فهم (فلسفة)

من أجل استخدامات أخرى، انظر فهم (توضيح).

الفهم (بالألمانية: Verstehen) مصطلح يستخدم في الفلسفة بشكل عام للدلالة على مباينة الفهم (Verstehen) للتفسير (Erklären).

الفيلسوف الألماني فلهلم دلتاي (1833 - 1911) وظّف هذا التباين من أجل تبيين الفرق بين العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية؛ ففي العلوم الطبيعية على الباحث تفسير ظاهرة من الظواهر (مثلا: لماذا يسقط الجسم إلى الأسفل على الأرض؟ Verstehen: الجاذبية). أما في العلوم الإنسانية فعلى الباحث أن يفهم موضوعه أي موضوع بحثه.

في العلوم الاجتماعية يلعب مفهوم الفهم دورا متغيّرا؛ لاسيما البحث النوعي يزعم أنه يحرص على الفهم، أما في البحث الكمي فدوره، أي دور الفهم، أقل أهمية.

الفهم يربط في غالب الأحيان بالتفسيرية الآنية (الهرمنيوطيقا) عند مارتن هايدغر.

يرى ماكس فيبر فى كتابه: "منهجية العلوم الاجتماعية"، الذى صدر فى الفترة من 1904 حتى 1917، أن فهم (تأويل) Verstehen أفعال الأفراد هو المنهج السوسيولوجى بمعنى الكلمة. وثمة رابطة وثيقة بين الفهم والتفسير، ويدرك معظم علماء الاجتماع اليوم أن كافة عمليات الفهم تنطوى بالضرورة على قدر من التفسير، على الرغم من أن بعضهم مازال يتمسك برؤية ساذجة ترى أن المعانى داخل الواقع الاجتماعى معان غير إشكالية يمكن فهمها بشكل مباشر دون عناء. ويميز فيبر بين الفهم الوصفى (من هذا مثلا: سار جون عبر الحجرة وفتح الشباك) و الفهم التفسيرى (فتح جون الشباك لكى يجدد الهواء فى هذه الحجرة سيئة التهوية). والواقع أن كل قول من هذين القولين يقتضى تفسيرا لما حدث، لكن القول الثانى يذهب إلى مدى أوسع من الأول. ويعتقد البعض أنه كلما كان فهمنا أو تفسيرنا أكثر اكتمالا، كلما كنا أكثر اقترابا من الفهم الكامل للفعل الذى نتناوله. و استطاع ألفرد شوتز فى كتابه: "فينومينولوجيا العالم الاجتماعى"، 1932، أن يطور تصورا أكثر دقة وتحديدا عبر توسيع رأى فيبر وتوضيح تشكل الأهداف عبر مجرى الخبرة. وأفضى به ذلك إلى التفرقة بين البواعث "السببية" (المتى تقع داخل الخبرة الماضية) والبواعث الغائية "التى تشير إلى الوضع المستقبلى الذى يرغب الفاعل فى الوصول إليه.

وتدرك معظم التصورات الحديثة المرتبطة بالفهم فى علم الاجتماع أن الفهم هو أيضا، عملية تفسير. غير أن بعض هذه الاتجاهات حاول الهروب من ذلك من خلال القول بأننا يجب أن نبحث عن القواعد الحاكمة لفهمنا وتفسيرنا، لأن هذه القواعد تظل ثابتة مهما اختلف مضمون التفسيرات. ويكمن هذا التصور وراء فكرة بيتر وينش Peter Winch التى ترى أن الفعل الاجتماعى بطبيعته يخضع دائما لقانون؛ أضف إلى ذلك التركيز الإلنوميثودولوجى على قواعد التخاطب؛ واهتمام البنيوية بالقواعد التى تمكننا من إنتاج المعنى من بناء أساسى؛ واهتمام ما بعد البنيوية بعملية اللعب المستمر و المتغير بالمعانى. ويرى أنطونى جيدنز (فى كتابه تكوين المجتمع، 1984، أن القواعد المصاغة بوضوح تصبح هى الأساس فى التفسير، وأن القواعد الأكثر جوهرية للفعل و التفاعل الإنسانى لاتجرى صياغتها، بل هى، على العكس سابقة للوعى، شأنها فى ذلك شأن الفعل. من هنا تشبه هذه القواعد القوانين التى تحكم المتواليات الرياضية، وتسير بالطريقة نفسها. لذا فإذابدأنابالمتوالية (2-4-6-8 مثلاً) فنحن نعلم أنها تستمر هكذا (10-12-14 ...) دون أن نعلم بالضرورة القانون الذى يحكم هذه المتوالية.

انظر أيضاً