كينونة
الكَيْنُونَة، وأصلها كانَ يَكُون، كُنْ، كَوْنًا وكِيانًا وكَيْنُونَةً، فهو كائِن. فالكَيْنُونَة هي مصدر كانَ، فيقال كَانَ الأَمْرُ: أي وُجِدَ، وكَأَنْ لَمْ يَكُنْ: أي لَمْ يُوجَدْ.
الكَيْنُونَة هو مفهوم واسع للغاية يشمل الميزات الموضوعية والذاتية للواقع والوجود. كما أن أي شيء يشارك في الوجود يسمى كذلك «كَيْنُونَة»، على الرغم من هذا الاستخدام غالباً ما يقتصر على الكيانات التي لديها ذات (كما يوجد لدى "الإنسان") لأنها الوحيدة القادرة على إدراك الوجود. لذلك فإن مصطلح «الكَيْنُونَة» واسع المعنى ومثير للجدل في تاريخ الفلسفة.
تعريف الكَيْنونَة في الفلسفة الحديثة
الكَيْنُونَة هي الحياة. إنها الوجود. لنكون تعني لنعيش، أو لنتواجد. تجد الكَيْنُونَة أو الوجود تعبيراً لها في مختلف نواحي الحياة: في التفكير والتكلم والعمل والاختبار والشعور. إن جميع نواحي الحياة لها أسسها في الكَيْنُونَة.
الوجود
١ — أول من بحث في الوجود بحثا فلسغياً عميقاً هو برمنيدس الايلي (القرن الخامس قبل الميلاد). ذلك أنه رأى
الوجود
هيرقليطس يؤكد أن كل شيء في ميلان دائم، ولا شيء ثابت، وحتى الأضداد يتحول بعضها إلى بعض. وبالجملة لا يوجد إلأ التغير. فجاء برمنيدس وأكت عكى ذلك تماماً فقال إن التغير متناقض؛ والوجود وحده هو الحقيقي، والتغير هو عدم. والوجود واحد ثابت دائم. ذلك أنه ليس ثم إا الوجود، فإلى أي شيء يمكن أن يتغير؟! إنه لن يتغير إلا إلى وجود ايضاً. إن الوجود موجود، أما العدم فليس بشيء. وصفات الوجود هي اذن: أنه واحد، وأنه هو هو نفسه، وأنه ضروري (أي لا يمكن أن يكون بخلاف ما هو كاثن)، وأنه دائم سرمدي، وأنه متصل، ومتجانس. والوجود والفكر شيء واحد.
٢ - وأمام هذا التناقض بين هيرقليطس وبرمنيدس جاء سقراط وأفلاطون فحاولا التوفيق، وذلك بأن قالا إن الجزثي هو المتغير، أما الكلى (أو التصور) فهو ثابت وقرر أفلاطون أن الوجود لا ينبغى أن يكون متحركاً فقط، ولا واحداً فقط ولا غيراً فقط، ولا مادياً فقط ولا غير مادي فقط، إن من الواجب، هكذا يرى أفلاطون، أن نقول بوجود مبدئين: مبدأ هوية حقيقية بين كل الموجودات ويسميه «0^607 ، ومبدأ مقابل له يسميه
هو مبدأ التنوع والتغير. والوجود يقابله العدم أو اللاوجود.
٣ - وجاء أرسطو فقرر أن الوجود ينبغى الا يدرك بالتواطؤ، أي بمعفى واحد. والوجود ليس جنساً، بل هو فوق كل الأجناس («ما بعد الطبيعة» م٣ ف٣ ص ٩٩٨ب»). والوجود يمكن أن يشتق من الوجود، أومن اللاوجود ذلك أن للوجود حالينم الوجود بالقوة (= الامكان)، والوجود بالفعل. رالتغير هو الانتقال من حال القوة إلى حال الفعل فالانسان المريض كان بالقوة مريضا ثم صار بالفعل كذلك؛ رإذا صح من جديد، فإنه كان صحيحا بالقوة وصار بالدواء صحيحا بالفعل.
٤ - وعندأفلوطين يمتزج المعقول بالموجود. فالعقل الأعلى، الذي يتعقل ذاته، يتعقل ذاته بوصفه وجوداً أعلى، ويتعقل ماهيته بوصفها قابلة للتحديد في الموجودات المعقولة الجزئية.
ه - وعند ابن سينا أن «كل موجود: اما واجب الوجود بذاته، أو يمكن الوجود بذاته» (الاشارات والتنبيهات ص ٤٤٧، القاهرة، دار المعارف سنة ١٩٥٨). وقد «ابتدأ
الوجود من الأشرف فالأشرف حتى انتهى إلى الهيولى؛ ثم عاد من الأخس فالأخس، إلى الأشرف فالأشرف، حتى بلغ النفس الاطقة والعقل المستفاد» (الكتاب نفسه ص ٦٧١-٦٧٢).
ويقول أبو البركات البغدادي: «الوجود . . أظهر من كل ظاهر، وأخفى من كل خفي، بجهة وجهة. أماظهوره فلأن من يشعر بذاته يشعر بوجوده. وكل من شعر بفعله شعر معه بذاته الفاعلة ووجودها ووجود ما يوجد عنها ويصدر من لفعل. فمن يشعر بذاته يشعر بالوجود، أعني وجود ذاته. - . وكذلك الزمان: يشعر به كل انسان، أو أكثر الناس جملة. . . وإن لم يعرف جوهر الزمان وماهيته - وكذلك الوجود: يشعرون بآنيته، وإن لم يشعروا بماهيته، (أبو البركات البغدادي : «المعتبر في الحكمة» ج٣ ص٦٣، حيدراباد سنة ١٩٣٩).
٦ — وعند توما - المتأثر ها هنا بأرسطو وابن سينا - أن الوجود ليس معنى جنسياً، لانه يحتوي في داخله على كل
De. verit.,٩. 1, a. 1: Sum. theol. I, q. 4, a. 1;) اختلافاته
25 لل .c.Gent) . إن الوجود يعلوعلى كل الأنواع، ولهذا ينعته كما نعته أرسطو بأنه حد متعال terme transcendental. إنه يعلو على كل الأجناس والأنواع والفصول النوعية، ويشير إلى كل شيء، ويحتوي إذن على كل شى ء. ولهذا أيضاً يقول إنه معنى متغز، analogue ، أي أنه لي متواطئاً ولا مشتركاً: فلا وجود هو وجود على نفس النحو مثل غيره، فالوجود إذا أطلق على الجوهرغيره إذا أطلق على العرض، إنه وجود متفق، أي متردد بين التواطؤ والاشتراك ■
وكذلك نجد توما يقرر أن من الممكن أن نصف الوجود بأنه , الهيولى»، و• الجذر» ، وه الأساس، لكل الموجودات، بمعنى أن حقيقة الوجود مشتركة بين كل الكائنات، لا بمعنى وحدة الوجود.
٧ — وفي العصر الحديث بدأت فكرة الوجود ترتبط بالشيء المجسم الطبيعي، وفقدت فكرة المشاركة وقياس النظر، حقى انتهى بها الأمر إلى الخلط بين فكرة «الوجوده وفكرة «الموضوع objet» وأصبح الموجود، هو«مايمكن امتثاله» فامتزج البحث الانطولوجي (الخاص بالوجود) مع البحث الخاص بالمعرفة.
فنجد كنت في «نقد العقل المحض» يشير إلى مقولتين تتعلقان بالوجود هما : «الواقعية»، و«الكينونة» . والأولى تتعلق
ولتون
٦٢٧
بالحكم بوصفه عملية عقلية؛ أما الكينونة فهي كون ظواهر الطبيعة معطاة. وكنت لا يزال يؤمن بوجود «أشياء في ذاتهاء خارج العقل، ولهذا هاجم المثالية التوكيدية عند باركلي لكن جاء فشته فقضى على وجود الأشياء في ذاتها، وقال إن الوجود هومن وضع لأنا.
٨ - لكن ازدهرت في القرن العشرين المباحث المتعلقة بالوجود، بفضل هيدجر ويسيرز ونقولاي هرتمن، كا برز التوكيد على التفرقة بين الوجود Sein والموجود Seinde .
فعند هرتمن أن الموجود هو المعطى الأول والأساس لكل بحث ولكل مذهب في الفلسفة, والموجود ليس مجرد •موضوع للامتثال» بل هومعطى حاضر.
أما يسيبرز فجعل الأهمية للوجود، لا للموجود.
واهتم هيدجر بالبحث في العلاقة بين الانسان والوجود، أي بالبحث في الآنية Dasein التي هي ليت مجرد كينونة هناك. ورأى أن برمنيدس هو الوحيد الذي وضع مشكلة الوجود وضعاً حغيقياً ؛ أما من بعده فإن الفلسفة الغربية عيت بالموجود، وأغفلت الوجود وهو يريغ إلى العودة إلى ما فعله برمنيدس من الاهتمام بالوجود المطلق Sein
.selbst