تاريخ الفلسفة
تنقسم دراسة تاريخ الفلسفة تقليدياً إلى ثلاث مراحل:
العصور اليونانية القديمة، القرون الوسطى، والعصور الحديثة. هناك أيضاً الآن توجه لإدراج الفترةِ بعدِ الحديثةِ ضمن هذا التقسيم، أهم الفلسفات في هذه الفترة خصوصاً الوجودية. حاول إتيان جيلسون، في كتابِه وحدة التجربةِ الفلسفيةِ ، إظهار ارتباطاتِ مهمةِ بين أفكارِ فترة القرون الوسطى وتطويرِها في الفترةِ الحديثة؛ هذه على نقيض تفسيرات تقليدية للفلسفةِ الحديثةِ على انها عصر جديد غير مكترث بالماضي.
الفلسفة اليونانية
تاريخ الفلسفة هو العلم الذي يهتم بدراسة الأفكار والمفاهيم الفلسفية وتكونها عبر الزمن. أما الإشكاليات التي يتناولها هذا العلم فيمكن أن تشتمل على ما يلي (على سبيل المثال وليس الحصر):
- كيف يمكننا أو نقوم بوضع التغيرات التي تطرأ على الفلسفة في سياقها التاريخي.
- ما هي العوامل التاريخية التي أدت إلى هذه التغيرات.
- إلى أي مدى من الممكن أن تكون النصوص الفلسفية التي كتبت في عهود سابقة مفهومة للقارئ اليوم.
جميع الحضارات (بما فيها حضارات ما قبل التاريخ، والعصور الوسطى، والعصر الحديث، والحضارات الشرقية والغربية، والدينية والدنيوية) كانت لديها فلسفات خاصة بها توصلوا إليها إما عن طريق وراثتها عن عهود سابقة عليهم أو قاموا بابتكارها بشكل مستقل.
تاريخ الفلسفة يسعى إلى تصنيف تلك التغيرات التي تطرأ على الأفكار الفلسفية ومحاولة فهمها في سياقها التاريخي.
تقسم الفلسفة اليونانية القديمة نموذجياً إلى
- فترة قبل سقراطية
- فلسفة سقراط
- فلسفة أفلاطون
- فلسفة أرسطو.
و لا نعلم وجود فلاسفة قَبْلَ سقراطيين مهمين:
طاليس، من أشهر الفلاسفة الذين ينتمون للمدرسة الطبيعية المبكرة بالأضافة إلى أنكسمندريس، انكسمانس، أما بارمنديس، وهيرقليطس.ينتمون للمدرسة الايلية لكن الاهتمامات الأساسية قبل سقراط على حد علمنا مِنْ الأجزاءِ التي تَبْقى منها، كانت مرتبطة بالغالب بالميتافيزيقا؛
فقد كان همهم الأساسي فهم تركيب العالم الأساسي أَو معرفة مبدأ وأصل العالمِ. تبرز أيضاً في فكرهم حججَ أساسية حول التمييز بين الوحدة والكثرة إضافة إلى إمكانيةِ التغييرِ.
قام سقراط وتلميذه أفلاطون بثورة فلسفية شاملة، وفي حين لم يكَتبَ سقراط شيئا، فإن تأثيره يبقى جليا من خلال تلميذِه. قام أفلاطون بتعريف القضايا التي ما زالَتْ تَتصارعُ في الفلسفة. وأيضا حين نتحدث عن تلامذة سقراط لايمكننا ان نغفل اعظمهم قيمة في المذهب الفلسفى وهو (ابيقور)الذي نظم مذهبا فلسفيا يفوق إلى حد كبير أعمال كلا من افلاطون وأرسطو ولكن قد يغفله تاريخ الفلسفة في بعض الأحيان قام أرسطو، تلميذ افلاطون المُهتمّ بكُلّ أمور المعرفةِ، بتعميق النقاشات الأخلاقية كما عمّقَ أيضا دراسةَ الغيبيات، مطورا نظريةِ (المثل)المقترحة مِن قِبل أفلاطون وطرح نظرية الهيولى .
كَانَ ماركوس أحد الخطباءِ الرومانِ الأعظمِ والفلاسفةِ القانونيينِ مِنْ العالمِ القديمِ. توضيحه في القانونِ الطبيعيِ، الاعتقاد الذي حكم القانون يَجِبُ أَنْ يَكُونَ متجذّرا في طبيعةِ الكونِ بنفسها، حَملَ عظيماً يُذبذبُ في العالمِ القديمِ ومن القرون الوسطى. هو كَانَ شيشرون الذي عرض واحدة من أوّل مفاهيمِ الكومنولثِ، كما a ناس إتّحدوا بالمصالح العامةِ وa اشتركَ في إحساسِ القانونِ ( lex ). جذّرَ الرومان قانوناً في مفاهيمِ الحقوقِ والقوَّةِ، التي خلال قوّتهم العسكريةِ سلّطوا في كافة أنحاء أوروبا.
كان القانون مفهومَا مهمَا في الشرق الأدنى عندما غَزاه الرومان وسيطروا عليه.و كانت طبيعة معيشة العبريين في القدس تتم وفق فَهْم معقّد للقانونِ وعلاقتِهم إلى خالقِ الكونِ. فالقانون بالنسبة لهم كان فكرةِ مرتبطة بأساس وجودهم كشعب أَو أمة. القانون كَانَ هبة إلهيِة إلى الشعبِ العبريِ ووسيلة للحفاظ على هويتِهم ونقاوتِهم.
الفلسفة المسيحية
في الـ200 -400 المَسيحيِين الأوائلِ بَنوا على هذا الفَهْم العبريِ القديمِ. عدد مِنْ المفكّرين المسيحيينِ المهمينِ أرادوا فَهْم طبيعةِ القانونِ وعلاقتِه إلى الكنيسةِ المبكّرةِ. ارينيوس ليون، تيرتوليان، اوريغن وأمبروز مِنْ رتبةِ بين الأكثر أهميةً.
كان أوغسطين، على أية حال، الذي كَانَ عِنْدَهُ التأثيرُ الأعظمُ والأطولُ. أي متحول إلى المسيحيةِ، كَتبَ أوغسطين العديد مِنْ النصوصِ المهمةِ. إحدى ه قَرأتْ الأعمالَ على نحو واسع اعترافاته، سيرته الذاتية التي تُعيدُ حساب دِراساتَه في فلسفةِ شيشرون، تحويله إلى الدينِ المعرفيِ المانوية، وتحويله النهائي إلى المسيحية. نَصّ Augustinian الآخر المهم مدينة الله التي فيها تَجادلَ ضدّ الإدّعاءِ ثمّ تَوزيع بين بَعْض الرومان الذي المسيحيين كَانوا قضيّةَ هبوطِ روما. جادلَ أوغسطين بأنّ المسيحيين قَوّوا يُفسدُ إمبراطوريةً، يَبطئ هبوطَه. في كتابِ يَتجادلُ ضدّ فَهْم شيشرون للكومنولث، ذِكْر في البديلِ الذي الكومنولثِ مُعَرَّفُ مِن قِبل الناسِ الذين متّحدون في التزام للاشتراك في الذي يَحبّونَ.
بعد أوغسطين، العديد مِنْ المفكّرين المسيحيينِ المهمينِ، تَضْمين جوستينيان أنا، بوثيوس، وكريكوري الكبير شكّلَ فلسفةً في فترةِ من العصور الوسطى المبكّرة. قضية ذات أهمية كبيرة كَانتْ تُعالجُ السلطة السياسيةِ العظيمةِ التي الكنيسةِ أنجزتْ، خصوصاً في مكتبِ البابويةِ.
في القرن الثالث عشرِ، كَانتْ أعمال أرسطو قَدْ أَصْبَحتْ مؤثرَة مرةً أخرى، بعد أن فُقِدَ إلى أوروبا الغربية منذ شلالِ روما. أحد مؤسسي الأعظم للفكرِ المسيحيِ والأرسطوطاليسيِ كَانَ توماس الأكويني. أصبحَ تأليفُه في الميتافيزيقيا الأرسطوطاليسيةِ وتَفَاهُم مع العمليِ التعليم المسيحيَ خاصيةَ فلسفة من القرون الوسطى. أي قضية مركزية التي منها كَانتْ تَفْهمُ طبيعةَ وجود في حد ذاته والله التي تُعرّفُ نفسه كخالقِ كُلّ الكائنات. في، الأكويني حاولَ الإجابة باختصار يُهيّئُ كُلّ القضايا اللاهوتية الرئيسية مِنْ يومِه بتَركيب الاعتقادِ المسيحيِ بميتافيزيقيا الطبيعة الهيولية الأرسطوطاليسية.
قسّمَ الأكويني مفهوم القانونِ إلى أربعة أنماطِ: القانون الأبدي، قانون طبيعي، قانون إنساني، وقانون قدسي. يَعْكسُ القانونُ الأبديُ نوايا الله للخَلْقِ. إنّ القانونَ الطبيعيَ قوانينَ جوهريَ في أنْ يَكُونَ. إنّ القانونَ الإنسانيَ القانونُ الإيجابيُ للأمراءِ؛ والقانون القدسي إيحاءُ الله في الكتاب المقدّسِ. يَعتمدُ القانونُ الطبيعي على قوَّةِ العقلِ الإنسانيِ لمعْرِفة الشكلِ ومادةِ الأشياءِ وبذلك t (غرضهم الأبدي، هدف، أَو نهاية) الذي يَجْعلانِ من الممكن لمعْرِفة القانونِ الطبيعيِ. جادلَ الكويني بأنّ في النهاية tele (جمع telos ) دَمجَ إلى الرغبةِ لإنْجاز الاتحادِ مَع الله.
العصور الحديثة
وليام أوكام عَرضَ بديلَ هام للفلسفةِ التوماسية. تَجادلَ ضدّ المسلّمةِ الذي قَبلَها توماس الأكويني دون إثبات، بأنّ الفَهْم الحقيقي والدقيق يُمْكِنُ أَنْ يُعْرَفَ من خلال التجربةِ الإنسانيةِ، وهكذا اعترض ضدّ القانونِ الطبيعيِ كما اقترحَه الأكويني.
المفكّرون الحديثون يَجدونَ مُعظم القيمةِ في فكرِ ديكارت، الذي يُدْعَى أبَّ الفلسفةِ الحديثةِ في أغلب الأحيان، اقترحَ بأنّ الفلسفةِ يَجبُ أَنْ تَبْدأَ ب نقد جذري حول إمكانيةِ حُصُول على معرفةِ موثوقةِ. في تأملاته ، يُحطّمُ كُلّ مؤسسات المعرفةِ بشكل منظّم ماعدا واحد (أَعتقدُ، إذا أَنا موجود)، وبعد ذلك يَستعملُ هذه الحقيقة المفردة لإعادة بناء نظام المعرفةِ. الأسئلة التي يَرْفعُ ثمّ تَكُونُ تَعاملتْ مَع مِن قِبل سبينوزا، مالبرانش، هوبز، أرنولد، جون لوك، لايبنتز، وديفيد هيوم. الفترة تميزت باجتماع العلومِ الطبيعة والعقليةِ.
العديد مِنْ النِقاشِ بين هؤلاء الفلاسفةِ الحديثينِ سبّبوا توترا في كُلّ مناطق الفلسفةِ، بشكل خاص الميتافيزيقيا. أخيراً، إمانويل كانت كَتبَ '' نقد العقل المحض '' وحاولَ مُصَالَحَة وجهاتِ النظر المتعارضةِ ويُؤسّسُ قاعدة جديدة لدِراسَة الميتافيزيقيا المتجذّرة في تحليلِ الشروطِ لإمكانية المعرفةِ. أي إدّعاء مركزي مِنْ برنامجِ كانت ل«النقدِ» تَضمّنَ تفنيدَ مفاهيمِ كلاسيكيةِ للميتافيزيقيا، والذي اقترح تَحرّيا مفهومَ مجرد للوجود في حد ذاته.
جادلَ كانت الذي أَنْ يُسنَدَ لا شيءَ، مثل هذا الذي لإدِّعاءات «المجهول x» و«كينونة المجهول x» هي تعابيرَ متكافئة. ليس هناك «كينونة» نظرية، إنما كائنات معيّنة فقط وهذه معروفة فقط كظواهر للتجربةِ الإنسانيةِ. لا معرفةَ للأشياءِ في حقيقتها. لقّبَ كانت هذه البصيرةِ في فلسفتِه ب «الثورة الكوبرنيقية».
عَرضَ كانت فلسفته الأخلاقية في نقد العقل العملي «ذلك هناك لا شيء الذي جيدُ بدون مؤهلِ، ماعدا a نيّة حسنة.» لماذا هذا؟ ببساطة لأن أيّ شيءَ في كل يُمكنُ أَنْ يَكُونَ أمّا جيد أَو شريّر ماعدا رغبة الفِعْل الخير الشيء الوحيد الذي يُوجّهُ العملَ الإنسانيَ لِكي يَكُونَ أخلاقيَ الفردُ سَيُريدُ طَاعَة قواعدِ السببِ. في مشهوره أولوية مطلقة، يَعْرضُ مبدأَ الحكمِ الأخلاقيِ: «في حد ذاته الذي مبدأ عملِه يُمكنُ أَنْ يَكُونَ willed الّذي سَيَكُونُ a مبدأ عالمي (حَملَ بكُلّ).» فكر كانت عَرضَ وسائل للتَفكير بالواجبِ الأخلاقيِ بغض النظر عن البرامج الغيبية، التي أصبحت مريبة جداً وموضع شك على ضوء التقدم علمي. الواجب للطَاعَة الذي أصبحتْ طلباتَ السببِ العمليةِ نمطِ المغزى التي تُفكّرُ المعروف بالكانتية. فلسفة كانتيان تُواصلُ اختيار لمدة طويلة في النظريةِ القانونيةِ. علماء نظريون مثل جون راولس ويورجن هابرماس يَأتي مُعظم إلهامِهم مِنْ أسلافِ كانتيان.
بنهاية القرن التاسع عشر، على أية حال، تَجادل عِدّة فلاسفة مهمون ضدّ موقفِ نقدية كانت. أحد أكثر المؤثرِين كَانَ ادموند هوسرل، الذي أَسّسَ النمطَ الفلسفيَ المعروف بالظاهراتية. نظرة هوسرل إلى الطريقةِ الفلسفيةِ المُلهَمةِ بشكل غير مباشر مع تشكيلة واسعة من المفكّرين المهمينِ في القرنِ العشرينِ. خلال كتاباتِ المفكّرين الكاثوليكيينِ، مثل إديث شتاين وكارول فوجتيلا (البابا جون بول الثاني) اقترنَت الظاهراتية بالتومسية التي يُعْتَقَد بأنَّها تَتحرّى طبيعةَ كرامةِ الشخصِ الإنسانيِ. اقترنتْ بالوجوديةُ، الظاهراتية مارتن هايدجر أَثّرَ على المفكّرين متنوّعين كيشب كارل، هانا أرين، بول ريكور، وجاك دريدا.
التاريخ والفلسفة
التاريخ والفلسفة يبدوان لأول وهلة متناقضين متعارضين : لأن الفلسفة معناها الكشف عن الحقيقة، والحقيقة معناها مطابقة الفكر للواقع، فإما أن يكون الفكر مطابقاً للواقع وحينتذ يسمي حقيقة، أو لا بكون فلا يمكن ان يسمى حقيقة . فالحقيقة إذاً نقتضي الثبات، ما دامت هي في جوهرها ليست غير مطابقة الفكر للواقع . بينما نشاهد من الناحية الأخرى أن التاريخ موضوعه التغير، إذ لا يمكن أن يفهم بغيرالزمان، أوبعبارة اخرى ليس التاريخ غيرسلسلة من الحوادث المتتابعة التي ترتبط اشد الارتباط.
كلا الموضوعين إذن مختلف: الفلسفة والتاريخ، ما دام موضوع الحقيقة أو الفلسفة هو الثبات، بينما موضوع التاريخ هو لتطور والتغيروالزمان. فهلا يمكن إذن ان يقوم للفلسفة تاريخ، ما دامت الفلسفة ليست حوادث ووقائع تقع في زمان دون زمان، وترتبط بظروف الزمان والمكان أشد الارتباط ؟ الواقع ان هذ القول لا يمكن أن يعد صحيحاً، ولوأن الذين وقفوا هذا الموقف، أي الذين أنكروا أن يكون للفلسفة تاريخ، وأنكروا ان هناك شيئاً اسمه الفلسفة بالمعنى الذي حددناه سابفا، نقول إن هزلاء قد جعلو لموقف بالنبة إلى تاريخ الفلسفة ينقسم قسمين : فإما ان يقول امرء إن هناك تاريخاً ، وليس ثمة فلسفة،أوأن يحسب أن هناك فلسفة وليس ثمة تاريخ لها. وقد قال بالرأي الأول، وهو القائل بأنه ليس للفلسفة تاريخ، هؤلاء الذين يريدون أن يجعلوا للفلسفة حقيقة ذاتية ويريدون أن يصرفوا النظر عما هناك من اختلاف بين المذاهب الفلسفية. وهم في نظرتهم هذه متأثرون بفكرة سابقة.
أما اصحاب الموقف الثاني فقد قالوا إنه ليس ثمت حقيقة في ذاتها، وإن المذاهب متعارضة متناقضة، وعلى هذا لا يمكن ان نقول إن هناك فلسفة. وهؤلاء هم الشكاك الذين اتخذوا من تضارب المذاهب الفلسفية وتناقض الواحد مع الآخر وسيلة للحط من الفلسفة، وإنكار امعرفة إنكاراً تاماً او شبه تام، وهناك موقف وسط بين هذين الموقفين، هو الموقف الذي يصرف النظرعن الحقيقة ولا يحكم عليها، سواء أكانت هي في ذاتها حقيقة ام غيرحقيقة، ومن هنا يحاول أصحابه الوصف دون الحكم - اي ان ابحاثهم إذاً وصفية لا تقويمية - وهؤلاء هم مؤرخو الفلسفة بالمعنى البداثي لكلمة «تاريخ الفلسفة». ونحن نجد في العصور القديمة ثلاثة من المؤرخين يمثلون هذه النزعات الثلاث : فيمثل النزعة التاريخية الوصفية ديوجانس اللائرسى، ويمثل النزعة الثانية سكستوس إمبريكوس وهي نزعة الشكاك، ويمثل النزعة الثالثة استوبيه، وهي النزعة الفلسفية التي تنظرإلى الفلسفة دون اعتبارلتاريخ الفلسفة. وفي العصر الحديث نشاهد أن هذه النزعات يمثلها على التوالي : استانلي، وبييرييل، ثم يعقوب بروكر.
والنتيجة التي نستخلصها من هذا كله، هي ان الفلسفة لا يمكن ان يكون لها تاريخ بمعنى الكلمة، لأن الجمع بين الفلسفة والتاريخ ليس بمستطاع، بل يمكن إنشاء تاريخ فحسب، أ وفلسفة فحسب.
لكن الواقع، على الرغم من هذا كله، هوأن للفلسفة تاريخاً . إذ انه حتى لو سلمنا بأن الحقيقة الموضوعية واحدة لا تتغير مطلقاً فإن الكشف عن هذه الحقيقة لا يمكن ان يقوم بم إنسان دفعة واحدة، يل لا بد للروح الإنسانية من ان تسلك طريقا شاقة طويلة حتى تكشف عنالحقيقة وتجليها، وهذا لا يكون إلا الاقتراب من موضوعها الحقيقي شيناً فشيئاً فهناك إذن عملية تكوين. وهذه ستكون موضوعا لتاريخ الفلسفة، لأن هذا التكوين لا بد أن يتم في الزمان، فيمكن بالتالي ان يكون له تاريخ . ومثال هذا ما نراه في علم كعلم الفلك : فإن قوانين الأجرام السماوية ثابتة لا تتغير، أما علم الفلك نفسه، أي ما ندرك من هذه القوانين، فلم يتم دفعة واحدة، بل قامت عدةجمحاولات، وكانت هذه المحاولات مشروطة بشروط البيئة ودرجة الثقافة التي نشأت فيها، والنظرات الخاطئة فيها قد استمرت طويلا، حتى جاءت مكانها نظرات جديدة نعدها ليوم صحيحة صائبة، ولعلها الا تكون كذلك في المستقبل. ومعنى هذا انه على الرغم من ان موضوع علم الفلك ثابت، فإننا اضطررنا اولاً إلى القول بنظام بطليموس، ولم نزل على رأيه، حتى جاءكوبرنيكوس في القرن السادس عشرثم جلليو، فرفضناه , فهنالك إذاً - حتى من ناحية حسبان نا أن موضوع الفلسفة ثابت - ما يلزمنا القول بأن للفلسفة تاريخاً.
لكن هل هذا صحيح ؟ أي هل موضوع الفلسفة ثابت ؟ الواقع ان لا، وذلك لأن العالم الخارجي-كما انتهى إلى إثبات ذلككنت-ا يوجد إلا لأن الروح الإنسانية او العقل الانسافي قد أنشأه، أي أنه ليس ثمة حقيقة خارجية موضوعية، بل الحقائق قائمة على الروح الإنسانية، وعلى هذا فإنه لما كانت الروح الانسانية حية، اي انها روح متطورة عزضة للنمو اولاً، ولاهار ثانياً، والانحلال ثالثاً، وللفناء اخيراً، فإها متغيرة فالحقائق التي تنتجها متغيرة بتغيرها، والنتيجة إذا هي ان موضوع الفلسفة متغير.
والواقع اننا لواخذنا بهذه النظرة إلى الروح الإنسانية ، فقلنا - كما يقول هيجل - إن الروح هي التاريخ نفسه او إن التاريخ ليس إلا الروح او الصورة المطلقة وهي تعرض نفها على مر الزمان في العلم والفن والدين والفلسفة والقانون - إذا قلنابمايقول بم هيجل-فإن معنى هذا ان الروح متغيرة، ومن حيث إن الفلسفة في نظره هو، وفي نظر المثاليين جميعا، هي إدراك الروح لذاتها في تطورها، فإن الفلسفة وتاريخ الفلسفة تبعاً لهذا النظرة شيء واحد.
تلك هي نظرة هيجل ورجال المدرسة الهيجلية إلى تاريخ الفلسفة. وإنا لنجد هذه النظرة قد ظهرت بوضوح عند كونو فشرفي مقدمته لكتابه الضخم في اتاريخ الفلسفة الحديثة» . والنتيجة التي ينتهي إليها في هذه المقدمة هي ان الروح الإنسانية متطورة وأن إدراكها لهذا التطور هو الفلسفة، فالفلسفة، إذاً لا يمكن ان تفهم منفصلة عن تطور الروح؛ وبالتالي تختلف النظرات الفلسفية، سواء من ناحيتي الزمان والمكان، تبعاً للدرجة التي وصلت إليها هذه الروح الإنسانية في تطورها. ومعفى هذا، في هاية الأمر، ان الفلسفة ليست في الواقع غي. تاريخ الفلسفة.
وهنا يقوم اعتراض شديد على النظرة إلى الفلفه وتاريخها على هذا النحو، فنجد رجلا مثل ديكارت ينادي بأنه إذا كان لا بد من قيام فلسفة، فلن يكون ذلك إلا بأن نضرب بكل الماضي عرض الحائط، وان نصرف النظرنهائياً عن كل ما قاله الأقدمون، أو، على حد تعبيره، ان نتحلل من كل الأفكار التي ورثناها وأن نبدأ من جديد بإقامة مذهب فلسفي. ثم نجد رأياً آخر لامرسون يقول فيه على لسان الطبيعة : «أيها الاسان! إن العالم امامك جديد، وهوجديد في كل لحظة، فلا تتعلق بشيء مما عرفته في الماضي، بل عليك ان تبدأ كل شيء من جليل».
ولكن ديكارت فيهذا، هو وإمرسون وغيره من الفلاسفة، مفطئون. لأن ديكارت نفسه لم يقم مذهبه إلا على اساس ما فعلته المذاهب السابقة، على الأقل بوقوفه موقف المعارضة منها. وعلى هذا فإذا لاحظنا ان في تطور التاريخ فترات تظهر كنقط انحراف فجائي سريع، فليس لنا ان نستنتج من هذا ان هناك تحولاً سريعاً، إغا نقط التحول ليست غيررد فعل تقوم به النفس الانسانية حينما شعر بأها يئست، اوعلى الأقل قد شبعت، منكل ما عرفته حتى الآن، فهي تعبير عن حالة نفسية تشعر فيها النفس الإنسانية بان المعتقدات التي قد وجدتها امامها لم تعد تشبع نزعاتها، ولم تعد قادرة على ان تكون مستجيبة لهذا النداء الجديد الذي تشعر بم روح العصر الجديدة حيماتبد يقظتها، فهذه الأدوارالتي يخيل فيهاإلى المرءان الروح الإنسانية قد اتجهت اتجاها جديداً وتنكرت للماضي،لابد مع ذلك ان تكون على اتصال وثيق بالماضي، فنراها في البدء تثور ثورة عنيفة على هذ الماضي من اجل ان تؤكد كياها بإزائه، ثم يستمرهذا التضاد بين الروح الجديدة والروح القديمة في ازدياد شيئاً فشينا، ولكنه مع ذلك لا يستطيع انيقطع الصلة بهذا الماي.
ثم هناك اعتبار آخر. وذلك ان من بين الحجج التي يبديها أنصار التنكر للماضي من امثال ديكارت، أن ليس في الماضي شيء مفيد اوجديد، وأنه لا يصلح ان يكون مراناً للروح الفلسفية ولا دافعاً لها في طريق البحث. ولكن هذا الراي، أوهذه الحجة، لا تقوم ايضاً على اساس صحيح، لأن النظرة في المذاهب الفلفية السابقة من شأغها ان ترسم للانسان الحدود التي يستطيع في داخلها ان يسير، وأن تبين له المشاكل التي يجب عليه أن يحلها، إن لم تكن قد حلت من قبل، اوأن يكمل حلها إن كان قد تم منها قبل شيء
ومن شان التاريخ ايضاً، وتاريخ الفلسفة بوجه خاص، أن يزيل عن الإنسان فكرة التعصب للرأي، أوما يسمونه باسم التزمت والقطعية، وعلى هذا نستطيع ان نقول، تبعاً لكل ما قلناه حتى الآن، إن هناك تاريخا للفلسفة اولا؛ وإن هذا التاريخ مفيد ثانياً . فإذا ما تقرر هذا تبدت أمامنا مشاكل جديدة : كيف نستطيع أن نقوم بكتابة هذا التاريخ وما هي الأسس التي يبفى عليها، وما هو المنهج الذي يجب على مؤرخ الفلسفة أن يسير عليه، وما هي القوانين العامة التي يستطيع أن يستهديها خلال بحثه في هذا التاريخ؟
كل هذه المشاكل تنحل الى، مشاكل ثلاث رئيسية هي :
أولاً: مشكلة نشأة الفلسفة، اي ما هوالتاريخ الذي نستطيع أن نقول عنده إن الفلسفة قد وجدت بالفعل، ومنه نستطيع بعدئذ ان نبدأ البحث في تاريخ الفلسفة.
ثانياً: مشكلة حدود الفلسفة، اي إلى أي حد نستطيع ان نقول إن ثمت تاريخاً للفلسفة، وإن هذا التاريخ مستقل عن بفية العلوم الروحية. أي : ما هي الفلسفة أولاً، وثانياً ما هي الصلة بين الفلسفة (على النحو الذي نحدده) وبين بقية العلوم الأخرى، وهل يمكن أن تفهم الفلسفة مستقلة عن بقية مرافق الحياة الروحية ؟
ثالثاً: هل هناك قانون خاص تسيرعليه المذاهب الفلسفية في تطورها ؟ وإذا كان هناك مثل هذا القانون، فما هو، وما هو المنحنى الذي ترسمه المذاهب الفلسفية في ظهورها على مدى التاريخ ؟هل المذاهب الفلسفية تنحل كلها إلى مذهب واحد، وليست المذاهب التالية غير تكرار لهذا المذهب الأول، أوأن كل مذهب جديد هوجديد بمعنى الكلمة، لا صلة له بما تقدمه من مذاهب ؟ ثم إذا كان ثمت صلة بين المذاهب المختلفة التي تظهر على مدى التاريخ، فهل هي صلة تقدم اوصلة تاخر، آوهل هي صلة دورات مقفلة، ولكل دورة من هذه الدورات قانونها الخاص الذي تسيرعليه ؟
تلك هي المشاكل الثلاث التي تعترض مؤرخ الفلسفة حينما يبحث لأول مرة في تاريخها. فلنتحدث عن كل مشكلة من هذه المشاكل على حدة.
المشكلة الأولى : اختلف المؤرخون من قديم الزمان في بدء تاريخ الفلسفة، أي في النقطة التي ابتدا عندها تكوين الفلسفة. فقال أرسطو: إن الفلسفة لا تبدا إلا من القرن السادس قبل الميلاد على يد طاليس الملطي. وقال ذيوجانس اللاثرسى إن أول فلسفة قامت عند الشرقيين والمصريين. فنحن هنا إذا بإزاء رأيين متعارضين، اخذ الأول منهما.ركز السيادة طوال العصور القديمة والمتوسطة، واستمرحتى نهاية القرن التاسع عشروإبتداء القرن العشرين، حينماجاءت بحوث جديدة زعزعت بعض الشيء من هذا الرأي.
فالبحوث التي قام بها المستشرقون قد كشفت في السنوات الأخيرة عن وجود حضارة شرقية بابلية زاهرة. ونحن نجد في إحدى القصائد التي بقيت لنا من نتاج هذه الحضارة، قصيدة تسمى قصيدة ,ا الحلق وفيها نجد كلاماً عن بدء العالم، يشبه، في ظاهره، كلام طاليس، إذيقول صاحب هذه القصيدة إنه قبل أن يكون للسماء اسم، وقبل أن يكون للأرض اسم، كانت الأشياء كلها ختلطة في الماء. فهذا الكلام يشبم كثيراً ما قاله طاليس، بما دعا هؤلاء المؤرخين إلى القول بأن الفلسفة قد نشأت في بلاد العراق بين النهرين. لكن لنا على أقوالهم هذه تحفظات كثيرة سنذكرها بالتفصيل فيما بعد عند كلامنا عن الصلة بين الفلفة اليونانية والفلسفة الشرقية؛ وثانياً عند كلامنا عن طاليس، حيث نرى أن امهم في قول طاليس، ليس هوأن الأصل أوأن الأشياء كانت في البدء عبارة عن ماء ، وإنما المهم هوأنه قال إن «كل» الأشياء ترجع إلى الماء ، أي أنه قال، لأول مرة، بأن العالم «كله» يرجع إلى عنصر واحد. فهذا القول بان العالم وحدة، وبأن ها هنا عنصراً واحداً هو الذي تطور عنه كل الكون، هذا القول وحده هو الذي يدعونا إلى ان نقرر أن طاليس أول فيلسوف. وليس يهمنا بعد كثيراً أن يكون قد قال إن كل الأشياء كانت في الأصلماء أوغير ماء.
وهم يسوقون دليلاً آخر، تأييداً لهذ الرأي، ونعني به الرأي القائل بان الفلسفة يجب أن تبداً بالتفكيرالشرقى السابق على التفكير اليوناني، فنرى رجلا مثل جاستون مليويكتب في سنة ١٩١٠ في كتابه «دراسات جديدة في تاريخ الفكر العلمي» قائلاً : إن البحث في تاريخ العلوم الرياضية بوجم عام يظهرنا على أن الرياضيات كانت عند المصريين والشرقيين قد وصلت إلىدرجة عليامن التطور، وهذاالرأي نستطيع أن نردعليه ايضاً بما رددنا به على الحجة السابقة من قبل، فنقول : أجل! إن الرياضيات كانت عند المصريين عماثلة في كثير من نتائجها للرياضيات عند اليونانيين بل ربما كانت في بعضها تفوقها، ولكن المهم في هذا ليس في النتائج، بل في طبيعة الرياضيات عند كل من اليونانيين والمصريين. فالرياضيات كانت عند المصريين، كما كانت عند البابليين والأشوريين، تجريبية صرفة، أي انهم حينما كانوا يريدون مثلا ان يضربوا أعداداً ما في العدد ٣ ، كانوا يضيفون الضارب إلى ضعف المضروب فيه؛ فلم يكونوا يعرفون إذن نظرية الضرب، بل كانوا يستخلصون النتائج بطريقة عملية دون أن يعرفوا الأساس النظري الذي تقوم عليه عملية حسابية ما.
ولهذا نرى أحد الشراح على محاورة «خرميدس» لأفلاطون يفرق بين نوعين من الحساب : بين حساب هوفن الحساب، وبين الحساب النظري ٠ فالمصريون إذن لم يكن لديهم إلا الحساب العملي أو «فن» الحساب، بينما كان لدى اليونان، إلى جانب هذا، «علم» الحساب أي الحساب الظري.
وكذلك الحال بالنسبة إلى الهندسة، فلقد كان المصريون يعرفون حقاً نظرية المثلث القائم الزاوية، وانه بنسبة ٣: ٤: ه: وكانوا يستخدمون هذه النظرية في مساحة الأراضي، ويقومون بهذه المساحة كل عام بعد أن ينزاح ماء فيضان النيل عن الأراضي، لكي يستعيدوا تقسيم الأرض قبل أن يغمرها ماء النهر، بيد انهم لم يكونوا قادرين على إثبات هذه النظرية التى نسبت فيمابعد إلى فيثاغورس. ولقد عرف المصريون ايضاً ما عرفه فيثاغورس من ان :
جموع الأعداد الصحيحة المحالية =
العدد الأخر ١ حاصلضرب العدد الأخير * م
فهذه الصيغة الرياضية كان المصريون يعرفونها، لا في وضعها هذا، وإنما بالتجربة وفي التجربة فحسب، ومن هذا يتبين الخلاف الهائل بين الرياضيات عند المصريين - وعند الشرقيين بوجه عام - وبينها عند اليونانيين، وفي هذا الفارق، الذي يقوم على اساس أن اليونانيين اكتشفوا النظرية بينما المصريون لم
يستطيعوا أن يعرفوا إلا النتيجة فقط (دون النظرية)، نقول إن في هذا الاختلاف يقوم الفارق بين الفكر الفلسفي النظري، والفكرغيرالفلسفي، الذي هوفكرعملي صرف.
وثمت حجة ثالثة، يسوقها ايضاً أنصار الرأي القائل بأن أول بدء الفلسفة كان عند الشرقيين، مؤداها أنه قد ورد في كلام من سبق سقراط من الفلاسفة كلام وألفاظ موضعها الفكر الأسطورى، مثل لفظة قدر وعدالة وغيرها، فمثل هذه الألفاظ ترد ونلعب دوراً خطيراً في الفكر الفلسفي والفكر الأسطوري معاً، كما ان من الممكن ان نرد بعض انواع ذلك الفكر السابق على سقراط إلى ذلك النوع من التفكير الذي يسميه كاسيرر بالفكر الشكلي التركيبي، في مقابل الفكر العلمي القائم عل قانون العلية، أي ربط الأشياء بعضها ببعض على أساس العلة والمعلول، وهذه النزعة إلى الربط بين الفكر الفلسفي والعقلية البدائية قد لقيت رواجاً عظيماً بفضل الاجتماعيين المحدثين، وبخاصة الفرنسيين منهم أمثال ليفي بريل ٠ ولكن هذه النزعة قد اصبح مقضياً عليها الآن تقريباً ولم يعد لها كثيرمن الأنصار.
ومن ردودنا هذه ننتهي إلى النتيجة التالية: وهيأنبدء الفلسفة لا يمكن أن نضعه في الفكر الشرقي، وإنما يجب أن يكون هذا البدء في القرن السادس (ق. م) عند اليونانين. وبهذا نكون قد رجحنا رأي أرسطوعلى المحاولات الحديثة التى قامت من اجل النيل من هذا الراي ومن اجل عد الفكر الشرقي هو مرجع الفكر الفلسفي.
والآن ننتقل إلى الكلام عن حدود الفلسفة: هل نحدها بالغرب او نجعل ثمت مكانا للفكر الشرقي ؟ فلقد كانت هناك عدة صلات بين اليونانيين وبين الشرقيين، خصوصا ابتداءا من حكم الاسكندر حتى :اية الحروب الصليبية. ثم إنا نجد تشابهاً كبيراً بين كثير من المذاهب الهندية وبعض المذاهب اليونانية. ومن حيث أننا لا نستطيع تعرف تاريخ هذه الكتب بالدقة وتحديد الزمن الذي وضعت فيه، فإننا لا يمكننا أن نعرف إن كان الفكر الهندي هو الذي اثر في الفكر اليونافي، أم ان العكس هو الصحيح. وإننا لنجد في العصور الوسطى أنه قامت في الشرق فلسفة كانت في الواقع صورة اخرى، مشوهة بعض الشيء للفلسفة اليونانية ونعني بها الفلسفة الإسلامية. وهذه الفلسمة الإسلامية قد أثرت بدورها وانتقلت إلى الأوروبيين* ومعنى هذا أنه كانت ثمت صلات بين الشرق والغرب لا نستطيع أن ننكرها، وعلى كل حال فإن الفلسفة الإسلامية تحتل مكاناً ضخماً في دراستنا، نظراً لعدناشرقيين تقريباً ، ومسلمين غالباً ، وبالتالي فنحن مضطرون إلى أن نفح لها مجالآ كبيراً في دراستنا لتاريخ الفلسفة .
المشكلة الثانية : !لى أي حد نستطيع القول بأن للفلسفة تاريخاً مستقلاً عن بقية العلوم الأخرى ؟ هل نستطيع ان نفصل بين الفلسفة وبين الدين وافن والعلم والسياسة التي وجدت في نفس العصر الذي وجد فيه هذا المذهب الفلسفي أو ذاك ؟ وهل تاريخ الفلسفة عرض للأفكار والنظريات الفلسفية فحسب، دون ما اعتبار للوسط الذي نشأت فيه والبيئة التي خرجت ما ؟ نظن أن لا، أولاً: لأن الفلاسفة لا يكن ان يفهم مذهب الواحد منهم إلا إذا ربطناه بامركز العام الذي يشغله والاتجاه الذي يتجه إليه في نفكيره العام , فلم يكن الفلاسفة جميعا محترفين للفلسفة وحدها : إذ كان منهم المشتغلون بالاصلاح الاجتماعي مثل أوجيست كونت، والمشتغلون بالسياسة مثل فولتير، والذين امتهنوا المهن الفنية مثال هربرت اسبنسر الذي كان مهندساً اشترك في إنشاء أول سكة حديدية في انجلترا، وكان منهم كذلك من كان فيلسوفا خالصاً ، تفرغ للفلسفة والتفكير الفلسفي فحسب، مثل كنت وديكا رت.
ثانياً: ومن ناحية اخرى، اختلف الغرض الذي من اجله طلبت الفلسفة : فلقد كان الروماني مثلاً يطلب من الفيلسوف ان يكون محاسباً أي موجهاً لضميره، بينما كان البابوات في القرن الثالث عشر الميلادي، امثال انوسنت الثالث وجريجوري التاسع وأربان الرابع، يطلبون من الفلسفة أن تقوم بالدفاععن العقائد المسيحية ضد الفلسفة الإسلامية التي غزت الغرب في ذلك الحين، كما كانت الحال في جامعة باريس التي أنشثت في غرة القرن الثالث عشر، وصدق على لوائحها البابا سنة ١٢١٥. ونحن نجد في القرن الثامن عشر أن المفكرين من رجال الانسكلوبديا كانوا يطالبون الفلسفة بأن تكون محررة للعقول من ربقة التقاليد الموروثة .
وهنا يقال إن الفلسفة لا صلة لها ٢ذا كله. وإنما الفلسفة هي البحث النظري الصرف الذي يتجه إلى الكشف عن الحقيقة وحدها، بصرف النظرعن الملابسات الخاصة المتوقفة على الزمان والمكان، فتاريخ الفلسفة هو، كما يرى كنت، تاريخ العقل الخالص أو المحض .
بيد أن لهذا عيوبه أيضاً. لاننا إذا أخذنا بهذا الراي اضطررنا إلى أن نطرد من حظيرة الفلفة، مذاهب كثيرة تقول
بالوجدان والعاطفة، ومعنى هذا طرد مقداركبيرمن المذاهب الفلسفية الرئيسية. ويجب أن نلاحظ أن كل مذهب من مذاهب الفلسفة يعتمد على الروح التي قيل جها: فالقول الواحد يفهم على أنحاء مختلفة وأوجه كثيرة شديدة الاختلاف، تبعاللمفكر القائل بهذا القول، ولنأخذ مثلأ العبارة المشهورة: «اعرف نفسك بنفسك» - فإنها تختلف عند سقراط عنها لدى القديس اوغسطين : فهي عند سقراط أن يجلل الإنسان العقائد التي يعج جها ذهنه، وان يكتشف بنفسه الحقيقة التي في داخل نفسه: وهي عند القديس المسيحي أوغسطين تعفي ان يكتثف الإنسان في نفسه الثالوث الذي مثله الله في لانسان بحسبان ان الانسان -في نظر المسيحية - صورة لله. فالاختلاف الذي نلحظه بين المعنيين راجع إلى طبيعة كل مفكر: إذ كان سقراط فيلسوفاً خالصاً ، بينا كان القديس اوغسطبن رجلا لاهوتياً.
وثمة مسألة اخرى وتلك هى ما يسميه برييه في كتاه «تاريخ الفلسفة، : اختلاف مستوى المذاهب . فمثلا في مشكلة العقل والنقل نجد ان الشيء الواحد كان يعد في عصر من العصور تابعاً لميدان الإيان - او النقل - بينما يعد هذا الشىء نفسه في عصر آخر تابعاً ليدان العقل. فنرى مثلا أن فكرة لا مادية الروح هي فكرة عقلية في نظر ديكارت. بينما نجدها من بعد في نظر لوك عقيدة دينية ولا يمكن أن تكون عقيدة عقلية. والحياة السعيدة أو حياة النعيم هي في نظر رجال الدين فكرة دينية في اصلها، ولكنها أصبحت فيما بعد على يد رجل فيلسوف هو اسبينوزا، فكرة عقلية، بله رياضية، برهن عليها اسبينوزا بطريقته الرياضية في إثبات الحقائق ا لميتا فيزيقية .
ومعنى هذا ان الفلسفة لا يمكن أن تنفصل: اولاً عن الأشخاص الذين أنتجوها، وثانياً عن الروح التي سادث العصر والنظرة التي نظر بها العصرإلى الفلسفة، وثالثا عما هنالك من نسبية في تقدير الصلة بين الفلسفة والعلوم : فليست هناك حدود ثابتة بين الفلسفة والعلم أو بين الفلسفة والفن، أو بينهما وبين الدين والسياسة؛ وإنما هذه حدود ختلطة، تارة تضيق وتارة تتسع.
ولهذا نجد خلال تاريخ الفلسفة اختلافاً في الصلة بين الفلسفة وبين مرافق الحياة الروحية، ففي العصور القديمة اليونانية كان العلم داخلاً ضمن نطاق الفلفة ولم يكن هناك أي فاصل بين الاثنين. نم ما لبثتحدود الفلسفة ان ضاقت، وبدأ العلم ينفصل عنها شيئا فشيثا؛ حتى إذا ما جاء العصر الأخيرمن عصور الفلسفة اليونانية، كاد الاستقلال بين الاثنين ان يكون تاما. ثم بدات صلة جديدة بين الفلسفة والدين، وإزدادت هذه الصلة طوال العصور الوبطى. رويداً رويداً، حتى خضعت الفلسفة للدين خضوعا تاما في القرن الثاني عشر الميلادي، وهوما كان يعبر عنه بالعبارة اللاتينية 0,1113^? عهذء0ا20ل 30113 اي ان الفلسفة امة لدين. ثم جاء العصر الحديث فانفصل العلم عن الفلسفة نائيا، وانفصلت الفلسفة عن الدين كذلك، وكان هذا اخر القرن الثامن عشر. بيد ان العلم قد عاد فاثر في الفلسفة، واخذ اثره يغظم شيئاً فثي طوال القرن التاصع عشر حق جاءت موجة من الموجات الشائعة في تاريخ الفكر كادت تزيل الفلسفة هائياً، وكان ذلك في أواخر القرن التامع عشر ومستهل القرن العشرين. وتوقف وجود الفلسفة على العلم، أي أنه لم يعد للفلسفة وجود إلا في داخل العلم. وبعد الحرب الكبرى الأولى استقلت الفلسفة عن العلم من جديد، وأصبح لها وجود ذاتي، وصار تاريخها مستقلا قاثاً بذاته .
تلك النظرة العاجلة إلى تطور الصلة بين الفلفة وبين بقية مرافق الحياة الروحية، تدلنا على أن الحدود التي يجب ان نضعها لاريخ الفلسفة ليست حدوداً ثابتة، نستطيع أن نضعها مرة واحدة وكفى، بل لا بد ان ننظر إلى هذه الحدود على اها متغيرة حسب الزمان والمكان، وحسب الملابات الخاصة بكل فيلسوف على حدة.