أيديولوجيا
الأيديولوجيا أو الأيديولوجية (بالإنجليزية: Ideology من اليونانية القديمة: ἰδέα إيديا، «فكرة»، وλόγος لوغوس، «علم، خطاب»؛ بالعربية: الأدلوجة، الفكروية، الفكرانية، العقيدة الفكرية) تناولت تعريفات عديدة جانبًا أو أكثر من جوانب هذا المصطلح، بوصفه مفهومًا حديثًا، إلا أن التعريف الأكثر تكاملًا يحدد الأيديولوجيا بأنها «النسق الكلي لـلأفكار والمعتقدات والاتجاهات العامة الكامنة في أنماط سلوكية معينة. وهي تساعد على تفسير الأسس الأخلاقية للفعل الواقعي وتعمل على توجيهه. وللنسق المقدرة على تبرير السلوك الشخصي، وإضفاء المشروعية على النظام القائم والدفاع عنه. فضلًا عن أن الأيديولوجيا أصبحت نسقًا قابلًا للتغير استجابة للتغيرات الراهنة والمتوقعة، سواء أكانت على المستوى المحلي أم العالمي».:
يُعد دي تراسي أول من وضع هذا المصطلح في عصر التنوير الفرنسي، في كتابه «عناصر الأيديولوجية». ويعني تراسي بالأيديولوجية علم الأفكار، أو العلم الذي يدرس مدى صحة أو خطأ الأفكار التي يحملها الناس. هذه الأفكار التي تُبنى منها النظريات والفرضيات، التي تتلاءم مع العمليات العقلية لأعضاء المجتمع. وقد انتشر استعمال هذا الاصطلاح بحيث أصبح لا يعني علم الأفكار فحسب، بل النظام الفكري والعاطفي الشامل الذي يُعبّر عن مواقف الأفراد من العالم ،والمجتمع والإنسان. وقد طُبق هذا الاصطلاح بصورة خاصة على المواقف السياسية، التي هي أساس العمل السياسي وأساس تنفيذه وشرعيته. والأيديولوجية السياسية هي الأيديولوجيا التي يلتزم ويتقيد بها رجال السياسة والمفكرون إلى درجة كبيرة، بحيث تؤثر على حديثهم وسلوكهم السياسي، وتحدد إطار علاقاتهم السياسية بالفئات الاجتماعية المختلفة.
الأيديولوجيات السياسية التي تؤمن بها الفئات الاجتماعية المختلفة في المجتمع، قد تتضارب مع بعضها، أو تتسم بالأسلوب الإصلاحي أو الثوري، الذي يهدف إلى تغيير واقع المجتمع وظروفه، ولكن جميع الأيديولوجيات تكون متشابهة في شيء واحد، وهو أسلوبها العاطفي وطبيعتها المحركة لعقول الجماهير. ومن ثَم، تعبّر الأيديولوجيا، بصورة عامة، عن أفكار يعجز العلم الموضوعي عن برهان حقيقتها وشرعيتها، لكن قوة هذه الأفكار تظهر من خلال نغمتها العاطفية وأسلوبها المحرك للجماهير، والذي يتناسب مع الحدث الاجتماعي الذي يمكن القيام به. أما المفهوم الماركسي للأيديولوجيا، فيُعبّر عن شكل وطبيعة الأفكار التي تعكس مصالح الطبقة الحاكمة، التي تتناقض مع طموحات وأهداف الطبقة المحكومة، خصوصًا في المجتمع الرأسمالي.
مفهوم الأيديولوجيا
الأيديولوجيا هي علم الأفكار وأصبحت تطلق الآن على علم الاجتماع السياسي تحديدا ومفهوم الإيديولوجيا مفهوم متعدد الاستخدامات والتعريفات، فمثلاً يعرفه قاموس علم الاجتماع بمفهوم محايد باعتباره نسقًا من المعتقدات والمفاهيم (واقعية ومعيارية) تسعى إلى تفسير ظواهر اجتماعية معقدة من خلال منطق يوجه ويبسط الاختيارات السياسية أو الاجتماعية للأفراد والجماعات وهي من منظار آخر نظام الأفكار المتداخلة كالمعتقدات والأساطير التي تؤمن بها جماعة معينة أو مجتمع ما وتعكس مصالحها واهتماماتها الاجتماعية والأخلاقية والدينية والسياسية والاقتصادية وتبررها في نفس الوقت.
مستويات الأيديولوجيا
يحدد كارل مانهايم في كتابه «الأيديولوجيا واليوتوبيا» مفهوم الأيديولوجيا، من خلال مستويين:
- المستوى التقويمي: وهو يتعامل مع الأيديولوجيا على أساس أنها تتضمن أحكاماً تُعني بواقع الأفكار، وبناءات الوعي.
- المستوى الدينامي: فيما يتناول المستوى الدينامي الأيديولوجيا من خلال سمتها الدينامية، على أساس أن هذه الأحكام دائماً ما تُقاس من طريق الواقع، ذلك الواقع الذي يحيا في ظل تدفق ثابت أو جريان دائم.
أنماط الأيديولوجيا
يشير مانهايم إلى ما أسماه بـ«التشوه الأيديولوجي» والوعي الزائف، أي التفسير غير الصادق الذي يضعه شخص ما. وهذا ما أكد عليه ديفيد هوكس من أن كلمة «أيديولوجيا» تشير أحياناً إلى طريقة خاطئة في التفكير على نحو نسقي، ووعي زائف. وفرّق مانهايم بين نمطين من الأيديولوجيا، هما:
- الأيديولوجيا الخاصة التي تتعلق بمفهوم الأفراد وتبريراتهم للمواقف التي تهدد مصالحهم الخاصة؛
- الأيديولوجيا الكلية التي تتعلق بالتفكير السائد داخل الطبقة أو الحقبة التاريخية، كما هو الحال لنمط التفكير السائد لدى البرجوازية أو البروليتاريا (الطبقة العاملة).
وفي ضوء ذلك عرّف الأيديولوجيا بوصفها مجموعة قيم أساسية ونماذج للمعرفة والإدراك، ترتبط ببعضها وتنشأ صلات بينها وبين القوى الاجتماعية والاقتصادية. فإذا أخذنا بتصور مانهايم هذا لمفهوم الأيديولوجيا، نستطيع أن نميز في أي مجتمع طبقي بين أيديولوجيتين:
- أيديولوجيا الجماعات الحاكمة التي تريد فرض تصوراتها وأفكارها على بقية أفراد المجتمع، وتبرير الأوضاع الراهنة والدفاع عنها.
- أيديولوجيا الجماعات الخاضعة، التي تحاول تغيير هذه الأوضاع لصالحها وإحداث تغيرات في بناء القوة القائم، بما في ذلك تحقيق العدالة الاجتماعية وتوزيع الدخول توزيعاً عادلاً.
تعريفات أخرى للأيديولوجيا
أما ديفيد جيري، وجوليان جيري، فيقدمان عدداً من التعريفات الخاصة بمفهوم الأيديولوجيا على النحو التالي:
- أن الأيديولوجيا هي نسق من الأفكار يحدد السلوك السياسي والاجتماعي.
- أن الأيديولوجيا - بصورة أكثر تحديداً - هي أي نسق من الأفكار يبرر خضوع جماعة أو طبقة ما، لجماعة أو طبقة أخرى، مع إضفاء نوع من الشرعية على هذا الخضوع.
- أن الأيديولوجيا هي معرفة موسوعية شاملة، قادرة على تحطيم التحيز وذات قدرة على الاستخدام في عملية الإصلاح الاجتماعي.
ويُلاحظ أن المعنى الأول والثاني بوصفهما أصبحا، في الواقع، محور الاهتمام الرئيس لمفهوم الأيديولوجيا. فيما ذهب "أنتوني جيدنز" في تعريفه للأيديولوجيا أنها مجموعة من الأفكار والمعتقدات المشتركة، التي تعمل على تبرير مصالح الجماعات المهيمنة. وتوجد الأيديولوجيات في كافة المجتمعات، التي توجد بها نظم راسخة لعدم المساواة بين الجماعات. ويرتبط مفهوم الأيديولوجيا ارتباطاً وثيقاً بمفهوم القوة؛ لأن النظم الأيديولوجية تعمل على إضفاء المشروعية على تباين القوة، التي تحوزها الجماعات الاجتماعية.
ولكن هناك من عرَّف الأيديولوجيا بشكل حيادي، بوصفها نسقاً من المعتقدات والمفاهيم، والأفكار الواقعية والمعيارية معاً. ويسعى هذا النسق في عمومه إلى تفسير الظواهر من خلال منظور يوجه ويبسط الاختيارات السياسية والاجتماعية للأفراد والجماعات. ويوضح هذا التعريف الدلالات الحيادية للأيديولوجيا، التي اكتسبها المفهوم من تعدد الأنساق الفكرية التي عملت على إظهار مدى التوازن بين الجانبين الواقعي والمعياري، بوصفهما يمثلان مقومات الأيديولوجيا.
وتتميز الأيديولوجيا بأنها غير ثابتة ثباتاً مطلقاً، وإنما تتمتع بخاصية الدينامية؛ لأنها تشهد عمليات نمو وتحول وربما اختفاء وظهور جديدة. ويحدث ذلك في ضوء الأوضاع والمواقف الاجتماعية المختلفة والمتغيرة. فكثيراً ما تتعرض المجتمعات لقلاقل داخلية أو خارجية، تظهر في شكل انحرافات معينة عن الأيديولوجيا السائدة، أو في شكل تغيرات مهمة في البنية الاجتماعية والاقتصادية، أو في شكل صراع بين القيم الخاصة والعامة والآراء والاتجاهات. كما قد تظهر هذه القلاقل نتيجة لكوارث طبيعية، أو ثورات، أو غزوات، أو غير ذلك. في مثل هذه الحالات، قد تدخل عناصر جديدة إلى النسق الأيديولوجي أو تلغي بعض عناصره، أو يتم تعديل بعضها لتتواءم مع الواقع الاجتماعي الجديد.
ويجعلنا هذا نؤمن بأن النسق الأيديولوجي ليس فكراً جامداً؛ ولكنه دينامي متطور. فعلى سبيل المثال، كان العَالم ينقسم إلى معسكرين، هما الشرقي والغربي، ونتيجة لعمليات وسياسات الاستقطاب والحرب الباردة وتأثيراتها ظهرت أيديولوجيا «الحياد الإيجابي» و«عدم الانحياز». وكذلك نتيجة للصراع الدائم بين الأيديولوجيا الاشتراكية والرأسمالية، انهارت الأيديولوجيا الاشتراكية وتفردت الراسمالية.
وقد أوضح كارل مانهايم هذه الفكرة (أي أن الأيديولوجيا قابلة للتغيير والتعديل وفق ما يطرأ على المجتمع من أوضاع ومواقف تتطلب هذا التغيير) فيقول: "إن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: كيف يستطيع الإنسان أن يحيا ويستمر في حياته وتفكيره، في وقت أصبحت فيه الأيديولوجيا واليوتوبيا تفرض نفسها على مسارات حياته؟ فقد اعتقد الإنسان منذ وقت طويل أن تفكيره هو جزء من وجوده الروحي، وأنه ليس حقيقة واقعية حسية؛ ولكن هذا الاعتقاد قد تغير حتى من داخل الإنسان نفسه. وقد كان التغير الأيديولوجي يعني لدى الإنسان إعادة توجيه للقيم التي يشتق منها السلوك. ولكن في العصر الحديث تعاظم الاعتقاد بأننا لا يمكن أن نعيش على وتيرة واحدة، أو على مبدأ فكري واحد.
الإيديولوجيا والسيسيولوجيا
لمصطلح الإيديولوجيا تاريخ طويل، يتسم بالتعقيد والغنى. ويرتد فى نشأته، بوصفه مفهوما سوسيولوجيا ذا طابع خاص، إلى أعمال كارل ماركس، ومنذ ذلك التاريخ ظل استخدامه فى التحليلات السوسيولوجية مؤشراعلى أن مثل هذا التحليل ذا اتجاه ماركسى أو أنه متأثر بشكل واضح بالماركسية. ويعنى هذا أنه من الأهمية بمكان أن نكون على وعى بأن الظاهرة الاجتماعية التى يدل عليها المصطلح (ويقصد بها: مجال الأفكار أو الثقافة بشكل عام، والأفكار السياسية أو الثقافية السياسية على وجه الخصوص)، وكذا العلاقة بين حقل الأفكار وغيره من الحقول السياسية والاقتصادية، كانت كلها موضوعات لمناقشات مستفيضة داخل الفروع السوسيولوجية الأخرى. و الأكثر من ذلك أن هذه المناقشات (خاصة تلك التى دارت بين أتباع فيبر، ودوركايم، والبنيولين)، قد أثرت تأثيراً ملحوظا على التنظيرات الماركسية الخاصة بمفهوم الإيديولوجيا (و العكس صحيح أيضا).
ويرجع القدر الأكبر من التعقيد الذى يتسم به تاريخ هدا المفهوم، ومن ثم الصعوبات التى يواجهها أى باحث يحاول تحديده، إلى الطابع الجزئى وغير المكتمل للمناقشات القليلة والمتتاقضة أحيانا، التى أولاها ماركس للظاهرة التى يشير إليها هذا المفهوم. فلم يكن ماركس فى كتابه: الإيديولوجيا الألمانية ( ١٨٤٦) معنيا بتفسير السبب فى أنه لم يعدمثاليا هيجليا، بل كان معنيا -بالاضافة إلى ذلك- بتفسير السبب فى أنه ظل هووغيره أسرى لمثل هذه الأفكار لمدة طويلة. ويتمثل جوهر أطروحته، إذاما نحيناجانبا كل جوانب الغموض التى ظسل الشراح والمعلقون اللاحقون يدعونها بسبب وبلا سبب، فى أن المبدأ الجوهرى للعقيدة المثالية (أى الاعتقاد بأن الأفكار تمثل القوة المحركة للتاريخ) لم تكن، بأى معنى، المنتج النهائى لوعى العقل بذاته، بل إن هذه المثالية كانت نتاجا لتاريخ ظل غائبا عن رؤية الكثير من المفكرين، بما فيهم ماركس ذاته، وأنها كانت تمثل فى الحقيقة عقيدة إيديولوجية. وهذا التاريخ الغائب لم يكن سوى تاريخ "البشر الحقيقيين الفاعلين"، وهو التاريخ الذى أطلق عليه ماركس، فيما بعد، "تاريخ الصراع الطبقى". والسبب فى أن هذا التاريخ قد استعصى على فهم المفكرين، يرجع إلى أن هؤلاء المفكرين اتجهوا، حسب تعبير ماركس، إلى الاهتمام بالأفكار المسيطرة خلال تلك الفترة، وهى الأفكار التى تمثل، فى كل مرحلة، أفكار الطبقة الحاكمة.
و الخلاصة أن هذه الأطروحة تحتوى على مايلى: أولا، الفكرة الجنينية التى طورها ماركس بخصوص نموذج المجتمع المتأسس على البناء التحتى فى مقابل البناء الفوقى، وماتتطوى عليه هذه الفكرة من أن مجال الأفكار يمكن تمييزه عن الاقتصاد و أنه يتحدد بفعل الاقتصاد. ثانياً، الفكرة التى ترى أن ما يجعل أفكار طبقة معينة (الطبقة الحاكمة) أفكاراً إيديولوجية كون هذه الأفكار تخفى أشياء تعمل فى صالح الطبقة الحاكمة.
ويتبدى المجهود المؤثر الذى بذله ماركس فى سبيل توضيح طبيعة العلاقة بين مجال الأفكار ومجال الاقتصاد، وكيف تصبح أفكار الطبقة الحاكمة هى الأفكار الحاكمة (أو السائدة)، يتبدى فى نهاية الفصل الأول من كتابة رأس المال، الصادر عام ١٨٦٧. فقد أوضح فى هذا الموضع، أولا: الآلية الأساسية لحدوث التباين بيسن الأشياء بوجودها الواقعى فى المجال الاقتصادى وفى المجتمع الأوسع وبين تصور الناس عن مثل هذه الأشياء. و أوضح هذه الآلية من خلال المماثلة بالمناطق الضبابية فى المجال الدينى. وذهب ماركس إلى أن "المنتجات التى يبدعها العقل الإتسانى داخل هذا العالم تبدو كما لوكانت ذات كيانات مستقلة تدب فيها حياة، وتدخل فى علاقات مع بعضها البعض من ناحية ومع الإنسان من ناحية أخرى". وانتهى أخيرا إلى أن ما يحدث فى مجال الأفكاريشبه مايحدث فى عالم السلع مع منتجات عمل الأفراد. وهذا ما أسميه الفتشية (أو تقديس السلع) التى ترتبط بمنتجات العمل (داخل المجتمعات الرأسمالية)".
و النتيجة النهائية لظهور ظاهرة تقديس السلع هى أن تصورات الأفراد، (خاصة علماء الاقتصاد البورجوازى، ورجال الدين المسيحى، ورجال القانون) لما يحدث فى الواقع هو فى الحقيقة عمليات بيع وشراء الأشياء المتى تكمن قيمتها فى جوهر هذه الأشياء ذاتها. والحقيقة فى رأي ماركس أن هذه القيم ليست سوى نتاجاً لعلاقات بعينهابين البشر تكون غائبة عنهم، لكنهم ينخرطون فى علاقات عن طربق البيع، والشراء، والتقاضى، والتبرير بمقتضى حقيقة أن "السلع لا يمكنها أن تذهب إلى السوق وتقوم بعمليات التبادل لحسابها الخاص". لذا ينظر الأفراد داخل المجتمع الرأسمالى إلى أشكال التبادل داخل السوق التى تبدوكما لوكانت علاقات متكافئة (أو حيادية)، بوصفها العلاقات الأساسية داخل المجتمع الرأسمالى، على حين أن العلاقات الأكثر جوهرية -فى رأى ماركس- هى تلك العلاقات غير المتكافئة التى تظهرداخل نمط الانتاج المستتر". وهكذا تصبح "الطبقة التى تمثل القوة المادية الحاكمة فى المجتمع... هى القوة الفكرية الحاكمة".
والواقع أن استعارة ماركس لفكرة الصنم Fetish، وتوضيحه لكيفية ظهور تقديس السلع داخل المجتمعات الرأسمالية استمرت تمارس تأثيرها الهائل بأشكال مختلفة، على الباحثين الماركسيين. حيث نجد جورج لوكاتش، على سبيل المثال، يستخدم هذه الاستعارة فى نظريته عن الوعى الزائف، وكذا افتراضاته الخاصة بأفضل السبل الكفيلة للتغلب على هذا الوعى الزائف. وكان لوكاتش متأثرا، فى تناوله هذا، بماكس فيبر. فى مقابل ذلك نجد محاولة لوى ألتوسير، التى تأثر فيها إلى حد ما بدوركايم وبالتراث البنيوى، التى طور فيها أفكار ماركس، بهدف صياغة تصور للعلاقة الإيديولويجية، سواء بمعناها الخاص بوصفها "علاقة تخيلية"، أو تعيين الميكانزم الذى يتموضع من خلاله الأقراد أو الذوات داخل هذه العلاقة، كعلاقة استدماج.
وخلال الآونة الأخيرة سعى العديد من الباحثين، ربما تأثراً بفكرة أنطونيو جرامشى الخاصة بالهيمنة، لدمج العديد من المفاهيم اللغوية ومفاهيم تحليل الخطاب فى نظرية الإيديولوجيا. وكانوا يأملون من وراء ذلك سبر غور ما يمكن أن نسميه الحياة الداخلية للمجال الإيديولوجى، ويبلور إلى حدما مضمون ما يسمى الاستقلال النسبى. كما يأملون أيضا أن يتمكنوا من تقديم تفسير أكثر دقة وأكثر تفصيلاً لكيفية إنتاج "الأفكار الحاكمة" داخل المجتمع. وهو تفسير أكثر دقة من تلك التفسيرات المتاحة التى تستند إلى نظرية تقديس السلع، والفكرة المرتبطة بها التى ترى أن هذه الأفكار لابد وأن تكون بالضرورة أفكار الطبقة الحاكمة. ومع ذلك فإن نظرية تقديس السلع لاتزال تجد من يدافعون عنها، ممن يرون أن أى ثقارب مع اتجاهات ما بعد البنيوية وما بعد الحداثة يعد من قبيل الهرطقة.
إن التراث السوسيولجى حول الإيديولوجيا يتسم بالثراء الهائل. وحاول جورج لاران فى كتابه مفهوم الإيديولوجيا، الصادر عام ١٩٧٩، وتيرى ايجلتون فى كتابه مقدمة فى الإيديولوجيا، الصادر عام ١٩٩١، أن يقدما هذا التراث بشكل معقول.
آراء
يعرف البعض الإيديولوجيا كقناع أو كتعارض مع العلمية أو حتى كرؤية للكون والقاسم المشترك بين هذه التعريفات أنها تطرح علاقة مركبة بين الواقع والإيديولوجيا فهي تعكسه وتحاول تسويغه أيضا والواقع ليس مجرد واقع مادي بل واقع اجتماعي نفسي روحي وهو واقع إلى جانب تطلعات وآمال.
إن الأيديولوجيا تقوم بدور الوسيط لأنها نسق رمزي يستخدم كنموذج لأصناف أخرى: اجتماعية ونفسية ورمزية وهي قد تشوه الواقع أو تخطئه لكنه تشويه يعكس حقائق معينة ويطمس أخرى لتوصيل رسالة معينة للمؤمنين بها. فقدرة الإيديولوجيا تكمن في قدرتها على الإحاطة بالحقائق الاجتماعية وصياغتها صياغة جديدة؛ فهي لا تستبعد عناصر معينة من الواقع بقدر ما تسعى لتقييم نسق يضم عناصر نفسية واجتماعية ودينية.إلخ، مماثل للواقع الذي تدعو إليه الإيديولوجية.
إن السؤال الذي تثيره الأيديولوجيا هو مدى فعاليتها في رسم صورة للواقع الاجتماعي وتقديم خريطة له وأن تكون محورا لخلق الوعي الجمعي. واستخدام مفهوم الإيديولوجية كأداة تحليلية يتطلب تعدد مستويات البحث بوصف منطقها الداخلي وحتى ادعاءاتها عن نفسها وسماتها الأساسية كجانب معبر عن الواقع.
تتم دراسة الإيديولوجيا لتقييم مدى عكسها للواقع، وهذا يتطلب دراسة البدائل التاريخية المتاحة والنظر للإيديولوجيا في نتائجها الإنسانية على الجماعة والتطور الاجتماعي. إن دراسة الأيديولوجيا تتطلب الجمع بين مدخلين محاولة الوصول لأنماط عامة بالمفهوم العلمي ومدخل دراسة المنحنى الخاص للظاهرة في تعيينها، أو بعبارة أخرى: دراسة الشكل الخاص للعلاقة بين البناء الفوقي والبناء التحتي وهي علاقة جدلية تبادلية التأثير، فكلا البنائين الفوقي والتحتي يكتسب هويته المتعينة من خلال الآخر آخذا في عين الاعتبار أن البناء التحتي ليس وجودا ماديا فحسب بل وجودا ماديا وحضاريا وفكريا.
وقد برز عديد من العلماء منهم العالم الأمريكي الكبير اليوناردو بسكرفت والعالم الياباني تيريز هوشرينادا والعالم الألماني تروا بورتن والعالم الذي فاقهم شهرة وانتشرت مؤلفاته في إنجلترا زييكس ماركيز.
الخصائص الأساسية للأيديولوجيا
حسب ويلارد مولنز فإن الخصائص الأساسية الواجب وجودها في الإيديولوجيا لكي تدعى بالتالي أيديولوجيا هي:
- يجب أن تكون لها سلطة على الإدراك.
- يجب أن تكون قادرة على توجيه عمليات التقييم لدى المرء.
- يجب أن توفر التوجيه تجاه العمل.
- يجب أن تكون متماسكة منطقيًا.
أنواع الأيديولوجيا
من أنواعها:
- الإيديولوجيا العلمية.
- الإيديولوجيا الفكرية.
- الإيديولوجيا الطبيعية.