ما بعد الغربة ... (الدليل) - الجزء الخامس
صوت طنين الجهاز سحب مشرفة القسم ... تفتح الباب لتجدنا مسمرين ... أنا لا يسترني إلا بوكسر وشيراز تداري نصف عريها في قماش قميص النوم ... أمي وأجهزتها تستنفر كلّ ممرضي القسم ...
في الممر مطرودين من الغرفة كتلميذين مشاغبين ينتظران التقريع ... تقريع من مشرفة القسم لزوجين لم يصبرا حتى العودة للبيت لممارسة حقوقهما ... قالت وهي تحمّر عينيها ... إحترما حالة المريضة ...
وقع خطواتها تبتعد ... رؤوسنا منحنية ... عيوننا تحاول الهروب من بعض ... أوّل ما تلتقي تنطلق ضحكاتنا تهز ممر القسم ...
هكذا مرّ ما بقي من ليلتنا ... ننتظر وصول قيس .. إعتذر كل إخوتي بأشغالهم عن مرافقة أمي للعودة للمنزل ... حالتها تحسّنت ...
لاجئين في مشرب المصحّة ... رائحة قهوتي تعاند دخان سجائري ... مشروب الشكولاطة الساخنة يثبّت نفسه فوق شفاه شيراز ... كانت تضحك ملأ شدقيها من سردها لطرائف قامت بها أمي في نوبات غيبوبتها ...
النسيان رحمة ... هذه الحكمة خاطئة إذا كان النسيان سببه بداية مرض الزهايمر ... جيهان تستقبلنا على باب البيت ... تعاونتا هي وشيراز على وضع أمي في سريرها ترتاح ...
شكرت قيس لصنيعه معي... مبلغ مالي ودعوة على قهوة في مكان فخم هي سبب إشراقة وجهه ... مررنا في شارع تزيّن أرصفته مقاهي كثيرة ...
طاولة وكرسيان على قارعة الطريق نحتمي بظلال شمسية من أشعة الضحى ... قيس بدأ يفتح لي صدره ... بدأ يتجرّع بحذر بعض أسراره ... قال أني جئت رحمة من السماء ... سنوات من البطالة والفلس أطبقت على صدره ...
تائه لا أركّز في كلماته ... فنجانان وضعا أمامنا ... رفعت عيني لتختفي إبتسامة النادلة وتتحول لعبوس ... هي نفسها صديقتي التي تضيع مني فرصة وصالها كل مرة ...
عضلات مؤخرتي تقرصني ورقبتي تحاول تعقبها ... اختفت داخل المبنى ... قيس يسرد لي حديثا طويلا عن عناد الحظ له ... أصلا صرت أشك في وجود هذه النادلة من الأساس ... تعمل في كل مقهى أدخلها ... آسف على الإزعاج لأحمد حلمي يدخل على الخط ...
إتصال من خالي يعلمني أنه سيسافر هذه الليلة ... وجبة غداء على شرف توديعه غاب عنها قيس حياءا... إنتظرنا بسيّارته تحت البيت ... خالي طلب مني مرافقته للمطار ...
إستغل وجود سيّارة تحت تصرفي توفر عليه ثمن سيارة أجرة ... باب الذهاب الأزرق الذي لم أدخله قط شهد عناقنا ... حرارة عناقي وهو يوصيني بنفسي خيرا تحوّلت لصقيع مع إشارة رسالة من زوجته تطلب مني الإتصال بها للضرورة ...
برد نسيم يتسلل من شباك سيّارة قيس يسم عظامي و صقيع مكالمة أحلام يخز عروقي طوال الطريق ...
الليل جاثم على قريتنا الهادئة ... مشهد ملابسي معلّقة على خيط تجفيف ممدود في الحديقة جذبني ... تشكيلة من البوكسرات أهملتها في الحمام ... سعاد التي واظبت على تنظيف البيت غسلتها ... وا خجلاه
مجرّد تخيل فركها لبقايا كوابيسي يشعرني بالألم ... استعملت كشّاف الهاتف لجمعها ... حركة غير متوقعة مني أتعثر ليسقط الهاتف في قصعة أهملت سعاد إفراغها من ماء الغسيل ... يقطر ماءا وشاشته أصابها العمى ...
ليلة طويلة أصارع فيها النوم ... شعور مضطرب بين الراحة لغياب مكالمة تشعرني بخيانة خال أحمل دين جميله على رقبتي ما حييت ... وبين لهفة راحة قلبي في مكالمة زوجته ... ذكرى طرائف أمي بالمستشفى تبعث إبتسامة في تشقق عبوسي ...
كابوس مرعب رأيت فيه أمي تجلدنا كلنا بسياط النار ... تدخل مفتاحا صليببا في مؤخرتي وتديره كي أبدا في الدوران مع تراجع إتجاه حركته ... كساعة قديمة تشغلني من الخلف ... خالي يرفع رجلي زوجته طالبا مني أن اعتني بها ... فم شيراز مفتوح بين فخذي أحلام ... رعشة نار تحرق بين فخذي ....
الجحيم يرسل لي إشاراته ثانية ... الماء البارد عجز عن إطفاء رعبي ... نور الفجر يسحبني للشاطئ ... أسماك البوري أخذت راحتها في التوافد مع غياب صائدها الوحيد ...
إستخدمت كيس علف كبير لوضع محصول صباحي ... الهادي مستبشرا بوجودي مستفسرا عن غيابي حامد شفاء الوالدة ... حساب آخر دفعة وضعه في يدي ...
كدس أعشاب أسواد نحتته الامواج بدقة يشد نظري ....
المحلّ الوحيد لخدمات الهاتف ... شاب يسميه أهل القرية بالجنيور ... كلمة فرنسية معرّبة معناها المهندس ... نظرة عينه تستغرب إصراري على إصلاح هاتف رخيص ...
حركات من فاحص خبير ... شفتان تتصنعان العلم ... هاتفي إنتهى أمره ... عرض عليا بيع هاتف جديد ... سعره غالي لكن فيها كل مميزات التكنلوجيا الحديثة ...
قيس يقودني في الطريق للمدينة ... أحلام التي باتت ليلتها تحاول الإتصال بي تدعوني لضرورة اللقاء مع أول لمعان في شاشة هاتفي الجديد الفخم ...
طاولة منزوية في قاعة شاي مختلطة ... عتاب طويل على حالة الفزع التي سببها غيابي عنها ...
تعودّت خلع حجابها أمامي ... لم أشأ إحراجها بالسؤال ... تبارك هاتفي الجديد وهي تقلّبه ... وضعت مبلغا ماليا أمامي على الطاولة ...
- إيه الفلوس دي ؟؟
- دول الأفين بتوعك ودول 200 نصيبك من المرابيح
حزن يتملكني ... ستنتهي مكالمتنا الليلية ... أليس هذا ما كنت أبغي ؟؟؟ يجب عليا ترتيب مشاعري ... لا أعلمي الدافع وراء إقتراحي ... دفعت الألفين أمامها ووضعت المائتين في جيبي ...
- طيب خلي دول معاكي يمكن محتاجاهم ...
- هو من ناحية محتجاهم أنا محتجاهم ... بس دول بتوعك ...
- طيب خليهم معاكي ونبقى شركاء
- إزاي أنا بالفلوس وإنت بالمجهود ونقسم الربح على إثنين
- (لوت شفتيها كأن عرضي لا يعجبها) بس كده يبقى ...
- هو كده الربح حيبقى قليل صح ؟؟؟ طيب لو رفعنا في رأس المال ؟؟؟
- (بدأ وجهها ينشرح) كده يبقى موضوع ثاني ...
راحت تشرح لي إمكانية توسيع نشاطنا للعطور والساعات والملابس الداخلية المستوردة ... تداركت بأن مسؤوليتها تجاه إبنيها تمنعها من تزويد الزبائن بالطلبات ... مراكز البريد بالمدينة دائما مكتظة ...
سعيد بفكرة مشروعنا الجديد ... 7 ألاف دينار هي رأس مالنا الجديد ... حسابي بالبنك تقلّص لعشرة آلاف ... تكاليف المصحة والهاتف وكرمي المفرط مع قيس ... سيفضح أمري قريبا ...
برد مساء أواخر سبتمبر يخيّم على هدوء القرية ... سعاد تلجأ للمطبخ تعد ما لذ وطاب ... نظرات عينيها تكتم كلاما تريد البوح به ... زوجها يعمل ليلا هذا الأسبوع ...
صوت ينادي من الخارج ... الهادي يدعو نفسه للسهر عندي ... مصيبة ستقع على رأسي لو كشف أمر المرأة ... لجأت لغرفة النوم هروبا من تهمة لم نقم بها ...
طالت سهرة الهادي معي ... مزاحه لم يلامس قلبي المرتجف خوفا ... الحادية عشر ليلا ... إنصرف بعد أن ملأ دخان سجائره البيت ...
سعاد تفتح الشبابيك وهي تضع طاولة العشاء ... ريح عاتية تبعثر تنظيم المكان ... الموج إكتسح الشاطئ ... لا تستطيع العودة لبيتها عن طريق الشاطئ وإستعمالها للطريق العمومي سيفضح أمرها ... قبلت مضطرة المبيت في غرفة النوم
مستلقيا على الصالون أراجع حساباتي ... الحقيقة أني لست ميليونيرا كما يدعون ... أيام قليلة على هذا المنوال ستستنزف ثروتي الصغيرة ...
أعد بعض ورقات مالية كانت في جيبي ... كيس صغير فيه ثمن محصول السمك وضعه الهادي على الطاولة ... قررت تحديد مصاريفي ... أكل وشرب وقهوة وسجائر ... سأستغني عن خدمات سائقي وسيّارته ...
سجائره وقهوته ليست بالأمر الكثير... شاشة التلفاز تظلم لتنير معها شاشة الهاتف الجديد ... أحلام تتصل بي ... الدفعة الأولى من بضائعنا وصلتها ... يتوجب لقائنا غدا
غير ذلك لا شيء يدعونا لمواصلة السمر لمطلع الفجر ... نوره بدأ يتسللّ من النافذة ... قبل وداعنا بثواني ضوء يسطع من مصابيح الصالون ... صوت سعاد يصدح في الغرفة
" إنت لسة صاحي "
صدري عاري ... البوكسر نازل حتى ركبتي ... يميني تمسك الهاتف وشمالي تداعب زبي ... خجلها دفعها للهروب للحمام ...
الإرتباك الممزوج بتهمتين مؤكدتين لم أرتكبهما ... حنان متأكدة أني أعاشر أنثى وصلها صوتها عبر الهاتف ... وسعاد تجزم بأني ألهو مع فتاة في مكالمات وردية ...
طاولة إفطار تزيّن صباحي ... عينا سعاد تبرق في خجل ... عيني غاب عنها بريق الحياة ... عودة الرياح لمعاقلها بعد أن عبثت بصورتي في عقل السيدتين ...
متخفيا في محطة القرية ... أنتظر أول وسيلة نقل تخرجني منها ... صوت مألوف يصبّح عليا من الخلف ...
ألفة تقف ورائي مبتسمة مستغربة وجودي في هذا الوقت المبكّر ... عرضت عليّا مقاسمة ثمن سيّارة أجرة لما علمت بوحدة وجهتنا ...
بضع دينارات كنت أنوي إدخارها ضاعت بسبب شهامة ثري مزعوم ... متجاورين في المقعد الخلفي السيّارة ... تضع على فخذيها رزمة ملفات ... تداعب هاتفها الجوّال ...
قلّدتها ورحت أداعب شاشة هاتفي ... سحبها نوعه ... قالت أنها تتمنى إمتلاك هاتف مثله وهي تقلّبه مستكشفة ... إستغربت عدم إشتراكي في الفيس وبقية شبكات التواصل الإجتماعي ...
رأس السائق الشاب يهتز في ضحك ساخر بعد إعلاني أني سأشتري إنخراطا فيهم عما قريب ...
قلبي يئن من خطأ لم افهمه سبب التهكم علي ... ضميري يحاول سحبي للخلف وأنا أتسلق درجات عمارة بيت خالي ... أحلام تفتح لي الباب بحذر ثم تسحبني للدخول ...
قالت وهي تزيح وشاحا تغطي به رأسها أن عليا الحذر كلّما زرتها ... شعور غريب ينتابني مع إحساسي بأني أسرق شيئا ... أحلام تضع فنجاني قهوة أمامي ...
أتظاهر بالتركيز أني أتابع شرحها لفواتير الشراء ... عيني تغوص في مفرق صدرها الأبيض يطلّ من بين فتحة قميصها الأخضر ... يحي فريق جبل بوقرنين ...
بنطلون أخضر شفاف يطلّ من تحته سواد كيلوت يحيط بمؤخرتها ... إهتزازها وهي تتوجه للمطبخ تحضر كراتين كثيرة لبضائعنا ...
جلسة عمل صباحية طويلة ... خرجت منها مثقل اليدين مما تحمله ... ومثقل القلب مما يحسّه ... سيّارة أجرة أنجدتني ...
حملي في صندوقها وقلبي يخزني من مشهد أحلام ... مساءا لجأت للمهندس ... قهوة وعلبة سجائر ثمن إنخراطي في الشبكات كلّها ...
تعلّمي النزر اليسير للدخول والخروج والإعجابات والتعليق والرسائل كلّفني كل فترة ما بعد الظهيرة ...
عشاء دسم أثقل جفوني ... وجود سعاد التي أصبحت ساكنا غير مقيم في بيتي لم يزعجني ... إستأذنت منها للنوم ... قالت أنها ستغادر بعد إشباع نهمها في الفرجة على التلفاز ...
مستلقيا في سدتي بعد إحكام إغلاق باب غرفة النوم ... خفت من دوائر تفضحني مع سعاد لو قررت غسيل ملابسي ... تخلّصت من البوكسر ...
عاريا من الخجل والضمير ... أسلي نفسي بالعبث بشاشة هاتفي ... إشارة الرأس على موقع الفيس تشير لطلب صداقة .... لا أحد غيرها أحلام التي أرسلت رسالة تبارك فيها إلتحاقي المتأخّر للعالم الإفتراضي بمجرد قبولها ...
إدعيت أني فهمت تفسيرها كيف وجدت حسابي لأن رقمي مسجّل عندها ....
موعد مع الحادية عشر ليلا ... تكون أنهت فيه إلتزامات دروس أولادها وتأكدت من نومهم ... 3 ساعات تكفي جوعي للنوم ...
شريط الكوابيس يوشك أن يبدأ صوت غريب يهزني ... إتصال عليه صورة أحلام ... ليس كما تعودته ...
ضغطت الزر الأخضر ... صورة كبيرة لوجه أحلام يتألّق أمامي ... تحته مربّع أسود ...
- إنت فين ؟؟
- كنت نايم ؟؟؟
- لوحدك ؟؟؟ طبعا لوحدي ؟؟ إنت ديما تهماني ظلم كده ؟؟
- بصراحة مش مصدقاك ... بس ما علينا لو عاوز تصرف فلوسك عالفاضي إنت حرّ
وتحوّلت المكالمة لحديث عن العلاقات الإنسانية المفيدة ... لم أهتم للبس البوكسر ... صوتها وحده كان يدفع إنتصابي لأشده ... فما بالك لو صاحبه وجهها ...
حرقة أصابت زبي من كثرة الفرك ... تحولنا للعمل ... قائمة طويلة ... الساعة تقارب منتصف الليل ... فتحت باب الغرفة ببطئ ...
ظلمة المكان تؤكد إطفاء سعاد للتلفاز قبل مغادرتها ... باحثا عن دفتر وقلم وضعتها فوق الطاولة ... تعثرت بكرسي أخطأت تقدير مكانه ...
نور الصالون يفتح ... صراخ رعب من سعاد التي تقف أمامي لا يسترها سوى كيلوت قطني أزرق ... رعبي وإرتباكي أوقعا الهاتف بين قدمي ... صرخة أخرى تصلني من الهاتف ...
أحلام تنظر لي من الأسفل ... المربع الذي كان أسودا في الظلمة أصبح عليهه صورة أسفل كيس بيضاتي وقضيبي المنتصب ...
محاولا تدارك الأمر ... إلتقطت الهاتف أحاول قطع الإتصال ... ضغطت كل الأزرار.... صورة ثديي سعاد بين يديها تتصدر المربع ...
إعتذار شديد مني لسعاد التي تبحث عما تستر به نفسها ... هربت لغرفتي ... مؤخرتي عارية وزبي يتأرجح في مربع شاشة الهاتف ...
دقائق طويلة تطلبها إعادة نفسي لحركته الطبيعية ... خرجت من الغرفة ... لابسا ثيابي ... سعادة تجلس على الكنبة تلتحف غطاء قماشي ...
- أنا آسف جدا ... كنت فاكرك روّحتي ...
- لا أبدا أنا إلي آسفة ... أصلي بليت قميصي وأنا أغسل المواعين ... فغسلته ونشرته ... ما كنتش متوقعة إنك تصحى قبلي ... آسفة إني نمت هنا من غير إذن
- لا أبدا البيت بيتك ... أنا آسف عالإحراج ...
- لا أبدا ... هي كان لازم في يوم تحصل ... وحصلت النهاردة
وإنسحبت للمطبخ ... عيني تراقب مؤخرتها بأسف ... توقعت ساعتها إنسحابها من حياتي للأبد ... صوت الهاتف يعلمني بإتصال قادم ... صورة أحلام تتوسط الشاشة ...
- مش قلتلك إنك مش لوحدك ؟؟؟
قبل أن أقسم لها ... خرجت سعاد تستر صدرها بقميص لم تزل آثار الندى بادية عليه ... أخذت الهاتف من يدي ... سمعتها تقسم آلاف المرّات لأحلام أنها تقوم بخدمتي بمقابل ... وان الظروف دفعتها للمبيت عندي لأوّل مرّة ....يبدو أن أحلام أرادت التخلّص منها فصدقتها ...
قالت وهي تودعني أنها ستكلمني صباحا لإتمام العمل ... لهجتها وهي تقول " أسيبك مع الشغالة بتاعتك " تنم عن تأويلات كثيرة ....
سعاد التي وضعت كأس شاي أمامي ... بخاره يداعب أنفي ... رحمت إرتجافها ...إحدى بيجاماتي سترت جلدها ... سحبت سيجارة من علبة أمامي ... نفس طويل سحب عيني نحوها ... لم أعلم أنها تدخّن ... قطعت شرودي
- آسفة إني سببتلك إحراج مع حبيبتك ... (كنت سأعلمها أنها زوجة خالي) بس تعرف أنا مصدومة ؟؟؟
- مصدومة من إيه ؟؟؟
- أصلها كبيرة في السن ؟؟
- لا أبدا دي تقريبا من سني ؟؟
- (صدمة تعتلي وجهها) من سنك دا إيه ؟؟ دي باين إنها فوق الأربعين ؟؟
- أيوة ماهو أنا سني 40 ...
- قول كلام غير داه (أقسمت لها) شكلك بالراحة ما يديش الثلاثين
- هههه يجبر بخاطرك ...
- لا بجد ؟؟؟ إنت عمرك 40 ؟؟؟
ملامحها تغيّرت وجلستها تغيّرت ... سهرنا حتى الفجر نضحك من طرافة الموقف ... يبدو أنها كانت تتجنبني لظنها صغر سني ... أو ربما شيء آخر ...
أذن الديك وصاح وسكتت سعاد عن الكلام المباح ... تسللت بحذر نحو بيتها ... الشاطئ خالي إلا من كدس الأعشاب ... حملة صباحية على ما تبقى من اسماك البوري ...
إتصال جاد من أحلام نبرة صوتها تؤكد إقتصار العلاقة على العمل ... طلبات منظمة وفق القائمة ... صندوق مرطبات لم أهمل فيه مربى المشمش ...
الممرضة تستقبلني ببشاشة ... يبدو أن غيابي أعادهم سيرتهم الأولى ... نصف ساعة وافتتحت الجلسة النسائية الصباحية بإلتحاق الغائبتين ... مأدبة فطور على شرف عودتي ... رايات البهجة ترفرف على وجوههن ...
أعلمت ألفة ضاحكا بإنخراطي في شبكات التواصل ... خرجت أطوي مقتطعات توصيل الطلبات ... قائمة أصدقائي الحقيقيين في الإفتراضي أضيف لها ثلاثة جدد ...
جالست قيس في الميناء ... لم أشأ أن يشعر بتغيّري ناحيته ... سجائر وقهوة أوصلني بعدها للبيت ...
كابوس مسائي يهزّ كياني ... مصلوبا على مفتاح حديدي ... راسي تغلي و قضيبي يقطر حمما حمراء ... الموظفات كن ضيفات شرف في حلقة اليوم ...
صوت الدش البارد قطعه نداء سعاد تبحث عني في البيت ... توقيت زيارتها مبّكر عن العادة ... أستر نفسي بفوطة ألفها حول وسطي ... خطوات سريعة نحو غرفة النوم مستغلا دخولها للمطبخ ...
يد حنونة تمسك منشفة تلحق بظهري ... تعاتبني على خروجي هكذا مغامرا ضد برد مساء الخريف ...
أصارع قطرات ماء تتسلل على جلد صدري وعيني تصارع مكتشفة جلد فخذي سعاد ... نعومة تشرق من فتحة أسفل فستانها ... حلوى نزع الشعر قامت بواجبها ...
قميص أزرق مزين برسومات ورود سوداء ... طويل بفتحات جانبية تبدأ من أعلى الفخذ حتى القدمين ... شعرها مشدود للخلف ... إشراقة وجهها تدّل على عناية خاصة بنفسها ...
كانت تساعدني في إختيار ما ألبس ... ملتحفا الفوطة عاري الصدر ... وضعت قميصا داخليا و بوكسر رماديين أمامي ... إنتظرت خروجها لكنها تعمّدت الإطالة في البحث عن بنطلون و سترة في الخزانة ...
ترددت أوّل الأمر ... لبست القميص ... قلت لعلها ستنتبه وتخرج ... تدير ظهرها لي مهتمة بإختيار لبس يناسب الطقس هذه الليلة ... قلبت الآية ...
صدري يستره القميص ... أزلت الفوطة زبي منحني للأسفل ... تعمدت التظاهر بالبحث عن الجانب الصحيح للبوكسر ... تعديلها لزاوية الرؤيا في المرآة قطع الشّك ...
إضطرابي منعني من الزيادة ... لبست ما إختارته لي ... قررت مفاجأتها اليلة ... طلبت منها الجلوس أنا سأتولى الطبخ ... ربما سأفهم المغزى من تقرّبها مني ...
رضخت أمام إصراري ... طبق عزّاب ... شكشوكة وصدور دجاج مقلية ... تعتبر إنجازا بالنسبة لي ...
لمسة أنثوية ساهمت بها لتنميق الطاولة ... جو هادئ خلال العشاء ... إطراء بسيط منها على إجتهادي ... ثم قالت
- يعني طلعت تعرف تطبخ ؟؟
- هما الطبقين دول والباقي ميح ؟؟
- يعني في غربتك مين كان بيطبخلك ؟؟؟
- لا هناك الدلع على أصوله ... الأكل بيجيني لحد السرير ههه (لم أكن أكذب)
- طبعا ياعم مين قدّك .... إلي معاه الفلوس .
- هههههه ممكن
- طيب ممكن تقلي ليه الليلة بالذات قررت تطبخ ؟؟؟
- أبدا بس شفتك متشيكة ... فحسيت إنه واجب عليا إكرامك
- كده متشيكة ؟؟؟ داه لبس عادي ؟؟؟
- لا أبدا لاحظت تغييرات ... شكلك متغيّر
نظرة عينيها تعكس أنها تراجع تغييراتها ... فتحت عينيها وإبتسمت لما فهمت أني لاحظت أنها نزعت شعر رجليها ... أخفت رأسها في الطبق تصارع ما تبقى فيه ...
- الواضح إنه ما بتفوتكش فوتة ؟؟ إبتديت أخاف منّك
- حرام عليكي ... ممكن تخافي من الناس كلّها إلا أنا
رافقت كلامي بغمزة دفعت رأسها للإنحناء طيلة ما بقي وقت العشاء ... غسلت المواعين القليلة ... حضّرت الشاي ... أطباق فواكه جافة لزوم السهرة ...
سعاد تجلس على الكرسي ... إستلقيت في الكنبة أشعل سيجارة ... عيني تراقب فتحة فستانها التي إتسعت عمدا ... حلقة مسلسلنا اليومي توشك على النهاية ...
أحلامي إنتهت قبل بدايتها ... سعاد تصرّ على المغادرة ... أتبع شذى عطرها في البيت ... تفكيري البسيط لم يستوعب حركاتها ...
إمرأة متزوجة تسهر ليليا مع رجل في بيته ... أنا لم أكن جريئا معها ... أصلا هي لم تكن تجذبني ... ربما الجفاف العاطفي هو السبب ... هي تريد شغل وقتها فقط ...
أنا أيضا ألفت وجودها ... أخاف أن تنسحب من حياتي إثر جرأة قد أندم عليها ...
ساعة من التفكير امتلأت فيها مطفأة سجائري ... صوت الهاتف يعلمني أن هناك إتصال قادم ... أحلام من الجهة الأخرى .. إتصال صوت وصورة ...
وجها لوجه أمضينا قرب الساعة نتحدث في اللاشيء ... حركة لا إرادية تخلّصت من البوكسر ويدي تداعب قضيبي ... إنتصاب شديد ... أحيانا تتحرك كاميرا هاتفها لتسقط عيني في مفرق صدرها ...
ضياع تفكيري في سعاد وحالة الإنتصاب اللاإرادي التي تتملكني دفعت أحلام لعتابي على عدم تجاوبي مع أسألتها العادية
- مالك مش مركّز معايا ليه ؟؟؟
- لا أبدا معاكي ... بس ممكن من قلّة النوم
- قلّة النوم وإلا مش لوحدك زي عوايدك ؟؟
- لا أبدا لوحدي
- مش عارفة مش مصدّقاك ليه
- إنت كده ديما ظالماني ؟؟
- طيب وريني البيت كله عشان أطمّن
رحت أجول البيت كلّه بالهاتف ... الأنوار كلها تنير .. أفتح باب غرفة أجيل كاميرا الهاتف فيها ... أنتقل للغرفة الأخرى بعد أوامرها أنها تأكدت أن لا احد فيها ... دخلت الحمام ... مع ضغط مكبس النور ... إنعكاس صورتي عاريا في المرآة دفعني للإنسحاب بسرعة ... صوت أحلام يأتيني مفزوعا ....
- أنا شفت خيال حدّ في الحمام
- لا أبدا دي تخيّلات ...
- لا أنا متأكدة إني شفت حد ... إرجع للحمام وريني ...
- طيب لحظة (كنت أجيل نظري بحثا عن شيء يسترني)
- لا دلوقتي حالا ... ممكن تخبيها في غرفة ثانية ... حتلعب معايا شيلوا الميتين ؟؟؟
لم أجد بدا من الإذعان لأوامرها ... كنت أتحاشى مكان المرآة لكنها أصرّت ... صورتي في المرآة عاريا ... عضلات صدري وذراعي ... زبي نصف منتصب ... رأسه للأسفل خجلا لكنه منتفخ ...
نصف دقيقة مرّت كأنها الزمن حتى جائني العفو ... صوت أحلام ووجها يأتيني ليحبط فكرة لم تتخبط في أحشاء مخيلتي بعد ... قالت أن نعود للعمل ....
قائمة طويلة للطلبات وعناوين الزبائن ... قبل الفجر بقليل ودعتني ... قالت أن التغيرات في ديكور البيت تعجبها ... يجب أن تراها مباشرة ...
ريح تهب مع أول أنوار الفجر ... لا مجال لفسحة على البحر ... محاولا الهروب من خيالات واقعية عجز عقلي عن تصوّرها ... دلفت فراشي ... لم تنزل ستائر جفوني بعد وإبتدأ البث من جهنّم ...
كابوس مزعج ينتهي بإرتعاشة وبقع إحتلام مقرفة ... الساعة العاشرة صباحا ... مهرولا نحو مركز البريد محملا بصندوق الطلبات والقائمة .... الموظفات ينتظرنني معاتبات تأخري وإهمالي جلب مرطبات الصباح ...
وعدتهن بالتعويض في أقرب فرصة ... ألفة الأكثر جرأة تطالب بعزومة فاخرة بالبيت ... تهاني قالت أن يوم الخميس يناسبها ... الغد زوجها سيسافر ... إقبال قبلت على مضض ... أما ألفة فعيناها تلمع سعادة ...
غرامة ليست في وقتها ... والأكيد لا طائل منها ... مصير علاقتي بهن كعلاقتي بسعاد ... أكل ومسامرة ... أصدقاء فقط ... ما باليد حيلة
سعاد التي إعتذرت عن خدمتي يومها ... تريد الحفاظ على سريّة علاقة لا جرم فيها ... حفل شواء بعد الظهر سيفي بالغرض ...
تهاني تقود زميلتيها نحو البيت ... دخلن مسرعات من عين راصد يفضح أمرهنّ ... إعجاب بالبيت العتيق ... ركن الكيف المستور كان موقع جلستنا ...
ضحك الجميع من نهم ألفة للحم ... قالت أنها نسيت طعمه ... تتصرّفن معي كأني إحدى صديقات طفولتهن ... بدأت اشك في رجولتي ...
إنتهى حفل الإستقبال وسط تأكيد منهن على أن تصبح جلسة الخميس عادة أسبوعية ... شيء جميل سأتعلم حياكة الصوف والتطريز قريبا على هذا المنوال ...
رغبتي في مجالسة الرجال علّي أصنع توازنا في روحي دفعتني لمقهى الميناء ... قيس والهادي كانا جليسي ... مكالمة من زوجة قيس إنتفض معها مسرعا للبيت ...
الهادي عالج قلقي ... قال انه يخاف من زوجته ... لعن الهادي الزواج والنساء ... قال أن قيس منذ فقد عمله وتدهورت أموره تحكّمت به زوجته كونها هي من تصرف على البيت ...
شعور بالمرارة يسكن حلقي لا أعلم سببه ... دخلنا دكان الهادي الذي يعده بيتا له ... عشاء دسم بالسمك ... ثمّ قرر إكرامي ...
أعجبني شعوره بالمطلوب ... فالنفسية محتاجة لسيجاراتي حشيش وزجاجة بيرة ... الحشيش أو ما يعرف عندنا بالتكروري ... المخدر الشعبي الأصيل ... جاهدت الدولة للقضاء على زراعته منذ نصف قرن ...
الكل يظن أنه إنقرض لكن هذه المادة لا تفنى ولا تستحدث من عدم ... تأثيره السحري خصوصا لمن لم يعتده مثلي وصغر مساحة الدكّان ... الدخان يغطي المكان ... كل عنصر في جسدي يضحك لوحده ...
الهادي تحوّل آخر السهرة من قصاص طريف لمخرج أفلام رعب ... من الرهبان للعبيثة للتابعة وصولا لبغلة القبور ... أو عيشة قديشة ... شخصية أسطورية مغاربية تهاجم الرجال ...
جسدها جسد حسناء ورجلها رجلي بغلة ... القديسة عيشة ... أميرة مسيحية وقعت في أسر قراصنة وبيعت كجارية ... أسموها عيشة ... حاولت العودة لوطنها فإستغلها كل رجال المدينة ...
درأ لفضيحتهم بحملها من أحدهم ... أتهمت بالزنى تم ربطها بالسلاسل فوق بغلتها ... ورجم الإثنان معا ... المرأة والبغلة ضحية حجارة كل زناة المدينة ....
إمتزج دمائها بدماء البغلة وتحوّلت لجنية منتقمة .... سكنت القبور تصطاد أحفاد ظلاّمها من الذكور ... تنادي المارين بين منتصف الليل والفجر بأسمائهم ... صرير سلاسل حديدية ... ثم تسحب فريستها للمقبرة يلاقي مصيره المجهول ....
هو يقسم أنها خرجت له مرّة قرب الشاطئ والقشعريرة تسري في جسدي ... رعبي حكم عليّا بالمبيت في دكّانه ...
مع نسمات الفجر الأولى ركبت مع الهادي مركب صيده ... أنزلني قرب شاطئ بيتي ... لا يزال تأثير الحشيش يعبث بعقلي ...
خطوتان على الشاطئ ... وإنخلع قلبي من صوت أنثوي مبحوح يأتي من بعيد ... أستاذ دليل ... أستاذ دليل ...
جاهدت للحفاظ على وصية الهادي التي تنجيني من براثن ساكنة القبور ... مع رابع نداء لم استطع المقاومة أكثر ... إلتفت ورائي ...
كدس الأعشاب الأسود يقف على قدميه على بعد أمتار مني ... شعر أبيض طويل صبغت أطرافه باللون الأحمر... وجه إمراة لم أتبين من سوى بقايا أسنان صفراء... ثم إلتحفت بلحاف أسود وأتجهت نحوي...
لم أنتظر لأتبين رجليها إن كانتا لبغلة أو عنزة ... كل ما أذكره أني دخلت البيت أزحف على أربع و وقلبي ينخلع في صدري رعبا ...
أغسل وجهي الأصفر ... أنظف فمي من أثر تراب الشاطئ والطريق الذي تمرّغت فيه ... أحكمت إغلاق الأبواب وكل الشبابيك ... متدثرا بكل الأغطية في سريري ...
جفناي مغلقان وحواسي كلّها ترصد دبيب النمل ... الجنيّة تدخل من فتحة المدخنة ... تبرك على جسدي في السرير حركتي مقيدة بسلاسل من نار ... تحشر مفتاحا صليبيا في مؤخرتي ... تديره في كل الإتجاهات ... وجهها يتحوّل لكل النساء اللواتي عرفتهن ... إستقرّ في الآخر على وجه عجوز مألوفة ...
زوجتي السابقة تفتح رجليها لتخرج النقود من بينها ... النقود رسمت عليها فروج النساء تقضم قضيبي ... الموت يباغتني دون فرصة للتوبة ...
فزع من عاد للحياة يطير بي للحمام ... متأملا وجهي الشاحب ... لا لم يكن حلما أبدا وإن تلون قماش البوكسر بين فخذي ...
كطفل صغير مفزوع من كابوس لجأت لأمي ... إتصلت بأحلام أعلمها بأني لست قادرا على توزيع الطلبات اليوم ... تذمّرت بل انزعجت كون ذلك سيؤثر على مصداقية عملنا لكنها تفهمت وضعيتي من نبرة صوتي ...
أضع راسي فوق حجر أمي التي تداعب بيدين مرتجفتين شعري ... شيراز التي بالغت في إكرامي بما وجد بالبيت تنسحب أمام إهمالي الغير متعمّد لإبتساماتها ... دليلة التي رحبّت بعمها خالي الوفاض من الهدايا ثم إنسحبت ...
نمت كرضيع شبعان ونظيف على حجر أمي ... أيقظتني شيراز بحنو ... موعد عشاء ودواء أمي ... أمي تفتح فمها لكل ملعقة أكل أضعه أمامها عيناها تمتلئ حنان وإمتنانا نحوي ...
عاد الهدوء لروحي ... مستلقيا على فراش أمي ... مغمض العينين ... صاحي العقل ... مضطرب المشاعر ... صوت أنفاسها المتعبة يهدهدني كأغنية نوم للأطفال ...
بدأت أستسلم للنوم ... صوت ينادي بحلول الفجر ... أمي تمسح على راسي ... فتحت عيني ... كانت تتأمّل وجهي ...
لا تزال تحتفظ بجمالها رغم السنين ... سحبت وجهي ناحيتها ... وضعت إصبعها على شفتي ... تريد مني الإنصات ... صوتها خافت كمن تريد الإفصاح عن شيء ..
- إسمع يإبني ... إنت لازم تجيب بنتك تعيش معاك ... حرام إنها تعيش عند زوج أمها وأبوها موجود ... أنا ياإبني مغلوبة على أمري ... إخواتك ونسوانهم حكموا رأيهم ... لو المرحوم أبوك كان عايش ماكانش كل داه حصل أنا آسفة يا إبني الظفر عمرو ما يطلع من اللحم
قطع تخاريفها دخول شيراز ... موعد الدواء ... إنسحبت للحمام مفسحا لها المجال ... الماء البارد لم يفد شيئا في دهشتي ... ربما آثار الحشيش لاتزال تعبث بي ... تأثير مرض الزهايمر يتصاعد عند أمي ...
شيراز تغلق باب غرفة أمي وتتسحّب على أطراف أقدامها... إشارة من يدها لحقتها للمطبخ ... نار الموقد تسلق بيضات ... جلست على كرسي أراقبها ... حقا هي تتفانى في خدمة أمي والعناية بدليلة ...
تلتحف روبا صوفيا أزرق عليه رسم وردة بيضاء من الظهر ... لا شيء يمكنه إخفاء إستدارة مؤخرتها ... قطعت صمت الجلسة بسؤالها
- هي ماما عندها إيه بالضبط
- يعني أمراض الشيخوخة العادية ... شوية ضغط على سكّر على شوية تصلّب في الشرايين ...
- يعني ما فيش مرض مستعصي إلا و مش ساكنها ...
- هي لما تواضب على الدواء تبقى تمام ... بس أحيانا حالتها تتعكّر
- طيب وحالة الهذيان دي بتجيلها ديما ؟؟
- الدكتور بيقول إنها بداية زهايمر ... بس مع الدواء الحالة مستقرّة ...
- يعني هي بيتهيألها حاجات وإلا بتتذكّر والا إيه بالضبط
- كل مرّة ونوع العرض ... أحيانا تعاملنا زي العيال ... وأحينا تبقى تكلّم الميتين كلهم وأحينا بتجيب قصص من دماغها ...
- يعني مثلا إلي عملتو في المستشفى داه يبقى إيه ؟؟؟
- (لم تتمالك نفسها عن الضحك) لا ما تخدش في بالك داه ولا حاجة قدّام الي كانت بتعملو في إخواتك ههه دي بيتوريهم الويل
- طيب كلامها كان تخاريف والا وقائع
- في كده وفي كده
- يعني إيه الواقع وإيه الهذيان (صمتها دفعني لتحديد الأسألة) طيب إلي بيشرب سجاير وإلي إتسجن داه أنا وإلي ما بتخلّفش أعتقد جيهان مرات أخويا الكبير ... مين بقى إلي ما يصرفش على بيتو (أشارة بيدها للأسفل أنه أخي الأصغر فيهم) ... يعني إنت إلى زوجك بيخونك ( إشارة بفخر مرير أن نعم ) متأكدة ؟؟؟ (نظرة عيني وحركة شفتي تدلّ على إستغراب كبير)
- أيوة أنا ودي حكاية طويلة ... ممكن وقت ثاني تسمح الظروف أحكيهالك ...
- طيب هو في حكاية حصلت إمبارح مش فاهمها أتمنى ألاقي عندها إجابة ...
- حكاية إيه
كنت سأحكي لها هذيان أمي ليلة أمس لكن حركة أولاد أخي الأصغر وأمهم قطعت الحديث ... شيراز هي أم الكل هنا ... هي تطبخ وهم يأكلون وتنظف ما يتركون ... لأوّل مرّة أجتمع مع كل عائلتي على طاولة الإفطار ...
الجو كئيب ... ربما وجودي يثقل عليهم ... أخي الأصغر تكلّف بإيصال الأولاد للمدارس بينما إنسحب الأوسط للراحة بعد ليلة عمل ... الأكبر عرض عليا مرافقته للمقهى ...
رفاقه من الموظفين ... جلستهم ثقيلة على قلبي ... حدثني أخي عن فكرة قسمة ورث أبي بإقتضاب ... وجود أصدقائه منعنا من الدخول في التفاصيل ...
روحي المنتقمة بدأت تخضع للواقع ... كنت أفكّر بالتنازل عن نصيبي لهم ... نحن عائلة مهما حدث ... ربما تهدأ عاصفة كوابيسي بذلك ...
لم أستطع تحمل ثقل دم تلك الجلسة ... غريب بينهم وكلامهم لا يستهويني ... التاسعة صباحا ... صوت حنان مثقلا بالنوم تصف لي عنوان بيتها ...
فيلا فخمة في أطراف المدينة ... حديقة واسعة ومسبح يشهد على مجون زائريه ... الحيطان مزينة بصور جميلات نصف عاريات ...
صالون واسع ينتهي ببار مفتوح تعج رفوفه بقوارير الخمر الفخمة ... كأس ويسكي تصبه هيفاء بسرور كبير سببه زيارتي المفاجأة ...
ذكرياتي الوردية معها قطعتها حنان وهي تترنح في درجات السلّم ... لم تفق من نومها بعد ... نفس سيجارة طويل ثمّ سؤال سمج منها ...
- خير ؟؟؟ إيه إلي فكّرك بينا ؟؟؟ ماهومايجيش من وراك غير المحاكم والصحيان بدري ؟؟
- أنا آسف يا ماما ... (هممت بالنهوض معتذرا عن الإزعاج لكنها أمسكت يدي بعنف)
- آسف مين ؟؟ مادام صحيت يبقى لازم أفهم ؟؟
- مش عارف أبتدي منين ؟؟؟ الموضوع معقّد ولازملو تركيز
- حأركز معاك بس تحكي التفصيل بس من غير مقدّمات ... النهاردة سبت وعندي شغل الليلة للصبح ...
- طيب أنا حأتجنن ؟؟
- وفيها إيه جديد طول عمرك مجنون ؟؟؟
- لا بجدّ ... أنا بأشوف كوابيس ومش عارف أنام ؟؟؟
- دي تروح لعرّافة او شيخ يحلهالك ؟؟؟ أنا بتاعة محاكم ...قضايا ... سكس ... خمرة نسوان ؟؟ الأحلام ماليش فيها
- ماهو مع الكوابيس جمعت كل دول .... أنا أصلا بأحتلم ؟؟؟
- ماهو لازم تحتلم ؟؟؟ بغل زيك بياكل 10 كيلو سمك كل يوم ولا متجاوز ولا مصاحب ؟؟؟ المفروض تفرقع مش تحتلم بس
رحت أقصّ عليها كل ما حدث لي من سمر مرورا بأحلام وسعاد والموظفات ونساء إخوتي ... طلبت قهوة من هيفاء التي وضعتها أمامها وإنصرفت مبتسمة ... لجمت إبتسامتي بقولها
- مش قلتلك النهاردة سبت وعندنا شغل كثير ... سيبك من هيفاء دلوقتي وركّز معايا ... بالنسبة لبنت 17 سنة داه طبيعي منك ومنها ... كل الرجالة في سنّك بيحبو البنات إلي في سنّها وداه عن تجربة ... بس داه الموضوع خطر ؟؟؟
- خطر إزاي ؟؟؟
- البنت إلي في سنها كلّها مشاكل ... سن مراهقة ومشاعرها مضطربة ... حتى لو إرتبطت بيك ... المشاكل حتتأجل لكام سنة بس من نوع ثاني
- من نوع ثاني إزاي ؟؟؟
- يعني حتندم وإنت حتكبرفي العمر وحتخونك وبلاوي زرقة ...لو جاتك فرصة مع وحدة مضمونة ما تضيعاش بس تخلص منها بسرعة
- فهمتك
- ... نجي لجارتك المتزوجة ... دي الأخطر لأنها خالة البنت ... وممكن تكون كمين خصوصا إنها بتزورك كلّ يوم وأحيانا بتبات عندك ... لو نفسها فيك كانت على الأقل عملت إشارة ما إنتظرتش المدّة دي كلّها ...
- يعني إيه
- يعني ممكن تكون مستنية حركة منّك وتعملّك مصيبة ... الأحسن تقطع علاقتك بيها
- إنت شايفة كده ؟؟
- داه رأيي ... مرات خالك بقى دي حكاية لوحدها ... عايشة لوحدها وزوجها مسافر يرجع إبن أخت زوجها المحبوب ومكالمات هاتفية وصوت وصورة ... دي أكيد مستنية إشارة ... وهنا بقى إنت وضميرك مش حأتدخّل ....
- إشارة زي إيه مثلا ؟؟؟
- مش عارفة ؟؟؟ إنت مش بتقول إنها ديما شاكّة فيك ؟؟ وزعلت لما شافت جارتك عريانة عندك ؟؟
- أيوة ؟؟
- يعني رسالة بالغلط في الماسينجر فيها كلام سخن وشوف النتيجة ؟؟
- طيّب حنشوف كملي دا إنت مصيبة ؟؟
- مراتات إخواتك ... بالنسبة للي زوجها بيخنها دي أسهل وحدة ... بس خليها هي إلي تاخذ الخطوة الأولى ؟؟
- أعمل إيه يعني ؟؟
- هدية بسيطة و شوية إهتمام وسيب الأمور تمشي بطبيعتها و أحكم
- أها وبعدين ؟؟
- الثانيين بقى لو وصلت للأولى يبقى تنساهم خالص لو ما وصلتش بردو إنساهم ... لأن إلي ما بتخلّفش تخوّف ... تبقى ناقمة ومش هامها حاجة وواضح إنها خطر ... والثانية إنت مش حتقدر على تعويض بخل زوجها فبلاش أحسن
- أيوة وبعدين
- صاحباتك الموظفات دول حاجة من الإثنين ... يإما بيجيبو رجلك عشان صاحبتهم إلى مش متزوجة ... عاوزين يقربو ما بينكم ... وداه لو إنت عاجباك يبقى إرتحت من كلّ مشاكلك مع بعض ... وانا بأشجعك على الحل داه لو صحّ
- (فكرة لم تخطر ببالي قط) أهاه ... والإحتمال الثاني
- وحدة مالمتزوجين عينها منك وبتجرجر الباقي يغطو عليها في الأوّل ...
- ودي أعرفها إزاي ؟؟؟
- سهل جدّا إتقرّب من إلي مش متزوجة وشوف ردّة فعل الثانيين ...
أعجبني تحليل حنان ... صدري إنزاح عنه ثقل كبير بالحديث معها .. الفضفضة تريح ... رأسي ثقل بكأسي خمر ألهبتا رماد الحشيش في عقلي ...
نوم ثقيل حتى المساء ... قهوة وسجائر وبابي مغلق أمام الجميع ... سعاد التي تقبّلت بمضض خبر قدوم عائلتي للإقامة مدّة عندي أعادت لي نسخة المفتاح ...
إكراما لخالي سأحاول تجنّب التفكير في زوجته مع المحافظة على علاقة العمل ... زوجات إخوتي كذلك سأنسحب من حياتهم ...
التنازل عن حقي في ميراث أبي سيبعدني عنهن ويبعدهن عني ...
الموظفات ... إقبال جميلة ووضعيتها المادية ستساعدنا كلانا على العيش و بدأ حياة مستقرّة ... مداخيلي من تجارة الكريمات و صيد السمك ستوفر حاجياتها ... بيتي فخم وقد أعجبها ...
أمضيت ليالي أفكّر في طريقة مفاتحتها ... سأصارحها بوضعي ... أصلا قلبي صار يخفق لها ... تخيلت حياتي المستقرّة معها ... أطفال يكبرون أمامي ... الحب ليس شعورا ... الحب هو أن تقنع نفسك أنّك تحب شخصا ...
قررّت تحيّن فرصة الإنفراد بها ... ليلة لم تزرني فيها الكوابيس ... صرت مقتنعا أن الكوابيس هي رد الغيب على تفكيري المارق ... كل ما زدت مجونا في التفكير زادت الكوابيس رعبا ...
أتجوّل على الشاطئ منتظرا طلوع النهار ... أشعة الشمس تكشف مابين الأفقين ... كدس الأعشاب يربض مكانه ... ساخرا من خوفي وسخافة عقلي تقدمت نحوه بخطى متعثّرة ...
على بعد خطوتين منه ... إمتلأت نفسي رعبا ... الكدس يقف على قدميه يلفلفل شعره الأبيض بصبغة برتقالية ... بقايا أسنان صفراء تكشف من وراء شفاه تشققت ... نفس وجه الجنية في المنام ...
قبل الإغماء عليا بثواني ... خرجت كلمات خجولة ... من شفتيها ... " من فظلك عاوزاك في خدمة "
واقعا على الأرض على بعد مترين منه ... عيني مثبتة على رجليها الغائصين في الماء ... إنكشف كعب رجلها ... أقدام بشرية أطلقت صوتا مبحوحا مصحوبا براحة من صدري ...
- تحت أمرك يا هانم ...
- تسلم طول عمرك إبن أصول ... الظاهر ما عرفتنيش ؟؟؟
- الحقيقة لا يا هانم ... أصلي بقالي سنين مسافر ... حضرتك تعرفيني
- عزّ المعرفة ... بحياة العيش والملح إلي بينيا لا تكسر بخطري ...
ثواني و إسترجعت ذاكرتي ... هي جدة طليقتي من الأمّ ... سيدة معمّرة تحدّت محن قرن من الزمن... كانت تعاملني كإبن لها خلال الفترة القصيرة التي صاهرت فيها عائلتهم ...
هي كذلك جدّة نبيل ... أعلمتني أنه ولد إبنها ... جلست بجانبي وقد هدأ روعي ... صوتها مهتزّ وهي ترجوني أن أسقط الدعوى عن حفيدها ... قالت إنه حي ... هي تشعر بذلك سيعود قريبا ...
تنتظره يوميا على الشاطئ أن يطلّ عليها من الماء ... قالت أنها تخشى إن عاد أن يكون مصيره السجن ...
دمعت عيني لصورتها ... قالت انه عزائها الوحيد بعد إصابة والده بالشلل منذ سنين ... تذكّرت صورة العضلات المفتولة على زندي والده خال طليقتي وهو يمضي شهادته على وثيقة زواجي منذ سنين ... عجيب أمر الدنيا ...
كادت تقبّل رجلي لأقبل طلبها ... وضعت في يدي صرّة دنانير ... هي كلّ ما تملك قالت خذها تعويضا عن مركبك الذي سرقه حفيدي ...
قبّلت يدها ورأسها ... الطريق أمامي مظلمة من أثر الدموع في عيني ... إتصلت بقيس علّه يعرف كيف أقوم بهذا الإجراء ... يكفيني ذنوبا أن أتهم أحدا بجرم لم يرتكبه ...
كاتب عمومي يقوم بكل الأعمال الإدارية في القرية ... عقود شراء وكراء وتنازلات ... تكفّل هو بالأمر مع العدالة بعد تعريف إمضائي على الوثيقة ...
سهاد وحرقة قلب ... لكن ضميري مرتاح ... تخلّصت من أحد الذنوب في صك غفراني ... نوم عميق دون إزعاج ... رسائل الجحيم لم تستدلّ على عنواني ....
أقرمش ما وجدت بالمطبخ ... غياب سعاد فرض حالة العزوبية من جديد ... أرقب سطح البحر من شرفة منزلي ... أحلام تتصل بي كعادتها ...
يد تمسك الهاتف والأخرى القلم ... جاهدت للتخلّص من عادة مداعبة قضيبي على صوتها ... قائمة طويلة من الطلبات إنتهى فرض إملائها قبل الفجر ...
حمام ساخن ... حلقت ذقني ... اخترت بعناية أحسن ملابسي ... تعطّرت وسرّحت شعري ... تفقد هيئتي أمام المرآة مراّت ومرّات ... شكلي وسيم ... لا أعتقد أن إقبال سترفض عرضي الإرتباط بها ..
مسحت أثار غبار الطريق عن حذائي الجديد .... وقع خطوات ثابتة على أرضية مركز البريد سحب نظر الموظفات لي ... قبل أن أبادر بالسلام سبقتني ألفة بالكلام وهي تمسح فمها من أثار حلويات إلتصقت به ...
- جيت في وقتك ... تعالى خذ نصيبك وبارك لإقبال
- ألف مبروك ... بس على إيه ؟؟؟
- أصلها إتخطبت يوم السبت ... هي مش إتخطبت خطيبها رجع من السفر بعد 7 سنين
إنحشرت كلمة ألف مبروك في حلقي ... تجرّعت مرارة حلويات احتفالهن بفشل قصة حب لم تصرخ صرخة الولادة بعد ... لم أعلم كيف مرّ وقت تسليم الطلبات ... ألفة لاحظت ارتباكي ...
دمع يتلألآ من عيني ... أتعثّر في الطريق ... كرهت خطيبها ... خطف مني مشروع حب ... عاد من السفر غانما وعدت أسيرا .... ربما غيبوبة إرتفاع ضغط دم أصابني من هول الخبر السعيد ... إستلقيت في سريري مهموما كمراهق كسرت مزهرية أحلامه الوردية ...
أوصالي وأحلامي ومشاعري كمركب تتقاذفه أمواج الزمن... الزمن يحرمني حتى من فرحة التفكير ... كعادتي في السخرية من نوائب الدهر ... رحت أدندن مقطع أغنية على رمش عيونها ...
خدني شوقي لاقيتني بروح عندها حد ثاني سبقني وخد يدها ... كان حبيبها وغايب بقالو سنة والنهارده وصل على بختي أنا .... أصلا رحت أرقص على أنغام سخريتي ...
3 أيام بلا لون ولا طعم ... لا جديد فيها يذكر ولا قديم أصلا يعاد ... حتى فسحتي الصباحية فقدت بريقها ... ألفة إنتبهت لتغييري ... كذبت لتبرير موقفي ...
عصر اليوم الثالث ... ثنائية المقارنة بين عودتي وعودة خطيب إقبال تخنقني ... أعدت شريط ذكريات حياتي منذ الطفولة ... جالسا أحادث روح جدّي في ركن كيفه ... رايته يجمع التوت في غير موسمه ...
أبي وأمي ... إخوتي ... التدخين فالسكر فالزواج ... البحر والهجرة ... أعمال البناء الشاقة بمرسيليا ... البيضاء مون أمور في كان ... السكر في مهرجان المجون فيها ... قضبان السجن تنتف أوراق ربيع عمري ...
كل هذه الأحداث لا تتجاوز نصف صفحة في كتاب الأحداث الأخيرة ... سمر وهيفاء وحنان وعشيري والبيت وسعاد والموظفات والنادلة وألف واو متلاحقة في أيام قلائل ...
مستقبل مظلم ... قررت الإستقرار وبدأ حياتي التي تصرّ على التيه والضياع ... حبل يتدلى من أعلى غصن في شجرة التوت ... هذا ما كان يجب فعله منذ زمن ...
لن أستسلم للعيش في حياة تفرض إرادتها علي ... سأنهيها بإرادتي ... تسلّقت الشجرة ... لففت الحبل حول عنقي ... وضعت يدي في جيبي ... ألقيت بضعة قطع نقدية ... محفظة فيها أوراقي ... سلسلة مفاتيحي ...
ربما تكفي ثمن كفن لا جيوب فيه ... هممت بالقفز من الشجرة مستجمعا كلّ مرارة عيشي ... لا سبب أعيش لأجله ... ربما قرار متأخٍّر لكن لم يعد هناك مجال للإحتمال أكثر ...
نظرة وداع للأفق فوق البحر ... ونظرة أقيس بها إرتفاع الغصن على الأرض ... المفتاح الصليبي يقف أفقيا يلمع تحتي ...
الخزنة ؟؟؟؟ ... مرزاق مات ؟؟؟ لا أحد يعلم مكانها سوانا ؟؟؟ 1550 ألف يورو ؟؟؟ كيف نسيت أمرها ؟؟؟
لا لا ؟؟؟ هي مجرّد إشارات من الحياة البائسة تتمسك بك لتتعذب فيها أكثر ... المافيا لن تترك مبلغ ضخما يضيع منها هكذا ؟؟؟ لا تراجع سرّها مات مع مرزاق ... المافيا لن تعجز عن الإتصال بك لو علمت بسرّك ؟؟؟
وإن فرضنا أنها هناك ؟؟؟ ربما أتلفهتها عوامل الزمن ؟؟؟ لا الحقيبة التي تحويها كفيلة بحمايتها ؟؟؟ أنت ممنوع من دخول تراب الإتحاد الأوروبي بأمر قضائي ؟؟ إقفز وأنهي عذابك
لا لا تقفز إنتظر ؟؟؟ يمكن لأحد جلبها لك ؟؟؟ من يملك الجرأة ويكون من أهل الثقة ؟؟؟ لا أحد ؟؟؟ إقفز وأنهي الأمر لن تستجمع شجاعتك يوما آخر
خالك يعتبر من أهل الثقة ؟؟؟ لا لا خالي جبان ولن يخاطر ؟؟؟ إقفز
أنت وأحلام يمكنكما التأثير عليه ؟؟ أحلام ؟؟؟ أحلام ؟؟؟
فككت رباط عنقي ... ركبي لم تستطع رفعي وقعت على الأرض أتخيّل نفسي معلقا في الحبل الأزرق ... ربما سيأكلني الدود قبل أن يكتشف أحد أمري ...
إن كان لا بدّ من الإنتحار ... يمكن تأجيل القرار ؟؟؟ لنحاول ؟؟؟ إمنح الحياة فرصة أخرى ... زاحفا على مؤخّرتي نحو هاتفي فوق طاولة ركن الكيف ... هارب من موت حكمت به على نفسي ...
رصيد هاتفي يمنعني من الإتصال بأحلام ... نفضت غبار اليأس عني ... لملمت نفسي ونقودي القليلة المبعثرة ... التاجر الشاب يسلمني بطاقة شحن ويسألني إن لم أكن أعلم بالخبر ... أي خبر ؟؟
البحر لفظ جثث بعض الشباب الغارقين ... منذ يومين ... تم التعرف على بعضهم ... قلبي يحترق لما علمت أن جثة نبيل واحدة منهم ...
العشرة القديمة وواجب العزاء قاداني نحو بيت أصهاري السابقين ... والد طليقتي كان أوّل المستقبلين ... الزمن و الوضع دفنا آثار خصومة قديمة ... والد نبيل يبكي بحرقة الأيتام خطف الموت لشباب إبنه محروم ...
عادتنا أن نعزي الرجال في الخارج والنساء في الداخل ... قبّلت يد جدته ورأسها طالبا المغفرة للفقيد ... ألقيت نظرة على صندوق يمنع تسرّب رائحة جثّته ... ضميري مرتاح لسداد دين في رقبتي تجاهه ...
عينا طليقتي تطارد خطواتي المغادرة ... صورة نبيل وصوته تملأ الحديقة والبيت والشاطئ ... تذكّرت نشاطه وروحه المرحة ... إنكسار الفقر الذي جرّه للموت ... لم يسع حزني مكان ... ذلك الشاب سيدفن مكاني ... ربما ذهب قربانا فداءا لحياتي ...
صوت أزيز الباب المعدني الكبير رفع رأسي تجاهه ... فتاة تخترق ستارة الدموع في عيني تتقدم نحوي بخطى وجلة ... تقف مقابلتي بحوالي مترين ...
عينها تقيس طولي وعرضي ... تفحص وجهي بشوق ... يدها تتلمس كتفي للتأكد أني حقيقة ولست سرابا... لم أتملى في وجهها بعد ... إرتمت في حضني تبكي بحرقة ....
" إشتقت لك يا أبي "
ما بعد الغربة ... (الدليل)
- ما بعد الغربة ... (الدليل) - الجزء الأول
- ما بعد الغربة ... (الدليل) - الجزء الثاني
- ما بعد الغربة ... (الدليل) - الجزء الثالث
- ما بعد الغربة ... (الدليل) - الجزء الرابع
- ما بعد الغربة ... (الدليل) - الجزء الخامس
- ما بعد الغربة ... (الدليل) - الجزء السادس
- ما بعد الغربة ... (الدليل) - الجزء السابع
- ما بعد الغربة ... (الدليل) - الجزء الثامن
- ما بعد الغربة ... (الدليل) - الجزء التاسع
- ما بعد الغربة ... (الدليل) - الجزء العاشر