إيمانويل كانت

(بالتحويل من كانط)

إيمانويل كانت أو إيمانويل كانط (بالألمانية: Immanuel Kant) هو فيلسوف ألماني من القرن الثامن عشر (1724 - 1804). عاش حياته كلها في مدينة كونيغسبرغ في مملكة بروسيا. كان آخر الفلاسفة المؤثرين في الثقافة الأوروبية الحديثة. وأحد أهم الفلاسفة الذين كتبوا في نظرية المعرفة الكلاسيكية. كان إيمانويل كانت آخر فلاسفة عصر التنوير الذي بدأ بالمفكرين البريطانيين جون لوك وجورج بيركلي وديفيد هيوم.

طرح إيمانويل كانت منظورا جديدا في الفلسفة أثر ولا زال يؤثر في الفلسفة الأوربية حتى الآن أي أن تأثيره امتد منذ القرن الثامن عشر حتى القرن الحادي والعشرين. نشر أعمالا هامة وأساسية عن نظرية المعرفة وأعمالا أخرى متعلقة بالدين وأخرى عن القانون والتاريخ.

أما أكثر أعماله شهرة فهو كتابه نقد العقل المجرد الذي نشره سنة 1781 وهو على مشارف الستين من عمره. يبحث كانت في هذا الكتاب ويستقصي محدوديات وبنية العقل البشري ذاته. قام في كتابه هذا بالهجوم على الميتافيزيقيا التقليدية ونظرية المعرفة الكلاسيكية. وأجمل وأبدع مساهماته كانت في هذا المجال بالتحديد. ثم نشر أعمالا رئيسية أخرى في شيخوخته، منها كتابه نقد العقل العملي الذي بحث فيه جانب الأخلاق والضمير الإنساني، وكتابه نقد الحكم الذي استقصى فيه فلسفة الجمال والغائية.

تطرح الميتافيزيقا أسئلة عديدة حول الحقيقة المطلقة للأشياء. اعتقد كانت أن بالإمكان إصلاح وتهذيب الميتافيزيقا الكلاسيكية عن طريق تطبيق نظرية المعرفة عليها. حيث زعم أنه يمكننا باستخدام هذه الطريقة مواجهة الأسئلة التي تطرحها الميتافزيقا، والأهم من ذلك أن نعرف المصادر التي نستقي منها معرفتنا وأن نعرف ماهية حدود المعرفة التي يمكن الوصول إليها.

اقترح كانت أنه بعد أن نفهم ونعرف مصادر وحدود المعرفة الإنسانية والعقلية يمكننا طرح أي أسئلة ميتافيزيقية والحصول على أجوبه مثمرة. وسأل كانت سؤالا خطيرا هو هل للأشياء والمواضيع التي نعرفها خصائص معينة سابقة على تجربتنا وعلى إحساسنا. وأجاب على ذلك بأن جميع المواضيع والأشياء التي يمكن للعقل معرفتها تتم بطريقة يختارها العقل. ويضرب مثالا على ذلك أنه إذا استعد العقل للتفكير قبل أي موضوع واختار العقل التفكير بطريقة السببية فإننا بالتالي نعلم قبل ان نتعرف على أي موضوع ان الموضوع سيكون إما سببًا أو نتيجة.

ويصل كانت إلى نتيجة مفادها أن هناك مواضيع لا يمكن للعقل معرفتها عن طريق السببية. ونتيجة أخرى هي أن مبدأ السببية هو طريقة في التفكير لا يمكن أن تستقل عن التجربة والإحساس. ولا يستطيع مبدأ السببية الإجابة عن جميع الأسئلة. ويضرب سؤالا للتوضيح هو هل العالم أزلي أم له مسبب؟، وبالتالي فإن أسئلة الميتافيزيقيا الأساسية لا يستطيع العقل الإنساني الإجابة عنها. لكن العقل يفهم ويعرف ويجيب عن أسئلة العلوم العادية لأنها تخضع لقوانينه.

ابتدع ايمانويل كانت نظاما مبتكرا في نظرية المعرفة هو مزيج بين المدرستين التجريبية والعقلية. فأهل المدرسة التجريبية يرون أن المعرفة لا تكون إلا من طريق التجربة لا غير. أما أهل الطريقة العقلية فيرون أن نظام الشك الديكارتي وأن العقل وحده من يمدنا بالمعرفة. خالفهم كانت في ذلك حيث يرى أن استخدام العقل وحده دون التجربة لا يقود إلى المعرفة بل يقود إلى الأوهام. أما استخدام التجربة فلا يقود إلى معرفة دقيقة ولا تعترف بوجود مسبب أول الذي يعترف به العقل المجرد.

كان فكر ايمانويل كانت مؤثرا جدا في ألمانيا أثناء حياته وبعدها. فكانت نقل الفلسفة إلى مكان آخر أرفع من المناظرة والمجادلة بين الفلاسفة العقلانيين والفلاسفة التجريبيين. تأثر به الفلاسفة الألمان بعده. مثل يوهان جوتليب فيشته وفريدريك شلنغ والفيلسوف الكبير هيغل وآرثر شوبنهاور. وأسس هؤلاء ما عرف بالفلسفة المثالية الألمانية. كل هؤلاء الفلاسفة رأووا في أنفسهم مصححين وموسعين ومطورين للنظام والفلسفة الكانتية. وهكذا ظهرت نماذج مختلفة من الفلسفة المثالية الألمانية. استمر تاثير كانت وامتد ليكون مؤثرا أساسيا في الفلسفات التي جاءت بعده. فقد كان له تأثير كبير على الفلسفة التحليلية(رسل ومور والوضعية المنطقية) والفلسفة الأوربية القارية.

سيرته الذاتية

أسرته

ولد إمانويل كانت عام 1724 في مدينة كونيغسبرغ عاصمة مملكة بروسيا ذلك الوقت في القرن الثامن عشر، التي أصبحت تسمى اليوم كيلننغراد وتتبع لدولة روسيا. كان الرابع من بين أحد عشر ولدا (ماتوا وهم أطفال إلا أربعة منهم). كان اسمه يكتب باللاتينية "Emanuel" وغير هجاء اسمه إلى "Immanuel" بعد أن تعلم اللغة العبرية. لم يسافر في حياته كلها أبدا ولم يبتعد أكثر من مئة ميل عن مدينته كونيغسبرغ.

والده جوهان جورج كانت (1682-1746) كان يعمل في صناعة سروج الخيل في مدينة ميمل شرق مملكة بروسيا (تسمى هذه المدينة الآن كليبدا وتتبع جغرافيا دولة ليتوانيا). أمه، ريجينا رويتر (1697-1737) ولدت في نورمبرغ. هاجر جد كانت من اسكتلندا إلى مملكة بروسيا. وكان والده يملي اسم العائلة على هذا الشكل "Cant".

كان كانت في شبابه طالبا قويا في دراسته ضعيفا في بنيته. تربي في بيت أهله متدينون بشدة. وتربى كانت تربية دينية، وعلى التفاني والإخلاص في خدمة الدين وعلى التواضع مع الناس. ثم أنه نشأ على التفسير الحرفي للكتاب المقدس. تلقى كانت تعليما صارما وقاسيا ومنضبطا. كان يؤثر تعلم اللغة اللاتينية وتعلم الدين على تعلم الرياضيات والعلوم.

دراسته

لما نضج كانت الشاب وبرزت قدراته وبرز تفوقه. ولاحظ ذلك القس فرانز شولتز الذي كان مقربا للعائلة. وما كان من القس الذي ذهل لنضوج كانت المبكر إلا أن أقنع العائلة بإرسال ابنهم إلى الدراسة في المدرسة الفردركية أقوى وأجود المدارس في مملكة بروسيا. وكان القس شولتز يعمل في تلك المدرسة. هناك قضى كانت ثمان سنوات من الدراسة الجادة. كان يدرس ستة أيام في الاسبوع يبدأ يومه الدراسي في السابعة صباحا وينتهي في الرابعة مساء. درس فيها كل لغات ذلك الزمان من اللاتينية واليونانية إلى العبرية والفرنسية. ودرس الرياضيات واللاهوت.

بعد تخرجه بترتيب الثاني على صفه تخرج كانت ابن السادسة عشرة من المدرسة الثانوية. فالتحق بجامعة كونيغسبرغ حيث تغيرت اهتماماته وولع بالفلسفة والعلوم. وتأثر تأثرا شديدا بأستاذه مارتن كنوتزن. وكان أستاذه من أتباع المدرسة العقلية أو العقلانية.

قضى كانت سبع سنوات في الجامعة لكنه لم يتخرج بسبب ضائقة مالية ألمت به حيث توفيت والدته سنة 1737 ثم توفي والده سنة 1746. كان على كانت أن يدبر أموره المالية بنفسه. فترك الكلية وأصبح مدرسا خصوصيا لأطفال الأسر الثرية التي تسكن قريبا من مدينته كونيغسبرغ. أثناء هذه السنوات كرس وقت فراغه الطويل في الدراسة الذاتية وكتابة أطروحته التي سيقدمها للجامعة.

التدريس في الجامعة

وفي عام 1755 عاد كانت إلى الجامعة مرة أخرى وقدم بحثه وأطروحته. وأعطته الجامعة وظيفة مساعد أستاذ وكانت هذه الوظيفة ذلك الوقت وظيفة من مرتبة متدنية لا تعطي صاحبها البرستيج وليس لها راتب مدفوع إلا رسوم تؤخذ من الطلاب.

في تلك السنوات كان كانت يدرس طلابه في الجامعة قرابة ثمانية وعشرين ساعة في الأسبوع. وأعطي مجموعة كبيرة جدا من المواد والموضوعات لتدريسها. كان من ضمنها مواد الفلسفة وعلم أصول التربية والرياضيات والفيزياء والعلوم الاجتماعية وحتى علم المعادن والجغرافيا. بعد ان ينتهي يومه الدراسي الحافل كان يستمتع بقراءة الجرائد ويجلس على القهوة. وفي المساء كان يلعب الورق والبلياردو. وفي أكثر الأيام يصل كانت إلى بيته بعد منتصف الليل سكرانا كأقل ما يقال. أرغمته الظروف المادية القاسية على العيش ببساطة في شقة مفروشة ليس فيها الا سرير وطاولة وكرسي وكانت جدرانها عاريه الا من صورة معلقه للفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو. واضطر كانت إلى ان يشتغل كعامل مساعد في مكتبة عامة تابعة للقصر الملكي ليضيف شيئا من المال إلى مدخوله الضئيل.

طوال ستينات وسبعينات القرن الثامن عشر كان كانت نشيطا جدا في مجال الكتابة فنشر كتبا عديدة وكتب مقالات كثيرة في موضوعات مختلفة. كتب عن العلم وعن الفلسفة والأخلاق والجمال وكتب عن الفلك والمنطق والميتافيزيقا. كان كانت مدرسا محبوبا وله شعبية بين طلابه فقد كانوا يرون ان محاضراته ممتعة فقد كان يلقي كثيرا من النكات المرحة اثناء الدروس. وأخيرا في 1770 أسس كرسي المنطق والميتافيزيقا وأعطته الجامعة راتبا أفضل يمكن أن يعيش به عيشة كريمة.

طبيعة شخصيته

تنامت شهرته عبر البلاد وتلقى عروضا للتدريس من جامعات أخرى بعضها وعدته بأربع أضعاف راتبه. لكنه كان يرفض العروض في كل مرة رفضا قاطعا، كان يرى لزاما عليه أن يبقى في مدينته التي ولد فيها على الدوام. كانت طبيعته أنه لا يحب التغيير. لم يكن يقبل أي تغيير مهما كان بسيطا. حتى في بيته فهو لا يحرك الأثاث من مكانه وأي تغيير بسيط في ترتيب الاثاث يجعله غير مستقر.

وتروى عن الفيلسوف الألماني حكاية فريدة حدثت في الثمانينات من القرن الثامن عشر وهو في الستينات من عمره. كان معتادا على الكتابة في مكان محدد في بيته عند نافذة مطلة على قبة كنيسة ضخمة. حين يكتب فعيناه على الورق وحين يرفع عينيه فهي على تلك القبة. بعد عدة سنوات زرعت أشجار في حديقة جاره وحجبت الرؤية من نافذته إلى تلك القبة. بدأ كانت في التململ والقلق ثم وجد نفسه غير قادر على العمل!. ثم حلت المشكلة حين قام جاره الذي كان معجبا بشخصيته ووافق بأريحية على تقليم تلك الأشجار ليعود الفيلسوف إلى روتينه وعادته. كان كانت يرفض السفر، عاش حياته كلها دون أن يرى جبلا أو بحرا. مع أن بحر البلطيق كان على مسافة ساعة فقط من مدينته. ويعتقد البعض أن هذه الأوصاف والعادات ذات صلة بمرض الذاتوية.

التأثير الفكري

قالب:شريط جانبي إيمانويل كانت التأثيرات على تكوين كانت الفكري كانت على ثلاث جهات دينية وسياسية وعلمية. من الناحية الدينية تربى كانت على التقاليد المسيحية المتشددة. وبالتحديد فرقة التقوية المسيحية الذي اشتق اسمها من التقوى والورع وهي حركة بروتستانتية تؤكد على التقوى والزهد والبساطة وعلى قبول المرء لحاله في هذه الحياة وفي نفس الوقت عدم الاكتراث أو عدم الاهتمام بالطقوس والشعائر وعدم التعصب لها.

وعلى الجانب السياسي فقد عاش كانت في عصر التنوير وأثر وتأثر بكل معطيات ذلك العصر. بطبيعة الحال كان من المطالبين من أجل حقوق الإنسان وأكد على المساواة بين الناس وفي نفس الوقت دافع عن حكومة بلاده. وتأثر كانت في هذا الجانب تأثرا عميقا بالمفكر والسياسي الفرنسي جان جاك روسو. الذي كان يطرح في كتاباته تساؤلات عميقة عن طبيعة الأخلاق وطبيعة المجتمعات ومشكلة الافراد وفلسفة الفردية.

في جانب العلم الطبيعي درس كانت أعمال وكتابات إسحاق نيوتن التي جعل منها أساسا لمحاضراته في الفيزياء وفلسفة الطبيعية. وفي سنة 1755 نشر نظرية التناوب الشهيرة (بالإنجليزية: vortex theory) التي يوضح فيها أصل العالم ويشرح دوران وتناوب الكواكب. واليوم تعرف هذه النظرية الفيزيائية باسم فرضية كانت-لابلاس. ولابلاس المقصود هو الفلكي الفرنسي بيير لابلاس الذي طور نظرية كانت وطرح نموذجا مشابها لها لكنه طوره بعد ذلك في عام 1796.

الفلسفة

طالع أيضاً: كانطية

الفلسفة السياسية

في مؤلفه «السلام المستدام: اسكتش فلسفي»، وضع كانط مجموعة من الشروط وجدها ضرورية لإنهاء الحروب وخلق سلام دائم، من ضمنها وجود عالم يحتوي جمهوريات دستورية. أضاف كانط على نظريته الجمهورية الكلاسيكية في «علم الحق»، وهو أول جزء من عمله «ميتافيزيقيا الأخلاق» عام 1797. اعتقد كانط أن تاريخ العالم يودي بنا حتميًا إلى عالمٍ من الدول الجمهورية التي تعيش بسلام، لكن تلك النظرية لم تكن براغماتية، فاعتبر كانط في مؤلفه «السلام المستدام» أن تلك العملية تحدث بشكل طبيعي، لا بشكل عقلاني.

يتلخص فكر كانط السياسي بالحكومة الجمهورية والمنظمة الدولية. وبناءً على فكر كانط نفسه ومصطلحاته، فعقيدة الدولة قائمة على القانون والسلام الأبدي. وبالفعل، في كلتا الصياغتين، يعبّر كلا المصطلحين عن الفكرة ذاتها: وهي الدستور القانوني أو «السلام عبر القانون». ومع الأخذ بعين الاعتبار أن فلسفة كانط السياسية هي عقيدة قانونية في جوهرها، فكانط وفلسفته يرفضان النزاع بين التعليم الأخلاقي والعواطف باعتبارها أساس الحياة الاجتماعية. عرّف كانط الدولة بأنها اتحاد للبشر تحت سقف القانون. تُجبل الدولة أساسًا من القوانين، والتي يجب أن توضع سابقًا، لأنها تنبثق من مفهوم القانون.

عارض كانط «الديمقراطية»، والتي كانت ديمقراطية مباشرة في عصره. اعتقد كانط أن حكم الأغلبية يشكل خطرًا على الحرية الفردية، وأوضح: «...الديمقراطية هي حُكمًا دكتاتورية، لأنها تؤسس لسلطة تنفيذية يقرر فيها الجميع لصالح شخص واحدٍ لا يتفق معها أو ضده. الجميع يقررون، وهم أغلبية فقط لا الجميع، وذلك يناقض الحرية ورغبة الشعب عامة». ومثل أغلب الكتّاب في عصره، عرّف كانط 3 أشكال للحكومة: الديمقراطية والأرستقراطية والمَلَكية، واعتبر أن الحكومة المختلطة هي أفضل شكل للحكومات.

الأنثروبولوجيا

درّس كانط الأنثروبولوجيا، أو علم الإنسان، لـ 23 سنة ونصف. نشر كانط «الأنثروبولوجيا من وجهة نظر براغماتية» عام 1798. وكانت موضوع أطروحة ميشال فوكو الثانية للحصول على درجة الدكتوراه، وكانت الأطروحة بعنوان «مقدمة حول أنثروبولوجيا كانط». نُشرت محاضرات كانط عن علم الأنثروبولوجيا لأول مرة عام 1997 بالألمانية، وتُرجمت «مقدمة حول أنثروبولوجيا كانط» إلى الإنجليزية ونشرتها جامعة كامبردج ضمن سلسلة نصوص تاريخ الفلسفة عام 2006.

كان كانط واحدًا من أوائل الناس في عصره عندما جعل علم الأنثروبولوجيا مجالًا معرفيًا للدراسة، قبل حصول المجال على شعبية كبيرة. ساهمت النصوص التي ألفها كانط في نمو هذا المجال وتقدمه. ألهمت وجهة نظر كانط أعمال عددٍ من الفلاسفة اللاحقين، أمثال مارتن هايدغر وبول ريكور.

كان كانط أيضًا أول من اقترح استخدام اتجاه متعدد الأبعاد لدراسة التنوع البشري. فحلل طبيعة المزاجات الأربع لأبقراط وجالينوس، وجمعها في بُعدين: «الفاعلية»، أو الجانب النشط من السلوك البشري، و«النزعة العاطفية» أو الانفعالية. فوُصفت الشخصية صفراوية المزاج مثلًا بأنها عاطفية ونشيطة، والشخصية البلغمية (أو الباردة) بالمتوازنة والضعيفة، والشخصية دموية المزاج بالمتوازنة والنشيطة، والشخصية الميلانخولية بالعاطفية والضعيفة. ظهر البعدان في النماذج اللاحقة لسمات الشخصية والمزاج.

استعرض كانط الأنثروبولوجيا ضمن صنفين شاملين: الأسلوب النفسي، والذي أشار إليه كانط بأنه «ما تفعله الطبيعة بالكائن البشري» والأسلوب البراغماتي، الذي يستكشف الأشياء التي بإمكان الإنسان، بل يتوجب عليه، أن يبني شخصيته على أساسها.

التأثير

ملف:Kant Kaliningrad.jpg
تمثال تذكاري لإيمانويل كانط في كالينينغراد.

كان الأثر الذي أحدثه كانط على الفكر الغربي عميقًا. وبصرف النظر عن تأثيره على فلاسفة ومفكرين بعينهم، غيّر كانط الإطار الذي كان البحث والاستقصاء الفلسفيان يجريان وفقًا له. أحدث كانط تحولًا في النموذج الفكري، ولم تظهر الفلسفة وفقًا لما قبل كانط إلا بشكل قليل. ينطوي ذلك التحول على ابتكارات متعددة ومرتبطة ببعضها، والتي أصبحت ركيزة أساسية في الفلسفة والعلوم الاجتماعية والإنسانيات عمومًا:

  • «ثورة كانط الكوبرنيكية»، والتي وضعت دور الإنسان، أو العارف، في مركز البحث الفلسفي، فمن المستحيل أن يفسر المرء فلسفيًا الأشياء التي تتصرف بصورة مستقلة عنا، أو تبدو مستقلة بالنسبة لنا.
  • اختراعه الفلسفة النقدية، وهي قدرة المرء على الاكتشاف والاستقراء الممنهج للقيود المفروضة على قدرتنا المعرفية، وذلك عن طريق الاستدلال الفلسفي.
  • فكرة الإلزام القطعي، أو الضرورة الحتمية: وهي إقرار بأن الإنسان، طبيعيًا، يملك القدرة على التوصل إلى المنطق السليم والتصرف وفقًا له، وهو مجبر على التوصل إلى ذاك المنطق والتصرف على أساسه، ويحدث ذلك أيضًا بشكل طبيعي.
  • إيجاده مبدأ «أحكام الاحتمال»، مثلما جاء في فكرة «أحكام التجربة المحتملة»؛ وتعني أن الأشياء والمعرِفة وأشكال الوعي تستكين إلى ظروف وأحكام مسبقة تجعل من تلك الأشياء والمعرفة والوعي قابلة للتحقق. ووفقًا لذلك، ولكي نفهم تلك الأمور ونتعرف عليها، علينا أولًا فهم تلك الظروف والأحكام التي جعلتها متاحة.
  • النظرية القائلة إن التجربة الموضوعية شُكلت أو بُنيت بناءً على وظيفة العقل البشري وعمله.
  • فكرته القائلة إن التحرر الأخلاقي أمر جوهري بالنسبة للبشرية.
  • تأكيده المبدأ الذي ينظر إلى الكائنات البشرية باعتبارها غايات لا وسائل.

أدرجت عدة مدارس فكرية أفكار الفيلسوف كانط، من ضمنها المدرسة المثالية الألمانية، والماركسية، والوضعية، والظاهراتية (الفينومينولوجيا)، والنظرية النقدية، والوجودية، والفلسفة اللغوية، والبنيوية، وما بعد البنيوية، والتفكيكية.

التأثير التاريخي

لاقى كانط خلال حياته الكثير من النقد تجاه أفكاره. وكان لكانط أثر على أفكار فلاسفة ومفكرين مثل راينهولد، وفيشته، وشيلن، وهيغل، ونوفاليس خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الثامن عشر. تطورت المدرسة الفكرية المعروفة باسم المثالية الألمانية ونمت من كتابات وأفكار كانط. حاول الفيلسوفان فيشته وشيلن، على سبيل المثال، جلب الأفكار المشحونة بالميتافيزيقية التقليدية -مثل الإله ووحدانيته والكينونة- وإدخالها ضمن إطار تفكير كانط النقدي. وبذلك، حاول فلاسفة المثالية الألمانية عكس وجهة نظر كانط، والمتمثلة بأننا لا نستطيع التعرف على ما لا نستطيع إدراكه أو تأمله.

كان هيغل واحدًا من أشد نقاد فلسفة كانط. وفي استجابة لما اعتبره التفسير الغامض والمنهجي لفلسفة كانط، أوجد هيغل أخلاقيات ركز فيها على «الحياة الأخلاقية» للمجتمع. لكن جاءت فكرة هيغل المتمثلة بـ «الحياة الأخلاقية» من مبدأ التصنيف بدلًا من استبدال أفكار كانط الفلسفية والمتمثلة بالأخلاقيات الكانطية. اعتُبر هيغل مدافعًا عن فكرة كانط القائلة إن الحرية تتخطى الرغبات المحدودة بواسطة المنطق. وهكذا، وعلى عكس النقاد اللاحقين مثل نيتشه وراسل، يتشارك هيغل وكانط ببعض الأفكار الأساسية.

استُخدمت آراء كانط المتعلقة بالدين في بريطانيا لمواجهة تراجع الإيمان الديني في القرن التاسع عشر. وتبِعَ الكتّاب البريطانيون الكاثوليكيون من أمثال غلبرت كايث تشيسترتون وهيلاير بيلو، هذا الاتجاه. تحدى رونالد إنجلفيلد تلك الحركة واستخدام كانط للغة. كانت انتقادات كانط شائعة من طرف أصحاب وجهات النظر الواقعية المنتمين للفلسفة الوضعية في تلك الفترة.

نقد العقل المجرد

نظرية الإدراك الحسي

شرح كانت هذه النظرية في كتابه الأشهر الذي صدر عام 1781 "نقد العقل المجرد" الذي يعتبره النقاد في كثير من الأحيان أهم مجلد فلسفي في علم الميتافيزيقيا ونظرية المعرفة.

يعتقد كانت أن معرفتنا بالعالم الخارجي لها أساس في التجربة الحسية ولكن لها أيضا أساس آخر يسميه المعارف القبلية. وفي كلامه هذا نقد ورفض للفهم التجريبي والفهم العقلي معا. ويعتبر كانت نقده هذا ثورة مشابهة لثورة كوبرنيكوس.

فكرة الله

«كان من المؤمنين بالله. إلا أنه يوكل الإيمان إلى الضمير ولا يعتمد فيه على البراهين العقلية التي تستمد من ظواهر الطبيعة. فالعقل في مذهب كانت لا يعرف إلا الظواهر الطبيعية Phenomena ولا ينفذ إلى حقائق الأشياء في ذواتها Noumena.» عباس العقاد.

«أين نجد إذا هذا المبدأ المتعالي على التجربة؟ أنجده في الدين والأوامر الإلهية، وهي سلطة خارجة عن العقل؟... إنما نريد مبدأ آخر جديدا يعلو على التجربة ويفوقها، لكنه من جهة أخرى لا يخرج عن العقل ونطاق ذاتيته. ووجد كانت هذا المبدأ، وسماه "الواجب"» عبد الرحمن بدوي.

ذكر كانت في كتابه نقد العقل العملي عن ضرورة الاعتقاد بوجود الله. وأن وجود الله فكرة يبعثها العقل المجرد. لكن كانت يقول بالنص الذي يبدو عائما ومموها: ليس لدينا سبب وجيه يدفعنا للتسليم بهذه الفكرة تسليما مطلقا. ثم يحاول تلطيف هذا التصريح بقوله أن فكره الله لا يمكن عزلها عن فكره السعادة وفكرة الفضيلة وأن فكرة الله مرتبطة دائما بمفهوم المثال الأسمى أو مفهوم الخير.

والربط بين هذه المفاهيم أساسي جدا لإيجاد عالم ذا أخلاق. وهذا الربط ضروري من الناحية العملية أيضا. ويدل على هذا قول الفيلسوف الفرنسي فولتير: "لو أن الله ليس موجودا فسيكون ضروريا اختراعه".

في كتابه "محاضرات في المنطق" الذي نشر سنة 1800 كتب كانت: "لا يمكن لأحد منا تقديم حقيقة موضوعية لأي فكرة نظرية أو تقديمها عدا فكرة الحرية لأن هذا شرط القانون الأخلاقي الذي حقيقته مسلمة. حقيقة فكرة الله يمكن أن تقدم فقط بطريقة هذه الفكرة، من ثم فقط مع غاية عملية، مثلا التصرف كما لو الله موجود، من ثم فقط لهذه الغاية".

أهم مؤلفاته

ملف:Kritik der reinen vernunft erstausgabe.jpg
غلاف الطبعة الأولى من نقد العقل الخالص عام 1781.

انظر أيضًا

كنت

اعظم فلاسفة العصر الحديث

حياته

ولد في مدينة كينجسبرج Königsberg في بروسيا الشرقية في ٢٢ أبريل سنة ١٧٢٤. وكان والده سراجاً مجتهداً فيعمله، صدوقا. أما والدته فكانتشديدةالتدين،حريصة على سماع موا عظ فرانس شولتسمديرمعهد فريدريك. ولهذا الحقت ابنها بهذا المعهد في سنة ١٧٣٢، واستمر فيه حتى سنة ١٧٤٠؛ ثم التحق بجامعة كينجسبرج في سبتمبر سنة ١٧٤٠. وفي معهد فريدريك تعلم الكلاسيكيات الرومانية، واستظهر الكثير من نصوص الأدب ال لاتيي الشعرية والنثرية. أما في الجامعة فقد حضر دروس مارتن كنوتسن في الفلسفة والرياضيات، ومحاضرات شولت في علم أصول الدين ودروس تسكه في الفزياء .

وتخرج كنت في الجامعة سنة ١٧٤٠. فاضطرته ظروفه المالية إلى العمل مربيا خصوصيا في بعضالبيوتات. لكنه لما اشرف على الثلائين قرر أن يتفرغ للدراسة الجامعية العالية، فحضر لشهادة الماجستير، وحصل عليها في ١٧٥٥/٦/١٢. وعين مدرساً في الجامعة، فالقى دروسأ ني المنطق، والميتافيزيقا، والرياضيات، والقانون الطبيعي، وعلم الأخلاق، واللاهوت الطبيعي، وعلم الانسان والجغرافيا الطبيعية. وظل مدرساً خس عشرة سنة، واخفقت محاولاته ليكون استاذا عدة مرات، إلى ان خلا كرسي المنطق والميتافيزيقا فعين فيهكنت في ١٧٧٠/٣/٣١ ، واستمر فيه حتى ٠١٧٩٦/٧/٢٣

وفي سنة ١٧٨٠ اصبح عفواً في مجل الشيوخ الاكاديمي.

كنت

وفي ٧ ديسمبر سنة ١٨٨٧ صار عضوا في الأكاديمية لملكية للعلوم في برلين.

وتولى عمادة كلية الأداب خس مرات، وكان مديرا للجامعة مرتين كل مرة منها ستتان.

وتوفي في ١٢ فبراير سنة ١٨٠٤ ودفن في قبوالأساتذةفي مقبرة جامعة كينجسبرج. ثم انشىء له ضريح في سنة ١٨٨٠ ، وعلى جدار من جدرانه نقشت العبارة المثهورة التي كتبها في خاتمةكتابه ,نقد العقل العملي» وهي:

«السماء المرصعة بالنجوم من فوقي والقانون الأخلاقي في باطن نفسي»

وفي سنة ١٩٢٤ أقيم له ضريح جديد. لكن في سنة ١٩٥٠، وبعد استيلاء روسيا على بروسيا الشرقية، سرق ناووس كنت ولم يعثر لهعلى أثر بعد ذلك.

وقد حيكت أسطورة كاذبة عن تنظيم كنت مواعيد عمله اليومي وكأنه ساعة دقيقة.

فدفته

كان كنت ذا نزعة عقلية تامة. ولهذا أحب العلوم الدقيقة اعني الرياضيات، والعلوم الطبيعية القائمة على التجربة والملاحظة، مثل الفزياء والفلك ونشأة الكون. لكنه اتخذ منها نقطة انطلاق لتكوين نظرة شاملة في الكون، اعني نظرة فلسفية تنتظم المعرفة البشرية بعامة.

وفي سبيل ذلك، كان عليه أن يفحص عن حقيقة المعرفة الإنسانية. ومن هنا اهتم أيا اهتمام بنظرية المعرفة، اي :إلى اي مدى يستطيع عقلنا الوصول إلى إدراك حقيقة الكون والطبيعة والانان؟ وما هي أدوات المعرفة الصحيحة؟ وما قيمة هذه الأدوات وأدوارها في تحصيل المعرفة الصححة؟ .

وأدى به ذلك إلى العناية بتحليل التصورات211٤٤ء0 ، أي المعاني العقلية المجردة، وإلى تخصيص العقل بالدور الكامل في المعرفة الصحيحة، ورفض العاطفة وما يصدر عنها من إدراكات، لأن العقل هو «القوة العليا في النفس» وسيكون من العبث إخضاعه - وهو «السيد الأكبر» - ل «عماء من العواطف والانفعالات، على حد تعبيره

وإذا كان كنت قد عني بما سماه «نقائض العقل

المحض» فليس معنى ذلك أنه كان يؤمن بتناقض التفكير أو بالتفكير الديالكتيكي، كما سيفعل هيجل. وفي هذا قال في «نقد العقل المحض» (ص ٥٧٧): «إن إثارة العقل ضد نفسه، وتزويده بالأسلحة في كلا الجانبين، ثم بعد ذلك مثاهدة القتال العنيف بينهما بهدوء واستخفافد هو امرليس من شأن وجهة النظر الدوجماتيقية، بل يبدو عليه مظهر المزاج الشرير المحب للأذى» .

ونظراً لإيانه الشديد بقدرة العقل، فقد كان متفائلاً بإمكان معرفة كل شيء، وبأنه لا حدود تقف عندها المعرفة العقلية. ومن هنا جاء تفاؤله العقلي الشديد.

لكن كنت لم يكن وضعياً تجريبياً خالصا، ولا ميتافيزيقياً خالصاً، بل كان مزاجاً من كليهما: لقد اراد ان يضع حداًللميتافيزيقا الدوجماتيقية (=التوكيدية) من ناحية، حى تقوم الميتافيزيقا على أساس علمي منالمعرفة الصحيحة البعيدة عن الفروض غير القابلة للتحقق العقليأوا.لتجريي. لكنه، من ناحية اخرى، كان يشعر بنوع من الحنين إلى الإبقاء على بعض المعاني الأساسية في الميتافيزيقا. وسعى لذلك جهده، لكنه لم يستطع الابقاء عليها إلآ عن طريق الأخلاق. ومن هنا يمكن التحدث عن نوعمن الازدواج في عقلية كنت: جانب عقلي صارم ملتزم بالبرهان العقلي (والتجريبي) الدقيق، وجانب اخلاقي يخلي مجالا للامافي الإنانية في ميدان الأخلاق.

والتطور الروحي لكنت قد مر بمرحلتين متمايزتين كل التز:

ا) المرحلة قبل النقدية ب) المرحلة النقدية

(أ) المرحلة قبل النقدية

وأول اثر لكنت في المرحلة قبل النقدية في نظرية المعرفة هو كتابه: «ايضاح جديد للمبادى الأولى للمعرفة اميتافيزيقية» (سنة ١٧٥٥)، وفيه يتجلى انتماؤه الواضح إلى مدرسة ليبنتس وثولف. وهذا الكتاب ينقسم إلى ثلاثة أقسام : الأول في مبدا (عدم) التناقض اومبدأ الهوية، والثاني في مبداً العلة الكافية، والثالث بحث في مبدأين ناتجين عن مبدأ العلة الكافية.

والاتجاه العام للكتاب هو النزعة العقلية، سواء في المنهج، وفي الغاية. والهدف الذي يرمي إليم هوتقريرمذهب

كنت

٢٧١

من الحقائق العقلية الضرورية، فيتصور نظاماًهرمياً راسه فكرة: اله، بوصفه ينبوع كل حقيقة، وفيه يوجد في الواقع كل ما يمكن تصوره. وبالمزج والتحديد والتعيين ينشأ عن تصور اس تصور كل شيء معقول، كما انه عن اس يصدر كل الواقع عن طريق التحديد.

ويفترض كنت ان الأحكام كلها تحليلية، أي ان المحمول فيها متضمن في الموضوع والقول يكون صحيحاً إذن إذا كان ثم هوية بين تصور الموضوع وتصور المحمول.

ويعرف كنت مبداً العلية هكذ : لا بد للموجود الممكن من سبب سابق يحدده.

وفي نظريته عن اله يقول : إننا إذا تصاعدنا في سللة العلل إلى العلة الأولى، فإنه لامجال بعدلأي تصاعد. ويعترض على الحجة الوجودية لإثبات وجود الله لأنها تخلط بين المثالي الذهفي وبين الواقعي. وبدلاً من الحجة الوجودية يأخذ بحجة أخرى ماخوذة من تصور الممكن.

والمؤلفات التي كتبها كنت في عامي ١٧٦٢ و١٧٦٣ تكون ما يميه البعض باسم المرحلة التجريبية النزعة في داخل المرحلة قبل النقدية. وهذه الكتب هي :

١-,يان ما في أشكال القياس الأربعة منتحذلقزائف» (سنة ١٧٦٢)

٢- ,محاولة إدخال تصور المقادير الالبة في الحكمة العاب, (سنة ١٧٦٣)

٣- البرهان الممكن الوحيد لإثبات وجود ال» (١٧٦٣)-

٤- بحث في وضوح مبادىء اللاهوت الطبيعي والأخلاق» (١٧٦٢)

والجديد في هذه الكتب بالنسبة إلى كتاب سنة ١٧٥٥ يتلخص في النقط التالية:

١- الوجود ليس عمولاً أو تحديداً وتعييناً لاي شيء. ولهذا لا يمكن أن يبرهن عليه على أساس تصورات، وإنما يدرك فقط بالإدراك الحسي.

٢- التناقض المطقي يختلف تماهاً عن التنافر الواقعي.

٣- كذلك تختلف العلة المنطقية عن العلة الواقعية

وهذه الأقوال الثلانة، بالإضافة إلى التفرقة بين المنهج التحليلي والمنهج التركيبي، تشير بوضوح قاطع إلى تطور فكر كنت في اتجاه النزعة التجريبية.

لقدسعىكنت في هذه المؤلفات الأربعة إلى الأخذ بالتجريبية، لكنه لم يصل فيها بعد إلى التجريبية، لأنه بقي عقلي النزعة في نظريته في التصورات.

وإنما بلغ مرحلته التجريبية فيما تلا عام ١٧٦٣ . إذ صار منذ ذلك لوقت يرى ان العلة تركيبية، وبالتالي تجريبية. وصار يؤكد أن التصورات البسيطة والامتثالات الأولية ومادة التفكير وما يرتبط بها من علل، وبسائط الإدراك الحسي- كلها يجب أن ندركها بواسطة التجربة.

والكتاب الأساسي في هذه المرحلة التجريبية هو: ٠ أحلام صاحب رؤى مفسرة بأحلام ميتافيزيقية» (سنة ١٧٦٦). وفي هذا الكتاب يتساءل كنت: هل فقط النظام الصوري وعدم التناقض في التصورات هوما يميز الوجود الواعي عن الحلم؟ أو لا يكن ان يكشف الحلم نفسم عن ارتباط باطن وعن ترابط منظم راسخ؟ وهل لا توجد أحلام للعقل؛ مثلما توجد احلام للخيال؟ وينتهي كنت في جوابه عن هذا السؤال إلى بيان أن التجربة هي التي تفيد في معرفة الوقائع، لا البراهين العقلية القبلية، والأحكام التي تريد الظفر بالصدف الموضوعي يجب أن تكون تجريبية، وبالتالي تركيبية، ولا يستثفى من ذلك إلا الأحكام الرياضية، وكان كنت آنذاك يعتقد انها أحكام تحليليق وفي هذا الكتاب ايضاً تبدو عند كنت لأول مرة أهمية ,مملكة الغايات» الأخلاقية، فيقرر أنه من الأقرب إلى الطبيعة الانسانية وطهارة الأخلاق ان نقيم على اساس إدراكات النفس القوية ترقب عالم آخر، اولى من أن نقيمحن سلوك النف على قيام عالم آخر قادم.

ولكن التحول الحاسم في تطور فكر كنت قد حدث، فيما يبدو، في سنة ١٧٦٩؛ ويبدو أن ذلك كان بتأثيرهيوم، على خلاف في بيان ذلك شديد بين الباحثين. ذلك أن هيوم نبه كنت إلى مشكلة الكلية والضرورة في الأحكام، وكان كنت حتى ذلك الحين يؤمن بأن التجربة تكفل كلتيهما ولكن شك هيوم نبهه إلى ما في هذا القول من خطأ أو مبالغة.

كانكنت في سنة ١٧٦٩ مشغولاً بمشكلتين هما:

١- مشكلة النقاتض

٢٧٢

كنت

٢-مشكلةالأ صلفي كلكل يةوكلضرورة في لعرفة.

وتوصل إلى حل المشكلتين عن طريق التمييز بين مادة التفكيروصورته، صورة الذهن Verstand من ناحية (المكان والزمان)، وصورة العقل Vernunft (العلة، الجوهر، الممكن، الضروري الخ) من ناحية أخرى. وكنت ميز نمييزا حاداً بين الذهن Verstand وبين العقل Vernunft؛ اساس أن « الذهنهو ملكة إنتاج امتثالات، أو هو تلقائية معرفة» وهو «ملكة التفكير في موضوع العيان الجسي» بمعونة تصورات (هي المقولات) وأحكام وقواعد. أما العقل Vernunft فهو ملكة الصور (المثل بالمعنى الأفلاطوني) واللامشروط والشمولية. الذهن يتوجه إلى التجربة الجزئية، أما العقل فيتوجه إلى كل التجربة، إلى المطلق. ومن حيث الترتيب التصاعدي فإن العقل أسس من الذهن من حيث هما ملكتان للمعرفة.

وفي سنة ١٧٧٠ ألف كنت ما عرف باسم «رسالة سنة ١٧٧٠» للحصول على درجة الأستاذية، وموضوعها «صورة العالم المحسوس والعالم المعقول ومبادثهما». وهذه الرسالة تمثل في تطور فكر كنت، نقطة وصول ونقطة انطلاق في آن معاً: فهي تختم المرحلة قبل النقدية، وتمهد للمرحلة النقدية وفيها تخطيط لمذهب فلسفي صوري يختلف في بعض النقط المهمة عما سيكون عليه مذهب كنت فيما بعد. «وهي تقرر إمكان معرفة الأشياء نفسها من التصورات، وتضمن للذهن علاقة مباشرة بالأشياء، لا علاقة غير مباشرة عن طريق الظاهرة. وشروط المعرفة الحسية ليست بعد اساس المعرفة الموضوعية كلها، بل هي بالأحرى عقبات في سبيل الوصول إلى ماهو واقعي، كماهو ي ذاته». (ريل:لنقدية الفلسفية» ج١ ص٢٦٥). و«الرسالة» مصوغة بصيغة دوجماتيقية (قطعية) تقريريةخالصة، ويتجلىفيهاهذاالطابع^كثرمما يتجلى في سائر كتبكنت. وهذه «الرسالة» تهدف إلى البرهنة على هذه القضية وتنميتها، وهي أن تصورات الفكر مستقلة عن قوانين العيان، وأن ما لا يخضع لقوانين المعرفة العيانية، وإن كان غير ممكن امثاله فإنه ليس لذلك غير ممكن او متناقضاً .

ويميز كنت بين العالم المحسوس والعالم المعقول، ويقر بوجود كليهما. والعالم المحسوس له شكله ومبادئه، وهو يتضمن وجود عالم معقول، هو عالم «النومينات» noumenes أو الأشياء فيذاتها.

والمبادىء الصورية لعالم الظواهر اثنان: الزمان ، والمكان.

وفكرة الزمان ليست معطاة، بل تفترضها الحواس، لان ما يقع تحت الحواس لا يمكن امتثاله إلآ معاً أو متراباً، أي عن طريق فكرة الزمان . وليس التوالي هو الذي يلد فكر: الزمان، بل هو يهيب به. وهكذا فإن فكرة الزمان، كما لو كانت متحصلة من التجربة، سيئة التحديد جدا: سللة الحاضرات التي يوجد بعضها بعد بعض، لأنفي أجهل معفى كلمة «بعد» إذا لم يكن عندي اولاً فكرة الزمان، إذ الأشياء يكون بعضها بعد بعض إذا كانت توجد في أزمنة مختلفة، كذلك تكون فيحالة معية الأشياء التي توجد في نف ال.

وفكرة الزمان مفردة، وليست عامة، لأن زماناً ما لا يمكن ان يفكر فيه إلآعلى أنهجزء من زمان وحيد، هائل، هو هو. وفكرة الزمان عيان، ولما كانت متصورة قبل كل احساس بوصفها شرط العلاقات التى تتجلى بين المحسوسات، فإغها ليست عياناً من اصل جتي، بل عيان محض.

والزمان كم متصل، ومبداً لقوانين الاتصال في حركات الكن.

والزمان ليس موضوعياً ولا واقعياً، وليس جوهراً، ولا عرضاً، ولا إضافة (نسبة)، بل شرط ذاني 1٧6لا6'للألاة ضروري- وفقاً لطبيعة العقل الانساني- من أجل التنسيق بين المحسوسات اياً كانت وفقاً لقانون معين، وهكذا هوعيان عض.

والزمان إذن هو مبدأ صوري للعالم المحسوس، أوني أولية مطلقة.

و بالمثل يقول كنت عن المكان. وسنرى تفصيل قوله في الزمان والمكان في كتابه «نقد العقل المحض».

(ب) المرحلة النقدية

ذلك هو تطور فكر كنت قبل ان يقوم بنقد العقل؛ وقد رأى فيسنة ١٧٧٠ أنه لا بد من الفحص عن العقل المحض، لبيان طبيعة المعرفة النظرية، والمعرفة العملية من حيث هي عقلية فقط. فأكب على هذا الفحص، ولم يفرغ منه إلآ في سنة ١٧٨١، حينما اصدر كتابه الرئيسي : «نقد العقل امحض« (ريجا، سنة ١٧٨١). ومعنى نقد العقل هو الفحص

ق

٢٧٣

عن قدرة العقل بوجه عام فيما يتعلق بكل المعارف التي يطمح إلى تحصيلها مستقلا عن كل تجربة. والعقل المحض هو العقل وهو يفكر غير مستعين بالتجربة. فكلمة «محض» يقصد بها : المحض من التجربة والملاحظة أي الخالي من كلتيهما، أي العقل الذي يعتمد على ذاته فقط دون الاستعانة بالتجربة والملاحظة. فنقد العقل المحض هو الفحص عن نظام الأسس القبلية ومقتضيات العلم السابقة، التي بفضلها تتم المعرفة العلمية، وذلك ببيان استعمال هذه الأسس القبلية والمقتضيات السابقة في التجربة وتحديد قيمتها في ضمان صحة التجربة. والمنهج الذي يستخدمم العقل في نقده لنفسه هو المنهج المتعالي، الذي بموجبه يتبين ما في العقل المحض من شكوك وقوانين. والمتعالي transzendental هو المتعلق بشروط إمكان التجربة، وبقيمة ما هو قبلي بالنسبة إلى التجربة وموضوعاتها. والمتعالي هو السابق على التجربة، ولكنه داخل نطاق العقل. والفلسفة المتعالية هي علم إمكان المعرفة التركيبية القبلية. إنها لا تبحث في الموضوعات، بل في الأصول التي عنها تنشاً المعرفة قبلياً، وحدودها.

ويتفرع نقد العقل المحض إلى :

١- الحساسية المتعالية

٢- المنطق المتعالي، ويشمل:

(أ)التحليلات المتعالية

(ب) الديالكتيك المتعالي

٣- علم المناهج المتعالي.

أما الحساسية المتعالية فهي علم كل مبادىء الحساسية القبلية (أي السابقة على التجربة).

والتحليلات المتعالية هي العلم الباحث في عناصر المعرفة المحضة للذهن والمبادىء التي بدوها لا يمكن التفكير في أي موضوع. إنه تحليل لجموع معرفتنا قبلياً إلى عناصر معرفة الذهن المحضة.

ولما كان الديالكتيك هو منطق «الظاهر»، فإن الديالكتيك المتعالي هو العلم الباحث في تجاوز العقل لحدود التجربة ابتغاء تحديد الموضوعات بوجه عام بوصفها أشياء في ذاتها، مع أنها ليست معطاة في التجربة. إنه فن سوفطائي يكشف لنا عن العلامات والقواعد التي بها نتعرف سوء استعمال العقل لمعايير الحقيقة. وفائدته أنه يعين على «تطهير» الذ.

وعلم المناهج لمتعاليهوعلم تحديدالشروط لشكلية لنظام كامل للعقل المحض.

ومن المعافي التي يميز ينها كنت: العقل Vernunft ، والذهن Verstand . فالعقل في مقابل الذهن، أو العقل بالمش الأضيق: هوملكة المعرفة العليا، ومهمته ان يذرج، تحت الوحدة العليا للتفكير، ما هياه الذهن. إنه ملكة المبادىء ، وملكة استنباط الخاص من العام. اما الذهن فهو ملكة إنتاج الامتثالات، أوملكة تلقائية المعرفة. وهوملكة التفكيرفي موضوعات العيان الجسي. إنه ملكة معرفة بواسطة تصورات، معرفة ليست عيانية، بل تصورية.

لقد رأى كنت أن الموقف حيال نظرية المعرفة كان موزعاً بين تيارين : تيار النزعة العقلية، الذي يرى ان الحقائق المتعلقة بالطبيعة وبما فوق الطبيعة إغا تدرك بالعقل وحده، مستقلا عن التجربة الحسية؛ والثاني تيار النزعة التجريبية، وهو يرى ان التجربة الحسية هي ينبوع كل الحقائق والتصورات. ومن ناحية اخرى رأى كنت المعرفة الرياضية تتقدم باطراد ويقين. لهذا تساءل: هل يمكن الميتافيزيقا ان تصبح علماً قائما على اسس يقينية وان تتقدم باستمرار كما هو الشان في الفزياء والفلك والرياضيات؟.

ومن هنا كان كتاب «نقد العقل المحض» بحثاً في الميتافيزيقا لأنه بحث في نظرية المعرفة وفيه يحاول أن يبين فساد كلا التيارين: النزعة العقلية والنزعة التجريبية: الأولى لتجاوزها حدودها، والثانية لقصورها. فالأولى تجاوزت حدود العقل وطاقاته فادعت إمكان الوصول إلى إثبات كيانات لا يمكن بطبعها أن تكون موضوعات للتجربة، مثل : اش، الحرية الانسانية، خلود النفس. والثانية قصرت باقتصارها على معطيات التجربة الحسية، ولم تدرك وجود مبادىء متعالية هي الإطارات التي لا بد لمعطيات الحس من الدخول فيها كي تصبح مدركات.

فاكتشف كنت وجود احكام ليست تجريبية، ولا تحليلية، ودعاها باسم الأحكام التركيبية القبلية: هي تركيبية لأن محمولاتها غير متضمنة في موضوعاتها، وهي قبلية لأنها ليستمستمدة من التجربة. فمثلا: ٧+ ٥=١٢ : ها هنا حكم تركيبي، لأن ١٢ غير متضمنة في ٧ وه. كذلك: المثلث مجموع زواياه يساوي قائمتين: ها هنا حكم تركيبي لأن كون زوايا المثلث تساوي قائمتين غير متضمن في مفهوم

٢٧٤

ق

المثلث وهو انه سطح مستو محاط بثلاثة مستقيمات متقاطعة مثىمثى.

ورأى كنت ان مشكلة الميتافيزيقا هي مشكلة اي علم، اعني: كيف يمكن ان تكون مبادئها ضرورية وكلية من ناحية، ومن ناحية اخرى تتضمن علما بالواقع، وتزود الباحث بإمكان المزيد من المعرفة أكثر مما يعلم؟ وتبين لكنت ان الجواب عن هذا السؤال يكمن في الأحكام التركيبية القبلية.

ومشكلة الأحكام التركيبية القبلية تظهر في ثلاثة ميادين: في الرياضيات، والفزياء، والميتافيزيقا. ومن هنا انقسم القسم الأول من «نقد العقل المحض» بحسب هذه الميادين الثلاثة الى:

ا- الحاسة المتعالية: وفيه يبين ان الرياضيات تتناول بالضرورة الزمان والمكان، وهما شكلان أوليان للحاسية الإنسانية يحددان كل ما يدرك بالحواس.

ب- التحليلات المتعالية: وهي الجزء الأساسي في هذا الكتاب وأصعب أقسامه. يقول كنت في هذا القم إن الفزياء قبلية وتركيبية، لأنها في ترتيبها للتجربة تستخدم تصورات من نوع خاص. وهذه التصورات- ويسميها: «مقولات»- لا تستخلص من التجربة، بل تتبين في التجربة، ولهذا فإنها قبلية او محضة وليست تجريبية، ويمكن اكتشافها وتصنيفها بالفحص الدقيق عن الأشكال المنطقية للأحكام التي نطلقها على الموضوعات في العالم. إها ترجع إلى إطارات المعة.

ج- الديالكتيك المتعالي، وفيه يفحص عن الأحكام التركيبية القبلية في الميتافيزيقا. لقد رأى ان الوضع هاهنا هو على عكس ما هو في الرياضيات والفزياء. ذلك أن ال ميتافيزيقا تقطع نفسها عن التجربة الحسية بمحاولتها تجاوزها؛ ولهذا السبب تعجز عن الوصول إلى حكم تركيبي قبلي حقيقي.

وقد لخص كنت نقد المعرفة في هذه العبارة البليغة: «كل معرفة إنسانية تبداً بعيانات (حسية)، وتسيرمن ثم إلى تصورات، وتنتهي بأفكار،. وهذه العناصر الثلاثة المتميزة تناظرملكات النفس وهي : لحساسية، الذهن، العقل. وكل واحدة من هذه الملكات لا تزود بمادة المعرفة، فكلها أشكال خالية، ومجرد وظائف تركيبية. إنما المادة تأقتي من المعطيات اني الغامضة المشتتة المختلطة.

وفي القسم الثافي من كتاب «نقد العقل المحض» وهو لا يمثل إلا سدس الكتاب من حيث عدد الصفحات— يبحث فيما سماه ب—«النظرية المتعالية للمنهج، اوعلم المناهج المتعالي، ويقصد بم تحديد الأحوال (أو الشروط) الشكلية لنظام تام للعقل المحض.

أ) الحساسية المتعالية :

الحساسية هي قدرتنا على قبول الامتثالات بفضل الكيفية التي بها نتأثر بالموضوعات. فبواسطة الحساسية تعطي لنا موضوعات، وهي وحدهاالتي تزودنا بالعيانات. والحساسية المتعالية هي علم كل مبادىء الحساسية القبلية».

وثم شكلان محضان للعيان الحسي، هما مبدآن للمعرفة القبلية، وهما: المكان والزمان. فما المكان، وما الزمان؟ هل هما موجودان حقيقيان واقعيان؟ هل هما مجرد علاقات بين الأشياء، لكنها علاقات من ذلك النوع الذي بم لا تكف عن البقاء بين الأشياء حقى لولم تعاين؟ اوهما بحيث لا يتوقفان إلا على شكل العيان، وتبعا لذلك على التركيب الذاتي لعقلنا، الذي بدونه لا يمكن نسبة هذه الصفات إلى أي شي*؟.

للفحص عن ذلك، لنبحث في المكان:

١- إن المكان ليس تصوراً تجريبياً مستمداً من التجارب الخارجية، ذلك أنه لكي نعزو بعض الإحساسات إلى شيء خارجي عيفي، ولكي نمتثل الأشياء بوصفها في الخارج بعضها عن بعض وإلى جوار بعض -أي ليس فقط بوصفها متمايزة، بل وأيضاً بوصفها موضوعة في أماكن مختلفة، يجب ان نضع امتثال المكان على أنه اساس. وعلى هذا فإن امتثال المكان لا يمكن أن يستمد بالتجربة من العلاقات بين الظواهر الخارجية، بل إن التجربة الخارجية نفسها ليست ممكنة إلا بواسطة هذا الامتثال.

٢- امكان امتثال ضروري قبلي يقوم اساساً لكل العيانات الخارجية، فلا يمكن ابداً تصور عدم وجود مكان.

٣) وعلى هذه الضرورة القبلية يقوم اليقين الضروري لكل المبادى الهندسية، وإمكان تركيبها القبلي.

٤) امكان ليس مدركاً تصورياً منطقياً ، اعني تصوراً كلياً للعلاقة بين الأشياء بوجه عام، بل هو عيان محض و

٥) المكان يمتثل على انه مقدار لا متناه.

كنت

وكنت يسمي ما ذكرناه حتى الآن العرض الميتافيزيقي لفكرة المكان. لكن إلى جانبه يوجد العرض المتعالي لتصور المكان. «وأقصل هكذا يقول كنتد بالعرض المتعالي : تفسير اي تصور منظوراً إليه على أنه مبدأ قادر على تفسير مكان معارف اخرى تركيبية قبلية» . ولهذا نتائج هي :

ا) اولاً ان المكان لا يمثل خاصية للأشياء في ذاتها.

ب) وثانياً أن المكان ليسإلآشكلكل ظواهر الحواس الخارجية، اعفي الشرط الذاقي للحساسية الذي به يمكن وجود عيان خارجي. ولهذا نحن لا نستطيع التحدث عن المكان، والوجود الممتد الخ إلا من وجهة نظر الانسان.

وبالمثل ينقسم عرض فكرة الزمان إلى نوعين: ميتافيزيقي، ومتعال:

في العرض الميتافيزيقي يتبين لنا أن:

١ ) الزمان ليس تصوراً تجريبياً مستمداً من تجربة ما.

٢) والزمان امتثال ضروري يقوم بدور الأساس لكل العيانات. والظواهر لا تذرك بدون تصور زمان، لكن الزمان يتصور بدون ظواهر. ولهذا فإن الزمان معطى قبلي، وفيه وحده يكون مكناً كل واقع للظواهر. ويمكن ان تزول الظواهر كلها، لكن الزمان نفسه (بوصفه شرطاً عاماً لإمكاها)لايمكننيزو.

٣) وعلى هذه الضرورة القبلية يقوم إمكان المبادى الضرورية اليقينية الخاصة بعلاقات الزمان أو بعلاقات بديهيات الزمان بوجه عام. وليس للزمان غير بغد واحد: فالأزمنة المختلفة ليست معاً، بل متوالية، بينما الأمكنة المختلفة ليست متوالية، بل معاً .

٤) الزمان ليس مدركاً تصورياً منطقيا، بل هوشكل محض من العيان الحسي.

٥) ولا هائية الزمان لا تعنيشيثاً أكثر من أن كل مقدار معين من الزمان لا يكون تمكنا إلا بتحديدات في الزمان الوحيد الذي يستخدم اساساً له.

ومن العرض المتعالي للزمان يتبين :

١- ان الزمان ليس شيئاً موجوداً في ذاته.

٢- أن الزمان يس شيئاً آخر غير شكل الحس الباطن، أعفي شكل عياننا لأنفسنا ولحالنا الباطنة

٣- والزمان هو الشرط الشكلي القبلي لكل الظواهر بعامة.

وفي نظرة كنت أن للزمان حقيقة تجريبية، لكن ليس له حقيقة مطلقة : انه ليس إلآ شكل عياننا الباطن والزمان ليس تصوراً تجريبياً ، لأن التجربة نفسها تغترض مقدماً المعية او اللي.

والزمان والمكان معاً هما مصدران للمعرفة منهاغمتح تبلياً معارف ختلفة تركيبية.

ب) التحليلات المتعالية

التحليلات هي تقسيم كل معرفتنا القبلية إلى العناصر التي تتالف منها المعرفة المحضة للذهن . وفي هذا ينبغي الانتباه إلى النقط التالية:

١- أن تكون التصورات تصورات محضة وليست ٢-" أن؛ سنسب لا ال العيان والحامية، ل ال الفكر والذهن؛

٣- أن تكون تصورات اولية متمايزة تماماً عن التصورات المشتقة أو من تلك المؤلفة منها؛

٤- أن تكون لوحتها تامة، وأن تشتمل على كل ميدان الذهن المحض.

والبحث في هذا ينقسم إلى بابين:

١- تحليل التصورات

٢- تحليل المبادىء .

ويقصد من تحليل التصورات تقسيم قدرة الذهن لتعرف إمكان التصورات القبلية، وذلك بعملية عمادها البحث عنها في الذهن وحده وكأنه موطن ميلادها، وتحليل ااستعمال المحض للذهن، بوجه عام.

ولوصرفنا النظر عن مضمون الحكم بوجه عام، ونظرنا فقط في شكل الذهن، فنجد ان وظيفة الفكر في هذا الحكم يمكن ان ترجع إلى اربعة أقام، وكل واحد منها يتألف من ثلاث لحظات، على النحو التالي :

٤ ٣ ٢ ١

الجهة: الافافة: الكيف: الكم:

احتمالى حلي موجب كلي

تقريرتي شرطي متصل سالب جزئي

ضروري شرطي منفصل لا محدود مفرد

كنت

وقد لوحظ ان كنت قد أضاف في بابي الكم والكيف حالة ثالثة لا وجود لها في الواقع، وفسر البعض ذلك بأنه نشا عن أسباب سيمترية، أي للتناظر بين الأبواب الأربعة. ولكن كنت رد على هذا الاعتراض بأن ميز بين الحكم المفرد والحكم الكلي، كما ميز بين لحكم الموجب والحكم اللامحدود وهو الحكم السالب ذو المحمول السالب مثل: النفس ليست مائتة.

ووفقاً لأنواع لأحكام، وضع كنت نوحة مقولات، أي لوحة تصورات محضة للذهن تنطبق قبلياً على موضوعات العيان بوجه عام. وهاك هذه اللوحة :

٤٣٢١

في الكم: في الكيف: في الإضافة: في الجهة:

الوحدة الواقع الجوهر والعرض الإمكان

الكثرة السلب العلة والمعلول الوجود

الشمول التحديد التبادل الضرورة

وتلك هي قائمة كل التصورات المحضة للتركيب، والتى يحتوي عليها الذهن قبليا، وبفضلها وحدها يكون الذهن محضاً، لانم بفضلها وحدها يمكنه فهم شيء ما في مختلف العيان، أي أن يفكر في موضوع ما.

وميزة لوحة المقولات عند كنت أغها منظمة بدقة وفقاً لمبدأ: فالطرف الأول من كل ثلاث يعبر عن شرط، والثاني عن مشروط، والثالث عن التصور الناشى من الجمع بين الشرط والمشروط. فمثلا: الوحدة شرط الكثرة، والكثرة مشروطة بالوحدة، والشمول هو الجامع بين لوحدة والكثرة.

وإذا قارنا بين لوحة الأحكام ولوحة المقولات لوجدنا فوراً الرابطة الوثيقة جداًبينا. واستنباطالمقولات إما أن يكون ميتافيزيقياً ، وإما أن يكون متعالياً :

١- فالاستنباط الميتافيزيقي للمقولات يقرر أن هذه التصورات ليست مستمدة من التجربة، ولا من الذهن المطقي، بل مصدر ها القبلي هو في قوانين ذهن خاص، وظيفته الخاصة هي إصدار احكام وجود.

٢- أما الاستنباط المتعالي للمقولات فيجب عليه أن يبين مشروعية هذه التصورات، كما أن العرض المتعالي في الحساسية قد برر القيمة الموضوعية لشكلي الزمان والمكان القبليين.

ولما كانت العيانات الوحيدة الموفورة للذهن هي من

أصل جسي، فإن معرفتنا تبقى محصورة في عالم التجربة. فإذا زالت العيانات، لم تعد المقولات غير اشكال خاوية لا موضوع لها.

ولكي تنطبق المقولات على الظواهر لا بد من وسيط هو الخيال؛ ذلك أن الخيال حسي، لأن الصور التي يزودنا بها هى دائما في المكان والزمان. لكن الخيال، من ناحية أخرى، تلقائي، ومنتج، اعني انه يمكنه، قبلياً ووفقاً للمقولات، ان يخلق اسكيمات، هي بمثابة رموز بمكن ان تترتب تحتها العيانات الحسية. فمثلا نحن لا نستطيع التفكير في دائرة دون أن نرسمها في ذهننا، أو أن نفكر في الزمان دون أن نرسم متقيعأخيالبأ، أو في الكم دون ان نتصوره عدداً. الخ.

وثم من الاسكيمات بقدر ما هنالك من المقولات:

١- فمقولات الكم اسكيمها هو العدد

٢- ومقولات الكيف اسكيمهاهوالواقعيةفيالزمان،

ال.

وثم فرعان من موضوعات المعرفة هما: الظواهر، والأشياع في- ذاتها. أما الظواهر فهي ,المظاهر من حيث يفكر فيها على أغها موضوعات تتفق مع وحدة المقولات» . وكل مظهر هو مظهر للعيان الحسي، فإذا افترضنا وجود اشياء ليست مظاهر للعيان الجني، بل هي مجرد موضوعات للذهن، أو بعبارة أخرى: مجرد معقولات فإنها تمى «نومينات» أو «معقولات» أو ,أشياع في- ذاتها» . ونحن لا نملك أن نقرر عنها شيئا، فالنومينا شيء مجهول نفترض وجوده ولا يستطيع العقل النظري ان يحيط بحقيقته.

ج علم الكون العقلي

أ) نقائض العقل المحض

يسعى العقل إلى بلوغ الوحدة المطلقة لسلسلة الظواهر. وهذه الوحدة هي الكون. والأفكار (الصور) التي يكونها العقل في هذا المجال هي أفكار كونية.

ولتحديد هذه الأفكار علينا الاستعانة بلوحة المقولات، لان تصورات العقل ما هي إلأ امقولات «وقد امتدت حق المطلق» . هنالك نجد أن كل ظاهرة تتعين وفقا لأربع مقولات :

١ ) فمن حيث الكم، تكون الظاهرة مقداراً ممتداً أو

لى

٢٧٧

مركباً في الزمان والمكان. لكن كل زمان وكل مكان محدودان : الأول بالزمان السابق، والثافي بالمكان المحيط. وتبعا لذلك فإن العقل وهويبحث عن السلسلة الكاملة لشروط مقدار معلوم، يرتفع إلى فكرة الشمول لمطلق لمجموع كل الظواهر المعطاة، اعني إلى فكرة مقدار العالمفي الزمان والمكان.

٢) ومن حيث الكيف، كل ظاهرة هي حالة لمادة معينة تشغل حيزاً من المكان، وهي، بالتالي، قابلة للانقسام. والعقل، وهو يبحث عن السلسلة الكاملة للشروط، يرتفع، من وجهة النظر هذه، إلى فكرة الانتهاء المطلق من قسمة كل ظاهرة معطاة، أعفي إلى فكرة العنصر البسيط.

٣) ومن حيث الإضافة فإن كل ظاهرة معلول. والعقل يرتفع، من وجهة النظر هذه، إلى فكرة السلسلة الكاملة للبغل، وبالتالي، إلى فكرةعلةاولى.

٤) ومن حيث الجهة، فإن كل ظاهرة تتجلى في رابطة اعتماد متبادل مع سائر الظواهر. والعقل يتصور فكرة

السلسلة الكاملة للموجودات المستقلة، أعني فكرة الموجود الواجب الوجود.

ذلك هو نظام الأفكار الكونية. وطالما نظر العقل إليها على أنها مجرد أفكار مجردة لثمول الشروط، فإن «النقد» لا اعتراض له على ذلك. لكن يأقي الوهم الديالكتيكى من اعتبار هذه الأفكار موضوعات قابلة للمعرفة، ومن التحدث عن مقدار العالم او قابليته للقسمة، وعن العلية الحرة أو الموجود الواجب الوجود كما لو كانت ظواهر مذركة بالعيان. والحق أن العقل - إذ ادعى تجاوز حدود التجربة والذهاب وراء سلسلة شروط هذه التجربة- فإنه يتورط في تناقضات لا مخرج له منها؛ ويلد نقائض Antinomien لا يملك حلها، فيقع بالضرورة في الشك، إذا لم يبادر «النقد» فيوضح معفى حدي النقيضة وقيمتهما.

وقد ساق كنت اربعاً من هذه النقائض، هاك خلاصتها:

البغة

الموضوع

للعالم بداية في الزمان وحد في المكان.

لأنه لو لم يكن للعالم بداية في الزمان فلا بد من الإقرار بأن اللحظة الحاضرة قد سبقتها سلسلة لا متناهية من الظواهر قدتمت الآن. لكن من التناقض أن تنتهي سلسلة لا متناهية في لحظة معلومة.-

وكذلك، إذا كان المكان لا متناهياً، فإنم لما كان المكان ليس إلآ التركيب المتتالي لأجزائه، فلا بد من زمان لا متناه لانجاز هذا التركيب، وحينئذ نقع من جديد في نفس الصعوبة التي لقيناها بالنسبة إلى الزمان اللامتناهي.

التقنب

الموضوع

كل جوهر مركب هو مركب من أجزاء بيطة ولا بوجد شيء ليس بسيطاً أو مركباً من أجزاء بيطة

الأولى

نقيض الموضوع

ليس للعالم بداية في الزمان ولاحد في المكان؛ إنه لا متناه في الزمان وفي المكان على السواء .

لأننا لو سلمنا بأنم كان للعالم بداية، فلا بد من التسلبم بزمان خاو قبل ظهوره؛ لكن في الزمان الخاوي لا يمكن أن يولد شيء، لانه لا جزء من هذا الزمان يجتوي- اولى من غيرم على سبب يعين وجوده. وفي العالم أشياء تبدأ، لكن العالم نفسه لا يمكن ان تكون له بداية.

وبالمثل، فإن عال ماً متناهياً في المكان سيكون محدوداً بمكان خاو، أعني بعدم محض، لأن المكان خارج الظواهر ليس بشيء. إن في المكان حدوداً، لكن المكان نفه لا محدود,

الثانية

نقيض الموضوع

لا مركب هو مؤلف من أجزاء بيطة، ولا يوجد شيء بسيطفيالعالم.

٢٧٨

كنت

ذلك أن التركيب معناه علاقة عرضية وعرض يطرأ على الجواهر التي يمكنها أن تبقى إذا فصلناها. ولهذا يمكننا إذن أن نقضي- في الذهن- على كل تركيب. فلنفترض الآن أن الجواهر المركبة ليست مؤلفة من أجزاء بسيطة، وذلك بأن نقضي- في الذهن- على كل تركيب؛ فهنالك لن يبقى شيء فالجوهر المركب يزول إذن إذ لم نسلم بأن للتركيب الموجود فيه حداً، وأنه مؤلف من أجزاء بسيطة. ولما كان كل ما ليس بسيطاً فهومركب، فيجب التسليم بأن كل شيء في الطبيعة إما بسيط وإما مركب من بسائط.

كل جوهر يوجد بالضرورة في المكان، وكذلك كل جزء من أجزائه؛ وهذه الأجزاء قابلة للقسمة بالضرورة مثل المكان الذي هي تشغله؛ فهي إذن ليست بسيطة. أما أن نميز مع ليبنتس- بين النقطة الفزيائية والنقطة الرياضية التي ليست إلا حد المكاند فهذا تحايل يبين النقد عدم جدواه. لأن النقطة الفزيائية إذا كانت واقعية حقيقية، فيجب ان تخضع- شأنا شان كل حقيقة قابلة للإدراك للشرط المشترك بين كل الظواهر وهو ان تذرك في عيان المكان.

النقيضة الثالثة

الموضوع

العلية المطابقة لقوانين الطبيعة ليست الوحيدة التي يمكن أن تشتق منها كل ظواهر العالم . ولا بد من التليم بعلية حرة من أجل تفيرها.

لنفرض ان كل ما في العالم يحدث وفقاً لقوانين ضرورية، فإنه ينتج عن هذا أن الظاهرة لا يمكن أن تعد معينة تعينا تاماً، لأن شرطها السابق يفترض شرطاً أسبق، وهكذا إلى غير غهاية . فلا نصل إذن إلى تعين تام يقتضيه القانون الطبيعي. ولا بد إذن، من اجل انطباق هذا القانون، ان تكون سلسلة العلل تامة، منتهية، وأن يبداً بعلة ليست في حاجة إلى أي تعيين سابق، اي علة حرة.

نقيض الموضوع

لا حرية، وكل ما يدث في العالم يجدث فقط وفقاً لقوانين طبيعية.

لنفرض أن ثم علية حرة قادرة على أن تبداً بنفسها سلسلة من لافعال المشتقة؛ إنا بهذا نذجل عدم الإحكام في الطبيعة، ونحطم وحدة التجربة التي تقتضي اًن تترابط كل الظواهر فيما بينها، دون أية ثغرة، بعلاقة المقدمات والتوالي. فيجب إذن الاقتصار على الضرورة الطبيعية واستبعاد الحرية، التي تدخل الاضطراب في العالم وفي المعرفة.

النقيضة الرابعة

الموضوع

يوجد في العالم موجود واجب الوجود، هو إما جزء منه أولةله.

لولم يكن في العالم شيء ضروري ابداً، لا أمكن تفسير التغير نفسه، لأن كل تغير هو الناتج الضروري لبعض الشروط ويفترض إذن سلسلة كاملة من الثروط حتى اللامشروط المطلق الذي هو وحده الضروري (الواجب). وهذا الموجود الضروري (الواجب الوجود) يجب إذن أن يكون في العالم، وإلا لم يتطع ان يعين اممكن الذي لا معفى له إلأ بالنسبة إليه.

نقيض الموضوع

لا يوجد موجود واجب الوجود لا في العالم، ولا خارج العالم، يكون علة لهذا العالم.

لو كان في العالم موجود واجب الوجود هو جزء منه، فإنه سيكسر سلسلة الظواهر المحكمة التعين؛ ولو كانت السلسلة كلها هى الموجود الواجب الوجود، فلا يمكن أن نتصور أن مجموعاً من الأجزاء الممكنة هو واجب (ضروري)؛ ولو كان الواجب الوجود خارج العالم، فإنه مى بدا هذا الموجود في الفعل، فإنه يقبل في ذاته بداية، فهو إذن في الزمان، في العالم، وهذا يضاد الفرض.

ق

٢٧٩

ملاحظات على هذه النقائض:

١- الموضوعات تبحث عن حد أولي لا مشروط: تتوقف عليه سلسلة تامة من الشروط؛ أما نقائض الموضوعات فتعتبر ان سلسلة الشروط هى الق تكون شمولاً لا مشروطاً؛ وفي الحالة الأولى يكون العالم متناهياً، وفي الثانية لا متناهياً.

٢- «في النقيضتين الأولى والثانية وتسميان رياضيتين الموضوعات ونقائضها باطلة كلتاهما؛ لكن القضيتين المتناقضتين لا يكن ان تكونا باطلتين معاً، إلا إذا كان التصور الذي تقومان عليه هو نفسه متناقضاً . وغلطهما المشترك هو في اعتبار العالم والمادة اشياء في ذاتها، بينما هما ليسا موضوعين للمعرفة إلآ بقدر ما نؤلفهما تبعاً لعياننا. فهما من عمل الفكر الذي يجسب نفسه هو المعرفة، ومن عمل العقل الذي يتكلم فيما لاحت للكلام فيه إلآ للذهن. والوهم الديالكتيكى ها هنا يقوم في اعتبار مقتضيات العقل تحديدات موضوعية لحقيقة الواقعية في ذاب.

وفي النقيضتين الثالثة والرابعة، الموضوعات ونقائضها صحيحة كلتاهما. فالموضوعات صحيحة من وجهة نظر العقل، في ميدان المعقول، ونقائض الموضوعات صحيحة من وجهة نظر الذهن، في ميدان التجربة.

ذلك أنه في عالم الظواهر كل علة تقتضي علة إلىغير نهاية. لكننا إذا نظرنا إليها على انها أشياء في ذاتها، فليس ثم تناقض في الإقرار بعلة حرة وموجود واجب الوجود. وهذ التمييز بالغ الأهمية بالنسبة إلى تصور كنت للحرية»( ) .

فمثلا في النقيضة الثالثة نجد تصورين للعالم احدهما يقرر أن كل شيء معين بدقة، والآخر يقول بوجود علل حرة. والتصور الأول هو تصور الذهن : ففي الطبيعة كل علة هي معلول. والتصور الثاني هو تصور العقل، إذ العقل يقتضي أن الإنسان- على الأقل- حر، لأنه يعامل على أنه مسؤول عن افعاله. فنحن هنا بإزاء مستويين: مستوى الظواهر (ميدان الطبيعة) حيث يترابط كل شيء وفقا لجبرية محكمة، ومستوى الأشياء في ذاتها (ميدان الحرية) الذي يمكن ان نتصور فيه علية حرة.

فحل هذه النقيضة يقوم في القول بأن الموضوع صحيح بالنسبة إلى العقل، وبأن نقيض الموضوع صحيح بالنبة الى الذهن. فأفعالنا، من حيث تتجلى في عالم الظواهر، تتعين وفقاً لقوانين هذا العالم؛ لكنها حرة بالقدر الذي به تصدر عن أنا هوخارج نطاق عالم الظواهر. وبهذا الحل نوفق بين الجبرية الفزيائية وبين الحرية الإنسانية. وهو يقوم إذن على التمييز الجوهري بين الظواهروبين الأشياء في ذاتها.

وبهذا يميز كنت في الإنسان بين طابع تجريبي وطابع معقول. فبطابعنا التجريبي نحن شب إلى الطبيعة، وأفعالنا خاضعة لقانون الجبرية الكلية، وبطابعنا المعقول، نحن نفلت من عالم الظواهر ونكون احراراً ٠ وينبغي علينا ان نحكم عل أفعالنا لا بالنسبة إلى الضرورة، بل بالنبة إلى الحرية. وهكذا نجد أن الحرية الإنسانية لا تتعارض مع الجبرية الطبيعية، إذا أقررنا بالمثالية المتعالية، أي بالتمييزين الظواهر وبين الأشياء في ذاتها. «ولوكانت الظواهرأشياء في ذاتها، لضاعت الحرية إلى غير رجعة» («نقد العقل المحض»، ترجمة فرنسية ص ٣٩٦).

لكن سيكون هناك تناقض بين الطبيعة والحرية إذا استسلمنا للظاهر الديالكتيكى لعلم الكون العقلي واعتبرنا أفكار العقل تعينات واقعية للأشياء في ذاتها.

٣- البراهين على الموضوعات ونقائضها كلها غير مباشرة، أي انها لا تفرض نفسها إلأ بفضل استحالة نقائضها. فإننا إذا سلمنا بأن الموضوع ونقيضه يؤلفان انغمالأ محكما، أي قضية شرطية مانعة جمع وخلو معاً، فإن استحالة أحد الحدين يفرض ضرورة الحد الآخر. ولما كان هذا المسلك يفلح فيكلا الجانبين على التبادل، فإن من يتكلم اخيراً هو الذييكون على حق- كما لاحظ كارل يبرز(').

٤-والنقائض تظهر حينما يتجاوز فكرنا ألمعطى الجسي ويتناول ما ليس معطى، وما ليس موضوعاً إلاً بطريق غير مباشر على أنه شرط للمعطى؛ أو حينما نجيء بعد ذلك ونضع سلسلة هذه الشروط غير المعطاة على أنها تؤلف كلا تاماً ، كما لو كانت سلسلة الشروط قد وجدت نهايتها في اللامشروط، وكذلك حينما نجعل من هذا الكل (شمول

(١) . ,؟ا93٢ 97 - 96 .00 30؛ حل ح10205٤ ة1ء1 03 6 لالغل :ا^يهم .ت

.1971 .445رم9

(١) .1967 .9315 .76.م,.111,1٢ .25^1110500 25-1 :5ع350[ 3٢1؛|

السلسلة، اللامشروط) موضوعا للذهن مزودا بحقيقة موضوعية. «فهذا التجاوز- كما يقول كنتد من جانب الذهن نحو العقل هو الأصل في وجود هذه النقاتض وكنت يميز الذهن، الذي يمكن من المعرفة التجريبية بإعطاء تصورات معينة مضموناً مستمداً من العيان الحسي- يميزه من العقل لذي يتجاوز كل مضمون عيافي، ويمضي إلى نتائج تتعلق بشمول السلاسل، وبكل الكون إن الذهن لايقدم ابداًإلا مضمونات تجريبية جزئية، اما العقل فيريغ إلى الثمول والاستقصاء، والذهن هو القدرة التي للمقولات للانطباق على موضوعات معينة، والعقل هو القدرة التي للأفكار على وضع شمول لا موضوعي، غيرمعين والعقل يضع- وله الحق- فكرة السلسلة التامة تماماً لشروط ما يكون فيالواقع تجربتنا العيانية.لكن ما يفدم لنا على هذا النحوليس إلا فكرة (صورة)، لا موضوعا. وهويخطى حينما يجعل من العالم موضوعا. إن العالم ليس موضوعا، وكل الموضوعات توجد فيه. أما العالم فصورة (فكرة) حقيقية»(١).

وبعبارة أبسط: لا يمكن إدراك تمام السلسلة في التجربة، لا في الواقع ولا في الخيال. ولا يمكن إدراك تمام لسلسلة إلآ بواسطة العقل، ولكن ذلك لا يعني أن ثم موضوعاً يقابل تمام السلسلة ٠ ومن هنا يثبت إخفاق العقل في ،ثبات الوج د الموضهعي لتمام السلسلة.

٥- الموضوعات لها فائدة عملية، وقد قال بها في الغالب ا ليتا فيزيقيون الدوجماتيقيون، إذ هي تتصل بآرائهم في النفس، والحرية، وإثبات الله. أما نقائض الموضوعات فلها فائدة نظرية خصوصاً، وميزتها أنها تبقي العقل في ميدان التجربة، ومن هنا قال .با التجريبيون، لكن ليست لها فائدة عملية .

يقول كنت عن مزايا الموضوعات thèses بالنبة إلى أصحاب النزعة الدوجماتيقية :

«في المقام الاول هناك فائدة عملية، يسعى إليها طواعية كل إنسان عاقل يفهم مصلحته الحقيقية ٠ فإن للعالم بداية، وأن ذاتي المفك ة ذات طببعة بسيطة وبالتالي غير فاسدة (خالدة)، وأغها في الوقت نفسه حرة في أفعافها الإرادية وفوق

( ١) الكتامه، ص ٧٨

قسر الطبيعة، وأن النظام الكلي للأشياء التي تؤلف العالم مستمد من موجود أول يستمد منه كل شيء وحدته وإرتباطه من أجل غايات، -تلك أركان أساسية للأخلاق والدين أما نقائض الموضوعات فتنتزع أو في القليل يلوح أنها تنتزع منا كل هذه الأسانيد

وفي المقام الثاني، ثم أيضاً فائدة نظرية للعقل ذلك أننا بالاقرار بالأفكار المتعالية وباستخدامها على هذا النحو، فإننا نستطيع أن نحيط، إحاطة تامة وقبلية، بالسلسلة التامة للشروط، وأن ندرك إشتقاق المشروط، لأننا نبدأ من اللامشروط؛ وهذا أمر لا تسمح به نقائض الموضوعات، ومن مساوئها أنها لا تستطيع الاجابة عن السؤال الخاص بشروط تركيباتها، الإجابة التي تعفينا من الإستمرار في التساؤلإلى غير هاية. فإنه بحسب النقيضة antithèse يجب أن نصعد من بداية معلومة إلى أخرى أعلى منها، وكل جزء يقود إلى جزء أصغر منه، وكل حادث له علة هي حادث آخر فوفه، وشروط إلوجود بوجه عام تستند دائما ومن جديد على شروط أخرى، دون أن تجد أبدا في شىء موجود بذاته، بوصفه الموجود الأول، سنداً لا مشروطاً.

وفي امقام الثالث، ثم ميزة هي الثعبية وهي ليست اقل مزاياه. ذلك أن لإدراك العام لا نحد أي صعوبة في فكرة بداية غيرمشروطة لكل تركيب، لأنه أكثر اعتيادا على النزول إلى النتائج منه على الصعود إلى المبادىء ، وتصورات الموجود لأول (وهو لا يهتم بإمكان وجوده) تبدو له ميسورة وتزوده في نفس الوقت بنقطة ثابتة يربط فيها الخيط الذي يقود خطواته، بينما على العكس لو أنه تصاعد دائما من المشروط إلى الشرط فستكون إحدى فدميه في الهواء ، ولن بستطيع ابداً ان بشعر بالارتياح.

وبالنبة إلى أصحاب النزعة التجريبية في تحديد لأفكار الكوسمولوجية، أو من جانب نقيضة الموضوع فإنه .

أولأ لن يجد أية فائدة عملية ناتجة عن مبادى، محضة للعقل، مثل تلك التي تنطري عليها الأخلاق والدين. والتجريبية يبدو- على العكس- أنها تسلب الأخلاق والدين كل قوة وكل تأثير ذلك أنه إذا لم يوجد موجود أول متميز من العال، وإذا لم تكن للعالم بداية، وبالتالي إذا لميكنله خالق، وإذا كانت ارادتنا غير حرة وإذا كانت النفس قابلة للانقسام وفاسدة مثل المادة، فإن الأفكارالأخلاقية ومبادثهاتفقدكل

ىت

قيمة وتنهار مع الأفكار المتعالية الي تؤلف ]سنادها النظرية.

وفي مقابل ذلك فإن التجريبية تقدم للإهتمام النظري للعقل مزايا شديدة الإغراء، تتجاوز كثيرا تلك المزايا التي يمكن أن يعد بها العالم الدوجماتيقي من الأفكار العقلية. وعنده أن الذهن يجول داخا في ميدانه الخاص، اعني في ميدان التجارب الممكنة، ويمكنه أن يبحث عن قوانينها ويوسع بفضلها معارفه الوثيقة البينة إلى غثرنباية.

د- اللاهوت النظري

وفي باب اللاهوت النظري ينقد كنت البراهين الثلاثة الممكنة لإثبات وجود اله بطريقة عقلية وهي :

البرهان الفزيائي اللاهوقي، والبرهان الكوسمولوجي (الكوني)، والبرهان الوجودي. ريتوسع في هذا النقد، وينتهي إلى أن من المستحيل على العقل النظري البرهنة على وجود الله بطريقة عقلية نظرية، لأن العقل الانسافي لا يستطيع أن ينتقل من تصور موجود واجب الوجود إلى الوجود الفعلي له، كما أنه لا يستطيع الانتقال من الوجود الفعلي إلى الموجود الواجب الوجود. وعلة ذلك أننا : إما أن نتصور الله على انه امتداد للظواهر وفي هذه الحالة يكون مشروطاً ومادياً، ولن يكون الش حقاً؛ وإما ان نتصوره خارج الظواهر، وفي هذه الحالة لا نستطيع ان نحكم هل هو موجود، ويظل بالنسبةإلينامج دمثلأ ى.

لكنه إذا كان من المستحيل على العقل النظري البرهنة على وجود اله بطريقة عقلية نظرية، فإن هذا لا يثبت إمكان البرهان على عدم وجوده: فالاستحالة قائمة بالنبة إلى كلتا القضيتين المتناقضتين: إثبات وجود اش عن طريق العقل النظري، وإثبات عدم وجود اله بالعقل النظري.

وهكذا ينتهي ٠النقد» الكنتي إلى رفض موقف المنكرين لوجود الله، وكذلك رفض موقف الدوجماتيقيين المثبتين لوجود الله بطريق العقل النظري المحض.

ومع ذلك فإن هذا النقد ليس سلبياً كله، ذلك ان له فائدة سلبية مهمة: إنه مراقبة مستمرة لعقلنا، حين يعى بافكار محضة، هي من اجل هذا لا تسمح باي مقياس آخر غير القاعدة المثالية. فإذا استطعنا من وجهة نظر ما، ربما من وجهة النظر العملية، أن نقرر قيمة للفرض القائل بوجود

موجود 'عل كاف لكل شيء، وهوعقل اعلى - نقررها دون تناقض، فسيكون امراً بالغ الأهمية جداً ان نحدد هذا التصور بدقة، من جانبه المتعالي، على أنه تصور لموجود واجب الوجود حقيقي كل الحق، وان نستبعد منه ما هو مضاد للحقيقة العليا وما ينتب إلى الظاهرة فقط (إلى التشبيه بالإنسان بالمعى الأوسع لهذا التعبير)، وفي نفس الوقت نتخلص من كل التقريرات المضادة، سواء كانت ملحدة أو مؤلهة او مشبهة بالانسان: وهذا أمر من السهل القيام به في بحث نقدي من هذا النوع». («نقد العقل المحض» ط١ ص ٦٤٠- ٦٤١، ط٢ ص٦٦٨-٦٦٩).

وتلك ستكون النتيجة التي سينتهي إليها «نقد العقل العملي» : إذ سيقرر أن قانون الواجب وهو ضروري مطلقا في ميدان العمل، يقتضي بالضرورة القول .هذا الفرض المؤكد لموجود اعلى. وأمام ما يقتضيه العقل العملي يجب على العقل النظري أن يمتثل ئفغع.

الأخلاق

وهذا يقودنا إلى الحديث عن الأخلاق عند كنت.

ولكنت في الأخلاق ثلاثةكتبهي:

١- ٠تأسيس ميتافيزيفا الأخلاق»، . منة ١٧٨٥

٢- «نقد العقل العملي»، سنة ١٧٨٨

٣- «ميتافيزيقا الأخلاق»، سنة ١٧٩٧

ولنبدأ بشرح معفى ميتافيزيقا الأخلاق. إنه يقصد من الميتافيزيقا ها هنا: المعرفة القبلية بموضوع ما، عن طريق التصورات المحضة. تتميز ميتافيزيقا الأخلاق من ميتافيزيقا الطبيعة بكون الأولى تتناول قوانين ما يجب أن يكون، بينما الثانية تتناول قوانين ماهوكائن. وميتافيزيقا الأخلاق لن تستمد إذن قوانين الأخلاق من الطبيعة الإنسانية؛ ولا من عادات الناس وآيينهم، بل من العقل ذاته مباشرة، ولهذا فإنها لن تستعين بعلم النفس ولا بعلم الانسان. ذلك ان معطيات علم النفس هي من الغموض والتشعب والتشتت بحيث لا يمكن أن نستخلص منها قواعد كلية مطلقة وفيها خلط بين المبادى وبين الأحوال الجزئية، بحيث تتوقف النتائج المستخلصة على الأحوال الفردية والميول والعواطف الخاصة. وآفة المذاهب التي تريغ إلى تفسير الأخلاق بتراكيب النفس الانسانية او الطبيعة الانسانية، او بالظروف التي يعيش فيها

ى

الانسان هي اغها لا تملك ان تقدم غيرقواعد متفاوتة العموم، ذاتية، بدلاً من ان تقدم قوانين كلية موضوعية للإرادة.

وليس معفى هذا ان كنت لم يحب حساب التجربة والواقع، بل بالعكس تماماً: إنه لما شاهد حال الواقع والتجربة، انتهى إلى أن من المستحيل تأسيس الأخلاق على الواقع: إذ الواقع مشتت، والأخلاق تريد قوانين ومبادىء موحدة؛ والواقع متغير، والأخلاق تريغ إلى ثابت؛ والواقع نسبي، والأخلاق تهدف إلى ما هو مطلق.

ومن هنا يضع كنت فكرة الانسان بوجه عام، عل فكرة ملاحظة الأفراد من الناس، ويضع تصور الانسان العاقل محل ملاحظة الطبيعة الانسانية.

ويبداً كنت القسم الأول من كتاب «تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق» يهذه العبارة الرائعة: «من كل ما يمكن تصوره في العالم، بل وخارج العالم بعامة، ليس ثم ما يمكن ان يعذ خيراً بدون حدود اًو قيود، اللهم إلاً الإرادة الخيرة».

ويقصد من هذه العبارة أن الإرادة الخيرة هي وحدها القي يمكن ان تعد خيراً في ذاته، او خيراً مطلقاً او خيراً غير مشروط. وبعبارة اوضح نقول إن الإرادة الخيرة يجب أن تكون خيرة في كل الظروف، ومهما كات الأحوال، فلا تكون خيرة في ظرف، غير خيرة في ظرف آخر، او خيرة كوسيلة لغاية، وشريرة كو سيلة لغاية أخرى.

لكن حذار أن نخلط بين الارادة الخيرة، وبين مجرد الرغبة في الخير دون اتخاذ الوسائل المتاحة لتحقيقه.

ولتوضيح طبيعة هذه الإرادة الخيرة يستعين كنت بفكرة الواجب. ذلك لأن الإرادة التي تعمل وفقا للواجب هي إرادة خيرة. لكنه لا يقصد من ذلك ان الإرادة الخيرة هي بالضرورة تلك الي تعمل وفقاً للواجب، بل بالعكس، لأن الإرادة الخيرة الكاملة لا تعمل ابتغاء أداء الواجب، لأن في فكرة الواجب فكرة ما ينبغي التغلب عليه من الميول والرغبات. إن الإرادة الخيرة الكاملة تعمل من تلقاء نفسها ولنفسها، وتتجلى في الأفعال الخيرة، دون أن تكون في حاجة إلى فدع اميول اطبيعية.

لكن ما هو الواجب؟ وكيف نتعرفه في الأفعال؟ وأي الأفعال خليق بأن ينعت يهذا الوصف؟

الواجب هوما يقرر وفقاً لقاعدة، والقاعدة هي المبدا

الذاتي. ال ما في الطبيعة يعمل وفقا لقوانين. والكائن العاقل (= الانسان) هو وحده الذي لديه القدرة على الفعل وفقاً لفكرة عن القوانين، اي وفقاً لمبادئ، («تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق»، مجموع مؤلفات كنتج٤ ص٤١٢). والواجب هو ضرورة انجاز الفعل احتراماً للقانون. لكن ما هو هذا القانون الذي يجب علينا احترامه؟ إن الصفة المميزة الجوهرية لأي قانون هي انه كلي، أي صادق بالنسبة الى جميع الأحوال بدون استثناء . والقانون الأخلاقى، هو القانون الذي يقول إن الفاعل الأخلاقي يتصرف أخلاقياً إذا سيطر لعقلعل كل ميوله.

والتجربة لا تفيد في وضع مبادىء الأخلاق، لأنه من المستحيل ان نعثر في الواقع العملي التجريي على فعل اخلاقي صادق. يقول كنت: «من المستحيل تماماً ان نقرر، بالتجربة وبيقين كامل، حالة واحدة قام فيها الفعل، المطابق مع ذلك للواجب، على مبادىء أخلاقية فقط وعل امتثال الواجب» (مجموع مؤلفات كنت طبعة هارتشيتن ج٤ من ٢٥٤-٢٥٥). ومن هنا فإن ميتافيزيقا الأخلاق تضع قوانين الكائنات العاقلة بعامة، لا قوانين الطبيعة الانسانية.

وينبغى أن يكون القانون الأخلاقى صادقاً ليس فقط بالنسبة إلى الناس، بل وايضاً بالنسبة إلى الكاثنات العاقلة بعامة. «ومثل هذه الميتافيزيقا الأخلاقية، المعزولة تماماً، غير الممزوجة بعلم الانسان، ولا باللاهوت، ولا بالفزياء، ولا بما فوق الفزياء، ولا بالصفات المستسرة (التي يمكن أن تسمى تحت فزيائية) ليست فقط اساساً لاغفىعنه لكل معرفة نظرية بالواجبات معرفة يقين، بل هي ايضاً أمر مرغوب فيه ذو أهمية قصوى فيما يتعلق بالإنجاز الفعلي لأوامرها. لأن امتثال الواجب والقانون الأخلاقى بعامة، حين يكون هذا الامتثال عضاً غير ممزوج بأية إضافة غريبة لدوافع جسية، لم تأثير عل القلب الانساني عن طريق العقل وحده (الذي يتبين له آنذاك انه يمكن ان يكرن عملياً بنفسه) أقوى جداً من تأثير الدوافع الأخرى كلها القي يمكن ان تثار في مجال التجربة».

,إن كل التصورات الاخلاقية، علها واصولها قبلية تماماً في العقل، العقل الإنساف ي المشترك وفي العقل الإنساني النظري إلى أقصى درجة».

والواجب آمر مطلق، بمعفى أنه لا يرتبط بأية وسيلة، ولا بأية غاية، وإغما يربط بين الارادة وبين القانون الكلي

كنت

مباشرة، لا بأفعال جزئية تؤديها الارادة، وإنما بالقاعدة Maxime الصالحة لأن تكون مبدا للعقل.

والصفة الجوهرية المحددة للآمر المطلق هي انه كلي.

ويحدد كنت ثلاث قواعد للأخلاق في صورة أوامر مطلقة هي :

القاعدة الأولى : «افعل كما لوكانت قاعدة فعلك يجب ان تقيمها إرادتك قانوناً كلياً للطبيعة» («تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق» في مجموع مؤلفاته ج٤ ص٢٦٩),

ويبرهن كنت على صحة هذه القاعدة بأن يسوق اربعة امثلة مرتبة وفقاً لقسمة الواجبات إلى: (١) واجبات نحو الذات؛ (٢) واجبات نحو لغير؛ (٣) واجبات كاملة؛ (٤) واجبات ناقصة.

المثال الأول: انسان تحالفت عليه المحن والآلام فكره الحياة. فهل يحق له أن ينتحر؟ إن القاعدة التى سيثبتها ستكون هذه: حباً لذاي، فإفي انتحر، لانني لو استمررت في الحياة للقيت من المصائب أكثر من النعم. فهل يمكن حب الذات، مفهوما على هذا النحو، ان يصيرقانوناً كلياً للطبيعة؟ كلا ٠لأن الطبيعة القي سيكون قانونها هوتدميرالحياة نفسها، بواسطة نفس الشعور الذي وظيفته الخاصة هي الحث على تنمية الحياة، مثل هذه الطبيعة ستكون متناقضة مع نفسها، ولن تبقى إذن بوصفها طبيعة. وإذن فهذه القاعدة لا يمكن مطلقاً ان تشكل مكانة قانون كلي للطبيعة، وهي بالتالي مضادة للمبداً الأعلى للواجب» . وبعبارة ابسط: من المستحيل أن نتصوران الطبيعة، التي قانونها هو المحافظة على الحياة وتنميتها، تقرر القضاء على الحياة بسبب ظروف عارضة وانفعالات ذاتية. إذا كان حب الذات يقتضي البقاء في قيد الحياة، فكيف يقتضي بعد ذلك، لظروف عارضة، القضاء علىالحياة؟!.

المثال الثافي: انسان في ضائقة مالية تدعوه إلى الاقتراض. ولكنه يعلم جيدا أنه لن يستطيع رد المبلغ الذي هوفي حاجة إليه، لوأن إنساناًآخر أقرضه إياه: لكنه يعلم ايضاً انه إن لم يتعهد برد المبلغ فإن احداً لن يقرضه. فإن قرر التصرف وفقاً للقاعدة التالية: حين أفتقرإلى المال، اقترض، وأتعهد برده مع علمي بأنفي لن أردم فهل يمكن ان تصيرهذه القاعدة، التي أملاها حب الذات أو المنفعة الشخصية،

قانوناً كلياً للطبيعة؟ كلا، فالتناقض فيها واضح. «لأن كلية القانون، التي وفقاً لها كل إنسان شاعر بالحاجة إلى المال يمكنه ان يتعهد بأي شيء مع العزم المصمم على عدم رده، ستجعل الوعود (التعهدات) نفسها مستحيلة، هى والغرض الذي يريد المرء تحقيقه ١٣ لأنه لن يعتقد إنسان فيما يوعد به، وسيسخر كل الناس من مثلهذه الاقرارات بوصفها إيهامات لا جدوى وراءها» («تأسيس.. . »ج٤ص ٢٧٠).

المثال الثالث: شخص أ وتي قريحة لو انا هذبت وثقفت لاصبح رجلا مفيداً من عدة نواح. لكنه في حال ميسورة، ويفضل ان يستسلم للذات بدلاً من ان يجهد نفسه في تنمية مواهبه وامتداداته الطبيعية، وهي قاعدة تتمثى مع ميله إلى الاستمتاع، تتفق مع ما يسمى باسم الواجب. وسيتبين له ان طبيعة تسلك وفقاًلهذا القانون الكل يمكنها داحا ان تعيش وتبقى، بينما يدع المرء قربجته تصدا، ولا يفكر إلآ في توجيه حياته نحو البطالة، واللذة، وتكثير النوع، وبالجملة: نحو الاستمتاع، لكنه لا يمكن مطلقاً ان يريد ان يكون هذاقانوناً كلياً للطبيعة، أو ان ينغرس فينا هذا بغريزة طبيعية. ذلك لأنه، بوصفه كائناً عاقلاً، يريد لا محالة ان تنمى كل المكانات اموجودة فيه لأنها مفيدة له ولأنه منحها لأنواع عديدة من الغايات.

المثال الرابع: انسان تسير اموره على ما يرام، لكنه يشاهد بعض الآخرين في ازمة، ويمكنم ان يعينهم، لكنه يقول لنفسه: ماذا يهمني من هذا؟ ليكن كل إنسان سعيداً بقدرما ترضى السماء، اوبقدرما يستطيع هوبمجهوده الخاص، وأنا لن اسلبه شيثاً مما يملك، بل ولن احسده، لكننفي لا أشعر برغبة في الإسهام بأي شيء في تحسين حالم او السعي لمعونته عند الحاجة. فإن صارت وجهة النظر هذه قانوناً كلياً للطبيعة، فلربما بقي النوع الإنساني في قيد الحياة، وفي احوال افضل مما لوكانعلى لسانكل انسان كلمات العطف والإحسان، وأظهر الحرص على ممارسة هذه الفضائل في المناسبات، لكنهيخدعكلما استطاع إلى الخداع سبيلا، ويتاجر بحقوق الناس أو ينتهكها من نواح أخرى. الكن، على الرغم من أن من الممكن تماماً ان يبقى قانون كلي طبيعي موافق لهذه القاعدة، فإن من المستحيل مع ذلك ان يريد أن يكون مثل هذا المبداً صادقاً صدقاً كلياً بوصفه قانون الطبيعة، لأن الإرادة التي تتخذ هذا الموقف تناقض نفسها بنفسها، إذ يمكن أن يحدث أن توجد أحوال كثيرة يكون فيها هذا الانسان

ق

بحاجة إلى الحب والعطف عليه من الآخرين، لكنه سيخرم نفسه بنفسه من كل أمل في الظفر بالمساعدة التي يرجوها، بواسطة هذا القانون للطبيعة الصادر عن إرادته هو» (الكتاب نفسه) .

المبداً الثافي: افعل بحيث تعامل الإنسانية، في شخصك وفي شخص سواك، داثما وفي نفس الوقت، على أنها غاية، وليس أبداً على أنها مجرد وسيلة».

ويطبق كنت هذا المبدأ أو الآمر العملي المطلق على نفس الأمثلة الأربعة التي سبق ان ذكرها- وأوردناها منذ قليل- فيما يتعلق بالمبدأ الأول، على النحو التالي :

المثال الأول: الانتحار: فبالنسبة إلىمن يفكر في الانتحار، فإنه يتساءل: هل فعله هذا يمكن أن يتفق مع فكرة الانسانية بوصفها غاية في ذاتها؟ وهنا يجد أنه، كيا يتخلص مما يلقاه في الحياة من آلام وعذاب، سيستخدم نفسه الانسانية وسيلة للتخلص من الآلام. وهذا يخالف المبدأ المذكور، لأنه يقول إنه لا يجوز للمرء أن يعامل الانسانية في شخصه أو في شخص سواه على أنها وسيلة. ولهذا لا يجوز له أن ينتحر.

المثال الثافي : التعهد بسداد الدين : إننا حين نأخذ المال من الآخرين متعهدين كذباً بسداده، فمن الواضح اننا نستخدمهم وسائل، لا غايات. وهذا الإهدار لمبدأ الإنسانية لدى الآخرين يتضح أكثر حين نفحص الأمثلة على الاعتداء على حرية الآخرين أو أملاكهم.

المثال الثالث: تثقيف المواهب الذاتية: ولا يكفي فقط أن يناقض الفعل الانسانية في شخصنا بوصفها غاية في ذاتها، بل يجب ايضاً ان يكون عل وفاق مع لانسانية في شخصنا , وفي الإنسانية استعدادات لمزيد من الكمال تؤلف جزءاً من غاية الطبيعة تجاه الانسانية في الشخص الذي هو نحن. واهمال هذه الاستعدادات ربما يتفق مع امحافظة على الإنسانية بما هي غاية في ذاتها، لكنه لا يتفق مع إكمال هذه الغاية.

المثال الرابع : الواجبات نحو الغير: إن الغاية الطبيعية عند كل الناس هي سعادتهم. صحيح أن الإنسانية يمكن أن تبقى إذا لم يسهم احد في سعادة الآخرين، في الوقت الذي يمتنع فيه من إيذائهم عن قصد وإصرار، لكن هذا ليس إلأ وفاقا سلبيا، لا إيجابيا، مع الإنسانية بماهيغايةفي ذاتها، إن لم يجاول المرء ايضاً ان يساعد، قدر ما يستطيع، في تحقيق

غايات الآخرين.

لكن القانون الأخلاقي ليس شيثاً مفروضاً على الإرادة من خارجها، بل القانون الأخلاقي منبثق من الإرادة نفسها، وهذا هو ما يبرر ضرورة إطاعته. وهذه الاطاعة هي إذن حرية، وليست قسرا.

وهذا المبدأ يسميه كنت باسم مبدأ التشريع الذاقي للإرادة Autonomie .

وهذا يقود إلى الكلام عن الحرية. إن الحرية يمكن أن تعرف سلبياً بانها خاصية الإرادة في الكائنات العاقلة لأن تفعل مسقلة عن العلل الأجنبية، أو بعبارة أوجز: الحرية هي الصفة التي تتصف بها الإرادة العاقلة في قدرتها على الفعل دون تأثير من الأسباب الأجنبية عنها. فبينما الضرورة الطبيعية ترغم الكائن غير العاقل على الخضوع لفعل الأسباب الخارجية، نجد أن حرية الكائن العاقل تمكنه من أن يفعل مستقلاً عن هذه الأسباب الخارجية.

ويمكن تعريف الحرية ايجابياً على النحو لتالي: الحرية هي تشريع الإرادة لنفسها بنفسها.

فإذا انتقلنا من «تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق» إلى «نقد العقل العملي» وجدنا أن الأفكار الأساسية في الكتابين واحدة، ولكن طريقة تناوله لهذه الأفكار تختلف بين الكتاب الواحد والآخر ذلك أن كنت قصد به نقد العقل العملي» ان يكون نظيرا لنقد العقل المحض» : هذا في ميدان المعرفة النظرية، وذاك في ميدان المعرفة العملية.

ولهذا سنجتزىء هاهنا بذكر باب رئيسي في نقد العقل العملي، ليس له مناظر دقيق في «تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق»، الا وهومصادرات العقل العملي.

هذه المصادرات اثنتان، وقد تضاف إليها ثالثة غير محددة بالدقة.

أما المصادرة الأولى فهيخلودالنفس.

المصادرة الأولى

والمصادرة الأولى من مصادرات العقل العملي هي: خلود النفس.

والداعي إلى وضعها هو أن اتحقيق الخير الأسمى في

ن

٢٨٥

العالم هو الموضوع الضروري للارادة الي يمكن ان تتعين بالقانون الأخلاقي. لكن في هذه الارادة التوافق التام بين النوايا وبين القانون ال أخلاقى هو ا لشرط الأعلى للخير الأسمى. فيجب ان يكون عكناً هو وموضوعه، لأنه متضمن في نظام تحقيق هذا الموضوع. لكن التوافق التام للإرادة مع القانون الأخلاقي هوالقداسة، وهي كمال لا يقدرعلى بلوغه أي كاثن عاقل في العالم المحسوس، في اية لحظة من لحظات وجوده. بيد أنه لما كان أمراً ضرورياً من الناحية العملية، فإنه لا يمكن بلوغه إلآ في تقدم يتمر إلى غير هاية نحو هذا التوافق التام، ووفقاً لبادىء العقل المحض العملي، ولهذا من الضروري ان نقر بوجود تقدم عملي مثل هذا بوصفه موضوعاً حقيقياً لإرادتنا.

ومثل هذا التقدم اللامتناهي لا يكون ممكناً إلآ بافتراض وجود وشخصية للكائن العاقل باقيين أبدا إلى غير غهاية (وهذا ما يمى: خلود النف). وإذن فإن الخير لأسمى ليس تمكناً عملياً إلاً بافتراض خلود النفس؛ وتبعاً لذلك فإن خلود النفس بوصفه لا ينفصل عن القانون الأخلاقي، هومصادرة للعقل المحض العملي»(١).

وهذه المصادرة، ومفادها اننا لا نستطيع بلوغ التوافق الكامل مع القانون الأخلاقي إلآ بتقدم يستمر إلى غير نهايق ذات فائدة جلى، ليس فقط من أجل تلافي عجز العقل النظري، بل وأيضاً بالنسبة إلى الدين. وبدون هذه المصادرة، فإننا سنكون بين إحدى خصلتين: فإما ان يكون القانون الأخلاقي خلواً من قداسته، وإما ان نكون مبالغين حين نغالي في دوره وفي الأمل في الوصول إلى مصير غير ممكن الوصول إليه، أي الامتلاك المرجو والكامل لقداسة الإرادة. وبالنبة إلى الكائن العاقل، ولكنه فان، لاشيء يمكن غير التقدم إلى غير نهاية من الدرجات الدنيا إلى الدرجات العليا في سلم الكمال الأخلاقي.

لهذا لا أمل للكاثن العاقل الفاني في بلوغ الكمال الأخلاقي في هذه الدنيا؛ وإنما يمكن أن يتحقق ذلك في لا نهاية وجوده، وهي امر لا يحيط بم إلاً الله .

المصادرة الثانية

وهذه المصادرة الأولى، خلود النفس، يجب ان تجر أيضاً إلى مصادرة ثانية هي وجود اشه . الذي م يتحقق الاتفاق بين الفضيلة والسعادة.

ذلك ان السعادة هي حال لكائن عاقل تجري له كل أموره كما يشتهي ويريد؛ فهي إذن تقوم على الاتفاق بين الطبيعة وبين الغاية التي يسعى إليها، وأيضا لاتفاق بينهما وبين المبدا الجوهري لتعيين الإرادة. والقانون الأخلاقي، بوصفه قانوناً للحرية، يأمر بواسطته مبادىء معينة ينبغي ان تكون مستقلة تماماً عن الطبيعة وعن اتفاق الطبيعة مع رغباتنا. «لكن الكاثن العاقل، الذي يفعل في العالم، ليس مع ذلك في نفس الوقت علة العالم والطبيعة. وإذن فلا يوجل في القانون الأخلاقى- أي مبداً للارتباط الضروري بين الأخلاقية والسعادة المناسبة لها، لدى كائن يؤلف جزءاً من العالم، وبالتالي يعتمد على العالم، ومن أجل هذا لا يمكنه بإرادته أن يكون علة لتلك الطبيعة. ولا يمكن- بالنسبة إلى سعادته- ان يجعل الطبيعة على اتفاق تام مع مبادثه العملية. ومع ذلك تبقى المشكلة العملية للعقل المحض، اي في السعي الضروري نحوالخير الأسمى، نصادر على مثل هذا الارتباط بوصفه ضرورياً: إذ علينا ان نسعى لتحقيق الخير الأسمى (الذي يجب ان يكون تمكناً) وهكذا نحن نصادر على وجود علة لكل الطبيعة، متميزة من الطبيعة وشاملة لمبدأ هذا الارتباط، أي للانسجام الدقيق بين العادة وبين الأخلاقية. لكن هذه العلة العليا يجب أن تحتوي على مبدأ اتفاق الطبيعة ليس فقط مع قانون إرادة الكائنات العاقلة، بل وأيضاً مع امتثال هذا القانون من حيث ان الكائنات العاقلة تجعل منه المبدأ الأعلى لتعيين إرادتهم؛ وبالتالي ليس فقط مع الاخلاق من حيث الشكل، بل وأيضاً مع اخلاقيتهم بوصفها مبدأ معيا أي مع قيتم الاخلافية وإذن فالحير لاسمى ليسممكنا في العالم إلا من حيث إقرارنا بعلة عليا للطبيعة لها علية متفقة مع النية الأخلاقية ٠ ولكن لموجرد القادر على الفعل وفقا لامتثال القوانين هو عقل (كائن عاقل) ، وعلية مثل هذا الكائن- وفقا لهذا الامتثال للقوانين هي إرادته وإذن فالعلة العليا للطبيعة، من حيث أنها يجب أن تفترض بالنسبة إلى الخير الأسمى، هى موجود هو -بالعقل والارادق علة، وتبعاً لذلك هو صانع الطبيعة، أي الله ٠ وإذن فإن المصادرة على إمكان الخير الأسمى المتمن (من احن عالم) هي في

كتت

الوقت نفسه المصادرة على الحقيقة الفعلية لخير أسمى أول، هو وجود اله . ولقد كان واجباً علينا ان نحقق الخير الأسمى، وبالتالي ليس فقط حقاً ، بل وايضاً ضرورة

مرتبطة- كحاجة- بالواجب: أن نفترض امكان هذا الخير لاسمى الذي من حيث انه ليس ممكناً إلاً بشرط وجود الله-يربط ربطا لا انفصام له بين افتراض هذا الوجود وبين الواجب، اعني انه من الضروري اخلاقياً ان نقر بوجود ا(١).

ويبادر كنت فيؤكد ان هذه الضرورة الأخلاقية ذاتية، اي انا حاجة، وانها ليست موضوعية، أي ليست هي نفسها واجباً، إذ الاقرار بوجود شيء ما ليس واجباً، بل هذا أمر يتعلق بالعقل النظري، فلا يدخل في باب الواجب، إذ الواجب إنا يدخل في ميدان العقل العملي، لأنه من مجال اللاق.

كذلك تبه إلى أنه ينبغي ألا نستتج منهذا أنه من الضروري الاقرار بوجود اله كأساس لكل الزام بوجه عام، لأن هذا الأساس يقوم على التشريع الذاقي للعقل نفسه. وإنما ما يتعلق ها هنا بالواجب هوفقط العمل من اجل تحقيق الخير الأسمى، وهو امر لا يمكن افتراضه إلا بافتراض وجود عقل اعلى. «فالاترار بوجود هذا العقل الأعلى هو إذن امر مرتبط بالشعور بواجبنا، وإن كان أمر الاقرار به ينتسب إلى العقل انظري,(’).

وهذا هو السر -هكذا يشرح كنتد في أن المدارس الفلسفية اليونانية لم تصل إلىحل مشكلة الامكان العملي للخير الأسمى : ذلك أنهم اتخذوا من استعمال المرء لحرية إرادته المبدأ الكافي والوحيد لهذا الإمكان، دون حاجة إلى وجود الل . وقد كانوا على حق في تقرير مبدا الأخلاق مستقلا عن هذه امصادرة، استناداً إلى علاقة العقل بالإرادة، وجعل ذلك الشرط العملي الأعلى للخير الأسمى.لكن ذلك ليس كل شرط امكان الخير الأسمى. صحيح ان الأبيقوريين قد تخذوا مبداً باطلا، هو مبدأ السعادة، واستبدلوا بالقانون قاعدة اختيار اعتباطي وفقاً ليل كل فرد؛ لكنهم كانوا مع ذلك

(١) «نقد العقل العل, ط١ م ه٢٢ - ٠٢٢٦ ص ١٣٤- •١٣ من الترجمة الفرنية.

(٢) منفد العقل العملي ط١ ص٢٢٧- ص ه١٣ من الترجمة الفرنية

منطقيين في سلوكهم حين نزلوا بمستوى خيرهم الأسمى إلى مستوى انحطاط مبدئهم وحين لم يتوقعوا سعادة أكبر من تلك التي تحققها الفطنة الإنسانية (بما في ذلك العفة والاعتدال في الشهوات)، وهى سعادة حقيرة وتتفاوت بحسب الظروف، فضلاً عما تنطوي عليه قاعدتهم من استثناءات عديدة عليهم ان يقروا بها. اما الرواقيون فقد احسنوا اختيار مبدئهم العملي الأعلى، وهو الفضيلة، شرطا للخير الأسمى. لكنهم لما تصوروا درجة الفضيلة المطلوبة بحسب قانوغهم على انها يمكن بلوغها في هذه الحياة، فإغهم بذلك ليس فقط رفعوا السلطة الأخلاقية للإنان، الذي سموه: الحكيم، فوق كل حدود طبيعته واقروا بشيء يتناقض مع كل المعرفة الإنسانية، بل وايضاً وخصوصاً لم يشاءوا ان يقروا بالعنصر الثافي للخير الأسمى، وهو السعادة، كموضوع خاص بملكة الرغبة الإنانية. لقد جعلوا من حكيمهمنوعاً من الإله، دون اي اعتبار للطبيعة فارضين اياه معرضاً، لا خاضعاً، لصائب الحياة وشرورها، ومتصورينه في نفس الوقت متحررا من الشر. وهكذا طرحوا ظهرياً العنصر الثاني في الخير الأسمى، وهو السعادة الشخصية، واضعين إياها في الفعل وفي الرضا عن النفس، وبهذا حصروها في الشعور بالطريقة الأخلاقية للتفكير؛ وهو امر يفنده صوت الطبيعة فيهم.

وهنا يؤ ول كنت المسيحية تاويلاً خاصاً يتفق مع مذهبه هو فيقول إن المسيحية، حى لو لم ننظر إليها بعد على انها مذهب ديني، ترضي تماماً مطالب العقل العملي. ذلك انها تأمر بطهارة الأخلاق، وتعلن في الوقت نفسه أن الانسان لا يمكن ان يصل إلأ إلى الفضيلة، اي الى التصميم عل الفعل وفقاً للقانون احتراماً له، وتنبه إلى الدوافع النجسة التي يمكن ان تفسد نواياه في كل لحظة. فهي إذن ترى من الضرورية التقدم اللانهائي نحو القداسة، وبهذا تبعث فينا الأمل في استمرار حياتنا الأخلاقية. وإذا كانت تعلن أن هذا التقدم يمكن أن يبدأ في حياتنا الدنيا هذه، فإنها بذلك تقر بأن السعادة المناظرة لذلك ليست في مقدورنا، ولا يمكن أن نظفر بها إلا فيحياة اخرى، نحن نرجوها.

لكن اليس في هذا عود إلى الأخلاق اللاهوتية، أي التي تتلقى أوامرها من سلطة خارجية؟ اين إذن التشريع الذاتي الذي جعله كنت جوهر الإرادة الأخلاقية؟ .

ويجيب كنت على هذا الاعتراض بأن «المبدأ المسيحي للاخلاق ليس لاهوتياً: (وبالتالي: تشريعاً خارجياً)، بل هو

ى

٢٨٧

التشريع الذاقي للعقل المحض العملي بذاته، لأن هذه الأخلاق تجعل من معرفة الله ومن إرادته الأساس، لا لهذه القوانين، بل للأمل في بلوغ الخير الأسمى بشروط مراعاة هذه القوانين، لأنها تضع الدافع الحقيقي، الخليق بأن يجعلنا نراعيها، لا في النتائج المشتاقة، بل فقط في تصور الواجب، بوصفه الأمر الوحيد الذي تجعلنا مراعاته الأمينة جديرين بالحصول على هذه النتائج»(١).

وهكذا يؤدي القانون الأخلاقي إلى الدين، وذلك بفضل فكرة الخير الأسمى بوصفه غاية العقل المحض العملي. ■أي يؤدي الى الإقراربأنكل الواجبات أوامرإلهية، لا كجزاءات، أي أوامر اعتباطية عرضية صادرة عن إرادة اجبية، بل كقوانين جوهرية لكل إرادة حرة في ذاتها، ولو انها يجب أن تعتبر اوامر لكائن اعلى، لأننا لا نستطيع ان نأمل في الخيرالأسمى- الذي يجعله القانون الأخلاقى واجبا علينا كغاية لجهودنا إل من إرادة كاملة (مقدسة وخيرة) اخلاقياً وفي نفس الوقت قادرة قدرة مطلقة وتبعاً لذلك لا يمكننا ان نأمل في بلوغ ذلك إلا بالاتفاق مع هذه الإرادة. وهكذا يبقى كل شيء ها هنا نزيهاً ومؤسساًفقط على الواجب، دون ان يستطيع الخوف او الرجاء، كدافعين، ان يؤخذا كمبادىء، لأنهما إذا صارا مبدئين، دمرا كل القيمة الأخلاقية للأفعال، ان القانون الأخلاقي يأمربفعل الخيرالأسمى الممكن في العالم الغاية النهائية لكل سلوكي. لكنفي لا استطيع الأمل في تحقيقه الا باتفاق ارادتي مع إرادة صانع للعالم قدوس وخير، وعلى الرغم من ان سعادقي الخاصة متضمنة في تصور الخير الأسمى، تضمن الجزء في الكل حيث السعادة الكبرى تتمثل مرتبطة بنسبة دقيقة مع اعلى درجة للكمال الأخلاقي (الممكن للمخلوقات)، فإنه ليست سعادقي، بل القانون الأخلاقي (الذي تحد بثروط قاسية من رغبتي اللامحدودة في السعادة) هو المبدا المعين للإرادة والمخصمذ للعمل من اجل تحقيق الخير الأسمى. -فالأخلاق ليست في حقيقة الأمر إذن المذهب الذي يعلمنا كيف يجب علينا ان نجعل أنفسنا سعداء، بل هي التي تعلمنا كيف يجب علينا ان نجعل انفسنا جديرين بالسعادة. وفقط حين ينضاف إليها الدين، يدخل فينا الأمل في ان نشارك ذات يوم في السعادة بالقدر الذي سعينا به الا

نكون غيرجديرين بها»(١) ومن هذا يتجلى دور الدين في

الأخلاق، إذ إن «الأمل في تحصيل السعادة لا يبدأ إلآ مع الين»(٢).

mit 02 Religion allererst ]لا1 Weil die Hoffnung dazu anhebt

كذلك يتضح اننا لوتساءلنا ما هي غاية الش من خلق العالم فليس لنا ان نجيب بأنها سعادة الكائنات العاقلة في هذه الدنيا، بل الخير الأسمى، اي أخلاقية هذه الكائنات، تلك الاخلاقية التي تحتوي وحدها على امقياس الذي وفقاً له يمكنهم ان يأملوا في المشاركة في السعادة، بفضل خالق حكيم. ولهذا فإن الذين جعلوا غاية الخليقة تمجيد الله (على الا نفهم من ذلك معنى تشبيهياً بالانسان، اي الرغبة في ان يمدح) قد وجدوا التعبير الأصدق، لأنه لا شيء يمجد الل غير ما هوالأجدربالتقديرفي العالم، اعني احترام أوامره، ومراعاة الواجب المقدس الذي تفرضه علينا شريعته، إذا انضاف إلى ذلك تتويج هذه الأوامر الجميلة بعادة تتناسب وإياها.

إما أن الانسان، في ميدان الغايات، هوغاية في ذاته، اي لا ينبغي ابداً ان يستعملهاحد (حقى ولا الله) كوسيلة فقط دون ان يكون غاية في ذاته في الوقت نفسه، وإما ان الانانية في شخصنا يجب ان تكون مقدسة عندنا، فهذا كله امر يقيني بنفسه لا مشاحة فيه، لأن الانسان هو موضوع القانون الأخلاقي، أي موضوع كل ما هو مقدس بذاته، وهذا القانون الأخلاقي يقوم على اساس استقلال الإرادة بذاتها، بوصفها إرادة حرة ينبغي، وفقاً لقوانينها العامة، ان تكون بالضرورة قادرة على الاتفاق على ما يجب عليها ان تخضع له.

يقول دلبوس: «ليس ثم إذن فساد في روح النزاهة التي يجب ان يتحلى بها الانسان وهويطيع القانون الأخلاقي؛ وليس ثم في هذا لجوء إلى دوافع اجنبية، مثل الخوف والرجاء، اللذين لوتحولا إلى قاعدتين لقضيا علىكل قيمة أخلاقية للأفعال. كل ما هنالك هو الثقة العادلة المقدسة في مجيء ملكوت الس، مجينه وفقاً للقانون لأخلاقي وبفضل ما يقتضيه القانون الأخلاقي. وفي هذه الأمور اقل خلط يمكن أن يؤدي إلى تشويه طهارة الأفكار. فإننا إذا استطعنا ان

(١) «نقد العقل العملي» ط١ ص ٢٣٢- ص ١٣٨ من الترجمة الفرنية.

(١) ٠نقد العقل العملي» ط١ ص٢٣٣- ٢٣٤- ص١٣٨- ١٣٩ ض الترجة الفرنسية.

(٢) نقد العفل العملي، ط١ ص ٢٣٥- ص ١٤٠ همن الترجة الفرنية.

٢٨٨

ف

نقول، بمعى ما إن الخير الأسمى هو المبدأ المحدد للإرادة، فبنبغي الآ نغفل ابداً عن أنه كذلك بواسطة القانون الأخلاقي المتضمن فيه بوصفه عنصره الأول الذي لا يقبل الرد. كذلك فإن الأخلاق ليست أبداً في ذاتها مذهباً في السعادة، لأنها تفرض واجبات ولا تقدم قواعد للميرل النفعية، ثم إنها تكبح جماح تلك الحاجة اللامحدودة إلى السعادة التي تدفعنا؛ لكنها حين تجعل القانون الخاص بها مطلقاً، فإنها تثيرفينا الرغبة في العمل تحت هذا القانون من أجل انتصار الخير الأسمى؛ وحينئذ، لكن حينئذ فقط، ومع التحفظات المشار إليها، تصير مذهباً في السعادق مذهباً لا يقدم علما يقينياً برهانياً، لكنه يبرر أملآ مثروعاً .

وهكذا وعلى هذا النحوتتم الأخلاق في الدين دون أن تتاسس عليه أبداً؛ وإذا كان عليها ان تتم في الدين فذلك لأن لانسانس وهو كائن عاقل وحآس معاً. لا يمكنه أن يجصل وحده بنفسه القدرة على المحافظة إلى غيرنهاية على نيته الحسنة ضد القواعد Maximes التى توحى إليه جها حاسيته، ولا خصوصاً القدرة على ان محصل، بانجاز الواجب، على اشباع متطلبات هذه الحساسية نفسها، وقد صارت هذه المتطلبات حقوقاً ومع ذلك فإن الأخلاق لا تتأسس على الدين، لأنه في الاستعداد الراسخ للخضوع للقانون يوجد الأصل الباطن للحاجة التى يستجيب لها الدين، ولأنه تبعاً لذلك التقرير الأولي لذهب ديني من شأنه ان يحز برابطة منطقية خارجية الرابطة العملية الباطنة التي تربط المبدأ الأخلاقي بتوكيد الخلود وتوكيد (وجود) الله»(١).

المصادرة الثالثة

انتهى كنت إذن إلى القول بمصادرتين للعقل العملي هما: خلود النفس، ووجود الله.

فهل هناك مصادرة ثالثة للعقل العملي؟ هنا إشكال عميرالحل:

فهو في بعض المرافع(’) يقصر مصادرات العقل على هاتين. لكنه في مواضع أخرى يضيف مصادرة ثالثة تكون :

(١ ) فكنوردلبوس. «فلغة كنت العملية» ص ٤٨٤- ٤٨٥، ط٢ باريس سة ١٩٢٦ (٢) اى العقل العملي ط١ص٤،ص٥، ص٢٢٣ ح ٢٢٥ -ص٢، ص٣، ص١٣٣-١٣٤منالجمةية

إما العالم المعقول أو ملكوت التة(١) ، وإما الخير الأسمى الذي علينا أن نحققه (٢)، وإما الحرية (٣).

لكن العالم المعقول أو ملكوت الله،كما يلاحظ دلبوس (ص ٤٩٤)لا يعبرإلآ عن إمكان الخيرالأسمى، مع التوكيد فقط على ضرورة وفعالية تدخل الله لتأمين ذلك لنا. أما إمكان الخير الأسمى فإنه فضلاً عن ارتباطه مباشرة بالقانون الأخلاقي بوصفه موضوعاً للإرادة تقوم هذه بتعيينه، فهو لا يستحق أن يعد مصادرة قائمة برأسها.

أما الحرية فأمرها أجدر بالعناية. فإن كنت يقول صراحة: «هذه المصادرات هى مصادرة الخلود، والحرية منظوراً إليها إيجابياً (بوصفها علية الكائن من حيث هوينتسب إلى العالم المعقول) ووجود الله... والمصادرة الثانية (= الحرية) تصدر عن الافتراض الضروري للاستقلال عن العالم المحوس وعن ملكة تعيين الإرادة تبعا لقانون عالم معقول، اعني الحرية»().

لكن اعتبار كنت للحرية أنها مصادرة يتعارض مع ما ذكره في قسم التحليلات من «نقد العقل العملي» من ان الحرية هي القانون، وهي يقينية مثل القانون( ).

فهل نقول إن كنت بإضافته الحرية مصادرة ثالثة إنما جرى وراء عادته في تصوير اللم والحرية والخلود على أنها الموضوعات العليا للميتافيزيقا(٦)؟.

لكن هذا لا يكفي لتفسير تراجع كنت بعد أن عد الحرية أمراً يقينياً صار يعدها مجرد مصادرة من مصادرات العقل العملي.

لهذا يقترح دلبوس (ص ٤٩٦- ٤٩٧) حلا لهذه المشكلة أن نفهم الحرية بمعنيين:

(١ ) الحرية بمعنى أنها والقانون شيء واحد،

(٢) والحرية كما يصادر عليها القانون.

(٢) الكتاب نفسه ط ١ ص٢٢٥ ع ص ١٣٤ ترجمة مرنية.

(٣) الكتاب نفسه ط ١ ص ١٤٢٠٢٣٨ ترجمة فرنية.

(٤) نقد العقل اسني! ط١ ص ٢٣٨ ء ص ١٤٢ من الترجمة الفرسية

(٥) الكتا نمسه ط١ ص٤ ء ص٢ مر الترجمة الفرسبة.

(٦ ) راحع خصوصا: ,نغد العقل المحض، ح٣ من جموع مزلفات كنت نثرة هارتنشتبن

ص ٥٢٨

كنت

والحرية بهذا المعى الثاني ليست الملكة التى بها تكون الارادة المحضة مستقلة بذاتها وتشرع تشريعاً كلياً، بل هي حرية الشخص في أن ينجز مهمته الأخلاقية تحت سلطان هذا التشريع، انجازها ضد العقبات التي يمكن أن تجيئه من البيعة.

وتبعا لهذا التفسير هناك إذن حريتان عند كنت: «حرية يبرهن عليها الغانون،('). وهي التي يتحدث عنها في قسم ,التحليلات،، وحرية «يصادر عليها القانون»(٢)، ولا يتحدث عنها كنت إلآ في قسم «الديالكتيك» من «نقد العقل العملي». الأولى هي «شرط القانون الأخلاقي»(٣)، والثانية «هي أحد شروطإمكان الخير الأسمى»(٤) ، أي احد الشروط التي تمكن من انجاز اموضوع الضروري الذي يأمر به القانون الخلاقي.

وهذان المعنيان ليسا في نفس المستوى: فإن الأولى واقعة من وقائع العقل العملي، اما الثانية فهي مصادرة من مصادرات العقل العملي. الأولى سلطة مشرعة لارادة تؤسس القانون الأخلاقي، والثانية سلطة عملية لإرادة قادرة على اتباع هذا القانون» .

لكننا لا نر ى في هذا التمييز نوعين من الحرية، بل حرية واحدة لها وظيفتان : أن تشرع لذاتها قانونها الأخلاقي، وأن تطبق هذا التشريع في سلوكها . ولهذا لا نرى عد الواحدة مصادرة، والأخرى واقعة، بل ثم حرية واحدة يصادر عليها العقل العملي لانه لا يستطيع أن يسلك سلوكاً اخلاقياً إلآ بافتراض وجود هذه الحرية. فالفاعل الأخلاقى لا بد له أن يفترض بأنه حر في افعاله، بمعنى ان إرادته هي مصدر مبادى، فعله، وأنه قادر على أن يفعل وفقا لهذه المبادى. إن الفاعل الأخلاقي يجب أن يعمل تحت فكرة الحرية . ومن هنا قال كنت بصراحة: «إن إرادة الكائن العاقل لا يمكن أن تكون إرادته هوإلا تحت فكرة الحرية»(٥).

الخصائص المشتركة لهذه المصادرات

وتشترك هذه المصادرات الثلاث في الخصائص التالية:

(١) «نقدالعقل العمي ط١ ص ٨٢ اص ٤٧ من اكترجمة المرنية (٢) الكتاب نف ط ١ ص ٢٤١ , ص ١٤٣ ص الترحة الغرنسية.

(٣) الكتاب نفهط١ص٤ ي ص٢ ترجمة فرنسية

(ه) ائذت٦بهمش| الأحلاف, طبعة أكادية برين ر، ص٤٤٨

١- انها تبدأ جميعاً من المبدأ الأساسى للأخلاقية، وهو ليس مصادرة، بل قانون به يعين العقل الإرادة مباشرة.

٢- هذه المصادرات ليست عقائد نظرية، بل فروض من وجهة نظر عملية لا محالة، ولهذا فإغها لا توسع المعرفة النظرية، وإنما تهب أفكار العقل النظري بوجه عام حقيقة موضوعية، وتبررها بوصفها تصورات ما كانت، لولا ذلك، لتجرؤ على افتراض إمكانها.

س- المصادرة ايمان محض عمل للعقل. ولهذا تختلف عن الايمان القلبي، لان فيها عنصراً عقلياً، إذ هي صادرة عن حاجة العقل، ومرتبطة بمصلحة مباشرة للأخلاق. وهذا الايمان يتخذ طابعاً شخصياً: «فالانان الشريف يستطيع ان يقول: أريد أن يوجد اله، وأريد أن يكون وجودي في هذا العالم -خارج تسلسل العلل الطبيعيق وجوداً في عالم معقول محض، واريد اخيراً ان يكون بقائي إلى غيرغهاية. وأنا اتمسك بهذا بشدة، وتلك معتقدات لا أسمح بانتزاعها مني، لأن هذه هى الحالة الوحيدة الى فيها مصلحتى- التى ليس مسموحاً لي بالتخلي عنها تعين حكمي حتما»(١)

ا ئا

ابرز ما لكنت في باب السياسة هو مشروعه للسلام الدائم، الذي عرضه في كتاب صغير ظهر سنة ١٧٩٥ بعنوان: «نحو سلام دائم، محاولة فلسفية».

وقد صاغ كنت مشروعه هذا على هيثة المعاهدات الدبلوماسية. ويتألف من الأقسام التالية:

ا- ست مواد تمهيدية تصوغ الشروط السلبية للسلام :

١ - لا يجوز أن تتضمن معاهدة السلام أي بند سري للاحتفاظ بحق استثناف الحرب؛

٢- لا يمكن امتلاك دولة مستقلة عن طريق الميراث، أو التبادل، أو الشراء، أو الهبة؛

٣- الجيوش الدائمة يجب ان تزول نهائياً مع الزمن؛

٤- لا يجوز اقتراض ديون وطنية من أجل مصالح خارجية للدولة؛

٥- لا يجوز لأية دولة ان تتدخل في نظام أو حكم دولة

(١) ٠فد العفل العمل، ط٦ ص ٢٥٨ - ٢٥٩-١٥٣ من الرجمة المرنسية

كتت

٦- لا يجوز لدولة، في حرب مع دولة أخرى، أن تقوم بأعمال عدوانية من شأنها ان تجعل من المستحيل عودة الثقة المتبادلة بينهما لدى عودة السلام: مثل الاغتيال، دس السم، خرق امتياز ممنوح، التحريض على الخيانة.

وقد اتبع كل مادة من هذه المواد التمهيدية، وكذلك الأساسية، بتعليق.

ب- ثلاث مواد غهاثية تصرغ الشروط الايجابية العامة، الداخلية والخارجية الدولية، لفائدة السلام، هي :

١-يجب ان يكون النظام الياسي لكل دولة هو النظام ال مهوري؛

٢- القانون الدولي يجب أن يؤس على اتحاد (فدرالي) بين الدول الحرة؛

٣- القانون (الحق) العالمي يجب أن يقتصر على شروط الضيافة العالمية.

ج- ملحق أول: يبحث فيه كنت، من الناحية الفزيائية والمادية الخالصة في الطبيعة بوصفها ضمان السلام.

د ملحق ئان : يدعو فيه إلى إعطاء الفلاسفة الحذ في تنوير الدولة والحاكمين فيما يتعلق بالأمور السياسية. وهذا الملحق أضيف إلى الطبعة الثانية التي ظهرت في سنة ١٧٩٦ .

ه- ضميمة تتناول: (١) الخلاف بين الأخلاق والسياسة؛ (٢) الاتفاق بين السياسة والأخلاق. وفي كلا الفصلين تأملات عامة في الفلسفة السياسية هي الأساس في هذا الكتاب.

وكان لكنت أسلاف في وضع مشروعات للسلام الدائم، لكن كنت يتميز منهم بالخصائص التالية :

١-انه لم يلجأ إلى العبارات المشيرة للإشفاق على الناس من ويلات الحرب، كما فعل كروسه وين Penn والأب دي سان بيير، بل كان كلامه داثيما عقلياً ورزيناً .

٢- أنه لم يتعجل تحقيق اللام العالمي، بل رأى اننا امام مرحلتين: الأولى هي تنظيم الأمم في هيئة دولية تتولى المحافظة على السلام- وهذا أمر ميسور التحقيق، وقد تحقق فعلاً للمرة الأولى في سنة ١٩١٩ بإنشاء عصبة الأمم، وللمرة الثانية في سنة ١٩٤٥ بإنشاء هيئة الأمم المتحدة التي لا تزال قائمة حتى اليوم. والمرحلة الثانية هي : السلام الدائم، وهو

مثل اعلى، اي غاية بعيدة قد لا تتحقق ابدأ، لكن يجب على لأمم ان تجعلها دائما هدفاً نهائياً لها : إنه امل، وليس مجرد سراب، لأن الحرب ليست ضرورة حتمية لا مفر منها.

٣- ان مشروعه في السلام الدائم يتسف مع مذهبه كله : سواء في نظرية المعرفة، وفي الأخلاق. ولا يمكن فهمه ابداً بمعزل عن المبادئ التي قررها «نقد العقل المحض»، و« نقد العقل العملي»، و«تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق»، و«فكرة التاريخ العالمي من وجهة نظر كونية».

الجع

أوسع وأعمق دراسة عن كنت بأية لغة هي كتابنا: «امانويل كنت»، في أربعة اجزاء:

١- «امانويل كنت» ج١: حياته ومؤلفاته ومذهبه النقدي. ٣٧٢ ص. الكويت، سنة ١٩٧٧

٢- «امانويل كنت» ج٢ «الأخلاق عند كنت»، ويتضمن: مشكلة الميتافيزيقا- الأخلاق ويقع في٢٣٥ ص. الكرت، سنة ١٩٧٩,

٣- «امانويل كنت» ج٣ : فلسفة القانون والسياسة»-ويشمل: فلسفة القانون - فلفة السياسة - النزاع بين لكليات الجامعية - فلفة التاريخ - علم الجمال - ويقع في٥ ٤٤ ص. الكرت، سنة ٠١٩٧٩

٤- «امانويل كنت» ج٤ «فلفة الدين والتربية». ويقع في ١٧٤ ص. بيروت سنة ١٩٨٠.

أثبات بمؤلفاته

- Warda, Arthur: Die Druckschriften Immanuel Kants (bis zum Jahre 1838). Wiesbaden 1919. 62 5.

- (Kant- Bibliographie.) In: Friedrich Ueberwegs Grundris der Geschichte der Philosophie. Teil 3 Die Philosophie der Neuzeit bis zum Ende des ٧111. Jah-rhunderts. 12. Aufl. Völlig neubearb. von ٧12 Fris-cheisen- Kohler und Willy Moog. Berlin 1924. 9. 709-749

- Lehmann, K.H., und Horst Hermann: Dissertationen 21لا Kantischen Philosophie (Deutsche Dissertationen 1885- 1953) 1٦: Kant- Studien 51 (1959/60), 257 -228 .ى.

von Leibniz und andere Mechaniker in dieser Steit-sache bedienet haben, nebst einigen vorhergehenden Betrachtungen, welche die Kraft der Körper überhaupt betreffen. Königsberg 1746.

- Allgemeine Naturgeschichte und Theorie des Himmels oder Versuch von der Verfassung und dem mechanischen Ursprünge des ganzen Weltgebäudes, nach Newtonischen Grundsätzen abgehandelt. Königsberg. Leipzig 1755.

- Principiorum primorum cognitionismetaphysicaenova dilucidatio. Königsberg 1755.

- Geschichte und Naturbeschreibung der mekwürdig-sten Vorfälle des Erdbebens, welches an dem Ende des 1755 sten Jahres einen grossenTeil der Erde erschüttert hat. Königsberg 1756.

٠ Metaphysicae cum geometría iunctae usus in philo-sophia natural¡, cuius specimen I. continet monadolo-giam physicam. Königsberg 1756.

- Der einzig mögliche Beweisgrund zu einer Demonstration des Daseins Gottes. Königsberg 1763.

-Versuch, den Begriff der negativen Grössen in die Weltweisheit einzuführen. Königsberg 1763.

- Beobachtungen über das Gefühl des Schönen und Erhabenen. Königsberg 1746.

• Untersuchung über die Deutlichkeit der Grundsätze der natürlichen Theologie und der Moral. Zur Beantwortung der Frage, welche die Königl. Akademie der Wissenschaften zu Berlin auf des Jahr 1763 aufgegeben hat. Königsberg 1764

- Träume eines Geistersehers, erläutert durch Träume der Metaphysik. Königsberg 1766.

- De mundi sensibilis atque intelligibilis forma et prin-cipiis. Königsberg 177(0.

- Kritik der reinen Vernunft. Riga 1781- 2. verb. Aufl. 1787.

- Prolegomena zu einer jeden künftigen Metaphysik, die als Wissenschaft wird auftreten können. Riga 1783.

- Grundlegung zur Metaphysik der Sitten Riga 1785-

2. (verb.) Aufl. 1786

-Metaphysiche Anfangsgründe der Naturwissenschaft. Riga 1786.

- Kritik der praktischen Vernunft. Riga 1788.

- Kritik der Urteilskraft. Berlin. Libau 179(0.

- Über eine Entdeckung, nach der alle neue Kritik der

مؤلفاته