نيلز بور
نيلز هنريك دافيد بور (بالدانماركية: Niels Henrik David Bohr) (ويُكتَب أحيانا ≪بوهر≫ ونُطقَها بالدانماركيّة ≪بوا≫) (7 أكتوبر 1885 - 18 نوفمبر 1962) فيزيائي دانماركي كان مسيحيًا ثم أصبح ملحدًا، ولد في كوبنهاغن أسهم بشكل بارز في صياغة نماذج لفهم البنية الذرية إضافة إلى ميكانيكا الكم وخصوصا تفسيره الذي ينادي بقبول الطبيعة الاحتمالية التي يطرحها ميكانيكا الكم، يعرف هذا التفسير بتفسير كوبنهاغن. سُمِّيَ على اسمه معهد نيلس بور بكوبنهاغن.
كان رئيس لجنة الطاقة الذرية الدنماركية ورئيس معهد كوبنهاغن للعلوم الطبيعية النظرية، حصل على الدكتوراة في الفيزياء عام 1911، ثم سافر إلى كمبريدج حيث أكمل دراسته تحت إشراف العالم طومسون الذي اكتشف الإلكترون، وبعدها انتقل إلى مانشستر ليدرس على يد العالم إرنست رذرفورد مكتشف نواة الذرة، وسرعان ما اهتدى بور إلى نظريته عن بناء الذرة. ففي 1913 نشر بور بحثًا تحت عنوان: عن تكوين الذرة والجسيمات في المجلة الفلسفية، ويعتبر هذا البحث من العلامات في علم الفيزياء. تزوج بور عام 1912 وكان له خمسة أولاد.
تطبيقات النظرية
أدت هذه النظرية إلى إلغاء جميع النظريات التي سبقتها، مما جعل ألبرت أينشتين يبدي إعجابه بها واصفًا إياها بالتحفة الرياضية، ومن خلال هذه النظرية استطاع بور أن يصور ذرة الهيدروجين، فمن المعروف وقتها أن غاز الهيدروجين إذا ارتفعت درجة حرارته فإنه يضيء وهذا الضوء لا يشمل كل الألوان بل يتكون من لون له ذبذبات خاصة ومحددة. وبمنتهى الدقة استطاع بور ان يحدد طول الموجات لكل الألوان التي يطلقها غاز الهيدروجين، كما استطاع أن يفسر حجم الذرات لأول مرة. واكتشف أن في أثقل الذرات المعروفة يوجد سبع مستويات.
صعوبات
واجه نموذج بور عدد من الصعوبات وهي:
- اقتصاره على تفسير طيف خطى لذرة الهيدروجين أبسط نظام ذري ولم يستطع تفسير طيف الهيليوم.
- افترض بمعادلاته أن الإلكترون جسيم مادي سالب الشحنة، ولكن تم الاكتشاف فيما بعد أن له خواص موجية.
- افترض أنه يمكن تحديد موضع وسرعة الإلكترون في آن واحد وهو ما أثبت فيرنر هايزنبرج فيما بعد استحالته علمياً.
هذه المشاكل واجهت النظرية لكونها اقتصرت على تفسير ذرة الهيدروجين ولم تساعد العلماء على تفسير حركة الإلكترون في ذرات أثقل وزنا، ولم يستطع بور أن يجد حلاً، في عام 1925 اكتشف العالم الألماني فيرنر هايزنبرج وآخرون (لويس دي بروي وشرودنجر)الحل في النظرية الذرية الحديثة، مع العلم أن هؤلاء العلماء درسوا في كوبنهاغن وتناقشوا كثيرًا مع بور الذي شجعهم على المُضّي أكثر في أبحاثهم. وله محاورات في فلسفة الفيزياء مع آينشتاين وشرودنجر وهايزنبيرج.
إسهامات نيلز بور في شرحه للطيف
لمدة قرن من الزمان، عكف علماء الفيزياء على شرح الأجزاء الظاهرة بوضوح من الضوء الناتج عن تسخين الغاز وشرح انقسام هذا الضوء إلى ألوان متعددة بواسطة المنشور أو شبكة الحيود (فرانهوفر ١٨١٤). إلا أن الطيف الناتج لم يكن محتويا على كل الألوان التي قام باستخلاصها العالم إسحاق نيوتن (١٦٧٢) لأول مرة من ضوء الشمس، حيث ظهرت فقط بعض الخطوط القليلة من أحد الألوان شديدة النقاء على خلفية سوداء.
بمثل هذه الطريقة، عندما ينكسر الضوء أو يحيد من نجم مثل الشمس وينقسم إلى العديد من الألوان، فإنه يمكن رؤية الطيف بجميع ألوانه ولكن يتخلل هذا الطيف العديد من الخطوط السوداء، كما لو كانت هناك ألوان معينة مفقودة في هذا الطيف. ويتمثل السؤال هنا في معرفة سبب حدوث ذلك. قام العلماء بقياس تلك الخطوط سواء كانت اللامعة أم المعتمة بحرص شديد ثم قاموا بترتيبها. فلكل عنصر مجموعته الخاصة من الخطوط، بحيث تم الربط بينها بواسطة صيغ رياضية معينة. ولكن هذا لا يعتبر تفسيراً حتى هذه اللحظة.
عندما يتعلق الأمر بالذرات، فإنه من الممكن أن يتم استخدام اللغة كما يحدث في الشعر. فالشاعر في أغلب الأحوال لا يكون مهتما بشكل كبير بوصف الحقائق مثلما يهتم برسم الصور الجمالية. نيلز بور
يظهر هذا الشكل كيف شرح العالم نيلز بور الخطوط الخاصة بطيف الذرات الساخنة. فهذا المخطط يظهر مستويات الطاقة الستة الأولى (مدارات) في ذرة الهيدروجين. فعندما يسقط الإليكترون من مستوى طاقة عال إلى مستوى طاقة أقل، فإن هذا الإليكترون يطلق قدرا معينا من الطاقة. وكلما زاد مقدار الطاقة المنطلقة، زاد معدل تردد الإشعاع الذي يتولد نتيجة لهذه الطاقة.
تؤدي الإليكترونات التي تتساقط إلى المدار الأول (حالة الخمود) إلى ظهور بعض الخطوط الطيفية في الجزء المتعلق بالأشعة فوق البنفسجية. وعندما تهبط الإليكترونات إلى المستوى الثاني (امدار الثاني)، فإنها تؤدي إلى ظهور خطوط في الجزء المرئي من الأشعة. ينتج عن الانتقال إلى المستوى الثالث (المدار الثالث) خطوط طيفية في الجزء المتعلق بالأشعة تحت الحمراء. بالطريقة نفسها، تمتص الإليكترونات التي تقفز من مستويات أدنى إلى مستويات أعلى كميات متساوية من الطاقة.
لقد استطاع العالم الدانمركي العظيم نيلز بور الإجابة عن كل هذه النقاط الغامضة. لقد تمثلت إجاباته في فكرة نموذج الذرة التي شبه تكوينها بالكواكب؛ حيث كانت تلك الفكرة تسيطر عليه بالاشتراك مع العالم رذرفورد (١٩١١). وفي هذا النموذج، تتحرك الإليكترونات حول نواة الذرة في مدارات معينة مسموح لها بالدوران فيها. وقد حدد العلماء طاقة الإليكترون في أي مدار بدقة، عن طريق قياس المسافة التي تبعدها هذه الإليكترونات عن النواة. فالإليكترونات لا تفقد طاقة إلا عن طريق الهبوط من مدار ذي طاقة عالية إلى مدار ذي طاقة أقل، حيث يكون لكل مدار عدد كمي معين. ولذلك، فكميات معينة من الطاقة ارتبطت بمسار هذه الانتقالات، مما أدى إلى ظهور تلك الخطوط الرفيعة للون الخالص الذي تتم رؤيته في لطيف.
لقد كان الأمر كله واضحا في البداية على الأقل، ولكن سرعان ما ظهرت الصعوبات لتجعل ذلك الأمر غامضا فقد اكتشف العلماء وجود المزيد من الخطوط الطيفية، حتى بالنسبة لأبسط العناصر من ناحية التركيب ألا وهو عنصر الهيدروجين، وذلك بما يفوق ما قد يقدمه نموذج العالم بور من تفسيرات. ولهذا السبب، يحتاج هذ النموذج الموضح سلفا إلى إجراء بعض التعديلات عليه. يتمثل التعديل الأول في السماح للمدارات أن تكون بيضاوية الشكل بدلاً من كونها دائرية الشكل (كما فعل العالم كبلر مع مدارات الكواكب في عام ١٦٠٩). بينما يتمثل التعديل الثاني في السماح للمدارات البيضاوية بالتحرك في اتجاهات مختلفة في الفضاء. وبالطبع كان لا يتم السماح بكل الأشكال أو الاتجاهات، ولكن ببعضها فقط وقد أطلق على هذا الأمر اسم عملية تحديد الكم. وتمثل التعديل الثالث في التفكير في دوران الإليكترونات السريعة سواء في اتجاه حركة الساعة أو في عكس اتجاه حركة الساعة.
انتهى العالم بور إلى التوصل إلى مجموعة مكونة من أربعة أعداد كمية لكل مستوى من مستويات الطاقة بدلاً من المجموعة التي بدأ بها وبالفعل نجح مخططه في الوصول إلى ما كان يطمح للوصول إليه. فقد استطاع أن يشرح الخطوط اللامعة في الطيف من خلال العناصر الأقل وزنا على الأقل، وهو ما لم يستطع أي شخص آخر فعله. وبالرغم من ذلك، كان هناك من بداية قضية مثيرة للقلق. علم بور أنه كان يخلط بين الأفكار القديمة والأفكار الجديدة فهل كانت الإليكترونات تتسابق بالفعل حول النواة مثلما تفعل الكواكب حول الشمس أو أن ذلك كان طريقة مفيدة لتصوير هذه الإليكترونات؟ ولم يكد ينتهي القرن التاسع عشر إلا وقد استطاع علم الفيزياء على يد بور الإجابة عن هذا السؤال (١٩٢٧).
إسهامات نيلز بور في شرح الجدول الدوري للعناصر
كان تصنيف العالم دمتري مندلييف للعناصر المعروفة إلى صفوف (فترات) وأعمدة (مجموعات) من خلال جدوله الدوري للعناصر (١٨٦٩)، واحداً من أهم منجزات علم الكيمياء في القرن التاسع عشر. فلكل عنصر معروف مكان معين في ذلك الجدول، كما أن الفجوات الأولية تم ملؤها فيما بعد بالعناصر المكتشفة حديثا وفي سياق ذلك الجدول الدوري، قدمت جميع النماذج والاتجاهات التي تتعلق بالخصائص الكيميائية والفيزيائية. ولكن، ما سبب نجاح هذا الجدول؟ هل لأن تركيب الجدول يعكس بعض الترتيب الخفى بداخل الذرات التى تنتمى لعناصر مختلفة ومتعددة؟
اعتقد العالم الدانمركي العبقري نيلز بور في ذلك. إن الرغبة في شرح الجدول كانت تمثل الدافع الأساسي لتعبيره عن رؤيته الخاصة بترتيب الإليكترونات في عام ١٩١٣. كما كانت رغبته هي الدافع وراء القيام بعدة أمور أخرى مثل توضيح الطيف للعديد من العناصر. ومن أجل ذلك، قام نيلز بور بتطوير مجموعة من الأعداد الكمية لتمثيل مستويات الطاقة المتعددة التي يمكن للإليكترون أن يتحملها، خلال دورانه حول نواة الذرة.
شرح العالم الفيزيائي الدانمركي نيلز بور تركيب الجدول الدوري للعناصر اعتمادا على اعتقاده أن الإليكترونات في كل ذرة تملأ الفراغات في المدارات المتعددة حول النواة لتبدأ من أقل مستوى طاقة لهذه المدارات (مستوى الطاقة الأول). يكون المدار الخارجي لآخر العناصر من حيث فترته الزمنية ممتلئاً بالإليكترونات أو بعدد معين منها - ثمانية إليكترونات على سبيل المثال. أظهرت قواعد العالم نيلز بور أن المدار الذي يحتوي على أقل مستويات الطاقة (مستوى الطاقة الأول) يحتوي على إليكترونين فقط ولذلك، فالفترة الأولى بها عنصران فقط ويمكن لمستوى الطاقة الثاني أن يحتوي على ثمانية إليكترونات، لذلك فالفترة الثانية تحتوي على ثمانية عناصر. ويحتوي مستوى الطاقة الثالث على ثمانية عشر إليكترونا، حيث ينتج عن ملء العناصر الثمانية الأولى من هذه الفترة ثمانية عناصر أخرى في الفترة الثالثة. وعلى هذا المنوال نفسه، تسير بقية العناصر الأثقل ومستويات الطاقة الأكبر، ولكن يصبح الترتيب الفعلي لمستويات الطاقة أكثر تعقيداً عن ذي قبل.
صرح العالم الفيزيائي الألماني فولفجانج باولي استنادا إلى مبدأه عن الاستبعاد في عام ١٩٢٥ أنه لا يمكن لأي مستوى من مستويات الطاقة أن يحتوي على أكثر من إليكترونين ولكن العدد الكمي الأساسي الخاص بالعالم نيلز بور يشير إلى مجموعة من مستويات الطاقة التي تسمى بالمدارات. ولكن من الممكن أن يكون لكل مدار أعداد متعددة من مستويات الطاقة، بحيث يكون كل مدار مختلفاً عن الآخر. ووفقاً لآراء نيلز بور فيما يتعلق بالقواعد الكمية التي توصل إليها، فإن أقل مدار (المستوى الأول) يحتوي على مستوى طاقة واحد فقط، يضم إليكترونين فقط ونظراً لوجود أربعة مستويات للطاقة في المدار الثاني، تستطيع هذه المستويات أن تضم ثمانية إليكترونات، كما سيحتوي المدار الثالث على ثمانية عشر إليكترونا، وهكذا.
بخصوص هذه النقطة تحديدا، كانت لدى نيلز بور رؤيتان أساسيتان. كانت الرؤية الأولى واضحة بما يكفي. ففي الظروف الطبيعية، تملأ مستويات الطاقة بالإليكترونات بدء من المستويات السفلية. ولذلك، فإنه في حالة ذرة الأكسجين التي تحتوي على ثمانية إليكترونات، سيكون المدار الأول ممتلئا، تاركاً الستة إليكترونات المتبقية تشغل المدار الثاني. أما بالنسبة لعنصر الكبريت ذي الستة عشر إليكترونا، فإن المدارين الأول والثاني ممتلئان عن آخرهما بالإليكترونات، لتكون الستة إليكترونات الباقية في المدار الثالث.
تمثلت الرؤية الثانية في أن الخصائص الكيميائية للعنصر، وخاصة القوة التي تربط بين جزيئات هذا العنصر أو ما يعرف بالتكافؤ (١٨٥٢)، تعتمد على عدد الإليكترونات الموجودة في المدار الخارجي للذرة. على سبيل المثال، إذا كان هناك إليكترون واحد فقط في الذرة. فسيكون العنصر من العناصر القلوية (بمقدار تكافؤ ١ )، مثل الليثيوم أو الصوديوم أو البوتاسيوم. أما إذا كان هناك إليكترونان، فسيكون العنصر من المعادن أو الفلزات القلوية، مثل الماغنسيوم والكالسيوم أو السترنشيوم (بمقدار تكافؤ ٢). أما إذا كان عدد الإليكترونات سبعة، فسيكون العنصر مثل الهالوجين (كالكلور والبروم واليود). وإذا كان المدار الخارجي للذرة ممتلئ باثنين أو ثمانية أو ثمانية عشر من الإليكترونات، فسيصبح العنصر من الغازات النادرة أو النبيلة (خاملة) مثل الهليوم والنيون والأرجون. جدير بالذكر أن مقدار تكافؤ كل من الكربون والسليكون - باحتوائهما على أربعة إليكترونات في المدار الخارجي لذرتيهما -يبلغ أربعة.
لقد وفر كل ذلك تفسير أساسيا وشاملاً عن الاتجاهات الزمنية للعناصر المختلفة. فهذه العناصر تعكس ببساطة عملية التعبئة المستمرة لمستويات الطاقة والمدارات داخل الذرة وبذلك، تكون عملية شرح الجدول الدوري للعناصر قد تمت على يد العالم نيلز بور. فبعد ذلك الوقت يعدة سنوات قليلة، قام العالم الكيميائي الأمريكي لينيوس بولينج باستخدام التفسير نفسه لشرح كيفية ارتباط الذرات مع بعضها البعض لتكوين الجزيئات (1928).
إسهامات نيلز بور في مجال فيزياء الكم
قال العالم نيلز بور ذات مرة: "إذا لم تنتابك صدمة بصدد علم فيزياء الكم بعمق، فإنك لم تستطع فهمه كما ينبغي". وبالرغم من صعوبة فهم علم فيزياء الكم في أغلب الأحوال، فإن العالم الدانمركي بور كان قد استطاع التوغل إلى حد عميق في هذه المادة العلمية. ومثل الكثيرين من علماء الفيزياء في جيله، تمت الاستعانة به في صنع القنبلة الذرية في أثناء الحرب العالمية الثانية، ولكنه قاد حملة المعارضة ضد استخدامها في الأغراض العسكرية وبالرغم من ذلك، تمثل ميراثه العلمي الذي تركه في تلك النظريات التي وضعها في هذا الصدد والتي تظهر غالبا كشيء مضاد للفطرة المعتادة وخبرة الحياة اليومية.
يعتبر علم فيزياء الكم واحداً من تلك العلوم التي ظهرت في القرن العشرين. ظهر هذا العلم لأول مرة في عام ١٩٠٠ على يد العالم ألفيزيائي المعروف الألماني الجنسية ماكس بلانك الذي أعتقد أن الطاقة تنتقل من مكان لآخر، فقط في كميات صغيرة ودقيقة أطلق عليها اسم "الكم". وبعد ذلك بعدة سنوات (١٩٠٥)، ربط العالم ألبرت آينشتاين نظريته عن الكم، مع جسيمات الضوء (التي سميت فيما بعد بالفوتون)، ليستحضر بذلك المفهوم القديم الذي مفاده بأن الضوء يجب اعتباره مثل تيار من الجسيمات وليس كسلسلة من الموجات. فبدت الأدلة المتاحة مؤيدة ومناسبة لأفكار آينشتاين.
على الرغم من أن الجملة الصحيحة يكون عكسها جملة خاطئة، ولكن قد يكون عكس الحقيقة العميقة حقيقة عميقة أخرى. نيلز بور
بعد مرور عقدين من الزمان، اعتقد الفرنسي لويس دي بروجلي أن شعاع الإليكترونات، التي كان ينظر إليها سابقا كجسيمات، يمكن اعتبارها أيضا كموجات. كان ذلك مثالأ لأحد المبادئ التمهيدية لتأسيس علم فيزياء الكم - ازدواجية الجسيمات والموجات. فأشعة الضوء أو الإليكترونات يمكن الاستفادة منها بشكل كبير سواء تم اعتبارها جسيمات أو موجات، طبق للظروف المحيطة. وكان هذا يمثل تحولاً كبيراً عن الرأي القديم الذي ساد في فيزياء القرن التاسع عشر، حيث الاعتقاد في أن الجسيمات لا تزيد عن كونها جسيمات والموجات ليست إلا موجات.
بما أننا لا نستطيع التأكيد على ماهية هذه الأمور تحديداً ، فنحن لا نستطيع أن نصفها باستخدام الطرق القديمة فوفق لمبدأ الريبة للعالم الألماني فيرنر هايسنبرج (١٩٢٦)، كلما عرفنا المزيد من المعلومات عن سرعة الجسيمات مثلا، قلت تلك المعلومات المتعلقة بمكان هذه الجسيمات. أخذت الحقائق التقليدية تنحسر وتنهار تدريجيا. كان هايسنبرج منتميا إلى مجموعة صغيرة من الشباب ذوي العقول الراجحة، الذين استطاعوا في فترة العشرينيات من القرن العشرين أن يروا ما ستكشفه رياضيات علم فيزياء الكم عن علم الفيزياء. وكان من بين هؤلاء العلماء اللامعين العالمين الألمانيين أدوين شرودينجر وماكس بورن بالإضافة إلى العالم الإنجليزي بول ديراك (١٩٢٨).
لكن كان قائد هذه المجموعة من العلماء، العالم الدانمركي نيلز بور. فقبل ذلك بقليل، استعمل هذا العالم بعض الأفكار التي وفرها علم فيزياء الكم لشرح تركيب الذرة (١٩١١)،
كما اطلع على الأصول المكونة للطيف (١٩١٣) وكشف عن السبب وراء نجاح تصميم الجدول الدوري للعناصر (١٩٢٤). ولكن كل هذه الرؤى، بالرغم من عبقريتها، فقد اعتمدت على اعتبار الإليكترونات كجسيمات توجد في أماكن معينة حول الذرة. ولكن هذا النموذج تم استبداله بواسطة نموذج آخر، الأمر الذي يجعلنا غير متأكدين من مسار الإليكترون، ولا حتى من المكان الذي يوجد فيه، ولكن ما نستطيع فعله هو التصريح بدرجة ما من الدقة عن احتمال وجوده في مكان معين. فبدلاً من المدارات الإليكترونية الدقيقة، أصبح لدينا مجموعة متناثرة من الإليكترونات حول نواة الذرة.
بحلول عام ١٩٢٧، قام العالم بور باستنتاج بعض من العوامل الأساسية في أحد المؤتمرات المنعقدة لدراسة موضوعات فيزياء الكم؛ حيث كان يعمل هناك في ذاك الوقت. وكان أحد المفاهيم الأساسية التي تم تناولها هو مفهوم التكامل، أي أن هناك طرقا مختلفة لتأمل الأحداث أو الظواهر التي تحدث في الطبيعة، تتساوى في مدى صحتها، ومع ذلك لا يمكننا التصريح بكل ثقة عن مدى صحة أي منها. وبعد ذلك ظهر ما يسمى بمبدأ التناظر؛ حيث تنطبق فيزياء الكم على الأشياء الدقيقة للغاية التي ترى عن قرب، ولكن إذا رأينا هذه الأشياء من على بعد كاف، فسنجد أننا بحاجة إلى معرفة مقاييس مثل تلك المقاييس التي تم استعمالها من خلال علم الفيزياء التقليدية. وهذا سبب استمرارنا في شئون الحياة اليومية دون القلق على علم فيزياء الكم، تماما مثلما نمضي قدما في الحياة دون الاهتمام بما تنص عليه نظرية النسبية للعالم آينشتاين (1904 و1905). وفي أغلب الأحوال، يتم الاكتفاء بالنظريات الفيزيائية للعالمين جاليليو ونيوتن.
لقد سعينا لتكوين أساس قوي نبدأ منه، ولكننا لم نعثر على شيء بعد. فكلما زادت نسبة تركيزنا، زاد الكون اضطرابا. فكل الأشياء تتحرك على ما يبدو في إيقاع عنيف وسريع. ماكس بورن
إن أصعب شيء يمكن أن تتقبله عقول الناس هو مفهوم العالم بور، الذي ينص على أن أمر التوصل إلى ملاحظة ما يمكن أن يؤثر على ما تتم ملاحظته؛ إلا أنه لا يمكن للشخص الذي يقوم بعملية الملاحظة أن يلتزم فعليا بالحياد والموضوعية. فبالفعل هناك بعض الأشخاص، الذين يصرحون بعدم وجود أي شيء في عالم الواقع ما لم تتم ملاحظته ورؤيته. وقبل ذلك الوقت، كان كل ما لدينا هو احتمالات غير قائمة على تجارب علمية. والأكثر من ذلك، أن ما يبحث عنه المرء يؤثر على ما يلاحظه. فعند إجراء تجربة لرؤية الموجات. سوف تتم رؤيتها. وعند البحث عن الجسيمات، فإنك ستجدها لا محالة.
بالرغم من غرابة بعض الأفكار العلمية لفيزياء الكم على ما يبدو، فإن هذا العلم يعتبر فعالأ في جميع المجالات المتعلقة به. فهو يسمح للعلماء بحساب كل من التفاعلات التي تحدث بين المادة والطاقة في علم الكيمياء وفي أية مادة علمية أخرى بدقة شديدة. واعترف العالم آينشتاين بتلك الحقيقة، ولذلك كان أول من بدأ صياغة الخطوط العريضة التي أسس عليها علم فيزياء الكم. وبالرغم من ذلك، فإنه لم يتقبل على الإطلاق مفهوم العالم بور ومبدأه الأساسي الخاص بالريبة. لذا، طور آينشتاين أسلوبه الذي يعتمد على إجراء التجارب العلمية بدلاً من الافتراض دون دليل واضح وقوي.
جائزة نوبل
عام 1920 افتتح معهد الفيزياء النظرية في كوبنهاغن وعُيِّن بور مديرًا له فانضم له عدد من العلماء وأصبح مركزًا للأبحاث الجديدة في الفيزياء. تقدم بور بنظريته المعروفة حول التركيب الذري وتم قبول هذه النظرية من العلماء والتي استحق عليها جائزة نوبل في الفيزياء عام 1922.
بور والقنبلة الذرية
استمر بور في دراسة تركيب نواة الذرة، في عام 1930 كان أول من اكتشف أن النظائر المشعة التي ظهرت في فلق النواة هي اليورانيوم 235، مما كان لهذا الاكتشاف أثره الهام بعد ذلك. عندما احتل الألمان الدنمارك في عام 1940 واجه الكثير من الصعوبات حيث أنه كان معاد للنازية كما أن أمه كانت يهودية فاضطر للهرب عام 1943 إلى السويد، وساعد عددًا كبيرًا من اليهود على الهرب ثم سافر إلى إنجلترا ومنها إلى أمريكا وهناك ساعد في إنتاج القنبلة الذرية.
عند انتهاء الحرب عاد إلى كوبنهاغن ورأس معهد الفيزياء النظرية، وحاول جاهدًا أن يسيطر على استخدام الطاقة النووية دون أن ينجح، حتى توفي 1962. استطاع أحد أولاده آجى بور أن يحصل على نوبل في الفيزياء عام 1975. سيبقى بور من أعظم العلماء رغم أن نظريته قد تجاوزتها الفيزياء الحديثة ولكن جانبا منها ما زال صحيحًا حتى اليوم، كما أنها ساعدت على تطور الكثير من النظريات الأخرى.
وضعه مايكل هارت في كتاب الخالدون المئة في المرتبة المئة.