عقلانية

هذه المقالة عن العقلانية في الفلسفة. من أجل العقلانية في علم الإجتماع، انظر عقلانية (علم اجتماع).

في نظرية المعرفة (الايبستمولوجيا), العقلانية (أو العقلية) تطلق علي اي فكر يحتكم الي الاستنتاج (أو المنطق) كمصدر للمعرفة أو للتفسير. بمعني ادق, المنهج (أو النظرية) الذي يتخذ من العقل والاستنباط معيارا للحقيقة بدلا من المعايير الحسية. هنالك مواقف مختلفة من العقلانية, منها المعتدل الذي بري ان الاستنتاج له الأفضلية علي الطرق الاخري لاكتساب المعرفة, ومنها الأكثر تشددا الذي يتخذ من الاستنتاج المصدر الوحيد للمعرفة.

خلفية

في كثير من الأحيان, العقلانية تفسر علي انها تقابل التجريبية, ولكن بنظرة أكثر عموميا, الاثنين ليسوا متنافيين, والعديد من الفلاسفة من ممكن ان يكونوا عقلانيين وتجريبيين.

مؤيدي بعض من اشكال العقلانية يجادلوا بأن إذا بدأنا من قواعد اساسية كمسلمات الهندسة, من الممكن استنتاج كل المعرفة التي يمكن معرفتها. الفلاسفة سبينوزا وليبنتز كانوا ابرز من تمسكوا بهذا الفكر, ومحاولتهم لفهم المشاكل المعرفية والميتافيزيقية التي اثارها ديكارت, ادت الي تنمية النهج الاساسي للعقلانية.

سبينوزا وليبنتز قالوا ان من حيث المبدأ كل المعرفة, بما فيها المعرفة العلمية, يمكن الحصول عليها من الاستنتاج وحده, ولكن لاحظوا ان ذلك غير ممكن, من حيث التطبيق, للبشر الا في مواضيع معينة كالرياضيات. ولكن ليبنتز أيضا, اقر بأن "كلنا تجريبيين في ثلاث ارباع افعالنا".

العقلانية قديما

سقراط (399-470 ما قبل الميلاد)

طالع أيضاً: سقراط

اعتقد سقراط بان قبل أن يفهم البشر العالم, عليهم ان يفهموا انفسهم اولا, وان التفكير العقلاني هو الطريق الوحيد لتحقيق ذلك.

علينا ان نتطرق الي فهم الإغريق للعالم, لكي نعي ما قصد سقراط. المرء بالنسبة لهم, يتكون من جزئين, الجسد والروح. الروح لها جزئان اساسيان, الجزء اللاعقلاني, وهو الخاص بالمشاعر والرغبات, والجزء العقلاني وهو النفس. يري ان في تجاربنا اليومية, الروح اللاعقلانية تنجزب الي الجسد برغباته وتندمج الروح اللاعقلانية معه, فيصبح ادراكنا للعالم محدود بما تؤتينا به حواسنا الجسدية. الروح العقلانية هي ابعد من ادراكنا ولكن يمكن التواصل معها بالصور, الأحلام وخلافه.

مهمة الفيلسوف اذن, كما يري سقراط, هي إصلاح, وفي نهاية المطاف استئصال الروح اللاعقلانية, وبالتالي الحاجة الي الإصلاح الاخلاقي, وبعدها تفعيل الروح العقلانية كي يكون إنسان مكتمل, يظهر الجوهر الروحاني الاسمي وهو ما زال في جسده.

العقلانية الحقيقية, بالنسبة لسقراط, اذن هي ليست فقط عملية تفكير, وانما تغيير في الوعي والطبيعة النوعية للمرء. الروح العقلانية تنظر الي العالم بنظرة روحانية, تري الاشكال الافلاطونية, أو جوهر الاشياء. معرفة العالم اذن, تحتاج الي ان يعرف المرء روحه اولا, وبالتالي ' يفهموا انفسهم اولا'.

سقراط لم ينشر أو يكتب اي من افكاره, ولكنه كان دائما في مناقشات مع الاخرين. عادة كان يبدأ بطرح سؤال بلاغي, يوحي بانه قابل للاجابة. بعد الاطلاع علي الاجابات من الاخرين, يستمر في طرح الاسئلة حتي تحل كل نقاط الخلاف أو حتي يقر الاخرين علي عدم القدرة علي اجابة السؤال. سقراط لم يدعي انه يعرف الاجابة, ولكن هذا لم يمنع قدرته علي تناول المشكلات بشكل عقلاني. هدفه كان ان في النهاية طريقتنا الفكرية لفهم العالم معيبة ووجب تجاوز ذلك للحصول علي معرفة حقيقية لحقيقة الاشياء

العقلانية القارية

منذ عصر النهضة وارتبطت العقلانية بادخال الطرق الرياضية للفلسفة, كما هو الحال في اعمال الفلاسفة ديكارت, سبينوزا وليبنتز. يعد هؤلاء الفلاسفة أهم الفلاسفة العقلانيين ويطلق علي افكارهم العقلانية القارية لانها كانت سائدة في المدارس الفلسفية القارية في أوروبا, بينما في بريطانيا, التجريبية كانت سائدة.

رينيه ديكارت(1596-1650)

طالع أيضاً: رينيه ديكارت
ملف:Descartes Discours de la Methode.jpg
غلاف كتاب مقال عن المنهج لديكارت

من وجهة نظر ديكارت, معرفة الحقائق الخالده, بما فيها الحقائق الرياضية والاسس المعرفية والميتافيزيقية للعلوم, يمكن الحصول عليها من العقل وحده. اما المعارف الاخري, كالمعرفة الفيزيائية, تحتاج الي التجربة مع العالم بالاعتماد علي المنهج العلمي.

جادل ديكارت بأن, بينما الأحلام تبدو كأنها حقيقية نابعة من حواسنا, الا انها لا يمكن ان تعطي المرء المعرفة. أيضا, بما ان حواسنا من الممكن ان تخدعنا وتوهمنا, الحواس نفسها قابلة للشك. لذلك, السعي العقلاني للحقيقة يجب أن يشكك في كل الأفكار المسبقة عن الواقع. ويقول ديكارت في كتابه 'مقال عن المنهج', ص3

فانني لأعلم مبلغ الخطأ الذي نحن عرضة له فيما يمسنا من الامور, ومبلغ الحذر الذي يجب ان تكون أحكام أصحابنا موضعا له, عندما تكون في مصلحتنا[١].

منهج التحقيق

في 'مقال عن المنهج', وضع منهج للحصول علي الحقائق, ويتكون من اربع قواعد ويعرف المنهج كالاتي

قواعد وثيقة سهلة تمنع مراعاتها الدقيقة من ان يؤخذ الباطن علي انه حق, وتبلغ بالنفس الي المعرفة الصحيحة بكل الأشياء التي تستطيع إدراكها, دون ان تضيع في جهود غير نافعة, بل وهي تزيد في ما للنفس من علم بالتدريج[١].

اما القواعد الاربع, هم قاعدة اليقين, التحليل, التأليف والاستقراء التام, يعرفهم ديكارت في كتابه كما يلي:

لا ادخل في احكامي إلا ما يتمثل امام عقلي في جلاء وتميز, بحيث لا يكون لدي أي مجال لوضعه موضع الشك... إذا بدأنا من الإدراك البديهي لأبسط الاشياء كلها فإننا نجتهد أن نرقي بنفس الدرجات الي معرفة سائر الأشياء... أن أسّير افكاري بنظام, بادئا بأبسط الامور واسهلها معرفة كي اتدرج قليلا حتي اصل الي معرفة اكثرها تركيبا... ان اعمل في كل الاحوال من الإحصائات الكاملة والمراجعات الشاملة ما يجعلني علي ثقة من اني لم أغفل شيئا[١].

اذن, يمكننا ان نلخص الاربع قواعد [٢] كالاتي:

  1. اخضاع الأفكار المسبقة لمحاكمة العقل والتخلي عن تلك التي لا يتوافر فيها الوضوح والتمايز.
  2. تقسيم المشكلة الكبيرة الي اجزاء صغيرة
  3. نبدأ بالمشاكل الأسهل أولا
  4. نراجع بشكل دوري للتأكد من اننا لم نهمل نقطة ما أو اخطأنا في التفكير

منهج الشك

منهج الشك عملية عقلية تستخدم لاكتشاف اي من المسائل يمكن اي نحصل علي المعرفة عنها بكل يقين. وفرق بين المعرفة, والاعتقادات والاراء. لأن المعرفة تعني اليقين, بينما الاعتقاد والرأي يتحملوا بعض درجات من الشك. لأن اي ادعاء يحتمل الشك, فمن غير الممكن ان يعبر عن معرفة, وانما من الممكن ان تعبر عن اعتقاد أو رأي. إذا لم نستطع الشك بأي طريقة في ادعاء ما, فيصبح معرفة.

لذا, مناهج ديكارت احدثت تحول في نظرية المعرفة والتساؤل عن ما يمكن معرفته, ويبقي كما راي ديكارت, ان العقل وحده يمكنه الحصول علي المعرفة بشكل مستقل عن حواسنا.

باروخ سبينوزا (1632-1677)

طالع أيضاً: باروخ سبينوزا
ملف:Spinoza Ethica.jpg
كتاب الاخلاق[٣] لباروخ سبينوزا

طور الفيلسوف سبينوزا في القرن السابع عشر فلسفة منهجية, منطقية وعقلانية. اعتقد سبينوزا انه لا توجد إلاعقلانية واحدة شاملة للإنسان والطبيعة, ولذا سعي الي تطبيق المنهج الهندسي (كما في كتاب إقليدس العناصر) في قضايا فلسفية مختلفة منها الألوهية والاخلاق, حتي اننا نجده يعرف الله في أول (التعريف السادس) كتابه الاخلاق ويثبته بشكل رياضياتي بعدها من بضعة مسلمات [٣]. واتخاذه لمنهج الهندسة كان لعدة أسباب[٤]

  • أن في ذلك الوقت, الهندسة كانت مثالا للعلم التام واليقيني وغير قابلة للاختلاف.
  • اعتقاده ان بالإمكان الوصول إلى الحقيقة (في الفلسفة) علي غرار ما فعله اقليدس في الرياضيات من منهجية, دقة, ووضوح.
  • الحد من الاختلافات التي تتسم بها الفلسفية بتطبيق المنهج الهندسي باعتماده علي البراهين التي تكون صحيحة أو غير صحيحة ولكن غير قابلة للاختلاف

غوتفريد ليبنتز (1646-1716)

النظرة العقلانية لدي ليبنتز تستند في استدلالاتها على مبدأين[٥][٦]

  1. مبدأ التناقض وهو ان نقول ان ادعاء كاذب إذا احتوي علي تناقض, وانه صحيح في حال العكس
  2. مبدأ العلة الكافية وهو ان لا يمكن لواقعة ان تحدث, ولا اي ادعاء يكون صحيح الا إذا وجد سبب كافي لذلك لا شيئا آخر.

الحقائق بالنسبة الي ليبنتز نوعين, حقائق العقل وحقائق الواقع.

حقائق العقل

حقائق العقل, كما يري ليبنتز, هي الحقائق اللازمة والابدية يحكمها مبدأ التناقض. ومنها يمكن الحصول علي العلوم والتفسيرات العقلية, وجود الاشياء, البشر والله والوعي علي وجودنا.

و لكن مبدأ التناقض وحده لم يكن كافي لحل المشكلات الميتافيزيقية لتبرير وجود الموجودات، لأن مبدأ التناقض لا يثبت شيئا سوى أن هذا الشئ ممكن الوجود،

وبما ان حقائق العقل تخضع للتحليل المنطقي. حلم بتطوير حاسوب يمكنه معرفة صحة الافكار كما هو الحال في حساب الارقام, ولكن بالرغم من عدم تحقيق حلمه الا انه كان أول من اخترع الحاسوب.

حقائق الواقع

حقائق الواقع هي الحقائق الجائزة (Contingent truths) يحكمها مبدأ العلة الكافية. ونلاحظ ان ليبنتز لم يفرق بين الدليل الكافي علي وجود الشئ والدليل الكافي علي صحة معرفتنا به.

و لعل من ابرز الاختلاف بينه وبين سبينوزا, ان ليبنتز يري ان من الممكن ان بعض الاشياء أو الاحداث تتحقق بسبب ليس ضروري, ولكن بسبب كافي (مبدأ العلة الكافية). مثال إذا قلنا ان "عمرو ليس متزوجا" فهذا ليس ضروري, من الممكن ان يكون العكس, اي متزوجا. هنا السبب الكافي ليس من قبيل الصدفة وانما, كما يري, الأفضل من كل الاحتمالات الاخري (و هنا العناية الإلهية هي التي اختارت أفضل العوالم الممكنة, ولذا نري تبرير لوجود الموجودات بالعلة الكافية).

ليبنتز لا ينفي إمكانية ان يكون مصدر المعرفة من التجربة, ولا ينفي أيضا ان حواسنا يمكن ان تلعب دورا في اكتشافنا للحقائق الابدية والضرورية, بل من الممكن ان معرفتنا بحقائق الرياضيات والمنطق اكتسبت عبر حواسنا. ولكن, تلك الحقائق تبقي مستقلة عن التجربة.

مراجع

  1. ^ أ ب ت كتاب مقال عن المنهج, رينيه ديكارت, ترجمة محمود محمد الخضيري, دار الكاتب العربي للطباعة والنشر, 1968.
  2. ^ Notes on Descartes' Method of Inquiry, Method of Doubt، David Turner
  3. ^ أ ب Wikisource Ethics, Spinoza
  4. ^ تاريخ الفلسفة الحديثة: 2) سبينوزا، أشرف حسن منصور
  5. ^ كانط ومبدأ العلة الكافية، أشرف حسن منصور
  6. ^ PHIL 252: History of Modern Philosophy، University of Montana, Soazig Le Bihan, Chapter 6

arz:العقلانيه bg:Рационализъм bn:যুক্তিবাদ bs:Racionalizam ca:Racionalisme cs:Racionalismus da:Rationalisme de:Rationalismus el:Ρασιοναλισμός Rationalism]] eo:Raciismo es:Racionalismo eu:Arrazionalismo fa:خردگرایی fi:Rationalismi (tietoteoria) fr:Rationalisme gan:理性主義 gl:Racionalismo he:רציונליזם hi:विवेकवाद hr:Racionalizam hu:Racionalizmus id:Rasionalisme it:Razionalismo ja:合理主義哲学 ka:რაციონალიზმი ko:합리주의 ku:Rasyonalîzm la:Rationalismus lt:Racionalizmas lv:Racionālisms ms:Rasionalisme nl:Rationalisme nn:Rasjonalisme no:Rasjonalisme oc:Racionalisme pl:Racjonalizm filozoficzny pt:Racionalismo ro:Raționalism ru:Рационализм (философия) sh:Racionalizam simple:Rationalism sk:Rozumové poznanie sr:Рационализам sv:Rationalism ta:பகுத்தறிவியம் tr:Akılcılık uk:Раціоналізм uz:Ratsionalizm vi:Chủ nghĩa duy lý zh:理性主义