المنطق

(بالتحويل من منطق)

المنطق (من اليونانية القديمة: λογική، بالحروف اللاتينية: logikḗ) فرع من فروع الفلسفة يعنى بقواعد التفكير السليم. وهو الدراسة المنهجية لشكل الاستدلال الصحيح، وقوانين المعرفة الحقيقية الأكثر شيوعًا، الاستنتاج الصحيح هو الذي يُوجِد علاقات محددة للدعم المنطقي بين افتراضات الاستدلال ونتائجه.

ويشتَغِل معظم الدّارسين في مجال المنطق بشكل من التفكير يُسمَّى القضية المنطقيّة.

لا يوجد اتفاق عالمي على النطاق الدقيق لمفهوم المنطق، لكنه بشكل تقليدي يشتمل على تصنيف الحجج والكشف المنهجي لـ"الشكل المنطقي" المشترك بين جميع الحجج الصحيحة ودراسة البرهان والاستدلال، بما في ذلك المفارقات والمغالطات، ودراسة بناء الجملة والدلالات، كما يُعرَّف المنطق أيضاً بأنه «آلةُ قانونيةُ تعصم مراعاتُها الذهنَ عن الخطأِ في الفكر».

في المقام الأول يُدْرَس في تخصصات الفلسفة والرياضيات وعلم الدلالة وعلم الحاسوب. ويعتبر أرسطو أول من كتب عن المنطق بوصفه علمًا قائمًا بذاته، وسميت مجموعة بحوثه المنطقية أورغانون، فكان القياس في نظر أرسطو هو صورة الاستدلال، ولكن بقيام النهضة الأوروبية ونهضة العلوم الطبيعية أصبح المنطق علمًا مختلفًا نوعا ما عن منطق أرسطو، فظهر منطق الاستقراء الذي كان رائده فرانسيس بيكون واستكمله بعد ذلك جون ستيوارت ميل. هناك أيضًا جانب المنطق الرياضي الذي ابتدأه لايبنتس وعدّله برتراند راسل الذي ربط الرياضيات بالمنطق وجعلها امتدادًا له.

تاريخيًا، تمت دراسة المنطق في الفلسفة (منذ العصور القديمة) والرياضيات (منذ منتصف القرن التاسع عشر)، ودُرس المنطق في الآونة الأخيرة في علوم الحاسوب واللغويات وعلم النفس، وغيرها من المجالات.

التأصيل اللغوي

كلمة «منطق» في العربية ترجمة حرفية للكلمة اليونانية λογική المأخوذة من λόγος (=كلمة، عقل). لكن علم المنطق اتخذ في طول تاريخه أسماء أخرى، نذكر منها:

١- «الديالكتيك» διαλεκτική επιστήμη وذلك عند أفلاطون. وعنده أن هذا العلم — الديالكتيك — موضوعه هو تحليل التصورات وتركيبها (محاورة «السوفسطائى» ٢٥٣ وما يليها) ويهدف إلى معرفة الموجود ابتغاء إدراك المثل (محاورة «فيلابوس»، ٥٨أ، محاورة «السياسة» ٥١١ف، ٥٤٣ب). أما عند أرسطو فإن الديالكتيك هو الحجاج القائم على المظنونات والاحتمالات (راجع «الطوبيقا» م١ ف١ ص ١٠٠ ٢٧أ). ويستعمل أرسطو صيغة الحال λογικός للدلالة أيضاً عل ما هو مظنون وlحتمل. («التحليلات الثانية» م١ ف٢١ ص ٨٢ب ٣٥)>

غير أن شيشرون يستعمل كلمة (Definibus I, 7) «ديالكتيك» للدلالة على كل المنطق: منطق البرهان، ومنطق الاحتمال. واستمر هذا الاستعمال طوال العصور الوسطى والعصر الحديث حتى القرن السابع عشر.

٢ - «أورجانون» Organon وهو العنوان الذي أعطي لمجموع مؤلفات أرسطو في المنطق. ويرجع إلى العصر الهلينستي (أي القرون الثلاثة الأخيرة قبل الميلاد). وكلمة أورجانون Ὄργανον معناها: آلة. ومن هنا ثار السؤال عما إذا كان المنطق قسماً من أقسام الفلسفة، أو آلة لكل أنواع المعرفة. وهذه التسمية «أورجانون» يمكن أن نجد شواهد عليها عند أرسطو نفسه (راجع مثلاً «الطوبيقا» م١ ف١٣ ص ١٠٥أ ٢٠؛ «في النفس» م٣ ف٨ ص ٤٣١ب ٢٩)، لكننا لا نجدها للدلالة على علم المنطق بالتحديد إلا في العصر الهلينستي، إذ نجدها مثلاً عند الاسكندر الأفروديسي (راجع شرحه على التحليلات الأولى، م ١ ص١ In Arist. ana. pr. I, Comm,, p.l sqq. Berlin, 1833).

وبهذم التسمية: «أورجانون» (= آلة) تأثر تعريف المنطق عند الفلاسفة المسلمين. فمثلاً ابن سينا يقول: و« العلم الذي يطلب ليكون آلة - قد جرت العادة في هذا الزمان وفي هذه البلدان أن يسمى «علم المنطق» ولعل له عند قوم آخرين اسماً آخر، لكننا نؤثر أن نسميه الآن بهذا الاسم المشهور، وإنما يكون هذا العلم آلة في سائر العلوم لأنه يكون علماً منبهاً على الأصول التي يحتاج إليها كل من يقتنص المجهول من المعلوم، باستعمال للمعلوم على نحو وجهة <بحيث> يكون ذلك النحو وتلك الجهة مؤدياً بالباحث إلى الإحاطة بالمجهول، فيكون هذا العلم مشيراً إلى جميع الأشياء والجهات التي تنقل الذهن من المعلوم إلى المجهول، وكذلك يكون مشيراً إلى جميع الأشياء والجهات التي تُضِل الذهن وتوهمه استقامة مأخذ نحو المطلوب من المجهول ولا يكون كذلك» ( ابن سينا: «منطق المشرقيين»، ص ٦، المكتبة السلفية، القاهرة سنة ١٩١٠).

٣ - ويسمى ثالثاً باسم «القانون» κάνω (= قانون، قاعدة، نموذج) وذلك عند الابيقوريين لأنه يشتمل على قواعد κανόνες المعرفة والحقيقة. (راجع ذيوجانس اللائرسي: «تراجم الفلاسفة» برقم X,29.sqq10؛ شيشرون De fin. 1,7؛ سنكا «الرسالة» رقم ٨٩).

٤ - وشيشرون يطلق عليه اسم medicina mentis (= طب العقل)، وذلك لأن هدفه علاج أنواع الضعف الطبيعية في الذهن البشري بواسطة قواعد صورية، ابتغاء الوصول إلى المعرفة الصحيحة (راجع شيشرون Tuse. Ill, I) .

٥ - أما الاسم λογική (لوجيكية) والذي عرف به هذا العلم بوجه عام، فلا نجده بالمعنى الاصطلاحي للدلالة على هذا العلم لأول مرة في وثائق وصلتنا إلا في مؤلفات من القرن الأول قبل الميلاد وذلك عند شيشرون (De finibus, I, 7, 22)، وذلك جنباً إلى جنب مع الكلمة «ديالكتيك» الموجودة عند أفلاطون؛ وإذن فابتداء من القرن الأول قبل الميلاد استعملت هاتان الكلمتان معاً للدلالة على نفس العلم، وهو علم المنطق.

لكننا لا نعرف على وجه الدقة من هو أول من استعمل كلمة logike هذه للدلالة على علم المنطق ويفترض برانتل Prantl في كتابه العظيم «تاريخ المنطق في الغرب» (ج١ ص٥٣٥ - ٥٣٦)، استناداً إلى اشارة بوئتيوس Boetius أن من الممكن أن تكون من وضع شراح ارسطو الذين وضعوها اصطلاحاً من أجل ان يقابلوا بين الأورجانون لأرسطو وبين «الديالكتيك»، عند الرواقيين، ولعل ذلك كان في عهد أندرونيقوس الرودسي (في القرن الأول قبل الميلاد). ويدل استعمالها عند شيشرون (القرن الأول قبل الميلاد) وعند الاسكندر الأفروديسي (القرن الثاني بعد الميلاد) وجالينوس (القرن الثاني بعد الميلاد) على أنها قد أصبحت شائعة الاستعمال في القرن الثاني بعد الميلاد.

تاريخ علم المنطق

المنطق يأتي من كلمة logos اليونانية، والتي تعني في الأصل "الكلمة" أو "ما يتم التحدث به"، ولكن تعني "الفكر" أو "العقل". في العالم الغربي، تم تطوير المنطق لأول مرة بواسطة أرسطو، الذي أطلق عليه اسم "التحليلات". أصبح المنطق الأرسطي مقبولًا على نطاق واسع في العلوم والرياضيات وظل يستخدم على نطاق واسع في الغرب حتى أوائل القرن التاسع عشر. نظام أرسطو للمنطق كان مسؤولاً عن إدخال القياس المنطقي الافتراضي، المنطق الشرطي الزمني، والمنطق الاستقرائي، وكذلك المفردات المؤثرة مثل المصطلحات والمتوقعات والمنهجية والاقتراحات. كان هناك أيضا منطق زينون الرواقي المنافس.

في أوروبا خلال فترة العصور الوسطى المتأخرة، بذلت جهود كبيرة لإظهار أن أفكار أرسطو كانت متوافقة مع الإيمان المسيحي. خلال العصور الوسطى العليا، أصبح المنطق محورًا رئيسيًا للفلاسفة، الذين كانوا منخرطين في التحليلات المنطقية النقدية للحجج الفلسفية، مستخدمين غالبًا اختلافات في منهجية الدراسة المدرسية. في عام 1323، تم إطلاق السكولاستية الخاصة بوليم الأوكامي. بحلول القرن الثامن عشر، تدهورت المقاربة المنظمة للحجج وتراجعت، كما هو موضح في مسرحية لودفيغ هولبرغ الساخرة "إيراسموس مونتانوس".

في الهند، تم تأسيس مدرسة (علم الاستقصاء-Anviksiki) للمنطق (حوالي القرن السادس قبل الميلاد). استمرت الابتكارات في المدرسة الفلسفية، التي تسمى نيايا، منذ العصور القديمة وحتى أوائل القرن الثامن عشر مع مدرسة نافيا نايا. بحلول القرن السادس عشر، طورت نظريات تشبه المنطق الحديث، مثل التمييز بين جوتلوب فريج وبين الإحساس بالأسماء الصحيحة ومرجعيته "وتعريف الرقم"، وكذلك نظرية "الشروط التقييدية للعالميين" التي تتوقع بعضًا من التطورات في نظرية المجموعة الحديثة. منذ عام 1824، جذب المنطق الهندي انتباه العديد من العلماء الغربيين، وكان له تأثير على علماء المنطق المهمين في القرن التاسع عشر مثل تشارلز باباج وأوغست دو مورغان وجورج بول. في القرن العشرين، اكتشف الفلاسفة الغربيون مثل ستانيسلاف شاير وكلاوس غلاشوف المنطق الهندي على نطاق أوسع.

ساد المنطق الذي طوره أرسطو في الغرب حتى منتصف القرن التاسع عشر، عندما حفز الاهتمام بأساسيات الرياضيات على تطوير المنطق الرمزي (الذي يسمى الآن المنطق الرياضي). في عام 1854، نشر جورج بول كتاباً بعنوان "التحقيق في قوانين الفكر" التي تأسست عليها النظريات الرياضية للمنطق والاحتمالات، مقدمًا المنطق الرمزي ومبادئ ما يعرف الآن بالمنطق الرياضي. في عام 1879، نشر جوتلوب فريجه "Begriffsschrift"، الذي افتتح المنطق الحديث مع اختراع التدوين الكمي، والتوفيق بين منطق أرسطو والرواقية في نظام أوسع، وحلت مثل هذه المشاكل التي كان منطق أرسطو فيها عاجزًا، مثل مشكلة العمومية المتعددة. من عام 1910 إلى عام 1913، نشر ألفريد نورث وايتهيد وبرتراند راسل مبادئ الرياضيات، في محاولة لاستخلاص الحقائق الرياضية من البديهيات وقواعد الاستدلال في المنطق الرمزي. في عام 1931، أثار كورت غودل مشاكل خطيرة (مبرهنات عدم الاكتمال) مع البرنامج التأسيسي وتوقف المنطق في التركيز على مثل هذه القضايا.

كان لتطور المنطق منذ جوتلوب فريجه ورسل ولودفيغ فيتغنشتاين تأثير عميق على ممارسة الفلسفة والطبيعة المدركة للمشاكل الفلسفية وفلسفة الرياضيات. يتم تنفيذ المنطق، وخاصة المنطق الحسي، في دوائر منطق الحاسوب وهو أساسي لعلوم الحاسوب. عادة ما يتم تدريس المنطق من قبل الجامعة في تخصصات الفلسفة، وعلم الاجتماع، وقسم الإعلان والأدب، وغالبًا ما يكون تخصصًا إلزاميًا لجميع الطلاب.

علم المنطق الحديث

يمتد علم المنطق الحديث ليشمل آفاقًا أرحب بكثير مما شمله عمل أرسطو. فقد وضع علماء المنطق المُحْدَثون نظريات وأساليب لتناول القضايا الاستنتاجية على نحو يختلف عن الاستقراء المطلق. ومن علماء المنطق الحديث البارزين عالما الرياضيات البريطانيان جورج بُول و أَلْفرد نُورْث وايتهد، ثم الفيلسوف البريطاني بِرْترْاند راسل. وعلى عكس المناطقة التقليديين، فقد استخدم هؤلاء المناطقة مناهج حسابية وأساليب تستخدم الرموز.

ويستخدم علم المنطق اليوم بصفة أساسية لاختبار مدى سلامة القضايا. كما أن له استخدامات مهمة أيضًا في مجال العمل مع أجهزة مثل الحواسيب، والدوائر الكهربائية.

ولاختبار سلامة قضية ما، يقوم عالم المنطق أولاً بتحليل عباراتها، والتعبير عنها في صيغة رموز. ويكون الحرف أو أيّ رمز مُستخدم في القضية رمزًا لكلمة أو عبارة بأكملها في حالات عديدة. فعلى سبيل المثال، يَكْتب المناطقة عبارة مثل: "سقراط حكيم" في هيئة "ح س"، وعبارة "كل إغريقي حكيم" في هيئة معادلة كما يلي: "[س] [غ س¿ح س]". والرمز ¿يعني (إذا كان ¿، إذاً ¿ ). ويقوم عالم المنطق بعد ذلك بتطبيق قواعد الاستنتاج أحيانًا أو قواعد الاستدلال، لتحديد المعادلات الجديدة التي يُمكن استنتاجها من المقدمات الأصلية. فعلى سبيل المثال، هناك قاعدة تسمح باستنتاج العبارة (ك) من العبارات (ب) و "[ب ¿ك]". وعلى ذلك، يمكن الاستدلال على العبارة "تمَّ إلغاء النزهة" من العبارات "السماء تمطر" و "إذا كانت السماء تمطر إذًا تُلغى النزهة ". ويستمر عالم المنطق في استنتاج المعادلات حتى يصل إلى نتيجة.

تعريفات المنطق

عرف المنطق بعدة تعريفات أهمها اثنان:

(أ) «المنطق هو العلم الباحث في المبادىء العامة للتفكير الصحيح. وموضوعه البحث في خواص الأحكام، لا بوصفها ظواهر نفسية، بل من حيث دلالتها على معارفنا ومعتقداتنا. ويعنى على الأخص بتحديد الشروط التي بها نبرر انتقالنا من أحكام معلومة إلى أخرى لازمة عنها» (كينز Keynes: «دراسات وتمرينات في المنطق الصوري»؛ ١).

(ب) وعرفه إمانويل كنت هكذا: «نطلق نحن كلمة «منطق» Logik على علم القوانين الضرورية للذهن والعقل بوجه عام، أو - والمعنى واحد — (علم) الشكل البسيط للفكر بوجه عام» (كنت: «المنطق» المقدمة §١).

(ج) ويعرفه هيجل بقوله إن المنطق هو «علم الصورة، أعني الصورة في العنصر المجرد للفكر» (هيجل: «الانسكلوبيديا» §١٩)

والتعريف الأول يختص بالمنطق بالمعنى التقليدي الاصطلاحي، أما التعريفان الثاني والثالث فيتعلقان بالمنطق الممزوج بالميتافيزيقا، والذي بلغ أوج نضوجه في «منطق» هيجل، وقد يسمى ايضاً بالمنطق المتعالي: transzendentale logik.

ذلك أن كنت قسم المنطق إلى نوعين:

١ — منطق الاستعمال العام - ويحتوي على القواعد الضرورية ضرورة مطلقة للفكر، تلك القواعد التي بدونها لا يمكن ان يكون هناك أي استعمال للذهن.

٢ - منطق الاستعمال الخاص للذهن - ويحتوي على القواعد التي ينبغي مراعاتها ابتغاء التفكير الصحيح في نوع معين من الموضوعات.

والمنطق العام ينقسم بدوره إلى قسمين:

١ - منطق محض ٢ - منطق تطبيقي.

لكن المنطق العام يصرف النظر عن مضمون المعرفة، ولا يتناول إلا شكل المعرفة بوجه عام. لكن ثم منطقاً يعنى بأصل معرفتنا بالأشياء ، من حيث أن هذا الأصل لا يمكن أن ينسب إلى الأشياء نفسها. وهذا المنطق هو ما يسميه كنت باسم المنطق المتعالي.

وكل من المنطق العام والمنطق المتعالي ينقسم إلى قسمين: تحليلات، وديالكتيك. والديالكتيك فن سوفسطائي يهدف إلى إضفاء مظهر الحقيقة على جهلنا بل وعلى أوهامنا المتعمدة.

وهكذا نرى أن المنطق المتعالي يدخل في نظرية المعرفة، وبالتالي في الميتافيزيقا. ويتضح هذا أكثر إذا نظرنا في تصور هيجل للمنطق، وهو تصور يقوم على المبدا الأساسي في فلسفته وهو: «كل ما هو واقعي معقول، وكل ما هو معقول واقعي» ومن هنا كان منطق هيجل هو منطق الوجود بوجه عام، وليس فقط منطق العقل الانساني وهو يفكر.

والخلاصة أن المنطق بالمعنى الاصطلاحي المحدود هو الوارد في التعريف الأول. فالمنطق هو العلم الباحث في كيفية التفكير الصحيح للتأدي من المقدمات إلى النتائج.

ولما كانت المقدمات مؤلفة من قضايا أو أحكام، فإن على المنطق أن يبحث في الأحكام أو القضايا.

ولما كانت القضية مؤلفة من حدود هي التصورات العقلية، كان من الضروري في المنطق دراسة التصورات

ولهذا انقسم المنطق إلى ثلاثة أبواب رئيسية هي:

١ - التصورات، وهي المعاني المجردة الدالة على مفردات، مثل إنسان، فرس، كتاب، وردة.

٢ - الأحكام: والتعبير عنها يسمى القضايا والقضية هي القول الذي يحتمل الصدق والكذب.

٣ - الاستدلال- وهو الانتقال من أحكام إلى أحكام أخرى لازمة عنها بالضرورة، فأن كان الانتقال بدون التجاء الى التجربة سمي استنباطاً وإن كان بالاستناد إلى التجربة سمى استقراء. والاستنباط إما أن يكون من الكلى إلى الجزئى فيسمى قياساً، واما من حكم إلى حكم آخر لازم عنه بالضرورة من غير أن يكون أحدهما أعم من الآخر، مثل الانتقال من تعريف المثلث بأنه سطح مستو محاط بثلاثة مستقيمات متقاطعة مثنى مثنى إلى سائر ما ينتج عن هذا التعريف من نظريات هندسية مثل أن مجموع زواياه يساوي قائمتين، أو أن المثلث المتساوي الساقين هو متساوي زاويتي القاعدة، الخ.

وثم تقسيم آخر للمنطق إلى صوري ومادي. والأول هو منطق التفكير بوجه عام، والثاني هو قواعد التفكير في العلوم الجزئية لكن لما كان المقصود ليس هو المادة العينية، بل الشروط العامة للتفكير، فإن هذا المنطق المادي يمى علم المناهج، لأنه يتناول المناهج العلمية الرئيسية المستخدمة في العلوم المختلفة. وقد حصروها بشكل عام في أربعة مناهج:

١ - الاستدلال الرياضي، وهو المنهج المستخدم في العلوم الرياضية.

٢ ٠ الاستقراء، وهو المنهج المستخدم في العلوم الفزيائية والكيميائية والحيوية.

٣ - المنهج التاريخي، وهو المنهج المستخدم في العلوم التاريخية بمختلف فروعها.

٤ - المنهج الجدلي méthode polémique وهو المنهج المستخدم في المناقشات العلمية.

ولم يهتم أرسطو بالمنهج الاستقرائي، لأنه رأى أن الاستقراء يعطي نتائج ظنية بينما عني بالمنهج الاستدلالي وخصص له كتابه «التحليلات الثانية»، كما وضع كل القواعد الخاصة بنظرية القياس.

لكن بعض المناطقة المعاصرين يقسمون المنطق الى ثلاثة أقسام هي:

١- الاستقراء.

٢- الاستدلال الرياضي.

٣- علم المعاني semantics .

وقد أضافوا هذا القسم الأخير متأثرين بتطور علم اللغة في الوقت الحاضر، وبرروا ذلك بما للغة من تأثير هائل على تشكيل الفكر، وما يؤدي إليه استعمال وسوء استعمال اللغة من نتائج خطيرة تتصل بصواب التفكير أو خطئه. وأرسطو قد تعرض فعلاً لمعاني الألفاظ من حيث الاشتراك في المعنى والتواطؤ (أي الانطباق الواحد للفظ على المعنى) والترادف والتشكيك. لكن افراد هذا البحث قسماً قائماً برأسه ليس له ما يبرره. ولهذا ينبغي أن يظل في نطاق القسم الأول من المنطق وهو باب التصورات.

القضية المنطقية

تتكون القضية المنطقية من مجموعة من العبارات تُسمَّى المقدمات تتبعها عبارة أخرى يطلق عليها اسم النتيجة. فإذا كانت المقدمات تُؤَيِّد النتيجة، كانت القضية المنطقية صحيحة. وإذا كانت المقدمات لا تُؤيِّد النتيجة، كانت القضية المنطقية خاطئة.

والقضية المنطقية نوعان: قضية استنتاجية، وقضية استقرائية. فالقضية الاستنتاجية تكون صحيحة بالطبع إذا كانت المقدمات والنتائج صحيحة. وإذا كانت النتيجة لا تنشأ بالضرورة عن المقدمات، فإن القضية الاستنتاجية تكون في هذه الحالة غير صحيحة. أما القضية الاستقرائية، فإن صحة النتيجة لا تعتمد اعتمادًا كاملاً على المقدمات. ولأن النتيجة في القضية الاستقرائية لا تنشأ بالضرورة عن المقدمات، فالقضية الاستقرائية لا تكون صحيحة بالمعايير الاستنتاجية. وتختص هذه المقالة بصفة أساسية بالعمليات العقلية الاستنتاجية. وللحصول على مزيد من المعلومات عن العمليات العقلية الاستقرائية.

ويُعرّفنا المنطق صحة القضية الاستنتاجية وسلامتها من عدم صحتها. وتعتمد سلامة هذه القضية على شكلها، وليس على صدق مقدماتها. وعلى ذلك، فقد تكون القضية الاستنتاجية صحيحة بينما مقدماتها كاذبة، وقد تكون القضية الاستنتاجية غير صحيحة بينما مقدماتها صادقة.

المفاهيم الأساسية

يُعد المفهومُ الشكلَ المنطقي الأساسي في علم المنطق، ويتم تحديد صحة المفاهيم من خلال شكلها المنطقي، وليس عن طريق محتواها. ومن الأمثلة المنطقية الرسمية المنطق الأرسطي التقليدي والمنطق الرمزي الحديث.

  • المنطق غير الصوري (غير الرسمي): هو دراسة الحجج اللغوية الطبيعية. دراسة المغالطات هي فرع مهم من المنطق غير الرسمي. نظرًا لأن الكثير من الحجة غير الرسمية ليست استنتاجية بالمعنى الدقيق للكلمة، ففي بعض مفاهيم المنطق، فإن المنطق غير الرسمي ليس منطقًا على الإطلاق.
  • المنطق الرسمي: هو دراسة الاستدلال مع المحتوى الرسمي البحت. يتمتع الاستدلال بمحتوى رسمي بحت إذا كان يمكن التعبير عنه كتطبيق معين لقاعدة مجردة بالكامل، أي قاعدة لا تتعلق بأي شيء أو خاصية معينة. تحتوي أعمال أرسطو على أقرب دراسة رسمية معروفة للمنطق. المنطق الرسمي الحديث يتبع ويوسع منطق أرسطو. في العديد من تعريفات المنطق، الاستنتاج المنطقي والاستدلال مع المحتوى الرسمي البحت هو نفس الشيء. هذا لا يجعل فكرة المنطق غير الرسمي مفرغة، لأنه لا يوجد منطق رسمي يلتقط جميع الفروق الدقيقة في اللغة الطبيعية.
  • المنطق الرمزي: هو دراسة التجريدات الرمزية التي تجسد السمات الرسمية للاستدلال المنطقي. غالبًا ما يتم تقسيم المنطق الرمزي إلى فرعين رئيسيين: المنطق الافتراضي والمنطق الأصلي.
  • المنطق الرياضي: هو امتداد للمنطق الرمزي في مناطق أخرى، خاصةً دراسة نظرية النموذج، نظرية البرهان، نظرية المجموعات ونظرية الحوسبة.

استخدامات خاصة للمنطق

هناك أفرع خاصة في علم المنطق مُهمتها توجيه جانب كبير من العمليات العقلية في مجالات العلوم، والقانون، ومجالات أخرى معينة.

كما تقوم أفرع عديدة لعلم المنطق بتوجيه العمليات العقلية المرتبطة بالالتزامات، والعهود، والأوامر، والاستفسارات، وتحديد الأفضليات، والمعتقدات.

إن جانبًا كبيرًا من التفكير الذي يقوم به الناس في حياتهم اليومية تفكير غير استدلالي، بمعنى أنه يؤدي إلى نتائج محتَملة وليس إلى نتائج مؤكدة. فعلى سبيل المثال، يَسْتَخدم الأطباء تفكيرًا غير استدلالي لتشخيص الأسباب المحْتَمَلة للأعراض التي يشكو منها المريض. ويستخدم رجال القانون عادة مناهجَ غير استدلالية لتحديد أيِّ القوانين هو الذي يحكم حالة معينة.

المنطق الرمزي

في القرن التاسع عشر حدث تطور أساسي في علم المنطق، جاء نتيجة لتطبيق الرياضيات عل بعض مسائل المنطق؛ ومحاولة المزج بين المنطق وبين الرياضيات نظراً لما تبين - منذ عهد أرسطو نفسه - من تشابه كبير بين المنطق والرياضيات. فكلا النوعين من العلم يمتاز بأنه يميل إلى التجريد، فلا يعنى إلا بالصورة، أما المادة فلا أهمية لها في الواقع عنده. ويمتازان كذلك بأنهما يتعلقان بالنسب بين الأشياء، لا بالأشياء ذاتها. كما أنهما يتفقان من حيث الغاية، وهي الوصول إلى الربط الصحيح بين الأشياء عن طريق عمليات فكرية بسيطة تخضع لقواعد ثابتة وتتم بطريقة آلية لهذا فكر الفلاسفة المعنيون بالمنطق في تطبيق نتائج الرياضيات على المنطق. فقامت حركة قوية بدأها ليبنتس Leibniz في القرن السابع عشر ونمت في الثامن عشر، وخطت خطوة هامة على يد هاملتون في نظريته في كم المحمول. لكن تكوين المنطق الرياضي بدأ خصوصاً من أعمال جورج بول واوجستس دي مورجن، وترسخت قواعده بفضل فريجه وبيانو وشريدر، حتى بلغ أوج نضوجه في كتاب «المبادئ الرياضية» (سنة ١٩١٠-سنة ١٩١٣) تأليف برترند رسل والفرد نورث هوايتهد.

وقد بدات الحركة في اتجاه «ترويض» المنطق، لكنها ما لبثت أن ارتدت إلى العكس، أي إلى «منطقة» الرياضة.

ويبين لوس Lewis خصاثص المنطق الرياضي أو الرمزي على النحو التالي:

  1. أما من حيث الموضوع فإن موضوعه هو موضوع المنطق أياً كانت صورته، أي المبادىء التي تجري عليها العملية العقلية أو الذهنية بوجه عام - في مقابل المبادىء الخاصة فقط بفرع واحد من فروع مثل هذه العملية الذهنية.
  2. وأما من حيث الأداة فأدواته الرموز، وكل رمز يدل على تصور أومفهوم بسيط نسبياً. والمثل الأعلى في هذه الحالة أن يستغنى عن كل لغة غير الرموز.
  3. وإلى جانب الرموز الثابتة توجد رموز متغيرة لها نطاق محدد تمام التحديد من حيث المعنى.
  4. كل نظرية في المنطق الرياضي تقوم على الاستدلال، أي أنها تقوم على عدد صغير نسبياً من المبادىء الأول المعبر عنه برموز، وتستخلص منه بواسطة عمليات محددة في صيغ أو يمكن تحديدها في صيغ .

القياس المطلق

هو أكثر أشكال القضية المنطقية شيوعًا في المنطق الاستنتاجي التقليدي. وقد كان الفيلسوف اليوناني القديم أرِسْطو من أوائل الباحثين الذين قاموا بدراسة منهجيّة للقياس المُطلق.

ويتكون القياس من مقدمتين ونتيجة. والقياس المطلق هو الذي تكون كل عبارة فيه مكوّنة إحدى الصيغ الأربع التالية:

- كل ( أ ) تساوي (ب)

- كل ( أ ) لا تساوي (ب)

- بعض ( أ ) يساوي (ب)

- بعض ( أ ) لا يساوي (ب)

والأحرف أ أو ب أو أية أحرف أخرى قد تُستخدم، وهي تعبيرات تمثل فئات مختلفة من الأشياء، مثل الأرقام، أو الناس، أو الأشياء الصفراء، أو الأصوات البغيضة، أو البقرات البُنية. والقضية التالية مثال لقياس مطلق سليم: "كل الثدييات من ذوات الدم الدافئ. كل الأبقار البنية من الثدييات. إذًا كل الأبقار البنية من ذوات الدم الدافئ. وصيغة هذا الاستقراء هي: "كل أ تساوي ب. كل ج تساوي أ. إذًا كل ج تساوي ب".

أما الاستقراء المطلق التالي، فيمثل قضية غير صحيحة: "كل النجوم ليست كواكب". بعض الأقمار الصناعية ليست كواكب. إذًا بعض الأقمار الصناعية ليست نجومًا. وصيغة هذا الاستقراء هي: "كل أ ليست ب. بعض ج ليست ب. إذًا بعض ج ليست أ". ويمكننا تأكيد أن هذا الاستقراء غير صحيح إذا قورن باستقراء آخر بنفس الصيغة ولكنه يعطي نتيجة غير صحيحة. وقد يكون مثل هذا الاستقراء كما يلي: "كل الأحجار الكريمة ليست رخيصة الثمن [عبارة صادقة]. بعض أحجار الماس ليست رخيصة الثمن [عبارة صادقة]. إذًا بعض أحجار الماس ليست أحجارًا كريمة [عبارة غير صادقة]. هذا القياس لا يستوفي شرط وجوب صدق النتيجة إذا كانت المقدمات صادقة. عليه فلا بد أن يكون هذا الاستقراء غير صحيح.

قواعد الاستقراء

تُمَكِّننا هذه القواعد من اختبار القياس المطلق دون الرجوع إلى أمثلة مماثلة، أو فحص تفاصيل بِنْية القضية المنطقية. وتعتمد هذه القواعد على مقومات معينة توجد في جميع القياسات السليمة وتميزها عن القياسات غير الصحيحة. فعلى سبيل المثال، تنص إحدى هذه القواعد على أن الاستقراء السليم لا تكون له مقدمتان سالبتان. وفي الاستقراء التالي توجد مقدمتان سالبتان: "كلّ النجوم ليست كواكب، بعض الأقمار الصناعية ليست نجومًا. وعليه، فنحن نعلم أن هذا الاستقراء لا يمكن أن يكون سليمًا.

وهناك قواعد أخرى لتكوين استقراءات سليمة.

1- يجب أن يكون للاستقراء ثلاثة حدود بالضبط. فعلى سبيل المثال تأمل هذا الاستقراء غير الصحيح: "كل القوانين تضعها الحكومة. و(V=at) هو قانون الأجسام الساقطة. إذًا الحكومة هي التي وضعت (V=at). إن كلمة قانون هنا ليست واضحة، فهي قد تعني قانونًا طبيعيًا مثل قانون الأجسام الساقطة، أو تعني قانونًا تشريعيًا. وتبعًا لذلك فقد صار لهذا الاستقراء أربعة حدود بدلاً من ثلاثة حدود، وصار الاستقراء فاسدًا.

2- يجب أن تنشأ عن المقدمتين السالبتين نتيجة سالبة.

3- إذا كانت إحدى المقدمتين سالبة والأخرى موجبة، يجب أن تكون النتيجة سالبة.

4- يجب تقييد الحد الذي يظهر في المقدمتين كلتيهما بكلمة كل أو كل ـ ليس مرة واحدة على الأقل.

5- الحد المقيد بـ كل أو كل ـ ليس في النتيجة يجب أن يكون مقيدًا بـ كل أو كل ـ ليس في إحدى المقدمتين.

انظر أيضًا