القيمة (أخلاقيات وعلوم اجتماعية)

من أجل استخدامات أخرى، انظر قيمة (توضيح).

القيمة (بالإنجليزية: Value)، تقالعلى كل ما يقبل التقدير. وتستعمل في ميادين مختلفة كل الاختلاف في الرياضيات، والاقتصاد، والأخلاق، والجمال ويمكن تمييز نوعين من استعمال هذا اللفظ: استعمال معياري نسبي، واستعمال معياري مطلق.

والاستعمال المعياري النسبي يتجلى خصوصاً في الاقتصاد وتتوقف القيمة حينئذ على المنفعة التي تكون للشيء المقوم. والمنفعة أمر نسبي تماماً يتوقف على عوامل عديدة: الحاجة، العرض والطلب، الخ.

أما الاستعمال المعياري المطلق فيوجد أساساً في الأخلاق وهنا لا تتوقف القيمة على المنفعة أو الحاجة أو الظروف؛ بل هي مستقلة عن كل اعتبار؛ إنها قيمة في ذاتها .

في الأخلاقيات، تدل القيمة على درجة أهمية شيء ما أو فعل ما، بهدف تحديد الأفعال الأفضل للقيام بها أو الطريقة الأفضل للعيش (الأخلاق المعيارية)، أو لوصف أهمية الأفعال المختلفة. تشكل أنظمة القيمة معتقدات محتملة وإلزامية؛ فهي تؤثر على السلوك الأخلاقي لشخص ما أو تكون الأساس لأنشطتهم المتعمدة. غالبًا ما تكون القيم الأولية ثابتة والقيم الثانوية مناسبة للتغييرات. وما يجعل الفعل ذا قيمة قد يعتمد بدوره على القيم الأخلاقية للأشياء التي يزيدها أو ينقصها أو يغيرها. يمكن تسمية الشيء ذي «القيمة الأخلاقية» بأنه «خير أخلاقي أو فلسفي» (معنى الاسم).

ويمكن تعريف القيم بأنها تفضيلات واسعة تتعلق بالمناهج المناسبة للإجراءات أو النتائج. على هذا النحو، تعكس القيم إحساس الشخص بالصواب والخطأ أو ما «يجب» أن يكون. تمثل القيم «المساواة في الحقوق للجميع»، و «الامتياز يستحق الإعجاب»، و «معاملة الناس باحترام وكرامة». تميل القيم إلى التأثير على المواقف والسلوك، وتشمل هذه الأنواع القيم الأخلاقية/الأخلاقيات، والقيم العقائدية/الإيديولوجية (الدينية، والسياسية)، والقيم الاجتماعية، والقيم الجمالية. هناك جدل حول ما إذا كانت بعض القيم التي لم تُحدد بوضوح من الناحية الفسيولوجية، مثل الإيثار هي قيم جوهرية، وما إذا كان ينبغي تصنيف بعضها، مثل التملك، كرذائل أو فضائل.

عرض تاريخي

كنت Kant في كتابه «تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق» يميز بين «الثمن»، وهو قيمة التبادل، وبين «المكانة» (أو: الكرامة) التي لا تطلق إلا على الكائنات العاقلة. وما يميز ما له «ثمن» هو أنه يمكن أن يستبدل به شيء آخر مساو له في المنفعة؛ أما ما له «مكانة» فإن قيمته ذاتية، ولا يمكن استبدال غيرها بها. «وكل ما يشير إلى الميول والحاجات الخاصة بالإنسان له قيمة سوقية؛ وما يعين على العقل الحر لملكاتنا له قيمة عاطفية؛ أما ما يكون الشرط الذي به يكون الشيء هدفاً في ذاته، فليس له قيمة نسبية، أي ثمناً، وإنما له قيمة ذاتية، أي مكانة Würde» (كنت: مجموع مؤلفاته، طبعة الأكاديمية، ح٤ ص٤٣٤ - ٤٣٥) والمكانة لا تكون إلا لما يتفق مع القانون الأخلاقي وللإنسان الذي يحملها.

ثم جاء نيتشه فأفاض في استعمال كلمة «القيمة» بالمعنى الأخلاقي، ودعا إلى «إهدار القيم» التقليدية واستبدال غيرها بها، استناداً إلى مبدأ «إرادة القوة».

لكن «القيم» لم تصبح فرعاً قائماً برأسه من فروع الفلسفة إلا ابتداء من العقد الأخير من القرن التاسع عشر، بفضل مؤلفات الكسيوس ماينونج Meinong وكرستيان فون ايرنفلس، وهما من أتباع فرانتس برنتانو. فكتب أولهما كتاباً بعنوان: «أبحاث نفسانية - أخلاقية في نظرية القيمة» (سنة 1894)، وكتب الثاني: «مذهب نظرية القيمة» (في مجلدين) ليبتسك، سنة 1898). وقد تأثر كلاهما بالآخر وهما يربطان بين الذات - أو النفس - وبين الموضوع في تقدير القيمة: فالذات إما أن تشتاق الشيء حقاً وفعلاً، وإما أن تشتاق الشيء حين لا يكون موجوداً فعلاً وفي إثرهما جاء ج. ناومان G. Naumann (في كتابه: «مذهب القيمة»، ليبتسك سنة 1893) الذي حدد القيمة وفقاً للذة التي تجلبها، ثم ف. كروجر F. Kröger (في كتابه: «فكرة الإرادة المطلقة للقيمة»، ليبتسك 189) الذي رأى أن القيمة هي موضوع رغبة مستمرة نسبياً - ثم كرايبج Cl. Kreibig (في كتابه: «التأسيس النفساني لمذهب في نظرية القيمة»، فيينا 1902) الذي عرف القيمة بأنها «معنى عاطفي».

وعلى عكس هذا الاتجاه النفساني في تحديد القيم قامت مدرسة بادن Baden بدراسة مشكلة القيمة. وأبرز رجالها هما فندلبند، وهينرش ركرت Rickert. يميز ركرت بين «مملكة القيم»، وهي المعاني الواجبة ولكنها غير موجودة بالفعل، وبين «عالم الواقع»، وبين «مملكة المعنى». وهذه الأخيرة تشمل الذات، وتمكن من إقامة ارتباط بين المملكتين الأخريين ويصنف ركرت القيم بحسب الميادين التالية المنطق، علم الجمال، التصوف، الأخلاق، شؤون الجنس erotica، وفلسفة الدين مج ويناظرها القيم التالية على التوالي الحقيقة، الجمال، القداسة غير الشخصية، السعادة، القداسة الشخصية.

لكن فيلسوف القيم بالمعنى الشامل العميق هو من غير شك: ماكس شيلر Scheier . ولهذا سنتوقف عنده طويلاً.

إن ما يميز الأخلاق عند شيلر هو الاهتمام بالقيم اللاصورية (ويسميها هو بالمادية Materiale wertethik) في مقابل القيم الصورية التي اهتم بها كنت. لقد نقد شيلر رأي كنت قائلاً: إن قول كنت إن القبلي a priori هو الذاتي والصوري formel إنما هو ناتج عن الجهل بوجود نظام ترتيبي من القيم الموضوعية تعتبرها التجربة الفينومينولوجية توصيفات موضوعية (مثل الألوان) للخيرات و للموضوعات. وهذا هو ما منع كنت من إدراك دور العاطفية في الأخلاق. أما شيلر فيرى أن تصنيف القيم الأخلاقية من أعلاها إلى أسفلها في النظام الترتييي (من مستوى الملائم إلى النافع، إلى الحيوي إلى الروحي وإلى المقدس) أمر مُدرك في أفعال المعرفة التقويمية مثل التفصيل والتقليل. إن عالم القيم ليس فقط فرعاً من ميدان الماهيات. وهذا العالم ليس فقط أخلاقاً أو يرتد إلى الأخلاق مع ما ينتج عنها من قيم نسبية متغيرة: النظم الاجتماعية والسياسية، أخلاق العصر، الأعراف والتقاليد.

ويميز شيلر بين القيم من ناحية، وبين الخيرات والغايات من ناحية أخرى. فالقيم تمثل أشكالاً موضوعية محضة، «موضوعات هي موضوعية حقا، مرتبة على ترتيب سرمدي وتنازلي». أما الخيرات فهي الأشياء من حيث هي تتجسد القيم. أما الغايات فهي خواتيم الأفعال المزودة أو غير المزودة بقيم والتناقض في الأخلاق عند كنت ناجم عن الخلط بين القيمة، والغاية، والخير وهذا الخلط هو الذي أضفى على الأخلاق عند كنت طابعاً صورياً (شكلياً) خالصاً .

ومن هنا حاول شيلر وضع أخلاق «مادية» (في مقابل: صورية) أي ذات مضمون ومحتوى، وليست مجرد صورة وشكل، أخلاق عينية قائمة على القيمة، ومع ذلك فإنها مستقلة بذاتها. والموضوعية العينية لهذه الأخلاق تستند إلى تكوينها: فإنها ليست مستمدة من التحليل العقلي لأمور ميتافيزيقية، وليست مستمدة من التجربة المتعلقة بالموضوعات الجزئية إنما هي تصدر عن وجدان عاطفي، أعني عن معيار كيفي، شبيه «بالأسباب القلبية» raisons du coeur عند بسكال (في قولته المشهورة: «للقلب أسباب ليست هي أسباب العقل«)

ويرتب شيلر القيم في الدرجات التالية: فالرتبة الدنيا للقيم هي رتبة القيم الحسية (اللذيذ والمؤلم، الاستمتاع والتألم، الخ)؛ وفوقها رتبه قيم المدنية (النافع والضار)؛ وفوقها رتبة القيم الحيوية (الصحة والمرض، الشيخوخة والموت)؛ وفوقها القيم الروحية (الجمالية، والشرعية، والخاصة بالمعرفة، الخ) ؛ وأعلاها - وهي الرتبة الخامسة — هي رتبة القيم الدينية (طوبى، المحبة، المقدس، الخ).

أنواع الدراسات

يمكن اعتبار القضايا الأخلاقية ذات القيمة بمثابة دراسة في إطار الأخلاق، والتي بدورها يمكن تصنيفها كفلسفة. وبالمثل، يمكن اعتبار القيمة الأخلاقية مجموعة فرعية من مجال أوسع للقيمة الفلسفية يشار إليها أحيانًا باسم علم القيم. تشير القيمة الأخلاقية إلى درجة أهمية شيء ما، بهدف تحديد ما هو العمل أو الحياة الأفضل للقيام به، أو على الأقل محاولة وصف قيمة الأفعال المختلفة.

أدرِجت أيضًا دراسة القيمة الأخلاقية في نظرية القيمة. بالإضافة إلى ذلك، جرت دراسة القيم في مختلف التخصصات: علم الإنسان، والاقتصاد السلوكي، وأخلاقيات العمل، وحوكمة الشركات، والفلسفة الأخلاقية، والعلوم السياسية، وعلم النفس الاجتماعي، وعلم الاجتماع، والإلهيات.

مفاهيم مماثلة

تستخدم القيمة الأخلاقية أحيانًا بشكل مترادف مع الخير. ومع ذلك، فإن الخير له معانٍ أخرى كثيرة ويمكن اعتباره أكثر غموضًا.

الخصائص والأشكال

النسبية أو المطلقة

تختلف القيم النسبية بين الناس بحسب ثقافاتهم المختلفة وعلى نطاق أوسع. من ناحية أخرى، هناك نظريات حول وجود القيم المطلقة، والتي يمكن أيضًا تسميتها قيم النومينون (ويجب عدم الخلط بينها وبين القيمة المطلقة الرياضية). يمكن وصف القيمة المطلقة بأنها مطلقة فلسفيًا ومستقلة عن الآراء الفردية والثقافية، وكذلك مستقلة عما إذا كانت معروفة أو مفهومة أم لا. كان لودفيغ فيتغنشتاين متشائمًا تجاه فكرة أن إيضاحًا سيحدث فيما يتعلق بالقيم المطلقة للأفعال أو الأشياء؛ «يمكننا التحدث بقدر ما نريد عن «الحياة» و «معناها الفلسفي»، ونعتقد أن ما نقوله مهم. ولكن هذه ليست أكثر من تعابير ولا يمكن أن تكون حقائق، ناتجة عن ميل العقل وليس القلب أو الإرادة».

الجوهرية أو غير الجوهرية

يمكن تقسيم القيمة الفلسفية إلى قيم ذرائعية وقيم جوهرية. وهناك قيمة ذرائعية تستحق أن تكون وسيلة للحصول على شيء آخر جيد (على سبيل المثال، الراديو قيمة ذرائعية من أجل سماع الموسيقى). الشيء ذو القيمة الجوهرية يساوي ذاته، وليس وسيلة لشيء آخر. إنها تعطي قيمة للخصائص الجوهرية أو غير الجوهرية.

يمكن أن يُطلق على الأخلاقيات الحميدة ذات القيمة الذرائعية وسيلة أخلاقية، أما الأخلاقيات الحميدة ذات القيمة الجوهرية فيمكن تسميتها غاية في حد ذاتها. قد يكون الكائن وسيلة وغاية في حد ذاته.

خلاصة

الأخلاقيات الجوهرية والذرائعية ليست فئات تستبعد الواحدة منها غيرها. بعض الأشياء جيدة في حد ذاتها، وأيضًا جيدة للحصول على أشياء أخرى جيدة. قد يكون «فهم العلم» أمرًا جيدًا، إذ يكون مفيدًا في ذاته ولذاته، ووسيلة لتحقيق أخلاقيات أخرى. في هذه الحالات، يمكن استخدام مجموع القيمة الذرائعية (على وجه التحديد كل القيم الذرائعية) والقيمة الجوهرية للكائن عند وضع هذا الكائن في أنظمة القيم، وهي مجموعة من القيم والمقاييس المتسقة.

الشدة

شدة القيمة الفلسفية هي الدرجة التي يجري إنشاؤها أو تنفيذها، ويمكن اعتبارها انتشارًا للخير، وللكائن الذي له قيمة.

لا ينبغي الخلط بينه وبين مقدار القيمة لكل كائن، على الرغم من أن الأخير قد يختلف أيضًا، وذلك مثلًا بسبب مشروطية القيمة الذرائعية. على سبيل المثال: عند اتخاذ موقف خيالي من الحياة يتمثل في قبول أكل الوافل باعتباره النهاية في حد ذاته، فقد تكون الشدة هي السرعة التي تؤكل فيها الوافل، وتكون صفرًا عند عدم تناولها، مثلًا في حالة عدم وجود الوافل. ومع ذلك، فإن كل قطعة وافل كانت موجودة ستظل لها قيمة، بغض النظر عما إذا أُكِلت أم لا، بشكل مستقل عن الشدة.

يمكن اختبار شرطية القيمة الذرائعية في هذه الحالة من خلال كل قطعة وافل غير موجودة، مما يجعلها أقل قيمة من خلال كونها بعيدة بدلًا من الوصول إليها بسهولة.

في العديد من فلسفات الحياة، يكون ناتج القيمة والشدة أمرًا مرغوبًا في النهاية، ليس فقط لتوليد القيمة، بل لتوليدها بدرجة كبيرة. ويتسم تعظيم فلسفات الحياة بأكبر قدر ممكن من الشدة كضرورة حتمية.

القيمة الإيجابية والسلبية

قد يكون هناك تمييز بين القيمة الأخلاقية أو القيمة الفلسفية الإيجابية والسلبية. بينما ترتبط القيمة الأخلاقية الإيجابية عمومًا بشيء يجري السعي إليه أو تعظيمه، ترتبط القيمة الأخلاقية السلبية بشيء يجري تجنبه أو التقليل منه.

قد تكون القيمة السلبية قيمة سلبية جوهرية و/أو قيمة سلبية ذرائعية.

القيمة المحمية

القيمة المحمية (القيمة المقدسة أيضًا) هي القيمة التي لا يرغب الفرد في مقايضتها مهما كانت فوائد القيام بذلك. على سبيل المثال: قد لا يرغب بعض الأشخاص في قتل شخص آخر، حتى لو كان ذلك يعني إنقاذ العديد من الأفراد الآخرين. وتميل القيم المحمية إلى أن تكون «جيدة في جوهرها»، ويمكن لمعظم الناس في الواقع أن يتخيلوا سيناريو عندما يكون من الضروري مقايضة أغلى قيمهم. إذا حدثت مثل هذه المقايضات بين قيمتين متنافستين محميتين مثل قتل شخص والدفاع عن أسرتك، فإنها تسمى مقايضات مأساوية.

تبين أن القيم المحمية تلعب دورًا في الصراعات التي طال أمدها (مثلُا: الصراع الإسرائيلي الفلسطيني) لأنها قادرة على إعاقة المفاوضات الجدية (المنفعية). أشارت سلسلة من الدراسات التجريبية التي أجراها سكوت أتران وأنخيل غوميز على المقاتلين على خط المواجهة لداعش في العراق وعلى المواطنين العاديين في أوروبا الغربية، إلى أن الالتزام بالقيم المقدسة يحفز «العناصر الفاعلة الأكثر تفانيًا» لتقديم التضحيات الأكثر تكلفة، بما في ذلك الاستعداد للقتال والموت، وكذلك الاستعداد للتخلي عن الأقارب والرفاق من أجل تلك القيم إذا لزم الأمر. من منظور النفعية، فإن القيم المحمية تشكل تحيزات عندما تمنع تعظيم المنفعة عبر الأفراد.

وفقًا لجوناثان بارون ومارك سبرانكا، تنشأ القيم المحمية من المعايير كما هو موصوف في نظريات الأخلاق الواجبة (غالبًا ما يشار إلى الأخيرة في السياق مع إيمانويل كانط). وتنطوي الحماية على أن الناس مهتمون بمشاركتهم في المعاملات وليس فقط بعواقبها.

مصادر القيم والأخلاق

وجدت عدة مصادر للقيم والأخلاق المهنية، أن استخدام كل مصدر يعتمد على الذين يستخدمونه. فالقانون هو مصدر واحد للقيم والأخلاق المستخدمة في مكان العمل، وذلك لأن القوانين تم إنشاؤها لحماية الموظفين من سوء السلوك من جانب زملاء العمل أوالإدارة. وبدون هذه القوانين المعمول بها، لا يشعر العاملين انهم لهم قيمة من قبل الشركة، لذلك فقد تنشأ خيانة (جوزيف، جوشوا، 2000). أما المصدر الثاني للقيم والأخلاق هو القيم الأخلاقية التي تقوم على أساس معتقداتهم الدينية. فالمسيحية والبوذية والهندوسية والإسلام جميعها تعزز السلام والثقة والصدق والنزاهة، والحب (تغيير مجرى حياة المرء،). والمصدر الثالث للقيم المهنية والأخلاق هو العسكرية. فالجيش يخلق شعورا بالثقة والانضباط والاحترام والنزاهة. ونجد أن الكثير من أرباب العمل من الموظفين السابقين العسكريين يعملون بجد، وانضباط، واحترام. فقد تأتى القيم والأخلاق من مصادر عديدة، ولكن جميع المصادر لها نفس النتيجة النهائية (باور، كريستوفر،).

القيم الثقافية

الجماعات والمجتمعات والثقافات، لديها قيم يتقاسمها أعضائها إلى حد كبير. فالقيم تحدد تلك الأشياء والأوضاع أو الخصائص التي يعتبرها أفراد المجتمع مهمة، وهذه هي القيمة. ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، قد تتضمن القيم المادية الراحة، والثروة، والمنافسة، الفردية أو التدين. وقيم المجتمع كثيرا ما يمكن تحديدها بملاحظة أي فئة من الناس تتلقى الاحترام والفخر. في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، يتم تكريم الرياضيين المحترفين (في شكل مدفوعات نقدية) أكثر من أساتذة الجامعات، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن المجتمع يحترم القيم الشخصية مثل النشاط البدني واللياقة البدنية، والقدرة التنافسية أكثر من النشاط العقلي، والتعليم. وهذا قد يكون هو قلوة الحال أيضا لأن المجتمع يأخذ التعليم من أجل المنح وتسديد مرتبات المعلميين مع مرتبة شرف غير ملموس تساوى قيمتها نسبيا مع الرياضيين. وتظهر استطلاعات الرأي أن الناخبين في الولايات المتحدة سيكونوا راغبين في انتخاب ملحد كرئيس، مما يوحي بأن الإيمان بالله هو القيمة. وهناك فارق بين تعريف القيم الأخلاقية والمعرفية والتعليم. فتعريف القيم هو "مساعدة الناس في توضيح ما الهدف من حياتهم وما العمل الذي يستحق. وتشجيع الطلاب على تحديد قيمهم وفهم قيم الآخرين. أما التعليم المعرفي الأخلاقي يقوم على أساس الاعتقاد بأن الطلاب يجب أن يتعلموا قيمة الأشياء مثل الديمقراطية والعدالة كتطويرر لتفكيرهم الأخلاقي.

فالقيم تتصل بقواعد الثقافة، لكنها عامة أكثر ومجردة من القواعد. فالقواعد هي قواعد للسلوك في حالات محددة، في حين أن القيم هي تحديد ما ينبغي اعتباره خيرا أو شرا. فرفع العلم الوطني في يوم العطلة هو قاعدة، لكنه يعكس قيمة الوطنية. وارتداء الملابس الداكنة والظهور الرسمي هو سلوكيات معيارية في الجنازة. لأنها تعكس قيم الاحترام والدعم من الأصدقاء والعائلة. فالثقافات المختلفة تعكس قيم مختلفة. "وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية، فالعصر التقليدي لطلبة الجامعات أظهر اهتماما متزايدا للرفاهية الشخصية، وقلل فائدة رفاهية الآخرين." ويبدو أن القيم قد تغيرت، وأثرت على المعتقدات، ومواقف طلاب الجامعات.

فالأعضاء يشاركوا في الثقافة حتى لو كانت القيم الشخصية لكل عضو لا تتفق تماما مع بعض القيم المعيارية للعقوبات في الثقافة. وهذا يعكس قدرة الفرد على تجميع واستخلاص جوانب القيمة من ثقافات فرعية متعددة ينتمون إليها.

فإذا كان أحد أفراد المجموعة يعبر عن القيمة التي هي في صراع خطير مع مجموعة القواعد، فمجموعة السلطة قد تنفذ طرق مختلفة لامتثال التشجيع أو التنديد بالسلوك الغير مطابق لمواصفات أعضائها. فعلى سبيل المثال، يمكن أن يكون السجن نتيجة الصراع مع القواعد الاجتماعية التي أسست كقانون.

علم الاجتماع

أما فيما يتعلق بالقيم كنوع من البيانات الاجتماعية، فنجد العلماء يميزون عادة بين القيم التى تتسم بأنها: قوية، وشبه مستمرة، وعميقة التأثير، وتمثل استعدادا كامنا فى بعض الأحيان. هذا من ناحية وعلى الناحية الأخرى الاتجاهات التى تتسم بأنها: سطحية نسبيا، وغير متجذرة فى نفوس الأفراد، وتحوى آراء ووجهات نظر شديدة التغير. وبإمكان المجتمع الإنسانى أن يتقبل فى العادة وجود اتجاهات شديدة التنوع فى داخله، وذلك فى الوقت الذى يتطلب فيه هذا المجتمع قدراً من التجانس والاتساق فى القيم التى يؤمن بها أفراده، الأمر الذى يعنى توفر ذخيرة مشتركة من القيم الشائعة التى تعمل على صياغة الإجماع الاجتماعى والسياسى. والشائع عادة أن النظريات السوسيولوجية لأصحاب الوظيفية المعيارية (أو أصحاب نظرية الإجماع) عموما، وعند تالكوت بارسونز على وجه الخصوص، يبالغون فى تأكيد أهمية القيم المشتركة فى الحفاظ على النظام الاجتماعى.

ويمكن القول “ بشكل أكثر عمومية - أن علم الاجتماع بكافة فروعه يهتم بالقضايا القيمية، وقد تصدى الكثيرون من الكتاب الكلاسيكيين - ومن أبرزهم إميل دوركايم وماكس فيبر - لمناقشة دور القيم فى البحث الاجتماعى بشى من التفصيل. وعند هذا المستوى الفلسفى من النقاش يبدو أن قضايا المقيمة تهم علم الاجتماع من ناحيتين. الناحية الأولى: لما كان المجتمع نفسه يتكون - جزئيا - بفضل القيم، فمعنى ذلك أن دراسة علم الاجتماع هى فى جانب منها دراسة للقيم. الناحية المثانية: لما كان علماء الاجتماع أنفسهم أعضاء فى المجتمع، ويفترض فيهم الإيمان بالقيم (الدينية، والسياسية ... وغيرها)، فمعنى ذلك أن البحث السوسيولوجى سوف يتعرض لتأثيرات مفسسدة أو ضارة فيما يتصل بالقيم أو فيما يتصل بالإبديولوجيا (على نحو مايرى الماركسيون). والواقع أنه بسبب ذلك ذهب البعض إلى القول بأن علماء الاجتماع قد يعجزون عن تحقيق الحياد القيمى، الذى يتوقع أن يلتزم به العلماء عموما

ويمكن القول أن هذه المناقشات المعرفية عن دور القيم فى العلوم الاجتماعية يمكن أن تمس البحث السوسيولوجى على ثلات مراحل. المرحلة الأولى: عند اتخاذ قرار دراسة موضوع معين كالدين أو الجنسية المثلية، حيث تثار قضايا الدلالة القيمية. المرحلة الثانية: عند التنفيذ الفعلى للدراسة، حيث تثار قضايا التحيز، والحياد القيمى، والموضوعية. وأخيرا المرحلة الثالثة: فى تأثيرات نظريات أو بحوث معينة على المجتمع، حيث تثار قضية "الآثار القيمية". ونلاحظ فى الواقع أن غالبية علماء الاجتماع مقتنعون بان مثل هذه التقسيمات الحادة لا يمكن إجراؤها بسهولة، ويقرون بأن القضايا القيمية المختلفة تتداخل مع بعضها البعض.

ومن السمات المميزة للوضعية الفلسفية أنها تعتبر أن العلوم (بما فى ذلك العلوم الاجتماعية) يجب أن تكسون محايدة قيميا أو متحررة تماما من القيمة. وهى تتوقع من العلماء أن ينجحوا (أو على الأقل أن يسعوا بقوة) فى التخلص من كافة أشكال التحيز والميول فى كل مرحلة من مراحل دراستهم. من هنا يعد الحياد القيمى ضرورة لاغنى عنها للبحث العلمى فى علم الاجتماع. كذلك يعتقد أن علم الاجتماع يتسم بطابع فنى خالص، وأنه يقدم نتائج ليست لها أى دلالات محددة بالنسبة للسياسات أو فيما يتصل بالسعى نحو قيم معينة. على النقيض من هذا الموقف يذهب الماركسيون إلى أن كل مرحلة من مراحل التحليل السوسيولوجى زاخرة بالفروض والتأثيرات السياسية والأخلاقية، إلى حد أن علم الاجتماع نفسه أصبح مشروعا إيديولوجيا على نحو لا يمكن تجنبه أو إصلاحه.

و لكننا نجد الغالبية الغالبة من علماء الاجتماع يتخذون مواقف تقع فى مكان ما بين هذين الطرفين، حيث يذهبون - مثلا- إلى أنه على الرغم من أن اختيار موضوع البحث أو مجاله لابد وأن يثير مسائل قيمية، فإن تنفيذ الدراسة يتعين أن يتم بكل حياد قدر الإمكان، وأن تفرض النتائج بشكل محايد، و لكن طريقة استخدام الآخرين لتلك النتائج يعود ليثير مرة أخرى قضايا قيمية (هى فى الواقع قضايا السياسة التى ستتخذ). وهناك حل عملى كثيرا ما يتردد لمواجهة القضايا المعرفية التى يثيرها موضوع القيم، ويتمثل فى الرأى القائل بأن علم الاجتماع متصل - بشكل لا ينفصم بالأخلاق، والسياسة، والقيم، و أنه لا يستطيع أن يطهر نفسه منها، ومن ثم فإنه يتعين على علماء الاجتماع ان يعلنوا صراحة عن الحوار الدائر حول هذا الموضوع (أى عن تحيزاتهم وميولهم).

وقد شارك فى بعض المناقشات الكلاسيكية لموضوع القيمة علماء بارزون من أمثال: تشارلز رايت ميلز، وهوارد بيكر، وألفن جولدنر، وجورج لندبرج، وروبرت ليند، وجونار ميردال. ولكن الصياغة المنهجية الرئيسية مازالت ماثلة فى الدراسات التى يبحويها كتاب ماكس فيبر بعنوان: منهج العلوم الاجتماعية (والتى صدرت فى الفترة من 1904 حتى 1918)، خاصة تلك الفصول التى يناقش فيها الأساس القلسفى "للدلالة القيمية" أو "الالتزام القيمى"، كاساس من أسس صياغة المفاهيم. وهنا يذهب فيبر (تأثرا بنظرية المعرفة عند هينريش ريكرت “ انظر مادة : العلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية) إلى أن الواقع معقد بلا حدود و أنه لا يمكن استيعابه مفاهيميا استيعابا كاملا وكليا، وأن العلوم الطبيعية والاجتماعية تستخدم أنماطا تعميمية وتفريدية من صياغة المفاهيم، وأن موضوعات المفاهيم الاجتماعية تتسم بأنها متشربة بالمعنى وبالقيم. ولهذا يرى فيبر أن الدلالة القيمية تحكم عملية اختيار الوقائع فى العلوم الاجتماعية وفى البحوث التاريخية، وذلك عن طريق إجلاء القيم الكامنة فى الموقف أو فى الظاهرة موضع التحليل. وطبيعى أن يكون هناك على الدوام بعض التفسيرات المقنعة والمتباينة للقيم التى تكمن وراء الظواهر الثقافية، ومن ثم يمكن تفسير بعض وجهات النظر المختلفة التى يمكن من خلالها صياغة الظاهرة (أو "الواقعة التاريخية الفريدة") مفاهيميا. ولكن ما أن تتم صياغة إحدى الوقائع التاريخية الفريدة مفاهيميا فى إطار بحث معين، فإنه يصبح من الممكن التوصل إلى معرفة علمية اجتماعية" متحيزة موضوعيا"، وذلك عن طريق اكتشاف العلافات العلية بين وصف موضوع البحث المتأثر بالدلالة القيمية من تاحية، والعوامل التاريخية السابقة من ناحية أخرى والسبب فى ذلك أن بلورة هذه العلاقات تخضع للقواعد المستقرة فى ممارسة المبحث العلمى. وإذا تبين أن وجهة النظر القيمية المعينة التى تم صياغة موضوع البحث مفاهيميا وفقا لها لم تيسر لنا التوصل إلى تفسير للظاهرة يتسم بالدلالة المعنوية والكفاءة العلية، فمعنى ذلك أن تلك الظاهرة مازالت تحتضن قيما أخرى يمكن أن تتيح لنا التوصل إلىتفسير أكثر تقبلا.

ويجد القارئ مناقشة مفصلة لهذا الرأى فى كتاب توماس بيرجر المعنون: نظرية ماكس فيبر فى بناء المفاهيم، الصادر عام 1976).

انظر أيضًا