وعي زائف
الوعي الزائف (بالإنجليزية: False Consciousness) هو مصطلح يستخدمه علماء الاجتماع ويفسره بعض الماركسيين بالوسائل التي تقوم بها سيرورات مادية، أيديولوجية، مؤسساتية في المجتمع الرأسمالي بتضليل أعضاء البروليتاريا وغيرهم من الطبقات الفاعلة. يعتقد أن هذه السيرورات تخفي حقيقة العلاقات بين الطبقات والوضع الحقيقي بشأن الاستغلال الذي تعاني منه البروليتاريا.
يشير الوعي الزائف إلى التفكير الذى يؤكد على العبودية البشرية، وليس تحرير جوهر البشر. إنه يشير إلى الهدف الذى يحققه الفكر فى الحياة الجمعية للإنسانية. إذ يؤدى الوعى الزائف إلى إعاقة طبقة البروليتاريا فى دورها التحريرى والتنموي (انظر: كتاب كولاكونسكي عن: التيارات الأساسية للماركسية، الصادر عام 1978).
بحسب الماركسية فإن الوعي الطبقي هو الوعي الحقيقي. وضع الفرد في بنية المجتمع يحدد وعيه، وفي هذه البنية فئتين - العليا والدنيا. تحديد الوعي يتم من خلال علاقات الإنتاج بين عمل الفرد ملكية رأس المال. ادعى ماركس أن الوعي سيتغير مما يؤدي بالضرورة إلى تغيير في بنية المجتمع.
على سبيل المثال، وجهات النظر تؤيد الاقتصاد الحر بين أشخاص يفتقدون للسيطرة على وسائل الإنتاج أو عمليات التصنيع هي حالات من الوعي الزائف، وفقا لماركس. تلك الآراء تناسب الرأسماليين وتساهم في مواصلة استغلال أعضاء الطبقات المتدنية.
يمكن للوعي الزائف أن يشرح كيف يتصرف البشر في النظام الرأسمالية الحديث بشكل يتعارض مع مصالحهم الحقيقية.
إنجلز
على الرغم من أن كارل ماركس كثيرا ما ندد الأيديولوجية بشكل عام، فما مم دليل على أنه كان قد استخدم عبارة «الوعي الزائف». يبدو أنه قد تم استخدامها مقتصر—على الأقل في المطبوعات - على فريدريك إنجلز.
كتب انجلز:
إن ظاهرية التاريخ المستقل لأشكال البنيان السياسي والنظم الحقوقية والتصورات الأيديولوجية في أي ميدان كان، هي التي تعمي، قبل غيرها، أغلبية الناس. فإذا كان لوثر وكالفين (يتغلبان) على الدين الكاثوليكي الرسمي، وإذا كان هيغل (يتغلب) على كانط وفيخته، وإذا كان روسو (يتغلب) بعقده الاجتماعي الجمهوري على الدستوري مونتسكيو بصورة غير مباشرة ، فإن هذه العملية تبقى داخل اللاهوت والفلسفة وعلم الدولة، وهي تمثل مرحلة في تطور ميادين التفكير هذه ولا تتخطى أطلاقا حدود التفكير. ومنذ أن ظهر، علاوة على هذا، الوهم البرجوازي حول خلود الإنتاج الرأسمالي وكماله المطلق، منذ ذلك الحين، يعتبر (تغلب) الفيزيوقراطين (physiocrats) وآدم سميث على أنصار المركنتيلية انتصارا خالصا للفكر، لا انعكاسا في ميدان التفكير للوقائع الاقتصادية المتغيرة، يعتبر أنه الفهم الحقيقي، الذي تم بلوغه في آخر الأمر، للظروف الفعلية القائمة في كل مكان دون أي تغير. [...]»
يعبر إنجلز هنا عن حمل دلالي مرتبط بمصطلح الأيديولوجية، أي أنه يلمح إلى عدم الموضوعية، وهو معنى كان يحمله المصطلح أول ما أدخل إلى اللغة الألمانية (ويرجع ذلك إلى رد فعل هيغلي). لقد فقد هذا المعنى إلى حد كبير بمرور ما يقارب القرنين منذئذ إذ تحول معنى كلمة «أيديولوجية» إلى «رؤية كونية» أو «فلسفة». الوعي الزائف مرتبط من الناحية النظرية مع المفاهيم الأيديولوجية السائدة والهيمنة الثقافية، وبدرجة أقل مع التنافر المعرفي.
ماركس
في كتابه التاسع عشر من برومير للويس بونابرت (الصادر عام 1852) كتب كارل ماركس عن "العبارات والخيالات التى ترتبط بالأحزاب وتنظيماتها ومصالحها الحقيقية، بين تصوراتها عن نفسها وواقعها الحقيقى"، والذي يوحي بوجود تفسير بديهي (وخاطئ) للوعي الزائف على أنه تصور خاطئ للذات عن مصالحها وهويتها. ومع ذلك، قإن الأبنية الفوقية للوهم تعطل الفعل (التحريرى) للطبقة، عن طريق تضليل دور العقل وموضوعه فى العملية التاريخية.
وفى إطار عملية تشكل الطبقة، فإن وصف ماركس للطريقة التى تعمل بها الأفكار الأساسية لطبقة وليدة على ممارسة هيمنة على أساس طبقى أوسع من ذلك الذى مارسته الطبقة الحاكمة السابقة عليها، قد أدى (هذا الوصف) إلى مزيد من سوء الفهم للمعنى المقصود للوعى الزائف. فهذه الأفكار الحاكمة هى أفكار تزداد قدرتها التحريرية باضطراد، بالرغم من أنها ما تزال تعكس مصالح طبقية معينة. فهى أفكار مدمرة للطبقة الحاكمة تفسها، من حيث أن زخمها التحررى لا يمكن أن يتحول إلى قوة لتدعيم قوة الطبقة. كما أن مفهوم الوعى الزائف غالباً ما يرتبط ارتباطاً خاطئاً بالنزعة الاستهلاكية والأدائية الاقتصادية (انظر: الخبرة الذاتية للعمل).
جورجي لوكاتش
نجد فى أعمال جورجي لوكاتش تفرقة بين الانتهازية الطبقية، حيث يكون النضال أكثر ارتباطاً بالنتائج وليس بأسباب الموقف الطبقي (أى بالأجزاء دون الكل، وبالأعراض دون جوهر الشئ ذاته)، والوعى الواقعى، والوعى الطبقى الحقيقى. ويتجلى آخر هذه الأنواع (أي الوعي الطبقي الحقيقي) بوضوح فى أوقات الأزمة، حيث يتم التغلب على الصيغ ذات الطابع المادي التى تقيد البروليتاريا ووعيها ذا الطابع المادى، وذلك من خلال الضرورة الموضوعية وظهور "الطبقة لذاتها". ولقد أشار لوكاتش إلى مجالس العمال على وجه الخصوص باعتبارها تعبر عن الوعى الطبقى الذى يتغلب على الوعي البورجوازي.
ديفيد لوكوود
درس ديفيد لوكوود (فى كتابه التضامن والانقسام، الصادر عام 1992) القضية الماركسية المتصلة بما يسمى نقطة التحول النهائية، أو العلاقة بين الوضع الطبقي، والوعي الواقعي، والفعل الطبقي، والوعي الممكن. وانتقد لوكوود، متجنباً بذلك المناقشات المتصلة بالممارسة الثورية وتحديد العلاقة بين المصالح المؤقتة والمصالح الجوهرية (الأساسية)، أنتقد إصرار الماركسيين على انصاف البروليتاريا بمستوى من الرشد كمتطلب ضرورى للتخلص من الوعى الزائف. ومثل هذا الموقف لا يغفل فقط عوامل مثل نظام المكانة ولكنه يهبط بمستوى الفعل غير الرشيد إلى مستوى البقايا النفعية للجهل والخطأ.
تطورات لاحقة
يحاجج مارشال ي. بومر بأن أعضاء البروليتاريا تجاهلوا حقيقة طبيعة العلاقات الطبقية بسبب اعتقادهم في احتمال أو إمكانية الترقي. مثل هذا الاعتقاد أو ما يشابهه يقال أنها ضرورية في الاقتصاد مع افتراض عقلانية الوكالة؛ وإلا كان العمال الأجراء أنصارا واعين لعلاقات اجتماعية تتناقض مع مصالحهم الخاصة، مما يخالف هذا الافتراض.