هوية

من أجل استخدامات أخرى، انظر هوية (توضيح).

الهُوِيَّةُ هو مصطلح يستخدم لوصف مفهوم الشخص وتعبيره عن فرديته وعلاقته مع الجماعات (كالهوية الدينية أو الوطنية أو العرقية...). يستخدم المصطلح خصوصا في علم الاجتماع وعلم النفس، وتلتفت إليه الأنظار بشكل كبير في علم النفس الاجتماعي. كلمة «هوية» منسوبة إلى الضمير «هُوَ».

الهوية هي مجمل السمات التي تميز شيئا عن غيره أو شخصا عن غيره أو مجموعة عن غيرها. كل منها يحمل عدة عناصر في هويته. عناصر الهوية هي شيء متحرك ديناميكي يمكن أن يبرز أحدها أو بعضها في مرحلة معينة وبعضها الآخر في مرحلة أخرى.

الهوية الشخصية تعرف شخصا بشكله واسمه وصفاته وجنسيته وعمره وتاريخ ميلاده. الهوية الجمعية (وطنية أو قومية) تدل على ميزات مشتركة أساسية لمجموعة من البشر، تميزهم عن مجموعات أخرى. أفراد المجموعة يتشابهون بالميزات الأساسية التي كونتهم كمجموعة، وربما يختلفون في عناصر أخرى لكنها لا تؤثر على كونهم مجموعة.. فما يجمع الشعب الهندي مثلا هو وجودهم في وطن واحد ولهم تاريخ طويل مشترك، وفي العصر الحديث لهم أيضا دولة واحدة ومواطنة واحدة، كل هذا يجعل منهم شعبا هنديا متمايزا رغم أنهم يختلفون فيما بينهم في الأديان واللغات وأمور أخرى.

العناصر التي يمكنها بلورة هوية جمعية هي كثيرة، أهمها اشتراك الشعب أو المجموعة في: الأرض، اللغة، التاريخ، الحضارة، الثقافة، الطموح وغيرها.

عدد من الهويات القومية أو الوطنية تطور بشكل طبيعي عبر التاريخ وعدد منها نشأ بسبب أحداث أو صراعات أو تغيرات تاريخية سرعت في تبلور المجموعة. قسم من الهويات تبلور على أساس النقيض لهوية أخرى. هناك تيارات عصرية تنادي بنظرة حداثية إلى الهوية وتدعو إلى إلغاء الهوية الوطنية أو الهوية القومية.

تعريفات الهوية المختلفة

1- تطلق «الهوية»، أولاً على العلاقة الفكرية التي ترفع كثرة المعاني في الموضوع فتردها إلى الوحدة في الإشارة. فمثلاً «أ في هوية مع ب» معناها أنه: على الرغم من الاختلاف في التعبير بين أ ، ب فإن المقصود بهما شيء واحد.

فالهوية هي ما يجعل شيئاً ما متشابهاً تماماً مع شيء آخر. والفهم، بوجه عام، يقوم في «تهوية» معرفة جديدة مع ما كنا نعرفه من قبل. وقد رأى اميل مايرسون في رد كل معارفنا عن الكون إلى الهوية المثل الأعلى للعلم (راجع كتابه: «الهوية والواقع»، مقالة : «فكرة ما هو في هوية» المنشور في مجلة «الأبحاث الفلسفية» .Rech. Philos سنة 1933 / 1934 ص 1 -17).

2- وفي المنطق والرياضيات تدل الهوية على علاقة بين شيئين (أو كميتين) كل طرف فيها يقوم برأسه. ويستخدم للدالة على هذه العلاقة العلامة (≡) هكذا : ص ≡ ص ( وتقرأ: س في هوية مع ص).

3- وفي علم النفس تثار مشكلة الهوية فيما يتعلق بوحدة ذات الطفل، أو الشاب، أو الرجل، أو الشيخ، رغم اختلاف أطواره وما يقوم به من أدوار.

4- وفي علم الاجتماع: تثار مشكلة الهوية فيما يتعلق بهوية الشخص في الإطار الاجتماعي، بأن يشعر بالهوية مع أشخاص المجتمع الذي يعيش وينمو فيه، وهو ما يسميه جورج ميد G. Mead باسم "تعميم الغير" generalized other واندماج الذات فيه.

5- وفي نظرية المعرفة مبدأ الهوية، إلى جانب مبدأ (عدم) التناقض والثالث المرفوع، هي القوانين الضرورية للفكر المنطقي، ولا يكون الفكر سليماً من الناحية المنطقية إلا إذا التزم بها. وصيغته هي: «ماهو - هو». وقد نقده لوك على أساس أنه تحصيل حاصل وخاو من المعنى («بحث في العقل الإنساني») لندن ط2 سنة 1694، ق4 272 بند 4، 10 الخ ). وعلى العكس من ذلك يعزو ليبنتس إلى هذا المبدأ قيمة كبيرة في المعرفة فقال عنه إنه مبدأ الحقائق السرمدية ( ليبنتس: «مقالات جديدة» ق4: 2). ويقول عنه فولف إنه مبدأ اليقين.

6- وفي الميتافيزيقا نجد أن شلنج جعل من الهوية المطلقة جوهر العقل وماهيته؛ وتبعاً لذلك رأى أن الفلسفة لا يمكنها التخلص من المشاكل العويصة التي تتردى فيها إلا بالرجوع إلى مبدأ الهوية. وذلك لأن جوهر الأشياء الأعمق هو الواحد. والكل الواحد يقوم في المعرفة وفي المعرفة الذاتية على وجه أدق. وخارجها لا يوجد شيء قابل لأن يعرف. ولهذا ينتهي إلى القول بأن العقل Vernunft هو والهوية المطلقة شيء واحد. والهوية المطلقة ليست فقط ماهيته، بل هي صورته وقانونه. إن لمطلق واحد أحد، ماهية واحدة هي هي عينها.

والهوية هي الضروري مطلقاً، ويقابلها: المستحيل مطلقاً. إنها تقوم في الوحدة المطلقة بين الذاتي والموضوعي.

المنحى الدينامي النفسي والمنحى السوسيولوجي

على الرغم من أن مصطلح الهوية ذو تاريخ طويل - إذ أنه مشتق من الجذر اللاتينى Idem الذى يدل على التوحد والاستمرارية - فإنه لم يصبح متداولاً إلا خلال القرن العشرن فقط. وتتخذ المناقشات الخاصة بهذا المصطلح منحيين أساسيين - المنحى السيكو دينامى (المنحى الدينامي النفسي = يقصد به أن له علاقة بالقوى أو العمليات العقلية أو العاطفية الناشئة بخاصة فى فجر الطفولة وبآثارها على السلوك والأوضاع للعقلية). والمنحى السوسيولوجى.

وظهر المنحى السيكودينامى مع نظرية فرويد حول التوحد (أو التماهى) حيث يتمثل الطفل (أو يتشرب) أشخاصاً أو موضوعات خارجية، غالباً ما تكون الأنا العليا للأب (أو الأم). وتركز النظرية الدينامية النفسية على الجوهر الداخلى للبناء النفسي بوصفه بناء له هوية مستمرة (وإن كانت متصارعة). وينظر المؤرخ النفسى إريك إريكسون إلى الهوية بوصفها عملية تقع فى القلب من الإنسان، كما توجد فى قلب ثقافته الجمعية، وهذا ما يخلق الرابطة بين الفرد والمجتمع. وقد طور إريك إريكسون مفهوم أزمة الهوية خلال الحرب العالمية الثانية للإشارة إلى المرضى الذين "فقدوا إحساس التوحد الشخصي والاستمرارية التاريخية". ثم عمم هذا المفهوم بعد ذلك ليدل على مرحلة كاملة من مراحل الحياة (كجزء من نموذجه الخاص بمراحل الحياة الذى يقسم حياة الفرد إلى ثماني مراحل). وهنا تصبح مرحلة الشباب مرحلة أزمة عامة من الاضطراب المحتمل للهوية. بعد ذلك انتقل مصطلح أزمة الهوية إلى مجال الاستخدام الشائع.

ويرتبط الاتجاه السوسيولوجي الخاص بنظرية الهوية بالتفاعلية الرمزية، كما نبع من النظرية البراجماتية للذات التى تناولها وليام جيمس، وجورج هربرت ميد. فالذات تعد قدرة إنسانية متميزة تمكن الأفراد من التفاعل مع الطبيعة ومع العالم الاجتماعي عن طريق اللغة والاتصال. وينظر كل من جيمس وميد إلى الذات بوصفها عملية تحتوى على جانبين: الأنا الداخلى "I"، العارف، الداخلى، الذاتي، المبدع، المحدد، الذى لا يمكن للآخرين معرفته، والأنا الخارجي "Me" الأكثر معرفة للآخرين، الخارجي، المحدد، والاجتماعي. والتوحد (أو التماهى) هنا هو مجرد تسمية، تعنى أن نضع ذواتنا فى قوالب (مقولات) مصاغة اجتماعياً، وتحتل اللغة أهمية محورية فى هذه العملية. وفى الأعمال الأخيرة لإرفنج جوفمان وبيتر بيرجر، أصبحت الهوية "نتاجاً اجتماعياً، تكتسب استدامتها اجتماعياً، وتتحول اجتماعياً أيضاً". انظر كتاب بيرجر، دعوة إلى علم الاجتماع، الصادر عام 1966.

واهتمت التطورات الحديثة فى النظرية الاجتماعية، والمرتبطة بالبنيوية وما بعد البنيوية باللغة والتصورات اهتماماً أوسع مما كان معروفاً من قبل، وكانت إسهاماتها فى هذا الصدد مكملة ومدعمة لاتجاه التفاعلية الرمزية فى دراسة الهوية. و لكن الملاحظ على أية حال - أن البنيوية وما بعد البنيوية كانتا أكثر تأكيداً على الدور التكوينى وعلى التأثير العميق لكل من اللغة والتصورات فى تشكيل الهوية. وتستند آراء أصحاب البنيوية وما بعد البنيوية إلى آراء وتوجهات عالم اللغة السويسرى فردينان دى سوسير - صاحب الاتجاه البنيوي - (انظر مثلاً كتابه: مقدمة فى علم اللغة العام، الصادر عام 1949). وقد ركز سوسير اهتمامه على تأمل كيف يتم إتتاج المعنى فى اللغة، و أوضح أن ذلك لا يتم من واقع قصد الكاتب أو المتحدث، وإنما يتحقق من خلال تفاعل العلامات. فاللغة فى رأيه نسق ذو بنية هو الذى يولد المعانى. وفى صياغة متطرفة فى هذا الاتجاه أعلن سوسير أن اللغة هى - الحقيقة - التى تخاطب الفرد بإخضاعه لقواعدها، وليس العكس. وقد استخدم وصف سوسير هذا للغة لدعم الرأى القائل بأن جميع المعانى الاجتماعية والثقافية إنما تتخلق داخل اللغة، أو بشكل أكثر عمومية تتخلق داخل أنساق التصور. وبعبارة أخرى يمكن القول بأن العالم حولنا، بل والمكان الذى نعيش فيه، إنما يكتسب معناه ودلالته فى إطار التصور الذى تملكه. وهكذا يمكن القول - بمعنى أهم - أن هويتنا - من نكون - أو إحساسنا بالهوية، إنما يتشكل من خلال المعاني المرتبطة ببعض الخصائص، و القدرات، وأشكال السلوك.

واستطاع الفيلسوف الفرنسى ميشيل فوكوه أن يدفع هذا التحليل للهوية خطوة إلى الأمام، مطوراً آراء سوسير تلك، وذلك بفضل بحوثه وكتاباته عن الخطاب (انظر: تحليل الخطاب) وعن تكوين الخطاب. ويرى فوكوه أن الخطاب هو الذى يشكل أساليب الكلام عن شيء أو موضوع معين، أو أشكال تصوره أو المعرفة به. وقد ذهب فى هذا فى دراسته عن نمو السجون الحديثة - على سبيل المثال - إلى أن أنواع الخطاب حول العقاب (كما فى علم الإجرام مثلاً) تخلق مجموعة متكاملة من أساليب الحديث عن المجرم ومعرفتها ومعرفة العقلية الإجرامية (انظر كتابه بعنوان: النظام والعقاب، الصادر عام 1977). والأمر الأكثر أهمية، من وجهة نظر فوكوه، أن أنواع الخطاب هذه قد أسست أوضاعاً ومواقف لكل من الفعل والهوية. ويتضح ذلك بالنسبة للشخص العارف - أو صاحب المعرفة - (وهو عالم الإجرام الخبير فى تخصصه) وبالنسبة للشخص موضوع المعرفة (وهو هنا: المجرم). وعلى هذا الأساس يمكن القول أن المادة الخام للهوية قد تشكلت فعلاً داخل أنواع الخطاب المستخدمة ثم تلقاها الفرد واستوعبها وتبناها، وبذلك تتم بالفعل عملية تكوين الهوية وتشكيلها.

وفضلاً عن هذا استطاع ميشيل فوكوه أن يضيف إلى التحليلات الحديثة للهوية عنصراً جديداً، أصبح يحتل أهمية خاصة. ومؤداه إصرار فوكوه على أننا - كأفراد - نملك هويات متعددة، وليس هوية واحدة فقط. وهناك بعدان أساسيان لهذا التأكيد من جانب فوكوه. والبعد الأول، والأكثر أهمية فى رأى فوكوه نفسه، أن أنواع الخطاب المختلفة تخلق أوضاعاً معينة، غالباً ما تكون متنوعة، لكل من الفاعل والهوية على السواء. فأنواع الخطاب المرتبطة - مثلاً - بالدين، أو بالدولة، أو بالرياضة، أو بالاستهلاك تخلق تصورات للذات تتسم بتميزها عن بعضها البعص، ولكنها غالباً ما تكون متناقضة مع بعضها البعض أيضاً. ويعنى هذا المنظور أن كلا منا يخاطب ويعامل وفقاً لعديد من الذوات بداخلنا: كمتدين ورع، أو دافع ضرائب، أو مشجع لعبة كرة القدم، أو كإنسان يسعى نحو المتعة.

والبعد الثانى المهم فى تحليل فوكوه أن الهويات المتعددة التى نجمع بينها في ذاتنا - والمرتبطة بعدد من الممارسات الاجتماعية - ترتبط هى نفسها بأبنية هوية أكبر وأشمل. ومن الأبنية التى يشار إليها فى هذا الصدد عادة نذكر: الطبقة، والإتنية، و"العرق"، والنوع (الجندر)، والهوية الجنسية. وإن كان من المهم أن نلاحظ أن تلك الهويات الممختلفة ليست فى الحقيقة منفصلة عن بعضها البعض تمام الانفصال، ولكنها تتفاعل مع بعضها البعض. من هذا مثلاً ما أوضحته كاترين هول بالنسبة لرجال الطبقة الوسطى فى انجلترا إيان القرن التاسع عشر، ومؤداه أن رجولتهم لم تكن تعتمد وتتأكد من خلال ظروفهم وأوضاعهم الطبقية فحسب، وإنما كذلك من خلال أنواع معينة من الانتماء الإثنى ("كونهم إنجليزا")، والعرق (كونهم من "البيض") (انظر مؤلفها: الأبيض، والذكر والطبقة الوسطى، الصادر عام 1993). فالنوع، والإثنية، والعرق - كما فى هذا المثال - ليست منفصلة عن بعضها البعض، ولكنها متداخلة ومتضافرة.

ومن التطورات الأخرى فى هذا الاتجاه المهتم بتداخل الهويات وتلاحمها فكرة تهجين الهويات الثقافية. وتشير فكرة التهجين - خاصة بالنسبة للهويات "العرقية" والإثنية - إلى أن الهويات ليست شيئاً نقياً وإنما هى ثمرة عمليات اختلاط، وانصهار، وتهجين. وهكذا يستند هذا الأسلوب فى تحليل الهوية إلى الاهتمام بامتزاج الثقافات وحركتها. ومن الملامح البارزة فى هذا الصدد بعض أشكال النقل الثقافي، بدءاً من عمليات تجارة الرقيق وصولاً إلى عمليات انتشار وسائل الاتصال الجماهيرى، والتى أسهمت جميعاً فى تشكيل العالم المعاصر (انظر على سبيل المثال مؤلف بول جيلروى بعنوان: الأطلنطى الأسود، الصادر عام 1993). ويلاحظ أصحاب هذا الرأى أن امتزاج الثقافات أو الهجين المتكون من اختلاطها ليس ثمرة تمثل ثقافة لتراث ثقافة أخرى، ولكنه يمثل إنتاج شئ جديد.

كذلك يلاحظ أن دراسات تهجين الهوية الثقافية قد ارتبطت أوثق الارتباط يتحليلات وبحوث هويات الشتات. وكان مصطلح "الشتات" يطلق فى الأصل على أبناء الشعب اليهودى المنتشرين فى شتى أنحاء الأرض، ولكنه أصبح يطلق اليوم دائماً على شتات السود، أى على حركة هجرة ونقل السكان ذوى الأصول الأفريقية عبر القارات. فهويات الشتات - بهذا المعنى - تتشكل من خلال كون أصحابها "ولدوا عبر العالم" (حسب تعبير سلمان رشدى فى كتابه : الأوطان الخيالية، الصادر عام 1991)، أو بمعنى كونها تعيش" فى الغرب، ولكنها "لا تنتمى" إلى الغرب تماماً (أو إلى الغرب وحده).

وقد أكد عالم التحليل النفسى الفرنسى جاك لاكان على رؤية للهوية مختلفة عن تلك. فقد استطاع لاكان أن يطور آراء فرويد، متوسلاً بتأثير دى سوسير، فيبرز قضية تمزق المهوية، أو الجوانب المغتربة من الهوية. وفى هذه الدراسة، التى تعد فى جوهرها تطويرا واضحا وقويا لكتابات فرويد عن النرجسية، قدم لاكان تعريفا لإحساس الطفل بذاته لأول مرة (أى أول إحساس للطفل بهويته) باعتباره ناجماً عن تصوره المتخيل لوضعه من خلال صورته المنعكسة (فى المرآة). انظر حول هذا الموضوع مقاله بعنوان: "مرحلة المرآة كأداة لتشكيل وظيفة الأنا (الداخلى) I، المنشور عام 1968). ويوضح لاكان ذلك بالقول بأن الطفل عندما ينظسر إلى صورته المنعكسة فى المرآة، أو -حرفياًاالمنعكسة فى عينى أمه، فإنه يدرك ذاته خطاً كأنه صورتها هى، ثم يستوعبها ويمزجها بصورته هو فى عملية تكوين كلية (انظر مادة: نظرية الجشطالت). ويصف لاكان تلك العملية بأنها حالة من التماهى النرجسى الأولى، وأنها تمثل الأساس والنموذج الذى تصاغ على نمطه كافة عمليات التماهى لديه فى المستقبل. ويرى لاكان أن تمزق الهوية أو سوء إدراكها يمثل أساس هذه العملية وجوهرها، وهى التى تؤسس علاقة الفرد الدائمة مع المجال البصرى كعلاقة مغتربة أو مشنتة، أو كانشطار بين "الذات المثالية" الخارجية (صورة المرآة)، "والمثل الأعلى للذات" الداخلى.

واحتلت المناقشات الخاصة بالهوية مكانسة بارزة داخل علم الاجتماع وأثمرت تراثا ضخما، بما فى ذلك العديد من الممسرحيات والروايات، التى أصبحت فيها الأفكار الخاصة بالبحث عن الهوية أو تحطيم الذات موضوعات أساسية. وانقسمت التفسيرات الخاصة بذلك إلى معسكرين أساسيين: الرؤية المتفائلة والرؤية المتشائمة. إذ أصبح العالم الحديث، لدى أصحاب الرؤية المتفائلة، يتجه نحو مزيد من الفردية واتسع الخيار بين العديد من الهويات. لذا أصبح الناس أكثر قدرة على تحقيق الذات: أى اكتشاف الذات الداخلية الحقيقية غير المفروضة، بشكل مصطنع، من جانب التراث أو الثقافة أو الدين، وتحقيق المزيد من الفردية، وفهم الذات، والمرونة، والاختلاف. على العكس من ذلك يرى أصحاب الرؤية المتشائمة أن المجتمع الجماهيري مجتمع مغترب: حيث أكد أصحاب اتجاه العمليات النفسية - على سبيل المثال - على طمس الحدود بين الذات والثقافة، وظهور الشخصية النرجسية؛ بينما ينظر علماء الاجتماع إلى هذا المجتمع (الجماهيرى) بوصفه مجتمعا يتجه نحو التشرذم وفقدان كل من المأوى والمعنى، ويتحسرون على فقدان السلطة داخل العالم الاجتماعى نتيجة لطغيان الأنانية والاستغراق فى أمور الذات.

بناء على ذلك لا يمكننا أن نعثر على معنى واضح لمصطلح الهوية داخل علم الاجتماع الحديث. حيث يستخدم بشكل عام وفضفاض، تبعا لمعنى مفهوم المذات عند الباحث، وتبعاً لمشاعره وأفكاره حول ذاته، مثلما الحال فى مصطلحى "هوية النوع" و "الهوية الطبقية". لذا يرى البعض أن هويتنا تعد تتاجا للتوقعات الممرتبطة بالأدوار الاجتماعية التى نشغلها، ونستدمجها، الأمر الذى يعنى - تبعا لذلك - أن الهوية تدشكل عبر عملية التنشئة الاجتماعية. فى مقابل ذلك يرى البعض الآخر أننا نصوغ ذواتنا بشكل أكثر فاعلية من خلال المواد التى تقدم لنا أثناء عملية التنشئة الاجتماعية، أو عبر الأدوار المختلفة التى نؤديها. لكننا نجد أن كتاب جوفمان (المعنون : تصوير الذات فى الحياة اليومية، الصادر عام 1959، الذى اهتم فيه بالطرق المعقدة التى نقدم بها أنفسنا للناس، وهى العملية التى يمكن أن نطلقعليها "إدارة الذات") أثار قضية حاسمة استعصت على الحل لدى كل المتيارات وهى : قضية ما إذا كنا نملك - أو لا نملك- هوية أو ذاتا أصلية (حقيقية) تكمن وراء تلك الأقنعة المتعددة التى نقدم بها أنفسنا للآخرين.

انظر أيضاً