سلطة (مجتمع)

(بالتحويل من السلطة)
هذه المقالة عن مفهوم سياسي. من أجل طعام، انظر سلطة (توضيح).

السُلطة (بالإنجليزية: Authority)، في العلوم الاجتماعية، تعني قدرة شخص معين أو مجموعة أو منظمة على فرض أنماط سلوكية معينة أو إرادتهم على الآخرين. إذ يستطيع الأشخاص ذوو النفوذ فرض قراراتهم بوساطة إنزال عقوبات أو التَّهديد بها على أولئك الذين لا يطيعون أوامرهم أو طلباتهم. وتكاد السُّلطة تكون موجودة في كلِّ العلاقات الإنسانية. إذ يتمتع المعلمون بسلطة على الطلاب، وأرباب العمل على المستخدمين، والآباء على الأبناء، والأقوياء على الضُّعفاء، والدُّول القوية عسكريًا على الدول الضعيفة.

تعتبر السلطة أحد أسس المجتمع البشري وهي مناقضة لمبدأ التعاون. إن تبني أنماط العمل نتيجة فرض السلطة يُسمى الانصياع، والسلطة كمصطلح يشمل غالبية حالات القيادة.

تُطبق السلطة استنادا إلى قوة اجتماعية معينة. قد تكون هذه القوة حقيقية (كالتهديد بالتسبب بأذى جسماني) أو وهمية (كانصياع المؤمنين لطريق غورو). تتحدد القوة من خلال الاستخدام المحتمل للعقوبة: عملية تمس بالشخص الذي لا ينصاع إلى السلطة أو يهددها، بغية ضمان وجود قوة اجتماعية.

قد تطبق السلطة بشكل مباشر استنادا إلى وجود قوة فعلية (كالتهديد بالحبس)، ما يسمى «الإكراه» أيضا، وقد تنبع من الشرعية التي يمنحها الخاضع للسلطة لأصحابها (مثل: الاعتراف بمرجعيات النبلاء). وغالبا ما نجد هذين النوعين من المرجعيات متداخلين.

هناك مرجعيات قليلة فقط تعتمد على القوة الجسدية بينما يطبق الكثير من المرجعيات بفضل وجود جهاز تنظيمي يقوم على الصلاحيات. هكذا تكون قدرة تطبيق سلطة ما مرتبطة بكونها موجودة أصلا.

مثال: سلطة حاكم الدولة تنبع من أن شرطة ما ستعاقب الأفراد الذين لا ينصاعون لمرجعيته. ينصاع أفراد الشرطة للحاكم وقوانينه لأنهم هم أنفسهم خاضعون لتهديد الشرطة. إذا قرر جميع رجال الدولة التمرد على سلطة الحاكم فستُسلب منه السلطة غير أن مجرد وجود السلطة بشكل جزئي يتيح لها أن تصبح كاملة.

أشكال السُّلطة

تشمل الإكراه والتأثير والسلطة. فالإكراه هو استخدام التفوق الجسدي لفرض القرارات. والتأثير هو القدرة على إحداث تأثير من خلال القدوة أو الإقناع أو بعض الوسائل الأخرى دون استخدام السُلطة.

والسُّلطة هي ممارسة النفوذ باتفاق أغلبية أفراد مجتمع أو مجموعة ما. فعلى سبيل المثال، يتمتع المعلمون بسلطة على تلاميذهم، لأنَّه يسود الإدراك والاتفاق بأنَّهم يجب أن يتمتعوا بها للحفاظ على النِّظام والتَّعليم بشكل فعَّال. وفي الدُّول الديمقراطية، تقوم سُّلطة الحكومة على موافقة المحكومين، إذ يتمتع الزُّعماء الذين اختارهم المنتخِبُون في انتخابات حرَّة بسُّلطة اتخاذ القرارات للشَّعب.

المصادر الرَّئيسيَّة للسلطة

تشمل 1- تفوُّق المصادر، 2- التَّفوُّق العددي، 3- التفوُّق التَّنظيمي.

قد تكون المصادر مادية أو بشرية. تشمل المصادر المادية، المال والسِّلع والأملاك. فهي تمنح الشَّخص قدرة على شراء مايرغب، وتمّكنه من طلب خدمات الآخرين. أما المصادر البشرية التي تمنح النفوذ، فتشتمل على الذَّكاء والمعرفة والمهارة والهيبة والوضع الاجتماعي والشَّجاعة والجاذبيَّة والشَّخصيّة أو الجمال. وتصبح هذه الصِّفات مصدرًا للسُّلطة عندما تمكِّن شخصًا من القيادة والتأثير أو السَّيطرة والتَّحكم بأشخاص آخرين.

ويمكن ملاحظة السُّلطة العددية في الانتخابات التي تمنح الفائزين اتخاذ القرارات بالنيابة عن المجموعة. إلا أنَّ الأعداد لاتنطوي على الأهمية كلِّها، إذ يمكن أن تمارس أعداد قليلة، السُّلطة، عندما تسيطر على المصادر المهمة كالجيش.

ولا يمنح التَّفوق العددي، والمصادر في حد ذاتها الشَّخص درجة عالية من النفوذ على الآخرين، إذ يتعيَّن على النَّاس معرفة كيفية استخدام مصادرهم بصورة فعالة. وهم يقومون بذلك من خلال التَّنظيم. فالأفراد وحدهم يتمتعون بقوة ضعيفة نسبيًا للتأثير على القرارات المهمة، بَيْدَ أنَّه عندما ينضمون في شكل من أشكال التَّنظيم، يمكن أن يصبحوا أقوياء. وتحاول الأحزاب السِّياسية، وجماعات الضَّغط، والهيئات الأخرى اكتساب السُّلطة من خلال التَّنظيم الاجتماعي. كما توحِّد الدُّول صفوفها لدعم قوتها. ومن بين المجموعات الدَّولية القوية الجماعة الأوروبية، ومنظمة الدول الأمريكية.

نظم السُّلطة

تُوجد علاقات السُّلطة في جميع المجتمعات والمجموعات المنظَّمة. وثمة اختلافات مهمة في كيفية فرض نظم السُّلطة الخاصة والعامة قراراتها. إذ يمكن لزعماء المجموعات الخاصة ـ مثل الأعمال والنوادي ـ فرض الغرامات، أو تعليق العضويَّة، بل وحتى طرد الأعضاء المخالفين. غير أنَّه لا يمكن إلا لنظم السُّلطة العامة ـ أي الحكومات ـ أن تستخدم السُّلطة المادية من النَّاحية القانونية، والتي تشمل السَّجن. فالحكومات هي التي تسيطر على الشُّرطة والجيش، وأدوات السُّلطة الرئيسية. إنَّ احتكار السُّلطة يجعل من تحكم الدَّولة مصدرًا مهمًا من مصادر السُّلطة.

ويشكل التنظيم الاجتماعي الذي يمكّن أشخاصًا من الحكم في جميع المجموعات المنظّمة لمجتمع أو مجموعة بنية السُّلطة. ففي بعض الأحيان، يشار إلى أكثر النَّاس قوة بالمؤسسة أو صفوة السُّلطة أو أصحاب النفوذ.

بديل السلطة

هناك ثمة صياغات نظرية وحقيقية للبنى الاجتماعية، جزئية أو كاملة، لا تقوم على السلطة.

التنافس

البنية الأولى هي بنية التنافس. وفيه لا يتيح ميزان القوى ممارسة السلطة. هذه البنية تضع الفرضيات الأساسية للصلاحية، أي أن الإنسان يسعى بطبيعته إلى تحقيق القوة، ولكن يبقى هناك واقع لا يمكن فيه ممارسة السلطة ممارسة فعلية بسبب الخصم المتبادل.

تقوم هذه البنية على فكرة التعاون - الفكرة القائلة إن بني البشر لا يمتلكون القدرة على امتلاك السلطة طويلة الأمد، وإن بني البشر يستخدمون القوة المتاحة لهم بشكل قصير الأمد فقط.

الليبرالية

إحدى وجهات النظر التي تعمل في هذه البنية هي الليبرالية الحديثة، ولا سيما وجهة نظر الميثاق الاجتماعي. تقول وجهة النظر هذه إن هدف كل نظام اجتماعي هو موازنة القوى المختلفة بغية الحيلولة دون خلق نظام سلطة ثابت، إذ إن كل سلطة هي محدودة بقوة مضادة.

تشتمل وجهة النظر هذه على وجهين: فمن جهة هناك تنافس مفتوح بين الأفراد على دفع مصلحتهم الأنانية، ومن جهة أخرى هناك تعاون منظم بينهم، تكون قواهم فيه متوازنة إذ إن السيطرة على المؤسسة المشتركة مقسمة بالتساوي. في مجال العلوم السياسية تُفسر وجهة النظر هذه بتقييد سلطة النظام السياسي وجعله خاضعا لسلطة الجمهور الذي يمارس في الواقع سلطة على نفسه بشكل غير مباشر. أبر تعبير للشكل الأخير هو الانتخابات.

هناك تعبير آخر للإشكالية في وجهة النظر هذه هو أنه نشأت طوال الوقت تنظيمات تشترك فيها كتل اجتماعية تمثل «الأغلبية» و«الأقلية». فكل فرد يتطلع إلى دفع مصلحته وخلق ائتلاف يخدم هذا الهدف. هذا الوضع يثير اشكالية لأنه نابع مباشرة من التعاون، ولكن الطريقة الليبرالية تخلق في الواقع سلطة الأغلبية على الأقلية. ولتجنب هذه الحالة تتحدد في بعض الأحيان حدود الميثاق الاجتماعي ويخلق توازن معين بين قدرة الأغلبية على الصلاحية والمنافسة المفتوحة بين الأفراد.

هناك إشكالية أخرى في وجهة النظر هذه وهي ان قرارات المنظمات المشتركة تتطلب وجود نظام هرمي طويل، وهكذا تنشأ في كثير من الأحيان حالات تتولد فيها القوة داخل النظام، مما يتجسد من خلال خلق سلطة عادية يكون وزن الليبرالية فيها قليلا.

كما إن الكثير من البنى في المجتمع الليبرالي تهدف إلى خلق موجّه للتنافس، من خلال تحديد سلطة الأغلبية ومن خلال تحديد القوة النسبية للفائزين في التنافس (كالحد من الهيمنة والاحتكار مثلا).

الفوضى الفظة

هناك وجهة نظر تعمل بهذا الشكل وهي الفوضى الفظة الشبيهة بوجهة النظر الليبرالية من حيث نظرتها للصلاحية، ولكنها تلغي فكرة الميثاق الاجتماعي الذي يهدف إلى إتاحتها. وجهة النظر هذه هي تطرف في وجهة النظر الليبرالية من حيث أنها تلغي أي تعاون منظم لوقت طويل.

تضع وجهة النظر الفوضوية الفظة الواقع المثالي باعتباره واقعا بلا سلطة أبدا، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، وتدع مجمل العمل البشري كتنافس وجودي بين أفراد ظروف التنافس بينهم متشابهة بينهم جميعا طوال عملية التنافس.

التعاون

البنية الثانية هي بنية التعاون القائلة إن المجموع ينظر إلى مصلحة الآخر بالشكل النابع من مصلحته هو. التعاون هو بنية اجتماعية تلغي الصلاحية من خلال إلغاء أسس الصلاحية، أي إلغاء الحالة التي يوجد فيها صراع قوى بين الأفراد.

الديمقراطية

الديمقراطية هي طريقة تعاونية ترى انه يمكن تطبيق بنى اجتماعية مشتركة لا تقوم على صراع القوى. في مثل هذه الحالة لا تنبع السيطرة على البنى الاجتماعية من الحاجة إلى توازن بين القوى المختلفة بل من دمجها من اجل خدمة المصلحة العامة.

الديمقراطية تحول الصلاحية إلى قرار بالتوافق إذ إن الأفراد يرون في منظومة العلاقات بينهم منظومة تقوم على المساواة.

الإشكالية الأساسية في الديمقراطية هي أنها تتطلب فهما لا يقوم على القوة، ولكنها قد تفهم، في منظار القوة، كصلاحية بكل معنى الكلمة. وهناك إشكالية أخرى وهي ان الديمقراطية تخلق، على غرار الليبرالية، نظاما مؤسساتيا واسعا لتطبيق قراراتها، وهو قد يؤدي إلى كسب السلطة داخله وخلق رموز سرية للصلاحية.

السلطة في سياقات مختلفة

السياسة

في الحكومة، السلطة هي نطاق الصلاحيات المشروعة التي يتمتع بها كيان ما (كلاين إن دي (Cline n.d.)) عندما يتصرف بالنيابة عن الحكومة. وتُمنح هذه الصلاحيات من خلال القنوات المعترف بها رسميًا داخل الحكومة، وتمثل جزءًا من السلطة العامة للحكومة. على سبيل المثال، قد تتمتع حكومة ما بسلطة لإعدام المجرمين. ويمكن للحكومة بعدئذٍ أن تحتوي على هيئة محلفين مخولة لتحديد ما إذا كان المواطن مجرمًا أو غير مجرم؛ وقاض مخول بالحكم على المجرمين بالإعدام؛ وجلاد مخول بقتل المجرمين الذين حكم عليهم بالإعدام. وفي المقابل، قد يتمتع حشد من المواطنين بالقوة اللازمة للقيام بكل الأشياء المذكورة أعلاه، ولكنهم لا يتمتعون بالسلطة لأن الإجراءات لن تكون مشروعة.

ويمكن أيضًا رؤية السلطة السياسية في مواقف تُعتبر عادة غير سياسية. (أجوارال إن. دي (Agarwal n.d.)) وفي الحقيقة، فإن منح السلطة هو وظيفة أية مؤسسة اجتماعية. ينبغي، على سبيل المثال، على الشركة تعيين موظفين بوصف ذلك وظيفة قياسية لوجودها. ومع ذلك، لا يحق لمعظم أعضاء الشركة تعيين الموظفين. حيث يتم منح هذه الصلاحية لأفراد معينين داخل الشركة دون تدخل الحكومة. ويمكن أن توجد نفس الظاهرة في المؤسسات الدينية والجمعيات الخيرية والجمعيات الأخوية وما إلى ذلك.

السلطات العامة هي القوى المعتبرة قانونا في توجيه النظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لمجتمع معين في ظل دولة قانونية تقوم على مبدأ الفصل بين السلطات وتتكون السلطات العامة من ثلاث سلطات وفقا للتعريف الوظيفي، والذي تنقسم وفقا له إلى سلطة تشريعية، سلطة قضائية، سلطة تنفيذية، وفي ظل سيادة القانون تمارس هذه السلطات وظائفها النابعة من الدستور. الذي بدوره يحدد الإطار العام لتقوم بوظائفها. وقد يحيل الدستور إلى القانون العادي لينظم التفاصيل الضرورية الأخرى

الدين

يتطلب إدراك تجلي مشيئة الله القدرة على فهم ممارسة السلطة من قِبل قوة أعلى. ويتم إدراك الأحكام والأوامر المباشرة بسهولة أكثر باعتبارها سلطة واضحة. ورؤية مثال على شخص ما يتصرف بطريقة تلبي الرضوان تُعد مفيدة في هذا السياق. وفي كثير من الأحيان، تتطلب التعليمات الصادرة عن المؤلف بعض الاستدلال حيث إن المؤلف يعبر ضمنًا عما هو مطلوب.

الفلسفة

ينبغي للمرء أن يميز بين السلطة والقوة. وتتشارك كل منها في استخدام الاتفاق، فيمكن أن تتعلق القوة بمجرم مسلح في حين أن السلطة قد تتعلق بمرشد روحي. ويتمتع المرشد الروحي بسلطة وليس قوة، في حين أن المجرم يتمتع بقوة وليس سلطة. وإذا فقدت القوة العسكرية سيطرتها، فإنها ستفقد عندئذٍ سلطتها.

المجال الأكاديمي

يمكن اعتبار شخص (أو مجموعة) ذا «سلطة» في تخصص ما إذا كان يتمتع بخبرة عميقة في هذا المجال. وهذا يعني أن أي أحكام تصدر عن هذا الشخص، فيما يتعلق بمجال خبرته، ستتمتع بعبء الإثبات لصالحها. بمعنى، إذا أصدر أستاذ الرياضيات رأيًا حول الأعداد، فيُفترض أن هذا الرأي صحيح في حالة عدم وجود إثباتات على عكس ذلك. وهذا سوف ينقض أيضًا أية اعتراضات غير مدعومة من قِبل أي فرد لا يتمتع بهذه الخبرة. والعلماء المتخصصون من الأمثلة على ذلك، ولكنها ليست الأمثلة الوحيدة. فيمكن اعتبار النجار خبيرًا في مجال الأخشاب على سبيل المثال.

الهيئات الحكومية

يوجد لدى كل دولة عدد من المؤسسات التي تمارس السلطة استنادًا إلى ممارسات قائمة منذ أمد بعيد. علاوة على ذلك، تقوم كل دولة بإنشاء أجهزة تختص بالتعامل مع قضايا معينة. ويتحدد كل هذا في إطار الميثاق الخاص بها. ومن الأمثلة على ذلك هيئة الميناء مثل ميناء لندن. فعادة ما يتم إنشاء هذه الهيئات بموجب تشريع خاص وتتم إدارتها بواسطة مجلس إدارة. ويتم إنشاء العديد من الأجهزة والمؤسسات على نفس المنوال وتمارس السلطة في قضايا معينة. وعادة ما يُطلب منها دعم نفسها من خلال الضرائب العقارية أو من خلال أشكال أخرى من تحصيل الرسوم مقابل الخدمات.

علم النفس

أظهرت تجربة ميلغرام Milgram عام 1961 أن الناس يتبعون أحد الرموز التي تتمتع بالسلطة بغض النظر عن الآثار المترتبة على أشخاص آخرين. واتبع المشاركون أوامر القائمين على التجربة الذين كانوا يمثلون السلطة، واستمروا في إعطاء صدمات كهربائية للمتعلم الذي أعطى إجابات خاطئة على الأسئلة، حتى ولو لم يُطلب من المشاركين أنفسهم إدارة الصدمة.

انظر أيضاً