فلسفة التاريخ

فلسفة التاريخ تعتبر أحد أقسام الفلسفة وتهتم بدراسة التاريخ من منظور فلسفي. وتعريفها العلمي : دراسة الأسس النظرية للممارسات والتطبيقات والتغيرات الاجتماعية التي حدثت على مدى التاريخ. وفلسفة التاريخ مثلها مثل باقي التخصصات الفلسفية الأخرى، مثل فلسفة العلم وفلسفة الدين. ومن الفلاسفة الذين اهتموا بهذا المجال الفيلسوف الألماني هيغل والفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو.

موضوع فلسفة التاريخ

فلسفة التاريخ تبحث في ثلاث مواضيع رئيسة هي :

ما معنى التاريخ ؟

أول سؤال تطرحه فلسفة التاريخ هو، هل هناك معنى لما حدث على مر الزمان ؟ أو ما يسمى بالتاريخ ؟ وقد تعددت تفسيرات الفلاسفة والأجوبة وتغيرت مع مضي الوقت.

أول من أجاب عن هذا السؤال، هو القديس المسيحي أوغسطينوس. حيث تصور الفيلسوف أوغسطينوس أن التاريخ الإنساني عبارة عن خطة من الرب باتجاه خلاص الإنسان. وقد بدأت هذه الخطة يوم خلق الرب العالم، ثم بعدها وقع أول البشر آدم في الخطيئة، ثم يأتي يوم القيامة أو يوم الحساب. وسادت هذه النظرية وانتشرت في العصور الوسطى عند المفكرين.

في القرن التالي، القرن السادس عشر الذي يسمى عصر النهضة، وحتى القرن الثامن عشر الذي يطلق عليه عصر التنوير، ثار الفلاسفة الأوربيون على الفكرة اللاهوتية. لقد رأى فلاسفة ذلك العصر ان موضوع التاريخ هو الإنسان. خلافا للنظرية السابقة التي ترى أن الرب هو الذي يدبر مجرى أحداث التاريخ. وأبرز رواد هذه المدرسة الفيلسوف الفرنسي فولتير.

هل هناك قوانين تحكم أحداث التاريخ ؟

تفسير أحداث التاريخ يطرح سؤال: هل التاريخ مثل علوم الطبيعة ؟ حيث يكون هناك قانون عام يمكن به تفسير الأحداث التاريخية ؟ أجاب بنعم فلاسفة مثل ديفيد هيوم وأنصار الفلسفة الوضعية. بعد ذلك ظهرت المدرسة الأخرى التي تقول أن التاريخ لا يعنى باكتشاف النظريات وأن مهمة المؤرخ هي تحديد ما حدث في الماضي ولماذا حدث. وأن العلم كلي وثابت والتاريخ جزئيات متغيرة.

هل للتاريخ اتجاه معين ؟

أجاب عن هذا السؤال وناقشه الفلاسفة الألمان في القرن الثامن والتاسع عشر، أو ما يطلق عليه مثالية ألمانية. حيث يرى الفيلسوف هيجل أن التاريخ عبارة عن تطور العقل البشري واتجاهه نحو الحرية.

وفي القرن العشرين ظهر اتجاه اخر، يصرف النظر عن البحث في اتجاه التاريخ. وركز على البحث في «تركيب التاريخ». ظهر هذا الاتجاه مع اكتشافات متجددة في تاريخ الحضارات غير الأوربية. وأبرز رواد هذا الاتجاه المؤرخ الألماني أوسفالد شبينغلر والمؤرخ البريطاني أرنولد توينبي.

فلسفة التاريخ

موضوع فلسفة التاريخ هو البحث في المسائل الرئيسية الة:

١ - ما معفى التاريخ ؟

٢-هل لأحداث التاريخ علية؟ وهل تحكمها قوانين ؟

٣ - هل للتاريخ اتجاه ؟ وما هو هذا الاتجاه ؟

١ - وفيما يتصل بالمسألة الأولى علينا أن نفرق بين التاريخ Geschichte أي توالي أحداث العالم عى مر الزمان، وبين علم التاريخ Historie الذي يصف تلك الأحداث ويرتبها على نحومعين.

أما الصفة : تاريخي historique, geschichtlich فتدل في اللغة العادية والعلمية على معان متباينة، إذ تدل على ما هو: نسبي أو مشروط، كما تدلعلى ما هو عيني!ع٢^000وعلى ما هو شرعي أو مشروع légitime (ني العبارة: حقرق تاريخية، مثلاً)، وعلى ما هو موضوعي objectif؛ وغيرذلك. وتطلق هذه الصفة على: النظريات، التجارب، الأعمال، الأحداث، المواقف، إلخ.

ويفترض التاريخ استمراراً واتصالاً في التطور، بحيث يكون الماضي داخلا في تكوين الحاضر والمستقبل؛ وينقم التاريخ إلى تاريخ عام للعالم، او تاريخ خاص ببلد أو أمة أو منطفة او فترة من فترات الزمان. لكنأياً كان الامر، فالتاريخ ينظر إليه أساساً على أنه يؤلف وحدة.

ومن هنا قام السؤال: هل لهذه الوحدة معفى ؟

وهنا نلتقي اولاً بمعئ التاريخ عند المفكرين المسيحيين، وأولهم القديس اوغسطين الذي تصور التاريخ الإنسافي كله على أنه فترة من الزمان تتحقق فيها خطة اشه في خلاص الإنسان منذ ان وقع آدم في الخطيثة: وأهم قسمات

١٥٨

فلفة التاريخ

هذه الخطة هي: خلق العالم، خطيئة ادام، فناء الدنيا، القيامة ويوم الحساب , وهذه القسمات تعطي للتاريخ معفى إلهباً عالياً. فصار تاريخ الإنسان في نظر اللاهوت امسيحي هو تاريخ الخلاص. وقد سادت هذه النظرة مفكري العصور الوسطى، وقال بها ايضاً بوسويه في القرن الساع عشر في كتابه «مقال في التاريخ الكوني» (سنة ١٦٨١).

لكن جاء عصر النهضة الأوربية (القرن السادس عشر) وعصر التنوير (القرن الثامن عثر) فثار على هذه النظرة اللاهوتية، فقال رجال هذين العصرين إن موضوع التاريخ ليس الله العالي على الكون والذي يدبر بعناية مجرى احداث العالم، بل موضوع التاريخ هو الانسان نفسه : المجتمع بنظمه وقوانينه كما صنعها الإنسان ٠ لقد أدركوا ان سلوك الانسان على مدى الزمان يكثف عن ثوابت معينة، شارك في ايجادها الإنسان من ناحية، والطبيعة من ناحية اخرى. فنجد مكيافلي يستنبط من التاريخ الروماني كما كتبه ليفيوس ثوابت معينة تتجلى في الموقف التاريخي آنذاك. وقد شبه هذه الثوابت بقوانين الطبيعة؛ فكما ان قوانين الطبيعة تتكرر اثارها بانتظام، فكذلك تتكرر المواقف التاريخية وآثارها بانتظام.

وجاء فولتير في كتابم «بحث في اخلاق الأمم وروحها، (سنة ١٧٥٦) فثارعلى النظرة اللاهوتية، خصوصاً كما تمثلت في كتاب بوسويه: امقال في التاريخ الكوني» (سنة ١٦٨١). فقال فولتير إن مهمة المؤرخ ان يفكر في تاريخ الإنسانية بوصفه كلا يؤلف وحدة، وان يتساءل عن معفى التاريخ لكن اللجوء إلى الوحي لا يؤدي إلى نظرة في شمول التاريخ، لأنه يقتصر على اتباع دين واحد، كما لا يكشف عن معى التاريخ، لأن التاريخ يتقوم من أفعال الناس ومساعيهم، ومن تقدم الحضارة. لقد اقتصر بوسويه وأمثاله على تاريخ الأمم المسيحية، أما فولتيرفقد شمل في نظرته إلى التاريخ: الصين التي اعتبرها قمة في الأخلاق الإنسانية والحضارة العقلية، وإبران والهند والعرب، وميز تمييزاً حاداً بين هذه الثعوب وبين الشعب اليهودي ومسيحية العصور الوسطى. ورأى في الأديان القطعية عراقيل في سبيل حرية العقل الانساني، كما رأى في التعصب المتولد عن هذه الأديان قوة مضادة للتقدم.

وفكرة التقدم صارت هي الفكرة السائدة في تصور التاريخ العام للانسانية لدى اصحاب نزعة التنوير: إذ رأوا ان التقدم هر القانون الباطن والمعنى الجوهري لتاريخ العالم،

لأن الإنسان كائن عاقل، والعقل يدعوه إلى تحسين احواله وتمكينه من الحياة السعيدة، ويتجلى هذا التقدم في تطور العلوم والفنون، وفي تهذيب الأخلاق، وفي إصلاح القوانين، وفي انتشار التجارة والصناعة . لكن ليس معنى هذا ان مسار التاريخ العالمي خط مستقيم متصل من التقدم، بل وجدت عصورمظلمة انتشرت فيها الخرافات، وعم القهروالاستبداد والفساد، وصارت فيها الأخلاق اكثر وحشية وضراوة. لكن هذه فترات عابرة؛ اما بالنظرة الكلية إلى تاريخ الإنسانية، في مجموعه، فإنه يشاهد تقدم مستمر: من الوحشية إلى الحضارة، ومن الإظلام إلى التنوير؛ وفي «العصور السعيدة» للتاريخ تلألأ نورالتقدم. وهكذانظرالى التاريخ العالمي على انه سير متواصل في سبيل التقدم بقيادة العقل الإناني.

وصارت هذه النظرة ليس فقط نظرة المؤرخين في عصر التنوير وما تلاه، بل وأيضاً فكرة سائدة في اذهان المثقفين بوجه عام. وصارت نقطة انطلاق للمعايير الأخلاقية، وللمساعي الحضارية، وللأهداف السياسية. إذ نجد هذه الفكرة، فكرة التقدم المستمر للإنسان واضحة في مقالات تورجوا0ع٣ل1 (١٧٥٠) وهوفي شباب ه وفي ا تاريخ الإنانية» ( سنة ١٧٦٤ ) لاسحق ازلين Iselin ،وفي « مجمل لوحة تاريخية لتقدمات العقل الإنساني» (سنة ١٧٩٤) تأليف كوند ورسيه ٤ع00100.

وسواء اتخذ هذا التقدم بوصفه بدءا للتنظيم صورة طبيعية وتمجيداً للنوازع الطبيعية، او اتخذ صورة عقلية على اساس أنه غو للعقل على مدى الزمان أوتوكيد العقل لذاته خلال الزمان، فإن النظرات المختلفة في فلسفة التاريخ في عصر التنوير وما تلاه مباشرة تتوافق فيما بينها مع هذه الفكرة وهي ان التاريخ العالمي هو التحقيق الكلي المتفدم دائماً للحضارة العقلية. وصار موضوع فلسفة التاريخ هو تحقيق الإنسان للكمال، لا بوصف ذلك مجرد إمكانية، بل بوصفه عملية تتحقق فعلا، بعد أن كانموضوعها لدى للاهوتيين هوتحقيق لخلاص.

وفي الفترة التالية المباشرة لنزعة التنوير نجد تعميقاً وتعديلاً لفكرة التقدم العقلي وتحقيق العقل لنفسه هذه. فاصبح ينظر الى تطور العقل على انم يجري وفقاً لبادى، العلم والوعي بوجه عام. وبهذا تحول التقدم والتطور إلى أشكال من التأمل الفكري. وهذا يظهر عند فشته Fichté في مذهبه في الدولة وفي القانون،كما نجده في فلسفة التاريخ وفلسفة القانون

فلسفة التاريخ

عند هيجل. وصار الأساس التنظيمي لمذه التأملات منطقاً متعالياً ومذهباً في العلم، اي منطقاً ديالكتيكياً نظرياً ٠ والفكرة الموجهة في هذه التأملات هي الهوية بين الذات (العقل الإنافي) وبين الموضوع (العالم)؛ وهي بدورها ادت إلى إزالة التفرقة بين الفعل والتأمل العقلي.

وقد أنتجت هذه النظرة إلى التاريخ نتائج عملية إذ هي بتو1ه إمكان تحديد خطط للمستقبل ووضع اهداف للمجتمعات والنظم، وخصوصاً تعطي مضمونات للحركات الثورية وتبريرات لقيامها بوصفها وسائل ناجحة في تحقيق التقدم. ورسخ الاعتقاد بفضل هذه النظرة في فلسفة التاريخ، بان للحاضر، في مجرى التاريخ العالمي، دوراً بارزاً، هو ان مهمته هي دفع عجلة التقدم بعد ان صار الإنان واعياً بالأهداف. وتأكدت هذه الفكرة في عصر الثورات البورجوازية. وأصبح ينظر إلى الحاضر على انه ٠الأزمة» الكبرى، التي ينبغي فيها تصفية النظم التقليدية والقوى المتوارثة القديمة، ابتغاء تمكين المستقبل من البزوغ. وهذا مانجده في كتابات كلود هنري دي سان سيمون، ثم في كتابات وتحركات كارل ماركس وأتباعه. لكن بينما كانت فكرة التقدم في عصر التنوير تعني تقدم الإنسانية عقلياً وروحياً واخلاقياً، صار التقدم عند كارل ماركس واتباعه يعفي التقدم الاقتصادي المادي، وخصوصاً الثورة الصناعية. وارتبط عندهم تحرير الإنسان والمجتمع بتقدم وسائل الانتاج الصناعي. وهكذا لا تزال فكرة التقدم اساساً لفلسفة التاريخ، مع اختلاف المضمون الذي يعطى للتقدم. وهكذا صارت فلسفة التاريخ سلاحاً ايديولوجياً في الحروب الأهلية في داخل الدول، وبين المعسكرات الدولية المختلفة، بعضها وبعض.

لكنه في مقابل فكرة التقدم هذه وجد في القرن الثامن عشر نفسه، وفي القرن التاسع عشر فكرة مضادة، بداً في إبرازهاجان جاك روسوفي كتابه : امقال في الفنون والعلوم» (سنة ١٧٥٠) ثم في كتابه: «مقال في اصل وأسس التفاوت بين الناس» (سنة ١٧٥٤ ). فمن رأي روسوأن تقدم العلوم والفنون لم يؤد إلى تحسين الأخلاق، بل الى إفسادها، ولم يؤد تقدم نظم املكية والقانون إلى الحرية والإخاء، بل ادى إلى المزيد من التفاوت والقهر بين الناس. وهكذا اتخذ التاريخ طريقاً زائفاً منذ ان ترك الإنسان حال الطبيعة الني كان عليها واتخذ طريق المدنية. لكن روسوكان مع ذلك يؤمن بإمكان

تحقيق الانان للكمال وترتيب أموره في هذه الدنيا على النحو السليم. وفي كتاباته التربوية («إميل،) والسياسية («العقد الاجتماعي» إلخ) بين روسو كيف يكون التقدم الإنسافي سليماً وحقيقياً .

وفي القرنين التاسع عشر والعشرين على وجه التخصص، ازدادت المعارضة لفكرة التقدم كلما صارت العملية الصناعية هي مضمون فلسفة التاريخ واصبحت ايديولوجية في الصراع بين الطبقات. واتخذ هؤلاء المعارضون من الأزمات العديدة التي وقعت في الفرن العشرين دلائل على صواب رأيهم فأنكروا ان تكون الوان التطورات الجارية في العالم : سواء زيادة القدرة التكنولوجية، او زيادة التحرر والديمقراطية، أو التغيرات الثورية في احوالالملكية-دلائل على التقدم الحقيقي، بل اكدوا اننا ستؤدي إلى الفوضى والمزيد من العبودية والقهروالدكتاتورية الشمولية خصوصا في المجتمعات الجماهيرية. وهذه النظرة المضادة تجدها أولاً عند جوزف دي مستر de Maistre الذي هاجم هجوماً حاداً مبادىء الثورة الفرنسية وما زعمته من تحقيق للتقدم بفضلها. وهاجم ثورة سنة ١٨٤٨ دونوسوكورتيس 1000050001123 المفكر السياسي الأسبافي. وطوال القرن التاسع عثر قام مفكرون عديدون، لم يكونوا من ذوي النظرات الرجعية أو اللاهوتية، بمهاجمة فكرة التقدم المبفي على نمو الصناعة والتكنولوجيا، وعدوه انحطاطاً وسقوطاً للإنسان. ونذكر من هؤلاء يعقوب يوركهردت Jocob Burckhardt مؤرخ الحضارة الشهور.

ونعود الى أنصار فكرة التقدم فنقول إن تصوراتهم لمعفى التقدم وللعوامل الفعالة فيه ولأدوار مختلف الشعوب في تحقيقه - هي تصورات متفاوتة.

إذ نجد اولاً هردر Johann Gottfried Herder في كتابه أفكار في فلسفة تاريخ لإنسانية» (١٧٩١-١٨٧٤) يرى ان التاريخ العام بوصفه كلا لم هدف وهو: التحقيق الكامل للانسانية. لكن الشعوب، والحضارات، والعصور ليست مجرد معالم على طريق التقدم، بل هي في الوقت نفسه اشكال للإنسانية لها قيمها الذاتية، حقى الأولية منها: فإن قيمتها الذاتية تقوم في قربها من الطبيعة، وسذاجتها وقوتها الخلاقة المستمرة في الخلق؛ إنها بمثابة الطفولة ومطلع الشباب للإنسانية في سيرها نحو النضوج. ولهذا استعمل تشبيه «الحياة، بدلاً من فكرة التقدم المجردة. وقال إن الشرق

فلسفة التاريخ

القديم، والعصر اليونافي والرومافي، والعصر الوسيط المسيحي، والعصر الحديث تمثل 'طوار حياة الإنسانية في تاريخها حئ عمره -

ثم جاء جوفنيباتستافيكو Giovanni Battista Vico في كتابه «مبادىءعلم جديي يدورحول الطبيعة المشتركة للأمم» (سنة ١٧٢٥) فقرر ان للنعوب طبيعة مشتركة، وأن تاريخ العالم هو تطور الإنسانية نحو العقل. لكن القوى الخلاقة للطبيعة الإنسانية ومعونة العناية الإلهية يجققان اشكالاً للحياة وأعمالا حضارية ذوات قيمة ذاتية على كل درجات التطوير، حتى في التاريخ السحيق للثعوب. ويقول فيكوإن كل شعب يمر بثلاث مراحل هي : المرحلة الإلهية، والمرحلة البطولية، والمرحلة الإنسانية- وهذا هو «التاريخ المثالي الأبدي للنعوب، ٠ وفي كلحالة ينتهى إلى «بربرية المدنية» لكن في هذه المرحلة نفسها - مرحلة بربرية المدنية - يبدأ العود 1420450 ، اي تبدأ حلقة جديدة في تاريخ الانسانية.

ومن ثم شغلت مسألة: على اي نحو يسير تقدم التاريخ؟- اذهان الفلاسفة، وخصوصاً فلاسفة امثالية الألمانية: فشته، هيجل، شكنج. وصارت على ايديهم فلسفة التاريخ جزءاً رنيسباً من اجزاء الفلسفة، اما فشته في كتابه الملامح الرثيية للعصر الحاضره (سنة ١٨٠٦) فيفسر تاريخ الإنسانية على انه تطور ديالكتيكي ذو خس درجات تبدأ من حالة البراءة الأولى الغريزية، وتمر من خلال سلبية ٠الخطيئة الكاملة» حتى تصل إلى الحضارة العقلية الواعية.

وهيجل في كتابيه «ظاهريات العقل» (سنة ١٨٠٦) وامحاضرات في فلسفة التاريخ» (نشر بعد وفاته) أقام فلسفة كاملة في التاريخ على اساس الديالكتيك، فقد نظر إلى التاريخ على انه المعرنم الذي يفض فيه العقل عن مضمونه على مدى الزمان. ولما كانت ماهية العقل هي الحرية، فإن التاريخ هو التقدم في الشعور (أو الوعي) بالحرية. وهذا التقدم يحقق في سللة من الشعوب التاريخية ولكل شعب منها صورة للحرية تتلاءم مع عصر معين. والتاريخ هو في كل لحظة حقيقة واقعية مليئة بالقيمة، ولكنه رغم ذلك انتقال. ومعناه لا يتحقق إلا بالعملية الديالكتيكية كلهاعلى مدى الن.

لكن الهيجلين في الجيل التالي رفضوا نظرة هيجل هذه وقالوا إن التاريخ الذي وضع هيجل فلسفته هذه ليس عملية

إنسانية، بل إلهية، وموضوعه ليس الإنسان، بل روح العالم أو الععل1 (بالمعى الذي لهذا اللفظ عند هيجل). فانبثقت عن هذا الجيل الثافي فكرة المادية التاريخية التي ترى أن الإنسان وهي تقصد به الإنسان المتحرر بظروف العمل في مجتمعه - هو موضرع التاريخ. وأوضاع الانتاج المحددة بالوسائل التكنولوجية هي بالنسبة للإنسان الوقائع التاريخية الأولية، وتناقضاتها الداخلية هي التي تعين الديالكتيك الواقعي الذي يدفع مسيرة التاريخ. ولما كان التاريخ - في زعمهم - قد كان حتى الآن ومنذ نشوء الكلية الفردية مجالاً للنظم الاستغلالية والاستعبادية، فإنه تاريخ عبودية الإنسان ومغايرته * وإفقار البروليتاريا في النظام الرأسمالي يمثل ادف درجات سقوطه، بينما الثورة البروليتارية الناشئة هي نقطة التحول إلىتاريخ الحرية!

٢ -والمسالة الثانية في فلسفة التاريخ هي البحث في التركيب المنطقي للمعرفة التاريخية التي تسجل في علم اليخ.

وقد بدأ الاهتمام بهذا اللون من البحث كرد فعل ضد النزعة (التي كانت منتشرة في عصر التنوير) التي ارادت ان تجعل التاريخ كسائر العلوم الطبيعية، بدعوى أن العلوم الطبيعية هي النموذج لكل معرفة بالمعفى الحقيقي. . ومن ابرز من قالوا بهذه الدعوى في القرن الثامن عشر ديفيد هيوم، وكذلك قال بها في القرن التاسع عشر العديد من المؤرخين والفلاسفة من ذوي النزعة الوضعية.

لكن في ياة القرن التاسع عشر ظهر فلاسفة ينكرون هذه الدعوى، ومن ابرزهم جورج زمل وهينرش ركرت Rickert، ثم خصوصاً فلهلم دلتاي في المانيا، وبندتوكروتشه في ايطاليا.

ادرك هؤلاء ان اهداف المؤرخ تختلف تماماً عن اهداف العالم الطبيعي. ذلك ان المؤرخين لا يعنون باكتشاف القوانبن الكلية او اكتشاف نظريات يمكن منها التنبؤ وتصلح مرشداً للإنسان في العمل او في الصناعة، بل مهمة المؤرخ الأولى هي تحديد ما حدث في الماضي، ولماذا حدث. وهذا الأمريقتضي بالضرورة التركيز على اأحداث الجزئية وخصائصها الفردية الوحيدة غير القابلة لأن تتكرر ابداً, اما تصورات العلم الطبيعى - ويصفها كروتشه بأنها تصورات كاذبة - فإنها ترمى إلى هدف ختلف تماماً؛ إن ميدان تطبيقها الحقيقي هوميدان

فلسفة التاريخ

ماهو كلي وثابت، ولهذا لا يمكن أن تقوم بدور في علم التاريخ لأن المؤرخ لا يعفى بالظواهر بوصفها نماذج لحقائق عامة؛ وفي اللحظة التي تعد فيها الوقائع التاريخية قوانين، يزول التاريخ.

كذلك ميزدلتاي وكروتشه بين موضوع العلم الطبيعي وموضوع التاريخ فقالا إن الأول موضوعه الطبيعة، والثافي موضوعه العقل (أو الروح). فمن المستحيل ان ننظر إلى افعال الفاعلين في التاريخ على انها مجرد أفعال سلوك قابلة للملاحظة ويمكن ردها (أو تفسيرها) إلى عوامل فزيائية محضة. وينتج عن هذا أن مبادىء المعرفة والفهم المناسبة للتاريخ لا يمكن أن تكون تلك التي يفترضها التفسير العلمي للعالم. إن من المهم ان يكون المؤرخ قادراً على ان يفهم ,من الداخل» الأسباب والأغراض والانفعالات التي عملت في نفوس الأشخاص الذين يدرس أفعالهم.

وتوسع في هذا المعفى وتعمق كل من فندلبند («التاريخ والعلم الطبيعي» سنة ١٨٩٤) وهينرش ركرت («حدود تكوين التصورات العلمية الطبيعية«، سنة ١٨٩٦- سنة ١٩٠٢) وأرنست تريلتش Troeltsch («النزعة التاريخية ومشاكلها» ج١سنة ١٩٢٢).

وجاء كولنجوود فدعا إلى فهم كلمة ٠علة» cause في التاريخ بمعنى يختلف تماما عما يقصد بها في العلوم الطبيعية. فلفهم العلة في حدوث واقعة في التاريخ لا يجوز ان ندرجها تحت قوانين علمية اوتعميمات تجريبية؛ بل علينا ان نوضح «جانبها الباطن» its inner side، أي ان نكشف عن الأفكار الي تبين ان ما حدث كان استجابة كائن عاقل ووجه بموقف يحتاج إلى حل صلي.

وهذا يقودنا إلى الكلام عن تفسيرأحداث التاريخ، وهل يمكن ان يكون ذلك على اساس وجود قوانين عامة مثابهة لتلك التي يستنبطها علماء الطبيعة. لكن يحول دون ذلك أن الحادث التاريخي هوبطبعه أمر مفردنسيج وحده، لا يتكرر هو نفسه ابداً، بينما الظواهر الطبيعية تتكرر هي نفسها. فكيف يمكن التحدث عن قانون عام لحوادث هي بطبعها وحيدة مفردة ؟ ! وحتى لو وصفنا الحدث التاريخي بوصف عام، فإن ذلك ليس من التفسير في شيء: فأن نقول إن هذه «ثورة سياسية» أوأن هذه احرب توسعية» لايقدم تفسيراً.

وأهم من هذا ان العلية في الطبيعة تقضي بأنه إذا توافرت مقدمات معلومة حدثت عنها بالضرورة نتائج معلومة. لكن هذا ليس هوما يحدث في التاريخ. فقد تكون المقدمات متشابهة، لكن لا تحدث نفس النتائج: فيكون هناك حاكم مستبد، لكن لا تقوم ثورة بالضرورة. وقد يكون هناك رخاء اقتصادي، ومع ذلك يحدث انقلاب اوتمرد. والسبب في هذا ان العامل فيالأحداث التاريخية أساساً هوالإنسان، , الانان حر متقلب الرأي، وبالتالي لا يمكن التنبز بسلوكه.

٣ - وأما فيما يتصل بالمسالة الثالثة والأخيرة وهي : هل للتاريخ اتجاه ؟ فقد رأينا في المسألة الأولى بعض الإجابات عنها: النظرة اللاهوتية التي ترى ان التاريخ هوتاريخ خلاص الإنسان من لدن خطيئة آدام حتى يوم الحساب الأخير، ونظرة عصر التنوير القائلة بالتقدم المستمر للعقل الإنساني.

لكننا نجد في القرن العشرين اتجاهاً مضاداً، يصرف النظر عن البحث في اتجاه التاريخ إلى البحث في تركيب التاريخ، وأصبحت فلسفة التاريخ «نظرية في الوجود التاريخي» وفي الحدوث 110^5ةى. وبهذا تحول الاهتمام إلى التركيب الأساسي للصور التاريخية وإلى انماط المجرى التاريخي أو :الظواهر الأولية» 1101٣06ةغ٢9زا كما سماها يعقوب بوركهرت. هذا مع استمرار الوعي بكون لأحداث التاريخية وحيدة عابرة.

وأسهم في تكوين هذه النظرة إلى التاريخ الكشف عن آلاف السنين السابقة على التاريخ، وعن الحضارات غير الأوربية. وبينما كانت فلسفة التاريخ الكلاسيكية تقتصر في نظرها على الشرق القديم (مصر، بابل وآشور، ايران، الهند) والعضر اليونافي والروماني، والحضارات الأوروبية، اتسع النظر إلى حضارات أخرى وأماكن أخرى في العالم وشمل تاريخ العالم كله وتجلى ذلك فيما سماه اوزفلد اشبنجلرباسم مورفولوجياتاريخ العالم»، وفي «الدراسة المقارنةللحضارات» التي قام بها ارنولد توينبي والفكرة الرئيسية في هذه النظرة هي أن ظاهرة «الحضارة العليا« وجدت منذ بداية التاريخ حتى الآن، وأنه في جميع الأحوال ساد نفس قانون توالي الحضارة. وأصبح ينظر إلى التاريخ العالمي على انه مؤلف من وحدات -أوحضارات، أودواثرحضارية؛ لكن البعض مثل اشينجلر أنكر أن تكون بين هذه الوحدات وحدة، وقال إن كل حضارة مستقلة عن سائر الحضارات تمام الاستقلال، ونعتالتعبير: «التاريخ العالمي» بأنه خرافة. واقتصر توينبي على بيان أنساب فردية بين بعض هذه الحضارات وبعض. بيد أن Filiations كارل يسبرز قال بنوع من الوحدة حين تحدث عما سماه باسم وهو الفترة حوالى سنة ٠ ٥٠ ،Achsenzeit ««الزمان المحوري قبل الميلاد، التي فيها بذرت بذور الأديان العليا فيكل العالم من الصين حى العالم اليونافي. ومن ,اموجات الكبرى» الشبيهة بهذه الفترات المحورية نذكر: انتقال الإنسان من الوجود الرحال إلى الوجود المستقر، ميلاد الحضارات العليا على أساس أنظمة واسعة المدى في المكان ابتداء من القرن الرابع قبل الميلاد- بزوغ المدنية الصناعية التي تتجه نحووضع الأرض كلها في وحدة ذات مجال متوتر.

وعلى شبيه هذه الصورة قدم الفرد فيبر Weber علم اجتماع حضاري يقوم على أساس النظر إلى تاريخ العالم على أنه مؤلف من «عصور كبرى» ، وذلك في كتابه: ,تاريخ الحضارة بوصفم علم اجتماعحضاري» (سنة ١٩٣٥ ).