الكندي
أبو يوسُف يَعْقُوب بن إِسْحَاق الْكِنِدي (185 هـ/805 - 256 هـ/873) علّامة عربي مسلم، برع في الفلك والفلسفة والكيمياء والفيزياء والطب والرياضيات والموسيقى وعلم النفس والمنطق الذي كان يعرف بعلم الكلام. يعرف عند الغرب باسم (باللاتينية: Alkindus)، ويعد الكندي أول الفلاسفة المَشّائِين المسلمين، كما اشتهر بجهوده في تعريف العرب والمسلمين بالفلسفة اليونانية القديمة والهلنستية.
عاش في البصرة في مطلع حياته ثم انتقل منها إلى بغداد حيث أقبل على العلوم والمعارف لينهل من معينها، وذلك في فترة الإنارة العربية على عهد المأمون والمعتصم، في جو مشحون بالتوتر العقائدي بسبب مشكلة خلق القرآن وسيطرة مذهب الاعتزال وذيوع التشيع، وكان القرن الثالث الهجري يموج بألوان شتى من المعارف القديمة والحديثة وذلك بتأثير حركة النقل والترجمة، فأكب الكندي على الفلسفة والعلوم القديمة حتى حذقها. أوكل إليه المأمون مهمة الإشراف على ترجمة الأعمال الفلسفية والعلمية اليونانية إلى العربية في بيت الحكمة، وقد عدّه ابن أبي أصيبعة مع حنين بن إسحق وثابت بن قرة وابن الفرخان الطبري حذّاق الترجمة المسلمين. كان لاطلاعه على ما كان يسميه علماء المسلمين آنذاك «بالعلوم القديمة» أعظم الأثر في فكره، حيث مكّنه من كتابة أطروحات أصلية في الأخلاقيات وما وراء الطبيعة والرياضيات والصيدلة.
في الرياضيات، لعب الكندي دورًا هامًا في إدخال الأرقام الهندية إلى العالم الإسلامي والمسيحي، كما كان رائدًا في تحليل الشفرات، واستنباط أساليب جديدة لاختراق الشفرات. باستخدام خبرته الرياضية والطبية، وضع مقياسًا يسمح للأطباء بقياس فاعلية الدواء، كما أجرى تجارب حول العلاج بالموسيقى.
كان الشاغل الذي شغل الكندي في أعماله الفلسفية، هو إيجاد التوافق بين الفلسفة والعلوم الإسلامية الأخرى، وخاصة العلوم الدينية. تناول الكندي في الكثير من أعماله مسائل فلسفية دينية مثل طبيعة الله والروح والوحي. لكن على الرغم من الدور المهم الذي قام به في جعل الفلسفة في متناول المثقفين المسلمين آنذاك، إلا أن أعماله لم تعد ذات أهمية بعد ظهور علماء مثل الفارابي بعده، ولم يبق سوى عدد قليل جدًا من أعماله للعلماء المعاصرين لدراستها. ومع ذلك، لا يزال الكندي يعد من أعظم الفلاسفة ذوي الأصل العربي، لما لعبه من دور في زمانه، لهذا يلقب بـ «أبو الفلسفة العربية» أو «فيلسوف العرب».
حياته
الكندي هو أبو يوسف يعقوب بن إسحق بن الصّبّاح بن عمران بن إسماعيل بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي، ولد في الكوفة في بيت من بيوت شيوخ قبيلة كندة. كان والده واليًا على الكوفة، حيث تلقى علومه الأولية، ثم انتقل إلى بغداد، حيث حظي بعناية الخليفتين المأمون والمعتصم، حيث جعله المأمون مشرفًا على بيت الحكمة - الذي كان قد أنشئ حديثًا لترجمة النصوص العلمية والفلسفية اليونانية القديمة - في بغداد. عرف الكندي أيضًا بجمال خطه، حتى أن المتوكل جعله خطاطه الخاص.
عندما خلف المعتصم أخيه المأمون، عينه المعتصم مربيًا لأبنائه. ولكن مع تولي الواثق والمتوكل، أفل نجم الكندي في بيت الحكمة. هناك عدة نظريات لتفسير سبب حدوث ذلك، فقد رجح البعض أن ذلك بسبب التنافس في بيت الحكمة، والبعض قال أن السبب تشدد المتوكل في الدين، حتى أن الكندي تعرّض للضرب، وصودرت مؤلفاته لفترة. فقد قال هنري كوربين - الباحث في الدراسات الإسلامية - أن الكندي توفي في بغداد وحيدًا عام 259 هـ/873 م في عهد الخليفة المعتمد.
إسهاماته العلمية
كان الكندي عالمًا بجوانب مختلفة من الفكر، وعلى الرغم أن أعماله عارضتها أعمال الفارابي وابن سينا، إلا أنه يعد أحد أعظم فلاسفة المسلمين في عصره. وقد قال عنه المؤرخ ابن النديم في الفهرست: قالب:اقتباس مركزي
كما اعتبره باحث عصر النهضة الإيطالي جيرولامو كاردانو واحدًا من أعظم العقول الاثنى عشر في العصور الوسطى.
علم الفلك
اتبع الكندي نظرية بطليموس حول النظام الشمسي، والتي تقول بأن الأرض هي المركز لسلسلة من المجالات متحدة المركز، التي تدور فيها الكواكب والنجوم المعروفة حينها - القمر وعطارد والزهرة والشمس والمريخ والمشتري -، وقال عنها أنها كيانات عقلانية تدور في حركة دائرية، ويقتصر دورها على طاعة الله وعبادته. وقد ساق الكندي إثباتات تجاربية حول تلك الفرضية، قائلاً بأنه اختلاف الفصول ينتج عن اختلاف وضعيات الكواكب والنجوم وأبرزها الشمس؛ وأن أحوال الناس تختلف وفقًا لترتيب الأجرام السماوية فوق بلدانهم. إلا أن كلامه هذا كان غامضًا فيما يتعلق بتأثير الأجرام السماوية على العالم المادي.
افترض في إحدى نظرياته المبنية على أعمال أرسطو، الذي تصور أن حركة هذه الأجرام تسبب الاحتكاك في منطقة جنوب القمر، فتحرك العناصر الأساسية التراب والهواء والنار والماء، والتي تتجمع لتكوين كل ما في العالم المادي. ومن وجهة نظر بديلة، وجدت في أطروحته «عن الأشعة»، هو أن الكواكب تتحرك في خطوط مستقيمة. وفي كلا الفرضيتان، قدم الكندي وجهتي نظر تختلفان اختلافًا جوهريًا عن طبيعة التفاعلات المادية، وهما التفاعل عن طريق الاتصال، والتفاعل عن بعد. تكررت تلك الفرضيتان في كتاباته في علم البصريات.
شملت أعمال الكندي الفلكية البارزة، كتاب «الحكم على النجوم» وهو من أربعين فصلاً في صورة أسئلة وأجوبة، وأطروحات حول «أشعة النجوم» و«تغيرات الطقس» و"الكسوف" و«روحانيات الكواكب».
الطب والكيمياء
للكندي أكثر من ثلاثين أطروحة في الطب، والتي تأثرت فيها بأفكار جالينوس. أهم أعماله في هذا المجال هو كتاب رسالة في قدر منفعة صناعة الطب، والذي أوضح فيه كيفية استخدام الرياضيات في الطب، ولا سيما في مجال الصيدلة. على سبيل المثال، وضع الكندي مقياس رياضي لتحديد فعالية الدواء، إضافة إلى نظام يعتمد على أطوار القمر، يسمح للطبيب بتحديد الأيام الحرجة لمرض المريض.
وفي الكيمياء، عارض الكندي أفكار الخيمياء، القائلة بإمكانية استخراج المعادن الكريمة أو الثمينة كالذهب من المعادن الخسيسة، في رسالة سماها «كتاب في إبطال دعوى من يدعي صنعة الذهب والفضة». كما أسس الكندي وجابر بن حيان صناعة العطور، وأجرى أبحاثًا واسعة وتجارب في الجمع بين روائح النباتات عن طريق تحويلها إلى زيوت.
البصريات
اعتقد أرسطو لكي يرى الإنسان، يجب أن يكون هناك وسط شفاف بين العين والجسم، يملؤه الضوء، إذا تحقق ذلك، تنتقل صورة الشئ للعين. من ناحية أخرى، اعتقد إقليدس أن الرؤية تحدث نتيجة خروج أشعة في خطوط مستقيمة من العين على كائن ما وتنعكس ثانية إلى العين. لكي يحدد الكندي أي من النظريتين أرجح، جرب الطريقتين. فعلى سبيل المثال، لم تكن نظرية أرسطو قادرة على تفسير تأثير زاوية الرؤية على رؤية الأشياء، فلو نظرنا للدائرة من الجانب، فستبدو كخط. ووفقًا لأرسطو، كان يجب أن تبدو كدائرة كاملة للعين. من ناحية أخرى، كانت نظرية إقليدس تحتوي على بعد حجمي، فكانت قادرة على تفسير تلك المسألة، فضلاً عن تفسيرها لطول الظلال والانعكاسات في المرايا، لأنه اعتمد على أن الأشعة لا تنتقل إلا في خطوط مستقيمة. لهذا السبب، رجح الكندي نظرية إقليدس، وتوصل إلى «أن كل شيء في العالم... تنبعث منه أشعة في كل اتجاه، وهي التي تملأ العالم كله». اعتمدها ابن الهيثم وروجر بيكون وويتلو وغيرهم.
الرياضيات
ألف الكندي أعمالاً في عدد من الموضوعات الرياضية الهامة، بما فيها الهندسة والحساب والأرقام الهندية وتوافق الأرقام والخطوط وضرب الأعداد والأعداد النسبية وحساب الوقت. كما كتب أربعة مجلدات، بعنوان «كتاب في استعمال الأعداد الهندية»، الذي ساهم بشكل كبير في نشر النظام الهندي للترقيم في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا. في الهندسة، كتب الكندي عن مسلمة التوازي، وفي أحد أعماله الرياضية حاول إثبات بفكر الفيلسوف دحض فكرة خلود العالم، بإثبات أن اللا نهاية فكرة سخيفة رياضيا ومنطقيًا.
التشفير
كان الكندي رائدًا في تحليل الشفرات وعلم التعمية، كما كان له الفضل في تطوير طريقة يمكن بواسطتها تحليل الاختلافات في وتيرة حدوث الحروف واستغلالها لفك الشفرات، اكتشف ذلك في مخطوطة وجدت مؤخرًا في الأرشيف العثماني في إسطنبول، بعنوان «مخطوط في فك رسائل التشفير»، والتي أوضح فيها أساليب تحليل الشفرات، والتشفير والتحليل الإحصائي للرسائل باللغة العربية.
قواعد الموسيقى
كان الكندي أول من وضع قواعد للموسيقى في العالم العربي والإسلامي. فاقترح إضافة الوتر الخامس إلى العود، وقد وضع الكندي سلمًا موسيقيًا ما زال يستخدم في الموسيقى العربية من أثنتي عشرة نغمة، وتفوق على الموسيقيين اليونانيين في استخدام الثمن. كما أدرك أيضًا على التأثير العلاجي للموسيقى، وحاول علاج صبي مشلول شللاً رباعيًا بالموسيقى.
في كتاباته، كان واحدًا من الاهتمامات الكندي الرئيسية للتدليل على التوافق بين الفلسفة واللاهوت الطبيعي من جهة، وعلم الكلام من جهة أخرى. على الرغم من ذلك، فقد قال الكندي أنه يعتقد أن الوحي هو مصدر المعرفة للعقل، لأن مسائل الإيمان المسلم بها لا يمكن استيعابها. كان نهج الكندي الفلسفي بدائيًا، واعتبره المفكرين في وقت لاحق غير مقنع - ربما لأنه كان الفيلسوف الأول الذي يكتب بالعربية -، إلا أنه أدخل بنجاح الفكر الأرسطي والأفلاطوني المحدث إلى الفكر الفلسفي الإسلامي، فكان ذلك عاملاً مهمًا في إدخال تعميم الفلسفة اليونانية إلى الفكر الفلسفي الإسلامي.
مدرسته الفلسفية
يعد الكندي أول فيلسوف مسلم حقيقي، وقد تأثر إلى حد كبير بفكر فلاسفة المدرسة الأفلاطونية المحدثة أمثال بروكليوس وأفلوطين وجون فيلوبونوس، وإن كان قد تأثر ببعض أفكار المدارس الفلسفية الأخرى. وقد استشهد الكندي أيضًا في كتاباته الفلسفية بأرسطو، لكنه حاول إعادة صياغتها في إطار الفلسفة الأفلاطونية المحدثة، ويبدو ذلك أكثر وضوحًا في آرائه حول ما وراء الطبيعة وطبيعة الله. قديمًا، كان يعتقد أن الكندي متأثر بفكر المعتزلة، وذلك بسبب اهتمامه وإياهم بمسألة توحيد الله. ومع ذلك، أثبتت الدراسات الحديثة، أنها كانت مصادفة، فهو يختلف معهم حول عدد من موضوعات عقائدهم.
ما وراء الطبيعة
اعتقد الكندي أن هدف اهتمامات ما وراء الطبيعة من دراسة طبيعة الوجود وتفسير الظواهر الأساسية في الطبيعة ومستويات الوجود وأنواع الكيانات الموجودة في العالم والعلاقة بينها، هو معرفة الله. لهذا السبب، فرّق الكندي بين الفلسفة والإلهيات، لأن كلاهما يناقش نفس الموضوع. عارضه الفلاسفة اللاحقين، وبخاصة الفارابي وابن سينا، بشدة بشأن هذه المسألة، قائلين بأن ما وراء الطبيعة تهتم بطبيعة الوجود، وبالتالي، فهي تتعرض لطبيعة الله.
إضافة إلى إفراد الوحدانية المطلقة لله، وصف الكندي الله بـ «الخالق»، وقد خالف في تصوره الفلاسفة الأفلاطونيين المحدثين المسلمين اللاحقين حول كون الله المسبب للأسباب، فهو يرى أن الله المسبب للأسباب لأن كل الأسباب تحدث بإرادته. كان ذلك التصور أمرًا مهمًا في مراحل تطور الفلسفة الإسلامية، حيث قرّبت بين تصورات الفلسفة الأرسطية ومفهوم الله عند المسلمين.
نظرية المعرفة
للكندي نظرية تقول بأن الله خلق العقل أولاً، ومن خلاله خلق الله جميع الأشياء الأخرى. وبغض النظر عن أهميتها الميتافيزيقية الواضحة، فهي تظهر تأثر الكندي بالواقعية الأفلاطونية.
وفقًا لأفلاطون، فكل شيء موجود في العالم المادي، يرتبط ببعض الأشكال المسلم بها في عالم السماء. هذه الأشكال هي في الحقيقة مفاهيم مجردة كالنوع أو الجودة أو العلاقة، التي تنطبق على جميع الأشياء المادية والكائنات. على سبيل المثال، التفاحة الحمراء تستمد جودة احمرارها من عالمها الخاص. وقد أكد الكندي أن البشر لا يمكنهم تصور تلك الأشياء إلا بمساعدة خارجية. وبعبارة أخرى، أن العقل لا يمكنه فهم الأشياء ببساطة عن طريق فحص واحدة من النوع أو أكثر من مثيلاتها، وأن الأشياء لا تدرك إلا عن طريق التأمل والإدراك بالعقل أولاً.
استخدم الكندي مثالاً لشرح نظريته بالقياس، فقال أن الخشب في الأساس ساخن في حالة كُمون، ولكنه يتطلب شيءًا آخر ساخن فعليًا كالنار، ليظهر ذلك. وبمجرد أن يفهم العقل البشري طبيعة الأشياء، تصبح جزءً من «العقل المكتسب» للفرد، ويتوصل لتلك النتائج متى شاء.
الروح والحياة الآخرة
رأى الكندي أن الروح هي شيء غير مادي، يرتبط بالعالم المادي عن طريق تواجدها في الجسد المادي. لشرح طبيعة وجودنا الدنيوي، أخذ الكندي بفكرة أبكتاتوس، الذي وصف الوجود البشري بسفينة في رحلة عبر المحيط، راسية مؤقتًا على جزيرة، وسمحت لركابها بالنزول، وأن الركاب الذين بقوا لفترة طويلة على الجزيرة، قد تتركهم السفينة عندما تبحر مجددًا. فسر الكندي المثال بمفهوم رواقي، أننا لا يجب أن نرتبط بالأشياء المادية (التي تمثلها الجزيرة)، التي ستزول عنا (عند رحيل السفينة). ثم ربط ذلك بفكرة أفلاطونية محدثة، عندما قال أن أرواحنا يمكن أن نتركها تنساق لتحقيق رغباتنا أو نتحكم بها بعقلانية، فالأولى تنتهي بموت الجسم، أما الأخيرة فتحرر الروح من الجسد لتخلد «في نور الله» في عالم من النعيم الأبدي.
العلاقة بين الوحي والفلسفة
رأى الكندي أن النبوة والفلسفة طريقتان مختلفتان للوصول إلى الحقيقة، وقد فرّق بينهما في أربعة أوجه. أولاً، في الوقت الذي يتوجب على الشخص أن يخضع لفترة طويلة من التدريب والدراسة ليصبح فيلسوف، فإن النبوة يسبغها الله على أحد البشر. ثانيًا، أن الفيلسوف يصل إلى الحقيقة بتفكيره وبصعوبة بالغة، بينما النبي يهديه الله إلى الحقيقة. ثالثا، فهم النبي للحقيقة أوضح وأشمل من فهم الفيلسوف. رابعا، قدرة النبي على شرح الحقيقة للناس العاديين، أفضل من قدرة الفيلسوف. لذا استخلص الكندي أن النبي يتفوق على الفيلسوف في أمرين السهولة والدقة التي يتوصل بها للحقيقة، والطريقة التي كان يقدم بها الحقيقة للعوام. ومع ذلك، فكلاهما يسعى لهدف واحد. لذا، يرى الباحثون الغربيون، أن الكندي وضع فوارق بسيطة بين النبوة والفلسفة.
إضافة إلى ذلك، نظر الكندي للرؤى النبوية من وجهة نظر واقعية، فقال أن هناك بعض النفوس «النقية» المعدة إعدادًا جيدًا، قادرة على رؤية أحداث المستقبل. لم يربط الكندي تلك الرؤى أو الأحلام بوحي من الله، لكن بدلاً من ذلك قال أن التخيل يجعل الإنسان قادرًا على إدراك «هيئة» الأشياء دون الحاجة إلى لمس الكيان المادي لتلك الأشياء. لذلك، فإن أي شخص نقي النفس سيكون قادرًا على رؤية مثل تلك الرؤى. هذه الفكرة على وجه التحديد، من بين كل التفسيرات الأخرى للمعجزات النبوية التي هاجمها الغزالي في كتابه "تهافت الفلاسفة".
الاعتراضات على فكره
رغم أن الكندي أوضح فائدة الفلسفة في الإجابة على الأسئلة ذات الطابع الديني، إلا أن العديد من المفكرين الإسلاميين عارضوا أفكاره تلك، وليس كما يظن البعض أنهم عارضوا الفلسفة لأنها «علمًا أجنبيًا». يشير «أوليفر ليمان» الخبير في الفلسفة الإسلامية، إلى أن اعتراضات علماء الدين البارزين لم تكن على الفلسفة في حد ذاتها، ولكن كانت على الاستنتاجات التي توصل إليها الفلاسفة. وحتى الغزالي - الذي اشتهر بنقده للفلاسفة - كان خبيرًا بالفلسفة والمنطق، وانتقاداته كانت معارضة لاستنتاجات خاطئة تتعارض مع الدين، وأهمها خطأ الاعتقاد في خلود الكون مع الله، وإنكار بعث الجسد، والقول بأن الله على علم بالمسلمات المجردة فقط، وليس بالأمور الخاصة.
خلال حياته، حظي الكندي باهتمام الخليفتين المأمون والمعتصم بالله اللذان أيدا فكر المعتزلة، وهو ما افتقد إليه في نهاية حياته عندما تولى الخليفة المتوكل على الله الذي مال إلى فكر الأشاعرة، وبدأ في اضطهاد المدارس الفكرية الأخرى بما في ذلك الفلاسفة. في زمانه، تعرض الكندي للانتقاد لاعتباره «العقل» جوهر التقرب لله. كما خالف أيضًا المعتزلة، في حكمهم حول الصغائر. وقد مهّدت مسائل الكندي الفلسفية للجدل الكبير بين الفلاسفة ورجال الدين، التي تعرض لها الغزالي بالكامل في كتابه تهافت الفلاسفة.
مؤلفاته
- طالع أيضاً: قائمة مؤلفات الكندي
وفقًا لابن النديم، كتب الكندي على الأقل مئتان وستين كتابًا، منها اثنان وثلاثون في الهندسة، واثنان وعشرون في كل من الفلسفة والطب، وتسع كتب في المنطق واثنا عشر كتابًا في الفيزياء، بينما عدّ ابن أبي أصيبعة كتبه بمائتين وثمانين كتابًا. على الرغم من أن الكثير من مؤلفاته فقدت، فقد كان للكندي تأثيرًا في مجالات الفيزياء والرياضيات والطب والفلسفة والموسيقى استمر لعدة قرون، عن طريق الترجمات اللاتينية التي ترجمها جيرارد الكريموني، وبعض المخطوطات العربية الأخرى، أهمها الأربع وعشرون مخطوطة من أعماله المحفوظة في مكتبة تركية منذ منتصف القرن العشرين.
تناولت مواضيع مختلفة منها الفلسفة والمنطق والحساب والهندسة والفلك والطب والكيمياء والفيزياء وعلم النفس والأخلاقيات وتصنيف المعادن والجواهر. ومن مؤلفاته:
قالب:عمو-3 في الفلسفة- الفلسفة الأولى فيما دون الطبيعيات والتوحيد.
- كتاب الحث على تعلم الفلسفة.
- رسالة في أن لا تنال الفلسفة إلا بعلم الرياضيات.
- رسالة في المدخل المنطقي باستيفاء القول فيه.
- رسالة في الاحتراس من حدع السفسطائيين.
- رسالة في علة النوم والرؤيا وما ترمز به النفس.
- رسالة في المدخل إلى صناعة الموسيقى.
- رسالة في الإيقاع.
- رسالة في علل الأوضاع النجومية.
- رسالة في علل أحداث الجو.
- رسالة في ظاهريات الفلك.
- رسالة في صنعة الاسطرلاب.
- رسالة في المدخل إلى الأرثماطيقى: خمس مقالات.
- رسالة في استعمال الحساب الهندسي: أربع مقالات.
- رسالة في تأليف الأعداد.
- رسالة في الكمية المضافة.
- رسالة في النسب الزمنية.
- رسالة في الكريات.
- رسالة في أغراض إقليدس.
- رسالة في تقريب وتر الدائرة.
- رسالة في كيفية عمل دائرة مساوية لسطح إسطوانة مفروضة.
- رسالة في اختلاف مناظر المرآة.
- رسالة في سعار المرآة.
- رسالة في المد والجزر.
- رسالة في كيمياء العطر.
- رسالة في العطر وأنواعه.
- رسالة في التنبيه على خدع الكيميائيين.
- رسالة في أنواع الجواهر الثمينة وغيرها.
- رسالة في أنواع السيوف والحديد.
- رسالة في أنواع الحجارة.
التأثيرات على الكندي
التأثيرات اليونانية
في ضوء دوره البارز في حركة الترجمة، إن أعمال الكندي مليئة بأفكار من الثقافة اليونانية. إن أعماله الفلسفية مدينة بشكل جزئي للمؤلفين الرياضيين والعلماء المترجمين في أيامه، على سبيل المثال نيقوماخس الجرشي؛ كما أثر إقليدس على منهجيته ورياضياته. ولكن كان تأثير أرسطو على فلسفته هو الأكثر أهمية، حيث شغل الجزء الأكبر من أطروحة الكندي «رسالة في كمية كتب أرسطو طاليس وما يحتاج إليه في تحصيل الفلسفة». يوفر هذا العمل نظرة شاملة إلى حد ما على مجموعة أرسطو، على الرغم من أن الكندي لم يقرأ بوضوح بعض المقالات التي ناقشها.
في شرح الكندي لمفهومه عن الميتافيزيقيا، يبدو أنه يخلط بين الميتافيزيقيا واللاهوت ويظهر هذا جلياً في افتتاحية كتاب "رسالة إلى المعتصم بالله في الفلسفة الأولى"، والتي جاء بها «لأن كل ما له أنية له حقيقة، فالحق اضطراراً موجود إذن الأنيات موجودة. وأشرف الفلسفة وأعلاها مرتبة الفلسفة الأولى: أعني علم الحق الأول الذي هو علة كل حق». وبالفعل كان لميتافيزيقيا أرسطو تأثير كبير على هذا العمل. ومع ذلك، كما هو الحال في كتابات الكندي الفلسفية، فإن رسالة «الفلسفة الأولى» تضم الكثير من الأفكار المستنبطة من الترجمات الأفلاطونية.
تعد رسالة «الفلسفة الأولى»، مثالًا جيدًا على الطريقة التي يجمع بها الكندي بين الأفكار الأفلاطونية والأرسطية في رؤيته لفلسفة متماسكة مستمدة من الإغريق. لقد تم بالفعل إعداد الطريق لهذا المفهوم الشامل للإرث اليوناني من قبل الأفلاطونيين أنفسهم، الذين تفسر تعليقاتهم على أرسطو الميول المنسقة الواضحة عند الكندي. كان الكندي على أي حال حريصاً على التقليل من حدة أي توترات بين الفلاسفة اليونانيين، أو أي إخفاقات من قبل المفكرين اليونانيين. على سبيل المثال، لم يعطِ الكندي أي تلميح حول موقفه من الخلود في العالم بشكل متعارض مع أرسطو (ومن المثير للاهتمام أنه أكثر استعداداً للتعرف على أوجه القصور من جانب المفكرين العلميين اليونانيين، على سبيل المثال في بصريات إقليدس). لاحقاً في القسم الأول من رسالة الفلسفة الأولى، أطلق الكندي سيلاً من الإهانات ضد المعاصرين الذين لم يكشف عن هويتهم والذين ينتقدون استخدام الأفكار اليونانية: {{اقتباس|...وينبغي لنا أن لا نستحي من استحسان الحق، واقتناء الحق من أين أتى، وإن أتى من الأجناس القاصية عنا، والأمم المباينة، فإنه لا شيء أولى بطالب الحق من الحق. وليس يبخس الحق، ولا يصغر بقائله ولا بالآتي به. ولا أحد بخس الحق؛ بل كان يشرفه الحق. يحسن بنا، إذا كنا حراصاً على تتميم نوعنا - إذ الحق في ذلك - أن نلزم في كتابنا هذا عاداتنا في جميع موضوعاتنا من إحضار ما قال القدماء في ذلك قولاً تاماً على أقصد سبله وأسهلها سلوكاً على أبناء هذه السبيل، وتتميم ما لم يقولوا فيه قولاً تاماً على مجرى عادة اللسان وسنة الزمان، وبقدر طاقتنا، مع العلة العارضة لنا في ذلك...
يستخدم الكندي الفلسفة للدفاع عن الإسلام وتفسيره في العديد من الأعمال. كتب مقالة قصيرة تهاجم المذهب المسيحي للثالوث، مستخدماً مفاهيم مستقاة من إيساغوجي؛ دحض الكندي كان موضوعاً للنقد في القرن العاشر من قبل الفيلسوف المسيحي يحيى بن عدي. في حين أن هذا هو العمل الوحيد الموجود في الخلاف اللاهوتي، إلا أن المعلومات المنقولة عن ابن النديم أنه كتب أطروحات أخرى حول مواضيع مماثلة. تحتوي مدونته أيضاً على مقاطع يشرح بها معاني بعض مقاطع القرآن.
تظهر الرغبة في دمج الأفكار اليونانية مع ثقافته بطريقة مختلفة من خلال بعض التعاريف (قائمة بالمصطلحات الفلسفية التقنية مع تعريفها). ينسب هذا العمل إلى الكندي، وعلى الرغم من أن قد شكّك بصحته، إلا أنه شبه مؤكد أنّه على الأقل من إنتاج دائرة الكندي. تتوافق معظم المصطلحات المحددة مع المصطلحات الفنية اليونانية، وبالتالي تبنى مصطلحات فلسفية عربية تهدف إلى أن تكون مساوية لمصطلحات الإغريق. من اللافت للنظر أنه في وقت مبكر من التقاليد الفلسفية العربية، كانت هناك بالفعل حاجة ملحوظة إلى لغة تقنية جديدة لتوصيل الأفكار الفلسفية في بيئة مختلفة (وبالطبع من أجل ترجمة اليونانية إلى العربية).[١]
الإرث
لم يبرز تفاؤل الكندي حول هذه المواضيع في الأجيال اللاحقة، ولكن من بين المفكرين الذين تأثروا بالكندي، يمكن ملاحظة الميل المستمر لمواءمة الفلسفة الأجنبية مع التطورات الأصلية للثقافة الإسلامية. هذه إحدى سمات ما يمكن تسميته بـ«التقليد الكندي»، وهو تيار فكري يمتد حتى القرن العاشر، والذي يمثله بشكل واضح طلاب الجيلين الأول والثاني من طلاب الكندي. من أبرز هؤلاء المفكرين كان العميري، وهو مفكر أفلاطوني معروف، وقد كان طالباً من الجيل الثاني لطلاب الكندي.
على الرغم من أنه نادراً ما يتم الاستشهاد بالكندي من قبل المؤلفين الذين كتبوا بالعربية في وقت لاحق من القرن العاشر، إلا أنه كان شخصية مهمة للمؤلفين اللاتينيين في العصور الوسطى. إضافةً إلى ذلك، يمكن القول أن الفلسفة في العالم الإسلامي بحد ذاتها كانت إرثاً واسعاً لعمل الكندي، وهذا الأمر يمكن تفسيره من ناحيتين. أولاً، أصبحت الترجمات التي يتم إنتاجها في دائرة الكنديين نصوص فلسفية قياسية لعدة قرون قادمة، ومن المؤثر بشكل خاص أن تكون ترجماتهم لبعض الأعمال الأرسطية (مثل الميتافيزيقيا) وأفلوطين حسب لاهوت أرسطو. ثانياً، على الرغم من أن مؤلفين مثل الفارابي وابن رشد بالكاد يذكرون الكندي بالاسم (الفارابي لا يفعل ذلك أبداً ، وابن رشد يفعل ذلك فقط لانتقاد نظريته الدوائية)، فإنهما يواصلان مشروعه الخيري، حيث تعرف ممارسة الفلسفة من خلال المشاركة مع الأعمال الفلسفية اليونانية.
الكندي فيلسوف العرب
أول ثمرة من ثمار انتقال الفلسفة وعلوم الأوائل اليونانية إلى العالم العربي هي : أبو يوسف يعقوب بن اسحق الكندي، الملقب ببفيلوفب العرب»، وهو لقب قديم، يذكره ابن النديم في «الفهرست» (ألفه ابن النديم في سنة ٣٧٧ه ح ٩٨٧م)، فيقول: «ويسمى فيلوف العرب» (ص٢٥٠س٢٢، نشرة فلوجل). ويلذ لأصحاب السير أن يذكروا نسبه الطويل حتى يصل إلى يعرب بن قحطان، وربما كانذلك ليؤكدوا أنه من أصل عربيصريحلاشك فيه(١) وكان أبوه اميراً على الكوفة، ولاه عليها الخليفة المهدي (خلافته ١٥٨-١٦٩ ه) ثم هارون الرشيد (١٧٠-١٩٣ه).
( ١ ) راجع عن حباته: ا) ابن الديم: ٠ الفهرست، ص ه ه ٢- ٢٦١ . شر: فلوجل، ببتن، ئ ١٨٧٢؛
ب) صاعد الاندلي: «طبقات الأمم، ص٥١- ٠٥٢ طبعة شبخو، يروت، ١٩١٢؛
ج) القمطي اخبارالعلماءباخبارالحكماء، ص٣٦٦- ٣٧٨، نرة حءئ اًذ سيعا ٠يون «يا ي دين الأطبا٠٠ ر١ص٦'٢-٠٢١٤ القاهرة ستة ١٨٨٢؛
ه) ابر جلجل. «طقان الأطاء والحكماء، صر٧٣- ٧٤، القاهرة ف^البيه [تتمة صران الحكمة، مرا٤، دحق ث ١٩٤٦؛ ز) ابو ليمان المطفي الجنان :صوان الحكمة،، نحقين عبد انرحن بدوي، لهران سة ١٩٧٤
ولا نعرف تاريخ ميلاده، ولا تاريخ وفاته على وجم التحديد. ولهذا اختلف الباحثون في تقدير تاريخ وفاته : فجعله نلينوحوالى سنة ٢٦٠ه (٨٧٣م)، وماسينيون يحدده بسنة ٢٤٦ه ( ٨٦٠م)، والشيخ مصطفى عبد الرازق بنهاية سنة ٢٥٢ ه (٨٦٤م) على أساس أن الجاحظ المتوفى سنة ٢٥٥ه يتكلم عن الكندي على أنه متوفى، لكننالانعرف متى توفي الجاحظ على وجه التدقيق. وربما كان أرجح الآراء ما ذكره نلينو وايده بروكلمن وهو سنة ٢٦٠ه (٨٧٣م).
وحظي الكندي بالشهرة في عهد خلافة المأمون (١٩٨-٢١٨هح ٨٣٣٨١٣م)، حى إن المعتصم اتخذه معليالابنه احمد، وسيهدي الكندي إلى أحمد هذا عدة رسائل. ومن ثم يمكن أن نفترض أن الكندي ولد حوالى سنة ١٨٠ه (٧٩٦م) في البصرة، حيث كان لوالده ضياع، كما يقول ابن جلجل (ص٧٣)، أوفي الكوفة بحسب ما يقول ابن نباتة («سرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون» ص١٢٣). وهذاارجح لأن اباه كان واياً ض الكوفة.
ثم ذهب إلى بغداد لإتمام دراسته الفلسفية والعلمية. ويفترض انه غشي اوساط المترجمين من اليونانية والسريانية إلى العربية، خصرصا يحي بن البطريق وابن ناعمة الحمصي .
ولما صارمعلما لاحمد، ابن الخليفة المعتصم باله (تولى الخلافة من سنة ٢١٨ه حتى سنة ٢٢٧ ه—)صار مرموق المكانة، عا جعله هدفاً للحاسدين. وتامر ضده محمودوأحد ابنا موسى بن شاكر، لدى الخليفة المتوكل (٢٣٢-٢٤٧ه)، فأمر لمتوكل بضرب الكندي وسمح لابفي شاكر بالاستيلاء على مكتبة الكندي. لكن ظروفاً غيرعاديةمكنت الكندي من اتردادها.
مؤلفاته
الف الكندي عدداً هائلا من الرسائل في مختلف فروع علوم الأوائل: الفلسفة، علم النفس، الطب، الهندسة، الفلك، الموسيقى، التنجيم، الجدل الديني، السياسة. وفد أورد كل من بن النديم والقفطي وابن اي اصيبعة ثبتاً باسماء مؤلفاته. وأقدمها هوما أورده ابن النديم في «الفهرست» (ص٢٥٥- ٢٦١، نثرة فلوجل، لييتسك سنة ١٨٧١)، ويشتمل على ٢٤١ عنواناً، مصنفة كما يلي:
الكندي
ا) في الفلسفة ؟؟عنواناً؛
ب) في المطق.؟ عنواناً؛
ج) في الكريات ٨ عنوانات؛
د) في الموسيقى٧؛
ه) في علم النجوم ٩ ١ ؛
و) في الهندسة ٢٣؛
ز) في الفلك ١٦؛
ح) الطب؛
ط) في أحكام النجوم ٠ ١ ؛
ي) يالجدل ١؛
.ل) في علم النفس ه؛
يب) يالسيا ة١٢؛
يج) الاحداثيات (العلل) ١٤؛
يد) الابعاديات (الأبعاد) ٨؛
يه) التقدميات ٥؛
يو) الانواعيات (انواع الأشياء الخ) ومتنوعات متفرقة ٣٣.
فالمجموع عند ابن النديم ٢٤١ عنوانا؛ وعند القفطي ٢٨؛ وعند ابن أي أصيبعة ٢٨١.
ولنكتفي بذكر ما لا يزال موجوداً منها حتى اليوم، ونقتصر على ما يدخل في ميدان الفلسفة بالمعنى المحدود:
١) كتاب إلى المعتصم بالله في الفلسفة الأولى، مخطوط أياصوفيا رقم ٤٨٣٢ (ورقة ٤٣أ_٣هأ).
٢) رسالة إلى أحمد بن المعتصم في الابانة عن سجود الجرم الأقصى وطاعته لله. المخطوط نفسه ورقة ٣٢أ -٣٤ب.
٣) رسالة في حدود الأشياء ورسومها، المخطوط نفسه ورقة ٥٣ب- ٥٤ب.
٤) رسالة في العقل، المخطوط نفسه ورقة ٢٢ب-٢٣أ
٥ ) رسالة في كمية كتب ارسطوطاليس وما يحتاج إليه في تحصيل الفلسفة، المخطوط نفسه ورقة ٢٨أ ٣١.
٦ ) رسالة إلىعلي بن الجهم في وحدانية الله وتناهي جرم العالم، المخطوط نفسه ورقة ٥ ا-٦أ؛ ومخطوط تهران،مجلس،ج٢؛٦٤ .
٧) رسالة في الفعل الحق الأول التام والفاعل الناقص
الذي هوبالمجاز. مخطوط أياصوفيا رقم ٤٨٣٢ ورقة ٥٥ب.
٨) رسالة في القول في النفس، المختصر من كتاب ارسطو وأفلاطون وسائر الفلاسفة. مخطوط في المتحف البريطاني برقم ٦٠٦٩ شرقي ورقة ٩ ب - ١٢أ؛ والتيورية بدار الكتب المصرية رقم ٥٥ص ٦٣- ٧٦ .
٩) كتاب الخسوف، مخطوط ليدن رقم ٢٠٧٤
١٠) رسالة في أنه (توجد) جواهر، لا أجسام، مخطوط اياصوفيا ٤٨٣٢ ورقة ٣٤أ
١١) رسالة في مائية ما لا يمكن أن يكون لا هاية له، وما الذي يقال لا نهاية له. مخطوط اياصوفيا رقم ٤٨٣٢ ورقة ٥٥أ-٥ب
١٢) كلام في النفس، ختصر وجيز، المخطوط نفسم ورقة ٣٤أ
١٣) رسالة في الحيلة لدفع الأحزان، المخطوط نفسه ورقة٢٤أ-٢٧ب.
١٤) كتاب في الابانة عن العلة الفاعلة القريبة للكون والفساد، المخطوط نفسه ورقة ٣٥- ٣٩أ
١٥) رسالة في ماهية النوم والرؤيا، المخطوط نفسه ورقة٩أ-١١أ
١٦) رسالة إلى احمد بن محمد الخراسافي في ايضاح تناهي جزم العالم، المخطوط نفسه ورقة ١٣أ- ١٤أ.
وقد نشرهذه الرسائل البينوناجي، وم جويدي، ورتر، وفورلاني، وعبد الهادي ابو ريده، وقمنا نحن بنشر رقمي ٤ ،١٣ في كتابنا رسائل فلسفية»، وسنقوم بنشر سائر الرسائل لأن النشرات السابقة بمعزل كلها عن التحقيق النقدي، وسنقوم بالتصحيح فيما نورده عنها دون حاجة الى التنبيه علىذلك في كل موضع.
فلسفته
١٠-
تمهيدات
اثبتنا(١) بالأدلة القاطعة ان الكندي لم يكن يعرف
(١) راجع كابنا: ادود العرب في تكرين الفكر الأوروب، م١٦٤- مى١٨٨. ط٢، القاهرة، سنة ١٩٦٧، وكتابا بالفرنية Transmission de la philosophie •ا
32 - 26 .grtcque..., PP
الكندي
اليونانية. وإنمه كان يعتمد على الترجمات التي تمت من السريانية أو اليونانية إلى العربية. ومن مراجعة هذه الترجمات، التي نشرنا معظمها، يتبين لنا ان مصطلحاته قد اخذها كلها من هذه الترجمات نفسها. أما عن إصلاحه لبعض الترجمات (مثل ترجمة ,اثولوجيا، التي قام بها ابن ناعمة الحمصي) فدوره لا يتعدى إصلاح الأسلوب العربي.
أ- تعريفه للفلسفة
في رسالته في «حدود الأشياء ورسومها»، أورد الكندي ستة تعريفات للفلسفة، هي :
١- تعريف بحب الاشتقاق: الفلفة هى «حب الحكمة، لان «فيلسوف» هومرنب من اقيلا,-وهي «محب,-ومن «سوفيا» وهي الحكمة» ,
٢- تعريف بحسب تأثيرها: «إن الفلسفة هي التشبه بأفعال الله تعالى، بقدر طاقة الانان ارادوا ان يكون الإنسان كامل الفضيلة».
وهو تعريف يرجع إلى أفلاطون («تئيتاتوس» ص ١٧٦ب) ويرد في المقدمات الفلسفية إلى بعض شروح الشراح الاسكندرانيين في القرنين الخام والسادس، مثل شرح امونيوس على امدخل, فرفوريوس ,.ام٤0995.8٨35٤) , (3,1٧)
٣) تعريف للفلسفة «من جهة غايتها»: الفلسفة هى «العناية بالموت؛ والموت عندهم موتان: طبيعي، وهو ترك النف استعمال البدن؛ والثاني : إماتة الشهوات- وهذا هو اموت الذي قصدوا إليه، لأن اماتة انشهوات هي السبيل إلى الفضيلة، ولذلك قال كثير من أجدة القدماء : اللذة شر. فباضطرار أنه إذا كان للنف استعمالان: احدهما حتى والآخر عقل، كان مما سمى الناس لذة ما يعرض في الاحساس، لأن التشاغل بالذات الحسية ترك لاستعمال الل».
وهذا التعريف مأخوذ هو الآخر عن أفلاطون (فيدون ٦٤ أ).
٤) تعريف من جهة العلة: احاعة الصناعات، وحكمةالجكز,.
٥ ) تعريف اخر: «الفلفة معرفة الإنسان نفسه؛ وهذا فول شريف النهاية بعيد الغور. مثلا اقرل: إن الأشياء إذا
كانت أجساماً ولا اجسام؛ وما لا اجام <٠ي>: إما جواهر، وإماأعراض؛ وكان الانسان هو الجم والنفس والأعراض، وكانت النف جوهرا لاجسيما، فإنه إذا عرف ذاته، عرف الجم باعراضه، والعرض الأول والجوهر الذي هو لا جم، فإذن إذا عدم ذلك جميعاً، فقد علم الكل؛ ولهذه العلة سمى الحكماء الإنسان: العالم الأصغر,.
وهذا التعريف يقوم على القول المشهور: «اعرف نفسك بنفسك، ، ماخوذاً بمعفى غنوصي ما يجعله يرجع إلى القرون الثاني والثالث والرابع بعد الميلاد. والكندي في موضع اخر (الرسائل» ج١ ص ٢٦٠ س٧- ٨) يورد هذه النظرية بالتفصيل، وهي التي تقول إن الانسان في نظر الفلاسفة القدماء ، عالم صغير، لأن فيه توجد كل القوى الموجودة في الك.
٦) والتعريف الاخير للفلسفة هو بحسب جوهرها الخاص: الفلسفة علم الأشياء لأبدية الكلية: آنياتها ومائيتها وعللها، بقدرطاقة الإنسان».
وهذا التعريف شبيه بما ورد في المقدمات للشروح الاسكندرانية، وبما أورده أرسطو (في كتاب «ما بعد الطبيعة» م الفا الكبرى، ص ٩٨٢ ا ص ٧- ٢٢).
وقد اورد الكندي هذه التعريفات الستة دون ان يرجح احدها(').
( ١) بورد أبو الفرج بن الطيب في كتاء «تفسير كتاب يساغوجي لفرفوريس، (طبع بيررت سة ١٩٧٥ ص ١٧- ص ١٤) الحدود الستة ويفرل إن ثلاثة منها (مقرلة) عن فيناغورس، واثنان عن افلاطون، راحد عن أرسطو، والحد الأرل هو أن الفلنة هي اطم جميع الاشياء الموجردة بما هي موجودة،، والثافي هوان «الفلفة هي علم الامور الإلهية رالانابة، ؟ رالحد اكالث هو أن «الفلسفة هي ايثار الحكمة - رهنه الحدود الغلاة هي ليئاغررس
والحد الرابع هو ان «الفلفة هي معانا: المون؟ اعفي إيئار الموت،. رالحد الخامس هو أن الملمة هي النشبه باش تعالى بحب المطاقة الانانة في علم الحق رفعل الخير و«هذان الحدان هما لفلاطن
والحد الادس هوأن الفلسفة هي صاعة المانع وعلم العلوم وهوالذي حدثنا به ارسطو في المقالة الأولى مر كتابه ما بعد الطببعة:
وهكذا حد ابن الطي بذكر هده الحدود الستة للفلفة موبة إلى اصحاها، ما يدل عل أنه ؤعا ذلك عن مصدر رياي ماشرة
اما الكندي طم بنسبها إلى أصحابها: فيثاغورس وأفلاطون رارسطو، ما حعل البعف بتومم أهامنعنده!.
الكندي
ب- معرفته بتاريخ الفلسفة-
ما ورد لنا من رسائل الكندي تبين لنا أن معرفته بالفلسفة اليونانية اقتصرت على ارسطو، وألمت إلماماً ضئيلا بفلسفة أفلاطون، وشملت فلسفة أفلوطين لكن بوصفها فلسفة لأرسطو. فقد كرس رسالة صنف فيها مؤلفات ارسطو، وذكر موضوعاتها بطريقة موجزة جدا. ونراه يذكر فلاطون في رسالته المختصرة عن النفس، كما أن له رسالة في يضاح لأعداد المذكورة في محاورة «السياسة» (المعروفة خطأ باسم «الجمهورية») لكن يبدو أن معرفته بمحاورات أفلاطون كانت ضئيلة للغاية، رغم ان محاورات «طيماوس» و«السياسة» و«النواميس» كانت قد ترجمت إلى العربية. أما معرفته بأفلوطين فمن خلال كتاب «أثولوجيا ارسطوطاليس» الذي هوخلاصة موسعة للتساعات الثلاثة الأخيرة (٤- ٦) من «تساعات» افلوطين، لكنها لم تعرف في العالم العربي إلاً منحولة لأرسطو.
الكندي متأثر إذن بأرسطو، دون غيره من الفلاسفة اليونانيين، كل التأثر، إلى حد اننا نستطيع ان نرد جماع آرائه وعروضه المذهبية إلى أصولها المباشرة في مؤلفات أرسطو، احياناً بحروفها، وأحيانآ عل مبيل التلخيص، اوالشرح، او البسيط
٢
ما بعد الطبيعة
وناخذ الآن في بيان أجزاء فلسفة الكندي، ونبداً بما بعد الطبيعة، أو الفلسفة الأولى:
يقول الكندي إن الفلسفة الأولى هي انبل اجزاء لفلسفة. ذلك أنها علم بالحق الأول، الذي هوعلة كل حق. ولهذا فإن الفيلسوف الكامل هو من يتعمق في هذا العلم النبيل الشريف. ذلك ان هذا العلم هو العلم بالعلة، والعلم يالعلة أشرف من العلم بالمعلول، لأننا لا نكتسب علاً كاملا بالثيء إلا إذا عرفنا علته معرفة كاملة.
وعلم العلة الأولى يسمى عن حتي: «الفلفة الأول»، لأن باقي الفلفة مندرج في هذا العلم، إذ هوالعلم الأول سواء من حيث المرتبة، ومن حيث اليقين، ومن حيث الزمان. وإذا كان شرف العلم بشرف موضوعه كما يقول أرسطو، فإن علم العلة الأولى هو اشرف العلوم إذ موضوعه
أشرف موضوع.
وبعد أن يحدد دور ومكانة الفلسفة الأولى على نحو ما قال أرسطو («ما بعد الطبيعة» مقالة ألفا الكبرى ف٢ ص ٩٨٢ أ مى ١٩٨ ؛ الفا الصغرى م١ ص٩٩٣ ب١٩-٢٣) ينوه الكنديبما علينا من دين نحو الأفدمين، الذين كانوا يتكلمون لغة غير لغتنا؛ وعلى الرغم من أنم ل يبلغوا من الحقيقة إلا مقدارا جزئيا، فإن ما حصلوه، مضافا إلى ما حصله غيرهم، يكون قدراً لا باس به من الحقيقة . وعلينا ان نشكر لهم انهم مكنونا من المشاركة في ثمار تأملاهم، وسهلوا لنا الفحص عن المشاكل. ويشيرها هنا إلى ما قاله أرسطو، وإن كان يتجاوز في فهمه نص ما اورده أرسطو. على كل حال، يريد الكندي أن يعبر عن عرفانه لأولئك الذين نطقوا بالحق، إلى أية ملة أو جن انتسبوا. ذلك لأن من يطلب الحقيقة فعليه ان ينشدها أن وجدها. وبهذه المناسبة يهاجم رجال الدين الذين يتجرون في الدين وهم من الدين براء، ولا يظهرون غيرة على الدين الا للدفاع عن مناصبهم الزائفة التي لم يشغلوها عن استحقاق («الرسائل» ج١ ، ص١٠٤). لأنه، كما لاحظ، لا دين لمن يقاوم العلم بالأشياء كماهي. ذلك أن العلم بحقائق الأشياء كما هي تشمل العلم الإلهي، وعلم التوحيد، وعلم الفضائل، وبالجملة : علم كل ما هو نافع. والعلم بهذه الأمور يوصي به الرسل الصادقونا لذين بعث الله بهم، لأن هؤلاء يقررون الوهية الله وحده، والسعي نحو الفضائل وتجنب الرذائل. وإلحاحه في توكيد هذا الأمر يدل على أنه إنما يتوجه إلى اعداء للفلسفة اليونانية من بين رجال الدين أو المتكلمين المعاصرين له. وربما كانوا أهل السنة والحنابلة الذين انتصروا في خلافة المتوكل (٢٣٢-٢٤٧ه=٨٤٧-٦١).
ويقرر الكندي الا يحفل باعتراضاتهم، لأن ما يهمه هو أن يقتاد الجنس البثري إلى الكمال- («الرسائل» . ج١ ص١٠٣). يقول: ينبغي الا نستحي من استحسان الحق واقتناء الحق من اين اق، وإن أتى من الأجناس القاصيةعنا والأمم المتباينة».
وبعد أن بين ضرورة الاشتغال بالفلسفة الأولى، راح يتناول مسائلها.
أ) موضوع الفلسفة الأولى ومنهجها
ولبيان موضوع الفلسفة الأولى يميز الكندي بين نوعين
الكندي
من الموجود: المحسوس، والمعقول. والأشياء إما كلية، وإما جزئية. فالكلية هي الأجناس بالنسبة إلى الأنواع، وهي الأنواع بالنسبة إلى الأفراد. والأفراد تقع تحت الحواس؛ اما الأجناس والأنواع فلا تقع تحت الحس، ولي لها وجود محسوس، بل تقع تحت العقل.
ولما كانت الموجودات محسوسة ومعقولة، كانالبحثعن الحق سهلا من جهة، عسيراً من جهة اخرى. ومن يرد تصور المعقول على غرار المحسوس، لا يدركه، كما أن الخفافيش لا تدرك الموضوعات الواضحة في ضوء الشمس.
ونتيجة هذا أن نقرر أن للموجودات المحسوسة علما يخصها هو العلم الطبيعي، وللموجودات المعقولة علما يخصها هو لفلسفة الأولى.
أما المنهج الواجب اتباعه في البحث في الفلسفة الأولى فهو البرهان بال معفى الدقيق، إذ لا يصلح لها المنهج لمستخدم في العلم الطبيعي لأنه غير يقيني.
ب) اللامتناهي
ثم يتناول الكندي بعض الموضوعات الأساسية في علم ما بعد الطبيعة. ومنها: اللامتناهي.
ومهد لبحثه فيه بعرض موجز عن طبيعة الأزلي. يقول فيرسالته في حدود الأشياء ورسومها» إن «الأزلى (هول الذي لم يكن لي، ولي يحتاج في قوامم الى غيره. والذي لا يجتاج في قوامه إلى غير. فلاعلة له . وما لا علة له فدائم أبدا («الرسائل» ج١ ص ١٦٩ س١٠- س١). والأزلي لا جنس له (ج١ ص١١٣) وهو لا يفسد، ولا يستحيل، ولا ينتقل إلى التمام (ج١ ص١١٤) لأنه تام ابداً اضطراراً» (الموضع نفسه). والجسم له جنس وأنواع. لكن الأزلي لا جنس له. إذن الأزلي لي جما. وبعبارة اخرى: الجسم لا يمكن أن يكون ازليا.
وبعد ان أكد الكندي هذه المعاني، ساق برهانه على نحو منطقي منظم، لبيان ان الجسم لا يمكن ان يكون لا متناهياً بالفعل، وإن كان كذلك بالقوة اي بالإمكان.
ومن اجل هذا البرهان يسوق المقدمات التالية التي يرى الكندي أغها قضايا بينة بنفسها :
ا) كل الأجسام، التي لي واحد منها اكبرمن غيره، متساوية؛
ب) والأجسام التي تكون المابات بين :اياتها متسارية، هي متسارية بالفعل وبالقوة معاً؛
ج) المتناهي لا يكون غير متناه؛
د) إذا أضفنا إلى احد الأجسام المتساوية جسما، لكان أكبرها، وسيكون أكبر مما كان قبل إضافة هذا الجسم إليه؛
ه) إذا اجتمع جسمان متناهيان في المقدار، فإن الجسم الناتج عنهما سيكون متناهياً هو الآخر في المقدار. وهذا صادق على كل جسم، وعلى كل ما له مقدار؛
و) لأصغر بين شيئين متجانسين يعد الأكبر منهما، او جزءامنهذا.
فإن كان ها هنا جسم لا متناه، فإنه لوفصل عنه جسم متناه في المقدار، فإن الباقى إما ان يكون متناهياً في المقدار، او غير متناه في المقدار. فإن كان متناهياً، فإنه إذا اضيف إليه ما فصل منه (وهو متناه في المقدار)، فإن الجسم المؤلف من كليهما سيكون متناهياً. لكنهكان قبل هذا اسل لاساف. إذن سيكون متناهيا ولا متناهيا في وقت واحد، وهذا متناقض ومحال. اما أن كان البال لا متناهياً، فإنه إذا أفف إبه ما انتزع منه، فإنه إما ان يصير أكبر مما كان قبل هذه الاضافة، او مساوياً. فإن كان 1كبر مما كان، فإن اللامتناهي سيكون أكبر من اللامتناهي. وهذا محال.
وبهذا يثبت أنه لا يوجد جسم لا متناه، وبالتالي لا يوجد مقدار لا متناه بالفعل.
ثم إن الزمان كمية. إذن لا يمكن أن يوجد زمان لا متناه بالفعل. إذن للزمان بداية وسيكون له نهاية.
ومن ناحية اخرى فإن ما يوجد في متناه يجب أن يكون متناهياً ايضاً. مثال ذلك: الحركة، والكمية، والزمان، والمكان، توجد في جسم،، فهي متناهية إذن، لأن الجسم متناه.
وإذن فجرم الكل (أي جسم العالم) متناه هو وكل ما يوجد فيه.
ذلك هو البرهان على تناهي جرم العالم، الذي ساقه الكندي في كتابه «إلى المعتصم بالله في الفلسفة الأولى».
(١) راجع <ىب الى المعتصم باش ز الفلفة الأرلى،، ضمن ارسائل الكدي الفلفية:
الكتدي
ويعالج نفس الموضوع في رسالة إلى أحمد بن محمد الخراسافي في ايضاح تناهي جزم العالم» («الرسائل» ج١ ص١٨٦- ١٩٢) ولكنه يسوق البرهان بطريقة رياضية. كذلك عالج اموضوع نفسه وساق برهاناً مشايهاً في رسالتين اخريين هما : (١) ,رسالة في مائية ما لا يمكن أن يكون لا هاية له وما الذي يقال لا نهاية له» («الرسائل» ص١٩٤- ١٩٦)؛ (٢) «رسالة إلىعلي بن الجهم في وحدانية الله وتناهي -حزم العالم» («الرسائل» ج١ ص٢٠٢-٢٠٣).
وبين هذه الرسائل الأربع تكرار أحياناً بحروفه، مما يثير الدهشة، لكن ربما كان السبب في ذلك هو اختلاف من وجهت الرسائل إليهم، ما لم مجد معه حرجاً في التكرار! •
وإذا تساءلنا الأن عن المصادر اليونانية لكلام الكندي، لوجدناها لدى اثنين :
١- أرسطو في المقالة الثالثة، الفصل الخاس، من كتاب ,الطبيعة».
٢- برقلس الافلاطوفي المحدث، الذي أورد ثلاث حجج ضد اللامتناهي بالفعل:
أ) الحجة الأولى أوردى في القضية الأولى من «عناصر الثائولوجيا» ؛ وخلاصتها: استحالة تصرر مجموع من لامتناهيات عددية، سيكون بالضرورة أكبر في العدد من اللايايه. وقد *غى هذه الحجة بالتفصيل في «اللاهوت الأفلاطوفي» (المقالة الثانية، الفصل الأول).
ب) والحجة الثانية وردت في اللاهوت الأفلاطوني» (م٢ ف١)؛ وخلاصتها أن الكثرة المحضة ستكون لا متناهية، وبالتالي لا يمكن معرفتها.
ج) والحجة الثالثة وردت في «اللاهوت الأفلاطوني» ايضاً (م٢ ، ف١) وخلاصتها: ان الكون المؤلف من كثرة محضة سيتحطم فيه أساس المعرفة، لأنه يستبعد -بالفرض-كل وحدة بين العقل وموضوعاته.
كذلك تطرق برقلس إلى نفس الموضوع في شرحه على محاورة «برمنيدس»- (2411 ,1100) ع0ن2 1221 •1
وكتاب «اللاهوت الأفلاطوفي» هذا ذكره ابن النديم ضمن مؤلفات برقلس (الفهرست» ص٢٥٢، س١٦، نشرة فلوجل)، ولكنه لم يذكر له ترجمة إلى العربية ولا إلى السريانية.
اما الطبيعة، («السماع الطبيعي») لأرسطو، فإن قسطا بن لرقا قد ترجم نصفم الأول، بينما ترجم ابن ناعمة الحمصي نصفه الثاني، فضلا عن ترجمة اسحق بن حنين التي نشرناها مع شروح لابن السمح وابن الطيب ويحي بن عدي ومى (القاهرة فيجزءين سنة ١٩٦٤- ١٩٦٥).
لكن الكندي- على العكس من أرسطو وبرقلس-استخدم برهانه لابطال الامتناهي في إبطال الزمان اللامتناهي، والحركة الأزلية الأبدية.
وهاك برهانه: إذا كانقبلكل فترة من الزمان فترة سابقة، وهكذا إلى غيرغهاية، فسيكون هناك زمان لا متناه بين الأزلية واليوم الذي نحن فيه. لكن من المستحيل قطع اللامتناهي. إذن لا يمكن أن يوجد بين الأزلية ويومنا الحاضر لا نهاية. فسيكون ثم زمان لا متناه ومتناه معاً، وهذا خلف وإحالة. كذلك إذا نظرنا إلى المستقبل فإنه سيكون بين يومنا الحاضر وبين الأيدية ما لا نهاية، وإذن سيكون هناك لا متناه متناه، وهذا نخلف وتناقض وإذن الزمان ليس لا متناهياً ومدة العالم إذن ليست لا متناهية.
يقون الكندي : «لا يمكن أن يكون زمان لا غهاية له بالفعل في ماضيه ولا آتيه. فنقول: إنقبل كل فصل من الزمان فصلا، إلى أن ينتهى إلى فضل من الزمان لا يكون فصل قبله، أعني إلى مدة مفصولة ليست قبلها مدة مفصولة. لايمكنغيرذلك. فإن أمكن ذلك، فإنخلفكلفصل من الزمان فصلا بلا نهاية. فإذن لا ينتهى إلى زمان مفروض ابداً، لأن من ا نهاية في القدم إلى هذا الزمان المفروض فصاعدا فى الأزمنة إلى ما ا نهاية، ما يساوى المدة إلى هذا الزمن لمفروض، فإن كان ض لا باية إلى زمن محدود معلومان فإن من ذلك الزمن المعلوم إلى ما لا باية من الزمان معلوما، فيكون إذن لا متناهياً وهذا خلف لا يمكن. وأيضاً إن كان لاينتهى إلى الزمان المحدود حتى ينتهى إلى زمن قبله، ولاإلى الذي قبله حى ينتهى إلىزمن قبله، وكذلك بلا نهايق وما لا نهاية له لا تقطع مسافته، ولا يؤ ق على آخرها، فإنه لا يقطع ما لا هاية له من الزمان حتى يتتهي إلى زمان محدود بتق والانتهاء إلى زمن محدود موجود به؛ فليس الزمان فصلا من لا نهاية، بل من نهاية إضطرارا» («الرسائل» ج١ ص١٢١-١٢٢).
والزمان كمية متصلة» (الكتاب نفسه ج١ من١١٩).
الكندي
وذلك لأن الآن يشمل الماضي والمستقبل، وما بينهما من آن لا يبقى، إذ انه لا يبقى امام تفكيرنا فيه.
والزمان عنده واحد، لا يختلف باختلاف الأشياء. والزمان ليس الحركة، بل هوعدد يعد الحركة (١) ، وهذا هو نص تعريف أرسطوللزمان، إذقال: ,الزمان هوعدد الحركة بحسب المتقدم والمتأخر».
ج) الواحد
الله واحد. لكن ينبغي أن نحدد بأي معفى نصفه بهذه الصفة. ومن أجل ذلك يدخل الكندي في مناقشة طويلة حول معفى «الواحد» في كتابه «في الفلسفة الأولى» («الرسائل» ج١ ص ١٦٢٠١٥٤).
فيقرر اولاً ان ,الواحده يقال: إما بالعرض، وإما با لجوهر اواماهية-
فهويقال بالعرض في الألفاظ المشتركة والمترادفة، مثل امدية والشفرة والسكين فهما واحد من حيث الموضوع الذي يدلان عليه وهو القطعة الحادة من الحديد التي تستعمل للقطع؛ وكذلك الألفاظ المشتركة مثل ,اعين» بالنسبة إلى كون اللفظ واحداً والمدلولات مختلفة.
ويقال الواحد با لجوهر أو لماهية عن الأشياء ذات الماهية الواحدة، وحينئذ يقال بحسب أربع احوال:
أ) بحسب الاتصال، وهذا يدخل في باب العنصر؛
ب) أو بحسب الصررة، وهذا من باب النوع؛
ج) أو بحسب الاسم، وهذا من باب العنصر والصورة معا؛
د) أو بحسب الجنس، وهذا من باب العنصر.
ولما كان الكثيره يقال في مقابل ,الواحد»، انقسم ,الكثير» وفقاً لنفس الأحوال التي انقسم بحسبها ,الواحد»، ولكن على نحوعكسي : فهناك كثرة بحسب الانفصال، أو الصررة، أو الجنر، او النظير(٢)
(١) راجع رمالة الكندج في الجواهر الخمة، وقد هغد اصلها المرب، وبفيت ترجمتها اللاتينبة الق نثرها البينو ناجي لاع2ل ·٨ في مجمرعة «اسهامات في تاريح فلفة العصور الرخم! ج٢ ، الكراسة ، مرننر سنة ١٨٩٧ .
(٢) ارسأتل الكندي» ج١ م١٩- ١٦٠ .
وهذه التقسيمات هي بعينها التي ذكرها أرسطو في كتاب «ما بعد الطبيعة» (مقالة الدلتا، ف٦ ص١٠١٦ ب٣٢-١٠١٧.
وبعد ان ساق هذه الأقسام، ناقش كل فسم منها بحثاً عما هو «الواحد» بحق:
أ) الواحد بحق ليس ذلك الذي يطلق على الألفاظ المشتركة اوالمترادفة، لأنه في هاتين()لحالتين يدل على اشياء كثيرة؛
ب) وليس هو المقول بحسب العنصر (الاسطقس)، لأنه يدل ايضاً على عدة اشياء مثل : الباب والسرير من حيث العنصر الذي هو الحشب؛
ج) وليس هو غير القابل للقسمة، لأن ما ا ينقسم يقال على ما لا ينقم بالفعل، وما لا ينقسم بالقوة: فالأول هو الذي يصعب جداً تقسيمه، مثل الماس، لكن للماس اجزاء، فهو كثير وليس واحداً.
ويعد اسقاط هذه الأحوال قرر أن الواحد بحق ليس عنصراً، ولا جنساً، ولا نوعاً، ولا فرداً، ولا فصلا نوعياً، ولا خاصة، ولا عرضاً عاماً، ولا حركة، ولا نفساً، ولا عقلا، ولا كلا، ولا جزءاً؛ بل هو الواحد على الاطلاق، وهذا لا يمح بأية كثرة، ولا تركيب. والواحد الحق ليس مادة، ولا صورة، ولا كما، ولاينعت، ولا يتصف بأية مقولة. ولا يتحرك . إنه وحدة محضة . لا يتكثر ابداً ، ولا ينقسم مطلقا. وهو ليس زمانا، ولا مكانا، ولا موضوعا، ولا محمولاً، ولا كلا، ولا جزءاً، ولا جوهراً، ولا عرضاً.
وهو لا يستمد وحدته من غيره، بل هو الذي يهب الوحدة لكل ما هو واحد. ولا يمكن أن تمتد سلسلة واهبي الوحدة إلى غير نهاية، بل لا بد من التوقف عند واهب أعلى، هو الواحد الحق، الواحد الأول. وكل ما يقبل الوحدة فإنما يستمدها منه. وعن الواحد تصدر كل وحدة، وكل ماهية. إنه الخالق، والمبداً لكلحركة(٢).
وإذن فالواحد الحق هو الأول، والخالق، والحافظ لكل ما خلق. وهووحدهالجدير بوصف الواحد، وما عداه فلا يقال
(١) الكتاب نغه ج١ ص١٦٠- ١٦١.
(٢) لكتابنغهج ١ص ١٦.
الكندي
عليه الواحد» إلامجازا.
ونجد في كلام الكندي ها هنا أمدان لما ورد في «أثولوجيا» المنسوب إلى أرسطوطاليس والذي ترجمه ابن ناعمة الحمصي وقام الكندي باصلاح هذه الترجمة لأحمد بن المعتصم باشه.
١) فقد ورد فيه (ص ١١٢ من نشرتنا، القاهرة سنة ١٩٥٥): الواحد الحق المحض المبسوط المحيط بجميع الأشياء البسيطة والمركبة الذي هو قبل كل شى ء كثير، وهو علة آنية الشيء وكثرته، وهو فاعل العدد؛ وليس العدد أول الأشياء كما ظن أناس، لأن الواحد قبل الاثنين، والاثنين بعد الواحد. وإنما كان الاثنان من الواحد، وكانا محدودين، وكان اواحد غير محدود لأن الاثنين من الواحد» .
٢ )ووردفيص ١٣٤ : «الواحد المحضهوعلة لأشياء كلها؛ وليس كشيء من الأشياء بلهو بدء الشيء ؛ وليس هو الأشياء، بل الأشياء كلهافيه، وليسهو فيش^ء من الأشياء، وذلك ان الأشياء كلها إنما انبجست منه وبه ثباتها وقوامها وإليه مرجعها. فإن قال قائل: كيف يمكن أن تكون الأشياء في الواحد المبسوط الذي ليس فيه ثنوية ولا كثرة بجهة من الجهات؟ قكنا : لأنه واحد محض مبسوط ليس فيه شىء من الأشياء. فلما كان واحداً محضاًء انبجست منه الأشياء كلها. . . إن الواحد المحض هو فوق التمام والكمال».
د) الله
هو العلة الفاعلة للخلق
والكندي مسلم ، فكان طبيعياً ان يصف لله بأنه خالق الكون، والعلة الفاعلية لايجاد العالم. ولبيان ذلك يميز بين عدة معان للفعل(')، ويبرز منها معنين:
أ ) الأول هو الفعل الحق والأول وهوفعل الخلق من العدم. ومن الواضح أن هذا النوع من الفعل يختص به الله وحده، الذي هو العلة العليا. وفعله هذا يسمى: الخلق.
ب) والثاني هو أثر الفاعل فيما انفعل.
والفاعل بالمعنى الأول يفعل دون أن ينفعل. ولهذا فإن الفاعل الحق هو الذي يحدث محدثاته دون أن ينفعل. ومن هنا كان الفاعل الحق هو الله، علة الكل. أما وصف سائر
(١) «رسانل الكندي, ج١ م١٨٢- ١٨٤
الموجودات بالفاعلية فعلى سبيل المجاز فقط، لأنهم ينفعلون بما يفعلون : فأولهم ينفعل بالخالق، وما بعده ينفعل بعضهم عن بعض على التوالي: الثافي بالأول، والثالث بالثافي، والرابع بالثالث، ألخ
فالله هوإذن العلة الأولى لكل المعلولات. وهوفعال دائما، ولا ينفعل ابداً.
وهذا الخلق بالعلة الأولى يتم وفقاً لسلسلة تنازلية تبدا من الله وتنزل حتى العالم الذي نحت فلك القمر. لكن النص الذي بين فيه هذه العملية التنازلية مفقود، وهو الجزء الثافي من كتاب «اسة الأولى،، الذي أعلن عنه في نهاية الجزء الأول («رسائل الكندي» ج١ ص١٦٢ س١٥- ١٦)، وإليه يشير في مواضع أخرى (مثل: «الرسائل» ج١ ص١ه٢،ص٣،
ويمكن ان نفترض أنه تصور هذه العملية على غرار ما عرضت في «أثولوجيا، ارسطوطاليس (راجع خصوصاً الميمر العاشر) .
لكن الفارق بين الكندي وبين أفلوطين (المؤلف الحقيقي «لأثولوجيا» المنحول على أرسطوطايس) هو أن الكندي، بوصفه مسلما، تصور الخلق على أنه من العدم، وهو تصور يتنافى مع تصور أفلوطين وسائر الفلاسفة اليونانيين (أفلاطون، أرسطو، الرواقية، الخ) بلا استثناء. ومن هنا نجد الكندي يلح مراراً في تركيد فكرة الخلق من العدم، ويسميه الايجاد»، كما يسميه التأسس,('). فهويقول: «إن الفعل الحقي الأول تأييس الأيسات عن ليس، («الرسائل» ج١ ص١٨٢). ويعرن الابداع بانه «اظهار الشيء عن ليس» («الرسال« ج١ ص١٦٥). ويقول عن فعل الله للخلق: «فعلة الابداع هي الواحد الحق الأول» («الرسائل، ج١ ص١٦٢).
ولسنا ندري كيف استطاع الكندي أن يوفق بين فكرة الابداع أو الخلق من العدم هذه، وبين قوله بصدور الأشياء بعضها عن بعض في تسلسل تنازلي!.
(١) «أيى هي ضد «ل،. واالا٠ى هووجود الشيء، و«اللي، هوالعدم. ومن هنا جاء الغعل : آي - اوجد، رالمصدر التايي - الايجاد، الحلت. رترد هذم الاصطلاحات في ترجمات المترجمين الأ رائل (مثل ترجة <ئ بعد الطبيعة» الق قام يها اسطلث للكندي، م٨ ف٢ م١٠٤٢فس٢).
٣٠٥ الكندي
ضاًذذالاذجدفيكلماتضلذامن رسائل الكندي براهين واضحة مفصلة لاثبات وجود الله، وإن أومأ إلى ذلك في ثنايا بعض الرسائل (راجع مثلا «الرسائل، ج٢ ص٦٢-٦٣)
أما صفات اللم فيؤكد الكندي منها: الوحدة، وعدم الاضمحلال، وعدم قابلية النقص بجهة من الجهات وأنه |ب٠ع الكل، وتميك الكل، ومخكمالكل، (,الرسائل، ج٢ ص٦٣)
ولا يقدم الكندي برهاناً عقلياً منظما لاثبات وجود الله، بل يقتصر على عبارات خطابية عن تدبير العالم كما يظهر من رسالته في :الابانة عن العلة الفاعلة القريبة للكون والفساد».
لج
اما رأي الكندي في طبيعة العالم، فقد بقي لنا من رسائله في هذا الموضوع ثلاث هي :
أ) ارسان إلى احمد بن المعتصم في الابانة عن سجود الجرم الأقصى وطاعته لله» (,الرائل» ج١ ص٢٤٤- ٢٦١)
ب) ارسالة إلى أحمد بن المعتصم في أن العناصر والجرم الأقصى كروية الشكل» (,الرسائل, ج٢ ص ٤٨- ٥٣).
ج) «رسالة في الابانة عن أن طبيعة الفلك مخالفة لطبيعة العناصر الأربعة» (الرسائل» ج٢ ص٤٠- ٤٦).
وتمهيداً لعرض رأي الكندي نوجز مذهب ارسطو في العالم. العالم عند أرسطو «ينقسم قسمين متباينين يفصل بينهما فلك القمر: قسم تحت فلك القمر هو الأرض وما حولها، وهويخضع للكون والفاد؛ وقسم فوق فلك القمر أوسع جدا من الأول، ولا يخضع لعوامل الكون والفساد، بل يخضع لنظام ثابت» . على أن العالم كله متناه، فليس خارج السماء شيء، ولا يمكن أن يكون خارجها شيء. ولهذا ينكر الخلاء، لأن الخلاء هو المكان الذي ليس فيه جم. . . والماء عند أرسطو كروية. . . لأنه من بين الأشكال الفراغية تحتل الكرة (أو الفلك) المقام الأول والأسمى. والعالم مؤلف من كرة تطوي في داخلها كل الأجسام الغريبة عن الجوهر السماوي، - ومنسللة من لأكر (جمع : كرة) الفلكية ذات المركز الواحد (أي انها متداخلة) ويماس بعضها بعضاً؛ وهذه الأكر(أو الأفلاك) تتألف كلهامن الجوهرغيرالقابل
للفساد، اعفي من الأثير. . .
ويعقد ارسطو فصلاً رئيسياً في كتاب ,الما«, (المقالة لثانية، الفصل ١٤) لإثبات كروية الأرض وحججه في هذا على نوعين: نوع يقوم على الرصد والملاحظة وبها يثبت ان الأرض كروية؛والنوع الثافي يقوم على الاستنباط من مبادىء علم الفزياء ، ويفسر لنا هذه الكروية.. . ثم يمضي أرسطو إلى إثبات أن مركز الأرض هو مركز العالم . . . ويحاول أن يثبت أيضاً أن الأرض غير متحركة . وأرسطو يتحدث عن السماء بمعنى أنجا الكل، أو العالم. وهو يبدأ بإثبات أن العالم متناه»(').
وبهذه الأراء كلها قال الكندي؛ وكل ما فعله أنه ساق براهين رياضية مفصلة اخذها عن بطلميوس لإثبات بعض هذه الأراء. فهو في رسالة «في ان العناصر والجرم الأقصى كروية الشكل، يثبت هذا الرأي ببرهان سائق إلى المحال، ينتهي منه إلى تقرير أن الأرض -اضطرارا- تكون كرية على وسط الكل» («الرسائل» ج٢ ص٢ه)، ويتلوه ببرهان على ان سطح الماء كروي ايضاً.
وفي رسالة «في الابانة عن أن طبيعة الفلك مخالفة لطبائع العناصر الأربعة» («الرسائل، ج٢ ص٤٠-٤٦) يبين ان الفلك لا يتصف بأية صفة من صفات العناصر الأربعة سواء في الكيفية، والسرعة والإبطاء، والخفة، والثقل؛ وأنه ليس بخفيف ولا ثقيل، ولا حار ولا بارد، ولا رطب ولا يابس. ولاثبات ذلك يبداً بأن يحدد أن «الطبيعة هي الشيء الذي جعله الله علة وسبباً لعلة جميع المتحركات والساكنات عن حركة» . ولما كان الفلك بسيطاً، كانت حركته بسيطة. أما المركب من البساثط، فلا بد أن تكون حركته مركبة من حركات ما ركبت منه من الأجرام. «فأما الفلك فإن حركته في موضعه ابداً ايام مدته، لا تقف بتة». والعناصر الأربعة وهي: الأرض، والماء، والهواء، والنار متضادة بالحركة، ولهذا فهي متضادة بالكيفيات : إذ النار اسبق الأشياء حركة من الوسط، ولهذا تضاد الأرض «التي هي أسبق الأشياء في الحركة إلى الوسط، بالكيفية الفاعلة الثقل والخفة، إذ النار حارة يابسة، والأرض باردة يابسة. . . وكذلك ضاد الهواء الماء بالقوة الفاعلة، إذ ضاده بالخفة والثقل، واتفقا في
(١ ) م مقدمة نشرتنا لترجمة كتاب اارسطوطابس : في الماع والأثار العلوية، صفحة ط-يج.
ألفاهرن، طة ١٩٦١
الكندي ٣٠٦
الرطوبة... وضاد الماء النار بالكيفيتين جميعاً: الفاعلة والمنفعلة، فإن النار حارة وهو بارد، والنار يابسة وهو رطب. . . وكذلك ضاد الهواء الأرض بالكيغيتين جميعاً، الفاعلة والمنفعلة، فإن الهواء حار رطب، والأرض باردة يابسة، لمضادته إياها بالحالين معاً: بالخفة والثقل والسرعة والابطاء» («الرسائل» ج٢ ص٤٤).
المكان
ويتناول الكندي مسألة «المكان» في كتابه «الجواهر الخمسة»(الباقي لنا في ترجمته اللاتينية التي نشرها البينو ناجي). فأشار إلى اختلاف الفلاسفة في تحديده «لأنه غامض لطيف: فقال البعض إنه ليس ها هنا مكان البتة، وقال البعض الآخر إنه جسم، كما قال افلاطون؛ وقال بعض ثالث إنه موجود، غير أنه ليس بجسم. اما أرسطوطاليس فقال: إن المكان مشاهد وظاهر manifestum اع fore invientum, .
ويدلي الكندي برايه فيثبت وجود المكان بالقول بأن زيادة الجسم أو نقصه أو حركته تقتضي وجود حاو يجري فيه ذلك، وهذا الحاوي يبقى مع فساد المحويات؛ وإذن المكان موجود.
وبعد أن بين ان المكان موجود، بين ان المكان ليس جسما، وانما هو السطح الذي هوخارج الجسم الذي يحويه المكان. والمكان لا يتكون من الهيولى ذات الطول والعرض والعمق، بل من الهيولى ذات الطول والعرض دون العمق، والهيولى ذات الطول والعرض دون العمق تسمى سطحا.
لكننا نجد الكندي في رسالة «في حدود الأشياء ورسومها» يعرف المكان بأنه: «نهايات الجسم، ويقال؛ هو التقاء أفقي المحيط والمحاط به».
وهكذا يقدم الكندي ثلاثة تعريفات للمكان: ١) «أنه سطح خارج الجسم»؛ ٢)أنه «غهايات الجسم»؛ ٣) أنه «التقاء أفقي المحيط والمحاط به».
وهو في هذا حائر بين ما أورده أرسطو من احتمالات لتعريف المكان، وذلك حين قال ارسطو إن المكان لا بد أن يكون واحداً من اربعة اشياء: الصورة، الهيولى، المسافة بين النهايات، أوهو النهايات شها('). ويرفض أرسطوصراحة
الثلاثة الأولى منها، وينتهي إلى الرابع القائل بأن المكان «هو هاية الجسم الحاوي، التي عندها يتصل بالجسم المحوي» (ويقصد بالجسم الحاوي ما يمكن ان يحرك حركة نقلة» (ص٢١٢ سه- ٧). وينتهي اخيراً الى التعريف النهائي للمكان بانه: «النهاية الأولى غير المتحركة للحاوي» (ص٢١٢أسع٢).
على أن أرسطو يقول بعد ذلك قبيل نهاية هذا الفصل الرابع من المقالة الرابعة (من كتاب «الطبيعة») إنه «لهذا السبب ايضاً يتصور المكان على انه نوع من السطح او أنه بمثابة وعاء، اعني حاوياً لشيء. وكذلك المكان يتطابق مع الشيء، لأن النهايات تتطابق مع الشيء ذي النهايات (أو بترجة أخرى: لأن الحدود تتطابق مع امحدود)(').
الجزم الأقصى أو الفلك
والفلك اوالجزم الأقصى كما يسميه الكندي حي وعاقل («الرسائل» ج١ ص٢٤٧). وذلك لأن الفلك جسم، وكل جسم إماحي، اوغيرحي. فالفلك إما حي، أوغيرحي. وكل علة طبيعية هى إما عنصر، أوصورة، أو فاعل، اوغاية من اجلها يفعل الفاعل. والفلك ليس عنصراً للكائنات، لأن العنصر المكون يتحول من صورة إلى صورة؛ لكن الفلك لا يتحول ولايتغير.
والفلك ليس أيضاً صورة، لأن الصورة لا تنفصل عن العنصر، أما الفلك فمفارق.
والفلك ليس غاية الكون، لأن غاية الكون أمرعارض للجم.
فلم يبق إلآ أن نقرر ان الفلك علة فاعلة لكل ما يكون وهو علة فاعلة قريبة.
والكائن أو الحادث إما متنفس، أوغير متنفس. إذن الفلك هو العلة الفاعلة القريبة لكل ما هوحادث وفاسد داخل الفلك.
فالفلك علة فاعلية قريبة للموجود المتنفس القابل للفساد. إنه هو العلة القريبة للحياة في الجسم الحي
(١) أرسطر. ٠اللبيعة، م٤ ف٤ ص٢١١ب س٦- ٩.
(١) الكتاب نفسه م٤ مى٢١١ ب س٢٩- .٣
(٢) راجع «،نل الكندي» ج١ صى٢٤٧-٢٤٨.
الكندي
والفلك جم يحدث الحياة في الكائنات التي تحته. وايجاده لها إما بالضرورة، أوبالمحبة، أوبالقوة.
والجرم الأقصى حي ابداً بالفعل، وهو الذي يهبد اضطراراً (أي بالضرورة) الحياة للكائنات الحادثة.
ولم يتولد الفلك من شيء آخر بل خلق من العدم. إن الفلك «غير مكون من غيره، بل مبدع إبداعاً عن ليس؛ ولي بفاسد إلى غيره. . . (لأن) كل فاسد فإلى ضد فساده يفسد، وإنه لا ضد للفلك,(؟),
والفلك لا يغتذي، ولا يتذوق، ولا يشم، ولا يلمس. لكن له الحاستين النبيلتين وهما: السمع، والبصر، إذ بهاتين الحاستين تحصل الفضائل.
ولما كانت الأجرام السماوية حية، وما هوحي فله الإحاس، وليس للأجرام السماوية من الاحاس إلآ السمع والبصر، وهما قادران على اقتناء الفضائل، فلا بد من سبب لوجود هذين الحسين، لأن الطبيعة لا تفعل شيئاً عبثاً أو بدون سبب؛ فهما إذن في الأجرام السماوية كيما يكونا علة للعقل والتمييز. فالأجرام السماوية (أو الفلكية) لها ملكة التمييز. فهي بالضرورة عاقلة.
لكنها ليست في حاجة إلى قوة غضبية ولا إلى قوة شهوانية، لأنها لا تحتاج إلى الحفاظ على هيثاتها بالكون، ولا التعويض عما يسيل منها، لأنها لا تتغير. فلي لها إذن إلا القوة العاقلة (الناطقة- على حد تعبيره)(٢) .
وينتهي الكندي إلى القول بأن «الكل» على هيئة حيوان
علم النف
علم النفى عند الكندي متأثر بأرسطو وافلاطون معاً ,
وهو يرى أن النفس بسيطة، شريفة، تامة. وجوهرها من الجوهر الإلهي، كما يأقي الضوء من الشمس. والنفس متميزة من البدن، وهي جوهر روحي، إلهي، لأن طبيعتها تنافي كل ما يطراً على البدن، مثل الشهوات والغضب.
(١)«رساثلالكديج١ص٢٥٣
(٢) راجع ارسال الكندي، ج١ صه٢٥
(٣) راجع «رصانل الكدي، ج١ م٢٦١
وهذه النفس حين تفارق البدن تعرف كل ما في العالم، ولن يخفىعليها شيء. والدليل على ذلك ما ذكره افلاطون من أمر كثير من الحكماء الأطهار الأقدمين الذين تخلصوا من عوارض الدنيا وعرفوا نفوسهم للبحث في الحقائق، فأدركوا المستور، وعرضوا اسرار النفوس. فإن كان الأمر هكذا والنفس لا تزال مرتبطة بالبدن، فكم بالأحرى تستطيع إذا غادرت البدن وعاشت في عالم الحق حيث نور اش؟ لقد صدق أفلاطون حين عقد هذا التشبيه. ويضيف أفلاطون إن من جعل هنه في هذه الدنيا الاستمتاع بأطايب الطعام واللذات الجنسية، فإنه لن يستطيع بنفسه الناطقة أن يصل إلى معرفة هذه الأشياء النبيلة ولن يستطيع التشبه بالله. وأفلاطون -هكذا يقول الكندي- يشبه القوة الشهوانية في الإنسان بالخنزير، والقوة الغضبية بالكلب، والقوة الناطقة (العاقلة) بالملك، ويرى أن من استولت عليه القوة الشهوانية فهو كالخنزير، ومن استولت عليه القوة الغضبية فهوكالكلب، ومن استولت عليه قوة النفس المنطقية، ويتجرد للتفكير والبحث عن حقائق الأشياءواكتناه الأسرارهو رجل فاضل تريب من التشبه بالله. ذلك أن صفات الله هي: الحكمة، والقدرة، والعدل، والخير، والجمال، والحق. وفي وسع الانسان قدر الطاقة، ان يصبح حكيما، عادلاً، كريماً، خيرا، حريصاً على الحق والجمال، ويهذا يشارك في صفات الل(١).
ويورد الكندي أقوالاً لمن سماه افسقورس، يقول فيها ان النفس إذا زهدت في الشهوات واستنكفت عن الأدناس، واهتمت بالبحث ومعرفة حقائق الأشياع فإنها تصير مصقولة، وتتحد بها صورة نور الله، فينعكس فيها نور الله، وتبدو فيها صور جميع الأشياء، كما تتجلى صور المحسوسات في المراة الصقيلة.
وهذه النفس لا تنام ابداً، لكنها لا تستعمل الحواس إبان النوم . ولوكانت النفس تنام، لما عرف الانسان ما يراه في الحلم، ولا غيره مما يراه في اليقظة. وإذا بلغت النفس تمام الصفاء، شاهدت في النوم احلاماًرائعة، وأورت مع انفوس التي تركت أبدانها، ووهبها الله نوره ورحمته؛ هنالكتستشعرلذة دائمة تفوق كل لذائذ الطعام والشراب والفسق، والسمع وابصر واللس.
ونحن في هذه الدنيا كما لو كنا على معبر يمر عليه
(١) راجع «الرسائل» ج١ م٢٧٤- ٢٧٥ .
الكندي ٣٠٨
المافرون. ولن نبقى فيها طويلا. إن مقامنا الحق هو في العالم العلوي الشريف الذي ستنتقل إليه النفوس بعد الموت، حيث تكون بقرب الخالق، ونوره؛ وهنالك تنعم بنوره ورحمته(').
محل النفس بعد الموت
وفي مسألة محل النفس بعد الموت يعتمد الكندي على ما قاله افلاطون من ان مقام النفس بعد الموت هو من وراء الفلك، في العالم الإلهي، حيث نور الخالق.
لكن لا تذهب كل نفس تترك بدغها فوراً إلى هذا المقام، لأن بعض النفوس تغادر أبدانها وهي ملطخة بالأدناس . ولهذا فإن بعضها يذهب إلى فلك القمر حيث يقضي هناك فترة من الزمن، فإذا ما تطهرت وتهذبت، ترقت إلى فلك عطارد حيث تمضي فترة من الزمن، فإذا ما تطهرت ترقت إلى الفلك الأعلى، وصارت نقية من كل أدناس الحواس. وهنالك تصعد إلى عالم العقل، وتتجاوز الفلك الأقصى (السماء الأولى) وتقيم في اشرف محل. وهنالك تعرف كل الأشياء، صغيرها وكبيرها؛ ويكل الله إليها جزءاً من تدبير العالم . وقدرة هذه النفس تصير مشابهة بعض المشابهة لقدرة اله(٢).
وينتهز الكندي هذه المناسبة ليحث الناس على التطهر من الشهوات الدنية.يقول: «ولا وصلة إلى بلوغ النفس الى هذا المقام والرتبة الشريفة في هذا العالم وفي ذلك العالم إلآ بالتطهيرمنالأدناس»(٣).
العقل
للاسكندر الافرودي سي رسالة صغيرة «في العقل»( ٤) ترجمت إلى العربية وكان لها تأثير هائل في الفلاسفة المسلمين وفيها يقسم العقل إلى ثلاثة أنواع:
١-العقل الهيولاني؛
٢- العقل المتفاد؛
٣- العقل الفعال.
(١) راجع ,الرسائل, ج١ ص٢٧٦-٢٧٧.
(٢) راجع الرسائل» ج١مص٢٧٨.
(٣) ,الرسائل, ج١ص٢٧٨.
(٤) نثرناها ضمن مجرئ بعنوان: ,نروح على أرسطرمفقودة في اليونانية: ص٣١- ٤٢، بيروت، المسلبعة الكانرليكية، سنة ١٩٧١.
والأول سمي بذلك لشبهه بالهيولى (المادة)؛ وهو العقل بالقوة عند أرسطو؛ وهو خال من كل تحديد. وليت له صورة، لكن يمكنه ان يتخذ اية صورة. ويبقى طالما كان الانسان حيا، ويففى بفنائه.
اما العقل بالملكة أو العقل المستفاد فلم يذكره ارسطو؛ وفيه توجد المبادىء التي هي المعقولات الأولى.
وأعلى هذه العقول الثلاثة العقل الفعال : إنه مثل النور الذي يضيء لنا المعقولات؛ وبواسطته ينتقل العقل الهيولاني من القوة إلى الفعل.
أما الكندي فيقسم العقل إلى اربعة أنواع:
١ - عقل بالفعل دائماً- وهو العقل الفعال،
٢ لبالقوة؛
٣- عقل ينتقل- في النفس من القوة إلى الفعل- وهو العقل بالملكة؛
٤-عقل يافي (أو بائن).
ويمكن إدراك الفارق بين هذين النوعين الأخيرين بأن نقول إن العقل الثالث هو الذي اكتب الملكة، والعقل الرايعهوالذييمارس ما اكتسب : الثالث مئل الطبيب لذي تعلم الطب لكنه لا يمارسه بالفعل، والرابع مثل الطبيب الذي يمارس مهنة الطب بالفعل. والتفرقة -كما هوواضح-صثيلة .
,نع الأحزان
وللكندي رسالة «في الحيلة لدفع الأحزان»(١) تندرج في نوع فلسفي أدبي هو: التعزي بالفلسفة، من اشهر نماذجه رسالة بالعنوان الأخير: «التعزي بالفلسفة» ع309^ا0ع609ع4 ع8٥ذ4198098م، الفها بونتيوس (حوالىسنة ٤٧٥-٥٢٤بعد الميلاد) أثناء سجنه وقد كان سياسيا رومانيا وفيلسوفا واتهم بالتامر ضد ثيودوريك، ملك القوط الذي كان يحكم ايطاليا من روما؛ فجرد من منصبه قنصلاً في سنة ٥١٠، وسجن في بافيا، ثم اعدم في سنة ٥٢٤م. وفي هذا الكتاب يجري
(١) نثرها لاول مرة هلمرت رتر ور. فلتسر تبعاً لخطوط اياصوفيا رفم ٤٨٣٢ ج٢ ورقة ٢٣أ- ٢٦ب. ولكنها نثرة حافلة بالأغلاط. لهذا قمنا بنثرها من جدبد في كتابنا: «رسائل فلسفية» ، بنغازي، سنة ١١٩٧٣ طبعة ثانية، بيروت. سنة ١٩٨٠ .
الكندي
المؤلف حرارا مع الفلسفة فتكشف هذه له عن سرءة تقلب الحظوظ في الدنيا، وعدم أمان اي شيء سوى الفضيلة.
والكندي في رسالته التى وجهها إلى صديق طلب منه أن بضع كتاباً في دفع الأحزان يبدا بان يبين ان كل الم لا يعرن سببه لا يرجى شفاؤه. ولهذا ينبغي بيان سبب الحزن، ليمكن وصف الدواء منه. ولهذا يعرف الحزن بأنه الم نفسافي ناتج عن فقد اشياء محبوبة أوعن عدم تحقق رغبات مقصودة. وعلى هذا فإن سبب الحزن هو إما فقد محبوب، او عدم تحقق مطلوب. فلننظر هل يمكن إنسانا من الناس التخلص من هذين الببين.
من الواضح أن الإنسان لا يستطيع أن يحصل على كل ما يرغب فيه، أوأن يكون بمامن من فقد محبوباته، لأنه لا دوام لشيء في هذا العالم، عالم الكون والفساد، الذي نعيش فيه. أما البقاء فيوجد بالضرورة في العالم المعقول الذي نستطيع ان نستثرف بأبصارنا إليه. فإن أردنا الا نفقد محبوباتنا وان نحقق مطلوباتنا فعلينا ان نتطلع إلى العالم المعقول ونختار فيه محبوباتنا وقنياتنا. حينئذ نكون واثقين أنه لن يسلبنا قنياتنا احد، ولن تستولي عليه يد أجنبية، ولن نفقد محبوباً لنا؛ لأنه لن يطراً عليها آفة، ولن ينالها الموت، ولن تضيع مرغوباتنا، لان المرغوبات الفعلية يوآزر بعضها بعضاً؛ أما القنيات الحسية فمبذولة لجميع الناس، ومعرضة للضياع، وليست بمأمن من الفساد والتغير.
وفي سبيل ذلك علينا الا نرغب إلآ فيما هوميور لنا، لأن من يطلب ما لا يمكنه أن يناله يطلب ما لا يوجد. وعلينا الا نأسف على ما يفلت منا. وعلينا أن نطلب إذن ما هو عمكن، إذا لم نجد ما نرغب فيه. ومن يحزن لافتقاره إلى ماهو هالك، لن يفنى حزنه ابداً، إذ سيجد داثما انه سيفقد صديقاً، او محبوباً، وسيفوته مطلوب.
وبعد هذا الاستهلال البليغ، يأخذ الكندي في بيان العلاجات التي بفضلها يمكن دفع الأحزان:
١- أول الأدوية واسهلها أن يعتبر المرء الحزن ويقمه الى نرعين: حزن ناشىء عن شيء يتوقف أمره على ارادتنا، وحزن ناشى ء عن شى ء يتوقف أمره على إرادة الغير. فإن كان لامرراجعاً إلينا، فلي لنا ان نحزن، لاننا نستطيع ان نمتنع من السبب في هذا الحزن ونزهد فيه. وإن كان راجعا إلى الغير، فإما ان نستطيع التوقي منه، أو لا نستطيع. فإن
استطعنا، فعلينا ان نحتمي منه ولا نحزن. وإن لم نستطع، فليس لنا ان نحزن قبل أن يقع، لأنه قد يجدث الا يقع من فاعل سببه. أما إذا كان حزننا من أمر لم يصبنا بعد، فنحن نجلب على انفسنا حزناً لم يدع إليه داع . ومن يحزن يؤذ نفسه؛ ومن يؤذ نفسه يكن احمق ظالما. ولهذا يجدر بنا ان ننتظر حتى يقع الدافع الى الحزن والا نستبقه.
وإذا ما وقع، فعلينا أن نقصر من مدة الحزن ما استطعنا، وإلآ كان ذلك حمقاً وظلا.
٢- وثاني الأدوية ان نتذكر الأمور المحزنة التي تعزينا عنها منذ وقت طويل، والأمور المحزنة التي عاناها الآخرون وتعزوا عنها. ثم نعد حالة الحزن المانلة الآن مشابهة لتلك الأحوال المحزنة الماضية والتي تعزينا عنها. و^هذا نستمد قوة وصبرا.
وبهذه المناسبة ينقل الكندي رسالة بعث بها الاسكندر الأكبر إلى أمه يعزيها وهو على فراش الموت.
٣- وعلينا ان نتذكر أيضاً ان الرغبة في الا نصاب بشقاه هو كالرغبة في عدم الوجود، لأن المصائب تأقي من كوننا كاثنات فانية هالكة. وإذا لم يكن هناك فساد، لم يكن هناك كون؛ فإن أردنا أن ننجو من المصائب، فإننا نريد بذلك الا يكون هناك كون ولا فساد. وهذا عىال.
٤- وعلينا ان نتذكر أيضاً ان ما بين أيدينا مشترك بين الناس جميعاً، وأنه في حوزتنا على سبيل العارية فقط؛ وليس لنامن الحق فيه أكثر مما لغيرنا؛ ومن يملكه إنما يملكهطالما كان في حوزته فقط. ما هو في حوزتنا داثما هو الخيرات الروحية وحدها، وهي التي يحق للإنسان ان يحزن لفقدها.
٥- وعلينا ان نتذكر ايضاً ان كل ما نملكه ما هوملك مشترك هو لدينا بمثابة عارية ممن أعاره وهو الخالق. فله إذن ان يترده كلما شاء ليعطيه لإنسان آخر. ولولم يعطه لمن شاء، لما وصل إلينا ابداً.
وإذا لم يترد المعير إلاً اخس ما اعارنا، فهو كريم معنا إلى أقصى درجة. وعلينا أن نسر بهذا غاية السرور لأنه ترك لنا اشرف ما اعارنا، وعلينا الا نحزن لما استرد. وتلك علامة دالةعل ىحبهلنا إيثارهإي.
٦- وعلينا ان نفهم جيداً انه إذا كان ينبغي الحزن على المفقودات وما لم نحصله، فينبغي ان نحزن ابداً، وفي الوقت
الكندي ٣١٠
نفسه الا نحزن أبداً. وهذا تناقض فاضح، لانه إذ كان سبب الحزن هوفقد القنيات الخارجة عنا، فإنه إذا لم تكن لنا قنيات خارجية لن نحزن لأننا لن نفقدها مادمنا لم نملكها. وإذن علينا الا نملك شيئاً حتى لا نفقده فيكون فقدانه سيباً للحزن. لكن الا نملك شياً هومصدر دائم للحزن. ولهذا ينبغي أن نحزن دائيما، سواء اقتنينا أو لم نقتن. إذن يجب الا نحزن أبداً، وأن نحزن أبداًب وهذا محال.
لكنعليناأن نقلل من قنياتنا، لنقلل من أحزاننا، مادام فقدها يولد الحزن.
ومذ ه المناسبة يسوق الكندي حكاية تقول إن نيرون، امبراطور روما، أندي قبة عجيبة من البلور؛ فسريها كثيراً؛ ومدحها كثير من الحاضرين، وكان بينهم فيلسوف. فسأله نيرون رأيه في القبة فأجاب الفيلسوف قائلاً إنها تكشف عن فقر فيك، وتزه بمصيبة ستحدث لك. فقال نيرون: وكيف؟ فقال الفيلسوف: لأنك إن فقدتها، فلا أمل في أن تظفر بمثلها، وهذا يكشف عن حاجة فيك إلى مثلها؛ ولو حدثت لها حادثة اودت بها، لنالك من ذلك شقاء عظيم. ويقال إن هذا ماحدث فعلا. فقد ذهب نيرون لكزهة ذات يوم إلى جزيرة قريبة، وأمر بوضع القبة بين المتاع لكي توضع في حديقته. فغرقت السفينة التي تحملها؛ فكان ذلك سببا لحزن نيرون.
٧- إن الله لم يخلق مخلوقاً دون أن يزوده بما يجتاج إليه، إلا الإنسان، لأنه وقد زود بالقوة التي بها يسيطر على الحيوان ويحكمه ويوجهه، فإنه يجهل ان يحكم نفسه، وهذا دليل على نقص العقل. وحاجة الانسان لا تنقضي، ما ينشأ عنه الحزن والهم. ولهذا فإن من يهتم باتتناء ما لا يملك من الأشياء الخارجة عنه لا تنقضي غمومه وأحزانه.
٨- وحال الناس في عبورهم في هذا العالم الفاني حال خداعة، تشبه حال أشخاص ابحروا في سفينة إلى مكان هو مقامهم. فاقتادهم الملاح إلى مرفأ القى فيه مرساته للتزود بالمزونة. وخرج الركاب للتزود ببعض الحاجات. فبعضهم اشترى ما يحتاج إليه وعاد إلى السفينة، وشغل مكانا مريحا فيها. والبعض الآخر بقوا لمشاهدة المروج ذات الأزهار اليانعة والروائح الطيبة، ووقفوا يستمعون إلى الأطيار، ثم لم يجاوزوا مكاناً قريباً من السفينة، ثم عادوا إليها بعد ان أشبعوا حاجاتهم، فوجدوا ايضاً أماكن مريحة فيها. وفريق ثالث
انصرف إلى جمع الأصداف والأحجار، وعادوا مثقلين بها، فلما عادوا إلى السفينة وجدوا من سبقوهم قد احتلوا الأماكن المريحة، فاضطروا إلى شغل أماكن ضيقة، واهتموا بالمحافظة على الأحجار والأصداف التي جمعوها، مما اوقع الهم في نفوسهم. وفريق رابع وأخير توغلوا في المروج والغابات، ناسين سفينتهم ووطنهم، وانهمكوا في جمع الأحجار والأصداف والأزهار، ونسوا وطنهم والمكان الضيق الذي ينتظرهم في السفينة؛ ونادى الملاح على المسافرين، فلم يستطع هذا الفريق الأخيرسماع ندائه، ورفع المرساة تاركا اياهم معرضين للأخطار القاتلة. فبعضهم التهمته الوحوش الكاسرة، والبعض غار في الهوي، وساخ بعضهم في الطين، وبعضهم عضته الأفاعي- وهكذا صاروا جيفا متنة-.
وهذا المثل ينطبق علىحالنا في هذه الدنيا! فعلينا الا ننشغل بما يؤدي إلى الأحزان من جمع القنيات والانعكاف على الشهوات، حتى نستطيع ان نجد مكاناً فسيحاً في السفينة التي ستقلنا إلى الوطن الحق، وهو لعالم المعقول.
٩- وعلينا ايضاً أن نتذكر انه ينبغى علينا الا نكره ما ليس رديئاً، وان تكره ما هو رديء. فهذا من شانه أن يجمينا من كثيرمن الأشياء الحسية المحزنة.
فمثلا نحن نعتقد أنه لا شىء اسوا من الموت. لكن الموت ليس شراً، وإنما الشر هو الخوف من الموت، لأن الموت تمام لطبيعتنا. وبدون الموت، لن يوجد انسان أبداً، لان تعريف الانسان هو أنه حيوان عاقل فان. فلو لم يكن موت، لم يكن إنسان؛ لأنه إن لم يمت، لم يكن إنساناً، ولخرج عن طبيعة الإنسان. والأمر السىءهو ألا نكون ما نحن إياه؛ وبالتالي الشيء السىءهوالا نموت. وإذن فالموت ليس بشر.
٠ ١- واخيراً يجب ان نتذكر، إذا احسنا بففد شيء، ما بقي لنا من قنيات مادية وعقلية، ناسين مفقوداتنا الماضية؛ لأن تذكر ما يبقى لنا يعزينا عما فقدناه.
ومن الحق أن نقول إن من لا يملك الأشياء الخارجة عنه يملك ما يستعبد الملوك، ويتغلب على أقوى أعدائه الجاثمين في داخل نفسه، وهي الشهوات.
تلك خلاصة رسالة الكندي اني الحيلة لدفع الأحزان» . ونحن نجد لها نظائر بعد ذلك في العربية، نذكر منها ئلآة:
كونت
٣١١
١ ) الأولى «رسالة أفلاطون الحكيم إلى فرفوريوس في حقيقة نفي الغم والهم واثبات الزهد، جواباً عن سؤال كان سبق إلبه,('). وقد ورد فيها حكاية القبة، وكلام سقراط الواردان في رسالة الكندي أيضاً. فهل لهما أصل مشترك؟ هذا عحتمل عحتمل.
٢) والثانية «رسالة في تسلية الأحزان» تأليف ايليا الجوهري، ولنا ندري على وجه التحقيق من هو، لكنه عاش على كل حال في العصر الاسلامى، في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري وقد نشرها بغي(٢)دلائيدا، تبعاً لمخطوط في الفاتيكان (برقم ١٤٩٢ عربي).
٣) والثالثة رسالة <في علاج الحزن» لمسكويه، نشرها شيخو(٣).
خاتمة
كان الكندي اول فيلسوف عربي وأول فيلسوف مسلم بوجه عام.
وكان اول من مزج بين الفكر اليونافي والفكر الديني السلامي.
وكان واسع الثقافة، بحيث شملت معرفته كل علوم الأوائل، ولا نكاد نجد بين رجال النهضة في أوربا من يساويه في اتساع المعرفة والتحصيل الفلسفي والعلمي.
الكندي، أبو يوسف
الكندي، أبو يُوسُف (؟ - 260 هـ ، ؟ - 874م). يعقوب بن إسحاق بن الصباح الكندي. نشأ في البصرة منذ العقد الأول من القرن الثالث الهجري. وهو أحد أبناء ملوك كندة اشتهر بفيلسوف العرب، تنسب إليه أولى ترجمات جغرافية لبطليموس، وقد ظهر تأثيرها في كتابه رسم المعمور من الأرض. وللكندي رسالة مهمة في البحار والمد والجزر. واشتهر في مجالات عديدة منها: الطب والفلسفة والفلك والهندسة والموسيقى، ويزيد عدد مؤلفاته على ثلاثمائة. نال مكانة ممتازة لدى كل من المأمون والمعتصم، لكنه لقي إهانة وأذى من المتوكل. انظر: العلوم عند العرب والمسلمين.
- ^ خطأ استشهاد: وسم
<ref>
غير صحيح؛ لا نص تم توفيره للمراجع المسماةمولد تلقائيا1