ابن طفيل
ابن طُفَيل (500 - 581هـ، 1106 - 1185م). أبو بكر محمد بن عبد الملك بن محمد بن محمد بن طفيل القيسي، فيلسوف ومفكر وفيزيائي وقاضي وعالم وطبيب وفلكي ورجل دولة أندلسي عربي مسلم. وهو من أشهر المفكرين العرب الذين خلفوا آثاراً خالدة في عدة ميادين منها: الفلسفة والأدب والرياضيات والفلك والطب وقد عرف عند الغرب باسم (باللاتينية: Abubacer) وكان من وزراء دولة الموحدين في وقت عظمتهم.
ولد في وادي آش في الشمال الشرقي من غرناطة بالأندلس وتعلم الطلب فيها، وقضى أكثر أيام حياته الأولى يدرِّس ويطبّب، ثم خدم حكام غرناطة وشغل منصب الوزارة فيها. وهو من أشهر المفكرين العرب الذين خلَّفوا الآثار الخالدة في عدة ميادين منها: العلوم الرياضية والفلسفة والفلك، واختراع الآلات.
نقد ابن طفيل نظريات بطليموس في الفلك، وتُنسب إليه بعض النظريات الخاصة بتركيب الأجرام السماوية، ويقال إنه وُفق إلى صياغة نظام فلكي جديد يخالف ما جاء به بطليموس.
في أوائل عام 549هـ، 1154م اتصل ابن طفيل ببلاط الموحّدين في إفريقيا، وأصبح كاتم أسرار أبي سعيد ابن عبد المؤمن والي سبتة وطنجة. تولى منصب الوزارة ومنصب الطبيب الخاص للسلطان أبي يعقوب يوسف أمير الموحدين، وكانت له حظوة عظيمة عنده. اعتزل ابن طفيل مناصبه في بلاط الموحدين عام 578هـ، 1182م. كان معاصرا لابن رشد وصديقا له، وهو الذي أوصى بابن رشد كخلفاً له في المستقبل في عام 1169.
ومع أن مؤرخي الأدب والفلسفة قد ذكروا لابن طفيل عددًا من الكتب والرسائل، إلا أنه لم يصل إلينا من آثاره سوى كتاب واحد هو قصة حيّ بن يقظان.
حاول ابن طفيل من خلال كتابه: حي بن يقظان أن يوجد نظامًا فلسفيًا حول النشوء الطبيعي وتطور التفكير الإنساني، وبيان أن الإنسان يتدرج بالتأمل والفكر في المعرفة من الإحاطة بما حوله من عالم المادة، حتى يستطيع أن يتصل عن طريق العقل بالله سبحانه وتعالى. وذكر ابن طفيل أن عجز العقل عن إدراك الله يقود إلى التصوف عند بعض الناس.
توفي في عام 581 هـ الموافق 1185م في مدينة مراكش بالمغرب، ودفن هناك، واشترك السلطان أبو يوسف في تشييع جنازته.
اسمه ونسبه
أبو بكر محمد بن عبد الملك بن محمد بن محمد بن طفيل القيسي الأندلسي (1100م -1185م )، فكأنه يرجع إذن إلى أصل عربي خالص هو بنو قيس، قيس بن عيلان بن مُضر من العرب المستعربة الشمالية. وينسب أيضاً فيقال: الأندلسي والقرطبي والإشبيلي ويكنّى أحياناً - وهو الأقل - بأبي جعفر.
حياته
ولد بمدينة وادي آش قرب غرناطة، وتسمى اليوم Guadix على مسافة 57 كم في الشمال الشرقي من قرطبة، قال عنها أبو عبد لله محمد بن عبد الله بن عبد المنعم الحميري في "الروض المعطار" ( نشرة ليفي برفنصال، القاهرة سنة 1937) إنها ((مدينة بالأندلس قريبة من غرناطة، كبيرة خطيرة تطرد حولها المياه والأنهار، ينحط نهرها من جبل شُكيّر - وهو شرقيها وهي على ضفته، ولها عليه أرحاء لاصقة بسورها، وهي كثيرة التوت والأعناب وأصناف الثمار والزيتون، والقطن بها كثير، وكان بها حمامات...)) (ص ١٩٢).
ولا نعرف تاريخ ميلاده، وإنما الأرجح أنه ولد في السنوات العشر الأولى من القرن الثاني عشر الميلادي، (أي بين سنة ٤٩٥ إلى سنة ٥٠٥ هجرية ) .
ولا نعرف أيضاً شيوخه ولا أين تلقى العلم، غير أن مراكز العلم في ذلك الوقت كانت على الأخص قرطبة وأشبيلية. غير أن عبد الواحد المراكشي في كتابه "المعجب في تلخيص اخبار المغرب" - وهو أوسع مصادرنا عن حياة ابن طفيل - يقول إنه ((قرأ على جماعة من المتحققين بعلم الفلسفة، منهم أبو بكر الصائغ المعروف بابن باجه وغيره)) (ص 240 القاهرة) لكن ابن طفيل نفسه يقول غير ذلك عن ابن باجه، إذ ذكر صراحة في "حي بن يقظان" وهو يشير إلى ابن باجه: (( فهذا حال ما وصل إلينا من علم هذا الرجل (= ابن باجة ) ونحن لم نلق شخصه )) وهذا قاطع بأنه لم يكن تلميذاً بالفعل لابن باجة، وإن كان من غير شك قد تأثر به من الناحية الفلسفية تأثراً بارزاً .
ولا بد أنه قد درس العلوم الدينية، والفقه بخاصة، لأن تلميذه البطروجي يذكر أن أبن طفيل كان قاضياً. وكذلك درس العلوم العقلية، والطب. وقد مارس مهنة الطب في غرناطة زمناً لا ندري على التحقيق متى. واشتغل كاتباً لعامل غرناطة في تاريخ لا نستطيع تحدده.
وفي سنة٥٤٩ه (سنة ١١٥٤ م) كتب لأبي سعيد ابن عبد المؤمن لما كان والياً على سبتة وطنجة.
ولكن الفترة الهامة في حياة ابن طفيل هي تلك التي أمضاها بحضرة أبي يعقوب يوسف بن أبي محمد عبد المؤمن بن علي القيسي، سلطان الموحدين، وكان عالي الثقافة، ذا حظ من العلوم العقلية إلى جانب معرفته التامة بأخبار العرب. قال عنه ابن خلكان (ج٦ص ١٣٤، القاهرة سنة ١٩٤٨ ) : (( [كان] أعرف الناس كيف تكلمت العرب، واحفظهم لأيامها في الجاهلية والإسلام، صرف عنايته إلى ذلك، ولقي فضلاء أشبيلية أيام ولايته، ويقال إنه كان يحفظ صحيح البخاري وكان شديد الملوكية، بعيد الهمة، سخيا جواداً استغفى الناس في أيامه، وكان يحفظ القران الكريم مع جملة من الفقه. ثم طمح إلى علم الحكمة، وبدأ من ذلك بعلم الطب: وجمع من كتب الحكمة شيئاً كثيراً. وكان ممن صحبه من العلماء بهذا الشأن : أبوبكر محمد بن الطفيل . . . ولم يزل يجمع إليه العلماء من كل فن من جميع الأقطار، ومن جملتهم ابو الوليد محمد بن احد بن محمد بن رشد الأندلسي )).
ماذا كان يشتغل ابن طفيل بحضرة السلطان أبي يعقوب يوسف أمير الموحدين؟ ينفرد ابن ابي زرع من بين المؤرخين بالقول بأن بن طفيل كان وزيراً لأبي يعقوب يوسف. ومن هنا يشك في صحة هذا الخبر، لأنه لا تلميذه البطروجي، ولا سائر المؤرخين الذين أرخوا لدولة أبي يعقوب يوسف قد ذكروا أنه كان من بين وزرائه ابن طفيل .
أما أنه كان طبيبه الأول فهو خبر اكثر تحقيقاً، ولعل طبه واطلاعه على العلوم العقلية هما اللذان قرباه من السلطان أبي يعقوب ما دام هذا كان مشاركاً في الحكمة مقرباً لأهلها. ويظهر أنه نال حظوة كبيرة لديه، وأبلغ شاهد على ذلك انه هو الذي قدم ابن رشد إلى السلطان. وتدل رواية ابن رشد لهذا التقدم على مدى المكانة العظيمة التي كانت لابن طفيل عند السلطان أبي يعقوب يوسف. وقد رواها عبد الواحد المراكشى في "المعجب في تلخيص أخبار المغرب، (ص ٢٤٢ وما يليها . القاهرة سنة ١٩٤٩) فقال : ((ولم يزل أبو بكر هذا يجلب إليه (يعني الى أي يعقوب يوسف) العلماء من جميع الأقطار، وينبهه عليهم، ويحضه على إكرامهم والتنويه بهم. وهو الذي نبهه على أبي الوليد محمد بن احمد بن محمد بن رشد. فمنه حينئذ عرفوه، ونبه قدره عندهم.
(( أخبرني تلميذه الفقيه الأستاذ أبو بكر بندود بن يحيى القرطبي، قال : سمعت الحكيم أبا الوليد (ابن رشد) يقول غير مرة: لما دخلت على أمير المؤمنين أي يعقوب وجدته هو وأبو بكر بن طفيل ليس معهما غيرهما. فأخذ أبو بكر يثني علي ويذكربيتي وسلفي، ويضم - بفضله - إلى ذلك أشياء لا يبلغها قدري. فكان أول ما فاتحني به أمير المؤمنين - بعد أن سألني عن اسمي واسم ابي ونسبي - أن قال لي: ما رأيهم في السماء - يعني الفلاسفة - أقديمة هي أم حادثة؟ فأدرك في الحياء والخوف. فأخذت أتعلل وأنكر اشتغالي بعلم الفلسفة. ولم أكن أدري ما قرر معه ابن طفيل. ففهم أمير المزمنين مني الروع والحياء. فالتفت إلى ابن طفيل وجعل يتكلم على المسألة التي سألني عنها، ويذكر ما قاله أرسطوطاليس وأفلاطون وجميع الفلاسفة ويورد مع ذلك احتجاج اهل الإسلام عليهم. فرأيت منه غزارة حفظ لم أظنها في أحد من المشتغلين بهذا الشأن المتفرغين له. ولم يزل ينشط في حتى تكلمت. فعرف ما عندي من ذلك. فلما انصرفت امر لي بمال وخلعة سنية ومركب.
وأخبرني تلميذه المتقدم الذكر (أبو بكر بندود بن يحيى القرطبى) عنه قال: استدعاني أبو بكر بنطفيل يوماً فقال لي: سمعت اليوم امير المؤمنين يتشكى من قلق عبارة أرسطوطاليس، أوعبارة المترجمين عنه ويذكر غموض أغراضه، ويقول: لو وقع لهذه الكتب من يلخصها ويقرب اغراضها بعد أن يفهمها فهماً جيداً لقرب مأخذها على الناس؛ فإن كان فيك فضل قوة لذلك فافعل، وإني لأرجو أن تفي به، لما أعلمه من جودة ذهنك وصفاء قريحتك وقوة نزوعك إلى الصناعة. وما يمنعنى من ذلك إلا ما تعلمه من كبرة سني واشتغالي بالخدمة وصرف عنايتي إلى ما هو أهم عندي . قال ابو الوليد: فكان هذ الذي حملني على تلخيص ما لخصته من كتب الحكيم أرسطوطاليس)).
وهذه الرواية - وهى صحيحة لأنها منقولة مباشرة عن تلميذ ابن رشد - تدل أولاً على المكانة العظيمة التي كانت لابن طفيل عند أبي يوسف يعقوب، وعلى مدى مشاركة هذا في علم الفلسفة، وعلى الباعث لابن رشد على تلخيص وشرح كتب ارسطوطاليس تلخيصاً وشرحاً سيكون لهما في دراسة الفلسفة في أوروبا ابتداء من أول القرن الثالث عشر حتى القرن الادس عشر أكبر الأثر.
ويحاول جوتييه أن يحدد تاريخ هاتين المقابلتين بين ابن رشد وبين السلطان أبي يعقوب وابن طفيل، فينتهي إلى أنهما لا بد أن تكونا وقعتا في النصف الثاني من سنة ١١٦٨م ( ٥٦٤ ه) أو النصف الأول من سنة ١١٦٩ (٥٦٥ ه) وكانت سن ابن رشد ٤٢ سنة، بينما كانت سن ابن طفيل ٦٣ أو ٦٨ سنة.
وظل ابن طفيل في بلاط السلطان أبي يعقوب يوسف، طبيباً أول، وربما وزيراً أو ما اشبه هذا، إلى ان علت سنه فتخلى عن وظيفة الطب لمحميه ابن رشد في سنة ٥٧٨ ه (١١٨٢ م) الذي صار طبيباً أول للسلطان أبي يعقوب يوسف. ولما توفي أبو يعقوب في ١٣ يونية سنة ١١٨٤ م (٧ رجب سنة 580 ه ) قام بالأمر بعده ولده أبو يوسف يعقوب، فأبقى على مكانة ابن طفيل في حضرته كما كان في عهد أبيه، أي وزيراً إن صح هذا الخبر، وعلى الأقل من كبار حاشيته.
وتوفي ابن طفيل في سنة ٥٨١ه ( سنة ١١٨٥م) في مدينة مراكش عن 87 عاماً، ودفن هناك، واشترك السلطان أبو يوسف يعقوب في تشييع جنازته.
لم يصل إلينا من كتبه سوى قصة حي بن يقظان أو (أسرار الحكمة الإشراقية) وقد ترجم إلى عدة لغات أجنبية وهي قصة تشتمل على فلسفة ابن طفيل وقد ضمنها آراءه ونظرياته، وتدور القصة حول "حي بن يقظان" الذي نشأ في جزيرة من جزر الهند تحت خط الاستواء، منعزلا عن الناس، في حضن ظبية قامت على تربيته وتأمين الغذاء له من لبنها وما زال معها، وقد تدرج في المشي وأخذ يحكي أصوات الظباء ويقلد أصوات الطيور ويهتدي إلى مثل أفعال الحيوانات بتقليد غرائزها، ويقايس بينها وبينه حتى كبر وترعرع واستطاع بالملاحظة والفكر والتأمل أن يحصل على غرائزه الإنسانية وأن يكشف مذهبا فلسفيا يوضح به سائر حقائق الطبيعة.
الأساس الفلسفي لهذه القصة هو الطريق الذي كان عليه فلاسفة المسلمين الذين نهجوا على مذهب الأفلاطونية الحديثة وقد صور ابن طفيل الإنسان، الذي هو رمز العقل، في صورة حي بن يقظان وقد رمى ابن طفيل من ورائها إلى بيان الاتفاق بين الدين والفلسفة وهو موضوع شغل أذهان فلاسفة الإسلام.
لقد كانت لابن طفيل آراء مبتكرة في علم الفلك. وقد ذكر البطروجي (ت: 581هـ) أنه أخذ عن ابن طفيل قوله في الدوائر الداخلية في حركات الأفلاك.
حيّ بن يقظان
المقالة الرئيسية: حي بن يقظان
كان ابن طفيل مؤلف كتاب "حيّ بن يقظان"، وهي قصة رومانسية فلسفية ورواية استعارية مستوحاة من السينوية والصوفية، والتي تتناول قصة طفل ضال متعلّم ذاتياً ويربّى من قبل غزال، ويعيش الطفل وحيداً في جزيرة مهجورة بدون أي اتصال مع البشر الآخرين، ويكتشف الحقيقة المطلقة من خلال عملية منهجية للتحقيق المنطقي. في نهاية المطاف، يلتقي حيّ بالحضارة والدين عندما يلتقي بشخص اسمه أبسال قدم إلى هذه الجزيرة ليعتزل الناس ويتفكر في باطن الخلق والدين. وحين يذهبان سوياً إلى الجزيرة المجاورة المأهولة، يصطدم بالحياة وبتفكير الناس البعيد عن الدين وعن الفهم الباطني للخلق، يقرر أن بعض الزخارف الدينية كالتماثيل والاعتماد على البضائع المادية ضرورية للعامة من أجل الحياة الكريمة، ومع ذلك، فإن التماثيل والسلع المادية هي مجرد إلهاءات يجب أن يتم التخلي عنها من قبل أولئك الذين يلاحظون هذا الأمر، ثم يعود حي بن يقظان وأبسال إلى تلك الجزيرة المهجورة لينصرفا إلى تأملاتهما.
كتب ابن طفيل كتاب "حيّ بن يقظان" كرد على عمل الغزالي "تهافت الفلاسفة". في القرن الثالث عشر، كتب ابن النفيس لاحقاً كتاب "الرسالة الكاملية في السيرة النبوية"، كرد على كتاب ابن طفيل "حيّ بن يقظان".
كان لكتاب حيّ بن يقظان تأثير كبير على كل من الأدب العربي والأدب الأوروبي، واستمرت شهرته ليصبح أكثر الكتب مبيعاً في جميع أنحاء أوروبا الغربية في القرنين السابع عشر والثامن عشر. كان للعمل أيضاً تأثير كبير على كل من الفلسفة الإسلامية الكلاسيكية والفلسفة الغربية الحديثة. أصبح "أحد أهم الكتب التي بشرت بالثورة العلمية" والتنوير الأوروبي، والأفكار المعبر عنها في الرواية يمكن العثور عليها "في أشكال مختلفة ودرجات مختلفة في كتب توماس هوبز وجون لوك وإسحاق نيوتن وإيمانويل كانت".
ظهرت الترجمة اللاتينية للعمل بعنوان (Philosophus Autodidactus) لأول مرة في عام 1671، بعد أن ترجمها إدوارد بوكوك الأصغر. نشرت أول ترجمة باللغة الإنكليزية من قبل سيمون أوكلي في عام 1708. ربما تكون هذه الترجمات قد ألهمت دانييل ديفو لكتابة روبنسون كروزو، والتي تضمنت أيضاً قصة جزيرة صحراوية وكانت أول رواية تكتب باللغة الإنكليزية.
ألهمت الرواية أيضاً مفهوم الصفحة البيضاء/ اللوح الفارغ الذي تم تطويره في "مقال عن الفهم الإنساني" لجون لوك، الذي كان طالباً لبوكوك. أصبحت مقالته أحد المصادر الرئيسية للتجربة في الفلسفة الغربية الحديثة، وأثّرت على العديد من فلاسفة التنوير مثل دايفيد هيوم وجورج بيركلي. أفكار حيّ حول المادية في الرواية لها بعض أوجه التشابه مع المادية التاريخية لكارل ماركس. كما أنها تنبأت بمشكلة مولينوكس، التي اقترحها وليام مولينوكس وقدمها إلى لوك، الذي قام بدوره بإدراجها في الكتاب الثاني من "مقال عن الفهم الإنساني".
يعتبر كل من غوتفريد لايبنتس وميلشيسدك تيفنوت وجون واليس وكريستيان هوغنس وجورج كيث وروبرت باركلي وجمعية الأصدقاء الدينية وصامويل هارتليب وفولتير من بين الكتاب الأوروبيين الآخرين الذين تأثروا بكتاب حيّ بن يقظان.
أعماله
في الشعر
كان ابن طفيل شاعراً؛ وشعره متوسط الجودة، روى طرفاً منه المراكشي في المعجب، نقلاً عن ابنه يحيى ( ص ٢٤٠-ص٢٤٢ .طبع القاهرة سنة ١٩٤٩)؛ كذلك نشر له جرثيه جومث قصيدة سياسية في العدد الأول من «مجلة معهد الدراسات الاسلامية في مدريد».
ومن شعره الأرجوزة في الأمراض وعلاجها والقصيدة التي يحرض بها المسلمين على الجهاد في الحملة التي أعدها أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن أمير الموحدين لنجدة المسلمين في الأندلس وفيها يقول:
أقيموا صدور الخيل نحو المضارب ... لغزو الأعادي واقتناء الرغائب
وأذكوا المذاكي العاديات على العدا ... فقد عرضت للحرب جرد السلاهب
فلا تقتني الآمال إلا من القنى ... ولا تكتب العليا بغير الكتائب
ولا يبلغ الغايات إلا مصمم ... على الهول ركّابٌ ظهور المصائب
ومنها:
ألا فابعثوها همة عربية ... تحف بأطراف القَنى والقواضب
أفرسان قيس من بني هلال بن عامر ... وما جمعت من طاعن ومضارب
لكم قبة للمجد شدوا عمادها ... بطاعة أمر الله من كل جانب
وقوموا لنصر الدين قومة ثائر ... وفيئوا إلى التحقيق فيئة راغب
دعوناكم نبغي خلاص جميعكم ... دعاء بريئاً من جميع الشوائب
نريد لكم ما نبغي لنفوسنا ... ونؤثركم زلفى بأعلى المراتب
لكم نصر الإسلام بدءاً فنصره ... عليكم وهذا عوده جد واجب
فقوموا بما قامت به أوائلكم ... ولا تغفلوا إحياء تلك المناقب
وله في الغزل الصوفي قوله:
ألمت وقد نام المشيح وهوما = وأسرت إلى وادي العقيق من الحمى
وجرت على ترب المحصب ذيلها = فما زال ذاك الترب نهبا مقسما
ولما رأت أن لا ظلام يجنها = وأن سراها فيـه لن يتكتما
نضت عذبات الريط عن حر وجهها = فأبدت محيا يدهش المتوسما
فكان تجليها حجاب جمالها = كشمس الضحى يعضى بها الطرف كلما
ولما التقينا بعد طول تهاجر = وقد كاد حبل الود أن يتصرما
جلت عـن ثناياها وأومض بارق = فلم أدر من شق الدجنة منهما
وقالت, وقد رق الحديث وأبصرت = قرائن أحوال أذعن المكتما
نشدتك لا يذهب بك الشوق مذهبا = يهون صعبا أو يرخص مأثما
فأمسكت لا مستغنيا عن نوالها = ولكن رأيت الصبر أوفى وأكتما
(*) التجلي: الظهور. الحجاب: الغطاء. الضحى: أول النهار. يعشى بها الطرف: يضعف البصر كلما نظر إليها.
في الطب
له مؤلفات في الطب، فقد ذكر لسان الدين ابن الخطيب أنه ألف كتاباً في الطب في مجلدين. وذكر ابن أبي أصيبعة أن لابن رشد كتاباً عنوانه: "مراجعات ومباحث بين أبي بكر بن الطفيل وبين ابن رشد في رسمه للدواء في كتابه الموسوم بالكليات". ويذكر لسان لدين ابن الخطيب في "مركز الإحاطة" أن لابن طفيل "أرجوزة في الطب".
في الفلك
له مؤلفات في الفلك، أشار ابن رشد إلى أحدها في شرحه الأوسط على كتاب "الآثار العلوية" لأرسطوطاليس، ويقول إن بن طفيل لم يكن راضياً عن نظام بطليموس وإنه اقترح نظاما جديداً. ويشير تلميذه البطروجي إلى هذا أيضاً في مقدمة كتابه الشهير في الفلك، فيقول إن ابن طفيل ذكر له أنه عثر على نظام فلكي وتفسير لحركات الأفلاك على نحو مخالف لما قاله بطليموس، استغى فيه عن الدوائر الداخلية والدوائر الخارجة.
بيد أننا لا نعلم عن هذا النظام الذي قيل إن ابن طفيل ابتدعه وخالف به نظام بطليموس غير هذه الإشارات الغامضة التي لا تدل على شيء واضح . لهذا فمن الخير الإمساك عن كل افتراض في هذا الصدد والزعم بأنه سبق كوبرنيقوس وجاليليو، فهذا افتراض جزافي ليس له أي أساس.
في الفلسفة
لم يبق إذن إلا الجانب الفلسفي في فكر ابن طفيل هو الجدير حقاً بالعناية والتقدير. بيد أنه لم يبق لنا من آثاره في الفلسفة غير كتاب واحد هو "حي ابن يقظان".
وإن كان عبد الواحد المراكشي يذكر أن له رسالة (( في النفس رأيتها بخطه رحمه الله. وكان قد صرف عنايته في آخر عمره إلى العلم الإلهي ونبذ ما سواه)). بيد أن هذه الرسالة فقدت، وإن كان جوتييه يشكك في رواية المراكشي هنا ويقول لعله اختلط عليه الأمر فخلط بين رسالة "حي بن يقظان" وبين ما أدعى أنه رسالة في النفس، وهي في الحقيقة "حي بن يقظان" نفسها ولعله لم يقرأ من المخطوط الذي رآه بخط المؤلف غير الفصول المتعلقة بالنفس. بيد أننا لا نرى مع جوتييه هذا الرأي. أولاً لأن المراكشي ذكر حي بن يقظان فقال: (( فمن رسائله الطبيعيات رسالة سماها رسالة حي بن يقظان غرضه فيها بيان مبدأ النوع الإنساني على مذهبهم، وهي رسالة لطيفة لجرم كبيرة الفائدة في ذلك الفن )) - ولا يقدح في روايته عدم الدقة في تلخيص موضوع حي بن يقظان. وثانياً لأن المراكشي ربما رأى هذه الرسالة في النفس التي بخط المؤلف لدى ابنه الذي كان المراكشي يعرفه معرفة جيدة وعنه روى بعض شعره بمدينة مراكش سنة ٦٠٣ه، ولا بد أن يكون ابنه يحيى هذا هو الذي دله على هذه الرسالة، ولا يمكن طبعاً أن يخطىء الابن فلا يميزها من رسالة "حي بن يقظان" .
بقي إذن أن نعثر عليها ذات يوم، إن لم تكن قد فقدت إلى غير رجعة!