الوحيدة للرفع بين الأنا واللا- أنا هي التحديد. ولكن التحديد يفترض إمكان التقسيم حتى يحد جزء دون جزء. فبهذه القابلية للتقسيم وحدها يمكن التوحيد بين الأنا واللا- أنا. وعلى هذا فإن الفعل الثالثهو التوحيد بين الأنا واللا-أنا. ولهذا يمكن صياغة المبدأ الثالث هكذا('):
,,لأتا يضع في الأنا أنا قابلاً للقسمة في مقابل الأنا القابل للقسمة»:
فالمبادىء الثلاثة لمذهب العلم هي:
١-,الأنا يضع الأل،.
٢- الأنا يضع اللا-أنا».
٣- ,الأنا يضع في الأنا لا- أنا قابلا للقسمة في مقابل الأنا القابل للقسمة».
بناء مذهب العلم
وبهذه المبادى، الثلاثة يمكن استنباط مذهب العلم كله، فما عداها من مبادىء إن هي إلا استنباطات منها.
فالمبداً الثالث يقتضي التوحيد بين الأنا واللا أنا بتجديد متبادل لكليهما للآخر وفي هذا التحديد المتبادل فعلان : ١-اللا- أنا يتحدد بالأنا؛ ٢- الأنا يتحدد باللا- أنا؛ أو بتعبير آخر: الأنا يىد اللا أنا، واللا- أنا يحد الأناء؛ وبتعبير أكثر
Grundlage عل gesamten Wissenschaftslehre , 5. 36 (= 1. 110). (١)
Hamburg, 1956
Kono Fischer: Fichtes Leben, 323 .ى. Heidelberg, 1914. (١)
فشته
تفصلا: ١- الأنايضع اللا- انا بوصفه محدوداً ال^نا؛ ٢- الانا يضع نفسه بوصفه محدوداً باللا- انا.
والقول بأن الانا يحدد اللا- أنا معناه، ان الأنا يفعل، أي أنه عملى، فالأنا إذن انا عملى: وبهذا يتاسس المذهب العملي للعلم. والأنا يتحدد باللا- انا، اي ان شيئاً يقوم في مقابل الأنا، والأنا ذو موضوع، أي أنه يمتثل أي أنه نظري؛ والأنا يضع نفسه بوصفه متحدداً باللا- انا، يضع نفه كأنا نظري: وبهذا يتأسس المذهب النظري للعلم.
وهكذا وكنتيجة للمبدأ الثالث ينقسم مذهب العلم إلى قسمين : عملي ونظري . لكن ليس معنى هذا أن المذهب ينقسم إلى نصفين متكافئين، بل هما يكونان كلا واحداً مترابطا مقفلا محكما.
ونظام مذهب العلم يؤلف دورة تعود فيها البداية إلى النهاية، والنهاية إلى البداية. وتطور الأنا النظري يسبق تطور الأنا العملي. ويقول فشته عن مبدأ. المذهب العملي للعلم إنه احتمالي، لأن حقيقة اللا- انا حقيقة احتمالية. ولهذا يظل مبدأ المذهب العملي للعلم غير مستفاد منه طالما لم يبرهن على حقيقة اللا-أل.
وعلى هذا فيمكن تلخيص الموف هكذا :
١- الأنا يضع اللا- انا بوصفم محدوداً بالأنا، وهذا مبداً العلم العملي، وفيه الأنا يدرك اللا- انا على أنه ناتج عليته.
٢ - الأنا يضع نفسه محدوداً باللا -أنا، وهذا مبداً العلم النظري، حيبث الأنا يدرك اللا- أنا على انه خارج عنه ويحدث فيه فعلا علياً
إن الأنا العملي هو الأساس الحقيقي للشعرر، والأنا النظري هو الأساس المثالي للشعرر. لكن لما كنا ا نستطيع الارتفاع الى الثعور بعمليتنا دون الأنا النظري، فينبغي ان تكون نقطة ابتداء الاستنباط هي الأنا النظري، وستكون نقطة الوصول هي الأنا العملي الذي هو الأساس الحقيقي لكل الاستنباط، بل هو الأساس الحقيقي للأناالنظري نفه(').
الفلسفة النظرية
-١-
استنباط المقولات
إن المبادىء الثلانة الأساسية هي الأفعال الضرورية الأساسية للعقل: الوضع، المقابلة، التوحيد بين المتقابلات ويسمى أيضاً التحديد. ويمكن التعبير عنها بالمعاني التالية: موضوع، نقيض موضوع، مركب موضوع. وبهذا يتبين ان المنهج هو إيجاد وحل كل النقائض القائمة في الأنا وفي افعاله الضرورية، والسير فيها هو التقدم من موضوع ونقيض موضوع إلى مركب موضوع باستمرار، ومن نقائض جديدة باستمرارإلى ارتباطات جديدة باستمرار.
والمبدأ الثالث هو أول مركب موضوع. وكل ما هو متضمن فيه ومستمد منه من قضايا هو نتائج مستنبطة منه هي بدورها تركيبية. وعلينا إذن ان نجد في المركب الأول نقائض جديدة تريد أن تتحد، وفي اتحادها نجد نقائض جديدة، وهكذا باستمرار، حتى تنحل كل النقائض أو نصل إلى نقائض لا يمكن بعد أن نوحد بينها. ولهذا فإن فشته يقول عن المبدأ الثالث إنه المركب الأساسي 5اهع0ل5ل»ل07
ومنهج مذهب العلم مستمد من ذاته، لأنه عبارة عن كثف وحل النقاثض القائمة في الأنا، وهذه النقائض وحلولها هي الأفعال الضرورية للعقل أوللأنا.
وهذه الدعوى كان لها اثر بالغ جداً في خلفاء كنت وخصوصاً هيجل وهربرت. لقد اهتدى هيجل بهدى هذا المنهج وجعله منهجه الفلسفي الذي أقام على أساسه كل بناء فلسفته، ذلك لأن هيجل رأى أن مهمة الميتافيزيقا هي كثف وحل كل النقائض الموجودة في التصورات الضرورية للمعرفة، أي المقولات. ورأى هربرت أن مهمة الميتافيزيقا هى كثف وتجنب النقائض الموجودة في تصورات التجربة، وبينهايحتلالأناموضعاًمهما(١.
ومن هذه المبادىء يمكن إذن استنباط المقولات. لقد كانت الأفعال الأصيلة هي : الوضع، نقيض الوضع، تركيب الوضع. والأول هوالأساس لكل الأحكام الوضعية أي امثبتة؛ والثاني هو الأساس لكل الأحكام الناقضة أي النافية؛
Kuno Fischer: Fichtes Leben, s. 329
(١) Grundlage... S 4, I, S. 123 — 127 (- 44— 48 Aufl. 1956) (١)
١٤٦
فشته
والثالث: هو الأساس لكل الأحكام المركبة.
ومن المبدأ الأول يستنبط مبدا الهوية (أ=أ)، ومن الاني يستنبط مبداً التباين، ومن الثالث مبدأ التوحيد الذي هو في وقت واحد ربط وفصل معاً ، وبالتالي يحتوي عل اساس الربط والفصل، ومن هنا فإن مبدأ التوحيد هوفي نفس الوقت مداً الأساس أو مبداً العلية. والمبدأ الأول يعطينا مقولة الواقع، واكافي مقولة السلب، والثالث مقولة التحدم
مبدأ العلم النظري
يقول فشته : ووان المبدا القائل بان الأنا يضع نفسه على انه عحدد باللا- أنا هو مدا مستنبط من امداً الأساسي اكثالث: فإن صدق ذلك صدق هذا؛ ولكن الأول صادق، طالما كان من اليقيفي عدم ارتفاع وحدة الشعور، وأن الأنا لا يتوقف عن ان يكون انا. ولهذا ينبغي ان يكون يقينياً على اساس ان وحدة الشعور لا يمكن ان ترفع.
«وعلينا اولا ان نقوم بتحليله، اي ان نشاهد هل فيه متقابلات، وما هي.
«إن الأنا يضع نفه على انه محدد باللا- انا. ولهذا فإن الأنا ينبغي الا يحدد، بل أن يجدد، واللا- أنا ينبغي ان يحلد، ان يضع لواقع الانا حدوداً ولهذا ينطوي المبدا الذي قررناه علىمايلي:
اللا- أنا يحدد (فعال) الأنا (منفعل إذن). الأنا يضع نفه على أنه محدد، بواسطة الفعالية المطلقة. ولا بد لكل فعالية، كما رأينا حى الآن على الأقل، ان تصدر عن الأنا. والأنا وضع نفسه، ووضع اللا- انا، ووضع كليها في الكمية. ولكن كون الأنا يضع نفسه على انه محدد: معناه ان الأنا يحدد نفه. ولهذا ينطوي المبداً الذي قررناه على ما يلى ايضاً:
الأنا يحدد نفسه، (بواسطة الفعالية المطلقة).
وبغض النظر موقتاً عن إمكان مناقضة كليهما لنفسه واحترائه على تناقض داخلي وبالتالي كونه يرفع نفسه بف من الواضح فوراً انكلا منما يناقض الآخر، وان لأنا لا بمكن ان يكرن فعالا إذا كان ينبغي ان يكرن منفعلا، والعكس. . .
والمبدان المندرجان في مبداً واحد يناقض كلاهما الأخر
وبالتالي يرفع كل منهما الآخر: والمدا الذي فيه يندرجان يرفع نفه بنفسه. والأمر كذلك بالنسبة إلى المبدأ الذي قررناه من قبل. ولهذا فإنه يرفع نفه بنفسه.
ولكنه ينبغي الا يرفع نفه بنفسه، إذ كان من الواجب الا ترفع وحدة الشعور: ولهذا ينبغي علينا ان نسعى لتوحيد المتقابلات المذكورة.
فكاخذفي حلال كلة.
إنه يؤكد في أحد المبدأين ما ينكر في المبداً الآخر. وإذن فالواقعوالسلبيرفعكلاهمالآخر. ولكن ينبغي الا يرفع كل منهما الأخر بل ان يتحدا، وهذا يتم بفضل التحديد.
فإذا ما قيل إن الأنا يحدد نفه، فإننا بهذا نعزو إلى الأنا كلية الواقع المطلقة. إن الأنا لا يمكن أن يتحدد الا على انه وافع ، لأنه وضع على انه واقع فحسب ، ولم يوضع فيه أي سلب . وعلى هذا فإن قوكنا إنه ينبغى أن يحدد نفسه ليس معناه : إنه يرفع واقعاً في نفم . وإلا لكان بذلك يضع نفسم في تناقض مباشرة . بل ينبغي ان يكون معناه : الأنا يحدد الواقع ويرتبه لنفسه إنه يضع كل الواقع على انه كم مطلق . وخارج هذا الواقع لا يوجد اي واقع آخر. وهذا الواقع موضوع في الأانا وتبعاً لذلك فإن اانا يتحدد بقدر ما يتحدد الع.
كذلك ينبغي ان نلاحظ ان هذا فعل مطلق للأنا ، وكذلك الفعل الذي يضع فيه الأنا نفه كما ، وينبغي من اجل الاستنتاج ان يوضع هنا واضحاً جلياً .
إن الأنا في مقابل اللا-أنا، وفيه سلب،كما أن في الانا واقعاً . فإن وضع في لانا كلية مطلقة للواقع ، فلا بد أن يوضع في اللا-انا كلية مطلقة للسلب.
وكلتاهما : الكلية المطلقة للواقع في الأنا، والكلية المطلقة للسلب في اللا- أا ينبغى توحيدعما عن طريق التحديد . وتبعاً لذلك فإن الأنا يحدد نفه جزئياً ، ويتحدد جزنياً- وبعبارة اخرى : إن المبدا ينبغي ان يؤخذ بمعفى مزدوج، وكلا المعنيين ينبغي أن يبقى الى جانب الاخرد').
الخلاصة أن مبدأ العلم النظري يقول :
الأنا يضع نفه عدداً باللا - أنا
(١) الكاب نفسه مى٤٨-٥٠[-١: ١٢٧ - ١٢٩ من الطعة الاسلية 1.
وفي هذا التركيب يندرج مبدان متنازعان ومرتبطان وهما:
١ - الأنا يتحدد باللا - أنا ، أي أنه منفعل .
٢ - الأنا يحدد نفسه ، أي أنه فاعل
اي ان الأنا فاعل ومنفعل معاً في وقت واحد : ومهمة العلم النظري حل هذا التناقض .
إن الفعل والانفعال تحديدان يعارض كل منهما الآخر. فأحدهما هو السبب السلبي للآخر . وكلاهما يرفع الآخر فلو رفع كلاهما رفعاً تاماً ، اصبح الأنا غير فاعل ولا منفعل ، أي لن يكون موجوداً ابدا . ولو ان احدهما رفع الآخر رفعاً تاماً ، فإن الأنا سيكون إما فاعلا فقط ، أو منفعلا فقط : وفي الحالة الأولى سيكون الأنا النظري غيرمكن. وفي الحالة الثانية سيكون الأنا بوجم عام غيرممكن ، فلا يبقى إلا ان يرفع كل منما الآخر رفعاً جزئيا فحسب . فالانا فاعل جزئياً ، ومنفعل جزئيا إنه فاعل جزئيا فقط . ولهذا فهو غير فاعل جزئيا فقط . وبمقدار ما يكون الأنا غير فاعل ، يكون اللا - أنا فاعلا . أي يكون الأنا منفعلا والأمر بالعكس. إن فاعلية الأنا تتحدد باللا - أنا ، والعكس . وبعبارة اخرى : الأنا واللا - أنا يحدد كلاهما الآخر على التبادل . وبفضل هذا التحديد المتبادل وحده يمكن أن يكون الأنا فاعلا ومنفعلا معاً . وبهذا فقط يمكن الربط بين هذه المتقابلات في الأنا، أي يمكن قيام الأنا النظري بوجه عام .
ويهذا يمكن استنباط مقولة التحديد المتبادل ( التأثير المتبادل ) من الثعور(').
ولكن هذه المقولة تتعارض مع المبدأ الأول الأساسي في مذهب العلم ، المبداً القائل بأن الأنا . يضع الأنا ومعفى هذا أن الأنا فعال فقط ، وهو كل الفعالية بينما مقولة التحديد المتبادل تقول إنه فعال جزئياً . إن امداً الأول ينفي عن الأنا كل سلب ، وبالتالي يجعل الأنا كل الواقع ، وبالتالي لا وجود حقيقياً للا - انا . فهل من الحق ان اللا - انا ليست له أية واقعية، أي ليست له أية فاعلية ؟ وإن كان كذلك فكيف يدد الأنا ؟
فاعلية اللا-أنا
قلنا إن الأنا هوكل الفاعلية، كل الواقعية. وإذاكان الأمر كذلك فلا محل لفاعلية اللا- أنا ولا لواقعيته، وإلا لم يكن الأنا هوكل الفاعلية، وكل الواقعية. وإذن فإن اللا-انا لا حقيقة له غيرتلك التي يضعهاالأنافيه ، واللا- أنا ا واقعية له إلا بقدر ما يتأثر الأنا - وبعبارة أخرى لا يمكن أن نعزوإلى اللا-أنامن الواقعية إلا بقدرما نرفع من الأنا. وواقعية او فاعلية لأنا ترفع ( جزثياً ) اي تتضاءل اوينفعل الأنا . وعلى هذا فإن اللا أنا له من الواقعية بمقدار ما ينفعل الأنا. وخارج انفعال الأنا فلا يكون للا- انا أية واقعية. فلنطلق على هذا الانفعال اسم « تأثر الأنا» Affektindes Ich . وبهذا ننتهي إلى القضية التالية : خارج شرط تأثر الأنا لا واقعية للا-أنا»(١).
وعلى هذا فإن انفعال الأنا هوفعل اللا - أنا، أي أن كل تأثر يخضع له الأنا سببه هو اللا - أنا . وهذا يفضي بنا إلى التركيب ج ويتضمن مقولة العلية .
وعلى هذا فالتركيبات ثلاثة :
التركيب أ : هو التوحيد بين الأنا واللا- أنا بوجه عام .
, ب : هو التحديد المتبادل .
٠ ج : هو العلية .
جوهرية الأنا
كيف يتأى للأنا إذن أن ينفعل ؟ هنا مشكلة يثيرها تركيب العلية وتقتضي حلا . إن ما يوضع في الأنا يوضع بواسطة الأنا، وبفضل فاعليته. فكذلك انفعالية الأنا لا يمكن اًن تتحدد إلا بواسطة فاعليته . فكيف يتم ذلك ؟ إن فاعلية الأنا مطلقة ، وليس خارجها شى ء ؛ ولهذا ينبغى أن ننظر إلى انفعال الأنا ض انه فاعلية مقللة اومرفوعة جزثياً ، أي درجة مخفضة من الفاعلية ، «كم من الفاعلية، 10
. quantum Tätigkeit
وبعبارة اخرى إن انفعال الأنا لا يمكن إلا بتقليل فاعليته أو الحد منها ، وهذا لا يمكن إل ا بواسطة فاعلية الأنا نفسه ، أي
(١) راجع كونوفثر، الكتاب المذكور، ص ٣٣١. وراجع فشته. ٠ اساس.. . ق٢ ٤ص ٥٠-٥٢طبعة ستة ٦•١٩ ( ١٢٩٥ - ١٣١ من الطبعة الاصلية ) .
(١) فنته : اساس... اج ص ٥٦٠٥٢ (١٣٥٠١١٠ س الجعة الامبل)
١٤٨
بواسطة تحديده لذاته ء101 0251101^15^9
وعلى هذا فلدينا في الأنا فاعلية وانفعال ، فاعلية مطلقة وفاعلية محدودة ، او-مادام الأنا = الفاعلية - انا مطلق وانا محدود. والأنا المحدود لا يكون عمكنا إلا كتحديد ذاقي للأنا المطلق. ولهذا فإن السؤال : لاذا ينفعل الأنا ؟ - يعود إلى السؤال : لماذا يحد الأنا من فاعليته ؟ لماذا يحدد الأنا نفسه ؟ ومن أين أتى تحديد الأنا لذاته ؟(').
مقولات الإضافة
تبين لنا ان الأفعال الضرورية للعقل هي على النحو التالي:
إن الوعي الذاقي يقوم بفعلين متقابلين : فالأنا يضع الأنا، والأنا يضع مقابل الأنا أي اللا-أنا، وهذا الوعي الذاقي يقتضي التوحيد بين هذين المتقابلين في الأنا ، وهذا التوحيد يقتضي الفعل المتبادل . والفعل المتبادل بين الأنا واللا - أنا يقتضي من اجل مزيد من التحديد اللا - انا وجوهرية الأنا . وبهذا نكون قد استنبطنا المقولات التالية :
١ - الأنا الواضع يعطي مقولة الواقع .
٢ - الأنا الواضع للمقابل يعطي مقولة السلب .
٣ - التوحيد بين المتقابلين يعطي مقولة التحديد أو ما يسمى باسم الإضافة .
والتحديد الأدق للإضافة هو الفعل المتبادل ، وأنواع الفعل المتبادل هي العلية والجوهرية . وعلى هذا فإن الفعلين الأولين للعقل أحدهما يضع والثاني يضع مقابلا والثالث والرابع يركبان ويربطان . ومن هنا يتلخص الموقف فيها يلي :
المركب الأول ا هو التوحيد بين الأنا واللا- أنا، والمركب الثافي ب هو الفعل المتبادل، والمركب الثالث ج هو عليه اللا - أذا ، امركب الرابع ء هو جوهرية الأنا .
فلنأخذ في بيان هذه المركبات بالتفصيل . ولنبدأ بتحديد النوعين الأولين من التأثير المتبادل .
لقد نشا عن هذا الموقف تقابل جديد وواجب جديد ، ذلك أن العذية تحدد فاعلية اللا - أنا، والجوهرية تحدد
(٦) اساس. ، ٤. ٠-٥٧-م ٦٠(ء م ١٣٦ - ١٣٩ من لملعة الأصلية).
راجع كروفئر الموضع نغه ص ٣٣٣.
الفاعلية الشاملة للأنا، وتبعاً لهذا فإن انفعال الأنا في حالة العلية هو فعل للا- انا ، وانفعال الأنا في حالة الجوهرية يتحدد فقط عن طريق فاعلية الأنا ، فاذا قلنا فقط بالجوهرية فعلينا أن نقول إن الأنا يتحدد فقط بالجوهرية ، وإن قلنا بالعلية فإن الأنا يتحدد عن طريق اللا-أنا.
على أنه من الواجب أن نقول بكلتيهما ، أي بالعلية والجوهرية ، والشعور الذاقي يقتضي التأثير المتبادل بين لأنا واللا-انا، وهذا هو الأنا النظري، وهذا الفعل المتبادل نفسه يقتضي عليه اللا - أنا ، اي يقتضي جوهرية الأنا التناقض القائم بين كليهما محتوي في الأنا نفسه . وهذا يقتضي منا مهمة حل هذا التناقض ، وهذا الحل يقتضي تركيباً جديداً هو التوحيد التركيبي بين العلية وبين الجوهرية . وهذه المسألة عقدة العقد في مذهب العلم عند فشته : فكلما تقدمت التركيبات ازدادت تأليفات العناصر البسيطة ، والمسألة هنا : كيف يمكن حل التناقض القائم بين جوهرية الأنا وعليه اللا-أنا؟ هذا التناقض قائم بين هذين النوعين من التأثير المتبادل وهو بالتالي يقوم في تصور فكرة التأثير المتبادل نفسه . فالتأثير المتبادل يقول :
بقدر ما هنالك من فاعلية في الأنا يكون ثمة انفعالية في اللا - أنا ، والعكس بالعكس .
إن الفعل والانفعال في الأنا واللا-أنا يحددكل منهما الآخر على التبادل بحيث أن كل فعل في جانب هو بنفس المقدار انفعال في الجانب الآخر ، أي أن كل فعل في جانب يناظره انفعال في الجانب الآخر . ومن هنا فإن هذا التأثير المتبادل يسمى باسم تبادل الفعل والانفعال . فالأنا من حيث دخول الافعال فيه يضع فاعلية في اللا- أنا ، والعكس بالعكس . فإن لم يصدق هذا المبدأ فإن الأنا المنفعل، أي لأنا النظري ، ومعه الأنا نفسه يرتفعان .
إن مبدأ التحديد المتبادل مبداً ضروري إذن ، وينبغي الا يكون محلا للنقد والاعتراض .
وإنما الذي ينبغي أن نسال عنه هو : كيف كان هذا المبدأ ضروريا ومقبولا ؟ .
إن الفاعلية في اللا - انا مشروطة بانفعال في الأنا ، والانفعال في الأنا مشروط بالفاعلية في اللا-أنا. ومعفى هذا أن الفاعلية في اللا - أنا تفترض نفها مقدما ، والافعالد في
١٤٩
الأنا مشروطة بالفاعلية في اللا-أنا. وهذه الأخيرة مشروطة بالانفعالية في الأنا.
وعلى هذا فإن الانفعالية في الأنا تفترض نفها مقدما ، وإذا كان علي ان أقوم بعمل ما تحت شرط ما وهو أن اكون قد فعلته من قبل، فمن الواضح أني لا أستطيع ان افعله إن الأنا ينبغي عليه ان يضع الانفعال في ذاته تحت شرط !ن يضع في نفس الوقت الفاعلية في اللا - انا ، وهذه الفاعلية نفسها مشروطة ، بواسطة الانفعال في الأنا ، فلا بد إذن من فعالية في اللا-أنا بشرط انفعال في الأنا، وهذا الانفعال في الأنا مشروط بالفاعلية في اللا-أنا.
وهكذا نرى ان الأنا لا يملك أن يضع انفعالا في نفسه ولافاءليةفياللا_اا.
وهكذا ايضاً نرى انه تبعا للتحديد المتبادل ينبغي ان يوجد كلاهما ، بينما تبعا للتحديد المتبادل نفسه ينبغي الا يوجد كلاهما.
الفاعية المتفلة
فلننظر الآن في هذا التناقض الذي ينبغى حله : إن الانفعال في الأنا ضروري، وهو لا يكون تمكتاً إلا بواسطة الفاعلية في اللا-أنا وليس تمكتاً بواسطة الفاعلية في اللا-أنا، لأن الفاعلية في اللا-أنا ا تكون ممكنة إلا بواسطة الافعاب في الأنا. وهذا هو التناقض الذي يتطلب الحل.
يتبين من هذا ان الانفعال في الأنا يوضع ولا يوضع بفعل فاعلية اللا-أنا. ولكن هذا التقابل في الأنا لا يكون ممكناً إلا بالتحديد ، اي بالرفع الجزئي ، لأن القاعدة تقول : إن ما يرفع الآخر على التبادل دون ان يرفعه نهائياً كاملا لا بد ان يرفع كل منما الآخر جزئياً . فهذا هو مبدا التحديد : فمبداً التحديد بعباة اوضح هو : إن كلا المتقابلين يرفع الآخر، ولما كان رفع الواحد للآخر لا يمكن أن يكون كليا فإذن ينبغي ان يكون هذا الرفع جزئياً . وهكذا نجد ان حل التناقض القائم امامنا الآن هو بأن نقول : إنه بفضل فاعلية اللا - انا فإن انفعال الأنا يوضع جزئيا ولا يوضع جزئيا . وكذلك الحال : فاعلية اللا- أنا توضع في الأنا جزئيا ولا توضع جزثيا. فإذا كات فاعلية اللا-أنا يناظرها انفعال في الأنا جزئيا فإنه ينتج عن هذ وجود فاعلية في اللا- أنا لا يناظرها انفعال في الأنا ، وبالعكس توجد في الأنا واللا - أنا
فعالية متقلة . ومثل هذه الفعالية المستقلة صرورية ، وإلا لماكان من الممكن حل التناقض الذي اكتشفناه في التحديد المتبادل .
ولكن هذا الحل نفسه ينطوي على تناقض جديد ، ذلك لأن التحديد المتبادل يقتضي الفعالية المستقلة ، كما انه يناقضها في نفس الوقت لأن مبدأ الأساس يقول : إن كل فعالية في الأنا وفي اللا- انا يقابلها انفعالية في الجانب المقابل؛ وإن الفعل والانفعال يحددكل منهما الآخر في الأنا واللا- انا على التبادل الغرورة . وهناك إذن ، كما أشرنا ، تبادل داثما بين الفعل والانفعال . وهذا التحديد المتبادل أي التبادل بين الفعل والانفعال ثم الفعالية المستقلة، كلاهما يناقض الآخر. وهذا التناقض بحاجة الى حل. والحل يتم ,دققا لمبداً التحديد . وعلى هذا فلدينا الآن مهمات ثلاث :
١ - تبادل الانفعال والفعل يحدد فاعلية مستقلة -
٢ - الفعالية المستقلة تحدد تبادل الفعل والانفعال .
٣-كلاهما يحدد الآخر على التبادل.
وهذه المهمة الثالثة تنقسم من جديد إلى ثلاث مهمات جديدة :
( أ) إن المضمون والشكل في الفعالية المستقلة يحدد كل منهما الآخر على التبادل، والفعالية المستقلة تؤلف وحدة تركيبية تجمع بين الشكل والمضمون .
( ب ) المضمون والشكل للتحديد المتبادل يحدد كل منهما الآخر على التبادل ، فالتحدي د المتبادل هو وحدة تركيبية مؤلفة من الشكل والمحتوى .
( ج ) الفاعلية المستقلة بوصفها وحدة تركيبية ، وفعل التبادل وانفعال التبادل بوصفها وحدة تركيبية يحدد كل منها الأخر ض التبادل.
والتحديد المتبادل يتضمن العلية والفاعلية للا- أنا ولجوهرية الأنا . وما بيناه فيا يتعلق بالتأثير المتبادل بوجه عام ينبغي ان نبينه على الخصوص فيما يتعلق بكلا النوعين ’عني. العلية والجوهرية، ومن هنافإنكل مهمة من المهمات الثلاث تنقسم مرة أخرى إلى اثنتين ؛ أو بطريقة أخرى ينبغي تطبيق الحل العام فيكل مرةعلى كلا نوعي التحديد المتبادل ، ونقصد بالنوعين كما قلنا العلية والجوهرية .
١٥٠
وخلاصة هذا كله أن المهمات التي ينبغي على مذهب العلم القيام بها فيما يتعلق بتحديد الفعل المتبادل والتحديد المتبادل هي عل،اشحو التالي :
( أ) الفاعلية المستقلة كأساس واقعي للتحديد المتبادل فيايتعلق:
(١) بفاعلية أو علية اللا - أنا ، ( ٢ ) فيما يتعلق بجوهرية الأنا .
( ب ) الفاعلية المستقلة بوصفها مبدأ التحديد المتبادل الواهب للشكل أو الصورة ، وذلك فييا يتعلق : (١) بفاعلية أوعمية اللا - أل؛( ٢) ي يتعلق بجوهرية الأنا.
(ج) وحدة الفاعلية المستقلة والتحديد المتبادل فيما يتعلق : (١) بفاعلية أو علية اللا - أنا ؛ (٢) فيما يتعلق بجوهرية الأنا.
وبهذا نكون قد اعطينا فكرة عن المهمة التي ينبغي على التركيب ه أن يقوم بها .
وهذا التركيب ه هو اصعب المهمات جميعاً وأصعب النقط في مذهب العلم . والموضوع الحقيقي في كل هذه المهمة بسيط ، فالمطلوب هو أن نستنبط من فكرة الفعل المتبادل والشروط الموجودة فيه، نستنبط طابع الفاعلية المستقلة التي بدوغها لا يمكن أن يقوم للتحديد المتبادل أية قائمة ، وبالتالي لا يمكن أن تقوم للأنا أية قائمة بدون هذا النشاط . ومن اجل أن نحدد بالدقة كيف يمكن أن تقوم هذه الفاعلية وما هي قدرتها فإن من الواجب علينا ان نمتحن كل الشروط التي تظهر عليها ، وأن نستبعد كل الظروف التي لا يمكن ان تقوم فيها.
وبدا نكون قد حددنا الشروط التي بها وحدها يقوم الأنا النظري لوضع ذاته بوصفم محدداً بواسطة اللا - انا وعلى هذا فقد بقي على مذهب العلم النطري أن ينمومن المبداً الذي انشأه حى يصل إلى الشرط الذي تحته يقوم هذا المبدأ اي أن ينمو من مبدئه إلى قدرته الأساسية . وعليه ان يبدأ من هذه القدرة الأساسية النظرية ، وأن ينميها ، وأن يقيم هذا النموإلى ان تتبدى لنا من جديد القدرة الأساسية النظرية لهذا العلم النظري . فإن حلت هذه المشكلة ، فإن مذهب العلم النظري يكون بذلك قد ختم دورته وحقق نفسه .
وابتغاء الوصول إلى هذه النتيجة نجد أن مهمة مذهب
العلم النظري تقوم في هذين السؤالين المتعلقين بالقدرة الأساسية النظرية وبالمبدأ النظري وهما :
١ - ما هي تلك الفعالية المستقلة التي بدوغها لا يقوم التحديد المتبادل أو الفعل الذي بفضله يوجد الأنا نظريا ؟ نقول : ما هي هذه الفعالية المستقلة التي بدوها لا يقوم هذا التحديد المتبادل ؟ هذا هو السؤال الأول . ويمكن إيضاحه بالتساؤل :كيف يمكن إيجاد القدرة الأساسية النظرية تحت الشروط الموضوعة ؟ .
٢- السؤال الثاني : كيف ينشأ عن نمو القدرة الأساسية النظرية المبدأ الأساسي النظري ؟ وهذا يؤدي بنا إلى البحث في الخيال المنتج بوصفه القدرة الأساسية النظرية .
وللبحث في هذه المسألة يبدأ فشته فيبحث في كيفية استنباط ملكة الخيال ويندرج ذلك في فصول:
١ - الفاعلية المستقلة كتصور باطن لكل الحقيقة المستقلة
لقد افضى بنا مذهب العلم إلى هذه الحقيقة ، وهي أن الفعل المتبادل الذي اقتضاه الشعور بالذات لا يمكن ان يقوم إلا تحت شرط وجود فعالية مستقلة . وهذه الفعالية المستقلة هي التي تؤلف القدرة الأساسية النظرية ، أي :
الشعور بالذات يقتضي التحديد المتبادل بين الأنا واللا-أا٠
التحديد المتبادل يشترط لإمكانه وجود فعالية مستقلة .
الفعالية المستقلة هي التي تؤلف القدرة الأساسية النظرية .
أما ما هي هذه الفاعلية فيمكن تبين ذلك من شكل ومضمون التحديد المتبادل .
إن مضمونه يتألف من التقابل بين الأنا واللا - أنا ؛ والتحديد المتبادل يقوم على اساس أن ثمة من الواقعية بقدرما يوضع في أحد العاملين ويرفع في العامل الآخر بالضرورة والعكس أي بعبارة اخرى التحديد المتبادل معناه ان يوجد من الحقيقة في أحد العنصرين ( الأنا واللا - أنا ) بقدر ما يرفع من الآخر ؛ ومجموع هذه الحقيقة الواقعية لا يزيد ولا ينقص إذن بواسطة التحديد المتبادل،بل يظلكما هو.
ومن هنا فإن المضمون في هذا المجموع مستقل عن
التحديد المتبادل ، والحقيقة الواقعية هي فعالية ، ومجموع المضمون الواقعي هي إذن فعالية مستقلة بوصفها الأساس الواقعي للتحديد المتبادل ، فإن لم توجد مثل هذه الفعالية المستقلة بوصفها كلية مطلقة ، فلا يمكن أن يقوم تحديد متبادل فيه يكون ثم من الواقعية في احد العنصرين بقدر ما يرفع من العنصر الآخر وبالعكس. وإذن فالفاعلية المستقلة هي التصور الباطن لكل الواقع، أوهي الكلية المطلقة للواقع.
٢ - أساس الفاعلية المستقلة
والأنا إذن هو التصور الباطن لكل فاعلية. فإن رفعنا من الأنا فاعليته او قللنا منها فإن الأنا لن يصبح بعدهذا التصور الباطن لكل فاعلية ولن يكون إذن كما يجب ان يكون من حيث جوهره ، بل يصبح بفضل هذه الانفعالية ، شيئا آخر من الناحية الكيفية . واساس ما هو كيفي اساس واقعي، وهذا الأساس الواقعي للكيفية المتغيرة الخاصة به لا يمكن أن يكون الأنا نفسه ، ولهذا ينبغى أن يكون هذا الأساس الواقعي شيثاً مختلفاً عن الانا نفسه، اي يجب ان يكون لا- انا. فإن كان اللا- أنا هو الأساس الواقعي للإنفعال في الأنا ، فيجب أن نعزو إلى اللا- انا فاعلية مستقلة سابقة على هذا الانفعال .
وهنا نجد أن اللا - أنا هو السبب الذي يىدث الانفعال في الأنا وعلى هذا فسيكون اللا-أناهوالأساس في الامثال، وهو الأساس لمطلق ، وهو الشعور الباطن لكل نشاط منتج ، وسيكون هو العلة الوحيدة الفعالة ؛ وتبعاً لذلك سيكون اللا- أنا هو الجوهر والأنا سيكون مجرد عرض .
فإن تحددت الفاعلية المستقلة ، على هذا النحو، أي على اساس أن اللا - أنا هو الأساس الواقعي المطلق ، فسنكون بازاء مذهب الواقعية الدوجماطيقية ، وهي التي يمثلها أكمل تمثيل مذهب إسبينوزا، لكن مثل هذا التصوير للفاعلية المستقلة معناه القضاء على الأنا واعتبار الأنا غير منتج ، ولكنا قد اثبتنا مراراً ان الأنا ضروري ، فالنتيجة الحتمية لهذا ان ما افترضناه من فاعلية مستقلة للأ - أنا وتسبق الأنا هو امر غير ممكن . وإنما الصحيح الذي يجب أن يتقرر هو ان الأنا هو التصور الباطن لكل فاعلية وفيه ترفع الفاعلية أو توضع الإنفعالية .
ولا يمكن وضع هذا الانفعال عن طريق فاعلية مستقلة للا - أنا . وإنما هذه الانفعالية توضع فقط بفضل فاعلية
الأنا، والنتيجة لهذا إذن ان انفعالية اللا- انا من وضع الأنا، وما انفعالية الأنا إلأ فاعلية مقللة اومحددة؛ والفاعلية المقللة أو المحددة هي ايضاً اللا- انا ، فكيف يمكن إذن الآن أن غميز بين الأنا المحدود وبين اللا- انا ؟ ،
إن من الواجب ان نميز بين كليهما ، لأن كلا منهما في مقابل الأخر . والجواب هوأن التمييز بين الأنا المحدد وبين اللا-انا يجب ان يتم على اساس ان لا نعزوإلى اللا- أنا ما ليس له ، اي أن لا نعزوإليه فاعلية مطلقة اومستقلة . وعلى هذا فيجب ان نعد الفاعلية المقللة للأنا في نفس الوقت فاعلية مطلقة ولكن ما هذه الفاعلية التي هي في نفس الوقت مطلقة ومحددة معاً؟ إنها مطلقة او مستقلة إذا كانت غيرمشروطة بشيء أي تلقائية : تلقائية خالصة . وهي مقللة حينما تكون متعلقة بموضوع فالأمريتعلق إذن بفاعلية تتعلق بموضوع بكل ما لها من تلقائية . وهذه الفاعلية هي قوة الخيال . وفكرة الخيال أو القوة المخيلة لم نبرهن عليها بعد . وإنما نحن افترضناها كغاية ينبغي أن نمتثلها منذ الآن حقى نفهم هذا الجانب الصعب من مذهب العلم .
الامتثال والتخيل-الذات والموضوع
إن الأنايضع مقابله، اي انه يضع مقابلاًلنفبه. وهذا المقابلهوالموضوعواللا-أنا ليس أساسا واقعياً حقيقياً ولا شيئاً في ذاته بل هو موضوع، والموبرعات لا توجد إلا بالنسبة إلى ذات، والذات لاتكونمكنة إلأفي تمايزهامن موضوع ولهذالا توجدذاتبغيرموضوع، ولاموضوعبغيرذات، والفعالية المتفلة او الوضع المباشر هو وضع للذات والموضوع معاً. وكلا هذين الطرفين مرتبط بالآخرلأنه موضوع في مقابله فالموضوع يوضع لرفع الذات والعكس. والأنا إماأن يضع مباشرة موضوعاً أو ذاته، إنه يضع ذاته موضوعا، وتبعاً لهذا ينبغي عليه ان يرفع ذاته، وبالتالي ينبغي عليه ان يرفع الذات، وبالتالي ايضاً ان يرد فاعليته أو انفعاليته.
وهذه الانفعالية تتعلق بالموضوع بوصفم اساساً حقيقياً، اي لا بد أن يكون ثمة امتثال من جانب الأنا لشيء هو اللا -انا مستقل عنه. إنه يضع الذات وينبغي من اجل هذا ان يرفع الموضوع وأن يحد من فاعلية الموضوع أو ان يضع الانفعال في الذات. وهذا الانفعال يتعلق بفاعلية الذات كأساس حقيقي اي لا بد من امتثال حقيقة الأنا مستقلة عن للا - أنا أي تصور الحرية.
١٥٢
وهكذا نجد أن الوضع المباشر هو امتثال او تصور أو تخيل، وعلينا أن نلاحظ ان اللا- أنا ليس هو الأساس الحقيقي للانفعال القائم في الأنا وإلا لكان شيئاً في ذاته بل لا بد أن يمتثل على أنه خيال، ولا ينظر إليه على أنه أساس حقيقي، فهذا الأساس ليس شيثاً في ذاته بل هو امتثال ضروري من جانب الأنا. وهذا الامتثال ينبثق عن الأنا بالضرورة، ولهذا ينبغي أن نحدد الفاعلية المستقلة او الوضع المباشر بأنه القدرة على إنتاج امتثال، أو نحدده بأنه : قوة الخيال المنتجة.
وبدون هذه القوة أو القدرة لا يوجد امتثال لحقيقة اللا - أنا وبالتالي لن يكون ثمة وضع مباشر للذات والموضوع ولا نشاط او فاعلية مستقلة تقوم على اساس الوضع المباشر، ولن يقوم ايضاً تحديد متبادل بين الأنا واللا-أنا، ذلك التحديد الذي يثترط شرطا له هذه الفاعلية المستقلة. ولن يكون ايضاً اتحاد بين الأنا، ذلك الاتحاد الذي لا يمكن ان يتم بدون التحديد المتبادل، ولن يكون ثمة تقابل بين الأنا واللا-أنا، ولن يكون ثمة أنا واضع، وأنا واضع للمقابل، ولن يكون ثم أنا أصيل. وبوجه عام لن يكون ثم أنا ولا ذكاء ولا عقل، ولهذا فإن ملكة الخيال المنتجة هي القوة النظرية الأساسية. وبدون هذه القوة العجيبة كما يقول فشته لا يمكن تفسير أي شيء في العقل ا لإنسافي. وجماع جهاز التفكير في العقل الإنساني إنما يقوم على هذه الملكة.
وخلاصة هذا كله ان ثمة ذاتاً تمتثل وموضوعاً يمتثل. ولكن هذا الموضوع الممتثل ليس هو الشيء في ذاته، وإغما هو من وضع الأنا. وانفعال الأنا باللا - أنا ليس ناتجا عن شيء في ذاته يؤثر ويفعل وبه الأنا ينفعل. بل الأنا هو الذي يفعل وينفعل معاً وهذا إنما يتم بفضل ملكة الخيال التي هي القدرة الأساسية التي للأنا على ان يتصور خلاف نفسه. ومن هنا كانت الأهمية الكبرى للخيال. وهو يريد من ورائها أن يبين أننالا نزال في نطاق المثالية، لأن الموضوعهو من إنتاج لأنا، وليس شيئاً موجوداً في الخارج يؤثر في الأنا كشيء قائم بذاته يؤثر في شيء آخر. فبملكة الخيال هذه يظل إنتاج الموضوع من شأن الذات ويبقى في داخل الذاتية المطلقة.
تطور العقل النظري
١ - الانفعال: إن فاعلية الأنا لا يمكنكما رأينا أن تكون إلا بواسطة الأنا. وما هو الأنا ينبغي ان يكون لذاته
كذلك، أي ينبغي الا يكون مجرد موجود بل وايضاً ان يعرف ما هو وهذان - وهما أمر واحد بالنسبة إلى ماهية الأنا - هما الشرطان والتفسيران للتطور النظري الضروري. والطبقة الدنيا في هذا التطور هي طبقة الإنفعال، لكن إنتاج الأنا لا يبدو للأنا على أنه إنتاجه، بل يبدو له أنه شيء موجود بدونه أو كأنه معطى من خارجه ولكن ما يعطي للأنا لا يمكن إلا ان يكون معطى في داخل الأنا. وما يعطى في الأنا بدون فعل الأنا لا يمكن إلا ان يكون مجرد رفع أو تحديد لفاعليته أي مقال لفاعليته أي مجرد حال وانفعال، حال منفعل. وإذن فالأنا يكون منفعلا، ولكن من تلقاء ذاته فإنه يجد امامه حالة يشعر فيها بأنه منفعل أي يحس بالانفعال. وعلى هذا فإن المرتبة الدنيا في التطور العقلي هي أن يجد الأنا في نفسه أنه في حالة كذا (أي منفعل).
وحينما نحلل واقعة الإحساس نستطيع بسهولة أن نعرف ما هي الشروط التي جها يتم الإحساس. إن الإحساس فينا عملية ذاتية. إنه انفعال، إنه انطباع نتلقاه، وهولهذا إنفعال. ولكن مجرد الانفعال، أزمجرد الانطباع ليس شيئاً يعد إحساساً، بل لا بد أن يضاف إلى ذلك ان نتمثل نحن هذا الانفعال ان نجعله من أنفسنا وبدون هذا الفعل لا يمكن الإحساس أن يكون ولهذا فإن كل إحساس هونتاج لعاملين متقابلين: للفعل والانفعال. إنه نتاج لهذا النزاع القائم في الأنا. والإنتاج لمشترك لهذين العاملين المتقابلين لا يكن أن يكون إلا شيئا: لا هوبمجرد نشاط، ولا هوبمجرد فاعلية، ولا بمجرد انفعال. وإنما هوفاعلية في حال الانفعال. إنه فاعلية كقدرة، اي فاعلية ساكنة اومادة وموضوع للقوة فإن وضعنا في الأنا النزاع بين الفعل والانفعال، فينبغي ان لا يرفع كلاهما الآخر، بل ينبغي أن يتحد كلاهمابالآخر، وهو ما لا يمكن أن يحدث حينما يجدد كل منها الآخرعلى التبادل. فإذا وضعنا الأنا في حالة هذا التحديد فإنه لا يكون ثم شيء آخر غير الإحساس.
والخلاصة ان الإحساس - وهو معتمد اهل المذهب الحسي في دعواهم التجريبية - نقول إن الإحساس لا يتم بمجرد التلقي والانطباع، بل لا د أن ينضاف إلى ذلك قيام الذات أو الأنا بفعل يحول به هذه الانطباعات إلى ذاته، وبعبارة اخرى - وإن لم تكن متفقة تماماً مع صياغة فشته -نقول إن الألوان والأضواء مثلاً ليست هي الإحساس، بل لا بد أن يقوم العقل بتحويلها بفاعليته هوإلى اشياء تصبح من
فعته
ذات الأنا، لكي تتحول من مجرد انطباعات وانتقاشات إلى إحساسات. وهكذا يتضح دور فاعلية العقل في الإحساس إلى جانب انفعاليته بالانطباعات. ولا يعترف فشته بأن هذه الانطباعات صادرة عن اشياء في ذاتها، بل هذه الانطباعات تكاد لا تكون شيئاً وإنما هي تصبح شيثاً بتبسيط الأنا لفاعليته عليها. فالآمرفي النهاية يرتد في الواقع إلى فاعلية الأنا. ولكن كيف يستنبط من ماهية الأنا ضرورة التحديد ؟
هذه المسالة لم يستطع نقد كنت ان يعطي جواباً عنها، وجاء فشته لأول مرة فحاول ان يحلها فقال : إن الأنا فاعلية خالصة غيرمحدودة بشيء، وما هوينبغي ان يكون لأجله، أي أنه وأنا» هوفاعلية، وفي نفى الوقت تأمل في فاعلية. فاذا استحالت الفاعلية إلى تأمل فإن هذا لا يستمرإلى غير نهاية، بل تأمل يحدثه انقطاع وتحديد للفاعلية. وترجع هذه على هذا النحوإلى الأنا نفسه. وهكذا نجد ان الأنا بفضل تأمله يصبح فاعلية عائدة على نفسها. إن الأنا بفضل هذه الفاعلية العائدة على نفها ترجع إلى نفسها وتجد نفها وتشعر بنفسها. ولوكان الأنا فاعلية غيرمحدودة وبدون تأمل، فلن يكون ثمة أنا. وإذن فبفضل التأمل الذي يعوق امتداد الفاعلية إلى غيرباية، ويرجع بالذات إلى ذاتها يقوم الأنا وينشأ لنفسه، وبهذا ينشأ بنفسه ويصبح نتاج نفسه، ولكن لا يعرف بعد انه هو الأساس في إنشائه كفسه هذا، إنه ليس بعد «أنا» مدركاً لنفسه، فما هو هذا الأنا الذي نشا على هذا النو؟
إن الأنا يحد من فاعليته من حيث أنه يتأمل فيها. فهذا التأمل إذن فاعليته هوذاته، لكنه بينما يتأمل في فاعليته فإنه لا يتأمل في نف الوقت في تأمله، فلا يتبدى هذا التأمل في الشعور، بل تكون فاعليته غيرشاعرة بذاتها. وما تنتجه هذه الفاعلية لا يبدو أنه شيء مستخرج من الأنا بل على أنه شيء معطى من الخارج. والناتج لهذا التأمل الأول هو التحديد، وهذا التحديد يبدو كأنه موضوع من خارج، ولا يبدو هنا على نحوآخر، وهكذا يمكن الأنا ان يبدوعلى انه منفعل، أي انه يتقبل وهكذا، فإن الأنابفضل تأمله الأول لايمكن ان يكون غيرمجرد إحساس في هذه الطبيعة أو المرحلة الأولى من مراحل تطوره، إن تحديد الأنا ناتج عن فاعلية لا يتأمل فيها الأنا، أي عن فاعليةغير مشعور بها، ولهذا السبب فإن هذا التحدبد ليس من البداية ناتجاً له، بل حالة وضع فيها يشعر بانفعاله فيها بأنه منفعل، وشعوره بالذات يتم مع هذا
التحديد وهذا الانفعال. إنه يشعر بأنه محدود. وهذا الشعور بأنه محدود هوفي الوقت نفسه شعور يعدم القدرة أوبالقسر. وإن كل إحساس ليصحب دائما بهذا الشعور بالقسر.
والخلاصة: أن المرتبة الأولى في تطور العقل هي مرتبة التأمل الذي فيه وبه يتوقف نشاط العقل عن الاستمرارإلى غير نهاية. ولكن هذا التأمل ليس تأملا شاعراً بذاته لأنه لا يتم عليه تأمل فهو مجرد تأمل بغير تأمل للتأمل، ولهذا نشعر في هذه الحالة وكأننا مكرهون على هذا الشعور؛ ولذا نجد ان الاحساس مصحوب داثماً بشعور القسر أي بالشعور بأننا مضطرون إلى تقبل هذه الانطباعات الواردة إلينا.
العيانخل
الأنا هو ما هو، وينبغي ان يكون لأجل ذاته، وينبغي عليه ان يضع ذاته باعتبار ما هومن حيث انه يتأمل في ذاته، ولقد راينا ان الأنا يشعر بأنه محدود، ولهذا ينبغى عليه أن يضع نفسه محدوداً، وبالتالي ان يتأمل في حدوده، وعن هذا الطريق ايضاً يتجاوز حدود نفسه، والتأمل في الفعالية اللا عحدودة هو بالضرورة تحديد لها، والتأمل في التحديد هو بالضرورة تجاوز عن التحديد، وعبر الحد لا يمكن أن يوضع شىءغيرما يحده. وعلىهذافإنه بينما الأنا يعلوعلىحدوده، فهو بالضرورة يضع حاداً. يقول فشته: إن الانا يتأمل بحرية ولكن لا يستطيع أن يتأمل وأن يضع حدوداً دون ان ينتج في نف الوقت شيئا بوصفه حادا. إن الأنا يضع بالضرورة الحاد بوصف أنه محدود به، ويستبعده أي يستبعد الحد من نفسه، ولكن ما يوضع في مقابل الأنا وما يستبعد منه لا يمكن أن يكون إلأ اللا-أنا. إن التأمل في الإحساس، اي التحديد، هوإذن فعالية نتاجها بالضرورة شيء يجدد الأنا ويضع شيئاً في مقابله اي لا-أنا، وبينما الأنا يتأمل في إحساسه فإنه لا يتأمل في هذا التأمل، بل هذا التأمل فاعلية لا يرى فيها الأنا نفسه إنه لا يرى نفسه يفعل، أي أنه يفعل دون وعي بذاته. ونتاج فاعليته لا يبدو له إذن على أنه نتاجه بل على أنه موضوع خارج عنه قانم هناك بغير فعله هو.
في هذا الموضوع لا يكون الانا شاعراً بفاعليته، وكما انه ليس على شعور بفاعليته هوفكأنه إذن قد ضاع بكل فاعليته في الموضوع وهذا الضياع والنسيان للفاعلية والضياع في الموضوع هوالعيان، وهوالعيان الأول الأصيل وهوعلى حد تعبيره» نظره أخرس، غيرشاعر بذاته. والأنا في تحديده
ف لا^ ،١٥
أي بوصفه محدوداً هو شعور أو إحساس، ولكنه بوصفه أنا فإنه ليس مجرد إحساس وإنماهوماهومن أجل ذاته، إنه يضع نفسه كحاس ويتميز من المحبوس، أي أنه يضع نفسه بوصفه محدودا بحاد موضوع في مقابلم ومستبعد عنه، والموضوع في مقابله هو اللا- أنا. وفي عيان اللا- أنا يثعر الأنا بأنه محدود، والمحدود والحاد والإحاس والعيان والشعوربالمحدودية وبعدم القدرة أوبالقسروعيان اللا- أنا، كلها مرتبطة فييا بينها في الأنا، فلا عيان بغيرشعور بالقسر، ولا شعور بالقسر بدون عيان، والشعور بالقسر ينشأ عن محدودية الأنا. وهذه المحدودية نفسها تنشاً عن التأمل الأصيل. اما العيان فينثأ حينما يتأمل الأنا في محدوديتم وبالتالي يرتفع فوق حدوده، أي ان ذلك يتم من خلال الفاعلية التلقائية للأنا، إن العيان والشعوربالقسريتعلق أحدهما بالآخر مثل تعلق التلقائية بالتأمل، والحرية بالمحدودية، والإنتاج بالتحديد، ولا بد من التوحيد بينهما، فكيف يتيسر هذا التوحيد ؟
إن الأنا في عيانه للا - أنا يكون مرتبطاً وحراً معاً . إنه كلاهما معاً بينما هويتأمل في العيان . في اي شيء يتأمل ؟ هذا شيء معطى للأنا وموجود بغيرفعله، ولهذا فإن الأنا يتحدد تحدداً كاملا بفاعلية اللا - انا وعلى الأقل يبدو المعاين للانا من وجهة نظره هذه على أنه نتاج للا- انا ولا بد ان يبدو له، أما أنه يتامل فيه فهذه فاعليته الخاصة الحرة، إنه لا يستطيع ان يتأمل الا في التمييزات الموضوعة في العيان، ولكنه يسلك خلالها بسريت ٠ثم| ويطبعها بطابعه. وبفضل هذا النشاط يضع العيان في ذاته ويصوره وفقاً لذلك، إن الانا في حالة التأمل في العيان هوفاعلية مصورة نتاجها الصورة، والصورة ترسم بحرية، ولكنها في نفس الوقت محدودة تحديداً كاملا، ولا بدأن تناظرموضوعات مستقلة كل الاستقلال، أي ينبغي ان توضع على انها صورة محاكية. وهكذا فإن الموضوع الذي هي محاكية له يوضع على أنه صورة نموذجية. فالصورة نتاج للفاعلية الخاصة بالأنا، ويبدوللأنا على أنه نتاجه.
فالصور نموذجية إذن مستقلة، إها ليست من نتاج فاعلية الأنا، بل هي موجودة بدون فعل الأنا أي انها توضع بوصفها شيئاً قائماً حقيقياً مستقلا عن الأنا، وهكذا يتبدى للأنا الفارق بين المثالية والواقعية.
الامثالات والأشياء-لذات والموضوع
إن الصورة نتاج فاعلية الأنا والشيء الفاعلي نتاج نشاط
اللا- أنا وهكذا يكون لدينا الأنا واللا - أنا، وكلاهما في فاعلية وكلاهما مستقل في نشاطه عن الأخر، لكن نتاج كليهما ينبغي أن يكون بمثابة نسبة الصورة المحاكية إلى النموذج المحاكي، أي ينبغي أن يتفقا، فنشاط الأنا واللا - أنا مستقل كل منهما عن الآخر، ومع ذلك فهما متفقان منسجمان، فكيف يتم هذا الاتفاق أو الانسجام ؟
لدينا هنا الأنا كما يتأمل نفسه من الناحية الدجماطيقية، إنه يتناول الموضوعات على أها أمور مستقلة عنه تمام الاستقلال، ويتناول تأملاته على أنها ناشئة بواسطة فاعلية تلقائية خاصة مستقلة عن الأشياء، ويضع معرفته في انسجام كليهما أي في التصورات أو الامتثالات المطابقة للأشياء، فلو كان الشيء الحقيقي مستقلا كل الاستقلال عن الأنا، أي شيثاً في ذاته، فإنه لا يمكن ان يكون نموذجاً له، لأن النموذج صورة امتثال أي شيء موجود في الأنا، وعلى هذا فإن الصورة وإن كانت من نتاج الأنا فهي تتبدى لهعلى أها شيء غريب مستقل عنه، أي على أنها موضوع قائم خارجي يضيع الأنا فيها، في عياغها وقد نسي او لم ينتبه لنشاطه هو.
إن الشيء الحقيقي لي شيئاً آخر غيرعياننا لأولي الأصيل المباشر، إنههوالأنا الضائع في العيان، فإذا كان الأنا يحاكي الشيء الحقيقي في ذاته فإنه يحاكي عيانه وينتج نتاجه، اي انه ينتج بوعي ما انتجم قبل ذلك بدون وعي، ويهذا يفسر تماماً ذلك التوافق بين الشيء والامتثال.
والخلاصة ان العيان هو الأساس في التوافق بين امتثالاتنا، وبين الأشياء.
وخلاصة ما يريد فشته قوله هنا هوأن يفسرأمراً لافتاً للنظر في نظرية المعرفة وهوهذا التوافق بين تصورات الأشياء وبين الأشياء . كيف يمكن إذن تفسيره ؟
يقول التجريبيون إن هذا التوافق ناشىء عن أن العقل بمثابة شمع أو لوحة بيضاء ينتقش فيها ما تطبعه الأشياء الخارجية في هذه الوحة او الشمع ولكنهم لم يستطيعوا تفسير هذه العملية لأن العقل لا يمكن ان يوصف أنه مرآة تنطبع فيها الأشياء. ولهذا كانلابدمن تفيرهذه العملية، أي التوافق بين الأشياء وبين تصورا تها، تفسيراً يتفق مع حقيقة العقل.
فجاء فشته وحل هذه المسألة على الصورة القي رأيناها وهي ان السبب في هذا التوافق هو أن العقل المحدث،
نثت
نح
للنموذج هو المحدث للصورة عن النموذج. فما دام الفاعل في كليها واحدا فقد ضمنا ان يكون نم اتفاق بين الصورة وغموذجها.
فموقف المثالية عند فشته هو الكفيل وحده إذن بتفسير الانطباق بين التصورات العقلية وبين ما هي تصورات لها.
إن الأنا فاعلية أصيلة غير محدودة وهي حينما تتامل في هذه الفاعلية فإها تكون محدودة بانقطاع الفاعلية، كما اها تشعر بأها محدودة، وبفضل هذا التأمل في حالة الاحاس يضع الأنا نفسه على أنه متثال أي تصور. وهكذا نجد ان نفس الموضوع قد وضع مرتين: (أ) قد وضع على أنه نموذج؛ (ب) قد وضع على انه صورة محاكية؛ على انه عيان وعلى انه صورة؛ على أنه شيء حقيقي وعلى أنه امتال، ولا يد ان يرتبط كلا الطرفين الواحد بالآخر.
وهكذا نجد أننا قد وصلنا إلى تقرير أن النموذج والصورة كليها من وضع الأنا، وضمنا يهذا اتفاقهما، وليس النموذج إذن كما يدعي التجريبيون.
وبعبارة غيردقيقة نستطيع ان نقول إن الشيء الخارجي هو من صنع الأنا، وتصوره من صنع الأنا، وبهذا إتفقا، وجهذا قررنا المشالية التامة.
الزمان-المكان
إن أساس العيان هو الأنا بوصفه قوة متخيلة، والمكان هو نتاج هذه القوة المتخيلة، فلما كان الأنا في عيانه يضيع؛ أو لا يتأمل في فعاليته المعاينة، فإن المكان لا يبدو له أنه نتاجه، بل يبدو أنه معطى له، إنه لا يستطيع ان يستنبط علامات المكان من نفسه، وإغا يعزو هذه الروابط إلى الأشياء نفسها، ولكن الانا يى مجرد كيان فحسب وإنما هو ايضاً تأمل في العيان. وفي هذا التأمل يكون الأنا حراً ويمكنه أن يتأمل في هذا الموضوع وفي العيان ايضاً. ويستوي إلى اين يتجم التأمل في تأمله، ويستوى أن يكون الموضوع أي موضوع كان، لأنه لا واحد منها بمرتبط بالضرورة بالمكان، ولهذا يستطيع الأنا ان يفصل عن أي مكان معين أي موضوع، اي يمكن إذن فصل لمكان عن كل الموضوعات أي يمكن تصور المكان الخاوي. والأنا لا يستطيع ان يميز بين الموضوعات والعيانات إلا في المكان، ولكنع يستطيع تصور المكان خالياً من الموضوعات. وما بميز في المكان هو امكنة يمكن فيها التمييز بين امكنة، وهكذا نجد ان المكان يمكن تقسيمه إلى غير نهاية. وبالجملة
فإن المكان يبدو أنه كرة مشتركة عتدة متصلة منقسمة إلى غير هاية فيها تسحبع الاشياء بعضها بعضاً.
أما عن الزمان فيقول فشته إنه سللة من النقط، يتوالى بعضها الواحدة بعد الأخرى توالياً ضرورياً.
فاتحاد الأنا واللا- أنا يتم في سللة من النقط، والعلاقة بين هذه النقط محدودة بدفة، فلو نظرنا في توالي نقط الزمان التي لا يتوقف احدها على غيره فإن هذه النقطة هي الحاضر، أما سللة الزمان التي لا يتوقف احدها على غيره فإن هذه النقطة هي الحاضر، أما سلسلة الزمان اتي يتوقف عليها الحاضر فنحن نسميها الماضي.
ولما كان الزمان ليس بشيء خارج الأنا، ولما كان الأنا نفسه لا يمضي ولا يففي، فإذن لا يوجد ماض حقا ابدا لأن وضع الماضي على أنه شيء حقيقي معناه وضع زمان مستقل عن الأنا، اي وضع شيء في ذاته. والسؤال هل لم يمض زمن ؟ هو بعينه السؤال: هل يوجد شيء في ذاته أو لا يوجد ؟
إن الماضي بالنسبة إلينا الزمان الذي مضى أي هو الزمان الذي نتصوره في الحاضر، أي انه هو الزمان الذي نضعم ماضيا، ولا مناص من أن نضع زمانا عل انه ماض لأننا لا نستطيع بغير ذلك ان نضع زانا على أنه حاضر، وإذن فالماضي ضروري لنا لأنه الشرط في الحاضر، والحاضر هر الشرط للوعي او الثعور، فبدون الماضي بى نم حاضر، وليس ثم وعي، والوعي لا يكون ممكناً إلأ بواسطة التأمل في فعاليتنا الحرة.
الأنا بوصفه فاعية مفكرة
١ - الذهن :Verstand إن الأنا عيان وتخيل، تخيل مبدع منتج، وبفضل الخيال امنتج يصبح العيان حقاً في الأنا، ويوضع من اجل لأنا، وبفضل العيان يتحقق الإحاس عند الأنا، وبفضل الإحاس يتحدد الأنا ويعود إلى نفسه أي يجد نفسه بوصفه الأنا، وبعبارة اخرى الأنا فعالية غير عمحدودة، ولهذا فإن الفعالية اللاعحدود تساوي الأنا، إن الأنا إحساس، كذلك ينبغي ان يكون الإحساس مارياً للأنا، والأنا عيان. لهذا ينبغى ان يكون العيان ماوياً للأنا، والأمر الأول هر مهمة لإحساس، واامر الثاني هو مهمة العيان، والأمر الثالث هو مهمة الخيال.
وكذلك ينبغي ان يكون الخيال مساوياً للانا، والخيال مثل العيان يمكن ان يستمر دون توقف عند انتاج محدد، فلو وضع مثل هذ الانتاج ينبغي تحديد الفاعلية أي العيان والخيال، أو أن يثبت مضمونها .
وهذا التحديد يتم عن طريق التأمل، وهذا التأمل يقتضيه الأنا نفسه، لأن الفاعلية التي لا تتأمل ذاتها ليست انا، فإذا كان ينبغي ان يكون الخيال = الأنا، فينبغي على الأنا ان يتامل في فاعليته المصورة، وان يحدد هذه الفاعلية هي او نتاجها، وهذا التحديد هوتثبيت، والأنا يجعل ان نتاج الخيال يثبت، اي يجعله يقف، وبالتالي قابلاً للوقوف والاحتفاظ به، وفعلي التثبيت وهذه القدرة على التوقيف هي الذهن.
ب-ملكة الحكم:
إن الأنا على شعور بهذه الامتثالات، وبأن هذه الامتثالات هي من نتاج فاعليته، وأنا موضوعات ناشئة عن تأمله الحر وما يفعله الأنا ينبغي عليه أن يتأمل فيه، وبوصفه تأملا في الخيال وفي نتاجه فإنه يسمى باسم الذهن . لكن ماذا نقول عن تأمله في الذهن وفي الموضوعات الموجودة في الهن؟
إن تأمله حر، وهولهذا يستطيع أن يتأمل في الموضوع المحددوان لا يتأمل، يستطيع أن يتأمل في (أ) كما يستطيع أن يتأمل في (لا-')، إنه يحلق بين الإدراك وعدم الإدراك وهو بهذا الوصف فاعلية غير محدودة، ولا يمكن أن يتحدد إلأ بفضله هو، وذلك بأن ترتبط حرية التامل أو عدم التأمل بموضوعات محدودة، وعدم التامل في موضوع محدد هو التجريد. وهكذا نجد ان الأنا فيما يتعلق بالامتثالات أو موضوعات العقل يقوم بالتأمل وبالتجريد فيربط علامات او يفصل بينها، والربط أو الفصل معناه الحكم. وعلى هذا فإن الذهن وملكة الحكم يحدد كلاهما الآخر على التبادل.
ج-العقل Vernunft:
إن الأنا بوصفه ملكة للحكم لديه الحرية ان يوجه تأمله إلى موضوع معين او لا يوجه. ويستطيع ان يتجرد عن موضوع معبن، ويستطيع أن يجرد من هذا الموضوع المعين، أي أن قدرته على التجريد قدرة مطلقة. إن الأنا، كما قلنا، ملكة للحكم. وما هوينبغي ان يكون لأجله، اي أنه يتأمل في قدرته على الحكم فإنه لا يتوجه إلى موضوع معين، بل يتجرد عن كل موضوع، ويكون شاعراً بقدرته المطلقة على
التجريد . ويتبين لم أنه حين يستطيع أن يفصل نفسه عن كل موضوع ويكون شاعراً بقدرته المطلقة على التجريد ويتبين لم انه حين يستطيع أن يفصل نفسه عن كل موضوع، وان يتبين انه لا موضوع ينتسب إليه وكأنه لا ينفصل عنه، اي انه بهذا يكون على شعور بماهيته الأصلية المحضة. والأنا في هذه الذاتية الخالصة غير المشروطة هو العقل. والشعور بالذات؛ وكلما قويت هذه المقدرة، كانت قدرتها على الإدراك أكبر، وكان تحرر الأنا من الموضوعات أكثر، وزاد بذلك امتلاء الشعور الذاتي بما هو خالص.
ويستطيع الإنسان أن يتبين نمو حرية الشعور بالذات ابتداء من الطفل الذي يغادر مهده لأول مرة، حتى الفيلسوف الشعبى الذي لا يزال يتمسك بالصور المادية للأشياء ويتساءل عن مكان انفس، حتى تصل تدريجياً إلى مذهب العلم الذي هو- في نظر فشته - أوج الفلسفة.
نشرات مؤلفاته
Texts
- Sammtliche Werke, editedby 1.11. Fichte. 8 ٧015. Ber-
lin, 1845-6.
- Nachgelassene Werke, edited ٧ 1.11. Fichte. 4 ٧015.
Bonn, 1834- 5.
- Werke, edited ٧ F, Medicus. 6 vols. Leipzig, 1908-
12. (1115 edition does not 01٤211 all Fichte’s works.)
- Fichtes Briefwechsel, edited 0٧ 11. Schulz. 2 ٧015.
Leipzig, 1925.
- 01 51 [1121 ZU J.G. Frichte’s Atheismus- Streit, edited 0٧ 11. Lindau. Munich, 1912.
- Fichte und Forberg. Die philosophischen Schriften zum Atheismus- streit, edited ٧ 1ت. Medicus. Leipzig, 1910.
- ^ خطأ استشهاد: وسم
<ref>
غير صحيح؛ لا نص تم توفيره للمراجع المسماةمولد تلقائيا1