فلاديمير لينين
فلاديمير ألييتش أوليانوف المعروف بـ لينين (بالروسية: Владимир Ильич Ульянов) ولد في 22 أبريل عام 1870 وتوفي في 21 يناير عام 1924. مفكر سياسي وثوري ومنظر ماركسي روسي، وقائد الحزب البلشفي والثورة البلشفية ومؤسس الدولة البلشفية في روسيا، مؤسِّس الحزب الشيوعي في روسيا مُنْشِئًا بذلك أول دكتاتورية للحزب الشيوعي في العالم، كما أسس المذهب اللينيني السياسي رافعاً شعاره الأرض والخبز والسلام.
وقد قاد ثورة أكتوبر عام 1917م التي مكَّنت الشيوعيين من السيطرة على مقاليد الأمور في روسيا. ثم حكم البلاد حتى وفاته عام 1924م.
دخل لينين المدرسة عام 1879م وعمره تسع سنوات، وكان تلميذًا لامعًا. وقد حصل على درجة في القانون من جامعة سانت بطرسبرج عام 1891م وعمل في مدينة سامارا. ثم انضم إلى مجموعة اشتراكية ديمقراطية وهي منظمة ماركسية. وفي أواخر ذلك العام انتقل إلى سانت بطرسبرج وأصبح ثوريًا نشطًا. وفي سانت بطرسبرج تسلم لينين بسرعة قيادة مجموعة ثورية ماركسية.
وفي أوائل القرن العشرين تحرَّكت روح الثورة ضد القيصر نقولا الثاني في روسيا. وقد تخلّى عن العرش في 15 مارس، وتم تشكيل حكومة ديمقراطية. وصل لينين إلى بتروغراد (سانت بطرسبيرج) من ألمانيا في 16 إبريل عام 1917م. وفي 19 يوليو أمرت الحكومة باعتقال لينين، ولذلك هرب إلى فنلندا، وهناك ألف كتاب الدولة والثورة.
وفي الثامن من نوفمبر عام 1917م انعقد المؤتمر الروسي الثاني، وعيَّن مجلسًا لمفوضي الشعب الذي انتخَب بدوره لينين رئيسًا له، وبذلك أصبح رئيسًا للدولة الروسية الجديدة. وفي ديسمبر عام 1917م أسس لينين قوات التشيكا (الشرطة السياسية) وبنى حكمه على الإرهاب.
وقبيل أول سكتة دماغية أصابته في مايو عام 1922م عَيَّن لينين جوزيف ستالين سكرتيرًا عامًا للحزب الشيوعي. وفي ديسمبر 1922م، أسست الحكومة البلشفية برئاسة لينين الاتحاد السوفييتي ومات بسبب نزيف دماغي.
تميزت المراحل الأولى من حياته باعتناق الماركسية الأصولية. ولكن لينين بدأ منذ أواخر تسعينيات القرن التاسع عشر يطور تفسيراً خاصاً لأفكار ماركس، إلى حد أنه أصبح يحمل اسمه فيما بعد. وقد كان لينين هو الذى قاد الثورة البلشفية فى عام 1917، كما كان القائد السياسى فى الاتحاد الجديد للجمهوريات السوفيتية حتى تاريخ وفاته بسبب سكتة دماغية مفاجئة. ولا يزال هناك جدل كبير مفتوح حول ما إذا كان كل ما تفجر عن تلك الثورة يمكن إرجاعه إلى أصوله اللينينية، وبصفة خاصة مزاوجته فى الالتزام الثورى يين النظرية الماركسية والواقع الروسى. ويجد القارى مقدمة موجزة ومفيدة عن حياته وأعماله فى كتاب روبرت كونكويست: لينين (الصادر عام 1972).
حياته
الأسرة
ولد فلاديمير أوليانوف المعروف بلينين في 22 أبريل سنة 1870 في مدينة سيمبرسك Simbirsk على نهر الفولجا (وتسمى اليوم أوليانوفسك Ulyanovsk). وكان أبوه، إيليا نيكولايفيتش أوليانوف (1831-1886)، مفتشاً للمدارس العليا في مقاطعة سيمبيرسك، نال درجة النبالة المناسبة لدرجة وظيفته. وهو ابن أحد العبيد السابقين في قرية أندروسوفو، مقاطعة سيرجاشسكي، مقاطعة نيجني نوفيجورودلي). كان متزوج من آنا سميرنوفا، ابنة برجوازية أستراخان (وفقًا لنسخة الكاتب السوفيتي شاجينيان، الذي جاء من عشيرة "كالميكس" المعمدة). أما أُمه فهي ماريا ألكسندروفنا أولينافا من أصل سويدي ألماني من قبل والدتها ووفقًا لإصدارات مختلفة فهي لأصل أوكراني أو ألماني أو يهودي من قبل والدها حيث كان جد لينين لأمه وفقًا لإحدى الروايات يهوديًا اعتنق الأرثوذكسية وهو ألكسندر ديميتريفيتش بلانك ووفقًا لرواية أخرى، فقد جاء من عائلة من المستعمرين الألمان التي جلبت كاترين الثانية إلى روسيا وقد ادعى الباحث في عائلة أوليانوف إم إس شاجينيان أن ألكسندر بلانك كان أوكرانيًا.
وكان جو الأسرة جو الأنتلجسيا التقدمية في ذلك العصر: وكل الأبناء ( باستثناء أخت توفيت في سن صغيرة) كانوا ثورين. وكان الابن الأكبر عضواً في منظمة إرهابية تدعى Narodnaya Volya وحكم عليه بالاعدام فأعدم شنقاً في سنة 1887، فكان لهذا الحادث أثر بالغ في نفس فلاديمير (لينين).
التعليم الأولي
تلقى لينين دروسه الأولى وهو في الخامسة على يد معلم كان يحضر إلى منزله لهذه الغاية ثم دخل المدرسة وهو في التاسعة مبدياً اجتهاداً كبيراً وذكاء لقيا إعجاب الجميع وفي ذلك الوقت كانت روسيا قد بدأت تتحول بسرعة إلى دولة صناعية وكانت قطاعات واسعة من الشعب تأن تحت وطأة الجوع والفاقة، لانعدام شروط العمل الإنسانية، وتكافل أصحاب المصانع مع الأسرة الحاكمة.
توفي والده وهو في السادسة عشرة، وفي السنة التالية أعدم أخوه ألكسندر شنقاً بتهمة الاشتراك في مؤامرة لاغتيال القيصر. وقد تركت هذه الحادثة أبلغ الأثر في نفسه وخصوصاً كلمات أخيه أثناء المحاكمة، إذ اعترف بما نسب إليه قائلاً «إنه أراد قتل القيصر لأنها الوسيلة الوحيدة لتحقيق الحرية السياسية للشعب الروسي.» في السنة نفسها أنهى لينين دروسه الثانوية بامتياز وحصل على الميدالية الذهبية.
التعليم الجامعي
في خريف سنة 1887، التحق لينين بكلية الحقوق في جامعة مدينة قازان، لكنه طرد منها في ديسمبر من نفس السنة بسبب تزعمه لفئة احتجت على انعدام الحرية في الجامعة. وقد حاول عدة مرات تقديم طلبات للعودة إلى متابعة دروسه، ولكنها رفضت كلها. ونفي إلى قرية صغيرة. لكنه عاد إلى قازان في سنة 1888، لكن لم يسمح له بدخول الجامعة. وشارك في دائرة الطلاب غير المشروعة المسماة N. J. Fedossejews وفيها تحول الشاب الثوري من الشعبية إلى الماركسية. ولما انتقلت الأسرة إلى سمارا في سنة 1889 انضم لينبن إلى الدوائر الثورية فيها بعد أن صار ماركسياً متحمساً.
والتحق بكلية الحقوق في جامعة سان بطرسبرج طالباً من الخارج، بعد قبول جامعة بترسبورغ طلبه للانتساب إليها شرط عدم حضور الدروس، والاكتفاء بالمجيء إلى الحرم الجامعي في نهاية السنة الدراسية للاشتراك في الامتحانات. حصل لينين على شهادة الحقوق عام 1891، ثم بدأ العمل محامياً تحت التمرين في مكتب للمحاماة في سامارا. وفي تلك الفترة راح يقرأ كتابات كارل ماركس بعمق حتى العام 1893 حين انضم إلى منظمة ماركسية تدعى الديمقراطية الاجتماعية وما لبث أن عاد إلى بترسبورغ في سنة 1893 حيث تولى قيادة تلك المنظمة.
وفي دائرة «الكبار» ( وهو تنظيم من تلك التنظيمات التي تحول فيها قسم من الأنتلجنسيا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، أي ما بين سنة 1889 و189، من الاتجاه الشعبي إلى الاتجاه الماركسي) وخلال العامين التاليين عمل على تحويل هذه الدائرة المؤلفة من الأنتلجنسيا إلى تنظيم يضم العمال، أي تحويلها إلى حركة عمالية.
العمل الثوري
لم يمارس لينين مهنة المحاماة بعد حصوله على الرخصة القانونية التي تؤهله، انصرف لينين إلى العمل على تفعيل العمل الثوري والانعكاف على دراسة الماركسية في مدينة سانت بيترسبرغ.
توفي القيصر الكسندر الثالث عام 1894 فخلفه ابنه نيقولا الثاني. أما لينين فقد قام في ربيع سنة 1895 لينين برحلة إلى غربي أوربا زار فيها فرنسا وألمانيا وسويسرا، لتوسيع حركة الكفاح، حيث التقى معظم الماركسيين النشطين هناك، واتصل بأعضاء «جماعة تحرير العمل» من أجل التشاور معهم، وكان من مؤسسي هذه الجماعة W. Plechanow، وتوثقت صلة لينين به، وتعاونا معاً خلال السنوات العشر الأولى من نشاط لينين العلني. وكان فريدرش انجلز على فراش الموت حين قام لينين برحلته الأولى إلى الخارج هذه.
في 7 ديسمبر 1895، تأسست «رابطة الكفاح لتحرير الطبقة العاملة»، لكن معظم زعماء «الكبار» ومنهم لينين، أودعوا السجن. تم إلقاء القبض على لينين فيما هو يستعد لإصدار جريدة قضية العمال، وبقي رهن التحقيق أكثر من عام إلى أن صدر بحقه الحكم بالنفي إلى سيبيريا عام 1897.
النفي إلى سيبيريا
لم يكن النفي إلى سيبيريا سجنا بكل معنى الكلمة فقد كانت الحكومة تدفع للمنفيين علاوة شهرية بسيطة، وكانوا يختارون مكان إقامتهم ضمن حدود معينة. وقد اختار لينين بلدة شوشانسكايا في آباكان، وأمضى فترة النفي في الكتابة بعد زواجه من الاشتراكية ناديا كروبسكايا في يوليو من عام 1898م التي كانت هي الأخرى منفية بسبب نشاطاتها السياسية. في تلك الأثناء اتحدت معظم الحركات الماركسية السرية في روسيا وشكلت حزب "العمل الديمقراطي الروسي"، ومنها الحركة التي انتمى إليها فلاديمير لينين.
وفي أبريل من عام 1899م تمكن لينين من إصدار كتابه المعنون ـتطور الرأسمالية في روسيا. وفي سنة 1901 اتخذ اسم «لينين» الذي اشتهر به فيما بعد، ( وكان قد اتخذ قبل ذلك اسم Iljin واسم Tulin). وفي أثناء نفيه في شرقي سيبيريا، كانت حركة «رابطات الكفاح لتحرير الطبقة العاملة» قد صارت لها اليد العليا في سان بطرسبرج وغيرها من المدن الروسية الكبيرة، وهذه الحركة كانت بمثابة الصورة الروسية لحركة التنقيح الأوربية الغربية. فألف لينين رسالة بعنوان: «احتجاج الماركسيين المنفيين ضد عقيدة الاقتصاديين» (وهو اسم تلك الحركة) ونشرها في مجلة اشتراكية عنوانها اسكرا Eskra (أي «الشرارة») وهي مجلة أسستها جماعة لينين وصارت لسان حال حزب ثوري اشتراكي. كما عمل على نشر الكتب المتعلقة بالعمل الثوري.
العودة للعمل الثوري
وبعد انتهاء مدة نفيه في سيبريا، قام لينين في مستهل سنة 1900م برحلات عديدة في روسيا من أجل ضم شمل الجماعات الثورية في روسيا، ثم سافر إلى أوروبا حيث اشترك مع بلاخنوف وسائر أعضاء جماعته في إصدار مجلة «الشرارة».
كان لينين من الأعضاء النشطين في حزب العمل الاشتراكي الاجتماعي. وبإنشاء «حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي» إبان المؤتمر الثاني الذي عقد في لندن سنة 1903م (وكان المؤتمر الأول قد عقد في مينسك في سنة 1989 لكن لم يحضره إلا عدد قليل، لهذا كان قليل الأهمية والأثر) - بلغت مجلة «الشرارة» أوج نشاطها وازدهارها. وبعد ذلك مباشرة حدث نزاع بين أعضاء هذا الحزب حول: هل ينبغي أن يكون هذا الحزب الجديد منظمة لطليعة واعية بأهدافها، أو ملتقى لكل المتعاطفين في الآراء الثورية؟ - وانتهى هذا النزاع بتصدع كيان الحزب الجديد إلى جماعتين: جماعة الأغلبية بزعامة لينين (البلشفيك - من الصفة بلشوي = كبير)، وجماعة الأقلية (المنشفيك - من الصفة منشفوي أي صغير) التي انضم إليها بلاخنوف. ولما بلغت الثورة الروسية أوجها في سنة 1917 اتفقت الجماعتان على الانضمام الواحدة إلى الأخرى من جديد، لكن لم تستطيعاً إعادة الوحدة الأولى من جديد.
عاد لينين خلال ثورة عام 1905 في روسيا إلى وطنه ليشارك في التمرد ضد الحكومة، وتم اختياره لزعامة حزب العمل الاشتراكي الاجتماعي عام 1906م وانتقل إلى العيش في فنلندا عام 1907 لدواعي أمنية. وفي عام 1908 توجه مرة أخرى إلى سويسرا وبعد ذلك سافر إلى باريس. وفي سنة 1912 أثناء مؤتمر براج أعلن لينين رسمياً أن فريق البلشفيك هو التنظيم المركزي لحزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي. ومنذ إنشاء مجلة «الشرارة» حتى وفاته، كان لينين هو زعيم الاشتراكيين اليساريين الروس.
ومنذ تأسيسه لحزبه في سنة 1912 حتى قيام الحرب العالمية الأولى عاش لينين قرب الحدود النمساوية الروسية. ولم يستطع العودة إلى روسيا - منذ نفيه عنها في نهاية سنة 1907 - إلا في مارس سنة 1917. وفي سنة 1912 أيضاً استطاع أنصار لينين الحصول من الحكومة القيصرية على ترخيص بإصدار جريدة تسمى «البرافدا» («الحقيقة»). وفي عام 1916 بعد انقسام شهده حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي ترأس لينين الحزب البلشفي.
الحرب العالمية الأولي والثورة
ومع نشوب الحرب العالمية الأولى دعا لينين إلى تحويل الحرب العالمية إلى حروب أهلية ضد حكومات رأسمالية في الدول الأوروبية. رغم سفره الكثير إلاّ أنّ ذلك لم يمنعه من الاستمرار في عقد الاجتماعات الاشتراكية في شتى أنحاء أوروبا والدعوة للفكر الاشتراكي. وفي 16 أبريل 1917 عاد لينين مرة أخرى إلى روسيا عقب الإطاحة بالقيصر الروسي نيقولا الثاني وتبوأ مكانته من بين البلاشفة في روسيا ونشر في صحيفة الـبرافدا أطروحة أبريل التي تروي وجهة نظر لينين في كيفية إدارة روسيا سياسياً. وبعد الثورة العمالية الفاشلة في يوليو من نفس العام اضطر لينين للمغادرة إلى فنلندا مرة أخرى لدواعي أمنية ومن ثم عاود الرجوع إلى روسيا في أكتوبر مدججاً بالسلاح ليقود الثورة ضد حكومة كيرنسكي المؤقتة.
وفي 15 مارس سنة 1917 قامت الثورة في روسيا، وسقط الحكم القيصري بانتصار ثورة فبراير 1917، وقامت «حكومة مؤقتة» تولت السلطة في البلاد. وعلم لينين بهذه الأنباء من الصحف السويسرية، وكان آنذاك في سويسرة. وخاف أن تنضم كل العناصر إلى الحكم الجديد. فأحس بضرورة العودة إلى روسيا لمنع ذلك، لأنه سيؤدي إلى إذابة البلشفيك في النظام الجديد. كذلك رأت الحكومة الألمانية أن وجود لينين في روسيا ضرورة تفيد مصلحتها. فتم الاتفاق، بواسطة وسطاء سويسريين، على تمكين لينين، ونفر من المنفيين الروس المقيمين في سويسرا، من السفر خلال الأراضي الألمانية في «قطار مختوم». وعن طريق السويد وفنلنده، وصل لينين وصحبه إلى بطرسبرج في مساء 16 أبريل سنة 1917.
وفي أكتوبر عام 1917 قاد لينين ثورة أدت إلى تولي الحزب البلشفي السلطة في البلد ونشوء الحرب الأهلية. بعد هذه الأحداث وتكوين الدولة السوفيتية واجه لينين خطر الغزو الألماني ووقع اتفاقية سلام مع حكومة برلين، وفي عام 1918 تعرض لينين لمحاولة اغتيال من قبل "فانيا كابلان" التي كانت تنتمي لأحد الأحزاب المعارضة للينين حيث أصابته بـ 3 رصاصات استقرت في كتفه ورئتيه لكن الموت لم يدركه، وسرعان ما أخذت محاولة الاغتيال وهموم إدارة الدولة نصيبها من صحة لينين فأصيب بالعديد من الجلطات القلبية التي أفقدته القدرة على النطق فأبعدته عن الحياة السياسة وبعدها ليفارق بعدها الحياة وذلك في عام 1924.
وهناك في روسيا استطاع الاستيلاء على السلطة في 7 نوفمبر سنة 1917. ومنذ ذلك التاريخ، وعلى الرغم ما لقيه من مقاومات من جانب رفقائه في الكفاح ضد الحكم القيصري، صار هو الحاكم المسيطر على روسيا كلها،
واجه لينين تهديد الغزو الألماني فلم يجد مناصاً من قبول معاهدة سلام مع الألمان إلا أن المفاوضين الروس لم يمتثلوا لأوامر لينين وكانت النتيجة أن خسرت روسيا الكثير من أراضيها الغربية.
أول محاولة للينين لتصدير الاشتراكية الثورية كان عن طريق غزو بولندا بعدما قامت الثانية بغزو أوكرانيا في الماضي. وتمثل الفكر اللينيني في تصدير الثورة إلى غرب أوروبا إلى فرنسا وألمانيا بالاستعانة بالجيش الأحمر مروراً ببولندا عام 1920. وبسبب الثورات المضادة لم تتم عملية تصدير الثورة إلى أوروبا الغربية، وعمد لينين في مارس 1921 على بعض الإصلاحات الداخلية فشجع الأعمال الزراعية والصناعية الصغيرة إلا أن ثورة البحّارة المدعومة من الإمبريالية في نفس الشهر حالت دون تحقيق آمال لينين في الإصلاح الاقتصادي الداخلي.
الاسم المستعار وصحيفة الشرارة
بعد انتهاء مدة نفيه في مطلع عام 1900 غادر لينين إلى ألمانيا للمساعدة في إصدار جريدة الحزب الشرارة ثم جريدة الفجر وكانتا ممنوعتان وتوزع أعدادهما بعد تهريبها إلى روسيا. وهناك بدأ فلاديمير إيليانوف يستعمل اسم لينين، كما فعل سواه من الكتاب الذين اتخذوا أسماء مستعارة لتضليل بوليس القيصر السري. خلال ذلك انقسم الحزب إلى جماعتين: البلشفيين - ومعناها بالروسية الأكثرية - والمانشيفيين - الأقلية - بسبب التنظيمات الداخلية للحزب، وأهمها رغبة البولشفيين في اقتصار الانتماء إلى الحزب على المناضلين الثوريين، ورغبة الأقلية في أن يكون باب الانضمام مفتوحاً أمام الجميع.
حياته الثورية
- طالع أيضاً: الثورة الروسية 1905
مع بداية العام 1900 بدأت تتكون في روسيا نقمة عارمة ضد القيصر بسبب تردي الأوضاع على كافة الأصعدة. وارتفعت المطالبات بمزيد من الحريات السياسية، السماح للفلاحين بزراعة الأراضي التي يمتلكها الإقطاعيون، زيادة أجور العمال وتحسين ظروف العمل، إنهاء الحرب ضد اليابان. وفي يوم الأحد 22 يناير 1905 نظم كاهن أرثوذكسي يدعى جورج غابون مظاهرة اشترك فيها أكثر من 200,000 مواطن في بترسبورغ. وكانت مظاهرة سلمية تهدف إلى ايصال المطالب الشعبية إلى القيصر. ولكن رجاله أطلقوا النار على المتظاهرين وقتلوا عدة مئات منهم. وكانت تلك هي الشرارة التي أشعلت الثورة الروسية وامتدت، على درجات متفاوتة من الحدة، حتى سقوط النظام القيصري في عام 1917م.
عاد لينين إلى روسيا وشارك في ما تلا تلك المظاهرة من اضرابات شلت الحركة في موسكو ومعظم المدن الروسية، ومن انتفاضات ثورية مسلحة ضد القيصر ولكن رجاله استطاعوا السيطرة على الوضع في نهاية العام 1905 إلا أن الشرارة كانت قد اشتعلت ولو أنها بقيت أحياناً تحت الرماد. غادر لينين إلى أوروبا مجدداً متنقلاً بين معظم دولها، مشاركاً في نشاطات الأحزاب الماركسية، وعاملاً على عقد اجتماعات دورية للبلاشفة رغبة منه في إبقاء الجذوة الثورية إلى أن تحين فرصة مؤاتية لإسقاط القيصر. ولم يكن لينين بعيداً عن نشاطات الحزب الداخلية رغم وجوده في الخارج. وحين أصدر الحزب صحيفة البرافدا - تعني بالعربية الحقيقة - كانت مقالات لينين تشكل القسم الأكبر منها.
في الأول من أغسطس عام 1914م أعلنت ألمانيا الحرب على روسيا. وبحلول العام 1917 كان الشعب الروسي يئن تحت وطأة الفاقة والعوز، وبدا أن المجاعة على الأبواب. وظهر نقص في المواد الغذائية على اختلافها حتى الخبز. والحكومة عاجزة عن عمل أي شيء. العمال يضربون عن العمل وصفوف النسوة تطول أمام الأفران يوماً بعد يوم. وبدأت المظاهرات العارمة، ورفض الجنود هذه المرة تنفيذ أوامر قياداتهم بإطلاق النار، ما اضطر القيصر إلى التنازل عن العرش وتسليم السلطة إلى حكومة برئاسة الأمير جورج ليفوف في 15 مارس 1917م.
عاد لينين إلى روسيا وكذلك معظم قيادات الحزب البولشيفي الذين كانوا منفيين إلى سيبيريا. وفي 16 إبريل عام 1917م وصلوا إلى بتروغراد واستقبلوا استقبال الأبطال. طالب لينين بإنهاء الحرب ضد ألمانيا فوراً وبأن تعود ملكية الأراضي إلى الدولة وبإسقاط حكومة ليفوف. واستطاع استعادة زمام قيادة الحزب البولشفي إلا أنه لم يتمكن من الوصول إلى السلطة. في تموز شكلت حكومة جديدة برئاسة الكسندر كيرينسكي، وأصدرت أمراً بإلقاء القبض على لينين بتهمة العمالة للألمان. فغادر إلى فنلندا حيث كتب واحداً من أهم أعماله الدولة والثورة وفيه شرح كيفية تنظيم الثورة ونوع الحكومة التي يجب أن تتولى السلطة بعد إسقاط الحكم القائم. ثم أرسل كتاباً إلى الهيئة المركزية للحزب البولشيفي معلناً أن زمن الخطابات قد ولى وحان وقت العمل الثوري قائلاً:
الثورة الثانية
- طالع أيضاً: الثورة البلشفية
عاد لينين إلى بتروغراد في أكتوبر عام 1917 ودعا الهيئة المركزية للحزب إلى أعلان الثورة حالاً. كانت حكومة كيرينسكي ضعيفة، وكان ليون تروتسكي أحد القادة البارزين في الحزب يحظى بولاء مجموعات كبيرة من الجنود. وأعلن بعض فرق البحرية تأييد الثورة. وهكذا قرر البلاشفة التحرك. سقطت بتروغراد بأيديهم دون مقاومة تذكر - 7 نوفمبر، الموافق 25 أكتوبر حسب التقويم الشرقي - في موسكو كانت المقاومة أشد إلا أن البلاشفة سيطروا على المدينة في أقل من أسبوع. وهكذا صارت كل الروسيا تحت سلطتهم. واستطاعوا اكتساب ثقة الأهالي بالشعار البسيط الذي رفعوه: الخبز والسلام والأرض للجميع.
اجتمع مجلس السوفييت - فروع الحزب - الأعلى في 8 نوفمبر 1917م وضم ممثلين عن كافة الأقاليم الروسية. وانتخبوا مجلس مفوضي الشعب الذي انتخب لينين رئيسا له. وهكذا صار فعلياً رئيس الدولة الروسية. وفي الاجتماع الأول سأل لينين المجلس أن يعطيه تفويضاً بإعلان إنهاء الحرب ضد ألمانيا وبإلغاء الملكية الفردية. فوافق المجلس على الشأنين. وهكذا بدأت مفاوضات السلام مع ألمانيا وبدأ العمل على إلغاء الملكية الخاصة للأراضي وإلحاقها بممتلكات الدولة. ليتم فيما بعد توزيعها على الفلاحين.
الزعيم لينين
لم تكن السنوات الأولى لحكم لينين سنوات سهلة. فالجيش كان مشتتاً بسبب الحرب والقوات الألمانية تتقدم على الجبهات فيما أعداء البلاشفة يتكتلون للإطاحة بهم. بذل لينين جهوداً جبارة لإنهاء الحرب مع ألمانيا مقدماً بعض التنازلات في المقاطعات التي كانت تحت حكم القياصرة كفنلندا وبولندا. وهكذا وقعت معاهدة السلام في بريستيلوفسك يوم 3 مارس 1918م.
وفي العام نفسه طلب لينين تغيير اسم الحزب من حزب العمل الديمقراطي الاجتماعي الروسي إلى الحزب الاشتراكي الشيوعي الروسي. في شهر أغسطس تعرض لينين لمحاولة اغتيال فأصيب برصاصتين ولكنه نجا من الموت، إلا أن واحدة منهما بقيت في عنقه. بدأ المعارضون للحكم الاشتراكي بالقيام بأعمال العنف في المدن وتحولت تلك الأعمال إلى ما يشبه الحرب الأهلية في الأرياف. ولكن المعارضين كانت تنقصهم وحدة الهدف والرؤية فاستطاعت الحكومة القضاء على تمردهم بحلول العام 1920م حيث كانت تنتظر الحكومة معركة هامة على الصعيد الخارجي.
كانت حكومات انكلترا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة قد رفضت التعامل مع النظام الجديد لأنه رفض التعهد بدفع ديون القيصر لتلك الحكومات. وألغى معظمها التمثيل الديبلوماسي والعقود التجارية والصناعية. وفي العام 1921م أصدر لينين برنامجاً سماه السياسة الاقتصادية الجديدة معطياً الحرية للمزارعين وصغار المنتجين للتصرف بمنتجاتهم سامحاً بالتجارة الحرة وداعياً الأجانب إلى الاستثمار في روسيا. دفع هذا البرنامج حكومات أوروبا الغربية والولايات المتحدة إلى إعادة التمثيل الديبلوماسي والعلاقات التجارية. ما مكن الدولة الجديدة من الانطلاق في بناء نفسها حتى وصلت إلى ما وصلت اليه من تقدم علمي وفني وتربوي وتمكنت من تكوين قوة عسكرية كانت إلى حد بعيد رادعاً لجموح الولايات المتحدة ورغبة المسيطرين على سياستها من أرباب النظام العالمي الجديد من السيطرة على اقتصاد العالم وهو ما يفعلونه الآن ومن دون رادع مادي أو أخلاقي.
يعد لينين من أهم المفكرين في العصر الحديث الذين تناولوا نظرية الاستعمار. - وقد تناول لينين نظرية الاستعمار كوسيلة لنقد النظرية الليبرالية والدول الرأسمالية، حيث يبدو جاليا انه لم يسع لتوضيح موقفه من الاستعمار أو تحديد أسباب الأستعمار بقدر ما سعى لربط الاستعمار بالدولة الرأسمالية، وبرز ذلك في جملته الشهيرة والتي جعلها عنوانا لكتابه " الإمبريالية أعلى درجات الرأسمالية ". - رأى لينين ان الدول الرأسمالية تتحول تدريجيا من المنافسة والفرص المتساوية والسوق الحر إلى الأحتكار، حيث تبدأ الدول الرأسمالية بقواعد المنافسة الحرة والفرص المتساوية للجميع ثم بعد ذلك تتحول تدريجيا إلى الاحتكار وهي المرحلة التي فيها تتركز الثروة في يد عدد قليل جدا من الأفراد وهم أيضا الذين يتولون السلطة ثم تتسع الهوة بين هذه الطبقة وبين طبقة العمال التي تمثل غالبية المواطنين والذين يصلوا لحد خطير من الفقر. - ومع توسع الدول الرأسمالية في الإنتاج تظهر إشكالية جديدة تتمثل في الحاجة لأسواق جديدة لتصريف المنتجات والحاجة أيضا لمواد خام بأسعار منخفضة وأيدي عاملة بأسعار زهيدة وهنا تتجه الدول الرأسمالية الكبرى إلى الاستعمار والبحث عن مستعمرات لها لفرض عليها حمايتها والحصول منها على المواد الخام بتكاليف منخفضة أو ربما بدون تكاليف ثم تكمل التصنيع في بلادها وتعيد تصريف المنتج النهائى في المستعمرات بأسعار مرتفعة. - وقد ربط لينين بين فكرة الاستعمار هذه وبين الحرب العالمية التي تجرى بين الدول حيث أشار إلى أن وجود أكثر من دولة رأسمالية في النظام الدولي يترتب عليها وصولهم جميعا إلى مرحلة الحاجة لمستعمرات لتصريف فيها المنتجات وبالتالى يتولد صراع وخلافات بين هذه الدول الكبرى للسيطرة على المستعمرات وبالتالى تحدث الحرب العالمية بين الدول، وكان لينين متأثرًا بالحرب العالمية الأولى التي وقعت بين الدول الرأسمالية في هذا التحليل.
وفاته
في 30 آب 1918 أطلقت فانيا كابلان النار على لينين وأصابته في رئتيه وكتفه قائلةً: "اليوم أطلقت النار على لينين لأنه خان الثورة"، ولكنه عاش بعدها رغم أنه لم يتعافى كلياً وكانت للرصاصة التي أصابت عنقه أكبر الأثر في انهيار صحته. وقد أزالها الأطباء من عنقه عام 1922، ولكنهم لم يستطيعوا إلغاء آثارها القاتلة حيث كانت محاولة الاغتيال إضافة لهموم إدارة الدولة أخذت نصيبها من صحة لينين فأصيب بجلطة في 22 مايو عام 1922 شلّت نصف جسمه الأيمن وقللت من مشاركاته السياسية وبحلول شهر ديسمبر من نفس العام، المّت جلطة ثانية حينها أمرت الإدارة السياسية أن يبقى لينين بعيداً عن الأضواء. وفي مارس 1923، أصيب لينين بجلطة دموية ثالثة ألزمته الفراش وحرمته القدرة على الكلام قبل أن يفارق الحياة بجلطة أخيرة في 21 يناير 1924 في ضيعة جوركي بالقرب من موسكو، وقد حُنط جسد لينين ودفن في الساحة الحمراء في موسكو.
علاقتة بالأدباء
كان لفلاديمير لينين علاقات جيدة مع الشعراء والأدباء منهم صديقه الحميم مكسيم غوركي ويصف غوركي لينين قائلا (إن دهشتي كبيرة.. كيف إن هذا الرجل الذي شاهد وعاش الكثير من المصائب والمآسي كان قادراً على الضحك بذلك القدر من السذاجة والطيبة) ثم يضيف (كيف إن لينين بعد أن استغرق بالضحك مسح عينيه من الدموع وقال: إن الإنسان الشريف ذو القلب النقي والطاهر وحده يستطيع أن يضحك بهذه الصورة) وكان يقول لينين: (إنه لشيء حسن أن يرى المرء الجانب المسلي من إخفاقاته.. إن خفة الروح هي صفة صحية رائعة وأنا حساس لهذه الصفة رغم أني غير موهوب بها ولا ريب إن في الحياة منها بقدر ما في هذه الحياة من أحزان ومآسي) وقال غوركي: (إن مزاج المرء هو شيء هام كما كان لينين بارعاً في الإصغاء والتعليق بالنكتة المرحة). وكانت أكبر هواياته زيارة المكتبات والمطالعة والكتابة وقد كانت لة علاقة جيدة مع الأديب البريطاني هربرت جورج ويلز حيث في عام 1914 زار ويلز روسيا ورأى أن النظام القيصري فيها قمعي وفاسد. وقد تفهم اهداف ثورة أكتوبر. وفي عام 1920 زار ويلز الاتحاد السوفيتي والتقى لينين.
فضح اتفاقية سايكس بيكو
بعد انتهاء الثورة البلشفية واستيلاء البلاشفة على السلطة وجد لينين نسخة من الاتفاقية السرية سايكس بيكو في أرشيفات القيصر وكانت تنص على أن تستولي روسيا القيصرية على إسطنبول وقام لينين بنشرها لعل العالم يرى من أجل أي شيء كانت تدور الحرب العالمية الأولى
علاقته بالدين
لم يكن لينين يهتم كثيرا بالشؤون الدينية ونادرا ماكان يتحدث عن الأديان لكنه أعطى حرية العبادة للمتدينين وقد تبين ذلك في نص ورسالة وجهها إلى المسلمين في 24 نوفمبر 1917 جاء فيها: يا أيها المسلمون بروسيا وسيبيريا وتركستان والقوقاز … يا أيها الذين هدم القياصرة مساجدهم وعبث الطغاة بمعتقداتهم وعاداتهم أن معتقداتكم وعاداتكم ومؤسساتكم القومية والثقافية أصبحت اليوم حرة مقدسة، نظموا حياتكم القومية بكامل الحرية وبدون قيد فهي حق لكم. وأعلموا أن الثورة العظيمة وسوفياتات النواب والعمال والجنود والفلاحيين تحمي حقوقكم وحقوق جميع شعوب روسيا. وقد تم وضع برنامج ضخم لما يمكن أن يطلق عليه اليوم “التمييز المضـــاد”، سُمي بالكورنيزاتسيا، أي إحلال السكان المحليين محل المستوطنين الروس. وقد بدأ بطرد المستعمرين الروس والقوزاق والمتحدثين باسمهم من الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في تلك المناطق. وتوقفت اللغة الروسية عن الهيمنة، وعادت اللغات المحلية إلى المدارس وإلى الحكومة وإلى المطبوعات. وقد تمت ترقية السكان المحليين ليشغلوا مناصب في الدولة وفي الأحزاب الشيوعية المحلية وأعطوا أولوية حتى عن الروس في التعيينات. وقد أُنشئت جامعات لتدريب جيل جديد من القادة غير الروس.
أيضا أُعيدت الآثار والكتب الإسلامية المقدسة التي نهبتها القيصرية إلى المساجد. وقد تم تسليم القرآن الكريم المعروف بقرآن عثمان في احتفال مهيب إلى المجلس الإسلامي في بتروجراد في 25 ديسمبر سنة 1917. وقد أُعلن يوم الجمعة، يوم الاحتفال الديني بالنسبة للمسلمين، ويوم الإجازة الرسمية في كل آسيا الوسطى.
آراؤه السياسية الفلسفية
رأى لينين - بخلاف الماركسيين الشرعيين والشعبيين - أن من الخطأ القول بالتطابق بين الرأسمالية والصناعات الكبيرة، وأن التطور إنما يتم بواسطة تقسيم الفلاحين إلى قسمين: رأسمالي وأجير (بروليتاري). وفي رسالة «نمو الرأسمالية في روسيا» ( سنة 1899) حاول أن يبين فساد فكرة النارودنيك narodnik عن دور الفلاحين في روسيا، فبين أن الفلاحين لم يعودو كتلة من نوع واحد، بل قد انشقوا إلى قطاعين: رأسمالي وبروليتاري. ومن رأيه أنه ينبغي تشجيع هذا التطور وذلك بإلغاء طبقة كبار الملاك الزراعيين، لأنها تبطىء نمو (تطور) العلاقات الرأسمالية في القرية. وبهذا يمكن تقوية طبقة الأجراء (البروليتاريا) المقيمين في المدن بانضمام الأجراء الزراعيين.
وفي رسالته: «ما الذي يجب عمله؟» يقرر لينين أن الطبقة العاملة، إذا ما تركت إلى مجهوداتها التلقائية، لن تصبح أبداً اشتراكية. وإنما فقط بواسطة المجهود الواعي «للممثلين المثقفين للطبقات المالكة» - أي الماركسيين - يمكن تحويل الحركة العمالية، بكفاحها التلقائي الذي تقوم به النقابات، تحويله من الانضواء تحت جناح البورجوازية إلى الانضواء تحت جناح الديمقراطية الاشتراكية الثورية». وأدرجت وجهة النظر هذه في برنامج المؤتمر الثاني، الذي من أجل الإعداد له نشر لينين رسالته تلك: «ما الذي يجب عمله؟». وهذه الفكرة من أهم أفكار لينين، وتميز مذهبه الخاص عن الماركسية بوجه عام.
وفي كتابه: «الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية»، الذي يعد في روسيا «أعظم إسهام في كنز الماركسية الخلاقة» ودليل - في نظرهم - على مكانة لينين بوصفه - فيما زعموا - «عالماً عبقرياً، وباحثاً موضوعياً، وأكبر مناضل في سبيل الثورة»، - يتنبأ لينين بأن الإمبريالية ( الاستعمار التوسعي) يؤذن بانهيار الرأسمالية، وتمثل عشية الثورة الاشتراكية لأنها تخلق الظروف الموضوعية للثورة العالمية.
وبعد إخفاق تمرد يوليو سنة 1917 ألف لينين رسالة أخرى مشهورة عنوانها: «الدولة والثورة» ( سنة 1917) بين فيها أن النظام القائم في ذلك الوقت (أي نتيجة ثورة 15 مارس سنة 1917) يدعي الديقراطية نفاقاً، وما هو في نظره إلا «دكتاتورية بورجوازية»، ويجب أن يوضع مكانه «دكتاتورية البروليتاريا»، وهو يعني دائماً بهذه العبارة: دكتاتورية البلشفيك. وحرص على التمييز بين مرحلتين: مرحلة الاشتراكية، وقاعدتها: «من كل بحسب قدراته، ولكل بحسب عمله» - ومرحلة الشيوعية، وقاعدتها: «من كل بحسب قدراته، ولكل بحسب حاجاته»، وهو تمييز عمل ستالين على النص عليه في دستور سنة 1936. وكان لينين يعتقد أنه على الرغم من أن الفوارق الاجتماعية ستبقى في ظل الاشتراكية، فإن من المستحيل الوصول إلى الشيوعية بدون المرور بفترة طويلة غير محدودة من الاشتراكية.
ونظر لينين إلى الحزب (الشيوعي) على أنه حامي الثورة، وقال إن هذه ضرورة لا تمليها الاعتبارات الوقتية (حينما كان الحزب حركة سرية) بل يمليها النظام الاشتراكي نفسم، يمليها التمييز الأساسي بين مصالح الظروف الوقتية للحركة العمالية وبين الحركة الاشتراكية الثورية. وقد فصل لينين رأيه هذا في رسالته: «مهمتنا التالية»، ونظمه في رسالة: «ماذا يجب أن نعمل؟». وعند أخريات حياته لخص لينين نظريته في الحزب في كتابه: «الراديكالية»: مرض الطفولة في الشيوعية».
وفي مواجهة رأي بعض الاشتراكيين الذين كانوا يرون أن الحرب هي نتيجة أخطاء شخصية أو انتهاك لحقوق الغير، ويمكن بالتالي إلغاء الحروب بمجرد النضال في سبيل السلام دون تحطيم للرأسمالية، جاء لينين في كتابه: «الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية» فقرر أن من الواجب أن نبحث عن أسباب الحروب وعدم إمكان تجنبها من أجل توزيع الأرض توزيعاً جديداً - يقول إنه ينبغي البحث عن ذلك في تحليل للراسمالية الاحتكارية. وفي هذا الرأي يختلف لينين عن موقف إنجلز في أخريات حياته من مسألة الحرب. لقد استنبط لينين، من تحليله للامبريالية أن على الاشتراكيين الثوريين أن يدركوا أن الحرب العالمية ينبغي أن يجاب عنها بالاعداد المنظم للاستيلاء على السلطة، وذلك بتحويل الحرب الامبريالية إلى حروب أهلية.
ولكن هذه الرسائل والكتب أوغلت فى السياسة. اما كتابه الأقرب إلى الفلسفة فهو «المادية والنقدية التجريبية» (موسكو، سنة 1909) وفيه يهاجم بعض الكتاب الروس من أمثال بازاروف، وبجدانوف، ولوناتشارسكي، الذين حاولوا أن يكملوا الماركسية بالوضعية الظواهرية التي دعا إليها إرنست ماخ وافناريوس. وقد وصف لينين موقفهم بأنه شكل من أشكال المثالية الذاتية، وبالتالي مضاد للماركسية. ودافع عن المادية الديالكتيكية، وخصوصاً عن رأيها في المادة وفي طبيعة المعرفة. فعارض الرأي القائل بأن المادة من تركبب الاحساسات، وأكد أن المادة موجودة وجوداً موضوعياً أصيلاً وأنها توجد مستقلة عن الشعور. كذلك أكد أن الزمان والمكان ليسا أحوالاً ذاتية لتنظيم التجربة، بل هما شكلان موضوعيان لوجود المادة. وعارض قول القائلين بأن الاكتشافات الجديدة في العلم تثير الشك حول «مادية» المادة، وذلك بأن ميز هو بين التصور العلمي لتركيب المادة - وقال إنه مؤقت ونسبي، لأنه لا يمكن القول بأنه توجد عناصر لا تقبل الرد، - وبين التصور الفلسفي الذي يرى أن المادة هي «الحقيقة الواقعية الموضوعية المعطاة لنا في الإحساس» . وفي ميدان نظرية «معرفة عارض لينين نظرية بلخانوف Pleckanov الذي كان يرى أن الاحساسات هي علامات على حقيقة واقعية خارجية؛ وقال لينين إن الاحساسات تصور العالم الخارجي كالمرآة حين تنعكس عليها الأشياء. وأكد لينين Yمكان الحقائق الموضوعية، وقرر أن معيارها هو الممارسة العملية
ورأى لينين أن الديالكتيك هو عصب الماركسية ؛ وقد تناوله تفصيلا في كتابه: «مذكرات فلسفية»، وهو عبارة عن مذكرات وشذرات نشرت بعد وفاته، سجلها في الغالب fين سنة 1914 وسنة 1916 وتتضمن في الوقت نفسه اقتباسات من كتب فلsفية وتعليقات على بعضها، وخصوصاً من كتاب «علم المنطق» لهيجل. ويزعم لينين أن ديالكتيك هيجل يتفق مع المادية، وأن الديالكتيك والمنطق ونظرية المعرفة شيء واحد. وفي تصوره للديالكتيك انحرف لينين عن إنجلز، وذلك بتوكيده القوي لا على الانتقال من الكم إلى الكيف كما فعل إنجلز، بل على الصراع بين القوى المتناقضة في داخل كل شيء وكل عملية، ورأى ان هذا الصراع هو الأساس في كل تغير، وهو بالتالي عصب الديالكتيك. وعند لينين أن الديالكتيك «هو دراسة التناقض في ماهية الأشياء».
وتناول لينين المادية التاريخية في معظم كتبه الرئيسية، خصوصاً حين يتكلم عن الانتقال الثوري من الرأسمالية إلى الشيوعية: ففي كتاب، «الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية» ( بطرسبرج سنة 1916) يقرر أن الرأسمالية وصلت إلى مرحلتها الاحتكارية النهائية وصارت ناضجة للقضاء عليها، لكن بسبب عدم تساوي تطور الرأسمالية في الدول المختلفة، فإن الاشتراكية لن تنتصر في كل أو معظم الدول في وقت واحد كما توقع ماركس.
من أعماله الرئيسية "تطور الرأسمالية فى روسيا" (الصادر عام 1899) والذى يعد من أعظم أعماله من الناحية الفكرية، ثم كتابه: ما العمل؟ (الصادر عام 1902)،وكذلك كتاب الاستعمار أعلى مراحل الرأسمالية (الصادر عام 1916) ثم الدولة والثورة (الصادر عام 1917).
وتعد معظم كتاباته ذات طابع تاريخي وثورى فقط، ولكن عدداً من أفكاره أثارت جدلاً بين علماء الاجتماع، ومن أبرزها فى هذا الصدد رؤيته للحركات العمالية (كالنقابات العمالية على سبيل المثال). باعتبار ها ذات طابع إصلاحى بالضرورة، وأنها لا تسعى إلا إلى التكيف مع الرأسمالية التى تؤدى إلى تحسين أوضاع العمال فحسب، وبالتالى فإن النشاط الثورى الممثل لحركة البروليتاريا - حسب رأيه - يتطلب "طليعة" تتمثل فى حزب ثورى. فالحزب عندئذ سيفرض "ديكتاتورية البروليتاريا"، ويساعد العمال على تجاوز وعيهم النقابى العمالى (Trade-Union Consciousness) من خلال تطوير وعى طبقى ثورى حقيقى، ومن ثم يقلص من التقسيمات المفرعية الطبقية (تشرذم وتمفصل الطبقة العاملة) التى تؤدى إلى تأخير تحقق الشيوعية. ولقد كان لتطبيق هذه الرؤية عند التحليل التاريخى للصراع الطبقى الذى حدث فى بريطانيا فى القرن التاسع عشر أثره البالغ فى الجدل الساخن الذى دار حول طبيعة ما يطلق عليه الارستقراطية العمالية فى بداية المرحلة الرأسمالية. (انظر مؤلف فوستر بعنوان: الصراع الطبقى والثورة الصناعية، الصادر عام 1974).
كما قدم لينين تحليلا مهما فى تأثيره عن الاستعمار أو الإمبريالية: نموذج "المركزية الديمقراطية" والذى رأى فيه أن التنظيمات الضعيقة للدولة والحزب تخضع للمحاسبة من قبل تتظيمات أعلى ذات سلطة مركزية باسم "ديكتاتورية البروليتاريا" كذلك نظرية فى النمو الممتفاوت، وهى النظرية التى تتحدى الفكرة القائلة بأن التحول من المجتمع التقليدى إلى التحديث تتم من خلال مسار هادئ أحادي الاتجاه. وقد أثارت هذه المسائل جميعا جدالاً قوياً تجاوز حدود الدوائر الفكرية الماركسية.
مؤلفاته
بالإضافة إلى عمله ونشاطه السياسي كان لينين فيلسوف ومؤلف سياسي غزير الإنتاج، ألف العديد من المؤلفات عن الثورة البروليتارية، كتب العديد من النشرات والكتب والمقالات بدون مساعدة لم يمنعه عنها إلا المرض، مجموع ما ألّفه يصل إلى خمسة وأربعين مؤلفًا، تُرجمت إلى العديد من اللغات. ومن أشهر مؤلفاته:
- "ما العمل"، عنوانه بالكامل "ما العمل؟ المسائل الملحة لحركتنا"، (1902) تحدث فيه عن أن الثورة تحتاج إلى حزب قوى تتولى طليعته قيادة الثورة.
- " الإمبريالية وأعلى حالات الرأسمالية" (1916) تحدث فيه عن كيفية استمرار الرأسمالية وأن الحرب العالمية الأولى كانت مجرد حرب راسمالية للسيطرة على البلاد والثروات والأيدي العاملة.
- " الدولة والثورة"(1917) تحدث فيه عن أفكار كارل ماركس وانغيليس عن الثورة وأن الحزب الشيوعى الديموقراطى غير قادر على اتخاذ موقف فعال في الثورة.
- " اطروحات أبريل" (1917) اوضح الضرورة الاجتماعية والاقتصادية إلى الثورة الشيوعية.
- " أمراض الطفولة لدى اليسار المتشدد"(1920) وفيه ينتقد اليسار المتشدد.
- " المادية والمذهب النقدي التجريبي" كتب لينين هذا الكتاب في مرحلة من تاريخ روسيا كانت فيها الأوتوقراطية القيصرية قد فرضت في البلاد الإرهاب البوليسي القاسي بعد أن قمعت الثورة الروسية الأولى (1905 إلى 1907).
أقواله
- الثورة تعني تحطيم أصنام الجهل بداخلنا عوضاً عن إسقاط تماثيل شاهدة على تاريخنا.
- المثقفون هم أقدر الناس على الخيانة لأنهم أقدر الناس على تبريرها.
- من خان رفيقه فقد خان القضية.
- الثائر المزيف هو الذي يهتم في شأن ظالمه حتى يزول ظلمه ثم لا يفكر فيمن يخلفه ولا يراقبه فيقع في الظلم ثانية وهكذا يستمر الظلم في العالم.
- في السياسة لا يوجد فرق بين خيانة بسبب الغباء أو خيانة بشكل معتمد ومحسوب.
- الثائرون هم أقدر الناس على معرفة الظلم.
- صوت رجل بمفرده لا يبلغ مسامع الشعب كله بل يضيع ويختنق في أقبية البوليس.
- الثقة جيدة، لكن المراقبة أحسن.