الانفجار العظيم

لاستعمالات أخرى، اقرأ انفجار عظيم (توضيح)

الانفجار العظيم في علم الكون الفيزيائي هو النظرية السائدة لتفسير نشأة الكون. تعتمد فكرة النظرية على أن الكون كان بالماضي في حالة حارة شديدة الكثافة فتمدد، وأن الكون كان يومًا جزءًا واحداَ عند نشأته. بعض التقديرات الحديثة تُقدّر حدوث تلك اللحظة قبل 13.8 مليار سنة، والذي يُعد عمر الكون. وبعد التمدد الأول، بَرَدَ الكون بما يكفي لتكوين جسيمات دون ذرية كالبروتونات والنيترونات والإلكترونات. ورغم تكوّن نويّات ذرية بسيطة خلال الثلاث دقائق التالية للانفجار العظيم، إلا أن الأمر احتاج آلاف السنين قبل تكوّن ذرات متعادلة كهربيًا. معظم الذرات التي نتجت عن الانفجار العظيم كانت من الهيدروجين والهيليوم مع القليل من الليثيوم. ثم التئمت سحب عملاقة من تلك العناصر الأولية بالجاذبية لتُكوّن النجوم والمجرات، وتشكّلت عناصر أثقل من خلال تفاعلات الانصهار النجمي أو أثناء تخليق العناصر في المستعرات العظمى.

تُقدّم نظرية الانفجار العظيم شرحاً وافياً لمجموعة واسعة من الظواهر المرئية التي تشاهد وترصد بتلسكوبات ضخمة وتلسكوبات فضائية مختلفة، بما في ذلك وفرة من ارصاد الإشعاعات الكونية والخلفية الإشعاعية للكون والبنية الضخمة للكون وقانون هابل. ونظرًا لكون المسافة بين المجرات تزداد يوميًا، فبالتالي كانت المجرات في الماضي أقرب إلى بعضها البعض. ومن الممكن استخدام القوانين الفيزيائية لحساب خصائص الكون كالكثافة ودرجة الحرارة في الماضي بالتفصيل. وبالرغم من أنه يمكن للمسرعات الكبيرة للجسيمات استنساخ تلك الظروف، لتأكيد وصقل تفاصيل نموذج الانفجار العظيم، إلا أن تلك المسرعات لم تتمكن حتى الآن إلا البحث في الأنظمة عالية الطاقة. وبالتالي، فإن حالة الكون في اللحظات الأولى للانفجار العظيم مبهمة وغير مفهومة، ولا تزال مجالاً للبحث. كما لا تقدم نظرية الانفجار العظيم أي شرح للحالة الأولية قبل الانفجار العظيم، بل تحاول تفسير نشأة وتطور الكون منذ تلك اللحظة الأولى بعد الانفجار؛ إذ بالانفجار يبدأ الزمان والمكان، ولا ترى الفيزياء زمنا قبل الانفجار العظيم، فقد بدأ به الزمن من وجهة نظر الفيزيائيين.

قدّم الكاهن الكاثوليكي والعالم البلجيكي جورج لومتر الفرضية التي أصبحت لاحقًا نظرية الانفجار العظيم عام 1927. ومع مرور الوقت، انطلق العلماء من فكرته الأولى حول تمدد الكون لتتبُّع أصل الكون، وما الذي أدى إلى تكوّن الكون الحالي. اعتمد الإطار العام لنموذج الانفجار العظيم على نظرية النسبية العامة لأينشتاين، وعلى تبسيط فرضيات كتجانس النظام وتوحد خواص الفضاء. وقد صاغ ألكسندر فريدمان المعادلات الرئيسية للنظرية، وأضاف فيليم دي سيتر صيغ بديلة لها. وفي عام 1929، اكتشف إدوين هابل أن المسافات إلى المجرات البعيدة مرتبطة بقوة بانزياحها الأحمر. استُنتج من ملاحظة هابل أن جميع المجرات والعناقيد البعيدة لها سرعة ظاهرية تختلف عن فكرتنا بأنها كلما بَعُدت، زادت سرعتها الظاهرية، بغض النظر عن الاتجاه.

ورغم انقسام المجتمع العلمي يومًا بين نظريتي تمدد الكون بين مؤيد لنظرية الانفجار العظيم، ومؤيد لنظرية الحالة الثابتة، إلا أن التأكيد بالملاحظة والرصد على صحة سيناريو الانفجار العظيم جاء مع اكتشاف الخلفية الإشعاعية للكون عام 1964، واكتشاف أن طيف تلك الخلفية الإشعاعية يتطابق مع الإشعاع الحراري للأجسام السوداء. منذ ذلك الحين، أضاف علماء الفيزياء الفلكية إضافات رصدية ونظرية إلى نموذج الانفجار العظيم، وتمثيلها الوسيطي كنموذج لامبدا-سي دي إم الذي هو بمثابة إطار للأبحاث الحالية في علم الكونيات النظري.

نظرية علمية تشرح كيفية خلق الكون. وطبقاً لهذه النظرية فإن الكون قد نشأ نتيجة انفجار هائل حدث منذ 10 - 20 بليون سنة وأطلق عليه اسم الانفجار العظيم. وكانت المادة التي تكونت في بداية الانفجار أصغر من نواة الذرة غير أنها تمددت بسرعة ومازالت تتمدد. وكان عالم الكونيات البريطاني فرد هويل أول من نص على هذه النظرية عام 1950م.

ويعد وجود عنصر الهيليوم في الكون أقوى دليل على حدوث الانفجار العظيم. ففي عام 1948م، شرح عالم الفيزياء الروسي المولد جورج جامو ومساعداه الفيزيائيان الأمريكيان رالف أ. ألفر وروبرت هيرمان التفاعلات النووية التي حدثت عند وقوع الانفجار العظيم. فقد ذهبوا إلى بقاء عنصري الهيدروجين والهيليوم وحدهما بكميات مناسبة بعد مرور عدة دقائق من وقوع الانفجار. وتؤكد أبحاثهم إلى أن 25% من كتلة المادة العادية الموجودة الآن في النجوم والمجرات تتألف من عنصر الهيليوم. وقد أكدت بعض الأبحاث الأخرى المتعلقة بالكون هذه الحقيقة.

ويعتقد جامو ومساعداه أن الانفجار العظيم قد أدى إلى تكون نوع من الإشعاع عرف باسم الإشعاع الحراري أو إشعاع الجسم الأسود. وبتمدد الكون أصبح بارداً. وقد كشف عن وجود هذا الإشعاع عالما الفيزياء الأمريكيان آرنو نيزياس وروبرت ولسون عام 1965م. فقد وجدا أن درجة حرارة هذا الإشعاع تزيد على الصفر المطلق (-273,15 °  م)

بنحو 2,7 ° م وهو رقم قريب لما جدده جامو وزميلاه. وحري أن نذكر أن الإشعاع الحراري يصدر من الاتجاهات كافة، ويُبقي درجة حرارته ثابتة في جميع الاتجاهات.

لم تشرح نظرية الانفجار العظيم الأصلية كيفية تماثل واتساق درجة حرارة الإشعاع الحراري في الاتجاهات كافة، ولكن قدمت نظرية إضافية تعرف باسم تضخم الكون شرحاً وافياً لهذه الظاهرة. وطبقاً لهذه النظرية فإن الكون قد تمدد بدرجة كبيرة بعد الانفجار مباشرة. وقد أدى هذا التمدد الكبير، بنص النظرية، إلى تقليل التفاوت بين درجات الحرارة في مناطق شاسعة من الكون. كما أدى التفاوت الطفيف في الكثافة إلى تكون المجرات.

يبدو أن الكون يتمدد بمعدل متزايد. ويرجح أن القوة الطاردة التي تنظم الكون باتساق محكم وتعرف باسم الثابت الكوني هي المسؤولة عن سرعة هذا التمدد. وكان العالم ألبرت أينشتاين، الألماني المولد، أول من أشار إلى هذه القوة. والثابت الكوني هو الثابت الضربي لحد يتناسب مع الجزء المتري في معادلة أينشتاين الذي يربط أنحاء الفضاء بموتر الطاقة. وقد أفصح أنيشتاين عن هذه الفكرة خلال بحث قدمه عام 1917م يتضمن تطبيقاً لنظريته النسبية العامة في الكون.

علم الكون الفيزيائي
ملف:WMAP.jpg
مواضيع متعلقة

تحرير

تمهيد

قالب:جدول زمني لتشكل وتطور الكون

التسلسل الزمني للانفجار العظيم

طالع أيضاً: التسلسل الزمني للانفجار العظيم

التفرد

طالع أيضاً: التفرد الجذبوي

يقودنا تتبع تمدد الكون عبر الزمن إلى حقيقة أن الكون كان في الماضي في حالة شديدة الكثافة والحرارة. ويشير هذا التفرد إلى تعطُّل تطبيق النسبية العامة، فلا يمكننا تتبع حالة التفرد تلك على وجه اليقين أكثر من فترة نهاية حقبة بلانك. ويسمى هذا التفرد أحيانًا "الانفجار العظيم"، ولكن هذا المصطلح قد يشير أيضًا إلى الحالة الأولى(1) التي كانت أكثر حرارة وكثافة، التي تعتبر لحظة ميلاد الكون. وبناءً على قياسات التمدد مقارنةً بنموذج مستعر أعظم من النوع أ وقياسات التقلبات الحرارية في الخلفية الإشعاعية للكون وقياسات الارتباط بين المجرات، أمكن حساب عمر الكون وتقديره بنحو 13.798 ± 0.037 مليار سنة. وقد أدى التوافق بين هذه القياسات الثلاثة المستقلة عن بعضها البعض إلى دعم نموذج لامبدا-سي دي إم بقوة، والذي يصف بالتفصيل محتويات الكون.

التضخم الكوني ونشأة الباريونات

طالع أيضاً: التضخم الكوني ونشأة الباريونات

تخضع الأطوار الأولى للانفجار العظيم للعديد من التكهنات. ففي النماذج الأكثر شيوعًا، كان الكون ممتلئًا بصورة متجانسة وقياسية بجسيمات ذات كثافة طاقة ودرجات حرارة وضغوط هائلة، وأنه تمدد وبَرُد بسرعة فائقة. وخلال ما يقرب من 10 −37 ثانية في التمدد، تسبب تحول طوري في تضخُّم الكون ونموه نموًا أُسيًا. وبعد توقف التضخم، تألّف الكون من بلازما كوارك-غلوونية، وغيرها من جميع الجسيمات الأولية الأخرى. كانت درجات الحرارة في تلك الحالة مرتفعة حتى تسنّى تحرك الجزيئات عشوائيًا وفق سرعات نسبية، ونتجت أزواج ومضاداتها من كل نوع بصفة مستمرة، بل وتلاشى بعضها عبر الاصطدامات. وفي مرحلة ما، حدث تفاعل يسمى بنشأة الباريونات لم يحافظ على رقم باريون، مما أدى إلى وجود فائض صغير جدًا من الكواركات والليبتونات يفوق مضادات الكوارك ومضادات الليبتونات بنحو جزء واحد من 30 مليون جزء. أدى ذلك إلى هيمنة المواد على المواد المضادة في الكون الحالي.

التبرد

طالع أيضاً: تخليق الانفجار العظيم النووي والخلفية الإشعاعية للكون

هناك دلائل مستقلة من رصد المستعرات العظمى من الدرجة Ia والخلفية الإشعاعية للكون تُظهر أن الكون اليوم تسيطر عليه شكل غامض من الطاقة تعرف باسم الطاقة المظلمة التي تتخلل كامل الفضاء. وتُقدّر نتائج الرصد أن 73٪ من كثافة الطاقة الكلية للكون اليوم تتواجد في تلك الصورة من الطاقة. ومن المرجّح أن الكون في بداية نشأته كان مغمورًا بالطاقة المظلمة، ولكن مع تضايق المساحة وتقارب كل شيء من بعضه البعض، سيطرت الجاذبية، وكبحت تمدد الكون ببطء. وفي نهاية المطاف، وبعد عدة مليارت من سنوات تمدد الكون، تسبب تزايد الطاقة المظلمة في تسارع تمدد الكون ولكن ببطء. وتتخذ الطاقة المظلمة في أبسط صيغها هيئة مصطلح الثابت الكوني في معادلات أينشتاين للمجال في النسبية العامة، ولكن تكوينها وآليتها غير معروفين، وبشكل أعم، ما زالت تفاصيل معادلة حالتها وعلاقتها مع نظرية النموذج العياري لفيزياء الجسيمات قيد البحث رصديًا ونظريًا. كما استخدمت النسبية العامة لعمل اختبارت صارمة على مقاييس النظام الشمسي والنجوم الثنائية.

وإذا افترضنا أن الكون متجانس الخواص كما يُرى من الأرض، فإن المبدأ الكوني يمكن استنتاجه من مبدأ كوبرنيكوس البسيط، الذي ينص على أنه لا يوجد أفضلية. ولذا، فقد تم التحقق من صحة المبدأ الكوني إلى مستوى 10−5 عبر رصد الخلفية الإشعاعية للكون. كما تم قياس تجانس الكون على المقاييس الأكبر حتى مستوى 10٪.

تمدد الفضاء

طالع أيضاً: إحداثيات روبرتسون-ووكر وتمدد الكون

تصف النسبية العامة الزمكان وفق نظام متري، يمكن من خلاله تحديد المسافات التي تفصل أي نقطة عن نقطة قريبة. هذه النقاط قد تكون مجرات أو نجوم أو أشياء أخرى، هذه النقاط نفسها يتم تحديدها باستخدام متعدد شعب أو "شبكة" تشمل كل الزمكان. ينص المبدأ الكوني أن هذا النظام المتري يجب أن يكون متجانس ومُوحّد الخواص في المقاييس الكبيرة يمكن تمييزه باستخدام إحداثيات روبرتسون-ووكر. هذه الإحداثيات تحتوي على مقياس يصف تغيّر حجم الكون عبر الزمن، مما يسّر اختيار نظام إحداثي مناسب يدعى مسافة المسايرة. وفق هذا النظام الإحداثي تتمدد الشبكة بتمدد الكون، وتبقى الأجسام التي تتحرك بتمدد الكون في مواضع ثابتة على الشبكة، وتبقى مسافاتها الإحداثية (مسافات المسايرة) ثابتة، في الوقت الذي تتزايد فيه المسافات الفعلية بين الأجسام إطراديًا بتمدد الكون.

لا يعد الانفجار العظيم انفجارًا للمادة يتحرك نحو الخارج لملء كون فارغ. ولكن بمرور الوقت يتمدد الكون في كل إتجاه وتتزايد المسافات الفعلية بين الأجرام السماوية، وهذا ما تشير إليه الأرصاد الفلكية الحديثة. ونظرًا لكون إحداثيات روبرتسون-ووكر تفترض توزيعًا منتظمًا للكتلة والطاقة، فإنها تنطبق فقط على القياسات الكبيرة، أما النطاقات المحدودة من المادة مثل مجرتنا المترابطة تجاذبيًا فلا تنطبق عليها نظرية التمدد واسع النطاق كما في الفضاء خارج مجرتنا.

الآفاق

من الخواص الهامة لزمكان الانفجار العظيم هو وجود الآفاق. ونظرًا لحقيقة أن الكون له عمر محدد، وأن الضوء ينتقل بسرعة محددة، فقد تكون هناك أحداث حدثت في الماضي لم يتوفر لها الوقت ليتمكن ضوئها من الوصول إلينا، مما جعل هناك حدًا للمسافة الأفقية التي يمكن رصدها. على العكس، نظرًا لتمدد الفضاء، تبتعد الأجسام البعيدة بسرعة أكبر من أي وقت مضى، وقد لا يُدرك الضوء المنبعث بواسطتنا اليوم أبدًا الأجسام البعيدة للغاية. فبالتالي، يُمكن تعريف الأفق المستقبلي بأنه الأفق الذي يحدد الأحداث المستقبلية التي سنتمكن من التأثير فيها. لذا فإن وجود أي نوع من الآفاق يعتمد على تفاصيل نموذج إحداثيات روبرتسون-ووكر الذي يصف كوننا. كما أن فهمنا للكون يعتمد على افتراضنا وجود أفق قديم في العصور السحيقة، على الرغم من أنه واقعيًا نظرتنا أيضًا محدودة لغموض الكون في لحظاته الأولى، أي أن رؤيتنا لا يمكنها أن تمتد إلى هذا الماضي البعيد، كما أنه إذا استمر الكون في التسارع، سيكون هناك أفق مستقبلي.

التاريخ

قالب:صور متتابعة

طالع أيضاً: خط زمني لعلم الكون

التسمية

كان الفلكي الإنجليزي فريد هويل أول من أطلق مصطلح «الانفجار العظيم» (بالإنجليزية: Big Bang) خلال مقابلة له مع هيئة الإذاعة البريطانية سنة 1949 م. ومن الشائع بين الناس أن هويل الذي كان يفضل نموذج "الحالة الثابتة" الكوني، كان يقصد من تلك التسمية السخرية، إلا أن هويل نفسه نفى ذلك صراحةً، وقال أن التسمية كانت للفت النظر وتسليط الضوء على الفرق بين النموذجين لمستمعي الراديو.

التطور

تطورت نظرية الانفجار العظيم من خلال رصد بنية الكون والأبحاث النظرية. ففي سنة 1912 م، قام فيستو سليفر بأول قياس لتأثير دوبلر للسديم الحلزوني (السديم الحلزوني هو مُسمّى قديم للمجرات الحلزونية)، وسرعان ما اكتشف أن تقريبًا جميع تلك السُدُم كانت منحسرة عن الأرض، في الوقت الذي كان فيه نزاع شابلي-كورتيس المثير للجدل محتدمًا حول ما إذا كانت هذه السدم "أكوان جُزُرية" خارج مجرتنا درب التبانة. وبعد عشر سنوات، استنتج عالم الكون الفيزيائي والرياضياتي الروسي ألكسندر فريدمان معادلات فريدمان من معادلات أينشتاين للمجال، مُبيّنًا أن الكون قد يكون يتمدد مُخالفًا بذلك نموذج الكون الساكن التي كان أينشتاين يؤيدها وقتئذ. وفي سنة 1924 م، أظهر قياس إدوين هابل لمسافة أقرب السدم الحلزونية، أن تلك النظم هي بالتأكيد مجرات أخرى. وبصورة مستقلة، استنتج الكاهن الكاثوليكي والفيزيائي جورج لوميتر عام 1927 معادلات فريدمان، وتوصّل إلى أن انحسار السدم يُستدل منه على تمدد الكون. وفي سنة 1931 م، ذهب لوميتر أبعد من ذلك وافترض أنه نتيجة التمدد الواضح للكون، فلا بد لو عُدنا بالزمن أن نجد في لحظة ما كانت كل مادة الكون مجتمعة في نقطة ما على هيئة "ذرة بدائية" عندها بدأ الزمن والفضاء في النشوء.

بداية من سنة 1924 م، وضع هابل سلسلة من مؤشرات المسافة التي سبقت وضع سلم المسافات الكونية مستخدمًا مقراب هوبر الذي قطره ١٠٠-بوصة (٢٬٥٠٠ مليمتر) في مرصد جبل ويلسون. سمح له ذلك بتقدير المسافات إلى المجرات التي كان انزياحها الأحمر قد قِيس بالفعل، أغلبها بواسطة سيفلر. وفي سنة 1929 م، اكتشف هابل وجود علاقة بين المسافة وسرعة الانحسار (يعرف الآن بقانون هابل)، وهو ما توقعه لوميتر وفقًا للمبدأ الكوني.

في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، كان معظم علماء الكون الفيزيائي البارزين من مؤيدي فرضية الحالة الثابتة السرمدية للكون، وتذمّر العديد منهم من القول بأن نشأة الزمن نتيجة انفجار عظيم مستوحى من مفاهيم دينية، وهو الاعتراض الذي ردده مؤيدو نظرية الحالة الثابتة فيما بعد. عزّز هذا التصور حقيقة أن مُنشأ نظرية الانفجار العظيم هو الكاهن الروماني الكاثوليكي جورج لوميتر. كان آرثر ستانلي إدنغتون من المؤمنين برأي أرسطو أن الكون ليس له بداية زمنية، وأن المادة أصلها سرمدي، مما جعله يبغض فكرة نشأة الزمن. أما لوميتر، فقد اعتقد بأنه: «إذا كان العالم قد بدء بكمّ واحد، فإن مفاهيم المكان والزمان لن يكون لها معنى عند نشأة العالم؛ وستبدأ فقط في أن يكون لها معنى معقول عند انقسام الكمّ الأصلي إلى عدد كاف من الكمّات. وإذا كانت هذه الفرضية صحيحة، فستكون أسطورة الخلق قد حدثت قبل وقت قليل من بداية الزمان والمكان.» وخلال الثلاثينيات، ظهرت أفكار أخرى غير قياسية لتفسير أرصاد هابل، ومنها نموذج ميلن والكون المتذبذب (اقترحه فريدمان في البداية، ثم دافع عنه ألبرت أينشتاين وريتشارد تولمان) وفرضية الضوء المُرهق لفريتز زفيكي.

بعد الحرب العالمية الثانية، ظهرت فرضيتان متميزتان. الأولى نظرية الحالة الثابتة لفريد هويل؛ إذ وفقًا لها فإنه لا بد من تولُّد مادة جديدة في حالة تمدد الكون. يفترض هذا النموذج أن الكون يبقى كما هو في أي وقت من الزمن. والثانية كانت نظرية الانفجار العظيم للوميتر التي دافع عنها وطوّرها جورج جاموف الذي وضع فكرة تخليق الانفجار العظيم النووي (BBN)، والذي شارك رالف ألفر وروبرت هيرمان في التكهن بوجود الخلفية الإشعاعية للكون (CMB). ومن المفارقات، أن هويل هو من صاغ العبارة التي جاء منها اسم نظرية لوميتر، عندما أشار إليها بقوله: «فكرة هذا الانفجار العظيم» خلال مقابلته مع راديو هيئة الإذاعة البريطانية في مارس 1949 م. ولفترة من الوقت، انقسم المؤيدون بين هاتين النظريتين. وفي نهاية المطاف، أعطت الأدلة الرصدية أفضلية للانفجار العظيم في مقابل الحالة الثابتة. كان اكتشاف وتأكيد وجود الخلفية الإشعاعية للكون سنة 1964 م حاسمًا في جعل نظرية الانفجار العظيم أفضل نظرية حول أصل ونشأة الكون. يسعى الكثير من العمل الحالي في علم الكونيات إلى فهم كيفية تكوّن المجرات وفق نظرية الانفجار العظيم، ومحاولة فهم فيزياء الكون في الأزمنة السحيقة، والتوفيق بين الأرصاد والنظرية الأساسية.

في نهاية عقد التسعينيات، تحقق تقدم كبير في تفسير الانفجار العظيم نتيجة تقدم تقنيات المقراب وتحليل البيانات المستخلصة عبر الأقمار الصناعية مثل مستكشف الخلفية الكونية ومرصد هابل الفضائي ومسبار ويلكينسون لقياس اختلاف الموجات الراديوية. ولدى علماء الكون الآن قياسات مُحكمة ودقيقة إلى حد ما لكثير من متغيرات نموذج الانفجار العظيم، مكّنتهم من الاكتشاف غير المتوقع بأن تمدد الكون يبدو كما لو كان يتسارع.

تاريخ نظرية الانفجار العظيم

أدى اكتشاف العالم أدوين هابل (١٩٢٩) فيما يتعلق باتساع الكون وابتعاد النجوم أو المجرات عن بعضها البعض إلى إثارة الكثير من الأسئلة عن ماضي هذا الكون. فإذ كنت تشاهد فيلم فيديو عن قصة نشأة الكون، فإنك ستشاهد الكون ينهار وأن كل كتل المواد والإشعاع تتجمع معا على هيئة كرة نارية كبيرة جد ذات كثافة لانهائية. يعتقد كثي من علماء الفلك الآن أن الكون بدأ بهذه الكيفية، سواء من خلال نقطة ارتفاع الكثافة إلى ما لا نهاية أو من خلال الثقب الأبيض (وهو الثقب الافتراضي الذي يعتقد أنه بداية لنشأة الكون) — (١٩١٦). وفي عام ١٩٥٠، تأمل العالمان الأمريكيان رالف ألفر وجورج جاموف لآثار التي قد خلفها الانفجار الكوني بخلاف المجرات المتباعدة والأجيال القديمة من هذه المجرات.

كما ناقش ألفر وجاموف إمكانية تحول الأشياء الأولية التي انبثقت من هذا الانفجار، بعد تمددها وانخفاض درجة حرارتها، إلى بروتونات ونيوترونات. ويمكن لهذه الأشياء التجمع معا لتكوين نوى الذرات الخفيفة، مثل الهيدروجين والهيدروجين الثقيل (الديوتريوم) والهليوم. كما أظهرت العمليات الحسابية أنه لن يكون هناك وقت كاف لتكوين ذرات أثقل، حيث تكونت كل العناصر الأخرى داخل النجوم (بيث وفون وايسزاشر ١٩٣٨), ويؤدي تحليل الضوء المنبعث من النجوم باستخدام علم الطيف إلى إظهار كمية الديوتريوم، مما يوضح مدى سرعة اتساع الكون في بدايته، بالإضافة إلى توضيح بقدار درجة حرارته.

لكن مع هذا لم يتفق الجميع على هذه النظرية. قع فترة الخمسينيات في القرن العشرين، كان لعالم الفلك الإنجليزي فريد هويل والعالمين الأمريكيين هرمان بوندي وتوماس جولد نظرية مختلفة تماما عن النظرية التي سبق ذكرها. فقد ذكر جميعهم أن الكون لم يكن له بداية مطلق بالحجم الضخم الذي نعرفه عنه حاليا. فبما أن المجرات تتباعد عن بعضها بمقدار ثابت، فإنه يمكن أن تتكون مجرات جديدة في الفضاء الذي يتخلل المجرات المتباعدة. ونظراً لحماسته الشديدة، أطلق العالم هويل اسم الانفجار الكوني على الرؤية السابقة لنظريته.

لكن سرعان ما ظهرت أدلة مهمة بخصوص ذلك الموضوع بعد ذلك. فقد قضى الإنجليزي مارتين رايل الحرب في تطوير أجهزة رادار لتعقب حركة الطائرات. ثم عاد بعد ذلك إلى جامعة كامبريدج لكي يؤسس علم الفلك الإشعاعي، في أعقاب اكتشاف العالمين الأمريكيين كارل جانسكاي وجروت ريبر (جانسكاي ١٩٣٢) أن الإشارات اللاسلكية كانت تصل إلى الأرض من الفضاء. وقد عثرت التليسكوبات الإشعاعية الخاصة بهذا العالم في الحال على مئات بل وآلاف من المصادر الإشعاعية في الفضاء، متمثلة في الأجسام دقيقة الحجم في الفضاء السحيق، حيث لا يمكن رؤية معظمها من خلال التليسكوبات العادية، ولكنها تبعث ضوضاء إشعاعية. وقد بدا أن هذه المصادر منتشرة عبر الفضاء، تماما مثل المجرات، وقد يكون بعضها مجرات بالفعل. وبحلول عام ١٩٥٨، توصل العالم رايل وفريق العمل التابع له إلى بعض الإحصائيات عن هذه المصادر، مما أدى إلى إزعاج الناس والعلماء الذين يعتقدون في سير الكون على نسق هادئ وثابت.

بافتراض أن المصادر الأقوى كانت قريبة وأن المصادر الأضعف كانت بعيدة، وجد العالم رايل ضعف المصادر الأضعف كما توقع مرتبطة بعلاقة نسبية مع عدد المصادر الأكثر قوة. وبدا أن المصادر الأضعف (البعيدة) كات تقترب إلى حد ما من بعضها البعض (في ظل مساحة معينة من الفضاء) أكثر من درجة اقتراب المصادر الأقوى. كما أن المصادر البعيدة كانت أيضا تتسم بتأخر زمنها (حيث يستغرق الضوء فترات زمنية طويلة في أثناء انتقاله)؛ وبالتالي، مثلت هذه المصادر الكون كله عندما كان لا يزال في بداية تكوينه. يتناسب ذلك الاقتراح مع نظرية الانفجار الكوني، التي تنص على قيام المجرات بالتباعد فيما بينها بمرور السنوات على هذا الكون، ولكنه لم يتناسب مع النظرية التي تنص على الحالة الثابتة والمنتظمة التي يتسم بها الكون. بحلول عام ١٩٦٠، كانت نظرية الانفجار الكوني تلقى درجة كبيرة من القبول في مختلف الأوساط العلمية والثقافية بما يفوق نظرية استقرار الكون. ومنذ ذلك الوقت، كان هذا الموضوع مطروحا للمناقشة، حيث كان هناك المزيد من النظريات والآراء في هذا الصدد (١٩٦٥).

أدلة رصدية

إن صورة الانفجار العظيم ترسّخت بقوة بالبيانات التي جُمعت من كل منطقة بهدف إثبات فساد خصائصه العامة.
لورنس كراوس

إن أقدم الأدلة الرصدية وأكثرها صراحةً في إثبات فعالية نظرية الانفجار العظيم هو تمدد الكون وفق قانون هابل (مُمثّلاً في الانزياح الأحمر للمجرات)، واكتشاف وقياس الخلفية الإشعاعية للكون والوفرة النسبية للعناصر الخفيفة الناتجة عن تخليق الانفجار العظيم النووي. أما الأدلة الأحدث، فقد شملت رصد تشكل وتطور المجرات، وتوزيع الكون المرصود، وأحيانًا يُطلق على تلك الأدلة "الأعمدة الأربعة" لنظرية الانفجار العظيم.

تناولت النماذج الدقيقة الحديثة للانفجار العظيم العديد من الظواهر الفيزيائية الغريبة التي لم يتم ملاحظتها في التجارب المعملية الأرضية أو دمجها في النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات. من بين تلك الظواهر، تخضع المادة المظلمة حاليًا لأكثر الأبحاث المعملية نشاطًا. ومن بين القضايا الأخرى قيد البحث مشكلة وجود المجرات القزمة في المادة المظلمة الباردة. وتُعد الطاقة المظلمة أيضًا محورًا لاهتمام كبير من العلماء، ولكن ليس من الواضح ما إذا كان الاستكشاف المباشر للطاقة المظلمة سوف يكون ممكنًا. ويبقى التضخم الكوني ونشأة الباريونات من أكثر نماذج الانفجار العظيم التي تدعو للتفكير.

قانون هابل وتمدد الفضاء

طالع أيضاً: قانون هابل وتمدد الكون
طالع أيضاً: مقياس المسافة في الفلك وعامل التحجيم

أظهرت عمليات رصد أبعاد المجرات والنجوم الزائفة أن الانزياح الأحمر للضوء المنبعث من تلك الأجسام له أطوال موجية أكبر. ويمكن ملاحظة ذلك بدراسة طيف تردد هذا الجسم ومطابقته بنموذج مطيافية خطوط الانبعاث أو خطوط الامتصاص المصاحبة لذرات العناصر الكيميائية التي تتفاعل مع هذا الضوء. هذه الانزياحات الحمراء متجانسة الخواص، وموزعة بالتساوي بين الأجسام المرصودة في كل الاتجاهات. وإذا تم تصنيف الانزياح الأحمر على أنه انزياح دوبلر، فبالإمكان حساب سرعة ابتعاد هذا الجسم. بعض المجرات يمكن تقدير بعدها من خلال سلم المسافات الكونية. وعند رسم سرعات ابتعادها إلى مسافاتها، ستنتج علاقة خطية تُعرف باسم قانون هابل:

وفي سنة 2000 م، أثبتت قياسات تأثيرات الخلفية الإشعاعية للكون على حركة النظم الفيزيائية الفلكية البعيدة مبدأ كوبرنيكونس بأنه بالمقاييس الفلكية، فإن الأرض ليست في وضع مركزي. وقد كانت إشعاعات الانفجار العظيم أكثر دفئًا في الماضي في جميع أنحاء الكون. ولا يمكن تفسير التبريد المنتظم للخلفية الموجية للكون عبر مليارات السنين إلا في حالة أن يكون الكون يتمدد، واستبعاد احتمالية أننا بالقرب من المركز الأصلي للانفجار.

الخلفية الإشعاعية للكون

طالع أيضاً: الخلفية الإشعاعية للكون
ملف:Ilc 9yr moll4096.png
صورة قياسات مسبار ويلكنسون عام 2012 على مدار 9 سنوات لإشعاع الخلفية الكونية الميكروويفية. تُظهر تجانس الخواص الإشعاعية بدقة تصل إلى جزء من 100,000 جزء.

في سنة 1964 م، اكتشف آرنو بينزياس وروبرت ويلسون مصادفة الخلفية الإشعاعية للكون، التي هي إشارة أحادية في حزمة الموجات الصغرية.]]

تكوّن السطح المبعثر الأخير المصاحب للخلفية الإشعاعية للكون بعد فترة وجيزة من حقبة إعادة الاندماج، التي أصبح فيها الهيدروجين مستقرًا. قبل ذلك، كان الكون يتألف من بحر من بلازما فوتونية-باريونية كثيفة وساخنة حيث كانت الفوتونات تتشتت بسرعة عن الجسيمات المشحونة الحرة. وتبلغ ذروتها عند حوالي ٣٧٢±١٤ ألف سنة،

تتفق قيم وفرة تلك العناصر كلها تقريبًا مع النسب المتنبأة من قيمة وحيدة لنسبة باريون/فوتون. تتفق النسبة المُتنبّأة للديوتيريوم بامتياز مع النسبة الحسابية، وتقترب نسبة 4He مع بعض التجاوز، وتقترب من النصف في حالة 7Li. وفي الحالتين الأخيرتين ينقصهما بعض الدقة، ومع ذلك، فإن التوافق العام مع نسب وفرة العناصر الأولية التي تنبأ بها تخليق الانفجار العظيم النووي هو دليل قوي على الانفجار العظيم، حيث أن النظرية هي التفسير الوحيد المعروف عن الوفرة النسبية لتلك العناصر الخفيفة، وأنه يكاد يكون من المستحيل "ضبط" الانفجار العظيم لإنتاج أكثر أو أقل من 20-30٪ هيليوم. وفي الواقع لا يوجد سبب واضح يُلزم الكون بأن يكون فيه هيليوم أكثر من الديوتريوم أو ديوتريوم أكثر من 3He/H وبنسب ثابتة أيضًا.

تطور المجرات وتوزيعها

طالع أيضاً: تشكل وتطور المجرات وتشكل البنية

إن الأرصاد التفصيلية لتشكل وتوزيع المجرات والنجوم الزائفة، يُظهر توافقها مع نظرية الانفجار العظيم. فكل من النظرية والأرصاد افترضتا أن النجوم الزائفة والمجرات الأولى تشكلت بعد مليار سنة من الانفجار العظيم، ومنذ ذلك الحين تكونت تجمعات أكبر مثل عناقيد المجرات والعناقيد المجرية الضخمة. ثم نمت وتطورت عدد من النجوم، بحيث بدت المجرات البعيدة مختلفة جدًا عن المجرات القريبة. وعلاوة على ذلك، بدا أن المجرات التي تشكلت مؤخرًا نسبيًا تختلف بشكل ملحوظ عن المجرات التي تشكلت على مسافات مماثلة، ولكن بعد وقت قصير من الانفجار العظيم. تعد تلك الأرصاد حججًا قوية ضد نموذج الحالة الثابتة. كما تتفق أرصاد ولادة النجوم وتوزيع المجرات والنجوم الزائفة بشكل جيد مع سيناريو الانفجار العظيم عن تشكل بنية الكون، وتساعد على إكمال تفاصيل النظرية.

السحب الغازية الأولى

في سنة 2011 م، وجد الفلكيون ما يعتقدون أنهما سحابتين بدائيتين من الغاز الأوليّ من خلال تحليل خطوط الامتصاص في أطياف النجوم الزائفة البعيدة. قبل هذا الاكتشاف، لوحظ أن جميع الأجسام الفلكية الأخرى تحتوي على عناصر ثقيلة التي تتكون في النجوم، بينما هاتين السحابتين من الغاز لا تحتويان على عناصر أثقل من الهيدروجين والديوتريوم. ونظرًا لأنها لا تحتوي على عناصر ثقيلة، يُعتقد أنهما تكونتا في الدقائق الأولى للانفجار العظيم خلال تخليق الانفجار العظيم النووي، حيث تتوافق مكوناتهما مع المكونات المتوقع أن ينتجها تخليق الانفجار العظيم النووي. كان ذلك دليلاً مباشرًا على أنه كانت هناك حقبة في تاريخ الكون قبل تكوّن النجوم الأولى، حينها كانت معظم المواد الأولية موجودة في صورة سحب من الهيدروجين المستقر.

أدلة أخرى

إن عمر الكون وفق تقديرات تمدد هابل والخلفية الإشعاعية للكون يتوافق إلى حد كبير مع التقديرات الأخرى التي تستخدم أعمار أقدم النجوم، فكلاهما قيس من خلال تطبيق نظرية التطور النجمي على التجمعات الكروية والتأريخ الإشعاعي للنجوم المعدنية. كما أن التكهن بأن درجة حرارة الخلفية الإشعاعية للكون كانت أعلى في الماضي، تم تدعيمه تجاربيًا من خلال رصد خطوط الامتصاص المنخفضة الحرارة للغاية في سحب الغاز ذات الانزياح الأحمر الكبير. ومن المفترض ضمنيًا من هذا التكهن أن مدى تأثير سونيايف-زيلدوفيتش في الكون المرصود لا يعتمد مباشرة على الانزياح الأحمر، وهو ما أثبتت الأرصاد صحته إلى حد كبير، ولكن هذا التأثير يعتمد على خصائص التجمعات المجرية التي تتغير مع الزمن الكوني، مما يجعل من الصعب قياسه بدقة.

وفي 17 مارس 2014 م، أعلن فلكيو مركز هارفارد-سميثونيان للفيزياء الفلكية اكتشاف موجات ثقالية أولية، التي إن تم تأكيدها قد تعطي دليلاً قويًا على التضخم الكوني والانفجار العظيم. ومع ذلك، في 19 يونيو 2014، انخفضت الثقة في تأكيد تلك النتائج، وفي 19 سبتمبر 2014، انخفض تأكيد النتائج أكثر.

قضايا متعلقة في الفيزياء

تباين الباريونات

طالع أيضاً: تباين الباريون

إلى الآن، من غير المعلوم لماذا يحتوي الكون على مواد أكثر من مضادات تلك المواد. ومن المفترض عامة أنه عندما كان الكون ناشئًا وشديد الحرارة، كان في حالة توازن استاتيكي وكان يحتوي على عدد متكافيء من الباريونات ومضادات الباريونات. ورغم ذلك، فإن نتائج الأرصاد تقول بأن الكون بما فيه أبعد أجزائه يتكون بأكمله تقريبًا من المادة (بمعنى لا وجود لمضاداتها). ويفترض أن التباين نشأ في عملية نشأة الباريونات. فلكي تحدث عملية نشأة الباريونات، يجب أن تتحقق الشروط التي وضعها ساخاروف لنشأة الباريونات. وهو ما يتطلب أن يبقى عدد الباريونات غير ثابت، حيث حدث انتهاك لتناظر الشحنة السوية، وابتعد الكون عن التوازن الترموديناميكي. كل تلك الظروف حدثت في نظرية النموذج العياري، لكن تأثيرها لم يكن كافيًا لتفسير تباين الباريونات الحالي.

الطاقة المظلمة

طالع أيضاً: طاقة مظلمة

أوضحت قياسات العلاقة بين الانزياح الأحمرالقدر الظاهري لمستعر أعظم من النوع 1أ أن تمدد الكون بدأ في التسارع منذ كان الكون في نصف عمره الحالي. ولتفسير هذا التسارع، تقول نظرية النسبية العامة بأنه يتطلب أن تكون معظم طاقة الكون سلبية التي تُعرف باسم "الطاقة المظلمة". تحل الطاقة المظلمة العديد من المشاكل. فقياسات الخلفية الإشعاعية للكون توضح أن الكون تقريبًا مُسطّح، وبالتالي ووفقًا للنسبية العامة، لابد وأن يكون للكون قيمة كتلة/طاقة تمامًا وفق حسابات معادلات فريدمان. ولكن بحساب كثافة الكتلة من خلال جاذبيتها، ووجد أنها تعادل فقط حوالي 30% من كثافتها الحرجة. كما أن هناك دلائل أخرى غير مباشرة على وجود المادة المظلمة مثل تأثيرها الجذبوي على المواد الأخرى، ومازال العديد من المشاريع البحثية الجارية في فيزياء الجسيمات للتعرف على طبيعة المادة المظلمة.

عمر التجمعات الكروية

في منتصف التسعينيات، أظهرت أرصاد التجمعات الكروية عدم توافقها مع نظرية الانفجار العظيم. وتشير المحاكاة الحاسوبية لعمليات رصد نجوم التجمعات الكروية أن عمرها حوالي 15 مليار سنة، وهو ما يتعارض مع تقدير عمر الكون الذي هو حوالي 13.8 مليار سنة. تم حل هذه المشكلة جزئيًا في أواخر التسعينيات، عندما أجريت محاكاة حاسوبية جديدة شملت تأثيرات فقد الكتلة نتيجة الرياح النجمية، مما جعل عمر تلك التجمعات الكروية أصغر من التقدير الأول. وبقيت هناك عدة أسئلة حول دقة تقدير أعمار تلك التجمعات الكروية.

سبب الحدوث

طالع أيضاً: مسألة لماذا هناك أي شيء على الإطلاق

كتب غوتفريد فيلهيلم لايبنتز: «"لماذا هناك شيء بدلاً من لا شيء؟ السبب الكافي [...] يعثر عليه في مادة [...] هي ذاتها كائن ضروري يحمل سبباً لوجوده ضمن نفسه".» لقد جادل فيلسوف الفيزياء دين ريكلز   أن الأرقام والرياضيات (أو القوانين المبطنة لهم) قد تكون ضرورياً موجودة. يمكن للفيزياء أن تستنتج أن الزمن لم يكن موجوداً قبل "انفجار عظيم"، ولكن "بدأ" مع الانفجار العظيم وبالتالي يمكن أن لا يكون هناك "بداية"، "قبل" أو تبعياً "سبب" وبدلاً عن ذلك كان الزمن موجوداً دائماً. البعض يجادل أن اللاشيء لا يمكن أن يوجد أو أن عدم الوجود ربما لم يكن خياراً أبداً. الاهتزازات الكمية، أو قوانين فيزيائية أخرى التي من الممكن أن تكون قد تواجدت في بداية الانفجار العظيم كان بإمكانها بعد ذلك أن تنشئ الشروط اللازمة من أجل أن تتكون المادة.

مشاكل

لازالت هناك ثلاث مشاكل رئيسية قائمة في مواجهة نظرية الانفجار العظيم: مشكلة الأفق ومشكلة التسطح ومشكلة أحادية القطب المغناطيسي. لعل التفسير الأمثل لسبب حدوث تلك المشاكل هو التضخم الكوني.

مشكلة الأفق

ملف:End of universe.jpg
تتحدد هندسية شكل الكون من خلال قيمة ناتج معامل أوميجا الكوني، وما إذا كانت قيمته أقل أو يساوي أو أكبر من 1. والرسم يظهر من أعلى إلى أسفل شكل الكون في حالات قيمة المعامل الإيجابية والسلبية وعندما قيمته تساوي 1 على الترتيب.

تكمُن مشكلة الأفق الكوني في حقيقة أن المعلومات أو الخواص لا يمكنها أن تنتقل أسرع من الضوء، وبالتالي فإنه في كوننا محدود العمر، لابد من وجود حد للمسافة بين أي منطقتين في الفضاء متحدتين في الخصائص. أي أن هناك مناطق مختلفة في الكون لن يكون لها نفس الخواص نظرًا للمسافات الكبيرة بينها وعدم توافر الوقت الكاف لها لكي تتوحد في الخواص، إلا أن هذا يتناقض مع حقيقة توحد مناطق الكون في نفس درجة الحرارة والخصائص الفيزيائية الأخرى. وقد قدّمت فرضية التضخم الكوني حلاً لهذا التناقض الواضح، فقبل حدوث التضخم الكوني كان الكون وحدة أصغر في الحجم متجانسة الخواص، إلا أنه بحدوث هذا التضخم تمدد الكون بصورة هائلة في فترة قصيرة جدًا من الزمن، مما جعل هناك مناطق متباعدة متوحدة الخواص.

مشكلة التسطُّح

طالع أيضاً: مسألة التسطح

ومن المشاكل الأخرى التي واجهت نظرية الانفجار العظيم مشكلة التسطح. فشكل الكون قد يكون ذو انحناء موجب أو سالب أو بلا انحناء وفقًا لقيمة كثافة طاقته الكلية. يكون الانحناء سلبيًا إذا كانت كثافة الطاقة أقل من الكثافة الحرجة وفقًا لمعادلات فريدمان، وإيجابيًا إذا كانت القيمة أكثر من الكثافة الحرجة، ويكون مُسطّحًا إذا كانت الكثافة تساوي قيمة الكثافة الحرجة. وتكمُن المشكلة في أن أي حيود مع مرور الوقت عن قيمة كثافة الطاقة الحرجة سيغير من حالة التسطح التي عليها الكون اليوم. كما أنه لا شك بأن كثافة طاقة الكون بعد دقائق من الانفجار العظيم لم يكن حيودها عن القيمة الحرجة لكثافة الطاقة بأكثر من جزء من 1014 من القيمة الحرجة، وإلا لما كان الكون سيكون على حالة تسطّحه التي هو عليها اليوم. وقد قدمت فرضية التضخم الكوني أيضًا حلاً لتلك الإشكالية، حيث كان للتضخم الهائل في زمن قياسي دوره في الحفاظ على تجانس كثافة الطاقة في الكون رغم تمدده المتسارع، مما حافظ على تجانس حالة تسطحه وعدم اضطرابها من منطقة لأخرى في الكون.

مشكلة أحادية القطبية

أثيرت مشكلة أحادية القطبية الكهرومغناطيسية في أواخر سبعينيات القرن العشرين، حيث تنبأت نظريات التوحيد الكبرى بوجود عيوب طوبولوجية في الفضاء، قد ينتج عنها تواجد مناطق أحادية القطبية، وأن تلك المناطق المعيبة نشأت قديمًا في الكون عندما كان الكون ساخنًا، مما أدى إلى زيادة في كثافة تلك المناطق. إلا أن عمليات الرصد لم ترصد مناطق أحادية القطبية في الكون المرصود. هذه المشكلة أيضًا وُجد لها حلاً افتراضيًا من خلال فرضية التضخم الكوني، حيث افتُرض أن التضخم الكوني فائق السرعة أزاح كل تلك المناطق المعيبة خارج نطاق الكون المرصود.

اعتقادات خاطئة

ما يلي لائحة جزئية لاعتقادات خاطئة شائعة عن نظرية الانفجار العظيم.

الانفجار العظيم هو أصل الكون: أحد الاعتقادات الخاطئة الشائعة عن نموذج الانفجار العظيم هو اعتقاد أنه كان أصل الكون. لكن نموذج الانفجار العظيم لا يعلق على كيفية مجيء الكون للحدوث. النسخة الحالية لنموذج الانفجار العظيم تفترض وجود الطاقة، الزمن، والمكان، ولا تعلق على أصل أو مسبب الحالة الأولية العالية الحرارة والكثيفة للكون.

الانفجار العظيم كان "صغيراً": إنه من المخادع أن تتصور الانفجار العظيم عن طريق مقارنة حجمه بالأشياء اليومية. عندما يتم وصف حجم الكون عند الانفجار العظيم، إنه يتم الإشارة إلى حجم الكون المرصود لا الكون بأكمله.

قانون هابل يناقض نظرية النسبية الخاصة: يتوقع قانون هابل أن المجرات الخارجة عن مسافة هابل تنكفئ بسرعة أعلى من سرعة الضوء. ولكن النسبية الخاصة لا تطبق خارج نطاق الحركة في المكان. قانون هابل يصف السرعة الناتجة عن تمدد المكان لا التمدد في المكان.

ليس معلومًا ما الذي قد يكون السبب وراء وجود حالة التفرد، أو كيف ولماذا نشأت، إلا إنه كانت هناك عدد من التكهنات حول تلك المسألة. فهناك بعض المقترحات، كل منها ينطوي على فرضيات غير مجربة، هي:

  • نماذج مثل حالة هارتل-هوكينغ التي فيها الزمكان محدود، وأن الانفجار العظيم يمثل حدّ الزمن، ودون الحاجة إلى التفرد.
  • نموذج شبكة الانفجار العظيم الذي يفترض أن الكون في لحظة الانفجار العظيم كان يتكون من شبكة لا نهائية من الفرميونات، وكان في أعلى درجات التماثل، وبالتالي له أقل قيمة للعشوائية.
  • نماذج الكون الغشائي التي تفترض أن التضخم نتج عن حركة الأغشية في نظرية الأوتار مثل نموذج التحول الناري «ekpyrotic model» الذي يفترض أن الانفجار العظيم نتج عن التصادم بين الأغشية، والنموذج الدوري وهو بديل لنموذج التحول الناري الذي يفترض حدوث اصطدامات بصفة دورية بعد مرحلة انسحاق عظيم وتنقُّل الكون من عملية إلى أخرى.
  • التضخم الأبدي الذي يفترض أن التضخم الكوني ينتهي في مواضع ما، وتتكون عند تلك المواضع كون وهمي يبدأ من عنده انفجاره العظيم الخاص به.

التفسيرات الدينية والفلسفية

طالع أيضاً: التأويلات الدينية لنظرية الانفجار العظيم

نظرًا لوصف نظرية الانفجار العظيم لأصل الكون، فإنها لاقت اهتماما كبيرا من الأوساط الدينية والفلسفية، وخصوصا فيما يتعلق بمفهوم «الخلق من العدم». وبالنتيجة، أصبحت أحد أكثر المواضيع التي تثار عند مناقشة العلاقة بين الدين والعلم. فالبعض يرى في الانفجار العظيم دلالة على وجود الخالق، وحُجّة فلسفية على وجود الله. فيما يرى آخرون بأن الانفجار العظيم لم يكن يستلزم وجود خالق ورائه حتى يحدث.

وقد اختلفت الآراء الدينية في الديانات المختلفة حول النظرية.

  • ففي الهندوسية، تقر عدد من كتبهم المقدسة فكرة أن الزمن مُطلق بلا بداية ولا نهاية، وهو ما يُخالف نظرية الانفجار العظيم. ومع ذلك، فهناك بعض النصوص الدينية، استدل منها أن الانفجار العظيم يُذكّر البشرية بأن كل شيء جاء من البراهمان، بل وأيدّت تلك النصوص فكرة الكون المتذبذب الذي نشأ عن عدة انفجارات عظمى وانسحاقات عظمى تلت بعضها البعض بصفة دورية.
  • أمّا في المسيحية، فقد رحبت أغلب الطوائف المسيحية الكبرى بنظرية الانفجار العظيم وأعتبرتها لا تتعارض مع قصة الخلق المذكورة في الكتاب المقدس أو العقيدة المسيحية. وقد أعلن البابا بيوس الثاني عشر في سنة 1951، أن نظرية الانفجار العظيم لا تتعارض مع مفهوم الكاثوليكية عن بداية الخلق، وهو ما صرّح به البابا فرنسيس مجددًا في أكتوبر 2014. كذلك رحبت طوائف كالإنجيلية والأرثوذكسية بالنظرية كتفسير تاريخي لقصة الخليقة، بالرغم من أن بعض الطوائف الأخرى المسيحية الأقلويّة مثل الأدفنتست والكنيسة اللوثرية في ميزوري والكنيسة الإنجيلية المشيخية الكالفينية (وهي طوائف مسيحية تعتقد ب خلقية الأرض الفتية) رفضت النظرية واعتبرتها متناقضة مع قصة الخلق المذكورة في الكتاب المقدس (تحديداً في سفر التكوين). يُذكر أنّ أول من أقترح فرضية الانفجار العظيم كان رجل دين كاثوليكي وهو جورج لومتر.
  • وفي الإسلام، المسلمين انقسموا قسمين قسم منهم يرى بأن الانفجار العظيم ورد ذكره في الآية رقم 30 من سورة الأنبياء في القرآن في قوله تعالى: قالب:قرآن مصوراستنادا لتفسير ابن كثير ويروا ان تمدد الكون ذُكر في الآية 47 من سورة الذاريات ولكن استنبط البعض من بعض النصوص في لوح الحكمة وجود إشارات إلى نظرية الانفجار العظيم.

هوامش

  • 1 لا يوجد إجماع حول كم من الوقت استمرت مرحلة الانفجار العظيم. فالبعض يرى أن الانفجار العظيم يشير إلى حالة التفرد الأولي فقط، والبعض الآخر يراه يشمل كل تاريخ الكون. ويعتقد أن الدقائق القليلة الأولى للانفجار العظيم شهدت تخلُّق الهليوم. (طالع تخليق الانفجار العظيم النووي)

انظر أيضاً