كانطية جديدة
الكانطية الجديدة (بالإنجليزية: Neo-Kantianism) هي حركة فلسفية تطورت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر في ألمانيا بهدف استعادة تعليمات كانط، في فكرة أن الفلسفة يجب أن تكون قبل كل شيء تفكير نقدي للظروف التي تجعل النشاط المعرفي للإنسان صالح. ويشمل النشاط المعرفي العلوم، والخطاب النقدي الجديد ومجالات أخرى من الأخلاق إلى علم الجمال إلى علم التربية.
تمشيا مع مبادئ النقد، الكانطية الجديدة ترفض أي نوع من أنواع الميتافيزيقيا، وإذا كان هذا سوف يتعارض مع التيارات المعاصرة neoidealiste والروحانية، فهو يبتعد أيضا عن علموية الوضعية التي تميل إلى رؤية مطلقة ومتصوفة للعلم.
تاريخ الكانطية الجديدة
حدث فى أعقاب التقاليد المثالية الألمانية، أن استثار النمو فى شعبية الرؤية العلمية المادية للعالم فى منتصف القرن التاسع عشر فى ألمانيا مقاومة فكرية وثقاقية اتخذت شكل الكانطية الجديدة. وكانت هذه الحركة شديدة التنوع، مارست تأثيراً واسعاً على الإنسانيات والعلوم الاجتماعية فى ألمانيا منذ عام 1860 وما تلاه. فقد دعا مؤرخ الفلسفة كونوفيشر إلى "العودة إلى كانط" فى عام 1860، وقد استجاب لهذه الدعوة العديد من طليعة المثقفين الألمان بما فى ذلك فريدريش ألبرت لانجه وهينريش ريكرت، وفيلهم فندلباند، وفيلهم ديلثى. وانطوت الحركة فى أوسع دلالاتها السياسية والثقافية على مقاومة ذات توجه إنسانى ليبرالى للنزعة العنصرية البالغة التطرف للحركة الاجتماعية الداروينية الألمانية التى قادها صاحب النزعة المادية إرنست هاسكل، فضلاً عن معارضتها المحافظة المعتدلة للمادية المرتبطة بالاشتراكية الثورية.
وبصورة أكثر تجديدا، يمكن القول أن الكانطيين الجدد اهتموا بمواجهة خطر تغلغل مناهج العلم الطبيعى فى ميادين الإنسانيات والعلوم الاجتماعية. وقد قدمت فلسفة كانط النقدية (فى تفسيرات الكانطيين الجدد المتباينة) مصدر الدعم الرئيسى لهذا الجهد بطريقتين. أولا: أن الازدواجية فى فلسفة كانط، حيث يوجد عالم قابل للإدراك ومن ثم قابل للمعرفة الظاهرية، وعالم الأشياء فى ذاتها المفترضة مسبقا فى الأخلاق والحرية والجمال ووحدة الذات يمكن استخدامها كمبرر للفصل القاطع والحاسم بين العلوم الطبيعية من تاحية والعلوم ""الإنسانية" أو "الثقافية" أو "التاريخية" من ناحية أخرى. وقد صيغت هذه التفرقة أحيانا فى ضوء الفروق الحاسمة فى موضوع كل من نوعى العلوم، وفى أحيان أخرى (كما هى الحال فى أعمال ريكرت) فى ضوء الطابع المتميز لاهتمامنا بكل مجال من هذين المجالين. وطبقا لوجهة نظر ريكرت، فإن اهتمامنا فى العلوم الطبيعية يكون مركزا فى موضوعات الخبرة بقدر ما تمثل حالات خاضعة لقانون عام شامل. فى حين أن اهتمامنا فى مجال المثقافة يركز بخاصة على التعبيرات ذات الدلالة فى ضوء علاقتها بالقيم. فضلا عن ذلك، فإن الطابع المميز لموضوعات العلوم الثقافية باعتبارها مركبات من المعانى يتطلب شكلاً مميزاً من الفهم غير القابل للاختزال (أى الفهم عند فيبر Verstehen) للإدراك الحسى الذى تتسم به مناهج البحث فى العلم الطبيعى.
أما البعد الثانى الذى اكتسب من خلاله كانط أهميته بالنسبة للكانطية الجديدة فقد تمثل فى منهجه الفلسفى. فقد سعى الكانطيون الجدد ليس فقط إلى تأسيس استقلالية العلوم الإتسانية والتاريخية عن العلوم الطبيعية، بل أيضا إلى مؤازرة دفاع كانط الفلسفى عن العلوم الطبيعية من خلال تحليل الشروط المفاهيمية والمنهجية للمعرفة الموضوعية للتعبيرات الإتسانية التاريخية والثقافية. وقد شاركهم فى ذلك آخرون مثل ديلثى الذى لم يكن ينتمى إليهم بالمعنى الدقيق على الرغم من اشتراكه فى العديد من الاهتمامات مع الكانطيين الجدد. لقد مارست الكانطية الجديدة تأثيرا عميقا فى تأسيس القاعدة الفلسفية والمنهجية لعلم الاجتماع التفسيرى الألمانى الذى يعد كل من جورج زيمل وماكس فيبر من أهم ممثليه. وفى مرحلة لاحقة اشتق رواد لهم وزنهم فى تراث الماركسية الغربية فى القرن العشرين (مثل جورج لوكاتش) توجههم الفلسفى الأساسى من الكانطية الجديدة، كما فعل ذلك عالم الاجتماع الفرنسى إميل دوركايم، ومؤسس الأتثروبولوجيا الثقافية فرانز بواس.