نظرية المعرفة

نظريّة المعرفة أو الإبستمولوجيا (بالإنجليزية: Epistemology) هي النظرية الفلسفية في المعرفة التي تدور حول كيف نعرف ما نعرفه، وهي دراسة لطبيعة المعرفة، الشّرح التبرير، وعقلانيّة الاعتقاد أو الإيمان. يوجد جدل كبير حول مراكز نظريّة المعرفة التي تتفرع إلى أربع مناطق:

  1. التحليل الفلسفي لطبيعة المعرفة ومدى ارتباطها بمفاهيم مثل الحقيقة، والمعتقد والتّبرير.
  2. مشاكل ومواضيع التّشكيك المختلقة.
  3. مصادر ومجالات المعرفة والمعتقدات المُبرّرة.
  4. معايير المعرفة والتّبرير.

تتناول نظريّة المعرفة أسئلة مثل «ما الذي يجعل المعتقدات المبرّرة مُبرّرة؟»، «ماذا يعني أن نقول أنّنا نعرف شيئاً ما؟»؛ وبشكل أساسي ورئيسي «كيف نعلم أنّنا نعلم؟».

وتتسم نظرية المعرفة بشكل عام بانقسامها إلى مدرستين فكريتين متباينتين هما: المذهب العقلى و(النزعة) الإمبيريقية. وقد وجدت كلتا المدرستان أكمل تعبير فلسفى منظم عنهما فى إطار الثورة العلمية التى شهدها القرن السابع عشر. فقد اجتهد كلا الاتجاهين فى اكتشاف الأسس المؤكدة للمعرفة، واهتما بالتميبز الواضح بين المعرفة ذات الأساس السليم من ناحية، والتحيز الخالص، أو المعتقد، أو الرأى من ناحية أخرى. وقد تأثر أصحاب المذهب العقلى (مثل ديكارت، وليبنتز، وسبينوزا) بنموذج اليقين الذي قالوا إنه يوجد في البراهين الشكلية لعلم المنطق والرياضيات. ومن هنا حاول هؤلاء الفلاسفة العقليون تقديم إعادة بناء نقدية لمجمل المعرفة الإنسانية باستخدام أساليب مثل فكرة الاستنتاج "الخالص" من بعض البديهيات أو المسلمات الراسخة التى لا يتسرب إليها أى شك (ومن هنا جاءت مقولة ديكارت: "أنا أفكر إذن أنا موجود").

أما الإمبيريقيون (أمثال: لوك، وبيركلي، وهيوم) فقد اتجهوا إلى المعرفة المباشرة المستمدة من "انطباعات" الخبرات الحسية باعتبارها الأساس الراسخ للمعرفة الصحيحة. ولقد تركزت الخلافات بين كل من العقلانيين والإمبيريقيين بصفة خاصة حول إمكانية وجود معرفة فطرية، أو معرفة مكتسبة سلفاً، أو على نحو مستقل عن الخبرة. وهنا رفض الإمبيريقيون بشدة وجود مثل هذه المعرفة، وروجوا بقوة لرؤيتهم التى ترى أن العقل الإنساني إنما هو صفحة بيضاء إلى أن تؤثر فيه انطباعات الخبرة الحسية التى يتعرض لها.

ثم ظهر الفيلسوف الألمانى إيمانويل كانط فى القرن الثامن عشر الذى يعتقد الكثيرون أنه نجح فى تجاوز هذا الصراع الفكرى بين هذين الاتجاهين، وذلك من خلال تأكيده على أن الإطار العام للمفاهيم الأساسية المنظمة للفكر والمعرفة (مثل ؟ الزمان، والمكان، والسببية وغيرها) لا يمكن اكتسابها من خلال الخبرة وحدها، ولكنها - مع ذلك - لازمة لنا لكى نتمكن من تفسير عالم الخبرة أصلاً. فهذه المفاهيم إذن سابقة على خبراتنا، ولكنها مع ذلك (وهذه خطوة فى اتجاه الإمييريقين) لابد أن تستخدم للتوصل إلى أحكام موضوعية فى إطار حدود الخبرة المتاحة.

خلفية

أصل المصطلح

يعود أصل مصطلح إبستيمولوجيا والذي يعني نظرية المعرفة إلى كلمتي إبستميي والتي تعني المعرفة باللغة اليونانية القديمة ولوجيا التي تعني الخطاب المنطقي. سبق ظهور المصطلح باللغة الإنجليزية ظهوره باللغة الألمانية بعنوان Wissenschaftslehre (والذي يعني نظرية العلوم)، وقدّم هذا المصطلح الفلاسفة يوهان فيشته وبرنارد بولزانو في أواخر القرن الثامن عشر. ظهرت كلمة إبستيمولوجيا للمرة الأولى في عام 1847، وذلك خلال استعراض في مجلة إلكترك من نيويورك. استُخدمت الكلمة لأول مرة ترجمة لمصطلح ويسينشافتلير في رواية فلسفية للمؤلف الألماني جان بول:

يُعتبر «ويسينشافتلير» عنوان أحد أهم أعمال فيتشه، وفيه نستخلص الإبستيمولوجيا بعد مضاهاة التقنية.

في عام 1854، أدخل الفيلسوف الأسكتلندي جيمس فريدريك فيرير كلمة إبستيمولوجيا بصورة سليمة في الأدب الفلسفي الإنجليزي، واستخدمها في كتاب معاهد الميتافيزيقيا:

يُسمى هذا القسم من العلم كما يجب بالإبستيمولوجيا –مذهب أو نظرية المعرفة، تمامًا كما هو الحال في الأنطولوجيا والتي تعني علم الوجود... ويجيب على السؤال العام، «ما هو الإدراك والمُدرَك؟»  –أو أكثر من ذلك قليل، «ما هي المعرفة؟»

تجدر الإشارة إلى أن المصطلح الفرنسي (épistémologie) يُستخدم بمعنى مختلف وأضيق بكثير من مصطلح إبستيمولوجيا الإنجليزي، إذ يستخدمه الفلاسفة الفرنسيون للإشارة فقط إلى فلسفة العلوم. فعلى سبيل المثال، بدأ إيميل مايرسون كتابه «الهوية والواقع»، الذي كُتب في عام 1908، بملاحظة مفادها أن الكلمة «أصبحت حاليًا تعادل فلسفة العلوم.»

تاريخ نظرية المعرفة

كمجال متميز في الاستقصاء، يسبق مفهوم إبستيمولوجيا إدخال المصطلح في قاموس الفلسفة. وصف جون لوك، على سبيل الذكر، جهوده في عمله مقال خاص بالفهم البشري (1689) بأنها «تحقيق في أصل المعرفة الإنسانية وثباتها ونطاقها، علاوة على أسس ودرجات الاعتقاد والرأي والموافقة.» ووفقًا لبريت وارن، فإن سمة المعرفة في كتاب ديمونولوجي للملك جيمس السادس ملك اسكتلندا (1591) «كان المقصود منها أن تكون تجسيدًا لما قد يصبح فيما بعد معروفًا بالإبستيمولوجيا: استكشاف الاختلافات بين الاعتقاد المبرر وبين رأيه.»

نظر معظم الفلاسفة التاريخيين البارزين في الاستفسارات حول ما نعرفه وكيف نعرفه. من بين الفلاسفة اليونانيين القدماء، ميز أفلاطون بين التحري عن ما نعرفه والتحري عن ما هو موجود، ولا سيما في أعماله الجمهورية والثئيتتس ومينو. ظهرت العديد من شواغل نظرية المعرفة المهمة في أعمال أرسطو.

خلال الفترة الهلنستية اللاحقة، بدأ ظهور المدارس الفلسفية التي ركزت بشكل كبير على المسائل الإبستيمولوجية، وغالبًا ما كان ذلك على هيئة الشكوكية الفلسفية. على سبيل الذكر، رأت الشكوكية البيرونية التي أسسها الفلاسفة بيرو وسيكستوس إمپيريكوس أنه من الممكن تحقيق اليودايمونيا (السعادة أو الرخاء أو الحياة الجيدة) من خلال تطبيق الإيبوكي (تعليق الحكم) فيما يتعلق بجميع الأمور غير الواضحة. اهتمت البيرونية بشكل خاص بتقويض الرواقية الإبستيمولوجية والأبيقورية. كانت المدرسة الرئيسية الأخرى من الشكوكية الهلنستية هي الشكوكية الأكاديمية، والتي دافع عنها كارنياديس وأركسيلاوس بصورة ملحوظة، وسادت في الأكاديمية الأفلاطونية نحو قرنين من الزمان.

في الهند القديمة، عززت مدرسة أجنانا التابعة للفلسفة الهندية القديمة الشكوكية. كانت أجنانا حركة سمنية ومنافسًا رئيسيًا للبوذية المبكرة والجاينية ومدرسة الآجيفيكا. رأوا أنه من المستحيل الحصول على معرفة بالطبيعة الميتافيزيقية أو التأكد من القيمة الحقيقية للاقتراحات الفلسفية، وإن كانت المعرفة ممكنة، فإنها غير مجدية وغير مؤاتية للخلاص النهائي. تخصصت هذه المدرسة بالدحض بدون نشر أي مذهب إيجابي خاص بها.

بعد العصر الفلسفي القديم وقبل العصر الفلسفي الحديث، اشترك عدد من الفلاسفة في العصور الوسطى كذلك بطرح أسئلة إبستيمولوجية مطولة. من أبرز المساهمين في نظرية المعرفة توما الأكويني وجون دانز سكوطس ووليم الأوكامي.

في العصر الذهبي الإسلامي الذي ازدهر قبل عصر التنوير في أوروبا. كتب أبو حامد الغزالي، أحد أبرز الفلاسفة اللاهوتيين والحقوقيين والمنطقيين والصوفيين وأكثرهم تأثيرًا ما يتجاوز 70 كتابًا، بما في ذلك أشهر أعماله في عام 1107، سيرته الذاتية الروحية، المنقذ من الضلال. سعى الغزالي في هذا الكتاب إلى معرفة ما الذي بإمكاننا أن نتأكد منه: ما هي المعرفة الحقيقية وليس مجرد الرأي؟ ولتحقيق هذا الهدف، بدأ النظر في أنواع الامور التي يمكن أن نعرفها. تضمن ذلك دراسة للإبستيمولوجيا، نظرية المعرفة.

برزت الإبستيمولوجيا في الفلسفة أثناء الفترة الحديثة المبكرة، والتي عادة ما يقسمها المؤرخون إلى نزاع بين التجريبيين (بما في ذلك جون لوك وديفيد هيوم وجورج بيركلي) والعقلانيين (بما في ذلك رينيه ديكارت وباروخ سبينوزا وغوتفريد لايبنتس). غالبًا ما كان النقاش بينهما يتلخص في استخدام مسألة ما إذا كانت المعرفة تأتي في المقام الأول من الخبرة الحسية (التجريبية)، أو ما إذا كان جزء كبير من معارفنا مستمد بالكامل من مدرسة المنطق (العقلانية). يرى بعض العلماء أن إيمانويل كانت عمل على تسوية هذا النزاع في أواخر القرن الثامن عشر، والذي أفسحت عقيدة المثالية المتعالية التي أسسها المجال للرأي القائل بأنه «على الرغم أن جميع معارفنا تبدأ بالخبرة، لا يعني ذلك بأي حال أن جميع المعرفة ناشئة عن الخبرة.» بينما شهد القرن التاسع عشر انخفاضًا في الاهتمام بالقضايا الإبستيمولوجية، برزت مجددًا مع ظهور فلاسفة تجريبيو فيينا وتطوير الفلسفة التحليلية.

التأريخ المعاصر

يوظف الباحثون العديد من الأساليب المختلفة عند محاولة فهم العلاقة بين نظرية المعرفة الماضية والمعاصرة. من بين الأسئلة الأكثر إثارة للجدل: «هل يتعين علينا افتراض أن مشاكل نظرية المعرفة هي مشاكل دائمة، وهل محاولة إعادة بناء حجج أفلاطون أو هيوم أو كانت وتقييمها مفيدة للمناقشات التي تدور حاليًا كذلك؟» على نحو مماثل، توجد كذلك مسألة ما إذا كان ينبغي للفلاسفة المعاصرين أن يهدفوا إلى إعادة بناء الآراء التاريخية في نظرية المعرفة وتقييمها، أم عليهم الاكتفاء بوصفها. يجادل باري سترود أن دراسة نظرية المعرفة يتطلب بكفاءة الدراسة التاريخية للمحاولات السابقة لإيجاد فهم فلسفي لطبيعة المعرفة البشرية ونطاقها. ذكر كذلك أنه بالنظر إلى أن الاستكشاف قد يتقدم بمرور الوقت، قد لا ندرك مدى الاختلاف بين الأسئلة التي يطرحها أخصائيو نظرية المعرفة المعاصرون وتلك التي طُرحت في مختلف مواطن تاريخ الفلسفة.

المفاهيم المحورية في نظرية المعرفة

المعرفة

ترتبط معظم نقاشات الإبستيمولوجيا بطريقة ما بالمعرفة. عمومًا، فإن «المعرفة» هي الدراية بشخص أو شيء ما وإدراكه وفهمه، والتي قد تتضمن حقائق (المعرفة الافتراضية) أو مهارات (المعرفة الإجرائية) أو أشياء (معرفة المعارف). يتجه الفلاسفة إلى التمييز بين ثلاثة حواس مختلفة من معرفة شيء ما: «معرفة الشيء» (معرفة حقيقة المقترحات) و«معرفة الكيفية» (فهم كيفية أداء أفعال معينة) و «المعرفة عن طريق المعارف» (فهم شيء ما مباشرة أو معرفته أو التواصل معه بطريقة أخرى). تُعنى نظرية المعرفة في المقام الأول بأول أشكال المعرفة هذه، المعرفة الافتراضية. يمكن رؤية جميع حواس المعرفة الثلاث في التوظيف الاعتيادي للكلمة. في الرياضيات، بإمكانك معرفة أن 2+2= 4، ولكنه يوجد كذلك معرفة كيفية إضافة رقمين، ومعرفة الشخص (كمعرفة أشخاص آخرين أو معرفة الذات)، ومعرفة المكان (كمسقط رأس الفرد)، ومعرفة الشيء (كالسيارات)، أو معرفة النشاط (كالإضافة). على الرغم من أن هذه الفروق ليست واضحة في اللغة الإنجليزية، تصدر صراحة بلغات أخرى، بما في ذلك الفرنسية والبرتغالية والإسبانية والرومانية والألمانية والهولندية (على الرغم من أن بعض اللغات المتصلة باللغة الإنجليزية قيل إنها تحتفظ بهذه الأفعال، كاللغة الأسكتلندية). ما يزال التفسير النظري لهذه القضايا اللغوية وأهميتها قائمًا إلى وقتنا هذا.

مشكلة الشك

يتساءل المشكّكون ما إن كانت المعرفة ممكنة أم لا، ويزعمون أنّ الإيمان بشيء ما لا يبرر ما إن كان صحيحاً أم لا. يعتمد وصف المعرفة بالقوّة أو بالضّعف على وجهة نظر كل شخص وتوصيفه للمعرفة. معظم معلوماتنا حول نظريّة المعرفة مستمدّة بالأساس من الشّكوك العقليّة والفلسفيّة بشكل خاص.

يعارض المشكّكون ما يُسمَّى أحياناً بـ«التأسيسيّة العقائديّة»، والتي تنصّ على أنّه يجب أن يكون هنالك بعض المواقف الأساسيّة التي تبرر نفسها أو التي لا يمكن تبريرها بدون الرّجوع إلى الآخرين.

تم تعديل هذه المشكلة وتحسين فلسفتها مع الوقت، ومن هذه التّعديلات: الخياليّة لن تدّعي امتلاكها للمعرفة، لكنّها تلتزم ببعض الاستنتاجات حول القليل من المعايير مثل الفائدة والمنفعة، والجماليّات، وغيرها من المعايير الشخصيّة دون الادّعاء بأنّ أي استنتاج هو في الواقع «صحيح».

تعريف المعرفة

يجادل العلماء بأنّ المعرفة يجب أن تقيّم خصائص النّاس أو ما يُعرف بالفضائل الفكريّة وليس فقط خصائص الفرضيّات والمواقف الذهنيّة المُقترفة.

الإيمان

باللغة العاميّة فإن كلمة «الإيمان»، تعبّر عن الثقة بشخص ما أو سلطة معيّنة أو أي كيان آخر، ولكن نظريّة المعرفة تهتمّ بما نؤمن به، لذلك فإنها تُضمّن كلمة الإيمان معاني أخرى، مثل الحقيقة، أو أي شيء آخر نعتبره حقيقيّ بالنسبة لنا من وجهة النّظر المعرفيّة الخاصّة بنا.

الحقيقة

صحة اعتقاد الإنسان بشيء ما، ليست شرطاً للاعتقاد. أي أنّه إذا اعتقد أحد الأشخاص أن جسراً ما آمنٌ بما فيه الكفاية لعبوره، ثم عبره وانهار به، نقول: «اعتقد أن الجسر كان آمناً، لكن اعتقاده كان خاطئاً»؛ أما إذا عبر الجسر بأمان، نقول: «كان يعتقد أن الجسر كان آمناً، لكنّه الآن يعلم أنّه آمنٌ».

يجادل علماء نظريّة المعرفة حول ما إذا كان الاعتقاد/الإيمان هو حامل الحقيقة الصحيح. حيث يفضّل البعض وصف المعرفة بأنّها نظام من الافتراضات الصّحيحة المبرّرة، في حين أن البعض الآخر يعتبرها نظاماً من الجمل الصّحيحة المبرّرة؛ ويقول أفلاطون في كتابه (Gorigias): «الاعتقاد هو حامل الحقيقة الأكثر شيوعاً».

التبرير

امتلك سقراط عدة نظريّات حول ماهيّة المعرفة، وآخرهن كان اعتقاده بأنّ المعرفة هي اعتقاد حقيقيّ «مع حساب»؛ وكان يقصد أنها اعتقاد مبرر ومشروح؛ ووفقاً للنظريّة القائلة بأن المعرفة هي اعتقاد حقيقيّ مبرر، فإنك من أجل أن تعلم أن مقترحاً ما هو مقترحٌ صحيحٌ، يجب عليك ألا تؤمن بحقيقته فقط، بل يجب أن تمتلك سبباً وجيهاً لذلك أيضاً.

مشكلة غيتيه

اشتهر إدموند غيتيه بورقة بحثية قصيرة بعنوان «هل الاعتقاد الحقيقيّ المبرر معرفة؟»، نشرت الورقة في عام 1963م، شكك غيتييه فيها بنظريّة المعرفة التي كانت مهيمنة بين الفلاسفة منذ آلاف السّنين. وهذا بدوره طرح تساؤلات حول القيمة الحقيقيّة للفلسفة خصوصاً بعد أن تبيّن أن معادلة واضحة وسهلة لمثل هذه النظريّة الكبيرة لم يتم ملاحظاتها عبر آلاف السّنين.

جادل غيتييه أيضاً، بأنه يوجد حالات قد يكون فيها اعتقاد المرء مبرراً وصحيحاً، ومع ذلك لا يمكن اعتبار ذلك «معرفة».

المدارس الفكرية

المدرسة التاريخية

الدراسة التاريخيّة لنظريّة المعرفة الفلسفيّة، هي الدّراسة التاريخيّة للجهود المبذولة لاكتساب الفهم الفلسفيّ، أو معرفة طبيعة ونطاق المعرفة البشريّة.

المدرسة التجريبية

في الفلسفة، «التجريبية» هي نظريّة المعرفة التي ترتكز على دور التّجربة، وخاصةً الخبرة على أساس الملاحظات الإدراكيّة من الحواس.

المدرسة المثالية

يعتقد العديد من أتباع هذه المدرسة الفكريّة بأن المعرفة هي في المقام الأول مكتسبة من قبل عمليّات مسبقة أو فطريّة.

المدرسة العقلانيّة

على نقيض المدرسة التجريبية والمثاليّة، اللتان تركّزان على المكانة المعرفيّة للبيانات المعنويّة (التجريبيّة) وعلى أسبقيّة العقل، فإن المدرسة العقلانيّة تضيف «نظام التّفكير» كطرف ثالث، وتؤمن بأهميّة كل ما سبق.

المدرسة البنائية

البنائيّة، هي وجهة نظر في الفلسفة تقول بأن «كل المعرفة هي مجموعة من البناءات التي صنعها الإنسان»، «وليست اكتشاف محايد للحقيقة الموضوعيّة» ؛ في حين أن الموضوعية تهمّ «هدف معرفتنا»؛ فإن المدرسة البنائيّة تؤكّد على «كيفية بناء المعرفة».

المدرسة البراغماتية

تركز المدرسة على أننا نحلل الأفكار والأشياء في العالم من أجل قيمتها العمليّة، على النقيض من أي نظريّة تؤكّد على أن ما هو صحيح فقط يتطابق مع ما يحدث في الواقع الخارجيّ. والنظرية المعرفية البراغماتيّة تقترح أن النّظريّات هي مجرّد أدوات، وليست إجابات على الألغاز.

نظريّة المعرفة الطبيعيّة

تقلّل هذه النظريّة من الأسئلة حول التبريرات والحقيقة، وتسأل بدلاً من ذلك –تجريبيّاً- ما هي المعتقدات التي يجب علينا الاحتفاظ بها من أجل البقاء على قيد الحياة.

البرامانا الهنديّة

طوّرت المدارس الفلسفية الهندية مثل «هندو نيايا»، و «كارفاكا»، ولاحقاً، المدارس الفلسفية «الجاينية» والبوذية، تقليدًا معرفيًا يُطلق عليه «برامانا». يمكن ترجمة برامانا بأنها «أداة للمعرفة» وتشير إلى وسائل أو مصادر المعرفة التي كان الفلاسفة الهنود يعتمدون عليها، وكل مدرسة هنديّة تمتلك نظريّة معرفيّة خاصة بها، تختلف عن باقي المدارس الهنديّة.

الشكوكيّة

تشكّك في صحّة بعض أو كل المعرفة البشريّة، لا تشير الشكوكية إلى أي مدرسة محدّدة للفلسفة، بل هي خيط يمر عبر العديد من المناقشات الفلسفيّة حول نظريّة المعرفة.

كان أوّل مشكك يونانيّ معروف هو سقراط الذي ادّعى أنّ معرفته الوحيدة هي أنّه لا يعرف شيئاً على وجه اليقين؛ في الهند، كان سانجايا بلاتثيبوتا مشكّكاً مشهوراً، واعتُبرت مدرسة مادياميكا البوذيّة شكلاً من أشكال المدارس الشكوكيّة.

لاحقاً بدأ ديكارت بالتشكيك في صحة جميع المعارف البشريّة، ووصل إلى مقولته الشّهيرة «أنا أفكّر، إذاً أنا موجود».

نظرية المعرفة في علم الاجتماع

من الأمور محل الخلاف أن كل المداخل النظرية والإمبيريقية فى علم الاجتماع تنطلق (صراحة أو ضمناً) من الالتزام بهذا الموقف المعرفي أو ذاك. فقد جرت العادة على القول (خطأ) بأن البحوث الكمية الواسعة النطاق تتبنى فى نظرية المعرفة موقفاً إمبيريقياً أو وضعياً، على حين استمدت جبهة الهجوم الرئيسي على الوضعية حججها (بشكل مباشر أو غير مباشر) من تراث الفلسفة الكانطية. وعلى حين كان كانط يرى أن بناء المفاهيم الأساسى (الذى يتكون من "المقولات" و "أشكال الحدس") هو الأساس الضرورى والعام - الذى تصدر عنه الأحكام الموضوعية عن العالم، بالرغم من ذلك فإن كثيراً من أتباع كانط فى حقول العلوم الإنسانية المختلفة قد أضفوا قدراً من النسبية على موقفه هذا، وذلك من الوجهة التاريخية، أو فى ضوء الاعتبارات الاجتماعية الثقافية. وعلى ذلك فمن الشائع لدى علماء الاجتماع المناوئين للوضعية أن يؤكدوا على القول بضرورة الانطلاق من إطار تصورى (مفاهيمى) أو نظرى فى أى بحث إمبيريقى أو حكم واقعى، ولكن الملاحظ أن هناك العديد من الأطر التصورية المتعارضة، ولا يوجد رأى أو وجهة نظر محايدة يمكن الاعتماد عليها فى المفاضلة بين تلك الأطر المتعارضة. ومن شأن مثل هذه الآراء أن تقود إلى الإيمان بالنسبية المعرفية ونزعة الاتفاق العرفي (الاتفاق العرفى) أو تبنى النزعة اللا أدرية.

وهناك قضلا عن هذا رؤية أخرى، مشتقة من الكانطية الجديدة التى سادت فى القرن التاسع عشر، تؤكد على الشكل المختلف من أشكال الفهم الذى تنطوى عليه عملية الاتصال بين الذوات وعملية تأويل المعنى (فى مقابل فهمنا الموضوعى للعالم المادى). فهذا الشكل من الفهم له شروطه التصورية والمنهجية التى تجعله ممكنا، وهو فهم يمكن تحليله فلسفيا، على نحو ما نجد فى مختلف أتجاهات فلسفة العلوم الاجتماعية كالفينومينولوجيا والتأويل. كذلك نجد أصحاب الواقعية النقديين (الترانسندنتاليون) (مثل روى باسكار) يعتمدون أيضا على منهج التحليل الكانطى، ويسلمون بضرورة وجود تنظيم تصورى (مفاهيمى) قبلى لكافة أنواع المعرفة الإمبيريقية. ولكنهم يصرون - مع ذلك - على إمكانية معرفة الحقائق الواقعية التى توجد وتعمل بشكل مستقل عن معرفتا بها. ويدعى المؤمنون بهذا التراث الفلسفى أنهم يقدمون بذلك دفاعا عن المذهب الطبيعى، فى نفس الوقت الذى يقرون فيه الأطروحات الرئيسية للكا تطيين المضادة للنزعة الوضعية والنزعة الإمبيريقية.

وعندما ضاق بعض مقكرى ما بعد البنيوية بالخلافات التى بدا جلياً أنها لن تتوقف بين مختلف اتجاهات نظرية المعرفة، سعوا إلى تجنب نظرية المعرفة تجنبا تاما. وكانت الحجة الأساسية التى استندوا إليها قد بدأت بمقدمة منطقيسة تمثل الأساس المشترك المذى ينطلق منه معظم الفلاسفة غير الوضعيين فى العلوم الاجتماعية. ومؤدى هذه المقدمة أنه ليس لدينا سبيل مباشر - أو بدون وسيط - لفهم الوقائع التى تدعى نظرياتنا أنها تقدم لنا معلومات عنها. وهناك بعض أشكال التنظيم المتصورى أو اللغوى التى تبدو ضرورية حتى بالنسبة لأبسط صور التعبير عن خبراتنا أو ملاحظاتنا. فنحن لا نستطيع أن نتجاوز أو تقفز خارج حدود اللغة أو الخطاب لنتحقق مما إذا كان الخطاب الذى نستخدمه يتفق أصلا مع الواقع أم لا. والنتيجة التى يمكن أن نخلص إليها من هذه المقدمة المنطقية هى أن السؤال المعرفى الكلاسيكى عن كفاءة خطابنا فى التعبير عن الواقع الذى يتناوله هو فى الأساس سؤال بستحيل الإجابة عنه، ومن ثم لا يمكن إصدار حكم صحيح بشأنه. من هنا اتجه مفكرو ما بعد البنيوية هؤلاء إلى رفض إمكانية أى معرفة بالواقع بعيداً عن الخطاب أو بالتجاوز عنه، ولذلك تراوح موقفهم بين اللاأدرية المعرفية والمثالية الميتافيزيقية. وطبيعى أنه لا يمكن أن يترتب على الزعم الواسع الاتتشار بأن اللغة (أو المخطاب) ضرورة لازمة لمعرفتتا بالعالم، لا يمكن أن يترتب على ذلك تصور أننا لا يمكن - إذن - أن نعرف هذا العالم. ويشبه ذلك الزعم بأنه إذا كان لا سبيل لنا لمعرفة ألوان الأشياء الملونة إلا بالنظر إليها، فإننا لن نستطيع أن نعرف ألوانها (فى الواقع). وهكذا يتضح لنا أن محاولات الالتفاف حول نظرية المعرفة وتجنبها يبدو أنها لم تسفر إلا عن خلق المزيد من النظريات والأراء المعرفية ذات المصطلحات التى تستغلق علي الفهم.