نثيرة
قصيدة النثر هي قطعة نثر، غير موزونة وتأتي القافية فيها في مناطق مختلفة من الابيات وأحياناً تكون غير مقفاة، تحمل صورًا ومعاني شاعرية وأغلبها تكون ذات موضوع واحد.
هناك تمايز عالمي وتاريخي بين الشعر والنثر في كل الآداب، وما يتميزّ به النثر من منطق وروية ووضوح وعبارة غير موزونة، يقابله الشعر بكثافة المعنى، أو ماتدعوه البلاغة العربية بالإيجاز والشفافية والصورة والموسيقى والنزوع إلى الوجدان.
ومنذ الثورة على المذاهب التقليدية وقيمها المستقرة، اتجهت جهود المبدعين إلى هدم الحواجز بين الأجناس الأدبية أو ابتكار فنون جديدة أو تطعيم جنس بجنس أدبي آخر وهكذا.
فقصيدة النثر هي جنس فني يستكشف مافي لغة النثر من قيم شعرية ويستغلها لخلق مناخ يعبر عن تجربة ومعاناة من خلال صورة شعرية عريضة، تتوافر فيها الشفافية والكثافة في آن واحد. وتعوّض انعدام الوزن التقليدي فيها بإيقاعات التوازن والاختلاف والتماثل والتناظر معتمدة علي الجملة وتموجاتها الصوتية بموسيقى صياغية تُحسّ ولا تُقاس.
وقد تعددت المصطلحات التى تدلّ على هذا الجنس من ثقافة إلى أخرى. فقد استخدم أمين الريحاني مصطلح الشعر المنثور، الذي لا وزن له وأدخله في الشعر الحر، أي شعر التفعيلة عندنا الذي يقاس ويُوزن.
لكن شعراء العربية في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، استخدموا مصطلح قصيدة النثر، وهو مصطلح فرنسي استخدمه بودلير وبعض معاصريه، وشاع شيوعًا كبيرًا في المرحلة الحديثة.وجريًا مع انفتاح الشعراء العرب على التجارب الإبداعية العالمية، فإن دخول الشعر المنثور أو قصيدة النثر إلى شعرنا العربي الحديث وإن سوغته تطورات ضمنية، في حياتنا الأدبية، قام على مبادرات شعراء عرب استوحوا نماذج شعرية وتجارب إبداعية من الآداب الأخرى.
ويُعد شعر المهجر مهد ميلاد قصيدة النثر في الشعر العربي؛ فقد كتب شعراء المهجر: أمين الريحاني وميخائيل نعيمة وجبران خليل جبران محاولات شعرية متأثرين فيها بالشاعر الأمريكي والت ويتمان، ثم انتقلت من هناك إلى المشرق.
لم تجد قصيدة النثر رواجًا كبيرًا في الشعر العربي الحديث؛ إذ إن الذائقة العربية ماتزال محكومة بوزن الشعر العربي وإيقاعه في نماذجه الموروثة.
تعريف
تذهب الناقدة الفرنسية سوزان برنار إلى أنَّ قصيدة النثر هي: «قطعة نثر موجزة بما فيه الكفاية، موحّدة، مضغوطة، كقطعة من بلّور...خلق حرّ، ليس له من ضرورة غير رغبة المؤلف في البناء خارجاً عن كلّ تحديد، وشيء مضطرب، إيحاءاته لا نهائية».
لقصيدة النثر إيقاعها الخاص وموسيقاها الداخلية، والتي تعتمد على الألفاظ وتتابعها، والصور وتكاملها، والحالة العامة للقصيدة.
وكما يقول الشاعر اللبناني أنسي الحاج -أحد أهم شعراء قصيدة النثر العربية إن لم يكن أهمهم - عن شروط قصيدة النثر: «لتكون قصيدة النثر قصيدة حقاً لا قطعة نثر فنية، أو محملة بالشعر، شروط ثلاثة: الايجاز والتوهج والمجانية»
إحدى كاتبين قصائد النثر هو محمد أحمد عيسى الماغوط الذي ولد عام 1934 وتوفي عام 2006
إشكاليات
إشكالية المصطلح
إنَّ إشكاليات قصيدة النثر العربية تبدأ من المصطلح، إذ إنَّ كثيرا من النقاد والباحثين لا يميزون بينها وبين الشعر الحر حتى أنَّ بعضهم أخذ يتحدث عن ريادة الشاعرة العراقية نازك الملائكة لها في حين أنَّ الشاعرة والناقدة المذكورة كانت من أشد خصوم هذه القصيدة.
أما علاقة قصيدة النثر بأنموذج الشعر المنثور الذي ظهر في الربع الأول من القرن العشرين، فهو محل إشكالية أخرى؛ إذ يذهب قسم من النقاد إلى أنَّ الاثنين لا يعدوان أن يكونا تسميتين لنمط كتابي واحد، في حين يرى آخرون أنهما جنسان مختلفان كل الاختلاف.
أما مصطلح النثيرة فهو مصطلحٌ أطلقه الناقد محمد ياسر شرف في سبعينات القرن العشرين ثم فصّل فيه في كتابه النثيرة والقصيدة المضادة. ويرى الناقد في مصطلح قصيدة النثر تناقضاً ضمنياً بسبب جمعه بين الشعر والنثر معاً رغم دلالتيهما المختلفتين، فهو أشبه بقولك: دائرة مربعة أو مستطيلة، فالشعر ليس هو النثر، وإن كان يصحّ اعتبار كل من هذين الأسلوبين في التعبير فرعاً من الأدب حين تمسكه بالمعايير الأدبية المعروفة لدى النقاد في كل لغة من اللغات.
ويعد الايقاع إشكالية أخرى من إشكاليات هذه القصيدة، إذ يزعم دعاتها أنَّ لها إيقاعا خاصا يفوق إيقاع القصيدة التقليدية القائم على الوزن، بينما ينكر الخصوم هذا الإيقاع جملة وتفصيلا.
رواد قصيدة النثر العربية
من أبرز رواد قصيدة النثر (من 1954 إلى 1993): جبرا إبراهيم جبرا، توفيق صايغ،أدونيس، محمد الماغوط،مظفر النواب ،أنسي الحاج، شوقي أبي شقرا، سركون بولص، عزالدين المناصرة، بول شاوول، سليم بركات، عباس بيضون، بسام حجار، عبد القادر الجنابي، وديع سعادة، وليد خازندار ... هؤلاء هم رواد قصيدة النثر حتى مطلع التسعينيات في القرن العشرين.
مصادر ومراجع مفيدة
- سوزان برنار: قصيدة النثر من بودلير إلى الوقت الحاضر (1959 )-الترجمة الكاملة لكتاب برنار للمصرية( راوية صادق) في مجلدين -1998+2000- وسبق صدور ترجمة مجتزأة من الكتاب للعراقي زهير مغامس 1993.
- عز الدين المناصرة: إشكالات قصيدة النثر -1998 +2002+( 2015 ) -دار الراية عمان- الأردن .
- عبد العزيز موافي: قصيدة النثر من المرجعية إلى التأسيس.
- علي داخل فرج: محاكمة الخنثى، قصيدة النثر في الخطاب النقدي العراقي.
- أحمد عبد المعطي حجازي: القصيدة الخرساء.
- حاتم الصكر: حلم الفراشة.
- أحمد بزون: قصيدة النثر العربية، بيروت 1996.
- مجلة شعر البيروتية
- مجلة الآداب البيروتية
- كمال خير بك: حركة الحداثة في الشعر العربي المعاصر، بيروت 1982
- س. مورييه: الشعر العربي الحديث (1800 - 1970): تطور أشكاله وموضوعاته بتأثير الأدب الغربي، القاهرة 1986
- أدونيس: الثابت والمتحول (4 أجزاء)، بيروت 1980
- كمال أبو ديب: جدلية الخفاء والتجلي، بيروت 1997
- محمد الأسعد: بحثا عن الحداثة، بيروت
- عز الدين اسماعيل: الشعر العربي المعاصر، بيروت 1988 (ط 5)
- محمد جمال باروت: الحداثة الأولى، الشارقة 1991.
- محمد بنيس: الشعر العربي الحديث (3 أجزاء)، المغرب 1989
- سلمى الخضراء الجيوسي: مقدمة «الأدب الفلسطيني» في العصر الحديث. راجع صفحة وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا).