بوثيوس

آنيسيوس مانليوس سيفيرنيوس بوثيوس (باللاتينية: Anicius Manlius Torquatus Severinus Boethius) (م:480 - 524) فيلسوف وسياسي ولاهوتي وأديب عاش في نهاية العصر الروماني اشتهر بكتابه عزاء الفلسفة الذي أصبح واحداً من الأعمال الفلسفية الأكثر شعبية وتأثيراً في العصور الوسطى.

حياته الشخصية

ولد آنيسيوس مانليوس سيفيرنيوس بوثيوس (باللاتينية: Anicius Manlius Torquatus Severinus Boethius) في روما في الفترة من عام 470 إلى 480 تقريباً لعائلة أرستوقراطية اعتنقت المسيحية منذ عهد قسطنطين (274- 337م)، وقد عين والده فلافيوس مانليوس قنصلاً في عام 487، وتوفي والده بعد ذلك بوقت قصير. وانتقلت رعايته إلى القنصل الروماني كوينتس اوريليوس ميميوس سيماشوس الذي غرس في بوثيوس حب الأدب والفلسفة.

قضى بوثيوس طفولته في روما خلال فترة حكم أودواكر، و قد تلقى تعليماً جيداً في الآداب وفي الفلسفة بخاصة، كما درس الحساب والهندسة والفلك والموسيقى، فضلاً عن اللغة اليونانية. وقد كان كل من ميميوس شيماسوس وبوثيوس يجيدان اللغة اليونانية، وقد كانت مهارة نادرة على نحو متزايد في الإمبراطورية الغربية، مما أدى إلى اعتقاد بعض العلماء بأن بوثيوس تلقى تعليمه في الشرق.

وقد ذكر جون مورهيد وجهة النظر التقليدية أن بوثيوس درس في أثينا استناداً إلى خطاب كاسيودوروس الذي يصف تعليم بوثيوس في واحدة من رسائله، ولكن يبدو أن تلك النظرية خاطئة وأن احتمال دراسته في أثينا مجرد أسطورة. وقد جادل الباحث الفرنسي بيير كورسيلى أن بوثيوس درس في الإسكندرية على الفيلسوف النيوافلاطوني أمونيوس هيرمياي. ومع ذلك، يشير مورهيد إلى أن الأدلة التي تؤيد أن بوثيوس قد درس في الإسكندرية "ليست قوية على ما يبدو"، ويخلص إلى أن "بوثيوس ربما كان قادراً على اكتساب تعليمه من دون السفر".

كرس بوثيوس مسيرته المهنية المبكرة لترجمة أعمال أرسطو و أفلاطون من اليونانية إلى اللاتينية مع التعليق عليها، وتزوج بوثيوس ابنة مربيه ميميوس شيماسوس، روستيسيانا (بالإيطالية: Rusticiana)، وقد ولدت له اثنين من الصبية، سيماشوس (بالإيطالية: Symmachus)‏ و بوثيوس (بالإيطالية: Boethius)‏.

هيأت لبوثيوس نبالة أسرته وسعة ثقافته وفصاحته أن ينال الحظوة لدى ملك القوط الشرقيين ثيودوريك العظيم الذي عينه قنصلاً عام 510، وفي سنة 522 صار سيد القصر. ولكن بوثيوس يعترف في كتابه عزاء الفلسفة (بالإيطالية: de consolatione philosophiae)‏ أن أعظم إنجاز له كان هو التعيين المشترك لإبنيه في مركز قنصل عام 522 أحدهما يمثل الشرق والآخر يمثل الغرب ليجد نفسه جالسا "بين اثنين من القناصل كما لو أنه حاز انتصاراً عسكرياً يفوق كل توقعاته".

السقوط والموت

في عام 520، كان بوثيوس يعمل على تنشيط العلاقة بين كنيسة روما و كنيسة القسطنطينية - واللتان على الرغم من أنهما كانتا لا تزالان جزءاً من نفس الكنيسة، فقد بدأت الخلافات في الظهور بينهما. وقد يكون هذا قد وضع مساراً للأحداث من شأنها أن يؤدي إلى فقدان حظوته لدى الملك في عام 522، وهو نفس العام الذي تم تعيين اثنين من أبناء بوثيوس قناصل مشتركين أحدهما يمثل الشرق والآخر الغرب، قبل تعيين بوثيوس إلى منصب ماجيستر أوفيسيوروم، أي رئيس جميع خدمات المحكمة والحكومة.

في عام 523، انقلب على بوثيوس الزمان، اذ توجس ثيودوريك خيفة من العلاقة يين امبراطور بيزنطة جستين الأول، وبين يوحنا الأول بابا روما الذي كان صديقاً لبوثتيوس. واستمع ثيودوريك لأقوال الوشاة ضد بوثيوس، فأمر بسجنه في بافيا في النصف الثاني من سنة 524 تقريباً لما اعتبر جريمة خيانة، وبعد ذلك حكم عليه بالاعدام ونفذ فيه الحكم وسط عذاب مروع .

تتفق المصادر الأولية بشكل عام على وقائع ما حدث. ففي اجتماع للمجلس الملكي في فيرونا، اتهم الحاكم كبريانوس القنصل السابق كاسينا ديسيوس فاوست ألبينوس بالخيانة من خلال تراسله مع جستين الأول. قفز بوثيوس للدفاع عنه صارخاً، "إن التهمة الموجهة من كبريانوس زائفة، ولكن إذا كان ألبينوس قد فعل ذلك، فكذلك فعلت أنا ومجلس الشيوخ كله بنفس واحدة. هذا محض افتراء، سيدي الملك".

بعدها اتهم كبريانوس بوثيوس بنفس الجريمة، وقدم ثلاثة رجال أدعوا أنهم شهدوا الجريمة. وأُلقي القبض على بوثيوس وباسيليوس، حيث اُحتجزا أولاً في معمودية إحدى الكنائس، ثم تم نفي بوثيوس إلى أجير كالفونتيوس، حيث نفذ عليه حكم الإعدام. وبعد ذلك بفترة ليست بالطويلة أمر ثيودوريك بإعدام ميموس سيماشوس مربي بوثيوس، وفقاً لبروكوبيوس، على أساس أنه وبوثيوس كانوا يخططان معا لإشعال الثورة، وقد صودرت ممتلكاتهما.

أعماله

لم يعش بوثيوس طويلاً ليحقق الهدف الذي وضعه لنفسه في بدء حياته وهو شرح مؤلفات أرسطو والتوفيق بينه وبين أفلاطون. لكنه في حياته القصيرة تلك ألف ما يلي:

أ) خمس رسائل فلسفية حدد فيها العقائد الإيمانية وشرحها بطريقة عقلية، وهي:

1. «في الثالوث المقدس».

2. «هل الألوهية تقال جوهرياً على الآب أو الابن أو الروح القدس؟».

3. «كيف يكون الخير في الجوهر الخيّر؟».

4. «في الإيمان الكاثوليكي».

5. «كتاب ضد يوتيخوس ونسطوريوس».

ب) أما مؤلفاته الفلسفية فعلى ثلاثة أنواع:

1. ترجمة مؤلفات أرسطو في المنطق وكذلك «مدخل» فرفوريوس إلى اللغة اللاتينية

٢. شروح على:

أ) «المقولات والعبارة» لأرسطو.

ب) ايساغوجي «لفورفوريوس» بترجمة فكتورينوس وترجمته هو.

ج) «المواضيع الجدلية» لشيشرون.

٣. رسائل مفردة ألفها في القياس الحملي، والقياس الشرطي، والقسمة المنطقية، والفروق الطوبيقاوية.

ج) المؤلفات العلمية: اثنان: الأول «في الموسيقى» (في ٥ مقالات)، والثاني «في الحساب» (في مقالتين).

لكن أشهر مؤلفاته في إنتاجه كله، هو الرسالة التي كتبها في سجنه بعنوان: «عزاء الفلسفة».

عزاء الفلسفة

يعتبر "عزاء الفلسفة" (بالإنجليزية: Consolation of Philosophy) أعظم أعمال بوثيوس وأشهرها، والذي كتبه على الأرجح أثناء وجوده في المنفى تحت الإقامة الجبرية أو في السجن انتظاراً لتنفيذ حكم الإعدام، ولكن مشروعه المتواصل كان محاولة متعمدة للحفاظ على المعرفة الكلاسيكية خاصة الفلسفة القديمة. وفي هذا العمل يقدم حوار تخيلي بين نفسه والفلسفة التي جسدها في شكل امرأة.

يتألف هذا الكتاب من خمسة فصول وقد كتبت بأسلوب جميل مؤثر، يتبادل فيها الشعر والنثر، ويعبر عن تجربة حية أليمة. والأفكار التي يعبر عنها، فيها مزيج من الأفلاطونية المحدثة والنزعة المشائية (الأرسطية)، وتسودها روح رواقية هي التي تعزى بها بوثيوس في سجنه وعذابه. وكثيراً ما يستشهد بأقوال الفلاسفة اليونانيين والرواقيين. لكن الغريب اللافت للنظر هو أنه لا يذكر أبداً اسم يسوع المسيح، ولا يقتبس أي قول من الأناجيل أو الكتاب المقدس كله، أو كتب آباء الكنيسة. ولا يشاهد فيها أي أثر للمسيحية. وهذا ما جعل البعض مثل أوباريوس Obbarius وشارل جوردان Ch. Jourdain يستنتج أن بوثيوس لم يكن مسيحياً، أو لم يكن مسيحياً إلا بالاسم فحسب.

ويعتبر عزاء الفلسفة أحد الأعمال الفلسفية الأكثر شعبية وتأثيراً في العصور الوسطى، نظراً لعمقه فلسفياً ودرامية حواراته وصدق عواطف مؤلفه بوثيوس، وقد ترجم إلى اللغة الإنجليزية ترجمات عديدة، فالملك ألفرد ترجمه إلى اللغة الإنجليزية القديمة، وقد ترجمه الشاعر الإنجليزي جيفري تشوسر أيضاً، كما أمرت الملكة إليزابيث الأولى بترجمته في القرن السادس عشر.

مؤسسة الموسيقى

مؤسسة الموسيقى (بالإيطالية: De institutione musica) عام (510م) أحد الأعمال الأولى في الموسيقى والذي طُبع في البندقية بين عامي 1491 و 1492. وقد ساعد منظري العصور الوسطى خلال القرن التاسع وما بعده في فهم الموسيقى اليونانية

في كتاب دي ميوزيكا (بالإيطالية: De musica)، عرض بوثيوس التصنيف الثلاثي للموسيقى:

  • موسيقى ماندانا (بالإيطالية: Musica mundana): موسيقى المجالات والعالم.
  • موسيقى هيومانا (بالإيطالية: Musica humana)‏: انسجام جسم الإنسان والانسجام الروحي .
  • موسيقى إينسترومينتاليس (بالإيطالية: Musica instrumentalis): موسيقى الآلات.

تأثيره

بوثيوس كان ذا تأثير هائل على فلاسفة العصر الوسيط في أوروبا، خصوصاً قبل سيطرة أرسطو ابتداء من القرن الثالث عشر. ومن مؤلفاته بدأ غالباً فلاسفة العصور الوسطى الأوروبية من القرن الثامن حتى القرن الثالث عشر. ومعرفتهم بأرسطو في تلك الفترة إنما جاءت من خلال بوثيوس. وكتابه «عزاء الفلسفة» كان أكثر الكتب الأدبية والفلسفية رواجاً في أوروبا في العصر الوسيط وعصر النهضة، وترجم في العصر الحديث إلى العديد من اللغات الأوروبية.