الإثنوميثودولوجيا

(بالتحويل من منهجية الجماعة)

الإثنوميثودولوجيا (بالإنجليزية: Ethnomethodology) هي أحد مداخل علم الاجتماع التى ظهرت كثمرة لفترة انهيار الإجماع التقليدي (الأصولي) فى أواسط ستينات القرن العشرين. وهي دراسة الأساليب التي يستخدمها الناس لفهم وإنتاج النظام الاجتماعي الذي يعيشون فيه. ويسعى عمومًا إلى توفير بديل للمناهج السوسيولوجية السائدة. ويشكّل تحديًّا للعلوم الاجتماعية ككل في أكثر أشكاله تطرّفًا. أدّت دراساته الأولية إلى تأسيس تحليل المحادثة، والذي وجد مكانه الخاص كمجالٍ مقبول داخل المنهج الأكاديمي. وفقا لساثاس، فمن الممكن التمييز بين خمسة مناهج رئيسية داخل عائلة مجالات الإثنوميثودولوجيا.

يوفّر الإثنوميثودولوجيا الأساليب التي تُستخدم في الدراسات الإثنوغرافية لإنتاج أساليب الناس للتفاوض في المواقف اليومية. فهو مجال وصفي في جوهره، ولا ينخرط في شرح أو تقييم النظام الاجتماعي المحدّد الذي اضطُلِع به كموضوعٍ للدراسة. ومع ذلك، أُوجِدت التطبيقات في العديد من المجالات التطبيقية، مثل تصميم البرمجيات والدراسات الإدارية.

التعريف

يمكن تقسيم معنى المصطلح إلى أجزائه الثلاثة المكوّنة من: الإثنية - المنهج - الدراسة، بهدف شرحه. باستخدام مثال مناسب في جنوب كاليفورنيا: يشير مصطلح ‹‹الإثنية›› إلى مجموعة اجتماعية ثقافية معينة. يشير المنهج إلى الطرق والممارسات التي تستخدمها هذه المجموعة بالذات في أنشطتها اليومية (على سبيل المثال، المتعلقة بالتصفح)، ويشير مجال الدراسة إلى الوصف المنهجي لهذه الأساليب والممارسات. ينصب التركيز في الدراسة المستخدمة في مثالنا على النظام الاجتماعي للتصفّح، وتكمن الفائدة الإثنوميثودولوجية في ‹‹كيفية›› (طرق وممارسات) إنتاج وصيانة هذا النظام الاجتماعي. يحاول الإثنوميثودولوجيا إنشاء تصنيف لتصرفات الأفراد الاجتماعية داخل المجموعات بالاستناد على تجربة المجموعات استنادًا مباشرًا، دون فرض حدود على آراء الباحث فيما يتعلق بالنظام الاجتماعي، كما هو الحال فيما يتعلق بالدراسات السوسيولوجية.

الأصل والنطاق

صك مصطلح الإثنوميثودولوجيا وطوّر هذا النهج في الأصل عالم الاجتماع الأمريكى هارولد جارفينكل الذى وضع أسس الإثنوميثودولوجيا، سواء كنظرية أو كنقد واع ذاتياً لعلم الاجتماع التقليدى برمته، ونسب أصل هذا النهج إلى عمله الذي درس سلوك أعضاء هيئة المحلفين في عام 1954. كان اهتمامه في وصف الأساليب المنطقية التي من خلالها يعبّر أعضاء هيئة المحلفين عن أنفسهم في غرفة هيئة المحلفين بصفتهم هيئة محلفين. وبالتالي، الأساليب التي تهدف إلى: إثبات الحقائق؛ تطوير سلاسل الأدلة؛ تقرير موثوقية شهادة الشاهد؛ إنشاء منظمة المتحدثين في غرفة المحلفين نفسها؛ وتحديد جرم المتهمين أو براءتهم، وإلخ من المواضيع ذات الأهمية. تعمل هذه الطرق على تشكيل النظام الاجتماعي المٌحلّف لأعضاء هيئة المحلفين، وكذلك للباحثين والأطراف المعنية الأخرى، في هذا الإطار الاجتماعي المحدد.

نشأ هذا الاهتمام من نقد غارغارفينكل لمحاولة تالكوت بارسونز استخلاص نظرية عامة للمجتمع. نشأ هذا النقد من قراءته لألفريد شوتز، على الرغم من أن غارفينكل عدّل في النهاية العديد من أفكار شوتز. واعتمد غارفينكل أيضًا على دراسته لمبادئ وممارسات المحاسبة المالية، والنظرية الاجتماعية الكلاسيكية وأساليب دوركهايم وويبر، والقلق الاجتماعي التقليدي مع ‹‹مشكلة النظام›› الهوبيزية.

بالنسبة لعالم الإثنوميثودولوجيا، ينتج المشاركون نظام الأوساط الاجتماعية من خلال إحساسهم المُشترك في صنع الممارسات. وبالتالي، هناك انعكاس طبيعي أساسي بين نشاط فهم المحيط الاجتماعي والإنتاج المستمر لذلك المحيط؛ ومن الناحية العملية كلاهما متطابقان. علاوة على ذلك، تُسن هذه الممارسات (أو الأساليب) على نحوٍ ملحوظ، مما يجعلها متاحة للدراسة. هذا يفتح مجالًا واسعًا ومتعدّد الجوانب من التساؤل. يكتب جون هيريتيج: ‹‹في إشارة مفتوحة إلى [دراسة] تُجرى لأي نوع من العمليات المنطقية، فإن المصطلح يمثّل علامة بارزة إلى نطاق ذو أبعادٍ غير محدّدة، بدلًا من مراقبة إقليمٍ محدّد بوضوح››.

كما قدم جارفينكل تفسيراً لأصول هذا المصطلح بقوله إن كلمة  إثنو تدل بطريقة أو بأخرى على نوع من المعرفة البدهية أو الإدراك العام والمتاحة لعضو الجماعة عن مجتمعه فى شتى المناحى. فإذا كانت تلك المعرفة تدور حول النباتات المحلية، فإنها سوف تتعلق - على نحو ما - بمعرفته وفهمه بالطرق الملائمة للتعامل مع كافة  شئون النبات، وهذا هو أساس فكرة الإثنوميثودولوجيا. (انظر مقال جارفينكل المعنون: "أصول مصطلح الإثنوميثودولوجيا" المنشور فى هيل وكريتندن (محرران)؛ أعمال مؤتمر بوردو عن الإثنوميثودولوجيا، المنشور عام 1968، وقد قاد هذا الاهتمام جارفينكل إلى القيام بتحليل مفصل للأساليب التى يستخدمها الناس فى حياتهم اليومية لتفسير أنشطتهم (وجعلها مفهومة) سواء لأنفسهم أو للآخرين. وقد سجلت هذه الدراسات والبحوث غير التقليدية (بل التى قد يراها البعض غريبة) فى كتاب '"دراسات فى الإثنوميثودولوجيا" المنشور عام 1967. حيث قدم فيها جارفينكل تعريفاً شديد الايجاز للدراسات التى أجراها باعتبارها: "تستهدف معرفة كيف تتكون الأنشطة العادية والفعلية لأفراد المجتمع من أساليب لجعل الأفعال العملية والظروف العملية، والمعرفة البدهية بالبناء الاجتماعى والتفسير السوسيولوجى العملى قابلا للتحليل".

وبعد أن نشر جارفينكل دراساته بعقد أو يزيد أصبحت الإثنوميثودولوجيا موضوعاً لحوار ساخن، يتسم بالعنف أحيانا، داخل أقسام علم الاجتماع. أما الآن فقد استقر هذا الاتجاه بوصفه توجها مقبولا فى البحث، ولكن لدى قلة من العلماء، هذا على الرغم من أن قلب نظرية علم الاجتماع؛ خاصة بفضل أعمال أنتونى جيدنز.

الخلفية الفلسفية

لقد نهضت الإثنوميثودولوجيا على خلفية فلسفية تتسم بالتنوع؛ لنذكر منها: الفينومينولوجيا من ناحية وفسلفة فيتجنشتين والفلسفة اللغوية من ناحية أخرى. وهى تمثل إلى جانب كثير من اتجاهات ما بعد البنيوية و ما بعد الحداثة اسهام علم الاجتماع فيما أصبح يعرف باسم "المرحلة اللغوية" فى الفلسفة؛ التى شهدت تعاظم اهتمام فلسفة القرن العشرين بطبيعة اللغة والاستخدام اللغوي. وإذ يرى الإثنوميثودولوجيون أن الحياة الاجتماعية والظواهر والعلاقات الواضحة الاستقرار - الى تتجلي فيها تلك الحياة - إنما تمثل إنجازاً مستمراً يتحقق عن طريق استخدام اللغة . فاللغة شئ نشترك جميعاً فى إبداعه ونعيد إنتاجه بشكل مستمر. ولعل هذا هو السبب في بناء الكلمة: حيث يشير مقطع ology إلى دراسة، و مصطح ethno إلى الناس (أو الجماعة) ومنهج method أو طريقة إلى طرق صنع النظام الاجتماعى. فالتأكيد هنا يدور حول فعل الأشياء: فنحن نصنع علاقة الصداقة، ونجعل الاجتماع، ونتنزه فى الشارع، ونصنع كل شئ آخر. وقد كان من الشائع فى فترة مضت التمييز بين الإثنوميثودولوجيا اللغوية عن الإثنوميثودولوجيا الموقفية. ولكن هذا ليس أكثر من مجرد اختلاف فى محور الاهتمام إذ أن الأساس الذى يجمعها واحد وهو الاستخدام اللغوى.

الإشارية والإنعكاسية

وهناك فكرتان أساسيتان فى المنهجية الشعبية هما الإشارية والانعكاسية. الأولى تؤكد أنه ليس هناك تعريف شامل واضح لأى كلمة أو مفهوم لغوى؛ حيث تستمد المعنى من خلال الإحالة إلى كلمات أخرى وإلى السياق الذى يتم التحدث فيه . لذا فمن الممكن دائما أن نسأل '"ماذا تعنى؟" من وراء تعبير بعينه؛ ثم يمكن بعد ذلك أن نوجه نفس السؤال إلى ما لا نهاية عن أى إجابة تعطى. فليست هناك إجابة نهائية شافية. لذلك فإن كثيراً من أعمال جارفينكل الأولى قامت على تكليف طلابه ببحوث ميدانية تدريبية خلص منها إلى أننا نحن الذين نخلق الإحساس بالمعنى والوجود في الحياة الاجتماعية، الذى قد لا يكون له وجود فى الواقع؛ ونحافظ على استمراره وبقائه. ومن تلك البحوث التدريبية أن يوجه الطلاب سؤال: "ماذا تعنى بذلك؟" بلا هوادة طوال الحوارات. وكانت نتيجة ذلك أن شعر الناس بالضيق والغضب لأن قواعد تحديد المعانى المستقرة التى يستخدمونها بشكل مسلم به تتعرض لتساؤل أو الاستهانة. لقد فقدوا إحساسهم السابق بالواقع الاجتماعى.

أما فكرة الانعكاسية فتشير إلى أن احساسنا بالنظام هو نتيجة لعمليات محادثية؛ أى تتخلق أثناء الكلام. ومع ذلك فنحن نعتبر أننا نصف النظام القائم حولنا فعلا. وفى رأى أصحاب الإثنوميثودولوجيا أن وصف الموقف معناه أننا نخلقه فى الوقت نفسه.

وهكذا شكلت هاتان الفكرتان جزءاً من النقد الراديكالي لعلم الإجتماع التقليدى برمته، الأمر الذى يفسر مرارة بعض الأراء التى أبديت فى هذا السياق. ففى رأى أصحاب الإثنوميثودولوجيا أن علماء الاجتماع التقليديين إنما يخلقون نوعا من الإحساس بالنظام الاجتماعى بنفس الطريقة التى يمارسها الفرد من عامة الناس: حيث تعد المعانى جوهرية ولا تمثل أى مشكلة. ومن هنا يجرى التسليم بها. فى مقابل ذلك يذهب المنهجيون الشعبيون إلى أن المهمة الحقيقية لعلم الاجتماع إنما تتمثل فى تحديد القواعد التأويلية التى نؤسس عن طريقها إحساسنا بالنظام وليس الانخراط فى تأسيس انعكاس لهذا الإحساس. وعلى هذا الأساس أصبح علم الاجتماع التقليدى يمثل موضوعاً للدراسة الإثنوميثودولوجية؛ بنفس الطريقة التى يخضع بها أى نشاط اجتماعى إنسانى آخر للدراسة. وهكذا وجدنا كتاب جارفينكل يضم مقالا حول ترميز الإجابات فى المقابلات التى يجريها علماء الاجتماع، ومقالا آخر عن التحول الجنسي، والأنشطة التى تشترك نفس المكانة كسبل لخلق الواقع الاجتماعى.

عملية التمويه (التفسير) Glossing

ولعل عملية التمويه (التفسير) Glossing*[١] تمثل نموذجاً لنوع الإجراء التفسيرى الذى يهتم به أصحاب الاتجاه الإثنوميثودولوجى. فالتمويه يعنى فى الحياة اليومية تجنب القضايا والمسائل الخلافية، ففى رأى المنهجيين الشعبيين أن كل حديثنا إنما هو نوع من التمويه (التفسير)، حيث أن الموضوع لا يمكن التعبير عنه تعبيرا مباشرا. ونحن نستخدم فى عملية التمويه (التفسير) عددا من القواعد المسلم بها مثل قاعدة "هلم جر" التى تضيف إلى كل قاعدة أخرى عبارة تقول: "فيما عدا الظروف المعقولة". وقد بلور هارفى ساكس، وهو متخصيص فى تحليل المحادثة. بلور عددا من القواعد المشابهة؛ بما فيها القاعدة التى تقول أن هناك دائما شخص واحد هو الذى يتكلم فى المرة الواحدة، وأن هذه القاعدة إذا كسرت، فإن ذلك لا يحدث إلا لفترة وجيزة تماماً.

الانتقادات للإثنوميثودولوجيا

من الانتقادات التى وجهت إلى الإثنوميثودولوجيا بكثرة، ذلك الذى يتهمها بأنها لم تخبرنا بشئ فائق الأهمية. فهى بحكم تعريفها قد أخرجت من اهتمامها ومجالها القضايا السياسية والاجتماعية الكبرى التى تعتمل فى الحياة اليومية؛ حيث أن اهتمام أصحاب المنهجية الشعبية كان منصباً على معرفة "كيف نبنى ونركب عالمنا"، وليس منصبا على معرفة "ما هى مكونات هذا العالم". من هنا قيل إن ما انتهى إليه الإثوميثودولوجيون إنما هى معلومات من مستوى متدن نسبياً، وأنها لا تعرفنا أكثر مما نعرفه عن العالم بالفعل. ومازال جون غولدثورب يعد من أكثر النقاد السوسيولوجيين التقليديين إدانة للإثنوميثودولوجيا، وذلك فى مقاله المعنون: "هل هى ثورة فى علم الاجتماع” المنشور فى مجلة علم الاجتماع؛ عام 1973. ولكن ربما كان أقسى الانتقادات المعروفة للإثنوميثودولوجيا ذلك النقد الذى ورد فى ثنايا عرض جيمس كولمان لكتاب جارفينكل فى المجلة الأمريكية لعلم الإجتماع، عام 1968، ونقد لويس كوزر فى خطابه الرئاسى الشهير أمام الجمعية الأمربكية لعلم الاجتماع فى عام 1975 (وكان عنوان كلمته "طريقتان للبحث عن جوهر المادة"، ونشر فى المجلة الأمريكية لعلم الاجتماع) .

ومع أن جهود الاتجاه الإثنوميثودولوجى مازالت متصلة حتى اليوم؛ إلا أنها لم تعد بارزة ولا مثيرة للجدل بالشكل الذى كان عليه الأمر من قبل. ونلاحظ من ناحية أخرى أن هناك صورة معدلة من بعض آراء الإثنوميثودولوجيا أصبحت فى حكم المسلمات فى حقل علم الاجتماع . فهناك - على سبيل المثال - قدر أكبر من الاعتراف من جانب علماء الاجتماع بالطبيعة الإشكالية لمفهوم المعنى، وبالطريقة التى يسهم بها حديثنا فى خلق واقعنا الاجتماعى. فى نفس الوقت أصبحت الإثنوميثودولوجيا علما بديلا لعلمنا يتسم بالازدهار النسبى، الذى يتمثل فى مؤتمراته العلمية الخاصة، ومجلاته العلمية؛ ومراكز البحث الرفيعة المستوى المتخصصة فى بحوثه. (يمكن أن نجد عرضا ممتازا للبحوث المعاصرة فى هذا الميدان فى مقال هيريتيجعن الإثنوميثودولوجيا المنشورة فى كتاب أنتونى جيدنز وجوناثان تورنر (محرران) وعنوانه: النظرية الاجتماعية المعاصرة؛ الصادر عام 1987.

كما ظهر من بين أصحاب الاتجاه الإثنوميتودولوجى باحث مثل آرون سيسرول وضع فى المحل الأول من اهتمامه إقامة جسور بين الاجتماع التقليدى والإثنوميثودولوجيا (انظر كتابه: علم الاجتماع المعرفى؛ 1973). أما أكثر المحاولات منهجية لزرع بعض آراء ومفاهيم الإثنوميثودولوجيا في علم الاجتماع التقليدى، فيمكن أن نجدها فى أعمال أنتونى جيدنز، وخاصةً فى كتابه قواعد جديدة للمنهج فى علم الاجتماع؛ الصادر عام 1976) وكتابه تكوين المجتمع الصادر عام 1984. ققد كف فيه عن النظر إلى الواقع الاجتماعى والمجتمعات كتكوينات أو تصورات مبنية على الكلام؛ وإنما أدرك أن قواعد الكلام وكذلك الأفعال المسلم بها ذات أهمية أساسية للنظام الاجتماعى. واستخدم فكرة القاعدة على نحو ممائل لاستخدامها فى الإثنوميثودولوجيا بوصفها أسلوبا لفهم كل من الفعل الاجتماعى والبناء الاجتماعى والتقريب بينهما.

النظرية والأساليب

لقد أثارت موضوعات الإثنوميثودولوجيا حيرة المُعقبين، بسبب نهجها الراديكالي لأسئلة النظرية والأسلوب.

فيما يتعلق بالنظرية، دأب غارفينكل باستمرار على تبني موقف اللامبالاة الإثنوميثودولوجية، وهي اللاأدرية المبدئية فيما يتعلق بالنظرية الاجتماعية التي تصرّ على أن التفاهمات المشتركة لأعضاء الوسط الاجتماعي الخاضع للدراسة له الأسبقية على أي مفاهيم قد يجلبها المنظِّر الاجتماعي إلى التحليل من خارج هذا الوسط. قد يكون هذا الأمر محيّرًا للعلماء الاجتماعيين التقليديين المدرّبين وفقًا للحاجة إلى النظرية الاجتماعية. يمكن تفسير تعدّد المراجع النظرية لدى آن راولز، في مقدمتها لـ ‹‹برنامج الإثنوميثودولوجيا››، على أنه يشير إلى تليين هذا الموقف في آخر حياة غارفينكل. ومع ذلك، فإن الموقف يتسق مع فهم الإثنوميثودولوجيا لأهمية ‹‹أساليب العضو››، ومع خطوط معيّنة من الفكر الفلسفي فيما يتعلق بفلسفة العلوم (بولياني 1958، كوهن 1970، فييرابيند 1975)، ودراسة الممارسات الفعلية للإجراء العلمي. كما أنه لديه توافق قوي مع الفلسفة اللاحقة للودفيغ فيتغنشتاين، خاصة كما طُبِّقت على الدراسات الاجتماعية التي أجراها بيتر وينش.

يُشار أيضًا في أعمال غارفينكل إلى هوسرل (علم الظواهر المتعالي)، وجوروويتش (نظرية غشتالتي)، وفي أغلب الأحيان، بطبيعة الحال، إلى أعمال عالم الظواهر الاجتماعية ألفريد شوتز (علم ظواهر الموقف الطبيعي)، من بين أمور أخرى. من ناحية أخرى، لا يشكل المؤلفون والمراجع النظرية التي استشهد بها غارفينكل أساسًا نظريًا صارمًا للإثنوميثودولوجيا. لا ينتمي الإثنوميثودولوجيا إلى دوركايم، رغم أنه يشترك في بعض اهتمامات دوركايم؛ إنه لا ينتمي إلى علم الظواهر، على الرغم من أنه يستعير من دراسات هوسرل وشوتز عن عالم الحياة (ليبينزويلت Lebenswelt)؛ إنه ليس شكلاً من أشكال نظرية غشتالت، على الرغم من أنه يصف الأنظمة الاجتماعية بأنها ذو خصائص تشبه خصائص نظرية غشتالت؛ ولا ينتمي إلى فيتغنشتاين، على الرغم من أنه يستفيد من فهم فيتغنشتاين لاستخدام القواعد، إلخ. وبدلاً من ذلك، فإن هذه الاستعارات هي مجرّد مراجع مجزّأة إلى الأعمال النظرية التي استمدّ منها الإثنوميثودولوجيا الأفكار النظرية للأغراض المعلنة في إجراء تحقيقات التي تنتمي إلى الإثنوميثودولوجيا.

وبالمثل، لا يدعو علماء الإثنوميثودولوجيا إلى أي طريقةٍ رسمية للتحقيق، ويصرون على أن طريقة البحث تمليها طبيعة الظاهرة قيد الدراسة. أجرى علماء الإثنوميثودولوجيا دراساتهم بعدة طرق، والهدف من هذه التحقيقات هو ‹‹اكتشاف الأشياء التي يفعلها الأشخاص في مواقف معينة، والطرق التي يستخدمونها، لإنشاء نظام نمطي للحياة الاجتماعية››. أشار مايكل لينش إلى أن: ‹‹شخصيات بارزة في هذا المجال أكّدت مرارًا وتكرارًا أنه لا توجد مجموعة إلزامية من الأساليب [التي يستخدمها علماء الإثنوميثودولوجيا]، ولا يوجد حظر على استخدام أي إجراء بحث على أية حال، إذا كان ذلك كافيًا للظواهر المعيّنة قيد الدراسة››.

أنظر أيضاً

  1. ^ المقصود عملية صقل للكلام وتطويعه عدة عدة طرق قد يكون منها التمويه (أى إخفاء الأهداف والنوايا ول الحقيقية)؛ أو التفسير بمعنى معين، نقصد به تفسير هادفاً لتوجيه المعنى إلى ناحية بعينها، ولا دخل لكل ذلك بأي نوايا شريرة أو سيئة بالضرورة (وإن كان ذلك ليس مستبعداً كلية)، حيث أن هذا التفسير الموجه يستهدف "صقل الكلام أو التخلص من الاختلاف ... إلخ ذلك من الأهداف. ومن هنا فقد لا يكون بالضرورة موظفاً لتحقيق غاية سلبية.