فولتير
فرانسوا ماري آروويه (بالفرنسية: François-Marie Arouet) ويُعرف باسم شهرته فولتير (بالفرنسية: Voltaire). (21 نوفمبر 1694 – 30 مايو 1778) هو كاتب وفيلسوف فرنسي عـاش خلال عصر التنوير. عُرف بنقده الساخر، وذاع صيته بسبب سخريته الفلسفية الطريفة ودفاعه عن الحريات المدنية خاصة حرية العقيدة والمساواة وكرامة الإنسان.
كان فولتير كاتباً غزير الإنتاج قام بكتابة أعمال في كل الأشكال الأدبية تقريباً؛ فقد كتب المسرحيات والشعر والروايات والمقالات والأعمال التاريخية والعلمية وأكثر من عشرين ألفًا من الخطابات، وكذلك أكثر من ألفين من الكتب والمنشورات. من أشهر آثاره: «رسائل فلسفية» (1734)، و«زاديغ» أو «صادق» (1747) وقد نقلها إلى العربية طه حسين، تحت اسم «القَدَر»، و"كانديد" (أو الساذج) (1759)، و «المعجم الفلسفي» (1764).
وقد كان فولتير مدافعاً صريحاً عن الإصلاح الاجتماعي على الرغم من وجود قوانين الرقابة الصارمة والعقوبات القاسية التي كان يتم تطبيقها على كل من يقوم بخرق هذه القوانين. وباعتباره ممن برعوا في فن المجادلة والمناظرة الهجائية، فقد كان دائماً ما يحسن استغلال أعماله لانتقاد دوغمائيات الكنيسة الكاثوليكية والمؤسسات الاجتماعية الفرنسية الموجودة في عصره.
وكان فولتير واحداً من العديد من الشخصيات البارزة في عصر التنوير (إلى جانب كل من مونتسكيو وجون لوك وتوماس هوبز وجان جاك روسو) حيث تركت أعماله وأفكاره بصمتها الواضحة على مفكرين مهمين تنتمي أفكارهم للثورة الأمريكية والثورة الفرنسية.
سيرة حياته
سنواته المبكرة في دنيا الأدب
ولد فرانسوا ماري أرويه في باريس، وكان الأخ الأصغر لخمسة من الأطفال والطفل الوحيد الذي عاش منهم - ولدوا لوالده الذي كان يدعى فرانسوا أرويه - الذي ولد في عام 1650 أو عام 1651 وتوفي في يناير من عام 1722. وكان يعمل موثقاً عاماً وموظفاً رسمياً صغيراً في وزارة المالية. وكانت والدته هي ماري مارجريت دومارت (التي امتدت حياتها تقريباً منذ عام 1660 وحتى 13 من شهر يوليو عام 1701)، وكانت تنحدر من أصول نبيلة تنتمي لمقاطعة بواتو. وتلقى فولتير تعليمه في إحدى مدارس اليسوعيين؛ وهي مدرسة لويس الكبير (في الفترة ما بين عامي 1704 و1711) حيث تعلم اللغة اللاتينية، كما أصبح في فترة لاحقة من حياته بارعاً في اللغتين الإسبانية والإنجليزية.
وعندما أنهى فولتير دراسته، كان قد عقد العزم على أن يصبح كاتباً بالرغم من أن والده كان يريد أن يصبح ابنه محامياً. ولكن فولتير الذي تظاهر بأنه يعمل في باريس في مهنة مساعد محامِ، فيما كان يقضي معظم وقته في كتابة الشعر الهجائي. وعندما اكتشف والده الأمر أرسله لدراسة القانون؛ ولكن هذه المرة في المقاطعات الفرنسية البعيدة عن العاصمة. ولكن فولتير استمر في كتابة المقالات والدراسات التاريخية التي لم تتصف دائماً بالدقة على الرغم من أن معظمها كان دقيقاً بالفعل. وأكسبه الظرف الذي كانت شخصيته تتصف به شعبية في دوائر العائلات الأرستقراطية التي كان يختلط بها. واستطاع والد فولتير أن يحصل لابنه على وظيفة سكرتير السفير الفرنسي في الجمهورية الهولندية حيث وقع فولتير في هوى لاجئة فرنسية تدعى كاثرين أوليمب دانوير. ونجح والد فولتير في إحباط محاولتهما للفرار معاً والتي ألحقت الخزي به، وتم إجبار فولتير على العودة إلى فرنسا مرةً أخرى.
ودارت معظم السنوات الأولى من حياة فولتير في فلك واحد وهو باريس. ومنذ تلك السنوات المبكرة - وما تلاها من سنوات عمره - دخل فولتير في مشكلات مع السلطات بسبب هجومه المتحمس على الحكومة وعلى الكنيسة الكاثوليكية. وقد أدت به هذه الأنشطة إلى تعرضه للسجن والنفي لمرات عديدة. وفي عام 1717 - وفي بداية العشرينات من عمر فولتير - اشترك في المؤامرة المعروفة تاريخياً باسم مؤامرة تشلاماري (بالإنجليزية: Cellamare conspiracy) والتي تزعمها الكاردينال جوليو ألبيروني ضد دوق أورليان فيليب الثاني والذي كان وصياً على عرش ملك فرنسا الصغير لويس الخامس عشر (وكان الهدف من المؤامرة نقل وصاية العرش إلى ابن عم فيليب الثاني، وعم الملك الصغير - فيليب الخامس ملك إسبانيا). وبحجة كتابته لبعض الأشعار الهجائية عن الأرستقراطية، والتي كان منها ما تعرض لشخص الوصي على العرش، تم الحكم على فولتير بالسجن في سجن الباستيل لمدة أحد عشر شهراً. وفي فترة سجنه في الباستيل، قام بكتابة أول أعماله المسرحية - أوديب Œdipe. وكان نجاح هذه المسرحية هو أول ركائز شهرته الأدبية.
أسباب اختياره لاسم فولتير
اتخذ الكاتب اسم «فولتير» عام 1718 بعد خروجه من سجن الباستيل. أصل هذا الاسم غامض. فهو يشكل نوعاً من الجناس التصحيفي لكلمة AROVET LI ؛ وهي الطريقة التي يتم بها تهجئة لقبه Arouet باللغة اللاتينية مضافاً إليها الحروف الأولى من اللقب «الأصغر» (بالفرنسية: le jeune). أما الرواية العائلية المتوارثة بين أحفاد أخته فتقول بأنه كان يلقب في طفولته «المثابر الصغير» le petit volontaire وما اسم فولتير إلا تنويع ابتكره لإحياء هذا اللقب. كما أن الاسم يطابق الترتيب العكسي لمقطعي كلمة Airvault وهو اسم القرية التي تنحدر منها عائلته في مقاطعة بواتو. ويعتبر الكثيرون أن اتخاذه لاسم «فولتير» الذي جاء بعد الفترة التي تم فيها احتجازه في سجن الباستيل علامة على انفصاله الرسمي عن عائلته وماضيه.
ويؤيد المؤلف والباحث البريطاني في السير الذاتية لأعلام الحركة الرومانسية في بريطانيا وفرنسا ريتشارد هولمز هذا الرأي عن مصدر اشتقاق الاسم، ولكنه يضيف إن كاتبًا مثل فولتير قد اتخذ هذا الاسم أيضًا لما له من معنى ضمني يوحي بالسرعة والجرأة. هذا المعنى الذي يأتي من اقتران الاسم بكلمات مثل: voltige (الألعاب البهلوانية التي يتم أداؤها على أرجوحة البهلوان أو الحصان)، وvolte-face (الالتفاف لمواجهة الأعداء)، وvolatile (وهي الكلمة التي تشير أساساً إلى أحد المخلوقات المجنحة). ولم يكن لقب "Arouet" اسمًا من أسماء النبلاء ليناسب شهرته التي كانت قد بدأت في التزايد خاصةً وأن للاسم صداه في كلمات مثل: à rouer (الجلد بالسوط) وroué (بمعنى الفاسق).
إنجلترا
وكانت الاستعداد الشخصي - الذي ذاع بسببه صيت فولتير في عصرنا الحالي بين جمهور القراء - لحسن استخدام حضور البديهة النقدية التي كان يتمتع بها والتي كانت تتميز بالسرعة وحدة النظر والصرامة والطرافة هي ما جعلت من فولتير شخصية غير محبوبة بين الكثيرين من معاصريه؛ بما في ذلك الكثيرين ممن ينتمون للطبقة الأرستقراطية الفرنسية. وكانت ردود فولتير اللاذعة مسؤولة عن فترة المنفى التي خرج بمقتضاها من فرنسا ليستقر في إنجلترا.
وبعد أن قام فولتير بإهانة النبيل الفرنسي الشاب - كافلييه دي روهان - في وقت متأخر من عام 1725، استطاعت أسرة روهان الأرستقراطية أن تحصل على lettre de cachet - وهو مرسوم موقع من ملك فرنسا (وكان الملك هو لويس الخامس عشر في عصر فولتير) يتضمن عقاب استبدادي لأحد الأشخاص، ولا يمكن استئناف الحكم الذي جاء فيه. وهو نوع من الوثائق التي كان يشتريها أفراد طبقة النبلاء الأثرياء للتخلص من أعدائهم غير المرغوب فيهم. واستخدمت أسرة روهان هذه الضمانة في بداية الأمر للزج بفولتير في سجن الباستيل، ثم التخلص منه عن طريق النفي خارج البلاد دون أن يتعرض لمحاكمة أو يسمح له بالدفاع عن نفسه. وتعتبر هذه الواقعة علامة بارزة في تاريخ بدء محاولات فولتير لتطوير نظام القضاء الفرنسي.
واستمر نفي فولتير إلى إنجلترا لمدة عامين، وتركت التجارب التي مر بها هناك أكبر أثر في العديد من أفكاره. وتأثر فولتير الشاب بالنظام البريطاني الملكي الدستوري مقارنةً بالنظام الفرنسي الملكي المطلق، وكذلك بدعم الدولة لحرية التعبير عن الرأي وحرية العقيدة. كذلك، تأثر فولتير بالعديد من كتاب عصره الذين ينتمون للمدرسة الكلاسيكية الحديثة، وزاد اهتمامه بالأدب الإنجليزي الأقدم عمرًا - خاصةً أعمال شكسبير - التي لم تكن قد نالت قدرًا كبيرًا من الشهرة في أوروبا القارية في ذلك الوقت. وبالرغم من إعلانه اختلافه مع قواعد المدرسة الكلاسيكية الحديثة، فقد رأى فولتير أن شكسبير يعتبر من النماذج التي يجب أن يقتدي بها الكتاب الفرنسيون لأن الدراما الفرنسية بالرغم من كونها تتميز بالجمال أكثر من الدراما الإنجليزية، فإنها تفتقر للحيوية على خشبة المسرح. وفي وقت لاحق - وبالرغم من أن تأثير أعمال شكسبير قد بدأ يتزايد على الأدب الفرنسي - فقد حاول فولتير أن يضع نموذجًا يتعارض مع مسرحيات شكسبير يشجب فيه ما اعتبره همجية من جانبه.
وبعد قضائه قرابت الثلاث سنوات في المنفى، عاد فولتير إلى باريس وقام بنشر آرائه حول الموقف البريطاني من الحكومة ومن الأدب ومن العقيدة في صورة مجموعة من المقالات التي تأخذ شكل الخطابات بعنوان Lettres philosophiques sur les Anglais (Philosophical letters on the English) ولأن فولتير قد اعتبر أن الملكية الدستورية البريطانية أكثر تقدمًا واحترامًا لحقوق الإنسان (خاصةً في الجانب الذي يتعلق بالتسامح الديني) من نظيرتها الفرنسية، فلقد لاقت هذه الخطابات اعتراضات كبيرة في فرنسا لدرجة القيام بإحراق النسخ الخاصة بهذا العمل وإجبار فولتير مرةً أخرى على مغادرة فرنسا.
Château de Cirey (قصر سيراي الريفي)
وجهة فولتير التالية هي Château de Cirey (قصر سيراي الريفي) الموجود على الحدود بين المقاطعتين الفرنسيتين شامباين ولورين. وأعاد فولتير تجديد المبنى على نفقته الخاصة، ومن هناك بدأ علاقته بالماركيزة دو شاتولييه، والمعروفة باسم جابرييل اميلي لو تونيلييه دي بريتويل (والتي أطلقت على نفسها اسم اميلي دو شاتولييه). وكان قصر سيراي ملكًا لزوج الماركيزة - الماركيز فلورنت-كلود دو شاتولييه - الذي كان أحيانًا يزور زوجته وعشيقها في القصر الريفي. وكان لهذه العلاقة التي استمرت لمدة خمسة عشر عامًا تأثيرها الفكري المهم على حياة فولتير. فقد جمع فولتير بمساعدة الماركيزة واحد وعشرين ألفًا من الكتب؛ ويعتبر هذا العدد عددًا هائلاً من الكتب في ذلك الوقت. وقد قاما معًا بدراسة هذه الكتب، وكذلك بالقيام بتجارب خاصة بالعلوم المعروفة باسم العلوم الطبيعية في المعمل الخاص بفولتير. وتضمنت تجارب فولتير محاولة منه لتحديد خصائص النار.
وبعد أن تعلم فولتير الدرس من مناوشاته السابقة مع السلطات، بدأ فولتير الأسلوب الذي استمر في استخدامه لبقية حياته بالابتعاد عن كل ما يسبب له الأذى الشخصي والتخلص من أية مسؤولية قد تعرضه للخطر. وواصل فولتير كتاباته، وقام بنشر بعضًا من مسرحياته مثل Mérope بالإضافة إلى بعض القصص القصيرة. ومرةً أخرى، يمكن اعتبار السنوات التي قضاها فولتير في منفاه في بريطانيا مصدرًا للإلهام من خلال تأثره القوي بأعمال سير إسحاق نيوتن. وكان فولتير يؤمن بقوة بنظريات نيوتن؛ خاصةً تلك النظريات التي تتعلق بعلم البصريات (فقد أدى اكتشاف نيوتن لحقيقة أن الضوء الأبيض يتكون من كل ألوان الطيف إلى قيام فولتير بالعديد من التجارب المتعلقة بهذا الاكتشاف في سيراي). كذلك، أتى فولتير على ذكر قانون الجاذبية في أعماله (فقد ذكر قصة نيوتن مع التفاحة التي سقطت فوقه من شجرة في عمله المعروف باسم Essai sur la poésie épique أو Essay on Epic Poetry. وبالرغم من أن فولتير والماركيزة كانا شغوفين بالآراء الفلسفية الخاصة بعالم الرياضيات والفيلسوف الألماني جوتفريد لايبنز - الذي كان معاصرًا لنيوتن وخصمًا له - قد احتفظ الاثنان «بإيمانهما بأفكار نيوتن» وشكلت أعمال نيوتن وأفكاره ركيزة مهمة في نظرياتهما. وبالرغم من أن بعض الآراء كانت تعتقد أن الماركيزة «تميل إلى آراء لايبنز»، فقد كتبت هي: "je newtonise," وهي العبارة التي تعني «أنا أعمل وفق أفكار نيوتن» أو «أنا أؤمن بأفكار نيوتن». وربما يكون كتاب فولتير Eléments de la philosophie de Newton أو (The Elements of Newton's Philosophies) عملاً مشتركًا بينه وبين الماركيزة، وكان الهدف منه وصف الفروع الأخرى من أفكار نيوتن التي انبهرا بها بما في ذلك نظرية الجاذبية.
كذلك، قام فولتير والماركيزة بدراسة التاريخ؛ خاصة تاريخ الشعوب التي أسهمت في بناء الحضارة حتى الوقت الذي كانا يعيشان فيه. وكان المقال الثاني الذي كتبه فولتير باللغة الإنجليزية هو Essay upon the Civil Wars in France. وعندما عاد إلى فرنسا، كتب فولتير مقالاً يعرض السيرة الذاتية للملك تشارلز الثاني عشر؛ وهو المقال الذي يعتبر بداية لكتابات فولتير التي انتقد فيها التعصب والأديان المنشئة established religion. وقد جعله ذلك المقال مؤرخًا للبلاط الملكي. كذلك، عمل فولتير مع الماركيزة على دراسة الفلسفة؛ خاصةً الفلسفة الميتافيزيقية - ذلك الفرع من الفلسفة الذي كان يتعامل مع الأمور بعيدة المنال والتي لا يمكن إثباتها بطريقة مباشرة: كيفية الحياة وماهيتها، ووجود الله أو عدم وجوده، وما يشابه ذلك من موضوعات. وقام فولتير والماركيزة بتحليل الكتاب المقدس في محاولة لاكتشاف مدى صحة أفكاره في العصر الذي كانا يعيشان فيه. وانعكست آراء فولتير النقدية في إيمانه بوجوب فصل الكنيسة عن الدولة وكذلك بحرية العقيدة؛ وهي الأفكار التي كوّنها بعد الفترة التي قضاها في انجترا.
القصر الصيفي Sanssouci
وفاة الماركيزة - أثناء الولادة - في سبتمبر من عام 1749، عاد فولتير لفترة قصيرة إلى باريس. وفي عام 1751، انتقل إلى مدينة بوتسدام ليعيش إلى جوار فريدريك الأكبر - ملك بروسيا - الذي كان صديقًا مقربًا منه ومعجبًا بأدبه. وقد قام الملك بدعوته بشكل متكرر إلى قصره، ثم منحه مرتبًا سنويًا يبلغ عشرين ألف فرانك. وبالرغم من أن أمور حياة فولتير كانت تسير على ما يرام في البداية - ففي عام 1752 كتب فولتير قصته القصيرة المعروفة باسم Micromégas؛ والتي ربما تكون أول عمل من أعمال الخيال العلمي يصوّر سفراء من كوكب آخر يتعرفون على حماقات الجنس البشري - فقد بدأت علاقته بفريدريك الأكبر في التدهور وواجهتها بعض الصعوبات. فقد وجد فولتير نفسه أمام دعوة قضائية تم رفعها ضده وأمام نزاع مع الأديب والفيلسوف وعالم الرياضيات الفرنسي موبرتوي - الذي كان يشغل منصب رئيس أكاديمية برلين للعلوم - فكتب مقالته الهجائية Diatribe du docteur Akakia (Diatribe of Doctor Akakia) التي سخر فيها من موبرتوي. ولقد أدى هذا الأمر إلى غضب الملك فريدريك الذي أمر بإحراق كل نسخ العمل وإلقاء القبض على فولتير أثناء وجوده في نزل كان يقيم فيه في طريق عودته إلى وطنه.
جينيف وفيورني
وتوجه فولتير صوب باريس، ولكن لويس الخامس عشر منعه من دخول المدينة. لذلك، قصد جينيف بدلاً منها واشترى بالقرب منها ضيعة كبيرة هي Les Délices. وبالرغم من أن المدينة قد استقبلته في بادئ الأمر بالحرية، فقد دفعه القانون المطبق في جينيف على غير رغبته - ذلك القانون الذي كان يحظر الأداء المسرحي وكذلك النشر لقصيدة فولتير الهجائية المعروفة باسم The Maid of Orleans - إلى الانتقال في نهاية عام 1758 إلى خارج جينيف وعبور الحدود الفرنسية حتى وصل إلى فيورني التي اشترى فيها ضيعة أكبر. وألهمته هذه الظروف كتابة روايته القصيرة Candide,ou l'Optimisme (Candide, أو التفاؤل). ويبقى هذا العمل الهجائي الذي انتقد فيه فولتير فلسفة لايبنز التي تؤمن بالحتمية المتفائلة أكثر الأعمال التي اشتهر بها. وهكذا، استقر فولتير في فيورني معظم السنوات العشرين المتبقية في حياته ليستضيف بين الحين والآخر ضيوفًا بارزين من أمثال: جيمس بوزويل وجيوفاني كازانوفا وإدوارد جيبون. وفي عام 1764، نشر فولتير أكثر أعماله الفلسفية أهمية التي ينتقد فيه الكنيسة الرومانية الكاثوليكية وغيرها من المؤسسات وهو Dictionnaire Philosophique؛ ذلك العمل الذي تضمن سلسلة من المقالات التي تمت كتابة معظمها أصلاً من أجل وضعها في الموسوعة العامة الفرنسية التي تم نشرها في ذلك الوقت والمعروفة باسم Encyclopédie.[١]
وبدءًا من عام 1762، بدأ فولتير دفاعه عمن يتعرضون للاضطهاد دون وجه حق، وربما تكون قضية جان كالاس أكثر القضايا التي تبناها شهرة. فقد تعرض هذا التاجر الذي ينتمي لكنيسة الإصلاح الفرنسية البروتستانتية إلى التعذيب حتى الموت في عام 1763 حيث تم اتهامه بقتل ابنه عندما أراد أن يتحول إلى المذهب الكاثوليكي. وتمت مصادرة أملاكه ونزع حضانة من تبقى من أبنائه من أرملته وإجبارهم على الدخول إلى أحد الأديرة. ونجح فولتير - الذي كان يرى في هذه القضية دليلاً واضحًا على الاضطهاد الديني - في إسقاط هذه التهمة عن كالاس في عام 1765.[١]
موت فولتير ودفنه
وفي فبراير من عام 1778، عاد فولتير للمرة الأولى خلال العشرين عامًا الأخيرة إلى باريس - مع آخرين - ليشهد افتتاح آخر أعماله التراجيدية وهي مسرحية Irene. وكان السفر الذي استغرق خمسة أيام شاقًا للغاية على العجوز الذي كان يناهز الثالثة والثمانين من عمره. واعتقد فولتير إنه على شفا الموت في الثامن والعشرين من فبراير، فكتب: «أنا الآن على شفا الموت وأنا أعبد الله، وأحب أصدقائي، ولا أكره أعدائي، وأمقت الخرافات.» وبالرغم من ذلك، فقد تماثل للشفاء وشهد في شهر مارس عرضًا لمسرحيته Irene تم استقباله خلاله استقبال البطل الذي عاد أخيرًا إلى وطنه.[١] ولكن، سرعان ما مرض فولتير ثانيةً وتوفي في الثلاثين من مارس في عام 1778. وفي لحظات احتضاره على فراش الموت، عندما طلب منه القسيس أن يتبرأ من الشيطان ويعود إلى إيمانه بالله، يقال أن إجابته كانت: «لا وقت لدي الآن لأكتسب المزيد من العداوات.» ويقال أيضًا إن كلماته الأخيرة كانت: «كرمى لله، دعني أرقد في سلام.»
وبسبب انتقاده المعروف للكنيسة الذي رفض أن يتراجع عنه قبل وفاته، لم يتم السماح بدفن فولتير وفقًا للشعائر الكاثوليكية. وعلى الرغم من ذلك، فقد تمكن أصدقاؤه من دفن جثمانه سرًا في إحدى الكنائس الكبيرة في مقاطعة شامبانيا المعروفة باسم Scellières قبل أن يتم الإعلان رسميًا عن قرار منع الدفن. وقد تم تحنيط قلبه ومخه بشكل منفصل. وفي يوليو من عام 1791، اعتبرته الجمعية الوطينة الفرنسية (the National Assembly) واحدًا ممن بشروا باندلاع الثورة الفرنسية، وتمت استعادة رفاته للاحتفاظ بها في البانثيون - مقبرة عظماء الأمة - تكريمًا له. وتم الاحتفال بنقل رفات فولتير احتفالاً ضخمًا بوجود أوركسترا كاملة، وتضمّنت المقطوعات الموسيقية التي تم عزفها مقطوعة للمؤلف الموسيقي أندريه جريتري - تم تأليفها خصيصًا احتفالاً بهذه المناسبة؛ تلك المقطوعة التي تم تخصيص جزء منها لآلة النفخ المعروفة باسم "tuba curva". ويعود أصل هذه الآلة إلى العصر الروماني حيث كانت تعرف باسم cornu، وكانت هذه الآلة قد تمت إعادة استخدامها في ذلك الوقت تحت هذا الاسم الجديد.
وهناك إحدى القصص غير الحقيقية التي تتردد باستمرار عن أن ما تبقى من رفات فولتير قد تعرض للسرقة من قبل أحد المتعصبين الدينيين في عام 1814 أو عام 1821 أثناء عملية الترميم التي تمت لمقبرة البانثيون وإلقائه في كومة من أكوام القمامة.
كتابات فولتير
الشعر
في سنوات عمره المبكرة، ظهرت موهبة فولتير الشعرية وكانت أول أعماله المنشورة من الشعر. وكتب فولتير قصيديتين طويلتين؛ وهما Henriade و The Maid of Orleans بالإضافة إلى العديد من المقطوعات الشعرية الأخرى الأصغر حجمًا.
وكانت قصيدة The Henriade مكتوبة بشكل يحاكي أعمال فيرجيل مستخدمًا في كل مقطع يتكون من بيتين ذلك النمط من الأوزان الشعرية المعروف باسم Alexandrine والذي أدخل عليه بعض التعديلات التي جعلته مملاً ولك من أجل أن يناسب الصياغة الدرامية للعمل. وافتقرت القصيدة التي كتبها فولتير إلى الحماس للموضوع وفهمه؛ وهما الأمران اللذان أثرا سلبًا على جودة القصيدة. أما القصيدة المعروفة باسم La Pucelle فهي - على الجانب الآخر - عمل محاكاة ساخر هاجم فيه فولتير بعض المفاهيم الدينية والتاريخية. وتعتبر أعمال فولتير الأخرى - ثانوية الأهمية - بوجه عام أفضل من هذين العملين من الناحية الفنية.
النثر
. تنتمي الكثير من أعمال فولتير التي صاغها على هيئة النثر والقصص النثرية الخيالية - والتي جاءت عادةً على هيئة كتيبات - إلى فن الجدل والمناظرة. فقد كانت قصته المعروفة باسم كانديد تهاجم التفاؤل الديني والفلسفي بينما كان عمله المعروف باسم الرجل ذو الأربعين دينارا يهاجم بعض الأساليب الاجتماعية والسياسية التي كانت سائدة في ذلك العصر. أما رواية فولتير المعروفة باسم صادق وغيرها من أعماله، فقد هاجم فيها الأفكار التي يتم تناقلها عبر الأجيال والخاصة بالقيم والمبادئ التي تقوم عليها العقيدة الأرثوذكسية بينما كان هدفه من كتابة بعض هذه الأعمال هو السخرية من الكتاب المقدس. وفي هذه الأعمال، يتضح أسلوب فولتير الساخر - البعيد عن المبالغة - ويتضح بوجه خاص التحفظ والبساطة في المعالجة اللفظية لهذه الأعمال.ويمكن اعتبار أن روايته القصيرة كانديد بوجه خاص هي أفضل النماذج على أسلوبه الأدبي. ولفولتير الفضل - مثلما هو الحال مع جوناثان سويفت - في تمهيد الطريق في دنيا الأدب لاستخدام السخرية الفلسفية في أدب الخيال العلمي خاصةً في قصته القصيرة المعروفة باسم Micromégas.
وتشترك كتابات فولتير الأدبية مع أعماله الأخرى في استخدامها بوجه عام لأسلوب النقد بالإضافة إلى التنوع في الموضوعات التي يتناولها. فقد كان يسبق كل أعماله الأساسية - سواءً التي كتبها في قالب شعري أو نثري - تمهيد من نوع أو آخر يمكن اعتباره نموذجًا لنبرة السخرية اللاذعة التي تميز أعماله والتي لم تمنعه من استخدام تلك اللغة العادية المستخدمة في أحاديث الناس. وفي عدد كبير من الكتيبات والكتابات التي لا تتميز بخصائص معينة تفردها عن غيرها من الكتابات، تظهر مهارات فولتير في الكتابة الصحفية. وفي مجال النقد الأدبي الصرف، يمكن اعتبار أن عمله الرئيسي في هذا المجال هو Commentaire sur Corneilleبالرغم من إنه قد قام بكتابة العديد من الأعمال الأخرى المشابهة له – أحيانًا (كما هو الحال في عمله المعروف باسم Life and notices of Molière) بصورة مستقلة وأحيانًا أخرى كجزء من عمله المعروف باسم Siècles.
وتتكرر كلمة "l'infâme" وكذلك تعبير écrasez l'infâme أو «سحق العار الذي يلحق بالأشخاص». في أعمال فولتير؛ وخاصةً في خطاباته الخاصة. وتشير العبارة إلى تلك الإساءات التي تلحق بالناس من أفراد الأسرة المالكة ورجال الدين الذين كان فولتير يراهم في كل مكان من حوله، وكذلك إلى الخرافات وعدم التسامح الذين زرعهما رجال الدين في نفوس الناس. وقد شعر فولتير بهذه المؤثرات في العديد من الأحداث التي مرت في حياته مثل: المنفى، ومصادرة كتبه، والمعاناة البشعة التي مر بها كل منكالاس و لابري.
وأشهر التعليقات التي يتم تناقلها عن فولتير مشكوك في صحته. فالعبارة التالية قد نسبت بشكل خاطئ إلى فولتير «قد أختلف معك في الرأي ولكنني على استعداد أن أموت دفاعًا عن رأيك.» ولم يكن فولتير هو من قال هذه الكلمات، ولكن قائلتها هي إيفلين بياتريس هول التي كانت تكتب تحت اسم مستعار وهو S. G. Tallentyre وذلك في عام 1906 في كتاب السيرة الذاتية الذي قامت بإصداره تحت عنوان The Friends of Voltaire . وقد قصدت هول بعبارتها أن تلخص بكلماتها موقف فولتير تجاه كلود ادريان هلفتيوس وكتابه الذي أثار جدلاً كبيرًا وهو De l'esprit ولكن نسب هذا التعبير الذي صاغته بكلماتها بشكل خاطئ إلى فولتير. وعبر ما قالته عن مضمون موقف فولتير من هلفتيوس. ويقال أنها قد استوحت كلماتها من أحد التعليقات التي تم العثور عليها في عام 1770 في أحد خطابات فولتير إلى Abbot le Roche والتي يروى إنه قد قال فيها: «أنا أمقت ما تكتب، ولكنني على استعداد تام لأن أضحي بحياتي من أجل أن تستمر في الكتابة.» وبالرغم من ذلك، فإن الدارسين يعتقدون في وجود نوع من أنواع سوء الفهم لأن لا يبدو أن مثل هذا الخطاب يحتوي على أي تعليق من هذا النوع. ' '
ويعتبر أكبر الأعمال الفلسفية التي أنتجها فولتير هو Dictionnaire philosophique الذي يحتوي على مقالات قدمها فولتير للنشر في Encyclopédie وكذلك العديد من أعماله الأخرى ثانوية الأهمية. وقد تم تخصيصها لانتقاد المعاهد السياسية الفرنسية، وأعداء فولتير الشخصيين، والكتاب المقدس، والكنيسة الرومانية الكاثوليكية.
ومن بين العديد من الأهداف الأخرى، انتقد فولتير السياسة الاستعمارية الفرنسية في أمريكا الشمالية، وعمل على الحط من قدر المنطقة الشاسعة المعروفة باسم ولاية فرنسا الجديدة بوصفها بإنها «مساحة ضئيلة تكسوها الثلوج» أو ("quelques arpents de neige").
رسائل فولتير
كذلك، كتب فولتير عددًا هائلاً من المراسلات الخاصة في الفترة التي عاشها تبلغ إجمالاً أكثر من عشرين ألفًا من الرسائل. وتظهر شخصية فولتير في الخطابات التي كتبها: ففيها تظهر الحيوية التي يتمتع بها وتعدد الجوانب والبراعات في شخصيته وقدرته على التملق التي لا يتردد في استخدامها وسخريته قاسية القلب ومقدرته المهنية المجردة من المبادئ الخلقية وتصميمه على الخداع والتحريف في أي اتجاه يرى فيه مصلحته أو يستطيع به الهروب من أعدائه.
فلسفة فولتير
الدين
بالرغم من الاعتقاد الخاطئ للبعض في أن فولتير كان ملحدًا، فقد كان في حقيقة الأمر يشترك في الأنشطة الدينية كما قام ببناء كنيسة صغيرة في قريته التي اشتراها في فيرني. ويكمن السبب الرئيس في هذا الاعتقاد الخاطئ في أحد الأبيات التي وردت في قصيدة له (وكانت القصيدة بعنوان "Epistle to the author of the book, The Three Impostors") (رسالة إلى مؤلف الكتاب: المدّعين الثلاثة). ويمكن ترجمة البيت إلى: «إذا كان الله غير موجود، فسيكون من الضروري أن نختلق نحن واحداً.» وتظهر القصيدة الكاملة التي ينتمي إليها هذا البيت انتقاده الذي كان ينصب بدرجة أكبر على تصرفات المؤسسات الدينية أكثر منه على مفهوم الدين في حد ذاته.
وكحال الكثيرين من الشخصيات البارزة التي عاشت أثناء عصر التنوير الأوروبي، اعتبر فولتير نفسه مؤمنًا بمذهب الربوبية. فقد كان لا يعتقد في أن الإيمان المطلق بالله يحتاج إلى الاستناد على أي نص ديني محدد أو فردي أو على أي تعاليم تأتي عن طريق الوحي. وفي حقيقة الأمر، كان كل تركيز فولتير ينصب على فكرة أن الكون قائم على العقل واحترام الطبيعة؛ وهي الفكرة التي عكست الرأي المعاصر له والذي كان يعتقد في وحدة الوجود. وقد نالت هذه الفكرة حظًا وافرًا من الرواج بين الناس خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر وكتب لها الاستمرار في الوجود في شكل من أشكال الربوبية المعروفة في عصرنا الحالي باسم "Voltairean Pantheism" «وحدة الوجود من منظور فولتير.»
وكتب فولتير متسائلاً: "ما الإيمان؟" فهل هو أن نؤمن بما نستطيع أن نراه واضحًا أمام أعيننا؟ لا، فمن الواضح تمامًا لعقلي إنه من الضروري وجود كيان خالد رفيع المنزلة عاقل ذكي. فالأمر عندي لا علاقة له بالإيمان، ولكنه مرتبط بالعقل."
وفيما يتعلق بالنصوص الدينية، قام أحد مؤلفي القرن الواحد والعشرين بتلخيص رأي فولتير في الكتاب المقدس [من؟]
عندما قال إنه أولاً مرجع قانوني و/أو أخلاقي عفا عليه الزمن. وثانيًا، هو بوجه عام نوع من أنواع الاستعارة اللغوية، ولكنها استعارة تحمل في طياتها القدرة على أن تعلمنا دروسًا مفيدة. وثالثًا، هو عمل من صنع الإنسان، وليس هبة إلهية. ولم تستطع هذه المعتقدات أن تمنع فولتير من ممارسة الطقوس الدينية بالرغم من إنها قد أكسبته سوء السمعة في أوساط المنتمين إلى الكنيسة الكاثوليكية. وجدير بالذكر أن فولتير كان يشكل - بحق - مصدرًا للإزعاج للعديد من المؤمنين، وأن أفكاره كانت معروفة للجميع وفي كل البلاد. فقد كتب فولفغانغ أماديوس موزارت إلى والده خطابًا في السنة التي توفي فيها فولتير قال فيه: «أخيرًا رحل عن العالم أكبر الأوغاد.»
وانتقد فولتير رسول الإسلام محمد بن عبد الله. فمسرحيته المعروفة باسم النبي محمد Le fanatisme, ou Mahomet le Prophète قام بكتابتها "ليهاجم مؤسس العقيدة الزائفة والهمجية". كذلك، وصف فولتير الرسول محمد بأنه "كاذب"، ولكن آراء فولتير عن الإسلام في الخطاب الذي قام بإرساله إلى البابا بنديكت الرابع عشر والذي قام بكتابته في باريس في 17 أغسطس في عام 1745 كانت أكثر إيجابية، فقد وصف فولتير الرسول محمد بأنه رسول "ديانة تتسم بالحكمة والصرامة والعفاف والإنسانية". كما تحدث عنه كالتالي: "واضع شريعة المسلمين رجل رهيب ذو سطوة استطاع أن يفرض تعاليمه على اتباعه بالاستبسال في القتال وبحد السيف"." وقال مخاطباً رجال الدين في الكنسية: «لقد قام الرسول بأعظم دور يمكن للإنسان أن يقوم به على الأرض وإن أقل مايُقال عن محمد أنه قد جاء بكتاب وجاهد، والإسلام لم يتغير قط أما أنتم ورجال دينكم فقد غيرتم دينكم عشرين مرة»
ومن تلك الأعمال التي قام فولتير بترجمتها والتي تظهر فيها أفكار الكونفشيوسية وتلك المبادئ التي تنادي بالتقيد الحرفي أو المفرط بالقانون أو بشرع ديني أو أخلاقي، استقى معلوماته عن المفاهيم الصينية في مجالي السياسة والفلسفة (والتي قامت على مبادئ عقلية)، وقد قام فولتير بذلك بغرض المقارنة بعين ناقدة بينها وبين المؤسسات الدينية الأوروبية وكذلك النظام الارستقراطي الموروث.
وهناك قصة لم يتم التأكد من صحتها تتعلق بشراء Geneva Bible Society لمنزل فولتير الذي يقع في فيورني لاستخدامه في طباعة الكتاب المقدس. ولكن، يبدو أن مصدر هذه القصة هو ذلك التقرير السنوي - الذي تمت إساءة فهمه - الصادر في عام 1849 عن American Bible Society (وهي مجموعة تأسست عام 1816 بهدف نشر وتوزيع وترجمة الكتاب المقدس). وتملك وزارة الثقافة الفرنسية الآن قصر فولتير وتتولى إدارته.
الماسونية
دخل فولتير في عضوية المنظمة الماسونية قبل وفاته بشهر واحد. ففي الرابع من أبريل من عام 1778، ذهب فولتير برفقة بنيامين فرانكلين إلى المحفل الماسوني الشهير La Loge des Neuf Soeurs في باريس بفرنسا وأصبح برتبة مبتدئ. وربما يكون قد أقدم على هذه الخطوة لإرضاء فرانكلين فقط. '
الإرث الذي خلفه فولتير
|تمثال نصفي لفولتير من إبداع النحات الفرنسي - جان انطوان هودون - الذي ينتمي إلى المدرسة الكلاسيكية الحديثة. كان فولتير يرى أن البرجوازيين الفرنسيين قليلو العدد ولا تأثير لهم في الحياة الفرنسية. أما الطبقة الأرستقراطية فقد كان يعتقد أنها طبقة طفيلية فاسدة. وكان فولتير يرى أن عامة الشعب يتميزون بالجهل ويؤمنون بالخرافات بينما اعتبر الكنيسة عبارة عن قوة راكدة تفيد فقط في موازنة القوى الأخرى حيث أن «الضريبة الدينية» أو ضريبة العشر قد ساعدت في دعم الثوريين. وكان فولتير لا يثق في الديمقراطية لأنه رأى إنها تعمل على الترويج لحماقات العامة والدهماء. وبالنسبة لفولتير، يكون الملك المستنير أو الشخص المستنير المنفرد بالحكم - والذي يسمع لنصح الفلاسفة (الفيلسوف) من أمثال فولتير - هو الوحيد القادر على أن يغير في مجريات الأمور لأنه من المصلحة المنطقية للملك أن يقوم بدفع القوة والثروة التي يتمتع بهما رعاياه وأبناء مملكته إلى الاتجاه الأفضل. وبصورة أساسية، كان فولتير يعتقد أن الاستبداد المستنير هو مفتاح التقدم والتغيير.
وتعتبر أكثر الأعمال الباقية في ذاكرة التاريخ لفولتير هي روايته القصيرة Candide ou l'Optimisme [Candide, or Optimismالتي كتبها في عام 1759] بهدف الانتقاد الساخر لفلسفة التفاؤل. وقد كانت الرواية موضع اعتراض الرقابة على المطبوعات، فأدّعى فولتير مازحًا أن المؤلف الحقيقي للقصة هو Captain Demad - أخ مزعوم لفولتير - في خطاب قام بإرساله إلى Journal encyclopedique أعاد فيه التأكيد على المواقف العقلية الجدلية التي وردت في النص الذي كتبه.
واشتهر فولتير بالعديد من الأقوال المأثورة البارزة مثل: "Si Dieu n'existait pas, il faudrait l'inventer" («إذا كان الله غير موجود، فسيكون من الضروري أن نختلق نحن واحدًا») وهي الجملة التي وردت في رسالة شعرية في عام 1768 - ووجهها فولتير إلى المؤلف المجهول لذلك العمل الذي أثار قدرًا هائلاً من الجدل وهو The Three Impostors .
وقد قامت فرنسا بتخليد ذكرى فولتير وتكريمه كواحد من الرواد الشجعان لفن الجدل والمناظرة قام بالدفاع المستمر عن الحقوق المدنية – والحق في الحصول على محاكمة عادلة وحرية العقيدة. كذلك، – استنكر فولتير بشدة النفاق والظلم الذين كان يتصف بهما الحكم الأرستقراطي . وكان الحكم الأرستقراطي يفرض ميزانًا غير عادل فيما يتعلق بالقوى وبالضرائب بين السلطة (الطبقة الاجتماعية) الأولى المتمثلة في رجال الدين، والسلطة الثانية المتمثلة في طبقة النبلاء، والسلطة الثالثة المتمثلة في العامة وأفراد الطبقة الوسطى؛ والذين كانوا يرزحون تحت وطأة معظم الضرائب التي يتم فرضها.
ولقد قام البعض من زملاء فولتير اللاحقين بالحط من قدره. فقد كان الكاتب الإسكتلندي الفيكتوري - توماس كارلايل - يعتقد أنه بالرغم من عدم وجود من يستطيع أن يباري فولتير في موهبته في الصياغة الأدبية، فإن أكثر أعماله إتقانًا لم تكن ذات قيمة من ناحية المضمون وإنه لم يستطع أبدًا أن يبدع فكرة خاصة به تنبع من داخله.
وبينما كان فولتير يأتي على ذكر الصين ومملكة سيام كنماذج للحضارات الذكية غير الأوروبية وينتقد بقسوة العبودية كان يؤمن أن اليهود «شعب جاهل وهمجي.»
وقد تم إطلاق اسم فيورني-فولتير على بلدة فيورني التي قضى فيها فولتير العشرين عامًا الأخيرة من حياته تخليدًا لذكرى أشهر من عاش فيها. أماقصره الريفي فقد تحول الآن إلى متحف.
وتم الحفاظ على المكتبة الخاصة بالأديب فولتير سليمة تمامًا في المكتبة الوطنية الروسية الموجودة في مدينة سانت بطرسبرغ في روسيا.
وفي عام 1916، وفي مدينة زيورخ قامت جماعة المسرح والأداء المسرحي - والتي شكلت فيما بعد بدايات الحركة الطليعية المعروفة باسم دادا (الدادانية) (حركة ثقافية انطلقت من زيورخ أثناء الحرب العالمية الأولى من أجل معاداة الحرب) - بإطلاق اسم Cabaret Voltaire على المسرح الذين يقدمون عروضهم فوق خشبته. وفي السنوات الأخيرة من القرن العشرين، قامت إحدى الفرق الموسيقية بإطلاق اسم ذلك المسرح على فرقتهم.
وتلعب شخصية فولتير دورًا مهمًا في سلسلة مكونة من أربعة روايات متعاقبة تاريخيا بعنوان The Age of Unreason كتبها مؤلف قصص الخيال العلمي والفانتازيا الأمريكي Gregory Keyes
بيان بمؤلفات فولتير
الأعمال الرئيسية
- مجموعة من المقالات التي صاغها فولتير على هيئة خطابات وهي (Lettres philosophiques sur les Anglais) وقد تم نشرها في عام 1733، وتم تعديلها تحت اسم Letters on the English (حوالي عام 1778)
- العمل الشعري Le Mondain (الذي كتبه عام 1736)
- العمل الشعري Sept Discours en Vers sur lHomme (وكتبه فولتير في عام 1738)
- رواية Zadig (وقد قام فولتير بكتابتها في عام 1747)
- القصة القصيرة Micromégas (والتي كتبها فولتير في عام 1752)
- الرواية القصيرة Candide (التي قام فولتير بكتابتها في عام 1759)
- حكاية فلسفية بعنوانCe qui plaît aux dames (قام فولتير بكتابتها في عام 1764)
- مجموعة المقالات التي تحمل عنوان Dictionnaire philosophique (والتي قام فولتير بكتابتها في عام 1764)
- حكاية قصيرة هجائية بعنوان LIngénu (وقد قام فولتير بكتابتها في عام 1767)
- الحكاية الفلسفية La Princesse de Babylone (التي قام فولتير بتأليفها في عام 1768)
- رسالة منظومة شعرًا بعنوان Épître à lAuteur du Livre des Trois Imposteurs (والتي قام فولتير بتأليفها في عام 1770)
- مقالة "الخطر الفظيع للمطالعة"، 1765.
المسرحيات
كتب فولتير عددًا من المسرحيات يتراوح ما بين خمسين وستين مسرحية، اشتملت على عدد من المسرحيات التي لم ينه كتابتها. ومن بين هذه المسرحيات:
- Œdipe (التي قام بتأليفها في عام 1718)
- Zaïre(التي قام بتأليفها في عام 1732)
- Eriphile(التي قام بتأليفها في عام 1732)
- Irène
- Socrates
- Mahomet
- Mérope
- Nanine
- The Orphan of China (وقدمها فولتير في عام 1755)
الأعمال التاريخية
- كتاب History of Charles XII, King of Sweden (والتي قام فولتير بكتابته في عام 1731)
- كتاب The Age of Louis XIV (الذي قام فولتير بتأليفه في عام 1751)
- كتاب The Age of Louis XV (الذي قام فولتير بتأليفه في الفترة ما بين عامي 1764 و1752)
- كتاب Annals of the Empire - Charlemagne, A.D. 742 - Henry VII 1313 الجزء الأول الذي قام بتأليفه في عام 1754)
- كتاب Annals of the Empire - Louis of Bavaria, 1315 to Ferdinand II 1631 الجزء الثاني (وقد قام فولتير بتأليفه في عام 1754)
- كتاب «تاريخ الإمبراطورية الروسية تحت حكم Peter the Great» وقد صدر الجزء الأول من هذا الكتاب في عام 1759 بينما صدر الجزء الثاني منه في عام 1763).
فولتير
كاتب ومفكر فرنسي شهير.
ولد في باريس في ٢٤ نوفمبر سنة ١٦٩٤، وكان ابوه موظفا في غرفة المحاسبات. ولما بلغ التاسعة من عمره دخل كلية لوي-لو-جران، التي كانت تابعة للطريقة اليسوعية. وبعد تخرجه فيها وهو في السابعة عشرة أراد منه أبوه ان يدرس القانون ليصبح عحاميا، لكنه تبرم بدراسة القانون. وعمل في حاشية مركيز دي شاتونيف Châteauneuf ع0 Marquis، سفير فرنسا في هولنده. لكنه وقع في غرام فتاة فرنسية بروتستنتية مهاجرة كانت تعيش في لاهاي (هولنده)، مما أدى الى إرجاعه الى باريس، فاستأنف دراسة القانون في مكتب محام ، لكنه لم يمكث هناك طويلاً. ودخل في مسابقة شعرية لنيل جائزة الأكاديمية الفرنسية، فلميفزبها،لكنههجا الفائز هجاء لاذعاً بقصيدة أذاعت شهرة فولتير. واتهم بهجاء الوصي على العرش، دوق دورليان، فنفي من باريس طوال عدة اشهر، وذلك في سنة ١٧١٦. وفي سنة ١٧١٧-سنة ١٧١٨ هجا الوصي هجاء مقذعاً واتهمم بأبشع الجرائم، فأودع في سجن الباستبل لدة احد عشر شهراً. وخلال سجنه اعاد كتابة مسرحية «أوديب»، وشرع في نظم قصيدة تدور حول هنري الرابع؛ واتخذ اسمامستعارا هوالذي عرف به فيط بعد: فولتير. ومثلت مسرحية «أوديب» في سنة ١٧١٨ فنالت نجاحاً هاثلأ. لكن مسرحياته التالية لم تظفر بالنجاح. واتم ملحمته الشعرية عن هنري الرابع، لكن السلطات رفضت الاذن بنشرها لان فيها تمجيداً للبروتستنتية وللتسامح الديفي ٠
فولتير
لكنه أفلح في طبعها سراً في روان Rouen (مدينة في شمالي فرنسا) سنة ١٧٢٣ وهرها إلى باريس، وكان عنوانها: ٠ العصابة أوهنري الكبير».
واشتهر فوكتير وصار ذا حظوة في البلاط الملكي، لكن الغارس روهان - شابو Chevalier de Rohan- Chabot شهر به على أساس أنه محدث نعمة، وليس من سلالة نبيلة. فرد عليه فولتير بأهاجي لاذعة انتشرت بين الناس، فانتقم منه هذا الغارس بأن استأجر رجالاً لضربفولتير. فتحداه فولتير، لكن هذا الفارس استطاع أن يعمل على سجن فولتير في الباستيل، للمرة الثانية، ولم يفرج عنه إلا بشرط مغادرة فرنسا في إلحال الى انجلتره، فوصل انجلتره في مايو سنة ١٧٢٦ . وهنا في انجلتره تعرف إلى الشاعر الانجليزي الكبير الكسندر بوب Pope وأصحابه، كما تعرف إلى شخصيات عظيمة المكانة في انجلترة انذاك. وبداً في قراءة شكسبير وملتون ودرايدن وبتلر ومؤلفات بوب وأدسون ومسرحي عصر الإعادة Restoration (إعادة الملكية إلى انجلترة). كذلك اهتم بفلسفة لوك وفزياء نيوتن، وافاد من المؤلهة الانجليز Deists كناع»ت في نظراته الدينية. وقبلت الملكة كارولينا إهداءه اياها ملحمة هنرياد» ع112320، وهي تحرير جديد لملحمته الأولى: ,اسابة او هنري الرابع،. وبدأ في كتابة ,تاريخ شارل الثافي عشر، وفي إعداد المادة لكتابه «رسائل عن الانجليز». وعاد إلى فرنسا في سنة ٠١٧٢٩
واشترى قائم في يانصيب حكومي وضارب في تجارة القمح، فوفر له كلاهما الأساس لثروة طائلة. وتوئقت علاقته مع مدام دي شاتليه، وأقام معها فترات في قصر زوجها في إقليم شمباني، منذ سنة ١٧٣٤. وهنا كتب مسرحيات: ٠عحمدء (ستة ١٧٣٤) وميروب» (سنة ١٧٤٣)، كما كتب ,رسالة في الميتافيزيقاء، وشطراً كبيراً من كتابه ,عصر لويس الرابععشر» (سنة ١٧٥٤) وكتاب أخلاق الأمم وروحها»، وكتاب عناصر فلفة نيوتن» (سنة ١٧٣٨). واستطاع بمسرحية «اميرة نبرة» الي الفها بمناسبة زواج ولي العهد (في فبراير سنة ١٧٤٥) أن يستعيد رضا القصر عنه لا فيها من تملق بارع للملك لويس الخامس عشر، بعد ان فقد عطفه لما أن أصدر ارسال عن الانجليز». ولهذا السبب، وبفضل رعاية مدام دي بومبادور، حظية الملك، عين مؤرخاً رسمياً للملك، وانتخب ءضواً في الاكاديمية الفرنسية.
وبسبب هفوة في الحديث أثناء دور لعب ورق في سنة ١٧٤٧، اضطر إلى الالتجاء إلى حماة دوفة مين Duchesse de Maine، ومن أجل تسليتها كتب قصة «صادق» Zadig وقصصاً شرقية اخرى, ولما سمح له بالظهور في القصر الملكي من جديد، أثار مديحه لمدام دي بومبادور غيرة الملكة فكان على فولتير أن يترك القصر. وتوفيت مدام دي شاتليه في سبتمبر سنة ١٧٤٩، فصار في وسعه أن يقبل دعوة من فريدرش الكبير، ملك بروسيا. فسافر إلى برلين في سنة ١٧٥٠ وقبل أن يكون أحد الأمناء في بلاط فريدرش بمرتب قدره عشرون الف فرنك مع السكن في أحد القصور الملكية. ودخل في عمليات مالية مشبوهة مع احد يهود برلين، فاستاء الملك فريدرش، وازداد استياؤبسبب هجائه لموبرتوي Maupertuis. وفي مارس سنة ١٧٥٣ غادر فولتير الملك فريدرش الأكبر، ولم يلتقيا بعد ذلك أبداً. وفي أثناء مقامم في بروسيا، نشرفولتيركتابه اعمر لويس الرابع عشرا (سنة ١٧٥١).
وفي أثناء عودته قبض عليه في فرنكفورت ممشلو الملك فريدرش ليستردوا من فولتير ديواناً من دواوين شعر الملك. واستقر المقام به في سنة ١٧٥٥ بالقرب من جنيف، ويعد سنة ١٧٥٨ استقر في فرنيه Ferney على مسافة أربعة أميال من جنيف.
وفي الفترة من ١٧٥٦ إلى ١٧٥٩ نشر كتابه «أخلاق الأمم وروحها»، وقصيدته الشهيرة عن زلزال لشبونة التي سخرفيها من تفاؤل ليبنتس، وقصته الرائعة اكاديد، التي سخرت من تفاؤل ليبنتس ايضاًوقولم اكل شيءهوللأحسن في احسن عالم» (ليس في الإمكان أدع مما كان» على حد تعبير أبي حامد الغزالي).
وكتب مواد فلسفية ودينية في «الانسكلوبيديا الفرنسية» الي كان يشرف على تحريرها ديدرو ودالمبير، لكن الحكومة الفرنسية أوقفت صدور ^الانسكلوبيديا»، كذلك أدانت محكمة (برلمان) باريس قصيدة له عن الدين الطبيعي. فأثار هذا ثائرته وطالب بحق «المتعصبين» L Infame . وشرع في نشر كتابات ضد التعصب الديفي، وضد الدين بوجه عام، منها مسرحيات تعليمية، ورسائل، وخصرصاً ,القاموس الفلسفي» (سنة ١٧٦٤).
وقام بالدفاع عن ضحايا التعصب الديني في فرنسا، وهيا لهم ملجا في ضيعته في فرنيه. غير ان حكومة جنيف
فولتير
منعت فولتير من تمثيل مسرحياته ومن إنشاء مسرح فيها. وأيد جان جاك روسوموقف الحكومة السويسرية، فتسبب هذا في قطع الصداقة بين هذين الكاتبين المفكرين الكبيرين، وحدث ذلك في سنة ١٧٥٨ .
وسافر إلى باريس في سنة ١٧٧٨ لمشاهدة تمثيل مسرحيته الأخيرة: أرين، Irène، فاستقبل احقبالآ حافلا تأثر لم فولتير تأثراً تسبب في مرضه ثم وفاته في ٠ ٣ مايو سنة ١٧٧٨ في باريى.
آراؤ٠الغلغية
ونبدأ برأيه في ,الغلفة, كما عرضه فيلقاموس الفلسفي». يقول فولتير تحت مادة «فيلسوف»: ٠الفيلسوف، «حب الحكمة» اي الحقيقة. وكل الفلاسفة اتصفوا بهاتين الصفتين؛ ولا يوجد احد منهم في العصر القديم لم يعط الناس المثل على الفضيلة، ودروسافي الحقائق الأخلاقية. وربما كانوا قد أخطأوا جميعاً في الفزياء، لكن الفزياء قليلة التأثير على السلوك في الحياة بحيث لم يكن الفلاسفة في حاجة إليها. وكان لابدمن قرون من الزمان لمعرفة جزء من قوانين الطبيعة. لكن يوماً واحداً يكفي الحكيم كي يعرف واجبات الإنسان.
والفيلسوف لا يتحمس، ولا ينصب نفسه نبياً ، ولا يقول عن نفسه إن الآلهة توحي إليه. ولهذا فإنفي لا اضع في مرتبة الفلاسفة: زردشت، ولا هرمس، ولا أورفيوس القديم، ولا اي واحد من أولئك المشرعين الذين افتخرت بهم امم: كلديا، وفارس، وسوريا، ومصر، واليونان. إن الذين قالوا عن أنفسهم إنهم أبناء الآلهة إنما كانوا آباء الخداع، وقد استخدموا الكذب من اجل تعليم حقائق؛ لقد كانوا غير جديرين بتعليمها؛ إهم لم يكونوا فلاسفة، بل قصاراهم أنهم كانوا كذابين ذوي فطنة.
لا مناص - وهذا أمر ربما يدعو إلى سربلة الشعوب الغربية بالخجل والعار-من الذهاب إلى غهاية المشرق للعثور على حكيم بسيط، بغير مظاهر ولا خداع، كان يعلم الناس أن يعيشوا سعداء، وذلك قبل ستة قرون من الميلاد، في وقت كان فيه كل (بلاد) الشمال يجهل كيفية استعمال الحروف (الكتابة)، وكاد اليونانيون فيه يبدأون في التميز بالحكمة. وهذا الحكيم هو كونفوشيوس، الذي لم يشأ- وكان هو الوحيد في هذا بين المشرعين - ان يخدع الناس ابداً. اية قاعدة
للسلوك اعطيت للناس على الأرض كلها أجمل من تلك التي أعطاها؟:
,دبروا الدولة كما تدبرون الأسرة؛ ولا يمكن تدبير الأسرة إلا بإعطائها المثل والقدوة.
٠ الفضيلة يجب ان تعم الحراث والحاكم.
«اهتم بالوقاية من ارتكاب الجرائم ابتغاء التقليل من الاهتمام بالمعاقبة عليها.
افي ايام حكم الملكين الطيبين يأووكسوكان الصينيون طيبين؛ وفي ايام حكم الملكين الفاسدين كي وشو كان الصينيون سيئين.
اعال الآخرين بما تعامل به نفسك.
,أحب الناس عامة، لكن اعز أهل الخير. إنى الإساءة، لكن لا نس الإحسان أبداً.
«رايث اناساً عاجزين عن العلم، لكني لم ار ابداً اناساً عاجزين عن الفضمة.،
فلنعترف بأنه لم يوجد مشرع اعلن حقائق أكثر فائدة للجنس البشري من هذه الحقاثق.
إن عدداً كبيراً من الفلاسفة اليونانيين قد قالوا بعد ذلك بأخلاق طاهرة مثل هذه. ولو كانوا قد اقتصروا على مذاهبهم الزائفة في الفزياء، لا كانت اسماؤهم تذكر اليوم إلا للسخريه منها، فإذا كنا لا نزال نجلهم حى اليوم، فما ذلك إلآ لأنهم كانوا عادلين، وعلموا الناس أن يكونو عادلين.
ولا يمكن المرء ان يقراً مواضع معينة في (محاورات) افلاطون، وخصوصاً الاستهلال الرائع للقوانين بلسان زالويكس 5سسعاق2 ، دون أن يستشعر في قلبه حب الأفعال الشريفة الكريمة. وكان عند الرومان: شيشرون الذي ريما يساوي وحده كل فلاسفة اليونان. ومن بعده جاء قوم اجل منه، لكن يكاد المرء ييأس من محاكاتهم: ابكتاتوس في العبودية، والأباطرة الأنطونينون ويليانس على العرش.
فمن هو المواطن من بيننا الذي يحرم نفسه، مثل يليانس Julien، وأطويوس Antonin، وماركس أورليوس من كل أطايب حياتنا الرخوة المخنثة ؟ من مثلهم يرضى بالنوم على الخشن ؟ من ذا الذي يفرض على نفسه الكفاف الذي فرضوه على انفسهم، ويمشي مثلهم راجلا عاري الرأس في مقدمة الجيوش، معرضاً حيناً لحرارة الشمس الشديدة،
٢٠٤
فولتير
وتارة لصبارة القر ؟ من الذي يضبط مثلهم كل شهواته ؟ نعم إن من يننا أتقياء، لكن أين الحكماء ؟ واين النفوس التي لا يهزها شيء، النفوس العادلة المتسامحة ؟
لقد كان في فرنسا فلاسفة مكاتب ع0 Philosophies Cabinet؛ وكلهم، باستثناء مونتافي، اصابهم الاضطهاد. وعندي أن هذا هو ادفى درجات الخسة في طبيعتنا: اعني أن نريد اضطهاد هرلاء الفلاسفة وهم الذين يريدون إصلاح طبيعتنا.
أنا أتصور جيداً أن متعصبين ينتبون إلى فرقة يذبحون المتحمسين المنتسبين إلى فرقة أخرى، وأن يكره الفرنسيسكان الدومينيكان، وان يتامر فنان للقضاء على فنان اخر متفوق عليه؛ اما ان يهدد الحكيم شارون Charron بالقضاء على حياته، وأن يقتل العالم الكريم راموس Ramus، وأن يضطر ديكارت إلى الفرار إلى هولنده ليفلت من غضب الجهلاء، وان يرغم جسندي Gassendi عدة مرات عل الاعتزال في دينى عمء:0 بعيداً عن وشايات باريس - فذلك هو العار الدائمالذييل خأمة.
ومن الفلاسفة الذين لقوا أشد اضطهاد كان بيل Bayle، شرف الطبيعة الانسانية. سيقال لي إن اسم جوريه Jurieu الذي وشى بم واضطهده، قد صار مكروهاً ملعوناً-وأنا أقر بذلك؛ وإن اسم اليسوعي لوتلييه Tellier عل صار ايضاً مكروهاً ملعوناً. لكن هل منع هذا من كون الرجال الكبار الذين اضطهدهم قد أمضوا اعمالهم في النفي والشقاء؟!
ومن بين الأعذار التي انتحلت لسحق بيل والإلقاء به في الفقر والبؤس، مقالة عن «داوود» في قاموسه المفيد. لقد لاموه على أنه لم يمدح افعالآ هي في ذاتها ظالمة، دموية، فظيعة، تتعارض مع الإيمان السليم اومخجل الحشمة والحياء .
والواقع ان بيل Bayle لم يمدح داود لأنه- بحسب ما تقول الأسفار العبرية - حشدستمائة متشرد مثقل بالديون والجرائم، ولأنه نهب مواطنيه وهو على رأس قطاع الطريق هؤلاء، ولأنه جاء من اجل ذبح نبال ل3اهل وكل أسرته، بدعوى أنه لم يرد دفع الضرائب؛ - ولم يمدح داد لأنه ذهب لبيع خدماته للملك اخيس Achis عدو أمته، ولأنه خان أخي هذا ولي نعمته، ولأنه غهب القرى المتحالفة مع هذا الملك أخيس، ولأنه ذبح في هذه القرى الجميع حى الأطفال
الرضع، حتى لايوجداحديكن ان يكشف ذات يوم عن فظائعه هذه، كما لو كان الطفل الرضيع قادراً على فضح جرائمه؛ ولأنه أهلك كل السكان في بعض القرى الأخرى، إما بالمنشار، اوذوات الأسنان herses الحديدية، أوعصي الحديد أو في افران الآجر؛ ولأنه اغتصب العرش من اسبوشيت Isboseth ، ابن شاؤول (جالوت) غدراً ؛ ولأنه جرد وأهلك ميفيبوشيث Miphibosech حفيد شاؤول وابن صديقه وحاميه يوناثاس Jonathas ؛ ولأنه سلم للجبعونيين Gabaonites ولدين آخرين من أولاد شاؤول، وخسة من أحفاده، أعدموا شنقاً.
وأنا لا أتحدث عن شهوة داود المفرطة الهائلة، وعن خليلاته، وعن زناه ببيشابيه Bethsabée وقتله لأوريا Urie.
ماذا إذن! هل كان اعداء بيل يريدون منه ان يمتدح كل هذه الفظائع والجرائم ؟ هل كان عليه ان يقول: «يا امراء الأرض، قلدوا هذا الرجل الذي هو على وفق قلب الله؛ إذبحوا بلا رحمة حلفاء أولياء نعمتكم؛ اذبحوا، أو اعملوا على ذبح كل اسرة ملككم؛ ضاجعوا كل النساء بينما أنتم تأمرون بإهراق دماء الناس؛ وستكونون نموذج الفضيلة، حين يقال إنكم نظمتم مزامير؟».
ألم يكن يل ض حق كاش حين قال إنه إذا كان داود على وفق قلب الله، فإنما كان ذلك بتوبته؛ لا بجرائمه ؟ الم يسد بيل خدمة عظيمة للجنس البشري حين قال إن الله -الذي املى كل التاريخ اليهودي من غير شك، - لم يرض عن كل الجرائم المذكورة في هذا التاريخ؟
وبالرغم من ذلك فقد اضطهد بيل؛ ومن الذي اضطهده؟ أولئك المضطهدون في مكان آخر، أولئك الهاربون الذين كانوان سيسلمون للنار في أوطانهم؛ وهؤلاء الهاربون كان يحاربهم هاربون آخرون يسمون الجنسينيين Jansénistes الذين طردهم من بلادهم اليسوعيون الذين طردوا هم الآخرون بدورهم.
وهكذا حارب المضطهدون بعضهم بعضاً حرباً قاتلة، بينما الفيلسوف، الذي اشتركوا جميعا في اضطهاده، اكتفى بالرثاءم.
وليس من المعلوم عند الكثيرين ان فونتينيل Fontenelle في سنة ١٧١٣ كان على وشك أن يفقد معاشه، ومنصبه، وحريته، بسبب أنه قبل ذلك بعشرين سنة حرر في
فولتير
فرنسا (بالفرنسية) ,رمالة في الوحي» للعالم فان دال Van Dale بعد أن احتاط فحذف منها كل ما يمكن أن يفزع منه التعص. كتب يسوعي ضد فونتنيل، فلم يتنازل هذا للرد عليم، وكان هذا كافياً كي يقوم اليسوعي لوتلييه Le Tellier، متلقي اعتراف لويس الرابع عشر، باتهامه عند هذا الملك بالإلحاد.
ولولا السيد دارجنسون 4. d’Argenson لكان الابن الجدير لمرف، مدي ثير Procureur de Vire، ومعترف بأنه هونفسه مزيف، قد أفسد شيخوخة ابن أخي كورفي.
ومن السهل التغرير بالتاثب، حتى إنه يجب علينا أن نحمد الله لأن لوتلييه هذا لم يفعل المزيد من الشرور. ذلك أن في العالم مكانين لا يمكن فيهما مقاومة الاغواء والوشاية، وهما: الرير، ومكان الاعتراف.
لقد شاهدنا دائماً الفلاسفة يضطهدهم امتعصبون ؛ لكن هل من الممكن أن يشترك في هذا أهل الأدب ، وأن يقوموا هم انفسهم بشحذ اللاح مراراً ضد اخواهم ، السلاح الذي سينفذ فيهم جميعا الواحد بعد الآخر ؟ .
يا لشقوة اهل الآداب! اتقومون انتم ايضاً بالوشاية ؟ هل وجدتم بين الرومان أمثال جراس Garasse وشومكس Chaumeix ، وهاير Hayer، قد اتهموا لوكرتيوس وبوسدونيوس وفارون، وبلنيوس؟!
ان يكون المرء منافقاً ، يالما من خسة ! لكن ان يكون منافقاً وشريراً ، فيالها من فظاعة ! لم يوجد في روما القديمة منافق واحد، روما التى كانت تعدنا ( بلاد الغال ) جزءاً صغيراً من رعاياها . انا اقر بأنه كان فيها ماكرون fourbes ، لكن لم يكن فيها منافقون في الدين، وهم أجبن وأقى فئة بين الجميع . ولماذا لا نرى منهم احداً في انجلتره ، وما السبب في أنه ا يزال يوجد نفر منهم في فرنسا ؟ .
ايها الفلاسفة ! سيكون من السهل عليكم حل هذه المشكلة 1.(< القاموس الفلسفي ») ص ٣٤٢- ٣٤٧ . باريس ، طبعةجارنييه ، سنة ١٩٦٧ ).
وواضح من هذا الفصل :
١ - أن الفلسفة عند فولتيرتنحصر في الأخلاق
٢ - أن حكمة الصين- وهي أخلاقية محضة - هي النموذج الأول للحكمة أي للفلسفة .
٣ - أن الفضيلة الرئيسية هي التسامح الديفي
ولفولتير , رسالة عن التسامح » ، تعد من أجمل ما كتب في تمجيد التسامح ، ونورد منها ما يلي ( الفصل ٢٣):
٠ لا أتوجه بدعائي هذا إلى الناس ، بل إليك أنت ، ياإله الكائنات وإله العالمين ، وإله الأزمنة : إن أذنت لمخلوقات ضعيفة ضائعة في الفضاء الشاسع ، لا يدركها ساثر الكون ، أن تتجاسر فتسالك شيئاً ، أنت يا من اعطيت كل شيء ، ويا من أوامر. ثابتة سرمدية - تفضل فانظر بعين الرحة إلى الخطايا الناجمة عن طبيعتنا ، ولا تجعل هذه الخطايا مصدرا لمصائبنا . إنك لم تعطنا قلباً ليكره به بعضنا بعضاً ، وأيدياً ليذبح بهابعضنابعضاً. اجعلنا بحيث يعاون بعضنا بعضا لاحتمال أعباء حياة أليمة عابرة ، واجعلنا بحيث الغروق الضئيلة بين الملابس القي تستر أجسامنا الضعيفة ، وبين لغاتنا القاصرة ، وبين عاداتنا المضحكة ، وبين كل قوانيننا وشرائعنا الناقصة، وبين كل آرائنا الحمقاء، ويين كل أحوالنا التي تبدو في عيوننا متباينة ولكنها أمامك متساوية -اجعلنا بحيث كل هذه الفروق الضئيلة - التي تميز الذرات الي تسمى بفي الإنسان - لا تكون علامات وشارات لإثارة الكراهية والاضطهاد . واجعل أولئك الذين يوقدون الشموع في رائعة النهار احتفالاً بك ، يتحملوا اولتك الذين يكتفون بضوء شمسك. واجعل اولئك الذين يغطون أثوابهم بقماش ابيض ، ويقولون إنه يجب أن نحبك ، لا يكرهون أوكك الذين يقولون الشيء نفسه وهم يتدثرون برداء من الصوف الأسود . ولتكن سواء : عبادتك بلغة قديمة وبلغة حديثة . واجعل أولئك المصبوغة ثيابهم بالأحر أو البنفسجي ويسيطرون على قطعة صغيرة من كومة صغيرة من هذا العالم ، ويملكون بعض الشذرات المستديرة من معدن معين -يتمتعون دون كبرياء بما يسمونه عظمة وثروة . واجعل الآخرين ينظرون إليهم دون حسد ، لأنك تعلم أنه ليس في كل هذه الأباطيل ما يستحق الحسد عليه ، أو التباهي به.
يابت الناس جميعاً يتذكرون انهم إخوة او ان يبغضوا الطغيان على النفوس كا يكرهون النهب الذي يسلب بالقوة ث٠رة|لع٠لواذغاط الهادىء إ وإذا كانت بلايا الحرب لا مفر منها ، فلا يكرهن بعضنا بعضاً ، ولا يمزقن بعضنا بعضاً في جضن السلام . ولتستعمل لحظة وجودنا في حمدك ببلاف اللغات المختلفة من سيام حتى كاليفورينا ، حمدك على كرمك الذي وهبنا هذه اللحظة».
فولتير
٤ - كذلك يتجلى في هذا الفصل عن « الفيلوف» أن من مهمة الفيلسوف ان يقوم بنقد الكتب المقدسة . وفولتير قد خاض مرارا في هذا النقد ، خصوصا في كتابه ا القاموس الفلسفي ، . وقد عفي بهذا الأمر خصوصاً اثناء مقامه في سيري Ciray لدى مدام دي شاتليه . وقد ظل خلال احد عشر عاماً يشتغل معها على الكتاب المقدس، مستعيناً بحواشي دوم كاتميه ونص ملييه Meslier ، ليستخلص حججا ضد الكنيسة وللدفاع عن اتجاهه التأليهي. وكانت نمرة تأملاته هذه «موعظة الخمسين» (سنة ١٧٤٩) وفيه يبرز ما في العهد القديم من الكتاب المقدس من فضائح ومخازي؛ عبر عنها بقوله: كم من جرائم ارتكبت باسم الرب! .. . يا إلهي! لو نزلت بنفسك على الأرض، وأمرتني بالايمان بهذا الخليط من سفك الدماء، والفسق، والقتل، والزنا بالمحارم، وكلها ارتكبت بناء على أمرك وباسمك، لقلت لك: كلا، إن قداستك لا تريد مفي أن أوافق على هذه الأمور الفظيعة التي تهينك؛ ولا بد أنك تريد امتحافي». إن في ،العهد القديم،، من التناقضات ما يؤذن بالكذب والافتراء والخداع.
ويهاجم الأناجيل ويقول : اأنتم تعرفون كم يتناقض المؤلفون الاربعة ( للأناجيل ) تناقضاً فاحشاً ؛ إن هذا دليل قاطع ض الكذب,.
وقدكتب ثولتيرهذه «الموعظة افي مية ١٧٤٩ ( وهي سنة وفاة صديقته مدام دي شاتليه ) ولكنه لم ينشرها إلآ في سنة ١٧٦٠ في الوقت الذي توقف فيه عن الكتابة ,للاتبكلرييديا، . ومنذ ذلك العام ، سنة ١٧٦٠، اهتم اهتاماً شديداً بنقد اسفار الكتاب المقدس بعهديم القديم والجديد ، وتمخض عن ذلك كتابه « الكتاب المقدس وقد صارمفسراً، Bible enfin expliquée وقد نشره في سنة ١٧٧٦ . ونحن نجد خلاصة آرائه في هذا الموضوع في مادة : « المسيحية . أبحاث تاريخية عن المسيحية»، في كتابه : «القاموس الفلسفي» (ص١٠٩- ١٣٤ من النشرة المذكورة ) كذلك نجد في المواد التالية : ابراهام - آدم -الملك- داود- حزقيال- سفر التكوين- يفتاح- أيوب, المسيح- موسى - نقدا لاذعا لماوردفي ٠ العهد القديم» بشأغهم .
لقد كان فولتير ذا نزعة دينية، ولكنها غير مرتبطة بأي دين. وقد اخذ عن المؤلهة Deists الانجليز أنماهو صحيح في المسيحية موجود في كل الأديان وآمنت به الإنسانية قبل مجى ء المسيحية بعدة الاف من السنين. إن المبادىء الأخلاقية
في المسيحية هي في جوهرها وأساسها نفس المبادى* الأخلاقية الموجودة في سائر الأديان. أما ما عدا هذا فإن فولتير يرفضه: إذ يرفض العقائد المسيحية الرئيية: التثليث، الوهية المسيح، التجدد، وكلها مندرج تحت معفى واحد؛ ويرفض لمعجزات المنسوبة إلى المسيح، وبالأحرى الى القديسين. وقد اشتدتحملتهعلى ال مسيحيةخصوصافي السنوات الخمسعشرة الأخيرة من حياته، بعد ان شعر ان كل فكرة في الإصلاح وفي تحرير الإنسان، وفي التسامح بين الناس قد لقيت معارضة شديدة من جانب رجال الكنيسة. ومن ثم جعل شعار نضاله هو: «اسحقوا الخسيس» Ecrasez !’infame (أو «لنسحق الخيى, Ecrasons L’infâme^ يختم بهذه العبارة معظم رسائله إلى رجال.«الانكلوييديا* ، وخصوصاً إلى دالمبير. ويقصد «بالخسيس، L’infâme كل ما كان يراه خرافةأوتعصباً دينياً. وكان يقول: «إن من يجعلونكم تؤمنون بأمور غير معقولة يمكنهم أن يجعلوكم ترتكبون فظائع».
لقد كان فولتير يؤمن بوجود إله للكون، لكن إلاهه لا يشبه إله اليهود ولا إله المسيحية. إن إلاهه موجود علوي غامض لا يعني بشؤون الناس، إذ لا توجد عناية في الكون. وقد اهتم فولتير بمشكلة وجود الشرفي العالم، وعبرعنرأيه في هذا الموضوع في قصصه الفلسفية: اصادق, Zadig (سنة ١٧٤٨)، العالم كما يسير» (سنة ١٧٤٨)، ممنون» (سنة ١٧٤٩)، وخصوصاً قصة كانديد: أو التفاؤل» (سنة ١٧٥٩)، ثم في قصيدة عن الزلزال الذي أصاب لشبونة» في يوم عيد جميع القديسين في (سنة ١٧٥٥ )، وعنواغها « قصيدة في كارثة لشبونة , ( سنة ١٧٥٦،
وقد رفض قولتيرتفاؤل ليبنتسالذي زعم ان اكل شيء هو للاحسن في احسن عالم ممكن، مبيناً ما في العالم من شرور. ورفض عقيدة الخطيئة الأصلية، وقول اللاهوتيين إن الله ترك الإنسان حراً في الاختيار بين الخير والشر من اجل امتحان الإنسان. وفي مادة: ,الخير، في «القاموس الفلسفي اورد رأي ابيقور كما روا، لاكتانتيوس- في مسألة العنية الإلهية والشر وهو: «الله إما ان يكون قادراً على إزالة الشرمن العالم، لكنه لا يريد ذلك؛ وإما أنه يريد إزالة الشر من العالم ولكنه غير قادر على ذلك؛ وإما أنه لا يريد ولا يقدر، وإما أنه قادر ويريد معاً. فإن كان مريداً وغير قادر، فإنه سيكون عاجزاً. وإن كان قادراً لكنه لا يريد، فإنه غيرمسن. وإن كان غير مريد ولا قادر، فإنه ليس قادراً ولا محسنا. وإن كان يريد ويقدر، فمن أين جاء الشر على وجه الأرض ؟!».
فولف
وفي قصة «صادق» عذل24، وهي ذات طابع شرقي، نجد أن المغزى الرثيسي فيها هوانه لا يوجد عدل في العالم : فالأخيار كثيراً ما يتعذبون، والأشرار كثيراً ما يسعدون ويظفرون بالنجاح والمكافأة. فإن قيل إن عدل اشه يختلف عن عدل الناس، ردفولتيرقائلاً «كيف تتوقع مني ان احكم بغير عقلي أوأن أمشي بدون أقدامي ؟ !».
لكن فولتيرميز بين نوعين من العناية: العناية الكلية، والعناية الجزئية. وقد أنكر العناية الجزئية، أوبالجزئيات، لأنه يعتقد ان الله خلق الكون كله وفقاً لقوانين ثابتة لا يمكن ان تتغيربالدعوات والصلوات التي ترفعها إليه الكائنات الفانية. أما العناية الكلية فيقصد بها وجود نظام كوني قائم على قوانين كليةثابتة.
أما في الأخلاق فاهتمام فولتيرينصب على الأخلاق في المجتمع وفي العلاقات بين الناس : فدعا إلى توفيرسعادة كل فرد في المجتمع، وإلى التسامح في العقائد، وإلى توفيرلعدل بين الناس قدر لمتطاع وإلى نبذ كل الوان التعصب، وإلى توفير الحرية : السياسية، والفكرية .
وفي العلاقة بين الدولة والدين أكد ,أنه لا يجوز سريان أي قانون تضعه الكنيسة إلاً إذا صادقت عليه الحكومة صراحة»، و«أن كل رجال الدين يجب ان يكونوا تحت الرقابة التامة للحكومة، لأنهم من رعايا الدولة»، و^يجب على رجال الدين أن يسهموا في نفقات الدولة» .
وطالب الحاكم بتهدئة المنازعات الدينية التي تعكر صفو السلام الاجتماعي (أو السلام في المجتمع) . إن التجار والصناع ورجال الدين والجنود هم جميعاً وبدرجة متساوية اعضاء في الدولة، وكلهم سواء أمام القوانين التي تسنها الدولة. وقد تحقق نداؤه هذا في المادة الأولى من «إعلان حقوق الإنسان». إذ تقول هذه المادة: «يولد الناس، ويبقون، احراراً ومتساوين أمام القانون،، وكذلك في المادة الثالثة التي تقول: «مبدأ كل سيادة يقوم في الأمة ولا يجوز لأية هيئة أو فرد أن يمارس سلطة لا تكون مستمدة صراحة من الأنة.،.
ولقد عني فولتيربالتاريخ وأسهم فيه بكتابين أساسين هما: «تاريخ شارل الثافي عثر، (سنة ١٧٣١) واعمر (حرفياً: قرن) لويس الرابع عثر، (سنة ١٧٥١ ). لكنه كان يعتقد ان التاريخ ليس مرشداً كافياً للسلوك الأخلاقي، حتى
إنم عرف التاريخ بأنم «جيل ومكائد يدبرها الاحياء للأموات» .
وفي الاقتصاد أكد حرمة الملكية الفردية، وترر انه لا يجوز المساس بها. ودعا إلى حرية التجارة والثراء، وبين فوائد التجارة في زيادة ثروة الأمم ورفاهية أبنائها، وقال إن حرية الإثراء مهمة للدولة أهمية سائر الحريات. وفي مادة «الترف» Luxe في «القاموس الفلسفي» صرح بان الترف ضروري لرفع مستوى الحياة و زيادة التقدم الإنسافي.
فولتير
( 1694 - 1778م ). واحد من أشهر الكتاب والفلاسفة الفرنسيين. ويعتبر كتابه كانديد ( 1759م ) أشهر أعماله؛ إذ ترجم إلى أكثر من مائة لغة. وهذا الكتاب في ظاهره وصف لمغامرات شاب صغير السن قليل الخبرة، ولكن النظرة الفلسفية العميقة توضح أن الكتاب استقصاء دقيق لطبيعة الخير والشر.
نجاحه المبكر ودخوله السجن. دخل فولتير السجن بتهمة تأليف أشعارٍ تسخر من الحكومة. وأُودع سجن الباستيل عام 1717م؛ حيث استطاع خلال فترة سجنه التي امتدت إلى أحد عشر شهراً، إكمـال مسرحيته المأساوية أوديب، التي جعل نجاحها من فولتير أشهر مؤلف مسرحي في فرنسا.
ولكن نجاحه هذا، انتهى فجأة على إثر مشاجرة مع أحد الشبان من طبقة النبلاء الأقوياء، ويدعى شيفيله دي روهان، إذ انتهت المشاجرة بالزج بفولتير في سجن الباستيل لعدة أيام، وأعطي بعدها الخيار إما البقاء في السجن أو المنفى.
المنفى والعودة إلى فرنسا. عاش فولتير في المنفى بإنجلترا خلال الفترة بين 1726 - 1729م؛ حيث التقى بأشهر الأدباء والفلاسفة والعلماء الإنجليز. عاد فولتير إلى فرنسا، عام 1729م وقام بنشر عدد من مؤلفاته، ولكن عندما ظهر كتابــهالرسائل الفلسفية الذي امتدح فيه الملك والنظم والمؤسسات الإنجليزية ؛ غضبت السلطات الفرنسية باعتبار أن ذلك المدح تعريض بها؛ ولهذا أدين الكتاب وفر المؤلف من باريس.
بعد فراره من باريس عاش مع المركيزة دو شاتليه خلال الفترة بين 1734 و1749م؛ فأنجز العديد من المسرحيات بجانب مقالة في الميتافيزيقا (ماوراء الطبيعة). وكتابٍ عن السير إسحق نيوتن، بجانب قصتين فلسفيَّتين مهمتين، تناول في إحداهما، زادق، مسألة مصير الإنسان، كما تخيل في الأخرى هبوط زائرين عملاقين من كوكب زُحل، استخدمها في كشف الادعاءات الإنسانية، من خلال الإجابة عن العديد من المسائل الدينية، كما شجع فولتير في هذا الكتاب استخدام العقل للارتقاء بالعلم.
سنوات عمره الأخيرة. بعد وفاة مدام دو شاتليه عام 1749م، استجاب فولتير لدعوة الإمبراطور فريدريك الأكبر، للإقامة معه في برلين، حيث قضى ثلاث سنوات تحت هيمنة هذا "الملك الفيلسوف"، حسب قول فولتير عنه.
بعد ذلك عاش فولتير في سويسرا، في قصر ريفي بالقرب من مدينة جنيف، وعندما بلغ عمره 83 عاماً، عاد إلى باريس؛ حيث كان استقباله حاراً، وتوفي في باريس.
انظر أيضًا: شاتليه، ماركي دو؛ السلام.