الديموقراطية

(بالتحويل من ديمقراطية)
من أجل ديمقراطية تحمي حقوق الفرد، انظر ديمقراطية ليبرالية.

الديموقراطية (بالإنجليزية: Democracy من اليونانية: lδημοκρατία dēmokratía‏، ,والتي تعني حرفياً «حكم الشعب») هي شكل من أشكال الحكم، وأسلوب في الحياة، وهدف أو مثل وفلسفة سياسية، يشارك فيها جميع المواطنين المؤهلين على قدم المساواة - إما مباشرة أو من خلال ممثلين عنهم منتخبين - في اقتراح، وتطوير، واستحداث القوانين. وهي تشمل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تمكن المواطنين من الممارسة الحرة والمتساوية لتقرير المصير السياسي. ويشير الاصطلاح أيضًا إلى البلد الذي يتخذ نوعًا من الحكم الديموقراطي. وتعني كلمة ديموقراطية حكم الشعب وقد وصف الرئيس الأمريكي أبراهام لِنْكُولن مثل ذلك الحكم بأنه حكم الشعب بالشعب وللشعب.

تستند معظم نتائج الانتخابات في الأنظمة الديموقراطية على حكم الأغلبية (قاعدة الأغلبية)، أي أكثر من نصف الأصوات التي أدلي بها. وقد يُؤخذ بالأكثرية حينما يتنافس في الانتخابات ثلاثة مرشحين، أو أكثر. إذ يحصل المرشح صاحب الأكثرية على أصوات أكثر من أي من المرشحين الآخرين، وليس بالضرورة أغلبية الأصوات. وفي بعض البلاد، يتم انتخاب الهيئات التشريعية بطريقة التمثيل النسبي. يعطي التمثيل النسبي الحزب السياسي نسبة مئوية من مقاعد الهيئة التشريعية تتناسب مع نصيبه من جملة الأصوات التي أدلى بها في الانتخابات.

ومن أهم أسس الديموقراطية الالتزام بالمسؤولية واحترام النظام وترجيح كفة المعرفة على القوة والعنف. ويطلق مصطلح الديموقراطية أحيانا على المعنى الضيق لوصف نظام الحكم في دولة ديموقراطيةٍ، أو بمعنى أوسع لوصف ثقافة مجتمع. والديموقراطيّة بهذا المعنَى الأوسع هي نظام اجتماعي مميز يؤمن به ويسير عليه المجتمع ويشير إلى ثقافةٍ سياسيّة وأخلاقية معيّنة تتجلى فيها مفاهيم تتعلق بضرورة تداول السلطة سلمياً وبصورة دورية. يعود منشأ ومهد الديموقراطية إلى اليونان القديم حيث كانت الديموقراطية الأثينية أول ديموقراطية نشأت في التاريخ البشري. ظل الإقرار بمبادئ المساواة وحرية الفرد على مر التاريخ أهم سمات طريقة الحياة الديموقراطية، وتبعًا لذلك، في ظل الديموقراطية، ينبغي للمواطنين ـ وبالتساوي ـ أن يجدوا الحماية لأشخاصهم، وممتلكاتهم، وحقوقهم. وينبغي أن يُمْنحوا فرصًا متساوية لممارسة حياتهم، وأعمالهم، وحقوقًا متساوية في المشاركة السياسية. فضلاً عن ذلك، يجب أن يطمئن الناس إلى عدم تعرضهم إلى إسراف في التدخل الحكومي، والسيطرة الحكومية بلا مبرر. كما يجب أن يكونوا أحرارًا ـ في حدود القانون ـ ليعتقدوا ويسلكوا ويعبروا عن أنفسهم بحرية تامة.

وتسعى المجتمعات الديموقراطية لضمان حريات معينة لمواطنيها، منها حرية الصحافة، وحرية الرأي. والأفضل أن تَكفُل للمواطنين حرية إنشاء الجمعيات، والتجمع بلا خوف من الاعتقال، أو السجن، بدون سبب قانوني، وحرية العمل والعيش أينما وكيفما شاؤوا.

رغب بعض الناس في الدول الديموقراطية في توسيع دور الحكومة في المجتمع حتى تعمل على أن تكون الظروف المادية أكثر تساويًا لكل الناس. غير أن آخرين رأوا أن توسيع دور الحكومة في مجالات مثل: تيسير المعيشة، والتعليم، والإسكان من شأنه أن ينال من حرية الناس، ويخضعهم لمزيد من النظم الحكومية.

من مؤيدي زيادة التدخل الحكوميالاشتراكيون، والاشتراكيون الديموقراطيون. ويعرف منتقدو الزيادة في التدخل الحكومي بالمحافظين. ولقد أدى الخلاف بين هاتين الفرقتين إلى إثارة واحد من أبرز موضوعات المناظرة والجدل في المجتمعات الديموقراطية الحديثة.

قد لا يكون من السهل تطبيق المبادئ الديموقراطية في الحياة العادية. ففي بعض البلاد التي تحكم بدستور مكتوب، كالولايات المتحدة الأمريكية، يتضمن الدستور نصوصًا تكفل حرية الرأي والصحافة والاعتقاد والاجتماع. وللمحافظة على هذه الحريات، وُجدت هيئة قضائية توازن بين مصالح الأفراد حتى لا يُلحق أحد الضرر بالآخرين، أو بالمجتمع. فمثلاً، لا تبيح حرية الرأي الكذب الضار.

الديموقراطية تتناقض مع أشكال الحكم التي يمسك شخص واحد فيها بزمام السلطة، كما هو الحال في نظام الحكم الملكي، أو حيث يستحوذ على السلطة عدد قليل من الأفراد، كما هو الحال في الأوليغارشية. ومع ذلك، فإن تلك المتناقضات المورثة من الفلسفة الإغريقية، هي الآن أفكار غامضة لأن الحكومات المعاصرة قد تحتوي على عناصر من الديموقراطية والملكية وأوليغارشية مختلطة معاً. كارل بوبر يعرِّف الديموقراطية على النقيض من الديكتاتورية أو الاستبداد، وبالتالي فهي تركز على الفرص المتاحة للناس للسيطرة على قادتهم والإطاحة بهم دون الحاجة إلى ثورة.

اشتقاق الكلمَة

لغويّاً، كلمة ديموقراطيّة مشتقة من الكلمة الإغريقية δημοκρατία (باللاتينية: dēmokratía)، وهي كلمةٌ مركبة مِن كلمتين: الأولى مشتقة من الكلمة اليونانية Δήμος (ديموس) وتعني عامة الناس أو «الشعب»، والثانية Κρατία (كراتيا) وتعني «السلطة» أو «الحكم». وبهذا تكون الديموقراطية Demoacratia تَعني لغةً 'حكم الشعب' أو 'حكم الشعب لِنفسهِ'. وظهرت هذه الكلمة في القرن الخامس قبل الميلاد للدلالة على النظم السياسية الموجودة آنذاك في ولايات المدن اليونانية، وخاصة أثينا؛ والمصطلح مناقض لـ ἀριστοκρατία أرستقراطية وتعني «حكم نخبة». بينما يتناقض هذين التعريفين نظرياً، لكن الاختلاف بينهما قد طمس تاريخياً. فالنظام السياسي في أثينا القديمة، على سبيل المثال، مُنح حق ممارسة الديموقراطية لفئة النخبة من الرجال الأحرار واستُبعد العبيد والنساء من المشاركة السياسية. وفعلياً، في جميع الحكومات الديموقراطية على مر التاريخ القديم والحديث، تشكلت الممارسة الديموقراطية من فئة النخبة حتى مُنح حق العتق الكامل من العبودية لجميع المواطنين البالغين في معظم الديموقراطيات الحديثة من خلال حركات الاقتراع في القرنين التاسع عشر والعشرين.

مفاهيم وقِيَم الديموقراطية

الديموقراطية هي حُكمُ الأكثريّة لكن النوع الشائع منها (أي الديموقراطية الليبرالية) يوفر حمايةُ حقوق الأقليات والأفراد عن طريق تثبيت قوانين بهذا الخصوص بالدستور، ويتجلّى كلّ ركنٍ في عدَدٍ من المفاهيم والمبادِئ سوف نبسُطها تالياً. ويندرُ أن تحوذَ دولةٌ أو مجتمعٌ ما علَى هذه المفاهيم كلها كاملةً غير منقوصة، بل أنّ عدَداً من هذه المفاهيم خِلافِيّ لا يَلقَى إِجماعاً بَين دعاة الديموقراطية المتمرّسين. ومن المعروف أن الديموقراطية في دلالاتها الاشتقاقية تعني حكم الشعب نفسه بنفسه أو قد تعني حكم الأغلبية بعد عملية الانتخاب والتصويت والفرز والانتقاء.

مبادئ تحكيم حكم الأكثرية ومفاهيمه

وهي مفاهيم ومبادِئ مصممةٌ حتَّى تحافظ الأكثريّة علَى قدرتها علَى الحكم الفعّال والاستقرار والسلم الأهلي والخارجي ولمنع الأقليّات من تعطيل الدولة وشلّها:

مفهوم التوازن

تبدأُ فكرة التوازن من أنّ مصالح الأكثريّة قد تتعَأرضُ مع مصالح الأقليّات والأفراد بشكلٍ عام، وأنّهُ لا بد من تحقيق توازن دقيق ومستدام بينهما (ومن هنا فكرة الديموقراطية الليبرالية). وتتمدَّد هذه الفكرة لتشملَ التوازن بيَن السلطات التشريعيّة والتنفيذيّة والقضائِيّة، وبين المناطق والقبائِل والأعراق (ومن هنا فكرة اللامركزيّة)، وبين السلطات الدينيّة والدنيوِيّة (ومن هنا فكرة العلمانية).

مفهوم الشرعية السياسية والثقافة الديموقراطية

تعتمد كل أشكال الحكومات على شرعيتها السياسية، أي على مدى قبول الشعب بها، لانها من دون ذلك القبول لا تعدو كونها مجرد طرف في حرب أهلية، طالما ان سياساتها وقراراتها ستلقى معارضة ربما تكون مسلحة. وباستثناء من لديهم اعتراضات على مفهوم الدولة لاسلطوية والمتحررين (Libertarians) فإن معظم الناس مستعدون للقبول بحكوماتهم إذا دعت الضرورة. والفشل في تحقيق الشرعية السياسية في الدول الحديثة عادة ما يرتبط بالانفصالية والنزاعات العرقية والدينية أو بالاضطهاد وليس بالاختلافات السياسية، إلا أن ذلك لا ينفي وجود أمثلة على الاختلافات السياسية كالحرب الأهلية الإسبانية وفيها انقسم الإسبان إلى معسكرين سياسيَيْن متخاصمَيْن.

تتطلب الديموقراطية وجود درجة عالية من الشرعية السياسية لأن العملية الانتخابية الدورية تقسم السكان إلى معسكرين «خاسر» و«رابح». لذا فإن الثقافة الديموقراطية الناجحة تتضمن قبول الحزب الخاسر ومؤيديه بحكم الناخبين وسماحهم بالانتقال السلمي للسلطة وبمفهوم «المعارضة الموالية» أو «المعارضة الوفيّة». فقد يختلف المتنافسون السياسيون ولكن لابد أن يعترف كل طرف للآخر بدوره الشرعي، ومن الناحية المثالية يشجع المجتمع على التسامح والكياسة في إدارة النقاش بين المواطنين. وهذا الشكل من أشكال الشرعية السياسية ينطوي بداهةً على أن كافة الأطراف تتشارك في القيم الأساسية الشائعة. وعلى الناخبين أن يعلموا بأن الحكومة الجديدة لن تتبع سياسات قد يجدونها بغيضة، لأن القيم المشتركة ناهيك عن الديموقراطية تضمن عدم حدوث ذلك.

إن الانتخابات الحرة وحدها ليست كافية لكي يصبح بلد ما ديموقراطياً: فثقافة المؤسسات السياسية والخدمات المدنية فيه يجب أن تتغير أيضاً، وهي نقلة ثقافية يصعب تحقيقها خاصة في الدول التي اعتادت تاريخياً أن يكون انتقال السلطة فيها عبر العنف. وهناك العديد من الأمثلة المتنوعة كفرنسا الثورية وأوغندا الحالية وإيران التي استطاعت الاستمرار على نهج الديموقراطية بصورة محدودة حتى حدثت تغييرات ثقافية أوسع وفتحت المجال لظهور حكم الأغلبية.

مظاهر الديموقراطية

تختلف خصائص الديموقراطية من بلد إلى آخر، غير أن هناك مظاهر أساسية، متشابهة إلى حدما، في كل الدول الديموقراطية.

الانتخابات الحرة

وهي تعطي الناس فرصة اختيار قادتهم، والتعبير عن وجهات نظرهم في المسائل المهمة. وتجري الانتخابات عادة على فترات للتأكد من أن الحكومات التي تدير شؤون البلاد، سواء كانت قومية أو محلية، تمثل اختيار الناس فعلاً. ذلك أن احتمال خروج الحكومة من السلطة بالاقتراع يبعث على الاطمئنان إلى أن أولئك الذين سبق أن انتخبوا في مناصب يولون الرأي العام اهتمامهم.

تتعلق الشروط القانونية لحق الاقتراع، أو الترشيح لمنصب انتخابي عام وفي أغلب الديموقراطيات، بالعمر ومكان الإقامة والجنسية. وتتيح الممارسة الديموقراطية للناس أن ينتخبوا بالاقتراع السري دون ضغط أورشوة.ويتطلب فرز الأصوات النزاهة، وعدم تزييف النتائج. انظر: الانتخاب.

حكم الأغلبية وحقوق الأقلية

في ظل الديموقراطية، يجب ـ في أغلب الأحيان ـ أن توافق الأغلبية على القرار، قبل أن يصبح نافذًا. ويجوز أن يستخدم هذا المبدأ الذي يطلق عليه حكم الأغلبية في انتخاب مسؤولين أو إقرار سياسة عامة. وتأخذ بعض الديموقراطيات بأغلبية الأصوات. وتشترط أكثر الديموقراطيات أصواتًا تزيد على الأغلبية البسيطة لإجراء تغييرات أساسية، أو دستورية.

تستند قاعدة الأغلبية إلى اعتبار أنه، إذا كان كل المواطنين سواسية، فإن رأي الأغلبية سيكون أفضل من رأي الأقلية. والديموقراطية تجعل الموافقة الطوعية أساسًا للسلطة السياسية والشرعية، وفعالية الحكم. على أن الديموقراطية معنية أيضًا بحماية الحرية الفردية، وبالحيلولة دون تعدي الحكومة على حريات الأفراد. لذلك تنص الدساتير الديموقراطية على كفالة حقوق معينة لايجوز أن يحرم الناس منها، حتى بأغلبية كبيرة جدًا. تشمل هذه الحقوق الحريات الأساسية، كحرية التعبير، وحرية الصحافة، وحرية الاجتماع. وينبغي على الأغلبية، أيضًا، الاعتراف بحق الأقلية في السعي لتصير أغلبية بالوسائل المشروعة.

الأحزاب السياسية

وهي جزء مهم من نظام الحكم الديموقراطي. فالتنافس بين الأحزاب في الانتخابات يعطي الانتخابات مغزاها بإتاحة الفرصة للمقترعين للاختيار بين المرشحين الذين يمثلون مختلف المصالح، ومختلف وجهات النظر.

في كثير من البلدان الديموقراطية ذات نظام الحزبين كالولايات المتحدة، أو ذات نظام التعددية الحزبية ـ ثلاثة أحزاب أو أكثر ـ يشكل الحكومة الحزب الذي يكسب الأغلبية المطلقة في الانتخابات منفردًا. وقد لا تسفر الانتخابات في الدول الديموقراطية ذات التعددية الحزبية عن أغلبية لحزب منفرد. في هذه الحالة، يجوز أن يأتلف حزبان أو أكثر، فتتكون أغلبية لتشكيل حكومة ائتلافية. يقوم الحزب، أو الأحزاب التي لا تشارك في الحكومة وفي ظل الديموقراطية بدورالمعارضة المخلصة. وهي ـ أي المعارضة ـ حرة في نقد سياسات، وإجراءات الحزب الذي يتولى السلطة. وفي الدول غير الديموقراطية كالدكتاتوريات ـ الحكومات الاستبدادية ـ قد يُعَدُّ نقد الحزب الحاكم خيانة. وغالبًا لا يُسمح بقيام أي حزب غير الحزب الحاكم، ولا خيار للناس بين المرشحين.

فى الممارسة الواقعية، نجد الساسة فى البلاد الديموقراطية ينتمون فى العادة للأحزاب التى ترسم السياسة أو البرامج العامة، وليسوا مجرد مستجيبين للقضايا الأساسية التى يطرحها المواطنون واحدة تلو الأخرى. وهكذا تصبح الأحزاب بحق مراكز مستقلة للقوة. وقد دلتنا خبرات القرن العشرين أن رؤى المواطنين ووجهات نظرهم تجد أفضل تمثيل لها عن طريق الأحزاب الصغيرة التى تتوالد بشكل دائم، كما هو الحال فى إيطاليا واسرائيل. ولكن الحكم يتحقق بشكل أفضل حيثما يكون هناك حزبان فقط، أو ثلاثة أحزاب على الأكثر، كما هو الحال فى بريطانيا أو الولايات المتحدة. وتلك واحدة من المفارقات العديدة للديموقراطية التى لفتت اهتمام علماء الاجتماع والسياسة.

وعلى الرغم من أن هناك كثيرا من النظم ذات الحزب الواحد فى العالم، والتى تدعى الديموقراطية على أساس أنها تمثل الإرادة الجمعية للجماهير، إلا أنه من المتفق عليه عموما أن التنافس الحقيقى بين الأحزاب والتمثيل الحقيقى للمصالح المختلفة يعد شرطا ضروريا ولازما للديموقراطية.

تقييد السلطة

تنطوي النظم الديموقراطية على ترتيبات مختلفة، من شأنها الحد من تمادي أي شخص، أو فرع من فروع الحكومة في التسلط. ففي بعض البلاد كأستراليا، والهند، والولايات المتحدة، وكثير غيرها، حكومات اتحادية، وحكومات ولايات، أو أقاليم تتقاسم السلطة بينها. كما أن الحكومات المحلية المنتخبة، في الأنظمة الديموقراطية، تتولى المسؤولية عن خدمات محلية محددة.

في كل الدول الديموقراطية، يخضع المسؤولون الحكوميون للقانون. وهم مسؤولون لدى الشعب. وتساعد وسائل الإعلام المسؤولين على تحسس اتجاهات الرأي العام.

الحكم الدستوري

تقوم الحكومة الديموقراطية على القانون، وهو في أغلب الحالات دستور مكتوب. تبين الدساتير سلطات وواجبات الحكومة، وتحدد ما يجوز لها عمله. وتوضح كيف تُسن القوانين، وكيف يتم تنفيذها. وتحتوي بعض الدساتير على قائمة مفصلة بحقوق المواطنين، تشمل توصيفًا لحرياتهم الأساسية، وتمنع الحكومة من التعدي عليها. انظر: بيان الحقوق.

فبريطانيا مثلاً ليست لها وثيقة مفردة، مكتوبة تسمى الدستور. بيد أن لديها تقاليد وأعرافًا معينة، فضلاً عن مواثيق محددة، وكثير من القوانين جرى الأخذ بها عمومًا على أنها تشكل ¸الأحكام الأساسية للنظام·. انظر: الدستور.

من الخصائص الجوهرية للحكم الديموقراطي وجود هيئة قضائية مستقلة. وواجب النظام القضائي صيانة حرمة القوانين، وحقوق الأفراد، بمقتضى تلك القوانين.

المنظمات الخاصة

يقوم الأفراد والمنظمات الخاصة في ظل الديموقراطية بكثير من الأعمال الاجتماعية، والاقتصادية دون سيطرة الحكومة على أغلبها. فالصحف، والمجلات يملكها ويديرها أصحابها. والنقابات العمالية يسيرها العمال لمصلحتهم، ولا تسيرها الدولة. وتعمل المدارس الخاصة جنبًا إلى جنب مع المدارس الحكومية. ويجوز تكوين جماعات للتأثير على الرأي العام حول مسائل وسياسات عامة. وأكثر الأعمال التجارية في المجتمعات الديموقراطية ممتلكات خاصة، ويديرها أصحابها، بالرغم من أنه يجوز للحكومة أن تتولى بنفسها إدارة بعض الصناعات والمرافق والخدمات المهمة.

كيف تعمل الديموقراطية ولماذا

ربما خطر لبعض الناس أن أشد العقبات أمام تحقيق الحرية والمساواة للفرد ذات طبيعة سياسية. وربما رأى آخرون أن أفضل الحكم أقله تحكمًا. غير أنه ـ بمرور الزمن ـ أيقن كثيرمن الناس أن توافر قدر من التنظيم الحكومي أمر ضروري لجعل الحرية الشخصية أكثر قيمة، ولترسيخ مبدأ المساواة، فضلاً عن تحسين ظروف الحياة في البلاد للناس جميعًا.

مشاركة المواطنين

تدعو الديموقراطية لتوسيع مشاركة الناس في مجال العمل السياسي. وفي بعض الديموقراطيات يُعدُّ إدلاء المواطنين البالغين بأصواتهم في كل الانتخابات، المحلية، والإقليمية، والقومية واجبًا. كمايجب على المواطنين المؤهلين أن يرشحوا أنفسهم في الانتخابات، وأن يسهموا في تطوير بلادهم. فالمواطن النشط المستنير أفضل ضمانة تحول دون أي فساد أو عجز في الحكومة.

التعليم والديموقراطية

تؤمن الديموقراطية بأهمية التعليم، والمشاركة الواسعة في السياسة ـ وفقًا للمثل الديموقراطية. وهي لا تكفل، بالضرورة، صلاح الحكم. فالحكومة الصالحة تعتمد على المشاركة الصالحة. والمواطنون ذوو الإدراك الحسن، والمتعلمون تعليمًا حسنًا، هم القادرون على المشاركة بإيجابية أكثر. لذلك، تحتاج الديموقراطية لمواطنين متعلمين يستطيعون تدبير شؤونهم.

التنمية الاقتصادية والوفاق الوطني

نشأت أغلبية الديموقراطيات في مجتمعات متقدمة، ترتفع فيها نسبة التعليم، وتقل الفوارق في الثراء. ويعتقد بعض العلماء أن الديموقراطية تصلح في البلاد التي تضم طبقة متوسطة كبيرة.

لقد انهارت كثير من الحكومات الديموقراطية إبان أزمات اقتصادية. كانت المشكلة الأساسية لإخفاقات هذه الديموقراطيات هي عجزها عن تحقيق القدر الكافي من الوفاق، سواء كان بين الناس أو بين قادتهم. وكثيرًا ما تفاقمت، واحتدمت الانشقاقات بين الطبقات والأحزاب والقادة، مما عطل عمل الحكومة المنتخبة انتخابًا حرًا.

فالحكومات الديموقراطية عرضة لعدم الاستقرار، حينما يتفرق الناس وتساورهم الشكوك فيما بينهم. وأحيانًا، تشل الانقسامات بين الأجناس والأعراق والديانات سير الديموقراطية.

الديموقراطية المباشرة والديموقراطية التمثيلية

توجد عدة أشكال من الديموقراطية، ولكن هناك شكلان أساسيان، وكلاهما يهتم بكيفية تحقيق إرادة مجموع المواطنين المؤهلين لتلك الممارسة، حيث يشارك المواطنون في الدولة الديموقراطية، في الحكم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.

في ظل الديموقراطية المباشرة -وتسمى أيضًا - الديموقراطية الصرفة ـ يجتمع الناس في مكان واحد ليسنوا قوانين مجتمعهم. وهذا ما كان يجري في الدولة ـ المدينة (أثينا) في اليونان القديمة. يتمتع كل المواطنين المؤهلين في الديموقراطية المباشرة بالحق في المشاركة المباشرة والفعالة في صنع القرار في تشكيل الحكومة.

أما الديموقراطية الحديثة فهي في الغالب ديموقراطية نيابية لأن المجتمعات الكبيرة، كالمدن والولايات والأقاليم أو الأقطار، لا يمكن لكل الناس فيها أن يجتمعوا في مجموعة واحدة. بدلاً من ذلك، فإنهم يختارون عددًا معينًا من بينهم لينوبوا عنهم في اتخاذ القرارات بشأن القوانين والأمور الأخرى. ويجوز لمجموعة النواب أن تسمى مجلسًا، أو هيئة تشريعية، أو برلمانًا، أو مؤتمرًا. في معظم الديموقراطيات الحديثة، يظل مجموع المواطنين المؤهلين هم السلطة السيادية في صنع القرار ولكن تمارس السلطة السياسية بشكل غير مباشر من خلال ممثلين منتخبين، وهذا ما يسمى الديموقراطية التمثيلية. نشأ مفهوم الديموقراطية التمثيلية إلى حد كبير من الأفكار والمؤسسات التي وضعت خلال العصور الأوروبية الوسطى، وعصر الاصلاح، وعصر التنوير، والثورات الأمريكية والفرنسية.

تطور الديموقراطية عبر العصور

كثرت النظم السياسية والإيديولوجيات التى تدعى تميزها بالديموقراطية، إلى الحد المذى أفقد هذه الكلمة معناها إلى حد كبير فى الاستخدام اليومى لها. إذ استخدمت الكلمة لإسباغ الشرعية على كل نوع من أنواع ترتيبات القوة السياسية تقريباً.

الديموقراطيات القديمة

تعود أصول وجذور الديموقراطية كفكرة وكممارسة إلى مرحلة الدولة-المدينة التى عرفها الإغريق في اليونان القديمة منذ القرن السادس قبل الميلاد. ومصطلح الديموقراطية - بشكله الإغريقي القديم - تم نحته في أثينا القديمة في القرن الخامس قبل الميلاد من الكلمة الإغريقية ديموس بمعنىالشعب أوالسلطة. فقد شغف المفكرون السياسيون اليونانيون بفكرة حكم القانون، وعدوا الاستبداد أسوأ أنواع الحكم. فنشأت في أثينا، وبعض الدول ـ المدن اليونانية، حكومات ديموقراطية.

فى ذلك الوقت كانت الديموقراطية تعنى ببساطة "حكم المواطنين" (الشعب)، وكانت منظمة بحيث تتيح الفرصة لكل المواطنين للمشاركة فى القرارات السياسية التى سوف يكون لها تأثير عليهم جميعاً. وكان هذا الحق يمارس — آنذاك — فى الاجتماعات واللقاءات الجماهيرية، وهو شكل من الممارسة قريب مما نطلق عليه اليوم "الديموقراطية المباشرة" أو الديموقراطية النقية. والديموقراطية الأثينية عموماً يُنظر إليها على أنها من أولى الأمثلة التي تنطبق عليها المفاهيم المعاصرة للحكم الديموقراطي. كان نصف أو ربع سكان أثينا الذكور فقط لهم حق التصويت، ولكن هذا الحاجز لم يكن حاجزاً قومياً ولا علاقة له بالمكانة الاقتصادية فبغض النظر عن درجة فقرهم كان كل مواطني أثنيا أحرار في التصويت والتحدث في الجمعية العمومية. وكان مواطنو أثينا القديمة يتخذون قراراتهم مباشرة بدلاً من التصويت على اختيار نواب ينوبون عنهم في إتخاذها.

ولكن من المهم مع ذلك، أن نتذكر ثلاثة أمور ونحن نتحدث عن تلك الديموقراطية اليونانية القديمة: أولها، أنها ديموقراطية استبعدت المرأة من إطارها، وقطاعاً كبيرا يتمثل فى طبقة العبيد. وثانيها أن الشعب كان يعمل ويتصرف ككيان جمعي أو اجتماعي، وليس كأفراد منعزلين عن بعضهم البعض، وثالثها أن هذا النوع من صنع القرار بهذا الشكل الجمعى لم يكن لينجح إلا طالما ظل مجموع المواطنين صغير الحجم نسبياً ومتجانساً. لذلك ذهب كيرك باتريك سيل فى كتابه "المقياس البشرى"، الصادر عام 198 - استناداً إلى الدراسات الإمبيريقية لروبرت دال - ذهب إلى القول بأنه من الصعوبة بمكان تطبيق المديموقراطية الحقيقية فى جماعة يزيد عدد أفرادها عن 10,000، ومن المستحيل تحقيقها بالنسبة لجماعة من السكان يزيد عددها عن 50,000. بينما معظم الأوربيين الغربيين والأمريكيين يعيشون فى بلدات ومدن يزيد عدد سكان الواحدة منها عن الأرقام سالفة الذكر. والحقيقة أن العصر الكلاسيكى للديموقراطية الإغريقية لم يستمر لأكثر من مائتى عام تقريباً، وفى نطاق مدن-دول، لم يزد عدد سكان الواحدة منها من المواطنين المتميزين عن بضعة آلاف قليلة، وأنها سرعان ما انهارت بفعل الغزو والحرب. ولم تتح قط لها فرصة الاستمرار لمدد طويلة والبقاء فى وجه النمو السكانى. أما الديموقراطيات المعاصرة فتختلف كلها أشد الاختلاف عن النموذج الإغريقى القديم. وبمرور الزمن تغير معنى «الديموقراطية» وارتقى تعريفها الحديث كثيراً منذ القرن الثامن عشر مع ظهور الأنظمة «الديموقراطية» المتعاقبة في العديد من دول العالم. فنمط الديموقراطية الذى ظهر فى انجلترا فى القرن السابع عشر، والذى أضحى تدريجيا نموذجا للعالم أجمع، حيث كان من نوع الديموقراطية النيابية. ففى هذا النمط من الديموقراطية كان المواطنون ينتخبون الساسة الذين يعدون بأن يمثلوا مصالح هؤلاء المواطنين فيما يدور من مناقشات وما يتخذ من قرارات، وهى التى تتم عادة فى منبر قومى مركزى كالبرلمان أو الكونجرس، وهكذا يصبح البرلمان، نظريا على الأقل، بمثابة الصورة المصغرة للشعب.

ولقد عرف الروم القدماء الديموقراطية، لكنهم لم يمارسوها كما مارسها أهل أثينا. وتحدث المفكرون السياسيون الرومان عن استناد السلطة السياسية إلى موافقة الشعب. وقالوا إن للناس حقوقًا طبيعية يجب على الدولة احترامها.

أولى أشكال الديموقراطية ظهرت في جمهوريات الهند القديمة والتي تواجدت في فترة القرن السادس قبل الميلاد وقبل ميلاد بوذا. وكانت تلك الجمهوريات تعرف بالـ ماها جاناباداس، ومن بين هذه الجمهوريات فايشالي التي كانت تحكم فيما يعرف اليوم ببيهار في الهند والتي تعتبر أول حكومة جمهورية في تاريخ البشرية. وبعد ذلك في عهد الإسكندر الكبير في القرن الرابع قبل الميلاد كتب الإغريق عن دولتي ساباركايي وسامباستايي، اللتين كانت تحكمان فيما يعرف اليوم بباكستان وأفغانستان، «وفقًا للمؤرخين اليونانيين الذين كتبوا عنهما في حينه فإن شكل الحكومة فيهما كان ديموقراطياً ولم يكن ملكياً».

تطوّر القيم الديموقراطية في العصور الوسطى

معظم الديموقراطيّات القديمة نمت في مُدنٍ صغيرة ذات ديانات محليّة أو ما يسمَّى ب المدينة-الدولة. وهكذا فإِنّ قيام الإِمبراطوريات والدول الكبرى مثل الإمبراطورية الفارسية والإمبراطورية الهلينية-الرومانية والإمبراطورية الصينية والإمبراطورية العربية-الإسلامية والإمبراطورية المغولية في العصور الوسطى وفي معظم البلاد التي كانت تضمُّ الديموقراطيات الأولى قد قضى علَى هذه الدويلات الديموقراطية بل علَى فُرص قيامها أيضاً.

لكنَّ هذا لا يعني أنَّ تطَوّراً بٱتجاهِ الديموقراطية لم يحصل في العصور الوسطى. ولكنّ معظم هذا التطوّر حصل علَى مُستوَى القِيَم وحقوق الأفراد الذي نتج عن قِيَم الليبرالية التي نشأت مع فلاسفة التنوير توماس هوبز وجون لوك وإيمانويل كانط قبل تحقيق تقدم ملموس في الديموقراطية وهو الذي أدى إلى ازدهار نموذج الديموقراطية الليبرالية دون غيرها من الديموقراطيات في الغرب.

وفي القرون الوسطى، أدى التنازع بين الولاء للكنيسة والولاء للدولة ـ في بلاد أوروبا ـ إلى وضع أسس الحكم الدستوري. ونتيجة للنظام الاقطاعي، والفوارق الطبيعية التي سادت في تلك الفترة، نشأت محاكم إقطاعية لحماية مصالح كبار الإقطاعيين. ثم تطورت تلك المحاكم إلى مجالس يعقدها الملوك للتشاور معها. ثم تدرجت مع مضي الزمن حتى صارت مجالس تمثيلية، وبرلمانات حديثة.

وقد ساهمت الدياناتُ الكبرَى كالمسيحية والبوذية والإسلام في تَوطيد قِيَمٍ وثقافاتٍ ساعدت علَى ازدهار الديموقراطية فيما بعد. ومن هذه القيم:

إِرهاصات الديموقراطية الحديثة وعصر التنوير

في عصر النهضة والإصلاح في أوروبا، خلال القرون الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر، تفشت الروح العقلانية، والاستقلالية الفردية الجديدة. فأثرت على التفكير السياسي، وأخذ الناس يطالبون بمزيد من الحرية، والديموقراطية في كل مجالات الحياة.

وانتقلت فكرة الاستقلالية الفردية إلى الكنيسة. ففي أوائل القرن السادس عشر الميلادي، قاد مارتن لوثر حركة إصلاحية خرجت على الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، ورفضت ادعاءها بأنها الواسطة بين الله والناس. غير أن كلاً من الكنيسة الكاثوليكية والمنشقين عنها، أو البروتستانت أيد حق الاعتراض على الحكم المطلق.

الديموقراطية في بريطانيا

في عام 1215م، وافق الملك جون على إصدار وثيقة الماجنا كرتا ـ العهد العظيم ـ فأصبحت هذه الوثيقة التاريخية رمزًا للحرية. واستُخدمت فيما بعد لتحقيق مطالب أخرى، ترسخ مبادئ العدالة والمشاركة في نظام الحكم.

وفي أعقاب الثورة الإنجليزية، عام 1688م، اكتسب البرلمان السلطة العليا. وفي عام 1689م، أصدر البرلمان وثيقة الحقوق التي نصت على حقوق الشعب وحرياته الأساسية.

ونتيجة للثورة الصناعية، ازدادت المطالب الديموقراطية في بريطانيا. وأصبح للمدن الصناعية الجديدة ممثلون في البرلمان. وفي عام 1918م، أعطي كل الرجال حق الاقتراع في الانتخابات، ولم يشمل هذا الحق النساء إلا في عام 1928م.

الديموقراطية في فرنسا

أسهمت كتابات مفكرين سياسيين أمثال مُونتسكيو، وفولتير، وجان جاك روسو في قيام الثورة الفرنسية. ففي عام 1789م، قال مونتسكيو إنّ الحرية السياسية تتطلب الفصل بين سلطات الحكم التنفيذية والتشريعية والقضائية. وعارض فولتير تعدي الحكومة على حقوق الفرد وحرياته. وذكر روسو في كتابه العقد الاجتماعي عام (1762م) أن على الناس ¸الخضوع للسلطات الشرعية فقط·. لقد كانت الثورة الفرنسية حدثًا بارزًا في تاريخ الديموقراطية، ونادت بالحرية، والعدالة، ولكنها لم تحول فرنسا إلى ديموقراطية.

الديموقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية

أخذت الديموقراطية الأمريكية جذورها من التقاليد التي جاءت مع المستعمرين الإنجليز الأوائل. وفي عام 1775م، قامت الثورة الأمريكية، فطالب المستعمرون بالحكم الذاتي، وألا تفرض عليهم ضرائب، بدون أن يكون لهم ممثلون في الحكم. ويعد إعلان الاستقلال الذي أصدره المؤتمر القاري في عام 1776م، وثيقة تاريخية في الديموقراطية جعلت الحقوق الإنسانية نموذجًا تحتذيه الحكومة.

انتشار الديموقراطية

انتشار الديموقراطية. خلال القرن التاسع عشر الميلادي، نمت الديموقراطية باطراد، على غرار النموذجين الأمريكي والبريطاني. وانتشرت المؤسسات الانتخابية والتشريعية.

أدت الثورة الصناعية إلى تغييرات سياسية بالغة الأهمية، خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي. فقد طالبت الطبقات العاملة بحقوق سياسية كبيرة ونالت كثيرًا منها. ومنحت القوانين الجديدة حق الاقتراع لمزيد من المواطنين. وتوسعت حريات التعبير والصحافة والاجتماع والعقيدة.

لم تبلغ الديموقراطية كل مكان. وتحولت بعض البلاد من الدساتير الديموقراطية إلى الاستبداد. لقد وجد بعض هذه البلاد أن الدستور وحده لم يكن كافيًا لكفالة الديموقراطية. ففي روسيا، أقامت مجموعة من الثوريين أنظمة استبدادية شيوعية في عام 1917م. وأخذت ألمانيا بالحكم الديموقراطي في عام 1919م، لكن صعود أدولف هتلر إلى السلطة أحالها إلى استبدادية فاشية في عام 1933م.

الديموقراطية في الوقت الحاضر

تزعم أغلبية الحكومات اليوم أنها ديموقراطية. غير أن كثيرًا منها تنقصه بعض الحريات الأساسية الملازمة عادة للديموقراطية، مثل: حرية التعبير وحرية الصحافة وحرية الاجتماع في الأماكن العامة أو الانتخابات التنافسية.

هناك دول كثيرة لها تاريخ عريق في الحكم الديموقراطي، مثل: بريطانيا والولايات المتحدة ويحاول عدد من الدول ـ حديثة الاستقلال ـ في آسيا وإفريقيا، إنشاء مؤسسات ديموقراطية، غير أن قلة الخبرة في الحكم الذاتي، ومشاكل أخرى تجعل الحكم الديموقراطي صعب التطبيق.

لم يكن يوجد في عام 1900 نظام ديموقراطي ليبرالي واحد يضمن حق التصويت وفق المعايير الدولية، ولكن في العام 2000 كانت 120 دولة من دول العالم أو ما يوازي 60% من مجموعها تعد ديموقراطيات ليبرالية. استنادا على تقارير مؤسسة بيت الحرية

فريدم هاوس وهي مؤسسة أمريكية يزيد عمرها عن 64 عاما، هدفها الذي يعبر عنه الاسم والشعار هو نشر «الحرية» في كل مكان، كانت هناك 25 دولة في عام 1900 أو ما يعادل 19% منها كانت تطبق «ممارسات ديموقراطية محدودة»، و 16 أو 8% من دول العالم اليوم.

وتشير إحصاءات بيت الحرية إلى أن عدد الملكيات الدستورية في عام 1900 كان 19 ملكية أي ما يعادل 14% من دول العالم، وكانت الدساتير فيها تحد من سلطات الملك وتمنحها للبرلمان المنتخب، ولا توجد الآن ملكيات دستورية. وكانت دول أخرى تمتلك ولا زالت أشكالاً متعددة من الحكم غير الديموقراطي

إن تقييم بيت الحرية في هذا المجال لا زال مثاراً للجدل فنيوزلندا مثلاً تطبق المعايير الدولية لحقوق التصويت منذ عام 1893 (رغم وجود بعض الجدل حول قيود معينة مفروضة على حقوق شعب الماوري في التصويت). ويتجاهل بيت الحرية بأن نيوزيلندا لم تكن دولة مستقلة تماماً. كما إن بعض الدول غيّرت أنظمة حكمها بعد عام 2000 كالنيبال مثلاً والتي صارت غير ديموقراطية بعد أن فرضت الحكومة قانون الطواريء عقب الهزائم التي لحقت بها في الحرب الأهلية النيبالية.

موجات الديموقراطية في القرن العشرين

لم يتخذ توسع الديموقراطية في القرن العشرين شكل الانتقال البطيء في كل بلد على حدة، بل شكل «موجات ديموقراطية» متعاقبة، صاحب بعضها حروب وثورات. وفي بعض الدول تم فرض الديموقراطية من قبل قوى عسكرية خارجية. ويرى البعض ذلك تحريراً للشعوب. لقد أنتجت الحرب العالمية الأولى الدول القومية في أوروبا والتي كان معظمها ديموقراطياً بالاسم فقط كمجمهورية فايمار مثلاً. في البداية لم يؤثر ظهور هذه الدول على الديموقراطيات التي كانت موجودة حينها كفرنسا وبريطانيا وبلجيكا وسويسرا التي احتفظت بأشكال حكوماتها. إلا أن تصاعد مد الفاشية في ألمانيا النازية وإيطاليا موسوليني ونظام الجنرال فرانكو في إسبانيا ونظام أنطونيو دي أوليفيرا سالازار في البرتغال ساهمت كلها في تضييق نطاق الديموقراطية في ثلاثينيات القرن الماضي وأعطت الانطباع بانه «عصر الحكام الدكتاتوريين» بينما ظلت معظم الدول المستعمرة على حالها لقد تسببت الحرب العالمية الثانية بحدوث انتكاسة شديدة للتوجه الديموقراطي في أوروبا الشرقية. فاحتلال ألمانيا ودمقرطتها الناجحة من قبل قوة الحلفاء العليا خدمت كنموذج للنظرية التي تلت والخاصة بتغيير النظام، ولكن نصف أوروبا الشرقية أرغم على الدخول في الكتلة السوفيتية غير الديموقراطية. وتبع الحرب إزالة الاستعمار، ومرة أخرى سادت في معظم الدول المستقلة الحديثة دساتير لا تحمل من الديموقراطية سوى التسمية فقط. في العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية امتلكت معظم الدول الديموقراطية الغربية اقتصاديات السوق الحرة والتي نجم عنها دول الرفاهية وهو ما عكس إجماعاً عاماً بين الناخبين والأحزاب السياسية في تلك الدول أما في الخمسينات والستينات فقد كان النمو الاقتصادي مرتفعاً في الدول الغربية والشيوعية على حد سواء، ومن ثم تناقص ذلك النمو في الدول الشيوعية. وبحلول عام 1960 كانت الغالبية العظمى من الدول أنظمة ديموقراطية بالاسم فقط، وهكذا فإن غالبية سكان العالم كانت تعيش في دول شهدت انتخابات معيبة وأشكالاً أخرى من التحايل (وخاصة في الدول الشيوعية).

لقد أسهمت الموجات المتعاقبة من الدمقرطة في تسجيل نقاط إضافية للديموقراطية الليبرالية للعديد من الشعوب. أما الضائقة الاقتصادية في ثمانينات القرن الماضي فقد ساهمت إلى جانب الامتعاض من قمع الأنظمة الشيوعية في انهيار الإتحاد السوفيتي وإنهاء الحرب الباردة ودمقرطة وتحرر دول الكتلة السوفيتية السابقة. وأكثر الديموقراطيات الجديدة نجاحاً كانت تلك القريبة جغرافياً وثقافياً من دول أوروبا الغربية، وهي الآن إما دول أعضاء أو مرشحة للانتماء إلى الإتحاد الأوروبي.

معظم دول أمريكا الاتينية وجنوب شرق آسيا مثل تايوان وكوريا الجنوبية وبعض الدول العربية والأفريقية مثل لبنان والسلطة الفلسطينية – فقد تحركت نحو تحقيق المزيد من الديموقراطية الليبرالية خلال عقد التسعينات وعام 2000. إن عدد الأنظمة الديموقراطية الليبرالية الآن أكثر من أي وقت مضى وهو يتزايد منذ مدة دون توقف. ولهذا يتوقع البعض بأن هذا التوجه سيستمر في المستقبل إلى الحد الذي ستصبح فيه الدول الديموقراطية الليبرالية المقياس العالمي لشكل المجتمع البشري. وهذا التنبوء يمثل جوهر نظرية فرانسيس فوكوياما «نهاية التاريخ»

التجربة الديموقراطية الأمريكية تأتي في مقدمة التجارب الديموقراطية في العصر الحديث، حيث بدأت مع قيام الثورة الأمريكية عام 1776 والتي وضعت نهاية للاستعمار البريطاني ولعقود من الاستبداد وضمنت المشاركة في الثروة والسلطة انطلاقا من مقولة «لاضرائب بدون تمثيل» كما تضمنت الثورة الكثير من القيم والمبادئ والمؤسسات مثل، إعلان الاستقلال، وثيقة الحقوق، الدستور.

أشكال الحكم الديموقراطي

  • الديموقراطية المباشرة وتسمى عادة بالديموقراطية النقية وهي الأقل شيوعا وتمثل النظام الذي يصوت فيه الشعب على قرارات الحكومة مثل المصادقة على القوانين أو رفضها وتسمى بالديموقراطية المباشرة لأن الناس يمارسون بشكل مباشر سلطة صنع القرار من دون وسطاء أو نواب ينوبون عنهم. وتاريخياً كان هذا الشكل من أشكال الحكم نادراً نظراً لصعوبة جمع كل الأفراد المعنيين في مكان واحد من أجل عملية التصويت على القرارات. ولهذا فإن كل الديموقراطيات المباشرة كانت على شكل مجتمعات صغيرة نسبياً وعادة ما كانت على شكل دول المدن، وأشهر هذه الديموقراطيات كانت أثينا القديمة، وفي العصر الحالي سويسرا هي أقرب دولة إلى هذا النظام.
  • الديموقراطية النيابية وهي نظام سياسي يصوت فيه أفراد الشعب على اختيار أعضاء الحكومة الذين بدورهم يتخذون القرارات التي تتفق ومصالح الناخبين. وتسمى بالنيابية لأن الشعب لا يصوت على قرارات الحكومة بل ينتخب نواباً يقررون عنهم. وقد شاع هذا الشكل من الحكم الديموقراطي في العصور الأخيرة وشهد القرن العشرين تزايداً كبيراً في إعداد نظم الحكم هذه ولهذا صار غالبية سكان العالم يعيشون في ظل حكومات ديموقراطية نيابية (وأحياناً يُطلق عليها «الجمهوريات»).

وبالإمكان تقسيم الديموقراطيات إلى ديموقراطيات ليبرالية (حرة) وغير ليبرالية (غير حرة). فالديموقراطية الليبرالية شكل من أشكال الديموقراطية تكون فيها السلطة الحاكمة خاضعة لسلطة القانون ومبدأ فصل السلطات، ويضمن دستور الدولة للمواطنين (وبالتالي للأقليات أيضا) حقوقاً لا يمكن انتهاكها. أما الديموقراطية غير الليبرالية (غير الحرة) فهي شكل من أشكال الديموقراطية لا توجد فيها حدود تحد من سلطات النواب المنتخبين ليحكموا كيفما شاؤوا.

  • الديموقراطية التشاركية: وهي إشراك أكبر قدر ممكن من الفاعلين السياسيين المتمثلين في أفراد المجتمع المدني والجمعيات والخبراء والباحثين وغيرهم، إلى جانب السلطة المنتخبة قصد إيجاد حلول فعالة وواقعية لمختلف المشاكل السياسية، وذلك عن طريق المساهمة الشعبية في التشريع بتقديم عرائض وملتمسات التشريع والنشاط السياسي للجمعيات المدنية وهيئات الحكامة الجيدة وتفعيل دور المؤسسات الوسيطة بين المواطن وأجهزة الدولة.

شروط أوّليّة

يعد التنافس الحقيقي بين الأحزاب والتمثيل الحقيقي للمصالح المختلفة شرطاً ضرورياً وللازماً للديموقراطية. ومن الشروط الضرورية الأخرى للديموقراطية: الانتخابات النزيهة الحرة، والاختيار الحقيقى بين المرشحين وبين السياسات المطروحة، وتمتع البرلمان بقوة حقيقية، والفصل بين السلطات، وتوفر الحقوق المدنية للمواطنين كافة، وسيادة حكم القانون. أما بعد هذا فهناك مجال لا حد له من عدم الاتفاق حول المعنى الحقيقى لأى من تلك الشروط أو بالنسبة لها جميعا، وحول تحديد أى تلك الشروط هو الكفيل باستمرار الديموقراطية محور اهتمام الجدل العام والأكاديمى المفعم بالقوة والحيوية. وفى هذا الصدد تناول الباحثون بالدراسة طبيعية الدولة ككيان اجتماعى، وعملية التنشئة السياسية والسلوك الانتخابى، والمشاركة السياسية، والعلاقات بين الديموقراطية والنظم الافتصادية، والتلاعب باتجاهات الرأى العام.

استنادا على كتابات أستاذ العلوم السياسية الكندي تشارلس بلاتبيرغ في كتابه من التعددية إلى سياسات الوطنية From Pluralist to Patriotic Politics: Putting Practice First فإن هناك جدل فلسفي حول إمكانية وشرعية استخدام المعايير في تعريف الديموقراطية، ولكن مع هذا فيما يلي مجموعة منها والتي تعد حداً أدنى مقبولاً من المتطلبات الواجب توفرها في هيئة اتخاذ القرار لكي يصح اعتبارها ديموقراطية.

  • وجود مجموعة Demos تصنع القرار السياسي وفق شكل من أشكال الإجراء الجماعي. فغير الأعضاء في الـ Demos لا يشاركون. وفي المجتمعات الديموقراطية المعاصرة الـ Demo هم البالغين من أفراد الشعب والبالغ يعد مواطناً عضواً في نظام الحكم.
  • وجود أرض يعيش عليها الـ Demos وتُطبق عليها القرارات. وفي الديموقراطيات المعاصرة الأرض هي دولة الشعب وبما أن هذا يتفق (نظرياً) مع موطن الشعب فإن الشعب (Demos) والعملية الديموقراطية تكونان متزامنتين. المستعمرات الديموقراطية لا تعتبر بحد ذاتها ديموقراطية إذا كان البلد المستعمِر يحكمها لأن الأرض والشعب لا يتزامنان.
  • وجود إجراء خاص بإتخاذ القرارات وهو قد يكون مباشراً كالاستفتاء مثلاً، أو غير مباشر كانتخاب برلمان البلاد.
  • أن يعترف الشعب بشرعية الإجراء المذكور أعلاه وبانه سيتقبل نتائجه. فالشرعية السياسية هي استعداد الشعب لتقبل قرارات الدولة وحكومتها ومحاكمها رغم إمكانية تعارضها مع الميول والمصالح الشخصية. وهذا الشرط مهم في النظام الديموقراطي، لأن كل انتخابات لا بد فيها الرابح والخاسر.
  • أن يكون الإجراء فعالاً، بمعنى يمكن بواسطته على الأقل تغيير الحكومة في حال وجود تأييد كاف لذلك. فالانتخابات المسرحية والمعدة نتائجها سلفاً لإعادة انتخاب النظام السياسي الموجود لا تعد انتخابات ديموقراطية.
  • في حالة الدولة القومية يجب أن تكون الدولة ذات سيادة لأن الانتخابات الديموقراطية ليست مجدية إذا ما كان بمقدور قوة خارجية إلغاء نتائجها.

الخلاف علَى تحديد الديموقراطية

الديموقراطية كشكل من أشكال الحكم هي اشتِراك الشعب في حكم نفسه، وعادة ما يكون ذلك عبر حكم الأغلبية عن طريق نظام للتصويت والتمثيل النيابي. ولكن بالحديث عن المجتمع الحر فإن الديموقراطية تعني حكم الشعب لنفسه بصورة منفردة من خلال حق الملكية الخاصة والحقوق والواجبات المدنية (الحريات والمسؤوليات الفردية) وهو ما يعني توسيع مفهوم توزيع السلطات من القمة إلى الأفراد المواطنين. والسيادة بالفعل في المجتمع الحر هي للشعب ومنه تنتقل إلى الحكومة وليس العكس.

لأن مصطلح الديموقراطية يستخدم لوصف أشكال الحكم والمجتمع الحر بالتناوب، فغالباً ما يُساء فهمه لأن المرء يتوقع عادة أن تعطيه زخارف حكم الأغلبية كل مزايا المجتمع الحر. إذ في الوقت الذي يمكن فيه أن يكون للمجتمع الديموقراطي حكومة ديموقراطية فإن وجود حكومة ديموقراطية لا يعني بالضرورة وجود مجتمع ديموقراطي. لقد اكتسب مصطلح الديموقراطية إيحاءً إيجابياً جداً خلال النصف الثاني من القرن العشرين إلى حد دفع بالحكام الدكتاتوريين الشموليين للتشدق بدعم «الديموقراطية» وإجراء انتخابات معروفة النتائج سلفاً. وكل حكومات العالم تقريباً تدعي الديموقراطية. كما إن معظم الآيديولوجيات السياسية المعاصرة اشتملت ولو على دعم بالاسم لنوع من أنواع الديموقراطية بغض النظر عما تنادي به تلك الآيديولوجيات. وهكذا فإن هناك اختلافات مهمة بين عدة أنواع مهمة من الديموقراطية.

تمنح بعض الأنظمة الانتخابية المقاعد البرلمانية وفق الأغلبية الإقليمية. فالحزب السياسي أو الفرد المرشح الذي يحصل على معظم الأصوات يفوز بالمقعد المخصص لذلك الإقليم. وهناك أنظمة انتخابية ديموقراطية أخرى، كالأشكال المتنوعة من التمثيل النسبي، التي تمنح المقاعد البرلمانية بناءَ نسبة الأصوات المنفردة التي يحصل عليها الحزب على المستوى الوطني. إحدى أبرز نقاط الخلاف بين هذين النظامين يكمن في الاختيار بين أن يكون لديك ممثل قادر على أن يمثل إقليما أو منطقة معينة من البلاد بشكل فاعل، وبين أن تكون كل أصوات المواطنين لها قيمتها في اختيار هذا الممثل بغض النظر عن مكان إقامتهم في البلد. بعض الدول كألمانيا ونيوزيلندا تعالج هذا النزاع بين شكلي التمثيل هذين بتخصيص نوعين من المقاعد البرلمانية الفيدرالية. النوع الأول من المقاعد يتم تخصيصه حسب الشعبية الإقليمية والباقي يتم تخصيصه للأحزاب بمنحها نسبة من المقاعد تساوي – أو ما يساوي تقريباً – الأصوات التي حصلت عليها على المستوى الوطني. ويدعى هذا بالنظام المختلط لتمثيل الأعضاء النسبي.

المواطنون في ظل الديموقراطية لا يتمتعون بالحقوق فحسب، بل إن عليهم مسؤولية المشاركة في النظام السياسي، الذي يحمي بدوره حقوقهم وحرياتهم.

تصورات حول الديموقراطية

تشيع بين منظّري علم السياسة أربعة تصورات متنافسة حول الديموقراطية:

  • ديموقراطية الحد من سلطة الأحزاب (minimalism)، والديموقراطية وفق هذا التصور نظام حكم يمنح المواطنون فيه مجموعة من القادة السياسيين الحق في ممارسة الحكم عبر انتخابات دورية. ووفقاً لهذا المفهوم لا يستطيع المواطنون بل ولا يجب أن «يحكموا»، لأنهم في معظم الأوقات وفيما يخص معظم القضايا لا يملكون حيالها فكرة واضحة أو أن أفكارهم غير ذكية. وقد أوضح ديفيد شومتر هذا الرأي الشهير في كتابه «الرأسمالية، الاشتراكية والديموقراطية». ويعد كل من وليام ريكر وآدم بريزورسكي وريتشارد بوسنر من المفكرين المعاصرين المدافعين عن مفهوم (minimalism) أو الحد من سلطة الحزب.
  • المفهوم التجزيئي للديموقراطية ويدعو التصور المذكور بوجوب أن تكون الحكومة على شكل نظام ينتج قوانين وسياسات قريبة من آراء الناخب الوسطي – حيث تكون نصفها إلى يسار هذا الناخب ونصفها الآخر إلى يمينه. ويعتبر أنطوني داونز صاحب هذا الرأي وأورده في كتابه «النظرية الاقتصادية في الديموقراطية» عام 1957.
  • الديموقراطية الاستشارية وتقوم على المفهوم القائل بأن الديموقراطية هي الحكم عن طريق المناقشات. ويقول المنادون بهذا الرأي بأن القوانين والسياسات يجب أن تقوم على أسباب تكون مقبولة من قبل كافة المواطنين، وبأن الميدان السياسي يجب أن يكون ساحةً لنقاشات القادة والمواطنين ليصغوا فيها لبعضهم ويغيروا فيها آراءهم.
  • الديموقراطية التشاركية، وفيها يجب أن يشارك المواطنون مشاركة مباشرة – لا من خلال نوابهم - في وضع القوانين والسياسات. ويعرض المدافعون عن الديموقراطية التشاركية أسباباً متعددة لدعم رأيهم هذا. فالنشاط السياسي بحد ذاته يمكن أن يكون شيئاً قيماً لأنه يثقف المواطنين ويجعلهم اجتماعيين، كما إن بإمكان الاشتراك الشعبي وضع حد للنخب المتنفذة. كما إن الأهم من ذلك كله حقيقة ان المواطني لا يحكمون أنفسهم فعلاً إن لم يشاركوا مباشرة في صنع القوانين والسياسات.

الديموقراطية الليبرالية (الحرة)

مقالة رئيسية: ديموقراطية ليبرالية

كما ذكر آنفا الديموقراطية تعني في الأصل حكم الشعب لنفسه، لكن كثيراً ما يطلق اللفظ علَى الديموقراطية الليبرالية لأنها النظام السائد للديموقراطية في دول الغرب، وكذلك في العالم في القرن الحادي والعشرين، وبهذا يكون استخدام لفظ «الديموقراطية» لوصف الديموقراطية الليبرالية خلطاً شائعاً في استخدام المصطلح سواء في الغرب أو الشرق، فالديموقراطية هي شكل من أشكال الحكم السياسي قائمٌ بالإجمال علَى التداول السلمي للسلطة وحكم الأكثريّة بينما الديموقراطية الليبرالية هي بالتحديد شكل من أشكال الديموقراطية النيابية حيث السلطة السياسية للحكومة مقيدة بدستور يحمى بدوره حقوق وحريات الأفراد والأقليات (وتسمى كذلك الليبرالية الدستورية). ولهذا يضع الدستور قيوداً على ممارسة إرادة الأغلبية في التعامل مع الأقليات والأفراد. بخلاف الأنظمة الديموقراطية غير الليبرالية التي لا تشتمل على دستور يلزم مثل هذه الحماية، والتي لا يتم فيها احترام هذه الحقوق والحريات الفردية، فهنالك تقارب بينهما في أمور وتباعد في اُخرى يظهر في العلاقة بين الديموقراطية والليبرالية كما قد تختلف العلاقة بين الديموقراطية والعلمانية باختلاف رأي الأغلبية. ويجب أن نلاحظ بأن بعض الديموقراطيات الليبرالية لديها صلاحيات لأوقات الطواريء والتي تجعل هذه الأنظمة الليبرالية أقل ليبراليةً مؤقتاً إذا ما طُبقت تلك الصلاحيات (سواء كان من قبل الحكومة أو البرلمان أو عبر الاستفتاء).

وتحت نظام الديموقراطية الليبرالية أو درجةٍ من درجاتهِ يعيش في بداية القرن الواحد والعشرين ما يزيد عن نصف سكّان الأرض في أوروبا والأمريكتين والهند وأنحاء أُخرَى. بينما يعيش معظمُ الباقي تحت أنظمةٍ تدّعي نَوعاً آخر من الديموقراطيّة (كالصين التي تدعي الديموقراطية الشعبية).

الديموقراطية الدينية

الإسلام

لا تنسجم الديموقراطية الغربية والديموقراطية الدينية أو الإسلامية في المبنى والأصول، فالديموقراطية الغربية هي تعبير عملي عن نظام الفكري الليبرالي، وفي جذورها وأصولها تستند إلى القول بأصالة الفرد وهدفها الأساس هو إعطاء الأصالة للإنسان بصفته كائناً غير مسؤول أمام الله. والمساعي المبذولة لخلق الانسجام بين الديموقراطية الإسلامية والغربية إن هي إلا نتيجة للاستضعاف الفكري. لأن الدين الإسلامي يمتلك منظومة سياسية اجتماعية حضارية كاملة، وبواسطتها يمكنه من قيادة البشرية إلى بر الأمان، من دون الاستناد إلى عوامل ذات صلة بالاستبداد أو بالديكتاتورية أو بالليبرالية وتقديس الفرد على حساب المجتمع، ولا بالجدلية التاريخية (الماركسية) القائمة على تقديس المجتمع وإلغاء الفرد... بل ينطلق الإسلام وفق رؤيته للكون والحياة، وعلى أساس أصوله المستمدة من القرآن وسنة محمد وصحبه وسيرتهم. رغم وجود الاختلاف الأصولي بين الديموقراطية الإسلامية والديموقراطية الحديثة، فإن هناك أوجها للتشابه في مرحلة الإجراء والعمل، وهذا التشابه يسبب مقارنة بين الإسلام والديموقراطية، فليس من الموضوعية المقارنة بين جزء من نظام نظام آخر، فالجزء لا يمكن أن تتضح مفاهيمه إلا عبر موقعه من نسيج النظام الذي ينتمي إليه، ومن هنا ستكون المقارنة على النحو الشائع بين أوساط الكثير من المثقفين المسلمين وغيرهم مخلة بمفهومي الإسلام والديموقراطية وهذا من الأخطاء الشائعة بل تصح المقارنة عند المقارنة بين الإسلام والليبرالية كنظامين لرؤية الكون وكمصدرين للقيم، وتصح المقارنة أيضاً عندما يتم مقارنة جزء من نظام مع جزء يقابله من النظام الآخر.

المسيحية

طالع أيضاً: ديمقراطية مسيحية

الديموقراطية الاشتراكية

مقالة رئيسية: ديموقراطية اشتراكية

يمكن القول بأن الديموقراطية الاشتراكية مشتقة من الأفكار الاشتراكية في غطاء تقدمي وتدريجي وديموقراطي ودستوري. العديد من الأحزاب الديموقراطية الاشتراكية في العالم تعد نسخاً متطورة من أحزاب الثورية التي توصلت - لأسباب أيديولوجية أو براغماتية – تبنت إستراتيجية التغيير التدريجي من خلال المؤسسات الموجودة أو من خلال سياسة العمل على تحقيق الإصلاحات الليبرالية قبل إحداث التغييرات الاجتماعية الأعمق، عوضاً عن التغيير الثوري المفاجيء. وهي، أي الديموقراطية الاشتراكية، قد تتضمن التقدمية. إلا أن معظم الأحزاب التي تسمي نفسها ديموقراطية اشتراكية لا تنادي بإلغاء الرأسمالية، بل تنادي بدلاً من ذلك بتقنينها بشكل كبير. وعلى العموم فإن السمات المميزة للديموقراطية الاشتراكية هي:

وعلاوة على ذلك فبسبب الانجذاب الأيديولوجي أو لأسباب أخرى فإن غالبية الديموقراطيين الاشتراكيين يلتقون مع أنصار حماية البيئة وأنصار تعدد الثقافات والعلمانيين.

المخالفون

يعارض لاسلطوية الدول الديموقراطية الموجودة في الواقع ومثل كافة أشكال الحكم الأخرى ويعتبرونها الفساد والقسرية فيها متأصلة. فعلى سبيل المثال رفض ألكسندر بيركمان (1870-1936 لاسلطوي من أصل روسي قدم إلى الولايات المتحدة وعاش فيها وكان عضواً بارزاً في حركة اللاسلطوية. وكان ينظم مع ئيما غولدمان اللاسلطوية حملات للحقوق المدنية ومعاداة الحرب الاعتراف بكومنولث بنسلفانيا بما يكفي للدفاع عن نفسه في محاكمته. معظم اللاسلطويين يفضلون نظاماً أقل هرمية وقسرية من الديموقراطية المباشرة من خلال الجمعيات الحرة. ولكن الكثير من الناس لا يعتبرون هذا النوع من المجتمعات تدخل ضمن نفس تصنيف أنظمة الحكم التي يجري مناقشتها في هذه المقالة. الكثيرين منا يتوقع أن يعمل المجتمع وفق مبدأ الإجماع. ولكن وكما هو متوقع فهناك بين اللاسلطويين أيضاً عدم اتفاق. والبعض منهم يتحدث عن الجمعيات وكأنها مجتمعات الديموقراطية المباشرة

اللاسلطويين الفرديين يعادون الديموقراطية بصراحة. فكما قال بنيامين تكر (1854-1939 من مناصري اللاسلطوية الفردية الأمريكية في القرن التاسع عشر): «الحكم شيء شرير ولا أسوأ من وجود حكم الاغلبية، ماهي ورقة الاقتراع؟ هي ليست أكثر ولا أقل قطعة من الورق تمثل الحربة والهراوة والرصاصة إنها عمل إنقاذي للتأكد من الطرف الذي يحظى بالقوة والانحناء للمحتوم. إن صوت الأغلبية يحقن الدماء ولكنه لا يقل عشوائية عن القوة كمثل مرسوم أكثر الطغاة قساوة والمدعوم بأقوى الجيوش». بيير جوزيف برودون (1809-1865 فيلسوف واقتصادي اشتراكي فرنسي، وهو أول من سمى نفسه باللاسلطوي ويعتبر من أوائل المفكرين اللاسلطويين يقول: «الديموقراطية لا شيء ولكن طغيان الاغلبية يعتبر أسوأ أشكال الطغيان وذلك لانه لا يستند إلى سلطة الدين ولا على نبل العِرق ولا على حسنات الذكاء والغنى. إنه يستند على أرقام مجردة ويتخفى خلف اسم الناس». ومن المعادين للديموقراطية أيضاً اليمين المتطرف والجماعاتة الملكية كذلك كما كان شانها على الدوام.

انتقادات شائعة ضد الديموقراطية

منتقدو الديموقراطية كشكل من أشكال الحكم يدعون بأنها تتميز بمساويء متأصلة بطبيعتها وكذلك في تطبيقها. وبعض هذه المساوئ موجودة في بعض أو كل أشكال الحكم الأخرى بينما بعضها الآخر قد يكونة خاصاً بالديموقراطية.

  • الصراعات الدينية والعرقية: الديموقراطية وخاصة الليبرالية تفترض بالضرورة وجود حس بالقيم المشتركة بين أفراد الشعب، لانه بخلاف ذلك ستسقط الشرعية السياسية. أو بمعنى آخر أنها تفترض بان الشعب وحدة واحدة. ولأسباب تاريخية تفتقر العديد من الدول إلى الوحدة الثقافية والعرقية للدولة القومية. فقد تكون هناك فوارق قومية ولغوية ودينية وثقافية عميقة. وفي الحقيقة فقد تكون بعض الجماعات معادية للأخرى بشكل فاعل. فالديموقراطية والتي كما يظهر من تعريفها تتيح المشاركة الجماهيرية في صنع القرارات، من تعريفها أيضاً تتيح استخدام العملية السياسية ضد العدو. وهو ما يظهر جلياً خلال عملية الدمقرطة وخاصة إذا كان نظام الحكم غير الديموقراطي السابق قد كبت هذا التنافس الداخلى ومنعه من البروز إلى السطح. ولكن مع ذلك تظهر هذه الخلافات في الديموقراطيات العريقة وذلك على شكل جماعات معاداة المهاجرين. إن انهيار الإتحاد السوفيتي ودمقرطة دول الكتلة السوفيتية السابقة أديا إلى حدوث حروب وحروب أهلية في يوغسلافيا السابقة وفي القوقاز ومولدوفا كما حدثت هناك حروب في أفريقيا وأماكن أخرى من العالم الثالث. ولكن مع ذلك تظهر النتائج الإحصائية بأن سقوط الشيوعية والزيادة الحاصلة في عدد الدول الديموقراطية صاحبها تناقص مفاجيء وعنيف في عدد الحروب والحروب الأهلية والعرقية والثورية وفي أعداد اللاجئين والمشردين.
  • البيروقراطية: أحد الانتقادات الدائمية التي يوجهها المتحررون والملكيين إلى الديموقراطية هو الإدعاء بأنها تشجع النواب المنتخبين على تغيير القوانين من دون ضرورة تدعو إلى ذلك وإلى الإتيان بسيل من القوانين الجديدة. وهو ما يُرى على أنه أمر ضار من عدة نواح. فالقوانين الجديدة تحد من مدى ما كان في السابق حريات خاصة. كما أن التغيير المتسارع للقوانين يجعل من الصعب على الراغبين من غير المختصين البقاء ملتزمين بالقوانين. وبالنتيجة قد تكون تلك دعوة إلى مؤسسات تطبيق القوانين كي تسيء استخدام سلطاتها. وهذا التعقيد المستمر المزعوم في القوانين قد يكون متناقضاً مع القانون الطبيعي البسيط والخالد المزعوم – رغم عدم وجود إجماع حول ماهية هذا القانون الطبيعي حتى بين مؤيديه. أما مؤيدو الديموقراطية فيشيرون إلى البيروقراطية والأنظمة التي ظهرت أثناء فترات الحكم الدكتاتوري كما في العديد من الدول الشيوعية. والنقد الآخر الموجه إلى الديموقراطيات هو بطؤها المزعوم والتعقيد الملازم لعملية صنع القرارات فيها.
  • التركيز قصير المدى: إن الديموقراطيات الليبرالية المعاصرة من تعريفها تسمح بالتغييرات الدورية في الحكومات. وقد جعلها ذلك تتعرض إلى النقد المألوف بأنها أنظمة ذات تركيز قصير المدى. فبعد أربعة أو خمسة سنوات ستواجه الحكومة فيها انتخابات جيدة وعليها لذلك أن تفكر في كيفية الفوز في تلك الانتخابات. وهو ما سيشجع بدوره تفضيل السياسات التي ستعود بالفائدة على الناخبين (أو على السياسيين الانتهازيين) على المدى القصير قبل موعد الانتخابات المقبلة، بدلاً من تفضيل السياسات غير المحبوبة التي ستعود بالفائدة على المدى الطويل. وهذا الانتقاد يفترض بإمكانية الخروج بتوقعات طويلة المدى فيما يخص المجتمع وهو أمر انتقده كارل بروبر واصفاً إياه بالتاريخية (Historicism). إضافة إلى المراجعة المنتظمة للكيانات الحاكمة فإن التركيز قصير المدى في الديموقراطية قد ينجم أيضاً عن التفكير الجماعي قصير المدى. فتأمل مثلاً حملة ترويج لسياسات تهدف إلى تقليل الأضرار التي تلحق بالبيئة في نفس الوقت الذي تتسبب فيه بزيادة مؤقتة في البطالة. ومع كل ما سبق فإن هذه المخاطرة تنطبق كذلك على الأنظمة السياسية الأخرى.
  • نظرية الاختيار الشعبي: تعد نظرية الاختيار الشعبي جزأً فرعاً من علم الاقتصاد يختص بدراسة سلوك إتخاذ القرارات لدى الناخبين والساسة والمسؤولين الحكوميين من منظور النظرية الاقتصادية. وأحد المشاكل موضع الدراسة هي أن كل ناخب لا يمكلك إلا القليل من التأثير فيظهر لديه نتيجة لذلك إهمال معقول للقضايا السياسية. وهذا قد يتيح لمجموعات المصالح الخاصة الحصول على إعانات مالية وأنظمة تكون مفيدة لهم ومضرة بالمجتمع.
  • حكومة الأثرياء: إن كلفة الحملات السياسية في الديموقراطيات النيابية قد يعني بالنتيجة بأن هذا النظام السياسي يفضل الأثرياء، أو شكل من حكومة الأثرياء والتي قد تكون في صورة قلة قليلة من الناخبين. ففي الديموقراطية الأثينية كانت بعض المناصب الحكومية تخصص بشكل عشوائي للمواطنين وذلك بهدف الحد من تأثيرات حكومة الأثرياء. أما الديموقراطية المعاصرة فقد يعتبرها البعض مسرحية هزلية غير نزيهة تهدف إلى تهدئة الجماهير، أو يعتبرونها مؤامرة لإثارة الجماهير وفقاً لأجندة سياسية معينة. وقد يشجع النظام المرشحين على عقد الصفقات مع الاغنياء من مؤيديهم وأن يقدمو لهم قوانين يفضلونها في حال فوز المرشح في الانتخابات – أو ما يعرف بسياسات الاستمرار في الحفاظ على المناطق الرئيسية.
  • فلسفة حكم الأغلبية: من أكثر الانتقادات شيوعاً والتي توجه إلى الديموقراطية هو خطر «طغيان الأغلبية».

أهداف الديموقراطية

  • تحقيق مبادئ الحرية والعدالة والمساواة .
  • تحقيق الأمن الشخصي والاجتماعي والاقتصادي .
  • ترسيخ قيم الصدق والأمانة والتعايش السلمي .
  • مشاركة الشعب في اتخاذ القرار.
  • احترام المال العام والمحافظة عليه .
  • احترام حقوق الإنسان.
  • الفصل بين السلطات.
  • محاربة الشطط في استعمال السلطات.

محاسن الديموقراطية

  • الاستقرار السياسي: من النقاط التي تُحسب للديموقراطية هو أن خلق نظام يستطيع فيه الشعب أن يستبدل الإدارة الحاكمة من دون تغيير الأسس القانونية للحكم، تهدف من خلاله الديموقراطية إلى تقليل الغموض وعدم الاستقرار السياسي، وطمأنة المواطنين بأنه مع كل امتعاضهم من السياسات الحالية فإنهم سيحصلون على فرص منتظمة لتغيير حكامهم أو تغيير السياسات التي لا تتفق وآرائهم. وهذا نظام أفضل من الذي تحدث فيه التغييرات عبر اللجوء إلى العنف. البعض يعتقد بأن الاستقرار السياسي أمر مفرط إذا ما بقيت المجموعة الحاكمة في مدة طويلة على سدة الحكم. ومن ناحية أخرى هذا أمر شائع في الأنظمة غير الديموقراطية.
  • التجاوب الفعال في أوقات الحروب: إن الديموقراطية التعددية كما يظهر من تعريفها تعني أن السلطة ليست مركزة. ومن الانتقادات التي توجه إلى الديموقراطية أن عدم تركز السلطة هذا في الديموقراطية قد يكون من السيئات إذا كانت الدولة في حالة حرب حيث يتطلب الأمر رداً سريعاً وموحداً. فعادة يتعين على البرلمان إطاء موافقته قبل الشروع بعملية عسكرية هجومية، رغم أن بإمكان الفرع التنفيذي أي الحكومة في بعض الأحيان القيام بذلك بقرار خاص وإطلاع البرلمان على ذلك. ولكن إذا ما تعرض البلد الديموقراطي إلى هجوم عسكري فالموافقة البرلمانية لن تكون ضرورية للشروع بالعمليات الدفاعية عن البلاد. بإمكان الشعب أن يصوت قرار بتجنيد الناس للخدمة في الجيش. أما الأنظمة ملكية ودكتاتورية فتستطيع من الناحية النظرية في حالات الحرب التصرف فوراً وبقوة. ولكن مع ذلك تشير البحوث الواقعية إلى أن الديموقراطيات مهيأة أكثر للانتصار في الحروب من الأنظمة غير الديموقراطية. وتفسير ذلك أن السبب الرئيس يعود إلى «شفافية نظام الحكم واستقرار سياساتها حال تبنيها» وهو السبب وراء كون «الديموقراطيات قادرة أكثر على التعاون مع شركائها في خوض الحروب». هذا فيما تُرجع دراسات أخرى سبب هذا النجاح في خوض الحروب إلى التجنيد الأمثل للموارد أو اختيار الحروب التي فيها فرص الانتصار كبيرة.
  • انخفاض مستوى الفساد: الدراسات التي أجراها البنك الدولي توحي بأن نوع المؤسسات السياسية الموجودة مهم جداً في تحديد مدى انتشار الفساد: ديموقراطية، أنظمة برلمانية، استقرار سياسي، حرية الصحافة كلها عوامل ترتبط بإنفاض مستويات الفساد.
  • انخفاض مستوى الإرهاب: تشير البحوث إلى ان الإرهاب أكثر انتشاراً في الدول ذات مستوى متوسط حريات سياسية. وأقل الدول معاناة من الإرهاب هي أكثرها ديموقراطية.
  • انخفاض الفقر والمجاعة: بحسب الإحصائيات هناك علاقة تبادلية بين ازدياد الديموقراطية وارتفاع معدلات إجمالي الناتج القومي للفرد وازدياد الاحترام لحقوق الإنسان وانخفاض معدلات الفقر. ولكن هناك مع ذلك جدل دائر حول مدى ما يمكن أن يُنسب من فضل للديموقراطية في ذلك. وهناك العديد من النظريات التي طُرحت في هذا المجال وكلها موضع جدال. إحدى هذه النظريات هو أن الديموقراطية لم تنتشر إلا بعد قيام الثورة الصناعية والرأسمالية. وما يبدو للعيان من ادلة من خلال مراجعة الدراسات الإحصائية تدعم النظرية القائلة بأن ازدياد جرعة الرأسمالية – إذا ما قيست على سبيل المثال بواحد من المؤشرات العديدة للحرية الاقتصادية والتي إستخدمها محللون مستقلون في مئات من الدراسات التي أجروها – يزيد من النمو الاقتصادي والذي يزيد بدوره من الرفاهية العامة وتقلل الفقر وتؤدي إلى الدمقرطة. هذا من الناحية الإحصائية، وهناك استثناءات معينة مثل الهند التي هي دولة ديموقراطية ولكنها ليست مزدهرة، أو دولة بورنيو التي تمتلك معدلاً عالياً في إجمالي الناتج القومي ولكنها لم تكن قط ديموقراطية. وهناك أيضاً دراسات أخرى توحي بأن زيادة جرعة الديموقراطية تزيد الحرية الاقتصادية برغم أن البعض يرى وجود آثار سلبية قليلة جداً أو معدومة لذلك.
  • نظرية السلام الديموقراطي: إن نتائج العديد من الدراسات المستندة إلى معطيات وتعريفات وتحليلات إحصائية متنوعة كلها أظهرت نتائج تدعم نظرية السلام الديموقراطي. فالديموقراطيات الليبرالية بحسب تلك الإحصائيات لم تدخل قط في حروب مع بعضها. والبحوث الأحدث وجدت بأن الديموقراطيات شهدت حروباً أهلية أقل أيضاً أو ما يطلق عليها الصراعات العسكرية داخل الدولة، ولم ينجم عن تلك الحروب أكثر من (1000) قتيل، أي ما معناه بأن الحروب التي حدثت بين الديموقراطيات بحالت قتل أقل وبأن الديموقراطيات شهدت حروباً أهلية أقل. قد توجه انتقادات عديدة لنظرية السلام الديموقراطي بما فيها الإشارة إلى العديد من الحروب التاريخية ومن أن عدم وقوع الحروب ليس سبباً مرتبطاً بنجاحها.
  • انخفاض نسبة قتل الشعب: تشير البحوث إلى أن الأمم الأكثر ديموقراطية تتعرض إلى القتل بدرجة أقل من قبل حكوماتها.
  • السعادة: كلما ازدادت جرعة الديموقراطية في دولة ما ارتفع معدل سعادة الشعب.

] من الانتقادات الموجهة إلى نقطة انخفاض الفقر والمجاعة في الدول الديموقراطية هي انه هناك دول مثل السويد وكندا تأتي بعد دول مثل تشيلي وإستونيا في سجل الحريات الاقتصادية ولكن معدلات إجمالي الناتج القومي للفرد فيهما أعلى من تلك الدول بكثير. ولكن مع هذا يبرز هنا سوء فهم في الموضوع، فالدراسات تشير إلى وجود تأثير للحريات الاقتصادية على مستوى نمو إجمالي الناتج القومي بالنسبة للفرد ما سيؤدي بالضرورة إلى ارتفاع معدلاته مع ازدياد الحريات الاقتصادية. كما يجب أن لا يفوتنا بأن السويد وكندا تاتي ضمن قائمة أكثر الدول رأسمالية حسب مؤشر الحريات الاقتصادية المشار اليه أعلاه، وذلك بسبب عوامل من قبيل سيادة القانون القوية ووجود حقوق الملكية الراسخة ووجود القليل من القيود على التجارة الحرة. وقد يقول المنتقدون بان مؤشر الحرية الاقتصادية والأساليب الأخرى المستخدمة لا تنفع في قياس درجة الرأسمالية وأن يفضلوا لذلك اختيار تعريف آخر.

يجب أن لا يفوتنا ملاحظة أن هذه العلاقة التبادلية بين الديموقراطية والنمو والازدهار الاقتصادي ليست علاقة سبب ونتيجة – أو بمعنى آخر إذا ما وقع حدثان في وقت واحد كالديموقراطية وانعدام المجاعة، فهذا لا يعني بالضرورة بان أحدهما يعتبر سبباً لحدوث الآخر. ولكن مع ذلك فقد تجد مثل هذه النظرة من السببية في بعض الدراسات المتعلقة بمؤشر الحرية الاقتصادية والديموقراطية كما لاحظنا فيما سبق. وحتى لو كان النمو الاقتصادي قد حقق الدمقرطة في الماضي، فقد لا يحدث ذلك في المستقبل. فبعض الأدلة تشير إلى أن بعض الطغاة الأذكياء تعلموا أن يقطعوا الحبل الواصل بين النمو الاقتصادي والحرية متمتعين بذلك بفوائد النمو من دون التعرض لأخطار الحريات. يشير أمارتيا سن الاقتصادي البارز بانه لاتوجد هناك ديموقراطية عاملة عانت من مجاعة واسعة الانتشار، وهذا يشمل الديموقراطيات التي لم تكن مزدهرة جداً كالهند التي شهدت آخر مجاعة كبيرة في عام 1943 والعديد من كوارث المجاعة الأخرى قبل هذا التاريخ في أواخر القرن التاسع عشر وكلها في ظل الحكم البريطاني. ورغم ذلك ينسب البعض المجاعة التي حدثت في البنغال في عام 1943 إلى تأثيرات الحرب العالمية الثانية. فحكومة الهند كانت تزداد ديموقراطية بمرور السنين وحكومات أقاليمها صارت كلها حكومات ديموقراطية منذ صدور قانون حكومة الهند عام 1935.

ديموقراطية حديثة

تبدأ البلاد الحديثة بتأسيس نظام ديموقراطيتها على أساس وضع دستور يناسبها، وهو ينظم العلاقات والمسؤوليات بين المؤسسات التشريعية والتنفيذية، ويوجد التوازن بينها بحيث لا تستبد أحداها بأمور الدولة، ويضمن الدستور الحريات الأساسية للمواطن على أساس المسواة بين جمع الأشخاص والفئات والطبقات وبين المرأة والرجل. وبعد إنشاء نظام مؤسسات الدولة ينتخب رئيس الدولة طبقا لقوانين الدستور، فيحكم بواسطة المؤسسات الموجودة. ويمكن انتخاب الرئيس أما مباشرة من المواطنين أو يقوم أعضاء البرلمان بانتخاب رئيس الجمهورية وذلك يحدده الدستور.

الدستور يحدد:

1. مدة خدمة الرئيس، أربع سنوات أو خمسة أو سواهما، قابلة للتمديد مرة واحدة، وليس من شأنه تغيير الدستور.

2. نظام واستقلال محكمة دستورية عليا، تراعي تمشي الرئيس والقوانين التي تصدرها الوزارة أو البرلمان مع قوانين الدستور. وترجع إليها الوزارة والبرلمان في حالة الخلاف على قانون جديد من القوانين المدنية، وقد يقوم رئيس الجمهورية باستشارتها أيضا في بعض الموضوعات، مثل النظام الاجتماعي والقانون الدولي.

3. استقلالية القضاء، وان يكون الجميع أمام القانون سواء، من الوزير إلى المواطن العادي.

4. استقلالية الصحافة، وتعددية وسائل الإعلام حتى لا تسيطر جهة على اعلام الجمهور.

5. أمور الحكم وتوفير العمل للشباب والإدارة الاقتصادية والمالية واستقلالية البنك المركزي وأمور الري والزراعة والصحة والتعليم، وأمور الجامعات ومراكز البحث العلمي الأساسي والتطبيقي ومراكز البحث العلمي في الزراعة والري وتعمير الصحراء وزراعتها من الأمور المتخصصة التي لا يمكن للجيش القيام بها وانما يقوم بها مختصون وزراء من أعضاء البرلمان.

6. يتشكل البرلمان من أعضاء أحزاب تم انتخابهم، عددهم يحدده الدستور، ويحدد عددا منهم لكل محافظة (محافظون منتخبون) لتمثيل الدولة بكاملها، على أن يكون عدد أعضاء البرلمان بحسب أغلبية الأصوات التي حصل الحزب عليها. يقوم البرلمان أو الحكومة بصياغة القوانين الجديدة ويقترع عليه في البرلمان. يمكن إذاعة جلسات البرلمان مباشرة في التلفزيون ليطلع المواطنون على مايجري فيه طالما لا تخص مواضيع أمن البلاد، ويمكن لأعضاء البرلمان استدعاء جلسة خاصة - يمكن أن تذاع في التلفزيون مباشرة - وتقوم بسؤال وزير مشتبه فيه.

7. أحزاب سياسية تقوم بإقناع الجمهور ببرنامج إصلاحاتها، وبحسب أغلبية أعضاء الحزب في البرلمان يمكن تكوين الحكومة من أعضاء البرلمان، وقد تكون حكومة تآلف بين حزبين أو ثلاثة للحصول على أكثر من نصف مقاعد البرلمان.

8. تحديد عدد الأحزاب بوضع نسبة أدنى (مثلا 5%) لدخول البرلمان، هذا يحفز الأحزاب أن تكون واضحة في مبادئها وواضحة في برنامجها وتحاول جذب جمهور إليها بالحوار والإقناع. تمويل الأحزاب من الدولة ويكون نصيب كل منها بحسب نسبة انتخابها من المواطنين. (زيادة عدد الأحزاب تضيع قدرة المعارضة في البرلمان)، وشفافية التبرعات التي يحصل عليها كل حزب سياسي من جهات مدنية.

9. البوليس «في خدمة الشعب» ويتبع وزارة الداخلية، ووزير الداخلية مسؤول عن عملها أمام البرلمان وأمام رئيس الوزراء. القبض على المشتبه به لا بد وأن يكون بأمر قضائي، ولمدة أيام قليلة تحت التحقيق. ويجب أبلاغ أهله وتعريفهم بمكان حجزه خلال 24 ساعة، وكذلك ان يمكن أهله زيارته لمنع سوء المعاملة في الحجز. و«من حق» المشتبه فيه الاتصال بمحامي يدافع عنه. تدريب أعضاء البوليس على سبل التعامل المهذب مع المواطنين بين الحين والحين في دورات تدريب.

10.تفعيل اتحادات العمال والنقابات واستقلاليتها بضمان الدستور، وحرية عمل جمعيات الرعاية، والجمعيات التطوعية، ونشاطات المجتمع المدني وغيرها، مثل اتحادات طلبة الجامعات ورابطة اتحادات طلبة الجامعات على مستوى الدولة.

11. الفن في تنفيذ الديموقراطية هو تأليف دستور ينظم العلاقات بين المؤسسات التنفيذية الكبيرة في الدولة بحيث تراقب بعضها البعض باستقلالية، ويكون لكل منها رقيبا يحاسبها على أساس منطوق الدستور.

12. الاهتمام بتدريس حقوق الفرد وتدريس العلاقات بين المؤسسات التشريعية والتنفيذية في الدولة في المدارس، حتى يتكون نشأ يعرف ما له وما عليه في المجتمع الذي يعيش فيه، ويكون منهم من ينضم لأحزاب يستطيع من خلالها دعم العمل الحزبي وتعلم طرق الحوار ويكون فعالا مشاركا في إحداث التغيير والإصلاح والتقدم.

بحوث الديموقراطية

الخط الرئيسى لبحوث الديموقراطية ظل منصبا على دراسة واقع الديموقراطية ذاتها، أى كيف تتوزع القوة بالفعل على النطاق الأوسع، وماهو الدورالطبيعى الذى يضطلع به المواطنون. وفى هذا الصدد ذهب روبرت دال فى كتابه "تمهيد فى المنظرية الديموقراطية"، الصادر عام 1956، ذهب إلى القول بأن الدول الصناعية الحديثة لم تكن نظما ديموقراطية بقدر ما كانت نظما متعددة الحكم، أى كانت ائتلافات ديموقراطية قوية متغيرة بين جماعات المصالح. وقد أذكت تلك الأفكار عشرين عاما من البحوث والتحليلات المكثفة التى قدمها مختلف الباحثين. وفى نفس العام نشر تشارلز رايت ميلز كتابه "صفوة القوة" دفع فيه الاتتقادات الموجهة للديموقراطية خطوات إلى الأمام، حيث ادعى أن الممارسات السياسية الديموقراطية فى الولايات المتحدة قد طمست بفعل صفوة القوة التى تتكون من رؤساء كبرى شركات الأعمال، والقادة العسكريين، وممن أسماهم ميلز "المديرون السياسيون" (أى الفرع التنفيذى من الحكومة). وهكذا تم ترويض المواطنين واتتزعت منهم كل قوة فى ظل المجتمع الجماهيرى.

أما النظريات المقابلة لديموقراطية الصفوة والطبقة الحاكمة فتتمثل فى التراث المحافظ الذى ظل منذ أفلاطون وحتى بيرك يرتاب فى الديموقراطية باعتبارها نظاما خطيراً وقاصراً، يمكن أن يفضى بسهولة إلى حكم الدهماء. وقد جاءت أصول الديموقراطية الشعبية فى الثورة الفرنسية عام 1789 لتؤكد هذا الرأى وندعمه.

أما فى الديموقراطيات الحديثة، فلا يوجد إجماع كبير حول المدى الذى يمكن أن تبلغه قوة صوت الشعب أو يتعين أن تبلغه فى ظل الديموقراطية الدستورية. فالساسة يتجاهلون عادة جماعات الأغلبية الضخمة المؤثرة فى الرأى العام مثلما نجد على سبيل المثال فى تجاهل الساسة فى المولايات المتحدة الأمريكية لمطالبة الأغلبية بعقوبة الإعدام أو بتوازن للموازنة العامة، كما أنهم بتجاهلون مسألة معارضة الأغلبية للاندماج والتكامل التام فى المجموعة الأوربية، ومعارضتها لسياسة خصخصة الرعاية الصحية فى بريطانيا.

فالديموقراطية تختلط بصعوبة بنظام السلطة الأبوية التقليدى، ورأسمالية المؤسسات (المشروعات) العالمية، وبدولة الرفاهية. والحقيقة أن تعقد عملية صنع القرار السياسى والاقتصادى اليوم يمثل عائقا هائلا أمام المشاركة الشعبية الحقيقية. و لعل التقدم المستقبلى للأساليب الإلكترونية الجديدة فى توفير المعلومات واختبار الرأى العام قد جعل الديموقراطية أقرب إلى أصولها التشاركية الأولى.

وقد قدم جاك لايفلى تمهيدا مفيدا للتراث الضخم الدائر حول هذه القضايا فى مؤلفه "الديموقراطية"، الذى صدر عام 1975. هذا بالإضافة إلى الكتاب الذى حرره جريم دنكان بعنوان: "النظرية والممارسة الديموقراطية" الذى صدر عام 1983.

انظر أيضًا