الفارابي
الفارابي وعُرِف بأبي نصر واسمه الأساسي محمد، وُلد عام 260 هـ(874 م)، في فاراب في إقليم تركستان (كازاخستان حاليًا) وتُوفي عام 339 هـ(950م). لُقب باسم الفارابي نسبةً للمدينة التي ولد فيها وهي فاراب. يعُتبر الفارابي فيلسوفاَ ومن أهم الشخصيات الإسلامية التي أتقنت العلوم بصورة كبيرة مثل الطب والفيزياء والفلسفة والموسيقى وغيرها.
عاش الفارابي مُدةً في بغداد قبل أن ينتقل إلى دمشق ومنها انطلق في جولةِ بين البلدان قبل أن يعود لدمشق ويستقر فيها حتّى وفاته، خلال وجوده في سوريا قصد الفارابي حلب وأقام ببلاط سيف الدولة الحمداني وتبوأ مكانةً عاليةً بين العلماءِ والأدباءِ والفلاسفة. أطلق عليه معاصروه لقب المعلم الثاني، نظراَ لاهتمامه بمؤلفات أرسطو المعروف بالمعلم الأول، وتفسيرها وإضافة التعليقات عليها.
لا خلاف بين المؤرخين على أن أبي نصرٍ الفارابي هو المؤسس الأول للفلسفة الإسلامية، فقد تأثر كلُّ العلماء الذين أتوا بعده بأفكاره.
تسميته
اختلف المؤرخون في اسمه وأصله، فقد وَردَ في كتاب عيون الأنباء لابن أبي أصيبعة أنّه دُعيَ بأبو نصر محمد بن محمد بن أوزلغ بن طرخان، ومن المؤرخين من قال أنّه دُعيَ بأبي نصر محمد بن طرخان بن أوزلغ كابن خلكان، وهناك من سمَاه أبا نصر محمد بن محمد بن طرخان كما قال القفطي والبيهقي، وقد قال ابن النديم عن اسمه أبا نصر محمد بن محمد بن طرخان في الفهرست. ويقول صاعد الأندلسي في الطبقات الأمم أنّه أبو نصر محمد بن محمد بن نصر.
اختلف المؤرخون في ولادته، فمثلا في كتاب الفهرست لابن النديم قال بأن أصله من الفارياب من أرض خرسان، وفي كتاب المخطوط في تاريخ الحكماء للبيهقي تحدَث عن أصلِ الفارابي بأنه من أرض فارياب في تركستان، وهو ما يتعارض مع ما جاء بأسماء العلماء في معجم البلدان حيث كان أبناء فارياب يُكَنون بالفاريابين كمحمد بن يوسف الفاريابي.
سيرته
هو أبو نصر محمد بن محمد بن أوزلغ بن طرخان ويظهر اسم طرخان في نسبه. لم يكن جده معروفاً في أوساط معاصريه، ولكن ظهر اسم أوزلغ فجأةً فيما بعد في كتابات ابن أبي أصيبعة وظهر اسم جده الأكبر في كتابات ابن خلكان.[١]
تشير الاختلافات الموجودة في الروايات الأساسية المتعلقة بأصول الفارابي ونسبه، إلى أنَه لم يتم تسجيلها خلال حياته أو بعد ذلك بوقت قصير من قبل أي شخص لديه معلومات محددة، وكل المعلومات المعروفة تستند إلى الإشاعات أو التخمينات (كما هو الحال مع معاصري آل- الفارابي). لا يُعرف الكثير عن حياته، وتشمل المصادر المبكرة مقطعاً عن سيرته الذاتية حيث يتتبع الفارابي تاريخ المنطق والفلسفة حتى عصره، ويذكر باختصار المسعودي وابن النديم وابن حوقل. وقد كتب صاعد الأندلسي سيرة الفارابي لكن لم يكن لدى كتاب السير العرب في القرنين الثاني عشر والثالث عشر سوى القليل من الحقائق لتسليمها، واستخدموا قصصاً مخترعةً عن حياته.
ومن المعروف من الروايات التي وصلت عن حياته أنه قضى وقتًا طويلاً(معظم حياته) في بغداد مع علماء مسيحيين منهم رجل الدين يوحنا بن حيلان ويحيى بن عدي وأبو إسحاق إبراهيم البغدادي، بعد ذلك أمضى بعض الوقت في دمشق ومصر قبل أن يعود إلى دمشق حيث توفي عام 950-1.
يمكن أن يكون مسقط رأسه أحد الأماكن العديدة في آسيا الوسطى - خراسان المعروفة بهذا الاسم. الاسم "باراب / فاراب" هو مصطلح من اللغة الفارسية يشير للمنطقة التي تروى بالينابيع السائلة أو تدفقات من نهر قريب وبالتالي فهناك العديد من الأماكن التي تحمل الاسم (أو التطورات المختلفة لهذا الاسم الجغرافي الهيدرولوجي / الجيولوجي) في تلك المنطقة العامة فمثلاً فراب على جاكسارتس(سير داريا) في كازاخستان الحديثة أو فاراب (توركمينابات الحديثة) على نهر أوكسوس آمو داريا في تركمانستان أو حتى فريب في خراسان الكبرى (أفغانستان الحالية). في الفارسية القديمة [١] باراب (في حدود العلم) أو فارياب (أيضًا بارياب) هو اسم فارسي شائع للأماكن الجغرافية يعني "الأراضي المروية بتحويل مياه النهر" بحلول القرن الثالث عشر عُرف فراب على آل جاكسارت باسم أطرار.
يتفق العلماء إلى حد كبير على أن خلفية الفارابي العرقية غير معروفة مع الميل للأصل التركي.[١]
نظرية الأصل الإيراني
ذكر المؤرخ العربي في العصور الوسطى ابن أبي أصيبعة (توفي عام 1270) وهو أقدم من كتب سيرة للفارابي في كتاب عيون الأنباء أن والد الفارابي كان من أصل فارسي[١]، ويذكر شمس الدين الشهرزوري الذي عاش حوالي عام 1288م في سيرة ذاتية أشار من خلالها أيضًا إلى أن الفارابي ينحدر من عائلة فارسية ووفقًا لما قاله ماجد فخري أستاذ الفلسفة بجامعة جورج تاون فإن والد الفارابي كان نقيبًا في الجيش من أصل فارسي. ويلاحظ ديميتري غوتاس أن أعمال الفارابي تحتوي على مراجع ونصوص باللغة الفارسية والسوقديانية وحتى اليونانية، ولكن ليس التركية، [١] كما تم اقتراح لغة السوقديان كلغته الأم ولغة سكان فراب. ناقش محمد جواد مشكور أن يكون أصله من آسيا الوسطى مع الناطقيين باللغة الفارسية. كما تم ذُكر الأصل الفارسي من قبل العديد من المصادر الأخرى أيضاً.
نظرية الأصل التركي
قدم مؤرخ القرون الوسطى ابن خلكان (توفي عام 1282)، أقدم مرجع يشير إلى أن الفارابي من أصل تركي وقد ذكر في كتابه وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان (اكتمل في 669/1271)، أن الفارابي ولد في قرية واسيج الصغيرة بالقرب من فراب (اليوم فاراب، كازاخستان) من أبوين تركيين، بناءً على هذه الرواية اعتبر بعض العلماء المعاصرين إنه من أصل تركي. ينتقد ديمتري غوتاس المستعرب الأمريكي من أصول يونانية ذلك قائلاً إن رواية ابن خلكان تستهدف الروايات التاريخية السابقة لابن أبي أصيبعة وتساعد على "إثبات" أن الفارابي من أصل تركي، فمثلاً بذكر النسبة الإضافية (اللقب) "الترك" (عرب. "الترك") - لم تكن هناك نسبة للفارابي.[١] إلا أن أبو الفداء الذي قلد ابن خلكان صححَ هذا الأمر وغيّر عبارة التركي إلى عبارة "وكنا رجلان تركيان"، أي "كان رجلاً تركياً".[١] في هذا الصدد، يُلاحظ الأستاذ كليفورد إدموند بوزورث في جامعة أكسفورد أن "الشخصيات العظيمة مثل الفارابي والبيروني وابن سينا قد ارتبطوا بعلماء أتراك متمسكين بعرقهم".
تعليمه
قضى الفارابي حياته كلها تقريباً في بغداد، وقد بدا ذلك واضحاً في السيرة التي كتبها ابن أبي أصيبعة حيث ذكر ان الفارابي تعلّم الطّب والفلسفة من الطّبيب يوحنّا بن حيلان بما في ذلك تحليلات أرسطو اللاحقة، وبـحسب ترتيب الكتب التي درست في المنهج فإن الفارابي شرح كتاب إيساغوجي لفرفوريوس وكتاب المقولات لأرسطوطاليس، إضافةً لكتاب العبارة وكتاب القياس والبرهان. كان معلمه بن حيلان رجل دين نسطوري على الأرجح، وبقي طوال هذه الفترة في بغداد حيث سجل المسعودي أنّه بعد وفاة يوحنّا في عهد المقتدر (295-320 / 908-32) .كان الفارابي في بغداد على الأقل حتى نهاية أيلول (سبتمبر) 942 كما هو مسجل في ملاحظاته التي كتبها في عمله آراء أهل المدينة الفاضلة، والذي أنهى كتابته في دمشق في العام التالي (331) أي بحلول أيلول (سبتمبر) 943. درس أيضًا في تطوان بالمغرب وعاش ودرّس لبعض الوقت في حلب. زار الفارابي مصر في وقت لاحق، وأنهى ستة أقسام تلخص كتاب مبادئ الفلسفة القديمة عام 337 ما يقارب 948م. في يونيو 949 عاد إلى سوريا حيث كان يتلقى دعماً كبيراً من سيف الدولة الحمداني، ويقول المسعودي في كتابه الذي صدر بعد خمس سنوات تقريباً عام 955-956 بعنوان تاريخ تكوين الطنبوح أن الفارابي توفي في دمشق في رجب 339 (بين 14 ديسمبر 950 و12 يناير 951).[١]
ديانته
وجد هنري كوربان في كتاباته أدلة تدعم الرأي السائد في إيران بأن الفارابي كان شيعياً، وكما يرى وجود شبه كبير بين ما يسميه الفارابي "الفلسفة النبوية" مع تعاليم الأئمة الشيعة. وقد رأى أيضاً فوزي النجار أن فلسفة الفارابي السياسية تأثرت بالتعاليم الشيعية. تعتقد نادية مفتوني بوجود الجوانب الشيعية في كتابات الفارابي على حد تعبيرها، وتقول بأنّه كان يؤمن في كُتبه "الملاح" و"السيارة المدنية" و"تحسين السعادة" بالطوباوية التي يحكمها النبي وخلفاؤه: الأئمة. ومن جهة ثانية يؤكد محسن مهدي أنه كان حنفياً، ملتزما بقواعد الفقه الحنفي.
حياته وتلمذته
بدأ الفارابي بدراسة العلوم في مسقط رأسه حيث درس العلوم والرياضيات والآداب والفلسفة واللغات فبرع في اللغة التركية التي يُعتقد أنّها لغته الأساسية إضافة للغات العربية والفارسية واليونانية.
حوالي عام 310هـ غادر مسقط رأسه قاصداً العراق لإكمال ما بدأ بدراسته في مسقط رأسه إضافةً لعلومٍ أُخرى فدرس في حران الفلسفة والمنطق والطب على يد الطبيب يوحنا بن حيلان بعدها ذهب لبغداد ودرس فيها الفلسفة والمنطق على يد أبي بشر متى بن يونسالذي كان من أشهر المترجميين عن اللغة اليونانية إضافة لتعلمه على يد ابن السراج اللسانية العربية.
كما ودرس الموسيقى وأتم دراسة الطب والرياضيات في عمرٍ متقدمة فقد كان مولعاً بالأسفار في طلب العلم ونشره ونعرفة شؤونه فانتقل من العراق إلى بلاد الشام حوالي 330 هـ وبقي متنقلاً بين مدن الشام خصوصاً حلب عاصمة الحمدانيين ودمشق وقد عاش في ظلال سيف الدولة مقبلاً على العلم وغير منقطعٍ عنه، في الأرجح فإنّه سافر إلى مصر عام 338هـ قبل أن يعود إلى دمشق حيث وافته المنية سنة 398هـ.
كان الفارابي يميل إلى العزلة فقضى معظم أوقاته في دمشق في البساتين وعلى ضفاف المياه كما يذكر ابن خلكان في كتاب وفيات الأعيان فلا يجدوه إلاّ عند مشتبك رياض حيث يجلس ويؤلف بحوثه ويقصده التلاميذ والمساعدين.
وفاته
معظم المؤرخين ذكروا أن وفاة الفارابي كانت عن عمرٍ يناهز التسعة والسبعين أو الثمانين عام تقريباً في العام 339 هـ وقد دفن في دمشق وقد صلى عليه سيف الدولة الحمداني في أربعة عشر أو خمسة عشر من خواصه ودلّ كلام المؤرخين على أن وفاته كانت طبيعية.
يقع ضريح الفارابي في مقبرة الباب الصغير في دمشق التي تحوي عدداً من أضرحة أهل البيت والشعراء والعلماء والحكماء المسلمين وقد كُتب على الضريح: هذا ضريح العالم والفيلسوف والأديب والموسيقي الإسلامي محمد بن طرخان بن أوزلغ المشهور بأبي نصر الفارابي.
مساهماته
الفلسفة
أنشئ الفارابي ما يُعتبر المنهج الأول في الفلسفة الإسلامية وقد عُرف باسم «الفارابية» لكن سمعة المنهج بدأت بالتضاؤل بعد ظهور منهج ابن سينا، وُصف منهج الفارابي بأنّه مُنسلخ عن منهج الفلاسفة اليونانيين بخاصة أفلاطون وأرسطو وانتقل من الميتافيزيقيا إلى المنهج العلمي.
وحّد الفارابي بين النظرية والتطبيق ولكن سياسياً دعى إلى تحرير التطبيق من قيود النظرية، وقد احتوت معتقداته المُستحدثة عن الأفلاطونية ما هو أعمق من الميتافيزيقيا فأثناء محاولاته التحقيق في المُسبب الأولي للوجود واجه الفارابي حقيقة قصور المعرفة البشرية.
كان لأعمال الفارابي عظيم الأثر على العلوم الطبيعية والفلسفة لعدة قرون فقد نُعتَ من الكثيرين بأعلم الناس في زمانه بعد أرسطو وهذا ما يشير له لقب المعلم الثاني وقد مهدت أعماله الساعية للتوحيد بين الفلسفة والتصوف الطريق أمام أعمال ابن سينا.
كتب الفارابي تعليقات على أعمال أرسطو، كما وناقش في كتاب «آراء أهل المدينة الفاضلة ومضاداتها» تصوراً عن المدينة المثالية كما فعل أفلاطون في «الجمهورية». واعتبر أن الأديان توصل الحقائق لعامة الناس في صورة رموز وحكايات ورأى كذلك أنه من واجب الفيلسوف أن يقدّم النصيحة والتوجيه للدولة وقد اتفق في هذا أفلاطون، فقد ناقش الفارابي منظور أفلاطون واشتق منه وجهة نظر موازية ومتوافقة مع السياق الإسلامي، حيث رأى أن مدينته الفاضلة يجب أن يحكمها نبي إمام، عوضًا عن الملك الفيلسوف الذي فضله أفلاطون.
جادل الفارابي والدارسين لمنهجه من بعده بأنّه في مدينته الفاضلة كان يقصد المدينة المنورة حينما كان يحكمها النبي محمد بصفته ولي عهد المسلمين وهو على تخاطب مستمر مع الله حيث يبلغه من آن إلى آخر بأحكامه وقوانينه.
المنطق
رغم اتباع الفارابي لمذهب أرسطو في المنطق إلاّ أنّه امتلك أفكاراً من المذاهب المنطقية الأُخرى فناقش قضية الإحتمالات المستقبلية ونظرية الأعداد والجموعات وعلاقة المنطق بعلمِ النحو إضافةٍ لاهتمامه بأساليب الإستدلال لدى أرسطو ويُرجح أن الفارابي أول من قسم المنطق لجزأين الأول هو "الفكرة" والثاني هو "البرهان"، ناقش الفارابي أيضا نظريات الأقيسة الشرطية والإستدلال التشبيهي وأضاف للمذهب الأرسطي مفهوم القياس الشاعري وقد ذكر ذلك في تعليقاته على كتاب أرسطو «فن الشعر».
علم النفس
- طالع أيضاً: فلسفة العقل لدى الفارابي
كتب الفارابي مقولتين في علم النفس الإجتماعي إضافة لما ورد في كتبه آراء أهل المدينة الفاضلة الذي خاض به في النفس معتبراً إياها أحد أركان بناء الإنسان في الدولة التي تصورها حيث اعتبر أن المرء يعجز عن بلوغ الكمال لوحده لذلك يحتاج للمساعدة من باقي الأفراد فالإنسان بطبيعته يميل للتعاون مع غيره حتى يؤدي واجباته:
فحتى يقرب المرء من الكمال المنشود، عليه أن يظل بالقرب من غيره من الناس وأن يقترن بهم حتى ينال منهم عونهم.
واعتبر أن قوة الإرادة هي المسؤولة عن الرغبات أو عدمها مما يحصل في الإحساس والخيال وبذلك فهي تحفز السلوك الإجتماعي للفرد وقد فرق بين ردات الفعل التلقائية التي تقوم بها الحيوانات وبين ردة الفعل الواعية والنابعة من العقلانية عند البشر. اعتبر الفارابي أن القلب هو الحاكم في جسم الإنسان ويقوم بمساعدة الدماغ والأعضاء الأخرى بإعطاء الحرارة للحواس، هذه الحرارة هي نفسها المسؤولة عن الفروقات بين الجنسين حيث أنّها كلما زادت عند الرجال كلما جعلتهم أكثر غضبا وأعنف من النساء اللواتي يتفوقن بالرحمة والرأفة على الرجال ومن هنا يبدو الإرث الأفلطوني عند الفارابي حيث يرى أن الجنسيين متساويين في قدراتهما الإدراكية ويعتبر الفارابي أن النساء قادرات على أن يصبحن فيلسوفات وكذلك نبيات.
وقد قسم الفارابي قوى النفس إلى خمس قوى هي:
- القوى الغاذية: وهي التي تٌغذي وتُني وتُولد.
- القوى الحاسة: حيث يتم الإدراك بالحواس الخمس.
- القوى المتخيلة: وعملها حفظ ما رُسم في النفس بعد غياب الشيء عن الحس.
- القوى الناطقة: وهي ما تميز بها الإنسان عن الحيوان حيث يُميز الجميل من القبيح والثمين من الزهيد.
- القوى النزوعية: التي تُساق إلى الشيء وتكرهه.
وقد ميز الفارابي في فصله الأخير بمدينته الفاضلة المُعنون «القول في سبب المنامات» بين تفسير الأحلام وبين طبيعتها وأسبابهاإذا اعتبر للأحلام دور في التعبير عن شخصية الفرد وسلوكه.[٢]
الموسيقى
- طالع أيضاً: كتاب الموسيقى الكبير
ألّف الفارابي كتابًا عن الموسيقى بعنوان «كتاب الموسيقى الكبير» وفيه شرح المبادئ الفلسفية المتعلقة بالموسيقى وخاذ في خصائصها العامة، وأثرها إضافة لمناقشته في عددٍ من مقولاته مفهوم العلاج بالموسيقى والآثار الشفائية للموسيقى على الروح.[٢]
الفيزياء
كتب الفارابي مقولة قصيرة باسم «الخلاء» ناقش فيها ماهية الفراغ[٣] ويُرجح العلماء بأنّه أول من قام بتجربة علمية للتحقق من وجود الفراغ حيث قام بمراقبة ودراسة المكابس المغمورة بالماء ومن ثم توصّل في استنتاجه في أن الهواء دائمًا ما يتمدد حتى يملئ الفراغ الموجود وعليه رفض فكرة وجود الفراغ باعتباراها فكرة غير منطقية.
أفكاره الفلسفية
مصادر التأثير
درس الفارابي العديد من المذاهب الفلسفية لكن أكثر ما تأثر يفلسفة أرسطو وخاصةً بالمذهب الأرسطي المحدث المنتشر في الإسكندرية، اتسم الفارابي بغزارة كتاباته، ونُسب إليه أكثر من مئة كتاب. تنوعت بين كتابات تمهيدية عن الفلسفة بصفة عامة وتعليقاته على أعمال أرسطو مثل «علم الأخلاق إلى نيقوماخس» نسبة إلى ابن أرسطو نيقوماخس بالإضافة إلى أعماله الخاصة وكانت كتاباته مُتسقة موصوفة بالترابط والمنطقية على الرغم أنها مكونة من عدة مدارس ومذاهب فلسفية. وكذلك تأثر الفارابي بنموذج الكواكب والشمس لبطليموس، وعناصر الأفلاطونية المحدثة حيث اهتم بموقفها من الميتافيزياء والفلسفة العملية والسياسية التي هي أقرب إلى «الجمهورية» لأفلاطون منها إلى «السياسة» لأرسطو.
الفارابي وأرسطو وموسى بن ميمون
لعب الفارابي دورًا حيويًا في انتقال أفكار أرسطو من اليونان القديمة إلى الغرب المسيحي في العصور الوسطى وذلك ما نراه في ترجمة تعليق الفارابي على «العبارة» لأرسطو إلى اللغات اللاتينية. تأثر موسى بن ميمون وهو يعد أهم مفكري اليهود في العصور الوسطى بالفارابي لدرجة عظيمة. فمن بين كتاباته الشهيرة هناك مقالة تُنسب له هي «مقالة في فن المنطق» وفيها أوجز موسى بأسلوب بارع أصول منطق أرسطو في ضوء تعليقات ابن سينا والفارابي. وأكّد الكاتب ريمي براغ حقيقة أن الفارابي هو المفكر الوحيد الذي تعني به تلك المقالة. إضافة لتأثر ابن ميمون بالتفسير الأفلاطوني المُحدث للنبوة الذي يُعتقد أنّه اشتهر منذ أيام الفارابي.
ويعد كلًا من الفارابي وابن سينا وابن رشد من أتباع المدرسة المشائية أو الاستدلالية. إلا أن الفارابي في كتابه «الجمع بين رأيي الحكيمين» حاول أن يجمع بين كل من المذهب الأرسطي والأفلاطوني.
وطبقًا لأدامسون، فإن الهدف الواحد الأوحد التي توجهت كتابات الفارابي نحوه هو إعادة إحياء واستحداث المدرسة الإسكندرية في الفلسفة آنياً، والتي كان ينتمي إليها معلمه المسيحي يوحنا بن حيلان. ويشهد اللقب التشريفي الذي عرف به (المعلم الثاني) على نجاحه في ذلك. وذكر أدامسون أيضًا أن الفارابي لم يذكر مطلقًا أي شئ عن أفكار الكندي، أو أبو بكر الرازي الذي عاصره، مما قد يدل على أن الفارابي لم يعتقد بصحة مناهجهم.
معتقداته
الماورائية (الميتافيزيقا) وعلم الكونيات
على عكس الكندي، الذي اعتبر أن موضوع الماورائية (ما وراء الطبيعة) أو الميتافيزيقا هو الله، اعتقد الفارابي أنه كان مهتمًا في المقام الأول بالوجود (أي الوجود في حد ذاته)، وهذا متعلق بالله فقط بقدر ما يكون الله مبدأ الكينونة المطلقة. مع ذلك كانت وجهة نظر الكندي تُشكل مفهومًا خاطئًا شائعًا فيما يتعلق بالفلسفة اليونانية بين المثقفين المسلمين في ذلك الوقت، ولهذا السبب لاحظ ابن سينا أنه لم يفهم ماورائية أرسطو بشكل صحيح حتى قرأ المقدمة النقدية التي كتبها الفارابي.
يعتمد علم الكونيات عند الفارابي بشكل أساسي على ثلاث ركائز: الماورائية الأرسطية للسببية، وعلم الكونيات الانبثاقي الأفلاطوني المُطور جدأ وعلم الفلك البطليموسي.في نموذجه، يُنظر إلى الكون على أنه عدد من الدوائر متحدة المركز؛ المجال الخارجي أو يُطلق عليه "الجنة الأولى"، مجال النجوم الثابتة، زحل، كوكب المشتري، المريخ، الشمس، الزهرة، عطارد وأخيراً القمر. وفي وسط هذه الدوائر متحدة المركز يوجد عالم شبيه القمر (في مدار القمر وتخضع لتأثيره) الذي يحتوي على العالم المادي. تمثل كل دائرة من هذه الدوائر مجال الذكاء الثانوي (الذي يرمز إليه بالأجرام السماوية نفسها)، والتي تعمل كوسيط سببي بين السبب الأول (في هذه الحالة، الله) والعالم المادي. علاوة على ذلك، يقال إنها انبثقت من الله، الذي هو السبب الرسمي والفعَال.
تبدأ عملية الانبثاق (ماورائياً وليس مؤقتًا) مع السبب الأول، الذي يتمثل نشاطه الأساسي في التأمل الذاتي. وهذا هو النشاط الفكري الذي يكمن وراء دوره في خلق الكون. السبب الأول، من خلال التفكير في نفسه، "يفيض" و"ينبع" الكيان غير المادي للعقل الثاني منه. العقل الثاني، مثل سابقه، يفكر أيضًا في نفسه، وبالتالي يجلب المجال السماوي (في هذه الحالة، مجال النجوم الثابتة) إلى الوجود، ولكن بالإضافة إلى ذلك يجب عليه أيضًا التفكير في السبب الأول، وهذا يسبب "انبثاق" العقل التالي.
يستمر شلال الانبثاق حتى يصل إلى العقل العاشر، الذي تحته العالم المادي. وبما أن كل عقل يجب أن يفكر في نفسه وفي عدد متزايد من أسلافه، فإن كل مستوى تالٍ من الوجود يصبح أكثر وأكثر تعقيدًا. تقوم هذه العملية على الضرورة في مقابل الإرادة. بعبارةٍ أخرى، ليس لدى الله خيار ما إذا كان سيخلق الكون أم لا، ولكن بحكم وجوده فهو سبب وجوده. هذا الرأي يشير أيضًا إلى أن الكون أزلي، وقد انتقد أبو حامد الغزالي هاتين النقطتين في هجومه على الفلاسفة.
في مناقشته للسبب الأول (أو الله)، يعتمد الفارابي بشدة على اللاهوت السلبي. يقول إنه لا يمكن معرفته بالوسائل الفكرية، مثل التقسيم الديالكتيكي (الجدلي) أو التعريف، لأن الشروط موجودة دون أن تسبب. وبالمثل، يقول إنه لا يمكن أن يُعرف حسب الجنس والاختلاف، لأن جوهره ووجوده يختلفان عن الآخرين، وبالتالي ليس له فئة تنتمي إليه. إذا كان الأمر كذلك، فلن يكون السبب الأول، لأن شيئًا ما سيكون موجودًا مسبقًا، وهو أيضًا مستحيل. قد يشير هذا إلى أنه كلما كان الشيء بسيطًا من الناحية الفلسفية، كان أكثر كمالاً. واستنادًا إلى هذه الملاحظة، يقول أدامسون إنه من الممكن رؤية التسلسل الهرمي الكامل لعلم الكونيات عند الفارابي وفقًا للتصنيف إلى الجنس والأنواع. كل مستوى ناجح في هذا الهيكل له صفاته الرئيسية التعددية ونواقصه، وهذا التعقيد المتزايد باستمرار هو الذي يميز العالم المادي.
علم المعرفيات وعلم الآخرة
في رؤية الفارابي للكون يعد البشر فريدون لأنهم يقفون بين عالمين: العالم "الأعلى" غير المادي للعقول السماوية والمعقولات العالمية، والعالم المادي "السفلي" المحتوي على المعرفة الحسية وهذا الجزء يهتم بالجزيئات المحسوسة كالأين والمتى والكم والكيف ويشترك به الإنسان مع الحيوان ؛ إنهم يسكنون جسدًا ماديًا، وبالتالي ينتمون إلى العالم "السفلي"، لكن لديهم أيضًا قدرة عقلانية، تربطهم بالعالم "الأعلى". كل مستوى من مستويات الوجود في علم الكونيات عند الفارابي يتسم بحركته نحو الكمال، الذي سيصبح مثل السبب الأول، أي العقل المثالي. إذن، الكمال البشري (أو "السعادة")، يساوي الفكر والتأمل المستمر.
يقسم الفارابي العقل إلى أربع فئات: المحتملة والفعلية والمكتسبة والوكيل. الثلاثة الأولى هي الحالات المختلفة للعقل البشري والرابع هو العقل العاشر (القمر) في علم الكونيات الخاص به. يمثل العقل المحتمل القدرة على التفكير، والتي يشترك فيها جميع البشر، والعقل الفعلي هو عقل منخرط في فعل التفكير. من خلال التفكير، يقصد الفارابي استخلاص المعقولات العامة من الأشكال الحسية للأشياء التي تم استيعابها والاحتفاظ بها في خيال الفرد.
تتطلب هذه الحركة من الاحتمالية إلى الواقعية أن يتصرف العقل الوكيل وفقًا للأشكال الحسية المحتجزة؛ مثلما تضيء الشمس العالم المادي للسماح لنا بالرؤية، فينير العقل الفاعل عالم المعقولات للسماح لنا بالتفكير. تزيل هذه الإضاءة كل الحوادث (مثل الزمان والمكان والجودة) والجسدية منها، وتحولها إلى معقدات أولية، وهي مبادئ منطقية مثل "الكل أكبر من الجزء". ينتقل العقل البشري بفعله العقلي من الاحتمالية إلى الواقعية، وعندما يفهم هذه المعقولات تدريجيًا، يتم تحديده معها (وفقًا لأرسطو، بمعرفة شيء ما، فيصبح العقل مثله). نظرًا لأن العقل الفاعل يعرف كل المعقولات، فهذا يعني أنه عندما يعرفهم العقل البشري جميعًا، فإنه يرتبط بكمال العقل الفاعل ويُعرف بالعقل المُكتسب.
في حين أن هذه العملية تبدو ميكانيكية، ولا تترك مجالًا كبيرًا للاختيار أو الإرادة البشرية، يقول ريسمان إن الفارابي ملتزم بالتطوع البشري.[٤] ويحدث هذا عندما يقرر الإنسان، بناءً على المعرفة التي اكتسبها، ما إذا كان سيوجه نفسه نحو الأنشطة الفاضلة أو غير الفاضلة، وبالتالي يقرر ما إذا كان يسعى إلى السعادة الحقيقية أم لا. ومن خلال اختيار ما هو أخلاقي والتفكير في ماهية طبيعة الأخلاق، يمكن للعقل الفعلي أن يصبح "مثل" العقل الفعَال، وبالتالي بلوغ الكمال. فقط من خلال هذه العملية يمكن للروح البشرية أن تنجو من الموت وتعيش في الآخرة.[٥]
وفقًا للفارابي، فإن الحياة الآخرة ليست تجربة شخصية تتصورها عادة التقاليد الدينية مثل الإسلام والمسيحية. يُباد كل فرد أو سمات الروح المميزة بعد موت الجسد؛ تبقى القوة العقلانية فقط (وبعد ذلك، فقط إذا وصلت إلى الكمال)، والتي تصبح واحدة مع جميع الأرواح العقلانية الأخرى داخل العقل الفاعل وتدخل إلى عالم الذكاء الخالص.[٦] يقارن هنري كوربين هذه النظرية الأخروية مع الإسماعيليين الأفلاطونيين الجدد، الذين بدأت هذه العملية بالنسبة لهم الدورة الكبرى التالية للكون. ومع ذلك، تذكر ديبورا بلاكويل أن لدينا سببًا للتشكيك في ما إذا كانت هذه هي النظرة الناضجة والمتطورة للفارابي، كما أكد المفكرون اللاحقون مثل ابن طفيل وابن رشد وابن باجة أنه قد تبرأ من هذا الرأي في تعليقه على الأخلاق النيقوماخية، التي فقدها الخبراء المعاصرون.[٦]
علم النفس والروح والمعرفة النبوية
في معالجته للروح البشرية، اعتمد الفارابي على مخطط أرسطي أساسي، والذي تم استلهامه من تعليقات المفكرين اليونانيين اللاحقين. يقول إنها تتكون من أربع ملكات: الشهية (الرغبة أو النفور من موضوع المعنى)، الحَساس (إدراك الحواس للمواد المادية)، الخيال (القوة التي تحتفظ بصور الأشياء الحسية بعد أن يتم إدراكها، ثم تفصلها وتجمعها لعدد من الغايات)، والعقل، وهو مَلكة الفكر. إنه آخر هذه الأشياء التي ينفرد بها الإنسان ويميزها عن النباتات والحيوانات. إنه أيضًا الجزء الوحيد من الروح الذي ينجو من موت الجسد. تغيب الحواس الداخلية بشكل ملحوظ عن هذا المخطط، مثل الفطرة السليمة، والتي سيناقشها فلاسفة لاحقون مثل ابن سينا وابن رشد.
يجب إيلاء اهتمام خاص لمعاملة الفارابي للقوة التخيلية للروح، والتي تعتبر ضرورية لتفسيره للنبوة والمعرفة النبوية. بالإضافة إلى قدرته على الاحتفاظ بالصور المعقولة للأشياء ومعالجتها، فإنه يعطي الخيال وظيفة التقليد. يقصد بهذا القدرة على تمثيل كائن بصورة غير صورته. بعبارة أخرى، لتقليد "س" هو تخيل "س" بربطها بصفات منطقية لا تصف مظهرها الخاص. هذا يوسع القدرة التمثيلية للخيال إلى ما وراء الأشكال المعقولة لتشمل المزاج والعواطف والرغبات وحتى المعقولات غير المادية أو المُسلمات العامة المجردة، كما يحدث عندما يربط المرء على سبيل المثال، "الشر" بـ "الظلام". للنبي، بالإضافة إلى قدرته الفكرية، قدرة تخيلية قوية جدًا، والتي تسمح له بتلقي فيض من المعقولات من العقل الفاعل (العقل العاشر في علم الكونيات المُنبعث). ثم يتم ربط هذه المعقولات بالرموز والصور، مما يسمح له بتوصيل الحقائق المجردة بطريقة يمكن أن يفهمها الناس العاديون. لذلك فإن ما يجعل المعرفة النبوية فريدة ليس محتواها، الذي يمكن للفلاسفة أيضًا الوصول إليه من خلال العرض والعقل، بل بالأحرى الشكل الذي أعطته من خيال النبي.
الفلسفة العملية (الأخلاق والسياسة)
كان التطبيق العملي للفلسفة مصدر قلق كبير عبر عنه الفارابي في العديد من أعماله، وبينما تأثرت غالبية نتاجه الفلسفي بالفكر الأرسطي، كانت فلسفته العملية مبنية بشكل لا لبس فيه على فلسفته أفلاطون. أكد الفارابي أن الفلسفة كانت نظامًا نظريًا وعمليًا. وصف هؤلاء الفلاسفة الذين لا يطبقون سعة الاطلاع على المساعي العملية بأنهم "فلاسفة عقيمون". لقد كتب أن المجتمع المثالي هو مجتمع موجه نحو تحقيق "السعادة الحقيقية" (والتي يمكن اعتبارها تعني التنوير الفلسفي) وعلى هذا النحو، يجب على الفيلسوف المثالي صقل جميع فنون البلاغة والشعرية لإيصال الحقائق المجردة إلى الناس العاديين، وكذلك تحقيق التنوير بنفسه. قارن الفارابي دور الفيلسوف في علاقته بالمجتمع بالطبيب فيما يتعلق بالجسد. تتأثر صحة الجسد بـ "توازن أخلاطها" مثلما تتأثر المدينة بالعادات الأخلاقية لأهلها حيث اعتبر الفارابي أن المدينة هي البنية الأساسية للاجتماع السياسي وواجب الفيلسوف فيها هو إقامة مجتمع "فاضل" من خلال شفاء أرواح الناس وإقامة العدل وتوجيههم نحو "السعادة الحقيقية".
بالطبع، أدرك الفارابي أن مثل هذا المجتمع كان نادرًا ويتطلب مجموعة محددة جدًا من الظروف التاريخية ليتم تحقيقها، مما يعني أن القليل جدًا من المجتمعات يمكنها تحقيق هذا الهدف. لقد قسّم تلك المجتمعات "الشريرة"، التي لم ترقَ إلى مستوى المجتمع "الفاضل" المثالي، والضالة. لقد فشلت المجتمعات الجاهلة، لأي سبب من الأسباب، في فهم الغرض من الوجود البشري، وحلت محل السعي وراء السعادة من أجل هدف آخر (أدنى)، سواء كان هذه الثروة أو الإشباع الحسي أو القوة. يذكر الفارابي "الأعشاب" في المجتمع الفاضل: هؤلاء الذين يحاولون تقويض تقدمه نحو الغاية الإنسانية الحقيقية. بطريقة أو بأخرى فقدحاول الفارابي رسم السياسة في المدينة الفاضلة من خلال فكرة الوحدة بين الفكر وبين المجتمع باعتبار أن الوحدة الفكرية ستعطينا النتيجة النهائبة بأن الحقيقية الفلسفية واحدة مهما تعددت المذاهب.
ما إذا كان الفارابي ينوي بالفعل تحديد برنامج سياسي في كتاباته أم لا، يبقى موضوع خلاف بين الأكاديميين. هنري كوربين، الذي يعتبر الفارابي شيعيًا مشفرًا، يقول إن أفكاره يجب أن تُفهم على أنها "فلسفة نبوية" بدلاً من تفسيرها سياسيًا. من ناحية أخرى، يؤكد تشارلز باتروورث أن الفارابي لا يتحدث في أي مكان في عمله عن نبي مشرع أو وحي (حتى نادرًا ما تذكر كلمة فلسفة)، والمناقشة الرئيسية التي تدور حول مواقف "الملك" و"رجال دولة". يحتل ديفيد ريزمان موقعًا متوسطًا حيث يعتقد، مثل كوربين، أن الفارابي لم يرغب في شرح عقيدة سياسية (على الرغم من أنه لا يذهب بعيدًا ليعزوها إلى الغنوصية الإسلامية أيضًا). يجادل بأن الفارابي كان يستخدم أنواعًا مختلفة من المجتمع كأمثل، في سياق مناقشة أخلاقية، لإظهار التأثير الذي يمكن أن يحدثه التفكير الصحيح أو غير الصحيح. أخيرًا، يجادل جوشوا بارينز بأن الفارابي كان يؤكد بمكر أنه لا يمكن إنشاء مجتمع إسلامي شامل، باستخدام العقل لإظهار عدد الشروط (مثل الفضيلة الأخلاقية والتداولية) التي يجب الوفاء بها، وبالتالي يقود القارئ إلى استنتاج أن البشر غير لائقين لمثل هذا المجتمع. يجادل بعض المؤلفين الآخرين مثل ميخائيلو ميخائيلوفيتش يعقوبوفيتش بأن ديانة الفارابي (مليا) والفلسفة تشكل نفس القيمة العملية (أي أساس العمل الفاضل)، بينما المستوى المعرفي (علم - " المعرفة ") كانت مختلفة.
مؤلفاته
في جعبة الفارابي الكثير من المؤلفات في نواحي العلم كافة إذ أن عددها يتجاوز المئة حتّى أن المستشرق الألماني ستينشنيدر اضطر لتخصيص جزء كبير من كتابه تاريخ الأدب العربي لأعمال الفارابي لكن بسبب الغزو المغولي للدولة العباسية واستيلائهم على بغداد وحرق مكتبة بغداد فقد ضاعت جُل مؤلفات الفارابي وما بقي لدينا هو عبارة عن بضع مخطوطات محفوظة مع الوثائق التاريخية وعدة كُتب تم إعادة نشرها لما تمثله من أهمية علمية عالية.
تشمل مخطوطات الفارابي الباقية:
قالب:عمو-3 في الفلسفة- الموجود الّذي ليس لوجوده سبب
- العقول الفعّالة
- النّفوس السّماويّة
- النّفوس الإنسانيّة
- المسائل الفلسفية والأجوبة عنها
- أغراض فلسفة أفلاطون وفلسفة أرسطو
- السيرة الفاضلة
- كتاب «صناعة علم الموسيقى»
- فيما ينبغي الاطلاع عليه قبل قراءة أرسطو
- رسالة في المنطق، القول في شرائط اليقين
- رسالة في القياس
- رسالة في ماهية الروح
- كتاب «ريطوريقا» (الخطابة)
- كتاب «بوطيقا» (الشعر)
- رسالة في قوانين صناعة الشّعر
فضلاً عن ذلك فلأبي نصر الفارابي تسعة كتب في الرياضيات والكيمياء والموسيقى متفرقة في مكتبات العالم باللغتين العبرية واللاتينية إضافة لتسعة كتب أُخرى في مجالات العلوم المختلفة.
وقد أعيد نشر وطباعة بعض من كتب الفارابي في مجالاتٍ متعددة من العلوم هي :
الرقم التسلسلي | صورة الغلاف | اسم الكتاب | القسم | المرجع |
---|---|---|---|---|
1 | ملف:غلاف كتاب آراء أهل المدينة الفاضلة ومضاداتها.jpg | آراء أهل المدينة الفاضلة ومضاداتها | علم الاجتماع | |
2 | ملف:غلاف كتاب الألفاظ المستعملة في المنطق.jpg | الألفاظ المستعملة في المنطق | المنطق | |
3 | ملف:غلافكتاب الموفق والشارح.jpg | الموفق والشارح | المنطق | |
4 | ملف:المنطق عند الفارابي 0.jpg | المنطق عند الفارابي، يحتوي على: كتاب البُرهان كتاب شرائط اليقين تعاليق ابن باجة على البُرهان |
المنطق | |
5 | ملف:غلاف كتاب المنطق العبارة.jpg | المنطق عند الفارابي "الجزء الأول"، يحتوي على: الفصول الخمسة ايساغوجي كتاب المقولات كتاب العبارة |
المنطق | |
6 | ملف:المنطق عند الفارابي الجزء الثاني.jpg | المنطق عند الفارابي "الجزء الثاني"، يحتوي على: كتاب القياس كتاب القياس الصغير على طريقة المتكلمين كتاب التحليل كتاب الأمكنة المغلطة |
المنطق | |
7 | ملف:المنطق عند الفارابي الجزءالثالث.jpg | المنطق عند الفارابي "الجزء الثالث" كتاب الجدل |
المنطق | |
8 | ملف:غلاف كتاب رسالة في العقل.jpg | رسالة في العقل | المنطق | |
9 | ملف:غلافة كتاب الجمع بين الحكيمين.jpg | الجمع بين رأيي الحكيمين | الفلسفة | |
10 | ملف:غلاف كتاب في سبيل موسوعة فلسفية.jpg | في سبيل موسوعة فلسفية | الفلسفة | |
11 | ملف:غلاف كتاب فصول منتزعة.jpg | فصول منتزعة | الفلسفة | |
12 | ملف:غلاف كتاب رسالتان فلسفيتان.jpg | رسالتان فلسفيتان | الفلسفة | |
13 | ملف:غلاف كتاب رسالة التنبيه إلى سبيل السعادة.jpg | رسالة التنبيه إلى سبيل السعادة | الفلسفة | |
14 | ملف:غلاف كتاب تحصيل السعادة.jpg | تحصيل السعادة | الفلسفة | |
15 | ملف:غلاف كتاب الملة ونصوص أخرى.jpg | الملة ونصوص أخرى | الدين | |
16 | ملف:غلاف كتاب السياسة.jpg | السياسة | السياسة | |
17 | ملف:غلاف كتاب السياسة المدنية.jpg | السياسة المدنية | السياسة | |
18 | ملف:غلاف كتاب الحروف.jpg | الحروف | اللغة | |
19 | ملف:غلاف كتاب إحصاء العلوم.jpg | إحصاء العلوم | علوم | |
20 | ملف:غلاف كتاب الموسيقى الكبير.jpg | الموسيقى الكبير | الموسيقى | |
21 | ملف:رسائل الفاربي 1.jpg | رسائل الفاربي، يحتوي على: رسالة في اثبات المفارقات تحصيل السعادة التعليقات كتاب التنبيه على سبيل السعادة الدعاوي القبلية شرح رسالة زينون الكبير اليوناني كتاب السياسات المدنية كتاب الفصوص رسالة في فضيلة العلوم والصناعات رسالة في مسائل متفرقة |
رسائل في علومٍ عدّة | |
22 | ملف:رسائل الفارابي.jpg | رسائل الفاربي، يحتوي على: الرسائل على كتاب الجمع بين رأيي الحكيمين الإبانة عن غرض أرسطو في كتاب ما بعد الطبيعة معاني العقل ما ينبغي أن يقدم قبل علم الفلسفة عيون النكت فيما يصح وما لا يصح في أحكام النجوم المسائل الفلسفية والأجوبة عنها فصوص الحكم |
رسائل في علومٍ عدّة |
تأثير الفارابي في الثقافات الشعبية
بعد الفارابي من أكثر المساهمين في المجالات العلمية؛ ما جعل الدول تُصدر أورقاً رسمية ممهورةً بصوره أو اسمه كالطوابع والعملات إضافةً لنُصب تذكارية تُخلدُ اسهاماته الكثيرة في العلوم والفنون
انظر أيضًا
الفارابي
ثاني فيلسوف ذي شأن في الفلسفة الاسلامية هو ابو نصر الفارابي، الملقب ب ٠ المعلم الثاني» في مقابل أرسطوطالي الملقب ب I المعلم الأول» .
وابو نصر الفاراي تركى العنصر والبيئة . كان أبوه قائداً تركياً فيما يروي بعض المؤرخين - وولد ابونصرفي مدينة وسيج ، إحدى مدن فاراب . وفاراب - او باراب كما تنطق في لهجتها الأصلية - ولاية في حوض سيرداريا، دخلها الإسلام في عصر السامانيين بعد ان غزا نوح بن ازاد مدينة أسبجاب سنة٢٢٥ ه ( ٨٣٩ أو ٨٤٠ م)، أي قبل مولد الفارابي بقرابة ثلاثين سنة . وهي منطقة سبخة ، ولكن فيها غياضاً ومزارع في غربي الوادي ، ولها منعة وبأس . اما مدينة وسيج فعلى الثاطى« الغربي من سيرداريا، على مسافة فرسخين جنوي كدر ، عاصمة هذا الإقليم الذي تسكنه قباثل تركية من أجناس الغزية والخزلجية.
وعن هذه البيئة ارتحل الفارابي في ير ناضجة ، انتجاعاً لمواطن الثقافة في ذلك العهد ، وأشهرها في ذلك الحين موضعان : حران ( في الجنوب الشرقي من تركيا الآن )، التي انتقلت إليها مدرسة الاسكندرية بعد أن مكثت قرابة مائة وأربعين سنة في أنطاكية . وكان ذلك في خلافة المتوكل التي استمرت من سنة ٢٣٢ م(٨٤٧ م) إلى سنة ٢٤٧ ه ( ٨٦١ م)، فأصبحت حران بذلك وريثة الثقاقة اليونانية ؛ وان لم تستمر بها الدراسة أكثر من أربعين سنة ، فقد تخرج فيها- برغم ذلك - نفر ممتاز صاروا أساتذة العلوم اليونانية في بغداد التي طوت في داخلها معاهد الثقافة الكبرى في ذلك العهد .
ويغلب على الظن ان الفارابي قد طرق أبواب مدرسة حران أولاً ، فتلقى اطرافا من علوم الأوائل على يد شخصية لا يزال الغموض يحيط بها هي شخصية يوحنا بن حيلان ، وقد كان ذا قدم راسخة في المنطق ، فقرأ عليه الفارابي من المنطق حق آخر البرهان .
ثم ارتحل الفارابي إلى بغداد. ولعله ارتحل مع رؤساء مدرسة حران ، الذين انتقل جمعهم الى بغداد في خلافة المعتضد( التي استمرت منسنة٢٧٩ه /٨٩٢م، إلى سنة ٢٨٩ ه /٩٠٢م ). وفي بغداد أم خصوصاً حلقة أي بشر مقى بن يونس الذي احتل مركز الصدارة في دراسة المنطق آنذاك، وكان واسع لاطلاع على فلسفة ارسطو، كبما كان مترجما غزير الانتاج ، وإن كان سقيم العبارة ، عا سيكون له اثره في عبارة الفارابي .
ويلوح أن الفارابي لم يكن ملحوظ المكانة في بغداد بالرغم من مهارته في العلوم الحكمية وتفوقه على استاذه أي بشر ، لأننا لا نجد فيما بين أيدينا من الوثائق التارينية ما عاه ان يكشف عن هذه المكانة . والقصة التي رواها البيهقي في ٠ تتمة صوان الحكمة » ( الذي نشره كرد علي بعنوان : ، تاريخ حكماء الاسلام»ص ٣٢-٣٣، دمشق، سنة ١٩٤٦ ) عما حدث بينه وبين الصاحب بن عباد قصة زائفة
خلط فيها بين شخصية ابن عباد وشخصية سيف الدولة الحمداني .
ولعل عدم بروز مكاته في بغداد هو الذي مله على الانتقال عنها إلى بلاط سيف الدولة في حلب ، حيث كان هذا الأمير الممتاز يرعى صفوة من أهل الأدب والعلم . وكان ارتحال الفارابي إلى حلب في سنة ٠ ٣٣ه (سبتمبر سنة ١٩٤٢م). وظل يتنقل بين حلب ودمشق، ويطيل المقام في دمشق حيث الرياض الزاهرة والبساتين العاطرة والينابيع المتدفقة . وقد كان هذا خير إطار لمزاج الفارابي .
إلى أن خرج من دمشق في جماعة إلى عسقلان على الساحل الجنوي من فلسطين، فهاجمته عصابة من اللصوص ، ووقع قتال بين الطائفتين قتل فيه صاحبنا الفارابي سنة ٣٣٩ه ي شهر رجب ( ديمبر سنة ٩٥٠ م أو بناير سنة ٩٥١م). فنقل جثمانه الى دمثق . وصلى عليه صيف الدولة في جملة من خواصه ، ودفن بظاهر دمشق، خارج الباب الصغير .
ويبدومن بعض الأخبارانه وردمصروأقام بهازمنا ٠ إذ يروي ابن خلكان أن الفاراي ذكر في كتابه الموسوم ب « السياسة المدنية » انه ابتدأ تأليفه في بغداد واكمله بمصر ( « وفيات الأعيان ا ج٤ ص ٢٤٠ ). وفي تعليقة خاصة بكتاب < المدينة الفاضلة » خبر يقول إن بعض الناس سأله ان يجعل لهذا الكتاب ٠ فصولاً تدل على قسمة معاينة ، فعمل الفصول بمصر » . وهذا يقطع بأن الفاراي أقام بمصر حيناً ، وأنه كتب فيها صفحات من مؤلفاته .
ويصف ابن خلكان طريقة عيثة الفاراي فيقول إنه كان زري الملبس، يلبس أحياناً قلنسوة بلقاء . 1 وكانمكباً على التحصيل ، زاهداً في أمورالدنيا ، لا يمفل بأمرمكسب ولا مسكن. وأجرى عليه سيف الدولة - كل يوم من بيت المال أربعة دراهم . . . اقتصر عليها لقناعته». وكان مؤثرا للوحدة « لا يجال الناس . وكان مدة مقامه بدمشق لا يكون إلاً عند مجتمع مام أومشتبك رياض ، ويؤلف هناك كتبه ، ويتناوبه المشتغلونعليه » . ولعل هذا هر الذي يفسر لنا طريقته في التأليف ، فقد جاء < اكثر تصانيفه فصولا وتعاليق ، ويوجد بعضها ناقصاً مبتوراً » ( ابن خلكان : «وفيات الأعيان ج٤ ص ٢٤٢-٢٤٣ ، القاهرة سنة
١٩٤٨),
القارش
ويمكن رسم خريطة أسفار الفارابي على النحو التالي :
ارتحل من بغداد في نهاية سنة ٣٣٠ه، ووصل إلى حلب في نهاية سنة ٣٣٠ه؛ ثم رحل الى دمشق في سنة ٣٣١ ، حيث غشي بلاط سيف الدولة من سنة ٣٣٤ إلى ٣٣٦ ؛ ورحل إلى مصر فيسنة ٣٣٧ ، وهي السنة التي كانت فيها حكومة دمشق تتبع سلطان مصر ؛ ئم عاد الى دمشق في سنة ٣٣٨، حيث توفي فيها في رجب سنة ٣٣٩ه، إن قلنا بوفاته في دمشق كما ذكر ابن ابياصيبعة (ج٢ص ١٣٤ س١٥).
مؤلفاته
الف الفاراي عدداً ضخماً من الرسائل والكتب والثروح- ويمكن تصنيفها وحصرها باختصار على النحو التالي:
أ) في المنطق :
١-رسائل: ٢ لة
٢ - شروح على منطق أرسطو : ١١ شرحاً
ب ) شروح على سائر مؤلفات أرسطو : ٧
ج) مداخل إلى فلسفة أرسطو : ٤
د) دفاععن أرسطو : ٢
ز)عن افلاطون : ٦
ح )عن بطلميوس واقليدس : ٢
ط ) مداخل !لى الفلسفة بعامة : ٥
ي ) تصنيف العلوم ١
يا ) ما بعد الطبيعة ٥ ١
يب ) الأخلاق والسياسة ٦
يج ) علم الفس ومتنوعات : ٣
يد ) الموسيقى وفن الثعر ٧
ومعظم هذه المؤلفات مفقود ، وبعضه لا يوجد إلآ في ترجمات عبرية .
وتجتز ى* ها هنا بإيراد بعض الكتب المهمة مما شر :
ا) نطق:
١ - كتاب القياس - وهو القياس الصغير
٢ توطةفيالمنطق
٣-فصول تثتمل على جميع ما يضطر إلىمعرفتهمن
أراء الثروع في صناعة المنطق وهي خسة فصول
٤ - رسالة صدر بها أبو نصر محمد بن محمد الفارابي كتابه في المنطق. - وهذه الرسائل الأربع نشرتها- نشرة في غاية السوء - السيدة مباهات تركر ضمن منشورات جامعة أنقرة سنة ١٩٥٨ ، المجلد رقم ١٦ ، ص ١٦٥ - ٢٨٦
٥ - كتاب الألفاظ المستعملة في المنطق
نشره د . محسن مهدي ، دار المشرق ، بيروت ، سنة ١٩٦٨
٦ - شرح الفارابي لكتاب أرسطوطابى في العبادة
نشره فلهلم كوتش واستانل مرو، بيروت، سنة ١٩٦٠
ب ) مدخل إلى فلسفة أرسطو :
٧ - مقالة في أغراض أرسطوطاليس وكل مقالة من كتابه الموسوم بالحروف
نشره ديتريصى في نشرته لبعض رسائل الفاراب بعنوان : , الثمرة المرضية في بعض الرسائل الفارابية » (ليدن سنة ١٨٩٠)
٨ - تجريدرسالة الدعاوي العلمية
نشر في حيدرباد سنة ١٣٤٩
ج-) في الدفاع عن أرطو:
٩-الردعلى يحي النحوي فيما رذ به على أرسطوطاليس
٠ ١ - كتاب الرد على جالينوس فيما تأوله من كلام أرسطوطالي على غير معناه وقد نشرناهما في كتابنا : « رسائل فلسفية.. . نغ ي ٤سنة١٧٣ .
د )عن أفلاطون
١١- جوامع كتاب النواميس لافلاطون
نشره.فرنشسكو جبريلي في لندن ، سنة ١٩٥٢ ؛ ونشرناه نحن في كتابنا : « أفلاطون في الاسلام»، طهران سنة ١٩٧٤ .
١٢-الألفاظ الأفلاطونية وتقويم السياسة الملوكية والاخلاق
نشرناه في • افلاطون في الإملام»
١٣-كتاب الجمع بين رأيي الحكيمين
نشره ديتريصى في نشرته لمذكورة، ص١ - ٣٣
Histoire de laPh losophie ( ١) راجع عنراناتها وآماكن غطرطاتها وماثر منها ن كابا 484496 .11,00.ا4115ع.
٩٦
الفاراب
ه ) تصنيف العلوم :
١٤- احصاء العلوم وترتيبها
نشر لأول مرة في مجلة ا العرفان ، بصيدا في سنة ١٩٢٠ وما تلاها ؛ ونشره نشرة اخرى د . عثمان امين للمرة الأولى في سنة ١٩٣٠ ، والثانية في١٩٤٩ ؛ ونشره نشرة ثالثة انجبل جونثالث بالنثيا في مدريد سنة ١٩٣٢ ، وأعيد طبعه في مدريد سنة ١٩٥٣ .
و) ما بعد الطبيعة :
١٥- عيون المسائل
نشره ديتريصى في النثرة المذكورة ، ص ٥٦-٦٥
١٦-كلام في الله
نشره محسن مهدي في بيروت سنة ١٩٦٨
٧ ١-صوصفيالحكمة
نشره ديتريصى في الكتاب المذكور ص ٦٦- ٨٣ ؛ ونشر في حيدرباد سنة ١٣٤٥ه
١٨- رسالة في الحروف
نشره محسن مهدي ، بيروت ، سنة ١٩٧٠
ز ) الأخلاق والسياسة :
١٩ - المدينة الفاضلة ، او : مبادىء آراء اهل المدينة اللة
نشره لأول مرة ديتريصى في ليدن سنة ١٨٩٥؛ واعاد طبعه د . البير نصري نادر في بيروت سنة ١٩٧٣ .
٢٠- ال٠ياات المدنية
نشره فوزي متري النجار، في بيروت سنة ١٩٦٤
٢١- الفصول المنتزعة
طبعه اولاً دتلوب طبعة رديئة تحت عنوان افتعله هو : افصول المدن» ( ! )؛ ثم نشره من جديد فوزي متري النجار، في بيروت سنة ١٩٧١ تحت عنوان «فصول منتزعة، .
ح ) في علم النفس ومتفرقات :
٢٢-رسالة في معافي العقل
نشره موريس بويج في بيروت سنة ١٩٣٨
٢٣- النكت فيما يصح ولا يصح من احكام النجوم نثر، ديتريمى ن المجمرع المذكرر، ص ٤ ٠ ١ -
٢٤-شرح رسالة زينون الكبير
طبعت في حيدرباد سنة ١٣٤٩
٢٥-تعميقات
طبعت في حيدر أباد سنة ١٣٤٦ه
٢٦-رسالة في مسائل متفرقة
طبعت في حيدر اباد سنة ١٣٤٤ ه
٢٧- رسالة في فضيلة العلوم والصناعات
طبعت في حيدر اباد سنة ١٣٦٧ ه
ط ) في الموسيقى وفن الشعر
٢٨- كتاب الموسيقى الكبير
نشره ر. ارلانجيه في كتابه la Musique Arabe ج- ١ سنة ١٩٣٠؛ باريس ؛ وترجمه إلى الفرنسية ، في باريس سنة ١٩٣٥ . وأعاد نشره د . الحففي ، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة .
٢٩-رسالة في قوانين صناعة الشعر
نشره لأول مرة آريري في RSO ج٢٧ ص ٢٦٦ ؛ ونشرناه نحن في كتابنا: «أرسطوطاليس : فن الشعر . .. »،ص ١٤٧ - ١٥٨ ، القاهرة سنة١٩٥٣ .
تمهيد إلى فلسفته
أ - الفارابي والفلسفة اليونانية
كان الفاراي اوسع الفلاسفة المسلمين اطلاعاً على الفلفة اليونانية : عرف الكثير من نصوصها في ترجماتها إلى العربية، وعرف تاريخ مدارسها ، وكان أول مفسر مسلم لبعض مؤلفات أرسطو.
وهو قد عرض لنا عرضاً موجزاً لتاريخ الفلفة اليونانية فقال(١) :
٠ إن أمر الفلسفة اشتهر في ايام ملوك اليونانيين، وبعد وفاة ارسطوطاليس، بالاسكندرية الى آخر ايام المرأة»، وإنه لما توفى بفي التعليم بحالم فيها، إلى ان ملك ثلاثة عشر ملكا وتوالى - في فترة ملكهم - من معلمي ا لفلفة اثنا عشر معلماً ، احدهم المعروف باندرونيقوس(٣). وكان آخر هؤلاء الملوك امرأة(؟)، فغلبها أوغطى الملك من اهل رومية، وقتلها
(١) هذا النص ورد ن ابن ام اسيعة( ج٢ م •١٣ ) عن كتاب مغقود للفاراي
(٢) يقصد الملكة كليو بطرة (٦٩-٣٠ق.م)
(٣) الدرر نيقوس الرردسي، الذي تولى راسة المدرسة المائية بعدسنة٧٠ق.م بفيل،
وهو الذي مر مزلفات ارطو وتبوفرسط.
القارابي
٩٧
واستحوذ عل المنكه ١) . فلا استقر له ، نظر في خزائن الكتب وصنعها، فوجد فيها نسخا لكتب ارسطوطاليس قد نسخت في ايامه وأيام ثاوفرسطس ، ووجد المعلمين والفلاسفة قد عملوا كتبا في المعاني التي عمل فيها ارسطو . فأمر أن تنسخ تلك الكتب التي كانت نسخت في ايام أرسطو وتلاميذه ، وأن يكون التعليم منها ، وان ينصرف عن الباقي ، وحكم اندونيقوس في تدبير ذلك ، وامره ان ينسخ نسخأ يجملها معه إلى رومية ، ونسخاً يبقيها في موضع التعليم بالاسكندرية . وأمره ان يستخلف معلماً يقوم مقامه بالاسكندرية ، ويسير معه إلى رومية . فصار التعليم في موضعين(٣). وجرى الأمر على ذلك ، إلى أن جاءت النصرانية ، فبطل التعليم من رومية ، وبقي بالاسكندرية إلى أن نظر ملك النصرانية في ذلك، واجتمع الاساقفة وتشاوروا فيما يترك من هذا التعليم، وما يبطل. فرأو ان يعلم من كتب المنطق إلى آخر لأشكال الوجودية ، ولا يعلم ما بعده ، لأنم راوا أن في ذلك ضرراً على النصرا نية، وأن فيما أطلقوا تعليمه ما يتعا ن به عل نصرة دينهم. فبقي الظاهر من التعليم هذا المقدار وما ينظر فيه من الباقي مستورا، إلى أن كان الاسلام بعده بمدة طويلة فانتقل لتعليم من الاسكندرية الى أنطاكية، وبقي بها زمنا طويلاً ، إلى ان بقى معلم واحد، فتعلم منه رجلان وخرجا ومعهما الكتب: فكان أحدهما من اهل حران ، والآخر من اهل مرو. فأما الذي من أهل مرو فتعلم منه رجلان أحدها ابرهيم المروزي، والآخر يوحنا بن حيلان . وتعلم من الحرافي اسرائيل الأسقف وقويرى، وساروا إلى بغدادفتشاغل ابرهيم بالدين ، وأخذ قويرى في التعليم ، وأما يوحنا بن حيلان فإنه تشاغل ايضا بدينه . وانحدر برهبم المروزي إلى بغداد فأقام بها. وتعلم من المروزي متى بن يونان، .
وهذا العرض-رغم الأخطاء التاريخية في التفاصيل-يقرب من الحقيقة التاريخية في مجموعه
كذلك يقدم لنا الفارابي في رسالته : ٠ فيما ينبغي أن يقدم قبل تعلم الفلسفة» ( نثرة ديتريصى ص ٤٩ -٥٥ )
(١) اوغط، عو اللقب الذي أطلفه مجل اليوخ الرومافي على أول امبراطور وهو جايوس اوكتافيوس (ولد في روما في ٦٣/٩/٢٣ ق. م وتوي في نولا في ١٤/٨/١٩ بعد الميلاد ) . وقد انتصر على انطونيوس وكلبو بطر: في معركة بحرية نجاء اكتيوم في٣١/١٢/٢١ ق. م وصار امبراطوراً في سنة ٢٧ ق. م.
(٢) الديفعلذلك مر سولا4ا5٧1 القائد لرومان (١٣٨ - ٧٨ ق م)
(٣) في روما وفي الاسكندرية
تصنيفا لمدارس الفلسفة اليونانية إلى سبع مدارس بحسب سبعة أمور :
١) بحسب اسم مزسس المدرسة ، وهذه هي المدرسة الفيثاغورية ؛
٢) بحسب اسم البلد التي جاء منها الفيلسوف ، وهي المدرسة القوريناثية ، مدرسة أرسطيفوس الذي من قورينا ( قرية شحات حالياً في برقة بليبيا ) ؛
٣ ) بحسب الموضع الذي كانت تدرس فيه الفلسفة ، وهي المدرسة الرواقية ، لأن التعليم كان موضعه في رواق بمعبد مدينة أثينا ؛
٤) بحسب السلوك في الحياة ، وهذه هي المدرسة الكلبية، لأن سلوك رجالها في الحياة كان يشبه سلوك الكلاب ؛
٥) بحسب الآراء التي يقول بها أصحابها ، وهي المدرسة التي تزعمها فورون مؤسس مدرسة الشك ، وكان يصرف الناس عن العلم .
٦) بحسب الآراء التي يقول بها أصحابها فيما يتعلق بالغاية المنشودة من دراسة الفلسفة ، وهي مدرسة ل اصحاب اللذة »، أي الابيقورية .
٧) بحسب الأفعال التي يقومون بها وهم يذرسون الفلفة ، وهي المدرسة المشائية ، إذ كان أفلاطون وأرسطو يدرس الفلسفة للاس وهما يتمشيان .
وقد اخذ الفارابي هذا التقسيم بحروفه عن شرح سنبلقيوس على كتاب « المقولات ٠ لأرسطو ( ص ٣-٤، نشرة Kalbfleisch)، أو عن حنين بن أسحق ( راجع القنطى صه٢-٢٦).
ب - التوفيق بين افلاطون وأرسطو
وعن سنبلقيوس أيضاً اخذ الفاراي بعض ما اورده في كتابه ل الجمع بين أريي الحكيمين» الذي حاول فيه التوفيق بين أفلاطون وارسطو.
وفي هذا الكتاب يبدأ فيقدر منزلة هذين الحكيمين واتفاق الآراءعلى الإشادة بهما. قال : «ونحن نجدالالسنة المختلفة متفقة في تقديم هذين الحكيمين . . I وإليهما يساق الاعتبار، وعندهما ينتهي الوصف بالحكم العميقة ، والعلوم الطيفة ، والاستنباطات العجيبة ، والغوص في المعاني الدقيقة، المؤدية في كل شيء إلى الحقيقة، . ثم أشار إلى ما
الفاراب ٩٨
ذهب إليه الناس من اختلاف ارائهما في بعض الأمور فقال : ا زعم بعضهم أن بين الحكيمين اختلافاً في إثبات المبدع الأول ، وفي وجود الأسباب عنه ، وفي أمر النفس والعقل، وفي المجازاة على الأفعال : خيرها وشرها ، وفي كثير من الأمور المدنية ( = السياسية ) والخلقية ، والمنطقية > . ولهذا رأى أن يوفق-اوعلىحد تعبيره : يجمع - بين راييهما. قال : ٠ أردت في مقالتي هذه أن أشرع في الجمع بين رأييهما ، والابانة عما يدل عليه فحوى قوليهما ، ليظهر الاتفاق بين ما كانا يعتقدانه، ويزول الشك والارتياب عن قلوب الناظرين في كتبهما ، وأبين مواضع الظنون ومداخل الشكوك في مقاس،.
ثم يقدم تعريفاً للفلسفة ليكون اساساً في الفصل في هذه الأمور فيقول إن الفلسفة , هي العلم بال موجودات بما هي موجودة » . والمذهب يكون صحيحاً إذا انطبق على الموجود .
لكن هذين الحكيمين - أفلاطون وأرسطو- اختلفا في بعض امور الفلفة . ولا بد أن يكون هذا الاختلاف راجعاً إلى واحد من الأسباب الثلاثة التالية :
ا) فإما أن الحد المبين عن حقيقة الفلسفة غير
صحيح ؟
ب ) وإما أن يكون رأي الجميع أو الأكثرين واعتقادهم في تفلسف هذين الرجلين فاسداً وبغير أساس ؛
ج ) وإما ان معرفة أولئك الظانين يأن بينهما خلافاً هي معرفة مقصرة . فإنفحصناعن هذه الاحتمالات الثلاثة تبين ذا:
ا) ان الحد الذي ذكرناه للفلفة صحيح، كما هو بين لمن يفحص عن أجزاء هذا العلم. إذ موضوعات العلوم إما إلمية، أو طبيعية، أو منطقية، أو رياضية، أو سياسية . , والفلسفة هي المستنبطة لهذه العلوم جميعاً ، حق إنه لا يوجد شيء من موجودات العالم إلا وللفلسفة فيه مدخل، وعليهغرض،ومنهعلم».
وهنا تتجلى أولى نقط الخلاف في الظاهر- بين هذين الحكيمين : افلاطون، وارسطو. ذلك أن أفلاطون في دراسته لعلوم الفلسفة ، فضل استعمال القسمة الثنائية من اجل انتظام مجموع الأحوال الجزئية، بينما فضل ارسطو استخدام القياس والبرهان . لكن هذا لا يعفي أن ارسطو
رفض القسمة الثنائية، أو أن أفلاطون أنكر قيمة القياس والبرهان. وسيعود الفارابي إلى فضل بيان لهذه النقطة.
ب ) والفرض الثافي باطل أيضاً . ذلك لأن الاتفاق بين معظم العقلاء دليل على الحق، بشرط الا يكون هذا الاتفاق ناتجاً عن التقليد، بل عن البرهان العقلي الدقيق.
٠ ونحن نجد الألسنة المختلفة متفقة في تقديم هذين الحكيمين، وفي التفلسف بهما تضرب الأمثال، وإليهما يساق العتبار.
ج )فلم يبق إلآ الفرض الثالث وهو أن معرفة من ظنوا ان بينهما خلافاً هي معرفة تتصف بالقصور .
فلنذكر أولاً الأسباب الق دعت إلى ظن من ظن أن بينهما خلافاً ؛ ولنحاول بعد ذلك التوفيق بين هذه الخلافات المزعومة .
١ - أول نقط الخلاف هي في السلوك في الحياة. فإن أفلاطون قد تخلى عن كثير من الأسباب الدنيوية، بينما أرسطو قد انغمس في علائق الدنيا، ونال الكثير من مفاخرها، وحاز المال الوفير، وتزوج وأنجب أولاداً ، واستوزر للاسكندر . ومن هذا يبدو لأول وهلة ان بين الرجلين خلافاً في النظر إلى اللوك الواجب على الفيلسوف اتخاذه في الحياة.
ويرى الفارابي أن الأمر ليس هكذا. فإن أفلاطون اهتم بشؤون الدنيا و« دون السياسات وهذبها ، وبين السيرة العادلة والعشرة الانسية المدنية ؛ وأبان عن فضائلها ، وأظهر الفساد العارض لأفعال من هجر العشرة المدنية وترك التعاون فيها » . وكتبه في هذا الباب معروفة ، وختلف الأمم تدرسها منذ أيامه حتى عصرنا هذا . لكنه لما رأى أن المهمة الأولى للإنسان هي تقويم ذاته ، ثم تقويم غيره بعد ذلك ٠ على أنه مقفرغمن الأهم الأولى، أقبل على الأقرب الأدفى. لكنه
٠ لم يجد في نفسه من القوة ما يمكنه الفراغ مما يهمه من أمرها ، ( لذا ) افى ايامه في اهم الواجبات عليه» أي تقويم نفسه .
وأرسطو اتبع تعاليم افلاطون كما وجدها في مؤلفاته. ولما عاد إلى ذاته ، وجد في نفسه قوة على تقويم نفسه ثم التعاون مع الآخرين والانشغال بكثيرمن الأمور السياسية .
فمن ٠ تأمل هذه الأحوال ، علم انه لم يكن بين الرأيين والاعتقادين خلاف ، وأن التباين الواقع لهما كان سببه نقصاً في القوى الطبيعة في أحدهما ، وزيادة في الآخر».
٩٩ الفارا
٢ - طريقة التأليف : وثافي نقط الخلاف - الظاهري -هي في طريقة كل منهما في التأاليف . فإن افلاطون - هكذا يزعم الفارابي خطأ - كان يوصي بعدم التأليف ، لأنه كان يفضل ان يبث الحكمة في القلوب الطاهرة والعقول الصحيحة . ولما خاف من ضياع علمه وكلمته بسبب النسيان ، عمد إلى الرموزوالالغاز لتدوين معارفه وحكمته ، بحيث لا يفهمها إلآ القادرون عليها .
أما أرسطو فكان مذهبه التدوين والوضوح والترتيب .
ويبدو للوهلة الأولى أن بين كليهما خلافاً في طريقة التدوين . لكننا إذا تعمقنا الأمر وجدنا أرسطو كثيراً ، ما يلجا الى الغموض والتعقيد هو الآخر . ويسوق الفارابي امثلة على ذلك . ويؤ يد رأيه بكلام لأرسطو يقول فيه : « إفي وإن دونت هذه العلوم والحكم ، فقد رتبتها بحيث لا يخلص إليها إلا اهلها، وعبرت عنها بعبارات لا يحيط يها إلا بنوها،.
٣ - مشكلة الجواهر : ونقطة خلاف ثالثة تدور حول مسألة الجواهر اها الأشرف : لكلي، أم الجزني؟.
ومعظم الذين درسوا مؤلفات افلاطون وأرسطو يعتقدون بوجود خلاف بينهما في هذه المسألة . إذ يجدون في كثير من مؤلفات أفلاطون ما يدل على أنه يرى أن الجوهر الأشرف والأقدم هو الأقرب إلى العقل والنف ، والأبعد عن الحس والمفرد, بينما يجدون أرسطو في كتبه ، خصوصاً في كتاب « المقولات» وكتاب « الأقيسة الشرطية» ( ؟ )، يقرر ان الجوهر الأولى بالشرف والتقديم هو الجوهر الأول أي الفرد ، لا الجوهر الثافي أي الكلي . لهذا زعم هؤلاء أن بين كلا الحكيمين خلافاً في هذه المسألة . .
والفارابي يقر بوجود هذا الخلاف ، ولكنه يعزوه إلى اختلاف السياق . فأرسطو يجعل المفرد هو الجوهر الأشرف حين يتحدث في المنطق والطبيعيات ، لأنه يهتم حينثذ بأحوال الموجودات القريبة من الحس ؛ بينما افلاطون يؤكد أن المفرد هو الأشرف حين يتحدث في الأمور الإلهية وما بعد الطبيعة . فكلماكان السياق ختلفاً ، والغرض ليس واحداً، وقع الخلاف في الظاهر ، أما في الواقع فلا خلاف ، بل مرجعه إلى اختلاف سياق الكلام.
٤ - القمة والبرهان : يرى أفلاطون ان الحد التام يكون بالقمة ، بينما يرى أرسطو أنه يكون بالبرهان
والتركيب .
والفارابي يشبه هذا بسلم يصعد عليه وينزل منه ، فالمسألة واحدة ، ولكن الاتجاه مختلف بين من ينزل وبين من يصعد . ويبين أنه لا خلاف بينهما ها هنا ، بل كلاهما يستهدف نفس الهدف ولكن في اتجاهين مختلفين . ذلك ان من يلجاً إلى القمة ينبغي عليه ان يمر بالتركيب بين الجنس والفصل النوعي ؛ ومن يستخدم القياس يجب عليه أن يلجاً إلى القمة . فالمسلكان متكاملان ، وليسا متناقضين .
٥ - مسائل منطقية : القياس ، تقابل القضايا :
ويبين الفاراي ما قيل من خلافات بين أرسطو وأفلاطون في بعض مسائل المنطق الصوري ، وخصوصاً القياس ، وتقابل القفايا . ويفصل اوجه الخلاف ، وينتهي إلى نوع من التوفيق،ما لا مجالهاهنا لذكره، لطوله وتعقيد ه .
٦ - مسائل في الطبيعيات : الابصار :
ويشير الفارابي ها هنا الى الخلاف بين ارسطو وأفلاطون في مسألة الابصار : فأفلاطون يقول إنه يكون بخروج شيء من العين يلقى موضوع الابصار . أما أرسطو فيرى أن الابصار يتم بانفعال يحدث في العين .
ويحاول الفارابي ، بعد عرض حجج انصار كليهما في هذا الموضوع ، أن يدلي برأي وسط بينهما ، لكنه رأي مقتضب لا يوفق بين رأيي ارسطو وافلاطون .
٧س الأخلاق :
يرى أفلاطون في كتاب « السياسة» ( المعروف خطاً ب 1 الجمهورية ») ان الطبع يغلب العقل ، وأن الكهول الذين يطبعون على خلق يعسر زواله منهم . أما أرسطو فقد صرح في 1 الأخلاق إلى نيقوماخوس» أن الأخلاق كلها عادات تتغير، وأن ليس شيء منها بالطبع ، وأن في استطاعة المرء أن ينتقل من خلق إلى غيره بالاعتياد والدربة .
ويلاحظ الفاراي أنه ليس في هذا خلاف . وإنما أرسطو يتكلم هاهنا في الأمور المدنية , والكلام القانوني يكون ابداً كليا مطلقاً.. .ومن البين أنكلخلق إذا نظر إليه مطلقاً علم أنه ينتقل ويتغير، ولو بعسر؛ وليس شيء من الأخلاق عمتنعاً على التغيير والتبدل، وأما افلاطون فإنه ينظر في احوال
الفاراب ١٠٠
قابلي السياسات وفاعليها، وايها اسهل قبولاً ، وايها اعسر. ولعمري ان من نشا على خلق من الأخلاق واتفقت له تقويته ، فإن زوال ذلك عنه يعسر جداً . والعسير غير الممتنع » .
والفارابي يشير هاهنا فيما يتعلق بأرسطو إلى قوله في
٠ الأخلاق إلى نيقوماخوس» (المقالة الثانية، فصل ١، ص١١٠٣ اً ص ١٦ وما يتلوه ) . اما فيما يتعلق بأفلاطون فمن الصعب ان نجد في كتاب ٠ السياسة » ما يشير إليه ، وأقرب موضع إلى ذلك ما ورد في المقالة السابعة ( فصل ٤ ، ص ١٨ه).
٨ - تحصيل العلم :
كذلك يختلف الحكيمان في تفسير تحصيل العلم . فأفلاطون في عاورة ٠ فيدون ، يبين ان كل علم تذكر . اما ارسطو فيرى ان الحواس مصدر العلم ، وان من فقد حساً فقدعلماً.
والفارابي يوفق بين الرأيين بأن يذكر الناس بما قاله أرسطو في أول كتاب ٠ البرهان، : , كل تعليم وكل تعلم فإغا يكون عن معرفة سابقة متقدمة الوجود». ويقول : اليست هذه هي نظرية التذكر عن افلاطون بعينها!!
ولم نجد هذا النص في كلام أرسطو في كتاب
٠ البرهان » . فلسنا ندري من اين استقاه ! .
٩ - مسألة أزلية العالم وأبديته :
يظن الناس أن أرسطويؤكد أن العالم أزلي ابدي ، بينما يقول افلاطون إن العالم مخلوق في الزمان .
ويرى الفارابي أن الذي ساق الناس إلى هذا الظن من ارسطو هو ما قاله في « الطوييقا» على سبيل المثال . لكن هذا مجرد مثال ، وما يقال على سبيل المثال لا يعبر بالضرورة عن اعتقاد من يذكر المثال ؛ فضلاً عن ان ارسطو في , الطوبيقا » لم يكن بصدد الكلام عن العالم ، بل هو يتكلم في الأنية التي تتألف مقدماتها من قضايا معروفة بوجه عام .
كذلك دفعهم إلى هذا الظن ما قاله أرسطو في كتاب
٠ السماء والعالم » من أنه لي للكل بدء في الزمان، فاستنتجوا من هذا أنه يقول إن الزمان ازلي . وهذا غيرصحيح ، هكذا يقول الفاراب - لأنه بين في هذا الكتاب نفه وفي كتب اخرى
في الطبيعة والفلفة الأولى أن الزمانهو مقدار حركة الفلك وحادث عنه ؛ وما هو حادث عن شيء لا يحتوي على هذا الشيء . فمن يقول إن العالم ليس له بدء في الزمان، فهر يقصد بذلك ان العالم لم يتكون جزءاً بعد جزء مثل البيت .
وهكذا ينكر الفارابي ان يكون ارسطو قد أكد ان العالم قدم! ومن الغريب ان يتجاهل الفارابي مااكده ارسطوبكل وضوح في المقالة الثانية من كتاب و الطبيعة » لاثبات ازلية الحركة وأبديتها!.
١٠-لمثل الأفلاطونية:
ونقطة الخلاف العاشرة بين الحكيمين تتعلق بالمثل التي اكدها افلاطون ، وهاجمها ارسطو بشدة .
وهنا يلجا الفارابي، من اجل التوفيق بينهما في هذا المجال ، إلى ما ورد في كتاب ٠ أثولوجيا » المنسوب خطا إلى ارسطو ، بينما هو في الواقع تلخيص < للتساعات » من ٤ إلى ٦ ، لأفلوطين . وما كان أسهل على الفاراي ان يقوم حينثذ بمهمة التوفيق !إذ مذهب افلوطين هو في جملته مذهب افلاطون . ويجد الفارابي عوناً مسعفاً لم في مسعاه في الموضع المشهور من ٠ اثولوجيا» حيث يقول صاحبه : ٠ إني ربما خلوت بنفسى ، وخلعت بدني جانباً ، وصرت كأفي جوهر مجرد بلا بدن ، فأكون داخلا في ذاقي ، راجعاً إليها ، خارجاً من سائر الأشياء - فأكون العلم والعالم والمعلوم جميعاً ، فارى في ذاقي من الحسن والبهاء والضياء ما ابقى له متعجباً مهتماً ، فأعلم أني جزء من أجزاء العالم الشريف الفاضل الإلهي ذو حياة فعالة . فلما أيقنت بذلك ، ترقيت بذاي من ذلك العالم إلى العالم الإلهي، فصرت وكأفي موضوع فيها متعلق بها، فأكون فوق العالم العقلي ، فأرى كأفي واقف في ذلك الموقف الشريف الإلهي ، فأرى هناك من النور والبهاء ما لا تقدر الألن على صفته ولا تعيه الأسماع»(١).
١١- الثواب والعقاب في العالم الآخر :
والنقطة الأخيرة متعلقة بمألة الثواب والعقاب في العالم الآخر . يقول الفاراي إن البعض يزعم انه لا أفلاطون ولا ارسطو يعتقدان فيوجود عالم آخر،ولا في الثواب والعقاب في عالم آخر . لكن الفارابي يرى ان هذا الزعم غير صحيح :
(١) راجع كتابنا: 1 اطوطين عد العرب ٠ ط٢ ص٢٢ القاهرة صنة ١٩٦٦ .
الفاراب
فبالنسبة إلى أرسطو يستشهد الفارابي بالرسالة القي بعث بها أرسطو إلى ام الاسكندر الأكبر يعزيها في ولدها والرسالة منحولة . وبالنسبة إلى أفلاطون يثير الفارابي إلى كلام افلاطون في نهاية كتاب « السياسة » مما يدل على البعث والحساب والميزان والثواب والعقاب . والفارابي إغايشيرهاهنا إلى أسطورة *ت الواردة في المقالة العاشرة من كتاب ا السياسة» (ص ٦١٠د؛ ٦١٢أ؛ ٦١٣ه وما يتلوها ).
مذهب الفا راي
ا-العلم الإلهي
في كتاب « إحصاء العلوم» يقسم الفارابي العلم الإلهي إلىثلاثة زاء:
ا أحدها: يفحص فيه عن الموجودات والأشياء الي تعرض لها بما هي موجودات.
والثاني ئفحص فيه ض,لبادىء البراهين في اسوم النظرية الجزثية وهي الني ينفرد كلعلم منها بالنظرفي موجود خاص - مثل المنطق والهندسة والعدد ، وباقي العلوم الجزئية الأخرى القي تثاكل هذه العلوم - فيفحص عن مبادىء علم المنطق ، ومبادىء علوم التعاليم ( = الرياضيات )، ومبادىء العلم الطبيعي ؛ ويلتمس تصحيحها، وتعريف جواهرها وخواصها ؛ ويحصي الظون الفاسدة التي كانت وقعت للقدماء في مبادىء هذه العلوم ، مثل ظن من ظن في النقطة والوحدة والخطوط والسطوح اغها جواهر، وأها مفارقة، والظون التي تشاكل هذه في مبادىء سائر العلوم ، فيقبحها وييين أنها فاسدة
والجزء الثالث : يفحص فيه عن الموجودات الى ليست بأجام، ولا في اجسام : فيفحص عنها أولاً :هل هي موجودة، أم لا، ويبرهن انا موجودة ب ثم يفحص عنها : هل هي كثيرة أم لا ، فيبين اغها كثيرة . ثم يفحص عنها : هل هي متناهية ام لا، ويبرهن اها متناهية ، ثم يفحص هل مراتبها في الكمال واحدة أم مراتبها متفاضلة ، ويبرهن انها متفاضلة في الكمال ، ثم يبرهن أنها على كثرتها ترتقي من عند أنقصها إلى الأكمل فالأكمل، الى ان تنتهي في آخر ذلك الى كامل ما، لا يمكن ان يكون شيء هو أكمل منه، ولا يمكن أن يكون شيء هو اصلا في مثل مرتبة وجوده ، ولا نظير لم ولا ضد ؛ - وإلى أول لا يمكن أن يكون قبله أول ، وإلى متقدم لا يمكن ان يكون شيء أقدم منه، وإلى موجود لا
يمكن ان يكون استفاد وجوده عن شيء اصلا ؛ - وأن ذلك الواحد هو الأول والمتقدم على الإطلاق وحده . - ويبين ان سائر الموجودات متأخر عنه في الوجود ، وأنه هو الموجود الأول الذي افاد كل واحد سواه الوجود ، وأنه هو الواحد الأول الذي أفاد كل شيء سواه : الوحدة ، وانه هو الحق الذي أفاد كل ذي حقيقة سواه : الحقيقة ، وعلى أي جهة أفاد ذلك ؛ - وأنه لا يمكن أن يكون فيه كثرة اصلا ولا بوجه من الوجوه ، بل هو احق باسم الواحد ومعناه ، وباسم الموجود ومعناه ، وباسم الحق ومعناه من كل شيء يقال فيه إنه واحد او موجود أو حقى سواه . وثم يبين ان هذا الذي هو بهذه الصفات هو الذي ينبغي ان يعتقد فيه انههو ل عز وجل وتقدست أاؤ٠ . ثم يمعن بعد ذلك في باقي ما يوصف به ال، إلى أن يستوفيها كلها.
ثم يعرف كيف حدثت الموجودات عنه ، وكيغ استفادت عنه الوجود . ثم يفحص عن مراتب الموجودات ، وكيف حصلت لها تلك المراتب ، وباي شيء يستاهل كل واحد منها أن يكون في المرتبة القي هو فيها . ويبين كيفية ارتباط بعضها ببعض وانتظام م ، ويأي شيء يكون ارتباطها وانتظامها. ثم يمعن في إحصاء باقي افعاله عز وجل- في الموجودات، إلى ان يستوفيها كلها ، ويبين أنه لا جور في شيء منها ولاخللولا تنافر ولا سوء نظام ولا سوء تأليف، والجلة: لا نقص في شيء منها ولا شراصلا.
ثم يشرع بعد ذلك في إبطال الظنون الفاسدة القي ظنت بالله - عز وجل - في افعاله بما يدخل النقص فيه وفي أفعاله وفي الموجودات التي خلقها - فيبطلها كلها ببراهين تفيد العلم اليقين الذي لا يمكن أن يداخل الإنان فيه ارتياب ولا يخالجه فيهشك، ولا يمكن ان يرجع عنه أصلا»(١).
وهذا العرض المستقصي لموضرع العلم الإلهي يستدعي الملاحظات التالية:
١ - أولاً غموض التقسيم المذكور إلى ثلاثة اجزاء : إذ لا يوجد فارق بين الجزء الأول ، وبين الجزء الثالث ، فلا عحل للتمييز بينهما. والجزء الثافي يلفت النظر، لأنه ادخل في العلم الطبيعي منه في العلم الإلهي، او يدخل بالتعبير العصري في فلسفة العلوم ومناهجها . وربما الذي دعا الفارابي إلى وضع هذا الجزء الثاني ضمن موضوعات العلم
(١) الفاراب : ٠ احصاء العلوم»م٩٩-١٠١،ط٢، لقاهرة سة ١٩٤٦.
الفاراب ١٠٢
الإلهي تناول ارسطو لمشكلة الصور الأفلاطونية في مقالتي « المو» و« النو ( المقالتين ١٤٤١٣ من كتاب ٠ ما بعد الطبيعة ») ونقد تصور أتباع افلاطون المباشرين للمثل على انها رياضية، والدليلعلىذلك ما أشار إليهكمثال لمباحث هذا الجزء الثافي : ابطال ظنمنظن في النقطة والوحدة والخطوط والسطوح أنهاجواهر، وأنهامفارقة ا وهورأي اسيوسبيوس واكينوقراط خلفي افلاطون المباشرين على رآسة الأكاديمية .
٢ - وثانياً يلاحظ ان موضوعات القسم الثالث قد تجاوزت ما قصده أرسطو بالإلهيات وما بعد الطبيعة ، وهذه نتيجة طبيعية لاستخدام البراهين العقلية لتأييد العقائد الدينية لدى آبا* الكنيسة في المسيحية ، ولدى رجال مدرسة الاسكندرية وبخاصة يحي النحوي ، ثم لقيام علم الكلام في الإسلام خصوصاً في القرن الثالث الهجري ( التاسع الميلادي ) . وبهذا حدد الفارابي للإلهيات موضوعات لم تكن بارزة في الهيات أرسطو والمشائين : مثل العناية الإلهية ، صفات اله وإثبات وجوده ، وذلك ا ببراهين تفيد العلم اليقين الذي لا يمكن أن يداخل الإنسان فيه ارتياب ولا يخالجه فيه شك » على حد تعبير الفارابي ، أي بالبراهين العقلية المؤدية إلى اليقين الضروري.
والفارابي يتناول موضوعات العلم الإلهي فيكتبهكلها تقريباً ، ويكرر نفسه باستمرار من كتاب إلى آخر ، وربما كان السبب في ذلك أن كتاباته معظمها تعاليق وفصول متناثرة ، ولم يعمد إلى تأليف كتاب في موضوع محدد بعينه ، اللهم إلآ في القليل النادر مثل رسالة ٠ في معاني العقل» ورسائله في الطق.
ب - البرهان على وجود اله : برهان الممكن والواجب
ولإثبات وجود الله يقدم الفارابي برهاناً اصيلا يقوم على اساس التفرقة بين الممكن والواجب . وهو برهان سيأخذه عنه ابن سينا ني دجاة٠(ص٢٢٤ا٢٢٧)وا١لثغا٠» • الإلهيات»ج١ص٣٧-٤٢، القاهرة سنة ١٩٦٠ )، كما سيأخذه القدير توما.
وصورة البرهان ترد مفصلة في «رسالة زينون الكبير،(١) وفي رواية أكثر ايجازاًفي كتاب , عيون المسائل، -
(١ ) ال فاراه : • نرح رمالا رينون الكبير» م ٣ - ه . حيدرأباد، سنة ١٣٤٩ه( سنة ١٩٣٠م)٠
فلنجتزىءها هنا بهذه الرواية الأخيرة الموجزة . يقول الفارابي :
, إن الموجودات على ضربين : احدهما إذا اعتبر ذاته لم يجب وجوده، ويسمى مكن الوجود. والثافي إذا اعتبر ذاته وجب وجوده، ويسمى واجب الوجود. وإن كان ممكن الوجود إذا فرضناه غير موجود لم يلزم عنه محال ، فلا غفى بوجوده عن علة . وإذا وجد ، صار واجب الوجود بغيره . فيلزم من هذا انه كان مما لم يزل مكن الوجود بذاته ، واجب الوجود بغيره . وهذا الإمكان إما أن يكون شيئا فيما لم يزل ، وإما أن يكون في وقت دون وقت . والأشياء الممكنة لا يجوز ان تمر لا نهاية في كونها علة ومعلولاً ، ولا يجوز كوها على سبيل الدور، بل لا بد من انتهائها إلى شيء واجب، هو الموجود الأول .
والواجب الوجود مق فرض غير موجود، لزممنه عحال . ولا علة لوجوده . ولا يجوز كون وجوده بغيره . وهو السبب الأول لوجود الأثياء.
ج - صفات واجب الوجود
ويعدد الفارابي صفات واجب الوجود - أي : اله - في رسائل عديدة :
فيقول عنه في كتاب ٠ السياسة المدنية»(١): ٠ أما الأول فليس فيه نقص أصلا ولا بوجه من ا لوجوه، ولا يمكن أن يكون وجود أكمل وأفضل من وجوده، ولا يمكن أن يكون وجود أقدم منه ولا في مثل مرتبة وجوده لم يتوفر عليه. فلذلك لا يمكن ان يكون استفاد وجوده عن شيء آخر غيره أقدم منه . وهو من ان يكون استفاد ذلك عما هو أنقص منه ابعد . ولذلك هوايضاً مباين بجوهره لكل شيء مراه مباينة تامة . ولا يمكن أن يكون ذلك الوجود الذي هو له لأكثر من واحد، لأن كل ما وجوده هذا الوجود، لا يمكن ان يكون بينه وبين آخر- له ايضاً هذا الوجود بعينه - مباينة اصلا ؛ لأنه إن كانت بينهما مباينة ، كان الذي تباينا به شيئاً آخر غير ما اشتركا فيه : فيكون الشيء الذي به بابن كل واحد منهما الأخر جزءاً من قوام وجوديما؛ . فيكون وجود كل واحد منهما منقسما بالقول . فيكون كل واحد من جزئيه سبباً لقوام ذاته ، فلا يكون اولاً ، بل يكون هناك موجود
(١) الفاراب : « السياسة المدنية ءم٤٢-٤٦. بيروت سنة ١٩٦٤ .
١٠٣ الغاراي
أقدم منه ؛ قوامه . وذلك محال فيه ، إذ هو أول . وما لا تباين بينهما لا يمكن أن يكونا كثرة : لا اثنين،ولا أكثر.
وأيضاً إن أمكن ان يكون شىء غيره له هذا الوجود بعبنه، امكن ان يكون وجود خارجاً عن وجوده لم يتوفر عليه وفي مثل رتبته . فإذن وجوده دون وجود ما يجتمع له الوجودان معاً . فوجوده إذن وجود فيه نقص ، لأن التام هوما لا يوجد خارجاً عنه شىء يمكن ان يكون له . فإذن وجوده لا يمكن أن يكون خارجاً عن ذاته لشيء ما املآ .
ولذلك لا يمكن أن يكونلهصفة أصلا ، وذلك ان وجود ضد الشيء هو في مثل مرتبة وجوده، ولا يمكن ان يكون في مثل رتبته وجود املآ لم يتوفر عليه ، وإلآ كان وجوده وجوداً ناقصاً . وأيضاً فإن كل ما له ضد ، فإن كمال وجوده هو بعدم ضده . وذلك أن وجود الشيء الذي لهم ضد إنما يكون مع وجود ضده بأن يحفظ بأشياء من خارج وبأشياء خارجة عن ذاته وجوهره ، فإنه ليس يكون في جوهر أحد الضدين كفاية في ان يحفظ ذاته عن ضده . فإذن يلزم أن يكون للأول سبب ما آخر ، به وجوده . فلذلك لا يمكن أن يكون في مرتبته ، بل يكون هو وحده فرداً . فهو واحد من هذه الجهة.
وأيضاً فإنه غير منقسم في ذاته بالقول ، واعني انه لا ينقسم إلى أشياء بها تجوهره . وذلك أنه لا يمكن أن يكون القول الذي يشرح ذاته يدن كل جزء من اجزاء القول على جزء ما يتجوهر به. فإنه إذا كان كذلك، كانت الأجزاء التي بها تجوهره هي أسباب وجوده ، على جهة ما تكون المعاني الى تدل عليها اجزاء الحد أساباً لوجود الشيء المحدود ، وعلى جهة ما تكون المادة والصورة اسباباً لوجود ما يتقوم بهما ، وذلك غير بمكن فيه إذ كان اولاً، فإذا كان لا ينقسم هذا الانقسام - وهو من ان ينقسم انقسام الكم وسائر أنحاء الانقسام ابعد- فهو أيضاً واحد من هذه الجهة الأخرى ولذلك لا يمكن ايضاً أن يكون وجوده الذي به ينحاز عما سواه من الموجودات غير الذي هو به في ذاته موجود ، فلذلك يكون انحيازه عما سواه بوحدة هي ذاته : فإن احد معاني الوحدة هو الوجود الخاص الذي به ينحاز كل موجود عما سواه، وهي التي بها يقال لكل موجود واحد من جهة ما هو موجود : الوجود الذي يخصه . وهذا المعى من معانيه ياوق الموجود . فالأول أيضاً بهذا الوجه واحد ، واحق من كل واحد سواه باسم الواحد ومعناه .
ولأنه لا مادة له - ولا بوجه من الوجوه- فإنه بجوهره عقل، لأن المانع للشيء من ان يكون عقلاً وان يعقل بالفعل هوالمادة. وهومعقول من جهة ما هوعقل ، فإن الذي هوفيه عقل معقول لذلك الذي هو منه عقل . وليس يحتاج ، في ان يكون معقولاً ، إلى ذات اخرى خارجة عنه تعقله ،بلهو نفسه يعقل ذاته ، فيصير بما يعقل من ذاته : عاقلا، وبأن ذاته تعقله : معقولاً . وكذلك ليس يجتاج في ان يكون عقلاً وعاقلاً إلى ذات أخرى وشيء آخر يستفيده من خارج، بل يكون عقلاً وعاقلا بأن يعقل ذاتم ، فإن الذات التي تغقلهي التي تعقل.
وكذلك الحال في انه عالم : فإنه ليس يجتاج في ان يعلم إلى ذات اخرى يستفيد بعلمها الفضيلة خارجاً عن ذاته ، ولا في أن يكون معلوماً إلى ذات اخرى تعلمه ، بل هو مكتف بجوهره في ان يعلم ويعلم . وليس علمه بذاته غيرجوهره ، فإنه يعلم ، وإنه معلوم ، وإنه علم ذات واحدق وجوهر واحد.
وكذلك في انه حكيم : فإن الحكمة هي ان يعقل أفضل الأشياء بأفضل علم . وبما يعقل من ذاته ويعلمها يعلم افضل الأشياء وبأفضل علم . والعلم الأفضل هو العلم التام الذي لا يزول لما هو دائم لا يزول . فلذلك هو حكيم : لا بحكمة استفادها بعلم شي ء آخر خارج عن ذاته ،بلي ذاته كفاية في ان يصير حكيماً بأن يعلمها .
والجمال والبهاء والزينة في كل موجود هو أن يوجد وجوده الأفضل ويبلغ استكماله الأخير . وإذ كان الأول وجوده أفضل الوجود ، فجماله إذن فائت لجمال كل ذي جمال . وكذلك زينته وبهاؤ٥ وجماله : له بجوهره وذاته ».
وفي ا عيون امسائل » يلخص الصفات الإلهية فيقول عن واجب الوجود إنه : لا ماهية له مثل الجسم - إذا قلت إنه موجود فحد الموجود شيء ، وحد الجسم شيء - سوى انه واجب الوجود، وهذا وجوده .
ويلزم منهذا أنهل ا جنس له، ولا فصل له، ولا حد ، ولا برهان عليه بل هو برهان على جيع الأشياء .
ووجوده بذاته أبدي ازلي ، لا يمازجه العدم ، وليس وجوده بالقوة .
ويلزم من هذا انه لا يمكن ان لا يكون ؛ ولا حاجة به
١٠٤
الغا.
إلى شيء يمد بقاءه . ولا يتغير من حال إلى حال .
وهوواحد بمعفى ان الحقيقة التي له ليست لشيء غيره . وواحد بمعنى أنه لا يقبل التجزؤ ، كما تكون الأشياء التي لها عظم وكمية . وإذن ليس يقال عليه :كم، ولا متى، ولا أين. وليس بجسم . وهو واحد بمعنى أن ذاته ليست من أشياء غيره كان منها وجوده ، ولا حصلت ذاته من معان، مثل المادة والجنس والفصل .
ولاضد.
وهو خير محض، وعقل محض، ومعقول محض، وعاقل محض . وهذه الأشياء الثلاثة كلها فيه واحد .
وهو حكيم، وحي ، وعالم، وقادر، ومريد . وله غاية الجمال والكمال والبهاء . وله اعظم السرور بذاته. وهو العاشق الأول والمعشوق الأول ».
لكن اوسع عرض لصفات الد عند الفارابي هو الذي نجده في كتاب ا آرا، اهل المدينة الفاضلة» (ص ٣٧-٥٤،ط٣، بيروت، دار المشرق، سنة ١٩٧٣ ). والغريب أنه يتطابق حرفياً في كثير من المواضع معما ورد في كتاب < السياسة المدنية ، ، إلى درجة يترجح معها القول بأن هذا الكتاب الأخير نصوص متنزعة بحروفها من الكتاب الأول.
د ) كيفية صدور جميع الموجودات عن الأول :
نظرية الفيض
أما كيف توجد الموجودات عن الأول ، فالفاراي يفسره تفسيراً افلوطينياً ، على أساس فكرة الصدور اي صدور الموجودات عن الأول على جهة الفيض.
يقول الفارابي في كتاب ,آراء أهل المدينة الفاضلة،: و والأول هو لذي عنه وجد . ومى وجد للأول الوجود الذي هو لم ، لزم ضرورة ان يوجد عنه سائر الموجودات التي وجودها لا بإرادة الإنسان واختياره ، على ما هي عليه من الوجود ، الذي بعضه مشاهد بالحس ، وبعضه معلوم بالبرهان .
ووجود ما يوجد عنه إغاهو على جهة فيض وجوده لوجود شيء آخر، وعلى أن وجود غيره فائض عن وجوده هو . فعلى هذه الجهة لا يكون وجود ما يوجد عنه سبباً له
بوجه من الوجوه، ولاعلى انه غاية لوجودالأول، كمايكون وجود الابن - من جهة ماهو ابن- غاية لوجود الابوين، من جهة ما هما أبوان . يعنى أن الوجود الذي يوجد عنه لا يفيده كمالأ ما، كما يكون لنا ذلك عن جل الأشياء القي تكون منا ، مثل أنا باعطائنا المال لغيرنا نستفيد من غيرنا كرامة او لذة أو غير ذلك من الخيرات ، حتى تكون تلك فاعلة فيه كمالاً ما . فالأول ليس وجوده لأجل غيره ، ولا يوجد به غيره حى يكون الغرض من وجوده أن يوجد سائر الأشياء ، فيكون لوجوده سبب خارج عنه فلا يكون اولأ ؛ - ولا ايضاً-بإعطائه ما سواه الوجود، ينال كمالأ لم يكن له قبل ذلك، خارجاً عما هو عليه من الكمال، كما ينال من يجود بماله او بشىء آخر فيستفيد بما يبذل من ذلك لذة او كرامة اورئاسة او شيئاً غير ذلك من الخيرات . فهذه الأشياء كلها محال أن تكون في الأول ، لأنه يسقط اوليته وتقدمه ، ويجعل غيره اقدم منه وسبباً لوجوده، بل وجوده لأجل ذاته . ويلحق جوهره ووجوده ويتبعه أن يوجد عنه غيره . فلذلك وجوده الذي به فاض الوجود إلى غيره هو في جوهره . ووجوده الذي به تجوهره في ذاته هو بعينه وجوده الذي به يحصل وجود غيره عنه . - وليس ينقسم إلى شيئين يكون بأحدهما تجوهر ذاته ، وبالآخر حصول شيء آخر عنه ، كما أن لناشيئيننتجوهر بأحدهما وهو النطق ، ونكتب بالآخر وهو صناعة الكتابة . بل هو ذات واحدة ، وجوهر واحد ، به يكون تجوهره ، وبه بعينه يحصل عنه شيء اخر.
ولا ايضاً يحتاج في ان يفيض عن وجوده وجود شيء آخر إلى شى ء غيرذاته يكون فيه ، ولا غرض يكون فيه ، ولا حركة يستفيد بها حالأ لم تكن له ، ولا آلة خارجة عن ذاته ، مثلما تحتاج النار- في ان يكون عنها وعن الماء بخار- الى حرارة تبخر بها الماء ، وكما تحتاج الشمس - في أن تسخن ما لدينا -إلى ان تتحرك هي ليحصل لها بالحركة ما لم يكن لها من الحال ، فيحصل عنها - وبالحال التي استفادتها بالحركة -حرارة فيما لدينا، او كما يجتاج النجارإلى الفأسوالى المنثار حتى يحصل عنه في الخشب انفصال وانقطاع وانشقاق .
وليس وجوده، بما يفيض عنه وجودغيره، أكمل من وجوده الذي هو بجوهره ، ولا وجوده الذي بجرهره أكمل من الذي يفيض عنه وجود غيره، بل هما جميعاً ذات واحدة.
ولا يمكن أيضاً أن يكون له عاثق من أن يفيض عنه
١١٥ الفاراب
وجود غيره ، لا من نفسه ولا من خارج أصلا »(١).
فالموجودات تفيض عن الأول لا عن قصدمته يثبه فصودنا ، ولاعن طبع بحيث لا تكون له معرفة ورضى بصدورها ، وإنما ظهرت الأشياء عنه لكونه عالماً بذاته ، وبأنه مبداً لنظام الخير في الوجود على ما يجب أن يكون عليه . وإنما علمه هو العلة لوجود لاشياء ٠ رعلمه للاشيام ليس علم زمانيا. ووجوده هوبعينه وجوده الذي به يحصل وجود غيره عه.
وإذا فاضت الموجودات عنه ، كانت بترتيب مراتبها ، « فحصل عنه لكل موجود قطه الذي له من الوجود ومرتبته منه . فيبتدي من أكملها وجوداً ، ثم يتلوه ما هو أنقص منه قليلاً . ثم لا يزال يعد ذلك يتلو الانقص ، إلى أن ينتهى إلى الموجود الذي إن مخطى عنه إلى ما دونه تخطى إلى مالايمكن ان يوجد اصلا ، فتنفطع الموجودات من الوجود «(٢)
*— - ترتيب الموجودات المفارقة
وعن وجود الأول يفيض وجود الاني. وهذا الثاني جوهر غير جسمي ولا هو في مادة . وهو يعفل ذاته ، ويعقل لأول . « وبما يعقل من الأول يلزم عنه وجود ثالث ؛ وبما هو متجوهر بذاته التي تخصه ، يلزم عنه وجود السماء الأولى . والثالث أيضاً وجوده لا في مادة ، وهو بجوهر. عقل . وهو يعقل ذاته ويعقل الأول : فبيا يتجوهر به من ذاته لتي نخصه يلزم عنه وجود كرة الكواكب الثابتة ؛ وبما يعقله من الأول يلزم عنه وجود رابع ؛ وهذا أيضا لا في مادة ، فهو يعقل ذاته ويعقل الأول : فبيا يتجوهر به من ذاته التي تخصه يلزم عنه كرة زحل . وبما يعقله من الأول عنه وجود خامس . وهذ الخامس ايضاً وجوده لا في مادة » . فهو يعقل ذاته ، ويعقل الأول : فبما يتجوهر به من ذاته يلزم.عنه وجود كرة المريخ . وبما يعقلم من الأول يلزم عنه وجود بابع . وهذا أيضاً وجوده لا في مادة . وهو يعقل ذاته ويعقل الأول : فبما يتجوهر به من ذاته يلزم عنه وجود كرة الشمس، وبما يعقل من الاول يلزم عنه وجود ثامن، وهو ابضا وجوده لا في مادة . ويعقل ذاته ويعقل الأول : فبما يتجوهر به من ذاته
< ١ ) الغاراي « راء اعل المدينة لعاضنغ صه،,٦ه، ط٣ بيروت سغ ١٩٧٣ وفد رددناً الص في بعض امواضع !لى أصله المرر ادخظرطأت، إذ معظم نصحيحلن يرسف كرم تكمبة لا بررها المحطونات ولا داعي إليها.
(اً) الكتاب نفه ص ٥٧
التي تخصه يكزم عنه وجود كرة الزهرة، وبما يعقل من الأول بلزم عنه وجود تاسع، وهذا ايضاً وجوده لا فيمادة ٠ ويعفل ذاته ويعقل الأول: فبما يتجوهر به في ذاته يلزم عنه وجود كرة عطارد، ربما يعقل من الأول يلزم عنم وجود عاشر، وهذا ايضاً وجوده لا في مادة. وهويعقلذاته ويعقل الأرل: فبما يتجوهربه من ذاته يلزم عنه وجود كرة القمر، ربما يعقل من الأول يلزم عنه وجود حادي عشر . وهذا الحادي عشر هو أيضاً وجوده لا في مادة ، وهو يعقل ذاته ويعقل الأول . ولكنه عنده يتهي الوجود الذي لا يحتاج ما يوجد ذلك الوجود إلى مادة وموضوع اصلا، وهي الاشياء المفارقة التيهي ي جواهرها عقول ومعقولات . . وعند كرة القمر ينتهي وجود الأجسام السماوية ، وهي التي بطبيعتها تتحرك دورا ار'،.
والخلاصة أن صدور الموجودات عن الأول يتم في ترتيب تنازلي من ثان إلى حادي عشر . وصدور التالي عن السابق يتم دائا بأن يعقل الاول ، وذلك في جميع المراتب ، أما عقل كل واحد منها لذاته فينتج عنه فلك على الترتيب التالي : السماء لأولى، فالكواكب الثابتة، نزحل، نالمشتري، فالمريخ، فالشمب، فالزهرة، فعطارد، فالقمر . وعند فلك القمر تتهي ل موجودات المفارقة التي هي في جواهرها عقول ومعقولات ، ويتتهي وجود الأجسام السماوية .
والأساس في هذا الترتيب هو أن الواحد لا يصدر عه إلا واحد .
بيد أن المشكلة هي : هل العقل الأول هو واجب الوجود أو اته - أو هو أول ما صدر عن الله ؟
يتجلى بوضوح من كلام الفارابي في هذا النص الذي أوردناء نقلا عن كنابه « آراء اهل المدينة الفاضلة» ان العفل الأول هو الله نفسه ، ومن هنا كانت العقول عنده أحد عشر عقلاً . وهذا طبيعي منطقي ، لان الأول او الله او واجب الوجود عقل وعاقل ومعقول ، كما قال الفاراي في مواضع عديدة من رسائله(٢). ولهذا لا نجد عبارة والعقول العثرة، عند الفارابي ، إلا حين يقصد كلامه على العقول العثرة التاب سل الواحدد٣).
(٢) انظر مثلا كتا , السبامة المدنية» ص ٤٥-ه - س٩.
(٣) انظر منلا ، آرا. اعل المدينة الفاصلة 1 ص ٠٦٨ر١٢٠٣٠ : صر٧١ س! ، س٩
الفاراي ٢ ١٠٦
وقد اخذ الفارابي فكرة «الفيض» أو «الصدور» عن افلوطين الذي تحدث عن الفيض أو الصدور على حد تعبير المترجم العربي لهذا الموضع من تساعات افلوطين («التساعات، التاسع إلخامس : ١: ٦) وقد نشرنا هذه الترجمة العربية في كتابناءافلوطين عند العرب» (ص ١٨٤-١٨٥، ط١ ، القاهرة سنة ١٩٥٥).
اما نظام العقول المفارقة الاحد عشر فلم نعثر له سابقة في الفلسفة اليونانية حتى الآن. وافلوطين. إنما يتكلم عن ثلاثة مبادىء هي: الواحد، العقل (نوس) والنفس الكلية. ولهذا نستطيع ان نقرر- إلى ان يأقي دليل مغاد-ان هذا النظام من وضع الفارابي نفسه. ولم يسبقه إليه احد.
و- ترتيب الموجودات تحت فلك القمر
وما تحت فلك القمر هو عالم الكون والفساد. وكل موجود فيه قوامه من شيئين: المادة، والصورة. ولا قوام للصورة بدون المادة لكن وجود المادة هو لأجل الصورة، فلو لم تكن صورة ما موجودة لما كانت المادة.
وتترتب الموجودات التي تحت فلك القمر (أي على الأرض) بحسب الأحسن فالأفضل منه، إلى ان ننتهي إلى افضلها الذي لا افضل منه «فأخئها المادة الأولى المشتركة، والأفضل منها الاسطقسات (= العناصر)، ثم المعدنية، ثم النبات، ثم الحيوان غير الناطق، ثم الحيوان الناطق (= الإنسان) ؛ وليس بعد الحيوان الناطق افضل مذه٠(١>.
كيف توجد هذه الموجودات؟
عن الطبيعة المشتركة للأجام السماوية تصدر المادة الأولى المشتركة لكل الموجودات الكائنة تحت فلك القمر، وعن اختلاف جواهر هذه الأجسام السماوية ينشأ وجود اجسام كثيرة مختلفة الجواهر، وعن تضاد نسبها واضافاتها تحدث الصور المتضادة؛ وعن حصول نسب متضادة واضافات متعاندة يحدث اجام فيها اختلاط في الأشياء ذات الصور المتضادة وامتزاجاتها، وعن اصناف تلك الامتزاجات المختلفة- تحدث أنواع كثيرة من الأجسام.
,فيحدث اولاً الاسطقسات، ثم ما جانسها وقارنها من
الأجسام : مثل البخارات وأصنافها مثل الغيوم والرياح وسائر ما يحدث في الجو، وايضاً مجانساتها حول الأرض وتحتها، وفي الماء والنار. ويحدث في الاسطقسات، وفي كل واحد من سائر تلك، قوى تتحرك بها من تلقاء أنفها إلى اشياء شأنها أن توجد لها أولها، بغير محرك من خارج؛ وقوى يفعل بعضها في بعض، وقوى يقبل بها بعضها فعل بعض. ثم تفعل فيها ااجسام السماوية ويفعل بعضها في بعض فيحدث من اجتماع الأفعال- من هذه الجهات- اصناف من الاختلاطات والامتزاجات كثيرة، ومقادير كثيرة: مختلفة بغير تضاد، ومختلفة بالتضاد، فيلزمعنهاوجود سائر الأجسام.
فتختلط اولاً الاسطقسات بعضها مع بعض، فيحدث من ذلك اجسام كثيرة متضادة. ثم تختلط هذه المتضادة بعضها مع بعض فقط، وبعضها مع بعض ومع الاسطقسات، فيكون ذلك اختلاطاً ثانياً بعد الأول، فيحدث من ذلك أيضاً اجسام كثيرة متضادة الصور. ويحدث في كل واحد من هذه ايضاً قوى يفعل بعضها في بعض ، وقوى تقبل بها فعل غيره فيها، وقوى تتحرك با من تلقاء نفها بغير محرك من خارج ثم تفعل فيها ايضاً الأجسام السماوية، ويفعل بعضها في بعض، وتفعل فيها الاسطقسات، وتفعل هي في الاسطقسات ايضاً؛ فيحدث من اجتماع هذه الأفعال بجهات ختلفة اختلاطات اخر كثيرة تبعد بها عن ااسطقسات والمادة الأولى بعداً كثيراً. ولا تزال تختلط اختلاطاً بعد اختلاط قبله، فيكون الاختلاط الثاني أبداً أكثر تركيباً مما قبلم، إلى ان تحدث اجسام لا يمكن ان تختلط؛ فيحدث من اختلاطها جم آخر أبعد منها عن الاسطقسات، فيقف الاختلاط.
فبعض الاجسام يحدث عن الاختلاط الأول، وبعضها عن الثانفي، وبعضها عن الثالث، وبعضها عن الاختلاط الآخر. فالمعدنيات تحدث باختلاط أقرب إلى الاسطقسات وأقل تركيباً ويكون بعدها عن الاسطقسات برتب أقل. ويحدث النبات باختلاط اكثر منها تركيباً، وأبعد عن الاسطقسات برتب أكثر. والحيوان غير الناطق يحدث باختلاط اكثر تركيباً من النبات. والانسان وحده هو الذي يحدث عن الاختلاط الأخير,(').
والأجسام السماوية تفعل في كل واحد منها بأن ترفد البعض، وتضاد البعض، مما تحدث عنه امتزاجات
(١) القارش: «اراء اهل المدينة الفاضلة» ص٦٦.
(١) اسرار: واراء أهل المدية الغاضلة، ٧٧- ٧٨.
الفارا
واختلاطات أخرى كثيرة. وتلك هي أسباب وجود الأشياء الطبيعية التي تحت السماوية.
والموجودات التي دون الأجسام السماوية في نهاية النقص في الوجود، لأنها «لم تعط من أول الامر جميع ما تتجوهر به على التمام، بل إنما أعطيت جواهرها التي لها: بالقوة البعيدة فقط، لا بالفعل، إذ كانت إنما اعطيت مادتها الاولى فقط, ولذلك هي ابداً ساعية إلى ما تتجوهر به من الصورة»(١). وهي قد بلغت «من تأخرها وتخلفها وخساسة وجودها ان صارت لا يمكنها أن تنهض وتسعى من تلقاء انفسها إلى استكمالاي، إلآ بمحرك من خارج. ومحركها من خارج هو الجسم السماوي وأجزاؤ٥، ثم العقل الفعال: فإن هذين جميعاً يكملان وجود الأشياء التي تحت الجسم السماوي. والجسم السماوي فإن جوهره وطبيعته وفعله أن يلزم عنه أولاً وجود المادة لأولى. ثم من بعد ذلك يعطي المادة الأولى كل ما في طبيعتها وإمكانها واستعدادها أن تقبل من الصور، كائنة ما كانت و والعقل الفعال معد بطبيعته وجوهره أن ينظر في كل ما وطأه الجم السماوي وأعطاه ٠ فأي شيء منه قبل -بوجه ما التخلص من المادة ومفارقتها، رام تخليصه من المادة ومن العدم فيصير في أقرب مرتبة إليه، وذلك أن تصير المعقولات التي هي بالقوة معقولات بالفعل. فمن ذلك يجصل العقل- الذي كان عقلاً بالقوق عقلا بالفعل، وليس يمكن أن يصير كذلك شيء سوى الانسان: فهذه السعادة القصوى التي هي افضل ما يمكن الإنسان أن يبلغه من الكمال. فعن هذين يكمل وجود الاشياء التي بقيت متأخرة واحتيج إلى إخراجهاإلى الوجود بالوجوه التي شأنها أن تخرج إلى الوجود بها، وبالوجوه التي شأنها أن يدوم وجودها بها»(٢).
والموجودات الممكنة هي أنقص وجوداً ، وهي ختلطة من وجود ولا وجود، لأنه وسط بين ما لا يمكن أن يوجد، وما لا يمكن الا يوجد. ولهذا يخالطها العدم، إذ العدم هو لا وجود ما يمكن أن يوجد.
ز- علم النفس
١-قوى النفس.
يميز الفارابي بين ثلاثة أنواع من النفوس هي: أنفس الأجسام السماوية، وأنفس الحيوان الناطق، وأنفس الحيوان
(١) الغارا ب «السياسة المدنية» ص٥٤.
(٢) الكتاب نف ص ٥٤- ٥٥.
غير الناطق.
أما نفس الحيوان الناطق فتشتمل على أربع قوى: القوة الناطقة، القوة النزوعية، القوة المتخيلة، القوة الحساسة. افالقوة الناطقة هي التي بهايحوزالإنسان العلوم والصناعات، وبها يميز بين الجميل والقبيح من لأفعال والأخلاق، وبها يروي فيما ينبغي أن يفعل أو لا يفعل، ويدرك بها مع هذه : النافع والضار، والملذ والمؤذي. والناطقة منها نظرية، ومنها عملية. والعملية منها مهنية، ومنها مروية. فالنظرية هى التي بها يحوز الإنسان علم ما ليس شأنه أن يعمله إنسان اصلاً . والعملية هي التي بيها يعرف ما شأنه ان يعمله الانسان بإرادته. والمهنية منها هي التي منها تحاز الصناعات والمهن. والمروية هي التي يكون بهاالفكروالروية في شى ء مما ينبغي أن يغمل أو لا يغمل. -والنزوعية هي التي يكون بها انزوع الإنساني بأن يطلب الشي، أويهرب منه، ويشتاقه أو يكرهه، ويؤثره او يتجنبه. وبها يكون البغضة والمحبة، والصداقة والعداوة، والخوف والأمن، والغضب والرضا، والقسوة والرحمة- وسائر عوارض النفس. -والمخيلة هي التي تحفظ رسوم المحسوسات بعد غيبتها عن الحس، وتركب بعضها إلى بعض، وتفصل بعضها عن بعض، في اليقظة والنوم، تركيبات وتفصيلات بعضها صادق وبعضها كاذب. ولها مع ذلك إدراك النافع والضار، واللذيذ والمؤذي، دون الجميل والقبيح، من الأفعال والأخلاق. والحساسة بين امرها، وهي التي تدرك المحسوسات بالحواس الخمس المعروفة عند الجميع، وتدرك الملذ والمؤذي، ولا تميز الضار والنافع، ولا الجميل والقبيح.
وأما الحيوان غيرالناطق فبعضه يوجد له القوى الثلاث الباقية، دون الناطقة. والقوة المتخيلة فيه تقوم مقام القوة الناطقة في الحيوان الناطق. وبعضه يوجد له القوة الحساسة والقوة النزوعية فقط . وأما أنفس الأجسام السماوية فهي مباينة لهذه الأنفس في النوع، مفردة عنها في جواهرها، وبها تتجوهر الأجسام السماوية، وعنها تتحرك دوراً وهي اشرف وأكمل وأفضل وجوداً من أنفس أنواع الحيوان التي لدينا، وذلك انها لم تكن بالقوة أصلأ ولا في وقت من الأوقات، بل هي بالفعل دائما، من قبل أن معقولاتها لم تزل حاصلة فيها منذ اول الأمر، وأنها تعقل ما تعقله داثا. وأما أنفسنا نحن فإنها تكون أولاً رالقوة ثم تصيربالفعل، وذلك انها تكون أولاً هيئات قابلة معدة لأن تعقل المعقولات، ثم من بعد ذلك
الفاراب ١٠٨
تحصل لها المعقولات وتصيرحينتذ بالفعل. وليس في الأجسام السماوية من الأنفس: لا الحساسة ولا المتخيلة، بل إنما لها النفس التي تعقل فقط، وهي مجانسة في ذلكد بعض المجانسة للنفس لناطقة. والتي تعقلها الأنفس السماوية هي المعقولات بجواهرها، وتلك هي الجواهر المفارقة للمادة. وكل نفس منها تعقل الأول، وتعقل ذاتها، وتعقل من الثواني ذلك الذي اعطاها جوهرها. اما جل المعقولات التى يعقلها الإنسان من الأشياء التي هي في مواد، فليست تعقلها الأنفس السماوية لأنها أرفع رتبة بجواهرها عن ان تعقل المعقولات التي هي دونها. فالأول يعقل ذاته، وإن كانت ذاته -بوجه مل هي الموجودات كلها، لان سائر الموجودات إنما اقتبس كل واحد منها الوجود عن وجوده. والثواني فكل واحد منها يعقل ذاته «ويعقل الأول,(').
ولكننانجد في كتاب آراء اهل المدينة الفاضلة» تقسيما خاسيا لقوى النف، وهي:
١- القوة الغاذية، وهي التي بها يتغذى الانسان.
٢- القوى الحاسة.
٣ قوةالمتخيلة.
٤ وةالناطقة.
٥- القوة النزوعية.
وهذا التقسيم الخماسي هو الذي نجده عند أرسطو في كتاب «النف» (صفحة ٤٣٢ ا ٢٩- ٤٣٢ب ٤؛ ٤١٣ ب ١٣) حيث يقول إن الثفتتميزبقوى: التغذية الذاتية، الاحساس، التفكير (= النطق)، والحركة (أو النزوع [ص ٤١٣ ب ١٣]؛ ويقسمها إلى اجزاء هي: (١) الغاذية، وهي تنتسب إلى النبات وإلى كل أنواع الحيوان؛ (٢) الحساسة، ولا يمكن تصنيفها بسهولة إلى نطقية أو غير نطقية؛ (٣) المتخيلة، وهي في وجودها ختلفة عن سائرها؛ (٤) النزوعية [ص ٤٣٢أ ٢٩-٤٣٢ ب ٤].
وقد أحسن الفارابي حين سماها «بالقوى»، لا بالنفوس» كما سيفعل ابن سينا.
٢-لعقل
ويهمنا من هذه القوى القوة الناطقة، أي العقل. وقد
(١) الفاراب: ,البانق المدنية. ص ٣٢- ٣٤. بيروت، سة ١٩٦٤ . ونجدعذا التقيم الخماسي ايضاً في كتاب الفاراب: ٠فصول منتزعة، ص ٢٧، بيروت ة ١٩٧١
كرس له الفارابي رسالة خاصة ستحظى بعناية بالغة عند فلاسفة العصور الوسطى الأوربية(').
يبدأ الفارابي بحثه هذا ببيان معاني العقل. يقول: ااسم العقل يقال على اشياء كثيرة:
الأول: الشيء الذي به يقول الجمهور في الإنسان إنه عاقل.
الثافي: العقل الذي يردده المتكلمون على السنتهم، فيقولون: هذا مما يوجبه العقل، وينفيه العقل.
الثالث: العقل الذي يذكره ارسطوطالي في كتاب ٠الان.
الرابع: العقل الذي يذكره في المقالة السادسة من كتاب «الأخلاق».
الخامس: العقل الذي يذكره في كتاب ,النفس،.
السادس: العقل الذي يذكره في كتاب «ما بعد الطبيعة، -
١- أما العقل الذي يقول به الجمهور في الإنسان إنه عاقل، فإن مرجع ما يعنون به هوإلى التعقل. . . ويعنون بالعاقل من كان فاضلاً جيد الروية في استنباط ما ينبغي ان يؤثر من خير، أو يجتنب من شر.
٢- واما العقل الذي يردده المتكلمون على السنتهم، فيقولون في الشي: هذا عما يوجبه العقل أوينفيه العقل، أو يقبله العقل أو لا يقبله العقل فإنما يعنون به المشهور في بادي الرأي(٢) عند الجميع، فإن بادي الرأي المشترك عند الجميع أو الأكثر يسمونه : العقل.
٣- وأما العقل الذي يذكره ارسطوطالي في كتاب اايرهانا(٣) فإنه إنما يعفي به قوة النفس التي يها يحصل للانسان اليقين بالمقدمات الكلية الصادقة الضرورية، لا عن قياس أصلاً ،ولاعن فكر، ل بالفطرة والطبع، أو من صباه ومن حيث لا يشعر من أين حصلت وكيف حصلت. فإن هذه القوة جزء ما من النفس يحصل لها المعرفة الأولى، لا
(١) نشر الترجمة اللاننية اتين جيلون في جلةArchives Histoire d finale el .599 ،moyan âge, année 1929. PP. 122 e المج I¡، eraite مع مقدعة ممتازة. .(٢) باى الراي- Common sense, bon sens
(٣) راجع كتاب ٠التحليلات الثانية لارمطوه ١- البرهان) المقالة الثانية ء اسل ١٩ .
١٠٩ الفاراي
بفكر ولا بتأمل اصلا، واليقين بالمقدمات التي صنعتها الصفة التي ذكرناها؛ وتلك المقدمات هي مبادىء العلوم النظرية.
٤- وأما العقل الذي يذكره في المقالة السادسة من كتاب الأخلاق» فإنه يريد به جزء النفس الذي محنل اليقين بقضايا ومقدمات في الأمور الإرادية التي شأنها أن تؤثر او تجتنب.
٥- أما العقل الذي يذكره أرسطوطاليس في كتاب «النفس» فإنه جعله على أربعة أنحاء: عقل بالقوة، وعقل بالفعل، وعقل مستفاد، وعقل فعال».
فالعقل عند عامة الناس هو الروية، وعند المتكلمين : هو بادى الرأي أو الادراك العام، وعند ارسطو في كتاب «البرهان» هو: الادراك الطبيعي للمبادىء الأولية الضرورية، وعنده في كتاب «الأخلاق إلى نيقوماخوس» (المقالة السادسة) هو: الفطنة الأخلاقية التي تمكن الإنسان من تمييزلخيروالشر، وعند أرسطو في كتاب بالنفس» (المقالة الثالثة) يشتمل على اربعة أنواع: العقل بالقوة، العقل بالفعل، العقل المستفاد، العقل الفعال.
والعقل بالمعى الرباعي الأخيرهولمهم في نظرية العقل عند الفارابي، فلنفصل القول فيه:
العقل الإنساف ي «هيئة ما في مادة معدة لأن تقبل رسوم المعقولات: فهي بالقوة عقل وعقل هيولافي، وهي أيضاً بالقوة معقولة»(١). وهذا العقل الهيولافي يصير إلى عقل بالفعل إذا حصلت فيه المعقولات. . ويحتاج ذلك إلى شيء ينقله من القوة إلى الفعل. وهذا الشيء ذات ما جوهرها عقل ما بالفعل، ومفارق للمادة. وهذا العقل الفاعل «يعطى العقل الهيولاني، الذي هو بالقوة عقل، شيئاًمابمنزلة الضوء الذي تعطيه الثم البصر، لأن منزلته من العقل الهيولاني منزلة الشمس من البصر: فإن البصر هو قوة وهيئة ما في مادة، وهومن قبل ان يبصر: فيه بصربالقوة، والألوان من قبل أن تبصر مبصرة مرئية بالفوة. وليس في جوهر القوة الباصرة التي في العين كفاية في ان بصيربصراً بالفعل، ولا في جوهر الألوان كفاية في أن تصير مرئية مبصرة بالفعل فإن لشمس تعطي البصر ضوءاً يضاء به، وتعطي الألوان ضوءاً تضاء به، فيصير البصر- بالضوء الذي استفاده من الشمس-
(١) الفاراي : «اراء اهل المدينة الفاضلة ٠ ص ١٠١ . بيروت منة ١٩٧٣
مبصراً بالفعل وبصيرا بالفعل، وتصيرالألوان بذلك الضوع مبصرة مرئية بالفعل يعد أن كانت مبصرة مرئية بالقوة . كذلك هذا العقل الذي بالفعل يفيد العقل الهيولاني شيئاما، يرسمه فيه. فمنزلة ذلك الشيء من العقل الهيولافي منزلة الضوء من البصر. وكما أن البصر بالضوء نفسه يبصر الضوء الذي هو سبب إبصاره، ويبصر الشمس التي هي سبب الضوء به (= بالبص بعينه، ويبصر الأشياء الي هي بالقوة مبصرة فتصير مبصرة بالفعل، كذلك العقل الهيولانفي : فإنه بذلك الشيع الذيمنزلته منه منزلة الضوء من البصر- يعقل الشيء نفسه، وبه يعقل العقل الهيولاني العقل بالفعل الذي هوسبب ارتسام ذلك الشيء في العقل الهيولاني، وبه تصير الأشياء التى كانت معقولة بالقوة معقولة بالفعل، ويصيرهو ايضاً عقلا بالفعل بعد ان كان عقلا بالقوة. وفعل هذا العقل المفارق في العقل الهيولاني شبيه بفعل الشمس في البصر، فلذلك سمي العقل الفعال. ومرتبته من الأشيام المفارقة- التي ذكرت، من دون السبب الأولد المرتبة العاشرة. ويسمى العقل الهيولافي العقل المنفعل»(١).
وإذن فالعقل الذي بالقوة هو العقل الهيولافي، وهو العقل المنفعل. ويصير عقلا بالفعل إذا ارتسمت فيه صور المعقولات، ويتم ذلك بواسطة العقل الفعال. والعقل بالفعل مق عقل المعقولات بواسطة العقل الفعال صار عقلا ستفاد «فالعقل امنفعل يكون شبه المادة والموضوع للعقل المستفاد، والعقل اكفاد شبه المادة والموضوع للعقل الفعال. فحينئذ يفيض من العقل الفتال على العقل المفعل القوة التي بها يمكن أن يوقف على تحديد الأشياء والأفعال وتسديدها نحو |لسادة،(٢>.
وهكذا نجد ترتيباً في العقول يتصاعد من أدناها وهو العقل بالقوة، وفوقه يوجد العقل بالفعل، وفوقه العقل المستفاد، وفوقه العقل الفعال.
٣- العقل الفعال
ولا يتضح بجلاء من كلام الفاراي في كل رسائله مكانة هذا العقل الفعال: فهو احياناً يتحدث عنه كما لوكان مجرد جزء هو الأعلى- من اجزاء العقل، أو لحظة من لحظاته،
(١)ال تابنغهص١٠٢-٣ ١.
(٢) الغاراه: السياسة الدنية» ص ٤٧٩ بيروت سنة ١٩٦٤ .
١١٠
الم
الغا,
ويندرج ضمن النطاق الإنسافي؛ وفي احيان اخرى كثيرة يندفع في تمجيده بحيث يجعله في مرتبة اعلى من الإنسان وأقل من مرتبة العقول السماوية.
فهو يقول في موضع: «العقل الفعال فعله العناية بالحيوان الناطق والتماس تبليغه أقصى مراتب الكمال الذي للإنسان أن يبلغه وهو: السعادة القصوى، وذلك أن يصير الإنسان في مرتبة العقل الفعال وإنما يكون ذلك بأن يحصل مفارقاً للأجسام، غيرمحتاج في قوامم إلى شيء آخرمما هودونه من جسم أو مادة أو عرض، وأن يقي على ذلك الكمال دائما. والعقل الفعال ذاته واحدة ايضاً، ولكن رتبته تحوز ايضاً ما تخلص من الحيوان الناطق وفاز بالسعادة. والعقل الفعال هو الذي ينبغي أن يقال إنه الروح الأمين وروح القدس، ويسمى بأشباه هذين من الأسماء، ورتبته تسمى املكوت وأشباه ذلك من الأسماء »(١).
وفي موضع آخر يقرنه بالعقول الثواني العشرة، فيقول: ثم من بعد الأول يوجد الثواني والعقل الفعال» (الكتاب نفسه ص٥٢ س٥).
كذلك نجده في «آراء اهل المدينة الفاضلة» يصفه بأنه امغارق، (ص ١٠٣ س٥ ، بيروت سنة ١٩٧٣ ) .
ويؤكد هذا على نحواكثر تفصيلاً في رسالته ي «معاني العقل»، فيقول: «وأما العقل الفعال الذي ذكره أرسطوطاليس في المقالة الثالثة من كتاب «النفس» فهو صورة مفارقة لم تكن في مادة، ولا تكون اصلاً. وهوبنوع مل عقل بالفعل، قريب الشبه من العقل المستفاد. وهو الذي جعل تلك الذات، التي كانت عقلا بالقوة، عقلا بالفعل؛ وجعل المعقولات، التي كانت معقولات بالقوة، معقولات بالفعل. ونسبة العقل الفعال إلى العقل الذي بالقوة كنسبة الشمس إلى العين التي هي بصر بالقوة، ما دامت في الظلمة. . . وكما ان الشمس هي التي تجعل العين بصيرة بالفعل، والمبصرات مبصرات بالفعل، بما تعطيها من الضياء، كذلك العقل الفئال هو الذي جعل العقل الذي بالقوة عقلا بالفعل بما اعطاه من ذلك المبداً، وبذلك بعينه صارت المعقولات معقولات بالفعل»(٢) .
واشارة الفارابي هنا إلى أرسطو في المقالة الثالثة من كتاب «النفس» تحتاج إلى مزيد تدقيق، ليس ها هنا موضعه، فنحيل القارىء إلى ما كتبناه في هذا الموضوع في تصدير تحقيقنا للترجمة العربية القديمة لكتاب «في النفس» لأرسطو(١).
ح- السياسة
علم السياسة
كان الفاراى أشد الفلاسفة المسلمين عناية بالسياسة، رغم انه لم يشارك فيها عملياً أدن مشاركة.
وهو يسمي السياسة ب-«العلم المدني» وهو الترجمة الحرفية للكلمة ليونانية لماءجط)70 المأخوذة من كلمة ؟لآاً،د٢0اً أي ساكن المدينة، مدفي، وهي بدورها من كلمة ؟0٨ (= مدينة)، وكلمة لماًءحل70 تعني في اليونانية: (١) صفة وحقوق المواطن في المدينة؛ (٢) حياة المراطن في المدينة؛ (٣) مجموع المواطنين في المدينة؛ (٤) دستور الدولة، شكل الحكومة، النظام السياسي بوجه عام.
وقد عرف علم السياسة او العلم المدني بأنه العلم الذي «يفحص عن أصناف الأفعال والسنن الإرادية، وعن الملكات والأخلاق والسجايا والشيم التي عنها تكون تلك الأفعال والسنن؛ وعن الغايات التي لأجلها تفعل؛ وكيف ينبغي ان تكون موجودة في الإنسان؛ وكيف الوجه في ترتيبها فيه على النحو الذي ينبغي أن يكون وجودها فيه؛ والرجه في حفظها عليه. ويميز بين الغايات التي لأجلها تفعل الأفعال وتستعمل السنن. ويبين أن منها ما هي في الحقيقة سعادة، وأن منها ما هي مظنون أنها سعادة من غيران تكون كذلك؛ وأن التي هي في الحقيقة سعادة لا يمكن ان تكون في هذه الحياة، بل في حياة اخرى بعد هذه الحياة، وهي الحياة الآخرة؛-والمظنون به سعادة مثل الثروة والكرامة واللذات، إذا جعلت هى الغايات فقط في هذه الحياة. ويميز الأفعال والسنن، ويبين ان التي ينال يها ما هوفي الحقيقة سعادة من الخيرات والجميلة(٢) والفضائل، وأن ما سواها هو الشرور والقبائح والنقائص؛ وأن وجه وجودها في الإنسان ان تكون الأفعال والسنن الفاضلة موزعة في المدن والأمم على ترتيب
(٣) الغارس: السياسة المدية: ص ٣٢.
(٢) الناراب ٠في معان العقل،، ننر؛ ويتريصى م ٤٦- ٤٧ .
(١) ارسطوطاليس: «في اكفى:. . . . حققه رقدم له عبد الرحن بسري، القاهرة سنة
(٢ايوالا٠رر الجبة.
١١١ الفارابي
ومستعملة استعمالآ مشتركاً ويبين أن تلك ليست تتأق إلا برياسة يمكن معها تلك الأفعال والسنن والشيم والكلمات والأخلاق في المدن والأمم؛ ويجتهد في أن نحفظهاعليهم حتى لا تزول؛ وأن تلك الرياسة لا تتأتى إلا بمهنة وملكة تكون عنها افعال التمكين فيهم وافعال حفظ ما مكن فيهم عليهم. وتلك المهنة هي الملكية والملك، اوما شاء الإنسان أن يسميها.
والسياسة هي فعل هذه المهنة. وأن الرياسة ضربان:
١-رياسة تمكن الأفعال والسنن والملكات الإرادية التي شأنها أن ينال بها ما هو في الحقيقة سعادة، وهي الرياسة الفاضلة. والمدن والأمم المنقادة لهذه الرياسة هي المدن والأمم ال ضلة
٢- ورياسة تمكن في المدن الأفعال والشيم التي تنال بها ما هي مظنونة أغها سعادات، من غيرأن تكون كذلك، وهي الرياسة الجاهلية.
وتنقسم هذه الرياسة أقساماً كثيرة، ويسمى كل واحي منها بالغرض الذي يقصده ويؤمه، ويكون على عدد الأشياء التي هي الغايات والأغراض التي تلتمس هذه الرياسة : فإن كانت تلتمس اليسار، سميت رياسة الخسة، وإن كانت الكرامة، سميت رياسة الكرامة؛ وإن كانت بغير هاتين سميت باسم غايتها تلك.
وتبين أن المهنة الملكية الفاضلة تلتثم بقوتين : احداهما القوة على القوانين الكلية، والأخرى القوة الي يستفيدها الإنسان بطول مزاولة الأعمال المدنية، وبمزاولة الأفعال -في الأخلاق والأشخاص في لمدن التجريبية(١)، والحنكة فيها بالتجربة وطول المشاهدة، على مثال ما عليه الطب: فإن الطبيب إنما يصير معالجاً كاملا بقوتين: إحداهما القوة على الكليات والقوانين التي استفادها من كتب الطب؛ والأخرى القوة التي تحصل له بطول المزاولة لأعمال الطب في المرضى، والحنكة فيها بطول التجربة والمشاهدة لابدان الأشخاص وبهذه القوة يمكن الطبيب أن يقدر الأدويةوالعلاج بحسب بدن بدن في حال حال - كذلك المهنة الملكية إنما يمكنها أن تقدر الأفعال بحسب عارض عارض وحال حال في وقت وقت بهذه القوة وهذه التجربة.
والفلسفة المدنية تعطي- فيما تفحص عنه من لأفعال
(١) رصعا اللأفعال,.
والسنن والملكات الإرادية وسائر ما تفحص عنه القوانين الكلية؛ وتعطي الرسوم في تقديرها بحسب حال حال ووقت ووقت، كيف، وباي شيء، وبكم شيء تقدر، ثم تتركها غير مقدرة، لأن التقدير بالفعل لقوة اخرى غيرهذا الفعل، وسبيلها ان تنضاف إليه. ومع ذلك فإن الأحوال والعوارض، التي بحسبها يكون التقدير، غير محدودة ولا يحاط بها.
وهذا العلم جزءان :
١- جزء يشتمل على تعريف السعادة، وتمييز ما بين الحقيقية منها والمظنون به، وعلى إحصاء الأفعال والسير والأخلاق والشيم الإرادية الكلية التي شأنها أن توزع في لمدن والأمم، وتميز الفاضل منها منغير الفاضل.
٢- وجزء يشمل، على وجه الترتيب، الشيم والسير الفاضلة في المدن والأمم، وعلى تعريف الأفعال الملكية التي جها تمكن السير والأفعال الفاضلة، ويرتب في أهل المدن الأفعال(') التي بها يحفظ عليهم ما رتب ومكن فيهم. ثم يحصي اصناف المهن الملكية غير الفاضلة كمهي وما كل واحدة منها، ويحصى الأفعال التي يفعلها كل واحد منها، وأي سنن وملكات يلتمس كل واحد منها ان يمكن في المدن والأمم الى تكون تحت رياستها، وهذه في كتاب «بولبطيقى» وهو كتاب السياسة لأرسطوطاليس، وهو أيضاً في كتاب ,السياسة، لأفلاطون وفي كتب لأفلاطونغيره(٢). ويبين أن تلك الأفعال والسير والملكات هي كلها كالأمراض للمدن الفاضلة.
أما الأفعال التي تخص المهن الملكية منها وسيرتها: فأمراض المهنة الملكية الفاضلة. وأما السيروالملكات التي تخص مدغها فهي كالأمراض للمدن الفاضلة(٣).
ثم يحصيكم الأسباب والجهات التي من قبلها ا يؤمن أن تستحيل الرياسات الفاضلة وسنن المدن الفاضلة إلى السنن والملكات الجاهلية. ويحصي معها اصناف الأفعال القي بها تضبط المدن والرياسات الفاضلة لئلا تفسد وتستحيل إلى غير الفاضلة. ويحصى أيضاً وجوه التدابير والحيل والأشياء التي سبيلها ان تستعمل إذا استحالت إلى الجاهلية، حق ترد إلى ما كانت عليه.
(١) في المطبوع: راالأفعالا_ رهرخطا لايستقيم معه الفهم
(٢) في المطبوع: ,.غبر..- رهوخطا ا يتقيم معه الفهم.
(٣) يبدر في النص المطبوع ها نريف رتكرار رنقل من موضع الى آخر.
الفاراب ١١٢
ثم يبين بكم شيء تلتتم المهنة الملكية الفاضلة، وان منها العلوم اكظرية والعملية، وأن تنضاف إليها القوة الحاصلة عن التجربة الكائنة بطول مزاولة الأفعال في المدن والأمم، وهى القدرة على جودة استنباط الشرائط التى تقدر بها الأفعال والير والملكات، بحسبجمع جمع ، اومدينة مدينة، او أمة امة، وبحسب حال حال، وعارض عارض.
ويبين ان المدينة الفاضلة إنما تدوم فاضلة ولا تستحيل متى كان ملوكها يتوالون في الأزمان على شرائط واحدة بأعيانها، حتى يكون الثافي الذي يخلف المتقدم، على الأحوال والشرائط الي كان عليها المتقدم، وأن يكون تواليهم من غير انقطاع ولا انغصال. ويعرف كيف ينبغي ان يعمل حتى لا يدخل توالي الملوك انقطاع.
ويبين أي الشرائط والأحوال الطبيعية ينبغي ان تنعقد في اولاد الملوك وفي غيرهم، حتى يؤهل بها من توجد فيه للملك بعد الذي هو اليوم ملك. ويبين كيف ينبغي ان ينشا من وجدت فيه تلك الشرائط الطبيعية، وبماذا ينبغى ان يؤدب حى تحصل له المهنة الملكية ويصير ملكاً تاماً.
ويبين مع ذلكب ان الذين رياستهم جاهلية لا ينبغي ان يكونو ملوكا اصلا، وانم لا يحتاجون في شيء من أحوالهم وأعمالهم وتدابيرهم إلى الفلسفة: لا النظرية، ولا العملية. بل يمكن كل واحد منهم ان يصير إلى غرضه، في المدينة والأمة التي تحت رياسته، بالقوة التجريبية التي تحصل له بمزاولة جنس الأفعال التي ينال بها مقصوده، ويصل إلى غرضه من الخيرات، مى اتفقت له قوة قريحية جبلية جيدة لاستنباط ما يحتاج إليه في الأفعال التي ينال بها الخير الذي هو مقصوده: من لذة أوكرامة أوغيرذلك، ويضاف إلى ذلك جودة الإئتساء بمن تقدم من الملوك الذينكان مقصدهم مقصده،(').
ومن هذا النص الطويل تبين ما يلي:
١- أن الفارابي يخلط بين الأخلاق والسياسة، ولا يميز البحث في أحد العلمين عن البحث في العلم الآخر، ولا موضوعات كلا العلمين، ولا الغاية منهما.
وهذه الظرة هي نفس نظرة افلاطون وأرسطو، إذ
(١) الفاراب: «احماء العلوم، ص ١٠٢-١٠٧،ط٠٢ القاهر: سنة ١٩٤٩. وقد صححنا ما رايا وجوب تصحيحه في نع هذ. النثر:
يرى كلاهما أن غاية السياسة المدنية هي السعي إلى توفير الكمال الأخلاقي لأبناء المدينة بمعونة القوانين والتربية، وان على الدولة أن تعمل على تمكين الفضائل الأخلاقية في نفوس المواطنين. ذلك ان الغاية من المدينة (= الدولة) هي السعادة، تماماً مثلما هي غاية الفرد.
٢ - أنه يجعل موضوع علم السياسة ( العلم المدني ) هو نفسه ذلك الذي وضعه أرسطو. فإن أرسطو في المقالة الرابعة ( الفصل الأول ص ١٢٨٨ب ٢١ - ١٢٨٩ أه٢). يقرران علم السياسة يجب عليه ان يدرس : (أ) المدينة المثلى ؛ (ب) المدن التي يمكن ان تكون افضل ما يمكن تحقيقه في ظروف مسينة ، (ج) والمدن الجاهلة اي الشريرة بطبعها .
٢
الحاجة إلى الاجتماع الإنساني
وما يدعو الناس إلى الاجتماع في مجتمع هو احتياجهم بعضهم إلى بعض . وذلك انكل واحد من الناس مفطور على انه يحتاج ، في قوامه وفي ان يبلغ افضل كمالاته،إلىاشياء كثيرة لا يمكنه ان يقوم بها كلها وحده، بل يحتاج الى قوم يقوم له كل واحي منهم بشيء مما يحتاج إليه. وكل واحد من كل واحد بهذه الحال . فلذلك لا يمكن أن يكون الإنسان ينال الكمال - الذي لأجله جعلت الفطرة الطبيعية - إلآ باجتماع جماعة كثيرة متعاونين يقوم كل واحي لكل واحي ببعض ما يجتاج إليه في قوامه ، فيجتمع ، ما يكون بم جملة الجماعة لكل واحد ، جميع ما يحتاج إليه في قوامه وفي ان يبلغ الكمال . ولهذا كثرت أشخاص الإنسان ، فحصلوا في المعمورة من الأرض ، فحدثت منهاالاجتماعات الإنسانية .
فمنها الكاملة، ومنها غير الكاملة. والكاملة ثلاث : عظمى، ووسطى، وصغرى فالعظمى: اجتماعات الجماعات كلها في المعمورة ، والوسطى اجتماع أمة في جزء من المعمورة ؛ والصغرى اجتماع اهل مدينة في جزء من مسكن أمة .
وغير الكاملة : اجتماع اهل القرية ، واجتماع اهل المحلة ، ثم اجتماع في سكة ، ثم اجتماع في منزل . واصغرها : المنزل . والمحلة والقرية هما جميعاً لاهل المدينة ؛ إلآ ان القرية للمدينة على انها خادمة للمدينة ؛ والمحلة للمدينة على انها جزؤها. والسكة جزء المحلة؛ والمنزلجزء السكة ؛ والمدينة جزء مسكن امة ، والأمة جزء جملة أهل
١١٣ الفاراي
المعمورة»(').
والفارابي يأخذ بما أخذ به اليونانيون عامة وأكده أرسطو ( « الياسة»ص ١٢٧٢ أس٥ ) من أن المدينة هي أفضل هذه المجتمعات ، رغم ان هذا إن انطبق على بلاد اليونان فإنه لم يكن ينطبق على العالم الاسلامي الذي كان يعيش فيه ولا على الشرق بعامة ، حيث لم توجد الدولة - المدينة، بل الدولة- الأمة او الدولة الملة. يقول الفاراي إن « الخير الأفضل والكمال الأقصى إنما ينال اولاً بالمدينة، لا باجتماع هو أنقص منها . ولما كان شأن الخير في الحقيقة أن يكون ينال بالاختيار والإرادة ، وكذلك الشرور إنما تكون بالإرادة والاختيار ، أمكن أن تجعل المدينة للتعاون على بلوغ بعض الغايات التي هي شرور ؛ فلذلككل مدينة يمكن أن ينال بها السعادة . فالمدينة التي يقصد بالاجتماع فيها التعاون على الأشياء التي تنال بها السعادة في الحقيقة هي المدينة الفاضلة . والاجتماع الذي به يتعاون على نيل السعادة هو الاجتماع الفاضل» ( الكتاب نفسه ص ١١٨ ).
لكنه مع ذلك يتجاوز نطاق المدينة فيتحدث عن الأمة ويقول : « والأمة التي تتعاون مدنها كلها على ما تنال به السعادة هي الأمة الفاضلة» ثم يتجاوز الأمة الواحدة إلى الجماعة الإنسانية العالمية كلها فيقول مباشرة: ٠ وكذلك المعمورة الفاضلة انما تكون إذا كانت الأمم التي فيها تتعاون على بلوغ السعادة» ( الكتاب نفسه ص١١٨ ) .
وهكذا تجاوز الفارابي نظرة أرسطو المحدودة بالمدينة اليونانية ، بل تجاوز النظرة القومية المحدودة بالأمة ، واستشرف ببصره إلى الإنسانية كلهابوصفها مجتمعاً واحداً تتعاون أمه على بلوغ السعادة .
والفارابي في هذه النظرة إلى العالمية والدولة-العالمربما يكون قد تأثر بآراء الرواقيين ونحن نعلم ان الفلسفة الرواقية تنظر إلى الكون كله على أنه وحدة واحدة يسودها العقل ؛ وما الاعتقاد الرواقي في العالم - الدولة او الدولة - العالم إلآ المظهر السياسي لهذه النظرة الفلسفية في الكون . وعند الرواقية ٠ أن الكون بأسره جوهر واحد ، طبيعة واحدة». والكون كله مجتمع كوفي واحد، ودولة واحدة . ويقول فلوطرخس عن زينون الرواقي (٣٣٥ - ٢٦٣ ق. م ) إن زينون كان يقرر أنه
٠ ينبغي علينا الا نعيش في مدن وأقاليم ( او أمم )، يتميز بعضها عن بعض بقواعد خاصة للعدالة ، بل يجب ان نعتبر كل الناس ابناء أمة واحدة وأبناء مدينة واحدة ، وييب أن تكون هناك حياة واحدة ونظام ؟KOOMO واحد كأنهم جميعاً قطيع واحد يرعى في مرعى مشترك ؟00 >(')- وقد عمل زينون وخلفاؤه الرواقيون على تحطيم فكرة ٠ المدينة » وصاروا دعاة لفكرة أن العالم يجب أن يكون دولة واحدة .
ولكن من المؤسف أن الفاراي لم يتوسع في فكرة الدولة العالم هذه ولم يشر إليها الاً في ذين السطرين اللذين اوردناهما عن , آراء اهل المدينة الفاضلة».
٣
المدينة الفاضلة
ويتحدث الفارابي عن المدينة الفاضلة ، لا عن المدينة المثلى أو اليوتوبيا utopia
وعنده أن ٠ المدينة الفاضلة تشبه البدن التام الصحيح ، الذي تتعاون أعضاؤه كلها على تتميم حياة الحيوان ، وعلى حفظها عليه . وكما أن البدن أعضاؤه مختلفة متفاضلة الفطرة والقوى ، وفيها عضو واحد رئيس وهو القلب، وأعفاؤه تقرب مراتبها من ذلك الرئيس ، وكل واحب منها جعلت فيه بالطبع قوة يفعل بها فعله ، ابتغاء لما هو بالطبع غرض ذلك العضوالرئيس ، واعضاء اخر فيها قوى تفعل أفعالها على حسب أغراض هذه التي ليس بينها وبين الرئيس واسطة - وهذه في المرتبة الثانية-، وأعضاء أخر تفعل الأفعال على حسب غرض هؤلاء الذين في هذه المرتبة الثانية ، ثم هكذا إلى أن ينتهي إلى اعضاء تخدم ولا ترئس اصلا . وكذلك المدينة : اجزاؤها مختلفة الفطرة ، متفاضلة الهينات . وفيها إنسان هو رئيس ، وأخر تقرب مراتبها من الرئيس . وفي كل واحد منها هيئة وملكة يفعل بها فعلا يقتضي به ما هو مقصود ذلك الرئيس . وهؤلاء هم أولو المراتب الأولى. ودون هؤلاء قوم يفعلون الأفعال على حسب أغراض هؤلاء . ثم هكذا تترتب اجزاء المدينة ، إلى أن تنتهي إلى أخر يفعلون إفعالهم علي حسب اغراضهم ، فيكون هؤلاء هم الذين يخدمون ولا يفدمون ، ويكونون في أدن المراتب ، ويكونون هم ا لأسفلين .
(١) الفاراي: ٠اراء اهل المدينة الفاضلة، ص ١١٧- ١١٨-
(١) 6. .Fort *عله ع4 :Plutareh وكلمة400/406معاها النظام،والكون،وكلمة
تدل على ,القانون,، ي تدل عل المرعى.
الفاراب ١١٤
غيرأن اعضاء البدن طبيعية، والهيئات التي لها « هي، قوى طبيعية . وأجزاء المدينة ، وإن كانوا طبيعيين ، فإن الهيثات والملكات التي يفعلون بها افعالهم للمدينة ليست طبيعية ، بل إرادية على ان اجزاء المدينة مفطورون بالطبع بفطرمتفاضلة يصلح لها إنسان بشيء دون شيء . غيراهم ليسوا أجزاء المدينة بالفطر التي لهم وحدها ، بل بالملكات الإرادية التي تحصل لها ، وهي الصناعات وماشاكلها . والقوى التي هي اعضاء البدن بالطبع فإن نظانرها في اجزاء المدينة ملكات وهيئات إرادية )('>.
وتشبيه المدينة بالبدن نجد نظيراً له عند ارسطو ، حين يشبه اجزاء المدينة بأجزاء الحيران (٢)، بيد ان الفارابي توسع في المقارنة والتشبيه أكثر مما فعل ارسطو .
ريي المديتة ( ريي الدولة >
ورئيس المدينة هوأكمل اجزاء المدينة فيما يخصه ، وله أفضل ما يشاركه فيه غيره من اعضاء المدينة ، شأنه شأن العضو الرئيس في البدن - وهو القلب - إذ هو بالطبع اكمل الأعضا،وأتمها.
ورثيس المدينة هو « السبب في ان تحصل المدينة وأجزاؤها، والسبب في ان تحصل الملكات الإرادية التي لأجزائها وفي أن تترتب مراتبها ؛ وإن اختل منها جزء كان هو المرفد له بمايزيل عنه اختلاله(٢)».
كذلك يقول الفارابي عن رئيس المدينة إن نسبته إلى سائر أجزاء المدينة كنسبة السبب الأول ( = الله ) إلى سائر الموجودات . ولهذا ينبغي على اجزاء المدينة الفاضلة ان تحتذي بأفعالها حذو مقصد رئيسها الأول .
ويمضي إلى بيان صفات رئيس المدينة الفاضلة فيقول إن , رئيس المدينة الفاضلة ليس يمكن ان يكون اي إنسان اتفق ، لأن الرئاسة إنما تكون بشيتين : أحدهما ان يكون بالفطرة والطبع معداً لها ، والثافي : بالهيئة والملكة الإرادية ٠<٤> . يعني انه ينبغي ان يتوافر فيه شرطان : ان
يكون لديه استعداد فطري للرياسة؛ وأن تتكون لديه الملكة الإرادية لتولي اعمال الرياسة.
ويرى الفارابي ان رئيس المدينة الفاضلة « ينبغي ان تكون صناعته صناعة لا يمكن أن يخدم بها اصلا ، ولا يمكن فيها أن ترئسها صناعة أخرى اصلا ، بل تكون صناعته صناعة : نحو غرضها تؤم الصناعات كلها ، وإياها يقصد بجميع افعال المدينة الفاضلة . ويكون ذلك الإنسان إنسانا لا يكون يرئسه إنسان اصلا ، وإنما يكون ذلك الإنسان إنسانا قد استكمل فصار عقلاً ومعقولاً الفعل،('). وهنا يخرج الفارابي عن وصف الرئيس الإنسان، إلى وصف الرئيس الذي هو فوق الإنسان ، او يكون إنساناً يوحي إليه اله بتوسط العقل الفعال ، « ويكون بما يفيض منه إلى عقله المنفعل حكيماً فيلسوفاً ومتعقلاً على التمام ، وبما يفيض منه إلى قوته المتخيلة نبياً منذراً بما سيكون وخبراً بما هو الآي من الجزئيات .. .. وهذا الإنسان هو في أكمل مراتب الانسانية ، وفي اعلى درجات السعادة ، وتكون نفسه كاملة متحدة بالعقل الفعال . . . وهذا الإنسان هو الذي يقف على كل فعل يمكن ان يبلغ به السعادة . فهذا اول شرائط الرئيس»(٢).
وبهذه الصفات يصف الفاراي رئيساً مثالياً للمدينة الفاضلة ، بل للأمة الفاضلة ، ل * للمعمورة من الأرض كلها.
عصال ريي الدية الناضة
وهذه حال لا تكون ٠ إلا لمو¿ اجتمعت فيهبالطبع اثنتا عشرة خصلة قد فطر عليها .
احدها: ان يكون تام الأعضا* ، قواها مؤاتية اعضاءها على الأعمال التي شانها ان تكون يها ؛ ومق هم عضو(٣) من اعضائه بعمل يكون له اق عليه بسهولة ( )
<٢>ثمان يكون بالطبع جيد الفهم والتصورلكل ما يقال له ، فيلقاه بفهمه على ما يقصده القائل ، وعلى
(١) الفاراي. ,آرا، اما المدبنة الفاضلة، ص١١٨-١١٩ . بيروت حف ١٩٧٣ .
(٢) أرسطو: «الياسة ص ١٢٩٠ب ه٢- ٣٩.
(٣) الغارس: اراء اهل المدية الفاضلة: ص ١٢٠.
(٤)الكتا غهص١٢٢
(١)لكابنغهص١.
(٢)الكتاب نغه ص ١٢٥- ١٢٦ .
(٣)لكابنفهص١٦.
(٤). .هكذا ينبغينمحيح النم الواردب المخطرطات.
الفاراب
حسب الأمر في نفسه .
د٣> ثم أن يكون جيد الحفظ لما يفهمه ولما يراه ولما يسمعه ولما يدركه ، وفي الجملة : لا يكاد ينساه .
<٤> ثم ان يكون جيد الفكة، ذكياً ، إذا رأى الشيء بأدف دليل فطن له على الجهة التي دل عليها الدليل.
ده> ثم أن يكون حسن العبارة ، يؤاتيه لسانه على إبانة كل ما يضمره إبانة تامة .
<٦> ثم ان يكون عباً للتعليم والاستفادة، منقاداً له ، سهل القبول ، لا يؤلمم تعب التعلم ، ولا يؤذيم الكن الذي يناله منه .
ح٧> ثم ان يكون غير شره علي المأكول والمشروب والمنكوح ، متجنباً بالطبع للعب ، مبغضاً للذات الكائنة عن هنه .
ح٨> ثم ان يكون عباً للصدق وأهله ، مبغضاً للكذب وأهله .
<٩> ثم أن يكونكبيرلنفس؛ محباً للكرامة : تكبر نفسه بالطبع عن كل ما يشين. من الأمور ، وتسمو نفسه بالطبع إلى الأرفع منها.
<١٠ > ثم ان يكون الدرهم والدينار وسائر اعراض الدنيا هينة عنده .
ح ١ ١ > ثم ان يكون بالطبع محباً للعدل واهله ، ومبغضاً للجور والظلم واهلهما، يعطي النصف من اهله ومن غيره ويحث عليه؛ويؤي منحل به الجور مؤ اتياً لكل ما يراه حسناً وجميلاً ؛ ثم ان يكون عدلاً غير صعب القياد ، ولا جموحاً ولا لجوجاً إذا دعي الى العدل ، بل صعب القياد إذ دعي إلى الجور وإلى القبيح •
د١٢> ثم ان يكون قوي العزيمة على الشيء الذي يرى انه ينبغي ان يفعل ، جسوراً عليه ، مقداماً غير خائف ولا ضعيف النف »(١).
ويكرر الفاراب ذكر هذه الخصال في كتابه « تحصيل السعادة ا(٢> ، ويذكر ان هذه هي الشروط التي ذكرها
(١) الس: «اراء اهل المدينة الغاغلة، م١٢٧- ١٢٩.
(٢) الفاراب: «تحميل العادة، م ٤٤-•٤٤ جيدراباد، سنة ١٣٤٥ه.
افلاطون في كتاب , السياسة. والواقع ان الفارابي ينقل ها هنا عن كتاب ٠ السياسة» لأفلاطون (م ص٦ ٤٨٤اس ٤٨٧أ)، حين يتحدث سقراط عن الحاكم الفيلسوف أو الفيلسوف الحاكم وما ينبغي أن يتوافر فيه من صفات؛ وهي ي نظر سقراط - أفلاطون :
١ - ان يكون حريصاً على تذوق كل العلوم ومهتماً بالدراسة ، وشديد الاستطلاع ؛
٢ - ان يتعلق في كل شيء بالجوهر والماهية؛
٣ - أن يكون محباً للصدق ، ولا يقر ابداً بالكذب ؛
٤ - أن يكون معتدل المزاج ، غير شره مطلقاً ؛ وغير متعطش للثروات ؛
٥- أن لا يطلب إلأ لذة النفس وحدها ، مطرحاً لذات البدن ؛
٦- أن يكون كبير النف ، مترفعاً عن الصفاثر ؛
٧-أن يكون شجاعاً لا يخاف الموت؛
٨ - أن يكون جيد الحفظ لما يتعلمه ، ذا ذاكرة قوية .
٩- ان يسهل عليه فهم ما يتعلمه؛
٠ ١- أن يكون طعه ذا ذوق وأناقة واتزان؛
١١-أن يكون عباً للعدالة؛
٢ ١- أن يكون ذا فطنة، أي حكمة عملية.
وواضح تماماً من بيان صفات الفيلسوف الحاكم عند أفلاطون كما عرضها فيكتاب«السياسة» أن الفارابي في كتابيه ,تحصيل السعادة» و«اراء أهل المدينة الفاضلة» إغما نقل ما ذكره أفلاطون دون أن يضيق إليه شيئاً ذا بال، كما اعترف هو نفسه في كتاب «تحصيل السعادة» .
ويعترف الفارابي بأن من العسر اجتماع هذه الخصال الثنتيعثرة في إنسان واحد، وإنما وجد في «الواحد بعد اواحد، والأقل من الناس» («آراء أهل المدينة الفاضلة» ص١٢٩ س٤). ولهذا يرى أن يكتفى في الرثيس الذي من المرتبة الثانية- بالشرائط التالية الست:
,أحدها: أن يكون حكيما.
والثاني : ان يكون عالماً حافظاً للشرائع والسنن والسير
الفارابي ١١٦
التي دبرها الاولون للمدينة، محتذياً بأفعاله كلها حذو تلك بتمامها.
والثالث : أن تكون له جودة استنباط فيما لا يجفظ عن السلف فيه شريعة، ويكون فيما يستنبط من ذلك محتذياً حذو الأئمة الأولين.
والرابع : ان يكون له جودة روية وقوة استنباط لما سبيله ان يعرف في وقت من الأوقات الحاضرة من الأمور والحوادث التي تحدث، ما ليس سبيلها ان يسير فيه الأولون، ويكون متحريا فيما يستنبطه من ذلك صلاح المدينة .
والخامس : ان يكون له جودة إرشاد بالقول إلى شرائع الأولين، وإلى التي استنبط بعدهم من احتذى فيه حذوهم.
والسادس : أن يكون له جودة تأت ببدنه في مباشرة إعمال الحرب، وذلك أن تكون معه الصناعة الحربية الخادمة والرثيسة»(١).
الصفة الأولى اهم هذه الصفات، حتى إنه «إذا لم يوجد انسان واحد اجتمعت فيه هذه الثرائط، ولكن وجد اثنان: أحدهما حكيم، والثاني فيه الثرائط الباقية، كانا هما رئيسين في هذه المدينة. فإذا تفرقت هذه (أي : الشرائط) في جماعة، وكانت الحكمة في واحد، و(الثرط) الثاني في واحد، و(الثرط) الثالث في واحد، و(الثرط) الرابع في واحد، و(الثرط) الخامس في واحد و(الثرط) السادس في واحد، وكانوا متلائمين كانوا هم الرؤساء الأفاضل فمتى اتفق في وقت ما أن لم تكن الحكمة جزء الرياسة وكانت فيها ساثر الثرائط، بقيت المدينة الفاضلة بلا ملك، وكان الرئيس القائم بأمر هذه المدينة ليس بملك، وكانت المدينة تعرض للهلاك. فإن لم يتفق أن يوجد حكيم تضاف الحكمة إليه، لم تلبث المدينة بعد مدة أن تهلك، (٢)
إذن الحكمة هى الثرط الذي لا غنى عنه لوجود رئيس في المدينة الفاضلة . وهذا ايضاً متأثر بما ذهب إليه افلاطون في كتاب «السياسة» . ويتأيد هذا من ناحية اخرى بما قاله الفارابي في تلخيصه لمحاورة «السياسة» فقال إن أفلاطون يرى أن المدينة الفاضلة يلزم من فيها -إن كان مزمعاً أن يوجد فيها
(١) الفاراب: «اراه اهل المدبنة الماضلة، ص ١٢٩- ١٣٠
(٢) الكتاب نفه ص ١٣٠ .
جميع ما تنال به السعادق أن تكون المهنة الملكية التي فيها هي الفلسفة على الإطلاق، وان الفلاسفة يكونون اعظم اجزائها، نم يليهم سائر أهل المراتب,(').
ومن هذا كله يتبين ان الفارابي في نظرياته السياسية إنما اعتمد على أفلاطون. ولهذا نراه يلخص محاورة «النواميس» لأفلاطون تلخيصاً وافياً في رسالته التي بعنوان تلخيص نواميس افلاطون، والتي قمنا بنشرها (في كتاب : أفلاطون في الإسلام» ص ٣٤- ٨٣؛ طهران، سنة ١٩٧٤).
دادان الديج الفاخذ
ويضاد المدينة الفاضلة :
١- المدينة الجاهلة (أو الجاهلية)
٢- المدينة الفاسقة
٣- المدينة البذلة
٤- المدينة الغاتة.
١- أما المدينة الجاهلة فهي التي لم يعرف اهلها العادة، ولا خطرت ببالهم. وإن أرشدوا إليها لم يفهموها ولم يعتقدوها. وإنما عرفوا من الخيرات بعض ما يظن في الظاهر انها خيرات مثل سلامة الأبدان والثراء والاستمتاع باللذات، وأن يكون المرء مخل وهواه، وأن يكون مكرماً معظما. فتلك هي العادة في نظر أبناء هذه المدينة، والسعادة العظمى الكاملة هي اجتماع هذه كلها. وأضدادها هي آفات الأبدان والفقر وعدم التمتع باللذات، وان لا يكون خلى وهواه وان لا يكون مكرما.
وهذه المدينة الجاهلة على أنواع منها:
٢٠- المدينة الضرورية، وهي التي قصد أهلها لاقتصار على الضروري ما به قوام الأبدان من المأكول والمشروب والملبوس والمسكون والمنكوح، والتعاون على استفادتها.
ب- والمدينة البدالة هي التي قصد أهلها أن يتعاونوا على بلوغ اليسار والثروة، ولا ينتفعوا باليسار في شيء آخر، لكن على أن اليسار هو الغاية في الحياة.
(١) الفارابي. «غلغة افلاطرن واجزاؤعا، في كتابا «أفلاطرن في الإسلام» ص٢٣
طهرار، عنة ا١٩٧
١١٧ الفارابي
ج ومدينة الخة والسقوط، وهي التي قصد أهلها التمتع باللذة : من المأكول والمشروب والمنكوح، وبالجملة: اللذة من المحوس والتخيل وإيثار الهزل واللعب بكل وجه، ومن كل نحو.
١- ومدينة الكرامة، وهي التي قصد أهلها ان يتعاونوا على ان يصيروا مكرمين بمدوحين مذكورين مشهورين بين الأمم، ممجدين معظمين بالقول والفعل، ذوي فخامة وهاء، إما عند غيرهم وإما بعضهم عند بعض، كل إنسان على مقدار محبته لذلك، او مقدار ما أ مكنه بلوغه منه.
ه ومدينة التغلب، وهي التي قصد أهلها ان يكونوا القاهرين لغيرهم، الممتنعين ان يقهرهم غيرهم، ويكون كدهم اللذة التي تنالهم من الغلبة فقط.
و- والمدينة الجماعية هى التى قصد أهلها أن يكونوا احراراً يعمل كل واحد منهم ماشاء لا يمنع هوام في شيء أصلا،(').
وفي هذا النص صعوبتان لغويتان هما :
١- «المدينة البذالة،- ماذا يقصد بها؟ لقد وردت في طبعتي كتاب «السياسة المدنية،(٢) بصورة: النذالة (بالذال وقبلها نون) وهو تحريف صارخ إذ وصفها بعد ذلك لا يمح بذلك. ولعل الصواب ان تكون: مدينة البدالة، أي مدينة التجار؛ ويؤيد ذلك وصفها بان هدف اهلها هو التعاون على نيل الثروة واليسار والاستكثار من اقتناء الضروريات وما قام مقامها من الدرهم والدينار وجمعها فوق مقدار الحاجة إليها، لا لشيء سوى محبة اليسار فقط والشح عليها، وان ا ينفق منها إلا في الضروري ما به قوام الأبدان: وذلك إما من جميع وجوه المكاسب، وإما من الوجوه التي تتأق في ذلك البلد. وأفضل هؤلاء عندهم ايسرهم وأجودهم احبالأ في بلوغ اليسار ورئيسهم هو الإنسان القادر على جودة التدبير لهم فيما يكسبهم اليسار، وفيما يحفظه عليهم دائما. واليسار ينال من جميع لجهات التي منها يمكن ان ينال الضروري وهي: الفلاحة والرعاية والصيد واللصوصية، ثم المعاملات الإرادية مثل التجارة والإجارة وغير ذلك،( )
(١) الفاراي: ،اراء اهل المدينة الفاضلة. م ١٣٢ . ١٢٣ .
(٢) ص ٨٨ س١٤ ،؛ بيروت سنة ١٩٦٤
(٣) الفارابي: «كتاب الياسة المدنية» ص٨٩٨٨. بيروت، سنة ١٩٦٤ .
وربما كان هذا الوصف أقرب ما يكون انطباقاً على ما يسمى «حكومة الأغنياء»-
٢- والصعوبة الثانية في عبارة: المدينة ٠الجماعية». ولكن الوصف الوارد في السياسة المدنية» (ص٩٩) يوضح المعفى المقصود منها، اذ ورد فيه : ٠ فأما المدينة الجماعية فهي المدينة التى كل واحد من أهلها مطلق مخلى لنفسه يعمل ما يشاء وأهلها متساوون، وتكون سنتهم أن لا فضل لإنسان على إنسان في شيء اصلاً. ويكون اهلها احراراً يعملون ما شاؤوا، ولا يكون لأحد على احد منهم ولا من غيرهم سلطان إلأ أن يعمل ما تزول به حريتهم. فتحدث فيهم اخلاق كثيرة وهممكثيرة وشهوات كثيرة والتذاذ بأشياء كثيرة لا تحصى كثرة، ويكون اهلها طواثف كثيرة متشابهة ومتباينة لا تحصى كثرة. فتجتمع في هذه المدينة تلك التي كانت متفرقة في تلك المدن كلها- الخسيس منها والشريفد وتكون الرثاسات بأي شيء اتفق من سائر تلك الأشياء التي ذكرناها. ويكون جمهورها الذين ليست لهم ما للرؤساء مسلطين على أولئك الذين يقال فيهم إنهم رؤساؤهم، ويكون من يرأسهم إنما يرأسهم بإرادة المرءوسين، ويكون رؤساؤهم على هوى المرءوسين. وإذا استقصى امرهم لم يكن فيهم في الحقيقة لا رئيس ولا مرور’(').
وربما كان هذا الوصف أقرب الى تصوير النظام الديمقراطي لأنه يؤكد الحرية والمساواة وكون الرؤساء على هوى المرءوسين، وهذه خصائص النظام الديمقراطي، وسائر الصفات هي صفات الديمقراطية كبما شاهدها أفلاطون في أثينا في القرن الخامس والنصف الأول من القرن الرابع. فقد كانت هذه الديمقراطية كما قال عنها ثوكوديدس (الكتاب الثاني ٢: ٦٥) «تقوم على إسلام إدارة شؤون المدينة إلى أهواء الدهماء». ويقول أفلاطون في كتاب والسياسة» (ص ٥٥٧ وما يليها) إن الديمقراطية تنشا حين يكسب الفقراء ويقتلون او ينفون خصومهم، ويعطون باقي الناس حقوقا متساوية وفرصا متكافثة لتولي المناصب، ويكون اليقين فيها عادة بالقرعة وفي الديمقراطية حرية في القول كبيرة موفورة، وكل فرد له الحرية في أن يفعل ما يشاء . . . ويرتب حياته كما يحلو له.. وتختلف الأخلاق إلى أقصى درجة. . . وتنوع الأخلاق، مثل تنوع الألوان في ثوب مزركش، يجعلها تبدو جذابة. . . وهي
(١) الكتاب نعه ص ٩٩.
تحتوي على كل غط عمكن، بسبب ما تهيئه من حريات. . . وليس في الديمقراطية ارغام على ممارسة السلطة إذا كنت قادرا عليها، أوعلى الخضوعللسلطة إذاكنت لاتريد الخضوع لها؛ وتستطيع أن تمتنع من المشاركة في الحرب، إذا نشبت الحرب، كما أنفي استطاعتك ان تثيرحرباً خاصة في وقت السلام إذا كنت لا تحب السلام؛ وإذا وجد قانون يمنعك من تولي منصب سياسي أوقضائي، ففي وسعك مع ذلك أن تتولى أيهما شئت إن مر بك» .
وواضح كل الوضوح ان ها هنا تشابهاً تاماً بين المدينة الجماعية، والديمقراطية كما وصفها افلاطون ولهذا يجب أن تقرأ: الجماعية (بفتح الجيم)(١)، نسبة إلى الجماعة ؟0ل671 (الشعب، الجماعة).
ونتابع ذكر باقي مضادات المدينة الفاضلة :
٢- المدينة الفاسقة: وتتفق في الآراء على الآراء الفاضلة، أما في الأفعال فتسلك سلوك أهل المدن الجاهلة.
٣- المدينة المتبدلة: وهي الي كانت آراؤها وأفعالها في القديم آراء المدينة الفاضلة وأفعالها، غيرأغها تبدلت فدخلت فيها اراء غيرتلك، واستحالت أفعالها إلى غيرتلك،(٢).
٤- المدينة الضالة: هي القي نصبت لها مبادىء غير حقيقية، ونصبت لها سعادة غير التي هي في الحقيقة سعادة وحوكيت لها سعادة اخرى غيرها، ورسمت لها أفعال وآراء لا تنال بشيء منها العادة(٣) . «ويكون قد استعمل في ذلك التمويهات والمخادعات والغرور»(٤).
وملوك المدن المضادة للمدينة الفاضلة مضادون لملوك هذه الأخيرة، ورياستهم مضادة للرياسات الفاضلة.
و«كل رثاسة جاهلية إما أن يكون القصد منها التمكن من الضروري، وإما اليسار، وإما التمتع باللذات، وإما الكرامة والذكر والمديح، وإما الغلبة، وإما الحرية. فلذلك صارت هذه الرثاسات تشرى شراء بالمالد وخاصة الرئاسات التي تكون في المدينة الجماعية: فإنه ليس احد هناك
(١)من العار ان يقرا ها يوسف كرم وكذلك د. نجار ناشر •الباسة المدنية، بكر الجيم عل انها نبة إلى الوقاعالجني!
(٢) الفاراه: ,آدا. أهل المدينة الفاخلة, ص ١٣٣ .
(٣) راجع الغاداه: ,الباسة المدنية» ص ٤ ع ١ . بيروت سنة ١٩٦٤.
(٤) الناراي: اراء اهل المدينة الغاضلة. ص١٣٣. بيروت ١٩٧٣
أولى بالرئاسة من احد؛ فمى سلمت الرئاسة فيها إلى احد فإما أن يكون أهلها متطولين بذلك عليه، وإما أن يكونوا قد اخذوا منه أموالاً أو عوضاً آخرا(١).
ويفصل الفارابي هذه الانواع تفصيلاً اوسع وأوضح في كتاب ,السياسة المدنية» فليرجع إليه القارىء لمزيد من التفصيل. على أنه في هذا الباب كله لا يكاد يخرج عما أورده أفلاطون في المقالة الثامنة من «السياسة» (ص٥٤٣- ٥٩٢).
خاتمة
بفضل الفاراي توطدت أركان الفلسفة في العالم الإسلامي، واتخذت طابعها الذي سيكون لها بعد ذلك حقى ابن رشد، وهو المزج بين لأفلاطونية والافلوطينية من ناحية، والفلسفة الأرسطية والمشائية من ناحية أخزى، في نظرة في العالمعلىحظكبيرمن الأصالة في التركيب.
وإذا كان الفارابي لم يخلف تلامذة مباشرين، لأنه عاش وحيدا، فإن الفلاسفة التالين، وعلى رأسهم ابن سينا، سيعتمدون عليه ليس فقط في فهم الفلسفة اليونانية، بل وأيضاً في وضع كثير من الآراء والنظريات.
الفارابي
الفارابي، أبو نصر (260 - 339هـ، 874 - 950م). أبونصر محمد بن محمد بن طرخان بن أوزلغ، فيلسوف عربي إسلامي لقب بالمعلم الثاني. ولد في مدينة فاراب في إقليم خراسان ونشأ نشأة دينية، حيث درس الفقه والحديث والتفسير. كان يتحدث عددًا من لغات عصره. ويُعدُّ من أبرز شرّاح كتب أرسطو وأوائل من وضعوا الأسس للتصوير الفلسفي للسياسة. عُني الفارابي في بداية حياته بدراسات مثل الرياضيات والطب والموسيقى.
بدأ نبوغه ودراساته الفلسفية مع رحلته إلى بغداد عام 310هـ حيـث درس المنطـق عـلى أبي بشر مَتَّى بن يونـس ـ وكان نصرانيًا ـ أعظم مشاهير عصره في علوم الحكمة والجدل، ثم رحل إلى حران، فدرس على يد يوحنا بن جيلان الحكيم النصراني، ثم عاد إلى بغداد، وانكب على علوم الفلسفة وخاصة كتب أرسطوطاليس. وبعد عشرين سنة من إقامته في بغداد اتصل بسيف الدولة الحمداني عام 330هـ، 941م وتوفي بدمشق.
اشتهر الفارابي بشرحه لكتب وآراء أرسطو حيث تتلمذ على يده العالم الشهير ابن سينا. وللفارابي العديد من الكتب التي شغلت معاصريه ومَن بعدهم ومن أبرزها: [[تحصيل السعادة؛ آراء أهل المدينة الفاضلة؛ السياسة المدنية؛ الموسيقى الكبير؛ إحصاء العلوم؛ رسالة في العقل؛ رسالة فيما ينبغي أن يقدم قبل تعلم الفلسفة؛ عيون المسائل؛ ما يصح وما لا يصح في أحكام النجوم؛ الجمع بين رأيي الحكيمين أفلاطون وأرسطو]].
انظر أيضًا: العلوم عند العرب والمسلمين؛ الفلسفة الإسلامية.
- ^ أ ب ت ث ج ح خ د خطأ استشهاد: وسم
<ref>
غير صحيح؛ لا نص تم توفيره للمراجع المسماةIranica
- ^ أ ب خطأ استشهاد: وسم
<ref>
غير صحيح؛ لا نص تم توفيره للمراجع المسماةAmber
- ^ خطأ استشهاد: وسم
<ref>
غير صحيح؛ لا نص تم توفيره للمراجع المسماةStanford
- ^ خطأ استشهاد: وسم
<ref>
غير صحيح؛ لا نص تم توفيره للمراجع المسماةReisman, p633
- ^ خطأ استشهاد: وسم
<ref>
غير صحيح؛ لا نص تم توفيره للمراجع المسماةReisman, p643
- ^ أ ب خطأ استشهاد: وسم
<ref>
غير صحيح؛ لا نص تم توفيره للمراجع المسماةBlack, p1864