ما بعد الغربة ... (الدليل) - الجزء التاسع

من قصص عارف

لم أكن أسمع شيئا سوى نبض قلبي ينخر أذني ... حنان إنسحبت مترنحة من باب المشغل ... دلال تلملم خجلها وبراءتها المبعثرين بفعل هذا الموقف الغريب ...

لا أعلم كم من الوقت مر أن تدب أول حركة في عضلاتي ... تركت دلال مطأطئة رأسها ولحقت بحنان ...

كانت تتأرجح بسكرها فوق حافة السلّم ... أمسكتها من ذراعها بقوة وسحبتها نحو الباب الخارجي ... كانت ثملة لدرجة أنها لم تقاوم ...

جررتها نحو البحر ... غسلت وجهها بعنف بمائه البارد ... ركبي تغوص في رماله وهي تضحك من أثر ما أفعله ...

نطقت بعنف وسخرية ... " إنت إيه ؟؟؟ ناوي تجرّب كل أنواع السكس ؟؟؟ مش كفاية عليك البنت بتاعتك ... ناوي تغتصبني كمان ؟؟؟ "

لم أتمالك نفسي عن صفعها ... أردت منها أن تفيق من عهر سكرها ... لكن صراخها بدأ يمزق هدوء المكان ... لم أعلم سبب عنفي ... لكن حنقي عليها جعلني أدخل في هستيريا ... كانت صفعاتي على خدّيها تزيد من صراخها ...

خفت أن تفضحني بجنونها ... أردت كتم صوتها لكنها قاومت يدي التي لم تهتدي لفمها ... أمسكت رقبتها ... غاب عني الإدراك ... خنقتها بعنف ... كنت أرى عينيها تنفتحان على آخرهما تطلب الرحمة ...

لم أفهم سرّ ما افعله ... كنت أريد خنق كل الإحراج الذي سببته لي مع إبنتي فيها ... بدأت مقاومتها تقلّ ... حتى قاربت على الإستسلام ... إصفرار الموت بدأ يلونها ...

يد قوية تمسك ذراعي ... صوت دلال يصرخ بي : " إنت بتعمل إيه ؟؟؟ سيبها يا مجنون " ... عدت لرشدي على وقع كلماتها ... كنت أجلس على بطن حنان ويداي تحيطان رقبتها ...

كالمفزوع إرتميت أرضا ... ألهث رعبا مما فعلت ... خلتها ماتت لولا سمعتها تسعل بعنف ... سعالها يزداد ودلال تحاول مساعدتها على النهوض ...

آخر ما أذكر أنهما تغادران الشاطئ نحو البيت ... إستلقيت على الرمل ... أغمضت عيني وتهت في حالة لم أعشها قبلا ...

لا نوم ولا يقضة ... ليست غيبوبة وليست وعيا ... ربما هو الموت ... لا شيء يعمل في جسدي سوى رئتي ...

أشعة الشمس الأولى تلفح جلدي ... لقد ضعت حتى الفجر مفترشا الرمل ... تذكرت ما جرى ؟؟؟ هل ماتت حنان ؟؟؟ ماذا فعلت دلال معها ؟؟؟ مالذي فعلته ولماذا ؟؟؟ حاولت الإسراع بخطواتي المثقلة نحو البيت ...

صعدت درجات السلم الحجري قفزا ما إستطعت ... عادت روحي لي مع مشهد رؤية دلال تضع رأس حنان على فخذها وهما نائمتان ...

أردت الإطمئنان أكثر ... إقتربت منهما ... تصاعد صدريهما يدل على أن النفس يدخل إليهما أراحني ... دلال فتحت عينيها ... حركة من يدها تطلب مني الإنصراف ...

أردت اللجوء لغرفتي بصمت لكن صرير الباب زعزع صمت البيت ... حنان تستفيق ...تضع يدها على رأسها ... رأيتها تجيل نظرها في المكان لتكتشف أين باتت ليلتها ...

وضعت يدها على بطنها وأسرعت للحمام ... نظراتها لي تؤكد أنها تستغرب وجودي أو وجودها في بيتي ...

على صوت إفراغ ما في بطنها إقتربت مني دلال ... همست في أذني

" إيه إلي إنت هببتو داه ؟؟ كنت حتودينا في داهية ... هو ليه كل داه " ...

لم أستطع الرد فأنا لا أملك إجابة ...

مع صوت فتح صنبور ماء الدش وصلنا صوت حنان المتعب ...

" هاتولي حاجة ألبسها بدل ما أخرجلكم ملط "

نبرتها بعثت الدفء في عروقي والإبتسامة في وجه دلال ... منشفتان وضعتهما دلال قرب الباب كانا سترها لما خرجت علينا نصف مبللة ...

نظرة في عينينا متسائلة ... لم أستطع إلا أن أهرب من نظراتها ...

- هو إيه إلي حصل ؟؟؟ إنتم عملتو فيا إيه ؟؟؟ (سعادتي لرحمتي من تفسير ما حصل ليلا لم أستطع كتمان أثرها على وجهي الذي ظنته حنان سخرية منها) وبتضحك كمان ؟؟؟ قولوا حصل إيه بدل ما أخنقك ؟؟ (وأرادت إمساك رقبتي قبل أن تتدخّل دلال)

- تخنقيه ثاني مش كفاية ليلة إمبارح ؟؟؟ داه إنتي بهدلتينا ؟؟؟

طلبت دلال منها الجلوس حتى تحضر لها فنجان قهوة ... هربت من إنفرادها بي لأجلب لها بيجامة من عندي تلبسها ...

إجتمعنا ثلاثتنا في الصالون حول طبق القهوة ... الكل كان بحاجة لها ... إما لطرد الثمالة أو لدفع التوتر أو لترتيب الأفكار ...

- حنان : طيب إحكولي حصل إيه بالضبط لا روح فيكم في داهية

- أنا : إنت قوللنا فاكرة لحد فين وإحنا نكمّل (إبتسمت دلال للفكرة )

- حنان : (تمسك رأسها ودخان سيجارتها يتصاعد من بين أصابعها) مش فاكرة حاجة خالص ... آخر حاجة قلبي كان واكلني عليك ... لقيتك إتصلت بيا مرات كثيرة ... طلبتك بس تلفونك ما يردّش فجيت هنا أطمن إنك ما عملتش مصيبة ...

- أنا : بس ؟؟؟

- حنان :أه ؟؟؟ مش فاكرة حاجة ثاني (كنت أريد المواصلة لكن دلال غمزتني كي أصمت)

- دلال : لا بسيطة ما حصلش حاجة ؟؟ دا إنت وريتينا الويل ؟؟ كنا سهرانين في خير وسلامة لقينا حضرتك طبيتي علينا سكرانة .. وقال إيه عاوزة تسبحي باليل عشان حرّانة ... أخذنا بخاطرك لحد ما وصلنا البحر بس لما لقينا إنك مصرّة خفنا تغرقي فسحبناكي بالقوة للبيت ... دا إنت بهدلتينا ...

- حنان : أنا ؟؟؟ أنا ؟؟؟ عشان كدة رقبتي وشي وارمين ؟؟؟ يا ولاد ... (كانت ستشتم لكن تداركت) أه وبعدين ؟؟؟

- أنا : (عاد نبض قلبي لطبيعته مع سعادتي بسرعة إختلاق دلال لقصة النجاة) ولا قبلين لحد دلوقتي وإحنا سهرانين جنبك

كنا نضحك أنا ودلال كلما تقابلت عينانا ونحن نقلب الموقف على حنان التي تقلّص حجمها من الخجل لما أوهمناها بفعله ... أصرّت دلال على استضافتها … كنت أشعر بتأنيب الضمير فوافقت ...

سيارة حنان تربض داخل الحديقة ونحن نربض كل في غرفة ... عاندني النوم ... المسكينة حنان هي الوحيدة التي تهتم لأمري ... يجب إنهاء كل أسباب الإحراج ... سأخبر دلال بكلّ شيء ...

لا أعلم كم مرّ من الوقت حتى سمعت دبيب حركة في البيت ... فتحت باب غرفتي بحذر ... دلال تخرج من الحمام تجاه المطبخ ...

ردّت على حركة يدي المتسائلة عن حنان بوضع يديها تحت خدها لتعلمني كونها نائمة ... دخلت ورائها المطبخ وأغلقت بابه ...

أشارت لي دلال التي كانت تتحضر لإعداد بعض الطعام بأن أخفت من صوتي ... ثم سألتني ...

- ممكن أفهم إيه إلي إنت عملتو باليل ؟؟؟

- (صمتي طال لكني لم أجد تفسيرا) ... مش عارف بس هي إستفزتني و بتقول حاجات غير مقبولة ...

- بصراحة إحنا السبب (قطبت حاجبي إستنكارا لقولها) ... أيوة إحنا السبب ... هي فاهمة إني إحنا عشّاق وهي بحكم مقرّبة منك فبتعاملنا من غير حدود ...

- إنت شايفة كده ... ؟؟؟ و بعدين ؟؟؟

- ولا قبلين ... كويس إنها كانت سكرانة طينة ونسيت كل حاجة و إلا كنت خسرت صديقتك للأبد ... شفت وجودي مهم في حياتك قد إيه ...

أصابني الصمم مع كلماتها ... نعم فوجودها أعاد ترتيب حياتي ... بل أعادني للحياة ... كنت أرى شفتيها تتحركان لكن لا يصلني صوتها ... عقلي بحاجة لترتيب ملفاته من جديد ...

أفقت من غفوتي وجمدت شفتا دلال على صوت طرّاد المياه بالحمام ... حنان تدفع الباب متسائلة عن مكاننا ... يبدو أنها نسيت ما حدث لها ... حسدتها على نعمة النسيان ...

كانت دلال تتفنن في تدليل حنان بين أكل وقهوة و و و و ... حنان أكثرت من مديح حسن إختياري لشريكتي هذه المرّة ... في حركة سريعة مفاجئة دلال تسحب كرسيا وتجلس قرب حنان ...

- إحكيلي عن إختياراته السابقة ؟؟؟

- (نظرت حنان تجاهي فحركت رأسي بالنفي أملا أن لا تنساق وراء طلب دلال ) ما تسأليه هو يكون أحسن

- لا لا أصل عايزة أعرف منك ... ماهو ممكن يكون مخبي عليا حاجة ؟؟؟

- (لم أجد حلا سوى إخفاء وجهي بكف يدي كأن صداعا أصابني) أتكلّم ؟؟؟

- إتكلمي ... إنت صاحبته الأنتيم ومش حيزعل منك ...

- طيب ... حأجيبلك من الأوّل (كنت أراقب سيجارة تحترق بين أصابع حنان وعينا دلال تركزان مع كل حركة منها ... طيب أنا بأعرف دليل من 23 سنة من وقت ما كان عمرو 17 سنة وأصلا لسة ما طلعلوش شعر لحية ... هو عمرو ما كان عاشق أو حبيب تقليدي ديما بيحب العلاقات المستحيلة ...

- إزاي ؟؟

- يعني في الثانوي كان بيحب مدرسة الإنجليزية برغم إنها متزوجة ( تهت مع كلامها أنا أصلا نسيت ما تتحدث عنه ... دلال تشعل سيجارة وتركز مع كلام حنان) برغم إنو ماكانش بيفهم ولا كلمة بالإنجليزي (تظاهرت بالضحك خجلا )

- وبعدين ... ؟؟؟

- وبعدين مش عارفة ... كنا رسبنا في الباكالوريا فلما رجعت السنة إلي بعدها سمعت إنو إتزوج بقرار قضائي من وحدة قاصر ... مش عارفة وقع فيها إزاي

- لا التفاصيل دي أعرفها كويس (أعجبتني طريقة دلال في التخلص من ثقل المساس بسمعة والدتها) ... الي بعد كده

- بعدها إختفى وهاجر ... ورجعلي بعدها واحد ثاني ...

- بشويش ووحدة وحدة ... واحد ثاني إزاي ...

- يعني ما أعرفش حاجات كثيرة (كانت حنان تنتظر الإذن بالمواصلة ... أردت منعها لكني صمت) يعني كنت فاكرة إنو بيحب وحدة صاحبتي سمرة لكن إتضح إنها نزوة وراحت ... بعدين جاني يشتكي من مجموعة نسوان إتلمو حاوليه مع بعض ...

لم أستطع البقاء أكثر أمام سرد مجوني الوهمي أمام إبنتي فإنسحبت ... رغم إصرار دلال على بقائي لكني إنسحبت ...

تركتهما تسلخان جلدي وإنطلقت نحو الشاطئ ... كنت أحاول ترتيب أفكاري ومشاعري ... دلال البريئة ملأت حياتي سرورا بعودتها لي أو بعودتي لها ... هذا السرور كان بذرة بدأت تنمو في صدري وتتطلّع للحياة ... هذه البذرة التي نمت في صحراء العطش العاطفي والجنسي إنحرفت أغصانها ...

أغصان نبتت فيها أوراق رغبة جامحة ... وبدأت تزهر ... لكن لو واصلت هذه النبتة نموها فستطرح ثمرا محرّما ... كل هذا كان من ناحيتي ...

دلال تتصرّف بطبيعتها ... حتى بعض حركاتها التي تثيرني تعتبر طبيعية بالنسبة لهذا الجيل .... إن كان ما وصلني من إشارتها البسيطة خطأ فهي مصيبة وإن كان صحيحا فهي الكارثة ...

مصيبة لو تماديت فتصدم إبنتي في أب ربما تخيلته بميزات أشرف من أن يفكر فيها جنسيا وإن تراجعت هدمت العلاقة الوليدة بيننا ....

وإن كانت الكارثة ....؟؟؟ لا أحد يقدر على التنبؤ بنتائج الكوارث ...

كنت أسير تارة وأنظر للبحر تارة أخرى ... أراوح بين شعور بالمرارة وشعور بالإرتياح حتى وصلت لأطلال مطعم سعاد ...

المطعم الذي كان شاهدا على حب مشوه أجهض قبل أن ينبض ... فجأة أصابتني رغبة في التقيؤ ... حنان تعرف كل تفاصيل ماحدث بيني وبين سمر ... ستكتشف دلال الحقيقة وكذبي ...

بدأت عضلات بطني تتقلّص وأنا أراجع حواري معها ذات جلسة إعتراف في بيتها ... شيراز زوجة أخي ... أحلام زوجة خالي ... أبسط إعتراف منهما سيهدم صورتي أمام إبنتي ...

أب مريض نفسيا ... من عشقه مراهقة في سن إبنته لرغبته في كل من هن محرّمات عنه ... رفعت رأسي للسماء طالب الغوث ... ربما ستنسى حنان حديثي معها ...

هذه الربما كانت طوق نجاتي من أمواج جلد النفس ... الشمس قاربت على المغيب ... كسجين إنتهت فسحته عدت للبيت ...

حنان كانت قد غيّرت ثيابها وتنتظر عودتي لكي تغادر ... دلال ترافقني وأنا أوصلها لسيارتها ... تمسك بذراعي بقوة ورفق كأنها تخشى ضياعي ...

وداع حار من حنان ... لم أذكر كيف كان ردي عليه ... كلمات دلال وهي تودعها بإبتسامة عريضة تدوي في أذني دون إستيعابها ...

غابت السيارة بين أشجار البلوط على جانبي الطريق ... ألم شديد يمزق بطني ... الأمعاء هي جهاز الإستشعار الأوّل في توقع المصائب ...

تقلّب أمعائي وإنقباض بطني دفعني للهروب ... كطفل يهرب من عقوبة متوقعة لجأت للحمام ... طال جلوسي به دون رغبة من نداء الطبيعة ... تائها في أفكاري وحسب ...

صورتي شرخت بإعترافات حنان ... رحت أسلخ نفسي على حمقي ... لست أحمق ... التفاصيل فقط مؤلمة ....

سمر تدخل حياتي بعد عودتي من سنين القحط مباشرة ... زوجة خالي والإنجذاب الغير مبرر لها ... شيراز وكل الأحداث بمرض أمي .... كل ذلك حصل قبل أن أعلم بوجود دلال ...

أنا أصلا إعترفت لحنان لأخذ النصيحة و تخفيف العبء عن صدري ... لا يمكن لدلال أن تلومني ...

علاقتي بها و كل ما فعلته لأجلها سيغفر لي عندها ... مستغربا من خوفي الشديد من ردت فعلها ... ساخرا من نفسي ... هل فرض عليا أن أعيش دائما الخوف من الرقابة على تصرفاتي ...

قديما من الأب وحاليا من الإبنة ... المصيبة أني لا قديما إنحرفت ولا حديثا أجرمت ... خرجت من الحمام بقرار حاسم ... مواجهة دلال ... يجب وأد صورة الأب الماجن في خيالها قبل أن تكبر ...

دلال تجلس في الصالون تتابع التلفزيون ... وقفت أمامها مرتعشا كطير مبلل ... أفزعها صفار وجهي ... قامت مسرعة تحضنني وتجلسني على الكنبة ...

رفضت طلبي بإعداد قهوة بل أصرّت أن تعد لي مشروبا ساخنا من الأعشاب الطبية ... غريب أمر تسلّط تلك الصبية على حياتي ...

رائحة الزعتر والإكليل تفوح من المطبخ رائحتها ذكرتني بطبق الحلزون الشهير ... جدي كان يعشقه وكان يعده لنا بنفسه ... كنت قد بدأت أضيع في الذكريات حين تقدمت مني دلال تمدني بكأس مشروبها ...

حرارة الكأس بعثت الروح في أطراف أصابعي المتجمدة من صقيع الخجل ... إهتمامها المبالغ فيه بي أشعرني بالخجل ... أدركت أني أتفادى لمساتها الحنونة على خدي وعلى جبيني ...

جلست تقابلني وعيناها تتفحص كل حركاتي ... أردت الكلام لكني لم أعرف من أين أبدأ ... رحمتني دلال وبدأت هي الحديث ...

- مالك يا بابا ... حاسس بإيه ؟؟ ... لسه تعبان ؟؟؟

- مش عارف حاسس بإرهاق ... ممكن تأثير السن ؟؟

- سن إيه ؟؟؟ داه ممكن من قلّة النوم ؟؟؟ أو تأثير الليلة الي بتها برّة ؟؟؟ قال سن قال ؟؟؟ كل الناس بيشوفوك شباب إلا إنت بتكبّر نفسك ...

- كل الناس ؟؟؟

- أيوة كل الناس ؟؟؟

- زي مين مثلا ؟؟؟ صاحباتي ؟؟؟ الناس هنا ؟؟؟ الناس في الشارع ؟؟؟ في المطعم ؟؟؟ حتى صاحبتك حنان بتقول إنك ما كبرتش

- (إستحسنت جملتها الأخيرة) هي قالتلك كده ؟؟؟

- أيوة ؟؟؟ هي أكثر وحدة تعرفك وبتقول إنك زي ما إنت ؟؟

- وقالتلك إيه كمان ؟؟؟

- (وضعت رأسها بين كتفيها تنظر للأرض) يعني كلام ستات ؟؟

- بس أنا عاوز أعرف ؟؟؟ والمستحسن تقوليلي عشان مصلحتنا الإثنين ؟؟؟

- يا خرابي ؟؟؟ إيه الجدية بتاعتك دي ؟؟؟

- قلتلك لازم أعرف ...

- ولا حاجة دي كانت دردشة عنك وبس ؟؟؟

- دردشة عن إيه بالضبط ؟؟؟ ( حاولت أن تكون كلماتي شديدة ما إستطعت)

- (تلعثمت دلال حرجا) ... يعني ... عنّك ... حياتك ... علاقاتك ...

- قالتلك إيه عني ؟؟؟

- مش حاجات كثيرة بس مهما قالو عنّك تبقى بابا إلي بحبو ...

أحسست بحرجها وحرجي ... أخذت زمام الأمور بيدي ... أنا أصلا كل تفاصيل حياتي تدعو للخجل ... لا الأب كان فخورا بي يوما ولا الإبنة يمكنها التشرّف بالإنتساب لي ... أصلا وجودها في الحياة وحده يفرض عليا الخجل من أفعالي ...

خنقت شعوري بالخجل ... نزعت رداء الحياء عني وإنطلقت أروي لها كل تفاصيل حياتي التي تعرفها والتي لا تعرفها ... الدراسة ... أبي ... أمها ... الغربة ... السجن ... سمر ... شيراز ... الموظفات ... أحلام ... حنان ... الخزنة .... الثروة ...

إمتلات مطفأة السجائر بالرماد ... وإمتلات عيناي بالدمع ... وفرغ قلبي من الحزن ... الإعتراف يخفف الشعور بالذنب ...

كنت أراقب ركبتي دلال اللتان تهتزّان إضطرابا كلما إسترسل حديثي ... بدأت الدموع تنسلّ من عيني ...

قامت دلال تحضنني ... وتمسح الدمع عن عيني ... كانت تجلس على فخذي وتحيط يديها برقبتي ... قالت ...

- طيب إنت إيه إلي مزعلك في داه كلو ؟؟؟

- نعم ؟؟؟ يعني شايفة إن حياتي شيء يستحق إني أفتخر بيه ؟؟؟

- ولو فرضنا العكس فداه مش محتاج منك كل الألم داه ... إلي فات مات ... وتقدر تبني من جديد العمر كله قدامك وعندك كل الإمكانيات ... الصحة والفلوس ... وأنا ...

- إنت بس تساوي الدنيا بالنسبة ليا ....

قامت ترقص فرحا وسط الصالون ... كانت تفتح يديها وتدور كفراشة سعيدة بأشعة الربيع الأولى ... تقول بعلو صوتها

- أنا مليت عليك حياتك ... إنت أحسن أب ومش زي كل أب ...

- بس المستحسن نراجع تصرقاتنا أب وبنتو ؟؟

- يعني إيه ؟؟

- يعني إنت بنتي ... ولسة طفلة صغيّرة ... لازم تعيشي سنك تحت جناح أبوكي

لم أعلم كيف خرجت مني الجملة الأخيرة ... لكنها أغضبت دلال ... إتجهت نحو غرفتها تتمتم " أنا صغيّرة ؟؟؟ أنا طفلة ؟؟؟ "

صوت غلقها للباب بعنف يعكس مدى غضبها مني .... لم أستطع تحمّل تركها غاضبة مني لثواني ... لحقتها لغرفتها ... كانت مستلقية على بطنها تحشر راسها تحت مخدّة ...

جلست بجانبها أمسح شعرها ... حاولت ترضيتها بكل السبل ... تصنعت أنها ليست غاضبة مني ... البنات يصعب فهمهن ... خصوصا على من هو مثلي ...

لم أفهم سبب تغيّرها معي ... كل شيء يسير حولي بالمقلوب ... عندما عرفت حقيقتي أو تخيلت أنها عرفت لم تتأثر بل زادت قربا مني ... وعندما صارحتها بكل ما عشته كانت نظراتها سعيدة رغم توترها ورغم ثقل المشاعر التي كنت أصبها في كلامي ...

وعندما أحسست أنه يمكنني بدأ علاقة طبيعية بين أب و بنت .... غضبت مني ...

الآن كنت أشعر أنها مجروحة ... لم أفهم ولم أعرف سبب ذلك ... لكني يبدو حزنها أو غضبها أو خيبة أملها في كلّ حركة منها ...

يومان مرا عليا ثقيلين ... دلال صارت تتحاشني ... حتى عندما تجالسني تغيب روحها المرحة السعيدة عن المكان ... لا تدخّن أمامي ... لا تمازحني ... كلمات مقتضبة وتنصرف .... ربما هكذا كانت ترى صورة علاقة الأب وإبنته التقليدية

ثالث الأيام بدأ كسابقيه ... أفقت بعد الظهر مثقل الروح بحزن غير مفهوم ... البيت تعم عليه الكآبة ... دلال في غرفتها ... وجدت طعامي على الطاولة مغطى ...

الوضع أصبح خطيرا ... دلال لا تريد مجالستي حتى وقت الطعام ... صدري يتشقق من الجفاف بعد تعودي الإرتواء من قطرات الندى التي تنشرها دلال حولي ... الأب المتفهّم ... ربما هكذا نعود سيرتنا الأولى ...

صدري بدأ يتشقق لا أدري لماذا ... طرقت الباب ... صوت مبحوح يأذن لي بالدخول ... دعوتها للخروج لكنها رفضت متعللة بصداع ...

عذرها دفعني لمزيد الإصرار ... حديثنا أوصلها لخيارين إما أن تقبل بالخروج أو قدوم الطبيب ...

كنت أغيّر ملابسي حين سمعتها تغلق باب الحمام ... صوت ماء الدش أوحى لي أنها ستتهيأ للخروج ...

أطنبت في تأنقي ... بنطلون أسود يحيط بعضلات فخذي ... وقميص من نوع البودي يرسم ما حافظت عليه من لياقة صدري وبطني وذراعي ...

رائحة عطري الممتزجة بزيت الشعر تسبقني ... تسريحة شعري وذقني المحلوقة بعناية تدلّ أن موعدا متميزا ينتظرني ...

وقفت أمام المرآة أتأمل أناقتي ... المفروض أني سأرافق إبنتي في جولة ... المناسبة لا تحتاج كل هذه العناية بشكلي ... لكني كنت سعيدا بنفسي ...

صوت تحطم سعادتي يسمع صداه بين جدران الصالون ... دلال تقف أمامي في بنطلون جينز أزرق قاتم وحذاء رياضي وقميص طويل عليه رسوم لبطل صور متحرّكة ...

تشد شعرها للخلف ... كأنها فتاة في مدرسة إبتدائية تخرج لدرس في مادة لا تفهمها ... هكذا صورة نفسها لي عندما تكون بنتا تقليدية ...

كأني فهمت سبب غضبها مني ... أو سبب حزنها ... إشارتها صارت أكثر وضوحا ...

إن كنت تراني طفلة سأكون طفلة ... ركبت ورائي على الدراجة ... على غير العادة لم أشعر بأصابعها على صدري ولم أشعر بصدرها في ظهري ...

إقتربنا من المدينة ... فكّرت بزيارة أهلي لكني تراجعت ... دلال كانت تائهة مني ... دعوتها لتناول مرطبات في أحد المحلات الشهيرة ...

تركت لي قرار الإختيار ... الموضوع صار مفهوما ... تلعب دور الطفلة في كل شيء ... تترك الخيار لمن هو أكبر منها سنا .... أحسست بالغيض من تصرّفاتها ...

حلويات مرّة كنت أبتلعها مع عدم مبالاة دلال بي ... تركّز مع هاتفها ككل الأطفال ... مررنا أمام محلّ لبيع الملابس ... وقفت أمامه ... ترددت في الدخول ... حيلتي مكشوفة أمامها ...

لا يمكنها كبح ضعفها أمام الثياب الجديدة ... سيدفعها ذلك لخلع ثوب الحزن المصطنع الذي تلبسه ... وقفت طويلا أم جناح ملابس الأطفال والمراهقين ... كانت تنظر للأرض .... ربما تلوم نفسها على الدور السمج الذي تلعبه معي ...

لكني دخلت معها جناح ملابس السيدات ... كنت أشعر بوهج الفرحة يشع من عينيها رغم محاولتها كبحها .... كانت عيناها تجول في كل ما هو معروض ... فساتين ... إكسسوارات ...

كنت أشعر برغبتها في سماع الإذن المعتاد في حرّية الإختيار .... لكني لم أمنحها إياه ... تركتها تتجوّل وحدها ثم خرجنا ... كسرة عينيها آلمتني لكني تماسكت ...

كانت تنظر للأكياس التي بين يدي ... صمتها تخنقه العبرة ... دقائق طويلة على الدراجة في إتجاه بيت أهلي ...

هي متأكدة الآن أني سأهدي الكيس لدليلة ... كنت أشعر بحنقها المكبوت يحرق رقبتي مع زفير يخرج من صدرها ...

توقف مفاجئ مني أمام مركز تجميل خاص بالنساء ... تركتها تتقاتل مع أفكارها ودخلت ... حوالي العشر دقائق وعدت إليها بعد أن تركت الكيس في الداخل ....

خروج موظفة الإستقبال في المركز معي منعها من القيام بحركة صبيانية كرفضها للدخول ... أوصيتها أن تلحقني في المقهى المقابل للمركز عند انتهاءها ....

أقلّب صفحات مجلّة ولا أقرأ ما فيها... كثرة سجائري تعكس توتري ... كيف ستتقبّل دلال حركتي ... كيف ستفسّرها ...

تهت في ردة فعلها قبل أن أفهم أنا ما قصدته منها ... أنا أحب دلال وأشعر بالراحة بقربها ... لمساتها تثيرني ... جمالها يأسرني ... مصلحتها تهمني ... ضحكتها تروي قلبي ... سعادتها تعيد الروح لي ...

كل هذه المشاعر تكاد تكون عادية بين أب وإبنته ... لكن ما أشعر به نحوها يبدو مختلفا ... مجرّد محاولة تفسيره ترعبني ... هذا السؤال الذي أهرب من طرحه على نفسي منذ مدّة لا بد من الإجابة عليه ...

لم أشعر بمرور الوقت في عزلة التفكير رغم أن المكان يعج بالروّاد ... خطوات كعب حذاء عالي تتقدم مني ... يد تلامس كتفي أعادتني لأرض الواقع رفعت رأسي لتصعقني إبتسامة مألوفة ...

مفرق صدر أعرفه معرفة راحة يدي يعلمني بصاحبته ... النادلة ... أول ثديين أعادا لي الرغبة في الحياة مع عودتي للوطن ...

إرتباكي وإبتسامتها العريضة منعتني من رفض طلبها في الجلوس ... جلست تضع رجلا على رجل وهي تضحك أنها أخيرا وجدتني ... سحبت سيجارة من علبتي وطلبت قهوة من النادل ...

أسئلة عديدة طرحتها عن سبب تجاهلي لها وعدم مكالمتها ... أنا نفسي لم أجد لها إجابة ... المصيبة أني وسط الصدمة أهملت التركيز في إسمها ... الذي كنت نسيته سلفا ...

كانت تشرح لي أنها طردت من عدّة محلات عملت بها ... حديثها عن الإفلاس وحالتها الصعبة كان تمهيدا لحديث آخر ... قالت أنها تريد أن تقضي معي الليل مقابل مبلغ من المال ...

كنت كالمصعوق ... لم أستطع إخبارها أني أنتظر إبنتي ... كما أن رغبتي بها منعتني من التخلّص منها ورفض عرضها ... إعتذارها مني لذهابها للحمام كان فرصة لترتيب أفكاري ...

هكذا أنا ... لست من النوع سريع البديهة ... لا أستطيع التفكير إلا عندما أكون لوحدي ... لم تدم وحدتي سوى دقائق ....

أغلب الرقاب تتوجه نحو الباب ... دلال تدخل من الباب الرئيسي ... فستان رمادي ... كتف مغطى والآخر عاري يكشف نصف ثديها ... صدرها الفتي النافر ينطق تحت جناحي فراشة مطرّزة بالعدس الأسود اللامع ...

الفستان بالكاد يغطي منشأ فخذيها المتشحان بسواد جوارب شفافة ... حذاء أسود ذو كعب متوسط ...

عيناها المزينتان بسواد ... تضحك خجلا من تأثيرها على الشباب والبنات على حد سواء ... المكياج زاد تألق وجهها الذي تتوسطه شفتان تشتعل حمرتهما ...

همهمات أسف عمت المكان مع إشارتها لي حين إستدلّت على مكان جلوسي ... كنت سعيدا من نظرات الغيرة التي رافقت إقترابها مني ...

إستغربت دلال وجود فنجان قهوة ثاني على الطاولة ... وضعت كيس ملابسها القديمة... قبل أن تسألني إن كان يرافقني أحد ... صديقتي النادلة العجيبة تقترب منا ... وقع أقدامها يتناغم مع دقات قلبي ...

لا أعلم هل أنا تعمدت الصمت أم عجزت عن الكلام ... الشرر يتطاير من عينيهما ... النادلة ترمق دلال بنظرات عجيبة ...

تقيس طولها من الأعلى للأسفل ثم من الأسفل للأعلى ...نظرت في عيني مباشرة فلم أجب حتى برمش ...

دلال تقابلها بنظرة أشد تعجبا ... ثم تنظر لي أملا في إشارة تفهم منها من تكون مرافقتي ... ما عسايا أجيب ... بقيت على الثبات ...

طال إنتظارهما ... لم أشف غليل أي منهما بكلمة ... دلال قطعت حرب العيون بإنسحاب تكتيكي ... جلست على الكرسي بجانبي ...

النادلة هي الأخرى كأنها تصارع للفوز بحريف سخي لليلتها ... عادت للجلوس لمكانها ... كنت كحكم التنس أتبع حركاتهما برقبتي ... دلال تسحب سيجارة من علبتي وتشعلها ... النادلة تقلّدها وعينها ترسل إشارات التحدي ...

ربما أعجبني الأمر أو راقني الإستسلام ... وقت طويل مرّ في صمت ... رحت أتأكد إن كانت الأنظار تركتنا في حالنا ...

مددت يدي لسحب فنجان القهوة ... حركتي دفعت النادلة للكلام ...

- مش تعرفنا ببعض ( كلماتها كنار تنفث من شفتيها)

- (كنت سأتكلّم لكن دلال مدت يدها ببطء وثقل ينم عن إحتقار) سمية صاحبته

- (نظرت لي النادلة لتتأكد من صدق كلامها فلم أعطها إجابة مصدوما بكذب دلال) آسفة كنت فاكرة لوحدك (وحملت حقيبة يدها وأرادت النهوض)

- (دلال تشير لها بالبقاء) لا لا كملي قهوتك ... كده شكلك حيبقى وحش قدّام الزباين ... (ورسمت إبتسامة وزعتها على بعض الحاضرين الذين يتابعون ما يجري بأعينهم)

- (نظرة سريعة من النادلة التي إقتنعت بكلام دلال ) عندك حق (كانت تهمس وهي تعض شفتها وتهز رأسها)

- إنت تعرفي وحيد من زمان ؟؟؟

- لا أبدا معرفة سطحية ... كان زبون عندنا لم كنت بأشتغل في كافيه ... ففكرت إنه لوحده ... وهو كمان ما قاليش إنو مستني حد ...

- (لم أهرب من نظارتهما بل صدمتي أنستني إسمي ؟؟؟ من وحيد هذا ؟؟؟ هل هو إسم أم صفة) كنت بتشتغلي في كافيه ؟؟؟

- أيوة بس تركته

- ليه ؟؟

- دي حكاية طويلة ؟؟؟ ما توجعيش دماغك

كنت كالأطرش في الزفة ... دلال التي صارت سمية تعد النادلة التي للمرة الثانية تضيع فرصة معرفة إسمها أن وحيد الذي هو أنا سيساعدها في الحصول على عمل ... دلال تدير الحوار بلباقة وخلّصتني من الإحراج وكذلك مرافقتي ...

تعجبت لإصرار دلال على أخذ رقمها بتعلّة الإتصال بها لو وجدنا لها عملا ... كانت تودع خطوات النادلة مبتسمة حتى إختفت ...

وجها لوجه ... تحوّلت إبتسامتها لعبوس توقّعت أن تسألني عن ماهية مرافقتي لكنها هجمت عليا باللوم مباشرة

- مين دي

- ماهي قالتلك ؟؟ مش باقلك نص ساعة بتدرديشي معاها

- إنت ما ينفعش تتساب لوحدك أبدا ؟؟؟ وكمان إنت رجعت في كلامك وإلا إيه ؟؟؟

- ليه كل داه ؟؟

- يا سلام ؟؟؟ ساعة زمن غبت عنك ألاقيك مجالسة وحدة لا تعرفها ولا تعرفك وعازمها على قهوة ؟؟؟

- مي نقلّك إني ما أعرفهاش ؟؟؟

- واضح ؟؟ باين من شكلها إنها ق... (وتداركت لسانها قبل ان تنطق الكلمة ) أنا أعرفهم من شكلهم ؟؟؟

- يا سلام ؟؟؟

- ماهو إنت بس إلي شايفني طفلة صغيّرة ... ومستقل بيا كمان ...

- أنا ... داه إنتي ست الستات ...

- كلام وبس ... كنت حطير من الفرحة بالللبس والمكياج بس إنت دايما كده (أحسست أنها تغالب نفسها أن لا تبكي أردت ممازحتها)

- أعمل إيه ما أنا ما أقدرش أقاوم ... (كنت أرى إنعكاس صورتي تكبر في إتساع عينيها)

- يعني إيه ؟؟؟ تحب أطلبهالك (وأمسكت هاتفها لتتصل بها )

- (خطفت الهاتف من يدها) بتعملي إيه يا مجنونة ...

- عادي ... أنا مش حأكون عائق قدامك لو عاوز ... ممكن أبات في بيت جدتي وإنت خذ راحتك ؟؟؟

- إنت مجنونة بجد ... في بنت تقول لأبوها كده ...

- ماهو إنت قلت إنك أب غير تقليدي ومتفهّم ... أنا كمان بنت مش تقليدية ومتفهّمة ...

- بتتكلمي جد ؟؟؟

- أه بجد ... لو إنت حابب قلي ...

- لا مش حابب ... أنا حابب أبقى معاكي

أشرق وجهها مع كلماتي ... كنت أقصد أني أريد الحفاظ على إبنتي ... أو ربما أتظاهر بذلك ... أمسكتني من يدي وسحبتني لمغادرة المقهى ...

ركبت خلفي في الدراجة قالت أن الليلة علينا أن نحتفل ... الطريق تطوى تحتنا طويا ... إلتصاقها بظهري كان يمرر سعادتها لجلدي ... يداها تقبضان على بطني بشدة ...

قصدنا إحدى ضواحي العاصمة ... قالت أنها رأت إشهار لمطعم يقيم حفلات شرقية ... سألنا أحد المارة عن العنوان ... رأيت نظرات الحسد تملا عينيه اللتان غرسهما في فخذي دلال وهو يصف لي الطريق ...

وضعنا دراجتنا ... الساعة لم تصل للتاسعة بعد ... المكان شبه خالي إلا من بعض الزبائن ... حفاوة كبيرة في الترحاب ...

عشاء فخم على ضوء الشموع ... فرقة موسيقية تعزف ألحان تونسية ... صورة دلال التي ترقص الفرحة في عينيها مع تلألؤ ضوء الشموع ...

كحبيين بحق مرّة أطعمها ومرّة تطعمني ... بضع كؤوس من الخمر الفاخرة تلعب في رأسينا ... لم نلاحظ أن المكان بدأ يمتلأ بالوافدين ...

أردت إستعادة روح المرح التي كانت تنشرها دلال حولي ... فليكن ذلك حتى وإن كان ثمنه بعض الإحراج المفاجئ لا يهم ...

نظرة غريبة مني نحو الطاولات ... أغلب الموجودين من الرجال الشيوخ ترافقهم صبايا ... لاحظت دلال ذلك خصوصا مع كثرة تحديقي والصورة التي رسمت على وجهي ...

- إنت فاكر كلامنا ...

- كلام إيه ؟؟ وأنهي كلام فيهم ؟؟؟

- عن العلاقات ؟؟؟ يوم ما قلتلك إنه في بنات كثير بيرتبطو برجالة أكبر منهم ...

- تقريبا فاكر ؟؟؟

- إيه ٍرأيك ؟؟ (وحركت وجهها كي أنظر لطاولة يجلس فيها رجل تجاوز الستين تجالسه بنتان في أبهى صورة من اللبس والجمال لم تبلغا العشرين على أقصى تقدير) صدقت كلامي ؟؟؟

- مش ممكن بناتو ؟؟؟

- هما كل الأبهات متفهمين زيّك ؟؟؟

وغرقنا في ضحك ... ثم نقاش عن العلاقات وأن كل واحد يبحث عن ما ينقصه في الآخر ... الحب أو المال أو الحماية أو أو أو ...

بدأ الجو في المطعم يصبح أكثر صخبا ... إيقاع الأغاني تغيّر ... كان الأكل قد شارف على الإنتهاء كما أني شبعت ... كنت أراقب دلال التي تتصنّع النبل في مسكها للكأس أو السكين ...

كانت كأنها ترسل إشارات أنها تختلف عن بقية المرافقات ... أمسكت كأس خمر بيدي وأشعلت سيجارة ... ورحت أراقب بنتا وقفت ترقص أمام كهل جالس يصفق لها ببرود ...

كنت أتابع حركتها حين دبّت حمى الرقص على وقع أغنية مغربية شهيرة ... كل البنات قمن يرقصن ... بعض الرجال أيضا ممن لعبت الخمر برؤوسهم داعبهم إيقاع الأغنية ...

تهت في الحركات والإيقاع حين إرتج الكأس بيدي ... دلال تضرب كأسها بكأسي ... كانت تضحك ملأ شدقيها من تيهي ... قابلت ضحكها بالضحك ...

قامت ووقفت بجانبي وبدأت تهز أردافها على وقع الموسيقى ... إنسجمت مع حركاتها ورحت أصفق لها وأطرقع أصابع يدي ...

الرقص بالنسبة لي لا يثيرني ... يعجبني كحركات لكنه لا يثيرني ... وعلى ما أعلمه فأغلب المغاربيين مثلي ... نعم نحن نختلف عن الشرقيين ... ففي المشرق الرقص يعتبر أحد طقوس ممارسة الجنس بينما عندنا هو مجرّد فن يروح عن النفس ... سواء للراقص أو المشاهد ...

كنت مندهشا من تجاوب عضلات دلال مع إيقاعات الدربوكة (الطبلة) .... أصلا صارت تنافس راقصات آخريات في الطاولات القريبة .... تنافس أو تجاوب لا أدري ... المهم أن الجزء الذي تقع فيه طاولتنا صار محط أنظار الجميع بفعل حركاتهن ...

الحركة والجو السعادة سحبت المغنية للنزول من المنصة والتقدم نحونا ... الضوء يتبع الفنانة وهي تستعجل الخطى لتتوسط الطاولات وتسحب كل البنات نحوها ... إمتزج الحابل بالنابل مع تغيير إيقاع الرقص ...

كنت سعيدا وقلبي يقفز من مكانه لمنظر دلال وهي تلعلع وسط الركب برقصها الماجن ... العلب الليلية والكابريهات أماكن يتوقف فيها عدّاد الزمن ...

أنهت الفنانة نوبتها ... عادت دلال نحوي تلهث وتتصبب عرقا ... صدى صوت المكبرات منعني من فهم ما تقول ... كنت أنوي المغادرة ... لكن مقدّم برنامج السهرة أعلن عن صعود فنان للمسرح ...

تعالت أصوات الإعجاب في المكان والتصفيق والصفير ... فهمت أنه مشهور ... كانت دلال تلف برقبتها بحثا عنه ...

فنان شرقي يبدو أنه من لبنان ... ليس ذنبه أني لا أعرفه فالتقصير مني فأنا لا أهتم ... الإيقاع الشرقي له سحر خاص ... البنات بدأن في التمايل ... فدعاهن الفنان للصعود للمنصة ....

كأنهن كن ينتظرن ذلك ... هرولن نحوه يتمايلن ... دلال التي ترددت إنطلقت كالسهم بمجرد إشارة الموافقة من عيني ...

أصلا أنا تجاوبت مع الجو فبدأت بالرقص أنا كذلك بمكاني ... دقائق وأنا أحاول التأقلم مع النغم ... شاهدتني دلال فتركت المعترك الراقص وإلتحقت بي سعيدة بوالدها الذي صار يشاركها كلّ شيء ...

كنا آخر من غادر المطعم نحو الشارع ... حركة حثيثة من السّيارات تنطلق مع خيوط ضوء الفجر الأولى هاربة من ذنوب ليلة ماجنة ... كنا مخمورين ومصدعين من الموسيقى ... بعض الفتيات كنا يتحدثن عن ذهابهن لأحد المقاهي الشهيرة لطرد الثمالة ...

الفكرة التي إلتقتطها دلال أعجبتني ... فلا أريد أن أنهي سهرتي السعيدة بحادث مرور... سألت دلال إحدى البنات عن عنوان المقهى فأمرتنا بتتبع سيارتها ...

سيّارة ألمانية فاخرة تقودها مراهقة ... ودراجة نارية فاخرة يقودها كهل مرهق ... نتسابق نحو المقهى ... المسافة لم تكن بعيدة ...

مقهى يبدو فخما ومكتظا ... الزحمة فرضت علينا أن نجالس الفتاة ورفيقتها ... كل رواده كانوا في محلات سهر مختلفة وإحتمعوا هنا لنفس الهدف ... طرد السكر ...

قهوة سوداء ببضع دنانير لمحو أثر سكر ليلة ينفق فيها الآلاف ... نعم تلك عبثية الحياة ...

متأثرا بالخمر وكل المشاعر المتناقضة التي تتصارع نحوي ... وضعت يدي على خدي أنصت بإهتمام لكذب دلال على مرافقتين الثريتين ... نعم دلال مصممة ملابس شهيرة ... وأنا صاحب المشغل ...

أطنبت في الكذب ووصف العروض والجولات في دول العالم ولقاء الفنانين وغيرها ... كنت أضحك من الداخل ... رفعت رأسي لأنتبه أن إحدى مرافقاتنا كانت نزعت حذائها ووضعت رجلها على حافة الكرسي وفردت الأخرى لتهديني صورة ما بين فخذيها دون قيود ...

تاهت عيني في الرسم الذي نحت تحت قطعة القماش الأحمر الشفاف ... البنت لم تنتبه ولا مرافقتها ... فقط دلال التي بدأ كلامها يتقطّع ...

نظرة إليها لترمقني بنظرة متسائلة ... ماذا تفعل ؟؟؟ ... إحمر وجهي كتلميذ ضبط يداعب شعر زميلته التي تجلس أمامه ...

خائفا من دلال صرت أغرس عيني في فنجان قهوتي ... طال صمتي وخوفي ... أصلا أصبحت محل تندر وسخرية من صديقتينا الجديدتين ...

سرعان ما تم تبادل الأرقام وعناوين التواصل ... هذا الجيل محضوض .. و توادعنا على أمل اللقاء ...

ذهبت عني ثمالة الخمر لكني كنت سكرانا بالسعادة ... طوال الطريق وأنا أراجع شريط أحداث هذا اليوم ...

أشعة شمس ضحى يوم هادئ تسطع فوق شاطئنا ... مستندا حافة شرفة بيتي ... أداعب سيجارتي بين يدي ... كل شيء يشعرني بالسعادة ...

نظرت لركن الحديقة .... سحبتني براعم زهور بدأت تتفتح ... كنت أهملت العناية بها منذ مدّة ... إقتربت نحوها ...

براعم وردية وحمراء تتفتح من زهور بلدية فوّاحة ... جلست على الكرسي الحجري ... أغصان التوت اليابسة بدأت تكتسب بعض الخضرة .... الحبل الأزرق الذي كنت سأنهي به حياتي يتدلّى منها ...

شعور بالأسف والأسى تملكني ... أردت التخلّص من تلك الذكرى ... تسلّقت الشجرة ... هممت بفك عقده ... أوقفني صوت دلال تناديني ...

توجهت نحوي مستفسرة عما أفعل ... خفت من مصارحتها بحقيقته ... إدعيت أني سأثبت أرجوحة هناك ...

كنت أرى أجنحة السعادة تخفق فوق كتفيها ... خشبة قديمة ونفس الحبل كانا كل ما إحتاجته لعبتها التي تمنت يوما ما في طفولتها أن تمتلكها ...

جالسا على الكرسي الخشبي أترشف قهوة كانت مكافأة دلال لمجهودي ... دلال التي غيّرت ملابسها ... تنورة قصيرة من القماش الأزرق تصل نصف فخذيها العاريين ... وقميص أبيض تصل فتحة رقبته حتى منتصف صدرها ... حافية القدمين ...

جلست على الأرجوحة ... تمطط رجليها على الأرض لتقوم بدفع نفسها للوراء ... قطعة قماش أبيض تطل من بين فخذيها السمراوين بفعل إنحسار التنورة للخلف ...

شيء ما يدفعني أن أشيح بنظري عنه وآلاف الأشياء تدفعني للتملي فيه ... دلال التي كانت تلقي بجسدها للخلف لتزيد من قوة تأرجحها لم تدرك ما أعانيه ...

قضيبي الذي بدأ يتمطى بعد طول نوم أصبح يضايق جلستي ... عيني مركزة على رأس دلال علي أجد فرصة في إنشغالها لأحرر فيها ألما بدأ يزداد بين فخذي ...

نظرت للأرض ثم رفعت رأسي نحوها ... رجلاها مفتوحتان في الهواء ... كيلوتها الأبيض يطل بفخر بينهما ... تضم رجليها كلما إقتربت من الأرض لتفتحهما كلما إرتفعتا للسماء ...

كيلوت يخفي كسا على صغر سن صاحبته يبدو حجمه الكبير من تحته ... شعر أسود كثيف يحيط ببياض القماش الرقيق ...

كمن يراقب الكون من وراء ستارة تداعبها نسمات الهواء ... ثانيتان ينفتح فيهما شباك الرغبة لينغلق لثانيتين أخرتين ... دوال الثواني بين متعة العذاب حرقت إنتصابي ...

كانت دلال تتأرجح وتتحدّث ... حالة الصمم كثيرا ما صارت تصيبني ... كل قوة حواسي تحوّلت لعيناي المنغرستان بين فخذيها ...

عدم إجابتي على سؤال لم يصل لعقلي دفعها للتوقف ورفع رأسها نحوي ... غليان الدم المتجمد في عروقي خجلا كاد يجلطني ...

لم أستطع إخفاء إرتباكي ... دقّات قلبي تتزايد مع إقتراب خطوات دلال التي تركت أرجوحتها وتوجهت نحوي ....

جلست على الكرسي الخشبي تقابلني ... كنت أستعد للنهوض وأهرب منها ... حين سبقتني بالكلام ... "عاوزة أسألك على حاجة "

هممت بالرد عليها لكن حركتها صعقتني ... طوت ركبتها ووضعت قدمها على حافة الكرسي بينما فردت رجلها الأخرى ...

نسخة مقلّدة بدقة من جلسة فتاة الكباريه قبل سويعات بالمقهى ... كيلوت أبيض كجزيرة وسط شعيرات سوداء كثيفة في خليج ما بين فخذيها السمراوين ...

عيني التي هزمت أمام جاذبية الكون المركزة أمامي ... تمنيت لو أن لي أربعة عيون لأتملى فيه أكثر ...

رفعت رأسي نحو عينيها ... لم تستطع كبت إبتسامتها التي غالبها الخجل مما فعلته ... حديث صامت بالعيون بيننا ... عيني تسأل عن كيفية تفسير حركتها وعينها تحاول مراوغة سؤالي ...

وضعت يدها بين فخذيها تداعب شعيرات أفلتت من خلف قماش كيلوتها.... توقف نبض قلبي قبل أن أرى لسانها يداعب شفتيها لتنطق ...

" قلي بقى ؟؟؟ كده لسة شايفني طفلة ؟؟؟ "