نظام اجتماعي

(بالتحويل من النظام الاجتماعي)
ميّز عن نسق اجتماعي.

النظام الاجتماعي (بالإنجليزية: Social Order). تحتل تفسيرات النظام الاجتماعى وتوضيح أسباب وكيفيات الانسجام أو التناغم فى المجتمعات، مكانة القلب من اهتمام علم الاجتماع. فمشكلة النظام كما رآها هوبز على سبيل المثال شغلت علماء الاجتماع الكلاسيكيين الذين وجدوا أنفسهم فى مواجهة النتائج الواضحة لعملية التصنيع والتحضر، والتى منها: غياب أو زوال المجتمع المحلى، وتمزق العلاقات الاجتماعية الأولية، وتضاؤل سلطة المؤسسات التقليدية للضبط الاجتماعى، والاضطراب الواسع النطاق الذى صاحب التغير الاجتماعى السريع فى القرن التاسع عشر بصفة عامة.

اتجاهات تفسير النظام الاجتماعي

هناك اتجاهان رئيسيان فى تفسير النظام الاجتماعى، يمكن أن يرتبط أحدهما بإميل دوركايم، بينما يمكن ربط الاتجاه الثانى بكارل ماركس. كما يرتبط الاتجاه الأول باسم تالكوت بارسونز والمدرسة الوظيفية، ويركز على دور المعايير والقيم المشتركة فى حفظ النظام فى المجتمع. ففى رأى دوركايم أن هذا التأكيد قد ترتب على نقده للفكر الاجتماعى المتعلق بالمذهب النفعى، والواضح بصفة خاصة لدى منظرين اجتماعيين وسياسيين من أمثال هربرت سبنسر فى بريطانيا، والذى ركز على المصالح المتبادلة والاتفاقات التعاقدية كأساس للنظام الاجتماعى فى المجتمعات الصناعية المتزايدة التعقيد. فى مقابل هذا، نجد دوركايم يذهب إلى أن المسالة الأخلاقية أساسية فى تفسير التكامل الاجتماعى. وهو يرى أن "التضامن الآلى" لمجتمعات ما قبل التصنيع كان يرتكز على القيم والمعتقدات المشتركة التى وجدت أساسا فى التصورات الجمعية. إلا أن مجئ المجتمع الصناعى شهد ظهور شكل جديد من "التضامن العضوى"، الذى يستند إلى الاعتماد الممتبادل، وينشأ نتيجة التنشئة الاجتماعية والاختلاف أو التمايز. فالقيود الأخلاقية للنزعات الأنانية تنشأ من خلال الارتباط وتهيى الأساس لتحقيق التتاغم الاجتماعى. ورغم أن دوركايم لم ينكر وجود الصراع واستخدام القوة، خاصة فى فترات التغير الاجتماعى السريع، فإن بارسونز أكد على أهمية الإجماع الأخلاقى المسبق كشرط قبلى ضرورى لتحقيق النظام الاجتماعى. وقد رأى التضامن العضوى باعتباره شكلا معدلا للضمير الجمعى، كما رأى أن قبول القيم عن طريق استدماج المعايير هو أساس التكامل الاجتماعى والتظام الاجتماعى فى المجتمعات الحديثة. ونظرا لأن بارسونز أكد على أهمية القيم والمعايير المشتركة فقد واجه نقداً مستمرا لمغالاته فى التأكيد على الإجماع أو الوفاق، ولإهماله الصراع والتغير فى تحليلاته السوسيولوجية.

أما التفسير الثانى للنظام الاجتماعى فى إطار علم الاجتماع فينبع من التراث الماركسى الذى يقدم تفسيرا ماديا أكثر منه ثقافيا للتماسك الاجتماعى. فقد أكد ماركس على صور التفاوت فى الثروة المادية والقوة السياسية فى المجتمعات الرأسمالية. فى هذه المجتمعات يمثل توزيع الموارد المادية والسياسية مصدر الصراع بين التكوينات الجماعية المختلفة - أى الطبقات الاجتماعية - التى تبغى الوصول إلى نصيب أكبر مما تتمتع به من هذه الموارد. ويعنى الصراع ضمنيا عدم وجود اتفاق أخلافى عام أو نظام اجتماعى تتم المحافظة عليه بشكل مستقر. ويكون الصراع نتيجة لتوازن القوة بين الجماعات المتنافسة، عندما تكبح الجماعات القوية الجماعات الأضعف، ويكون التماسك مدعما من خلال القهر الاقتصادى والإجبار المسياسي والقانون والييروقراطية الإدارية. وفى حين تبنى كثير من الماركسيين التحليلات الثقافية للنظام الاجتماعى بشكل متزايد، وذلك على سبيل المثال بتفسير إندماج الطبقة العاملة من خلال إيديولوجيا مسيطرة، انتبه آخرون إلى أن الإجبار الاقتصادى والسياسى قد ثبت بشكل واضح كمصدر فعال لتحقيق الاستقرار، خاصة عندما تحظى المقوة يشرعية السلطة. وبرغم ذلك فإن الصراع المتواصل يعنى ضمنيا التوتر والتغير وليس الاستقرار الراسخ.

وقد عرض ديفيد لموكوود فى كتابه: التضامن والانشقاق (الذى صدر عام 1992) الذى يمثل أحدث الإسهامات التى صدرت أخيراً أصالة فى الحوار النظرى حول النظام الاجتماعى أنه لا المنظرية الماركسية ولا نظرية دوركايم استطاعا أن يحسما هذه القضية بشكل مقبول، حيث اضطر كل مدخل منهما إلى استخدام مفاهيم ثانوية نجدها تتحول لتصبح عناصر تحليلية مركزية بالنسبة للأخرى. ويمثل مفهوم التصنيف الأخلاقي فى أعمال دوركايم المفتاح الأساسى لفهم البناء الاجتماعى، بينما يلعب هذا الدور عند ماركس مفهوم علاقات الإنتاج. فنظرية تؤكد على البناء المتكامل اجتماعيا للمكانة، بينما تؤكد الأخرى على البناء المقسم اجتماعيا للطبقة. ومن ناحية ثانية، فإن دوركايم لم يستطع أن يفسر وجود الانهيار الأنومى للتصنيف (الاضطراب) أو تدعم هذا التصنيف (الانشقاق) دون الاستعانة بمفاهيم القوة والمصالح المادية فى نموذجه؛ بينما لم يتمكن ماركس من أن يفسر استمرار المجتمعات المرأسمالية دون الاستعانة بمفهوم الإيديولوجيا المعام الذى أثار المشكلة المعرفية، التى لم تحلل بعد، الخاصة بطبيعة الاتفاق العام وتنوعه.

وتميل تحليلات النظام الاجتماعى إلى أن تكون نظريات كلية (الماكرو) تركز على المجتمع كوحدة للتحليل، برغم أن دراسات الالتزامات الأسرية، والجريمة، والترويح (على سبيل المثال وليس الحصر) تثير قضايا النظام الاجتماعى على المستوى الجزئى (الميكرو). وتوجد تحليلات مختلفة كل الاختلاف لكيفية إعادة إنتاج النظام الاجتماعى الذى يتم أثناء علاقات تفاعل الموجه للوجه فى كتابات التفاعلية الرمزية، أو الفن المسرحى، أو الإثنوميثودولوجيا أو نظرية التبادل. ويعد كتاب مشكلة النظام: ماذا يوحد أو يفرق المجتمع، الصادر عام 1994 لدينيس رونج أفضل تحليل عام للنظريات المتنوعة والقضايا التى تثير ها.

انظر كذلك