علم الاجتماع الصناعي
علم الاجتماع الصناعي (بالإنجليزية: Industrial sociology أو Sociology of Industry) هو علم يدرس العلاقات الاجتماعية في محيط الصناعة وتنظيماتها، والطبيعة الاجتماعية للعمل والظواهر الاجتماعية المرتبطة بها كالفراغ والتقاعد والبطالة، ويحلل البناء الحرفي والمهني، ويبحث كل حرفة وكل مهنة بحثاً اجتماعياً شاملاً متكاملاً، ويتقصى علاقات البناء الحرفي والمهني بالبناء الاجتماعي العام.
ويمكن وصف ميدان علم الاجتماع الصناعي بأنه دراسة العلاقات الاجتماعية في أوضاع صناعية أو تنظيمية متعلقة بالإدارة، والطريقة التي تؤثر بها هذه العلاقات في العلاقات الجارية في الجماعة الأكثر اتساعاً وتتأثر بدورها بها.
علم الاجتماع الصناعي مصطلح فضفاض، لكنه يشكل تخصصا فرعيا راسخا داخل علم الاجتماع، ترجع أصوله إلى الأباء المؤسسين لعلم الاجتماع نفسه. ويرتبط نموه خلال القرن العشرين بالتشجيع المستمد من أمل بعض إدارات الشركات، خاصة داخل الولايات المتحدة الأمريكية، أن تقدم البحوث الاجتماعية والنفسية مجموعة من الآساليب الإدارية و الإشرافية التى يمكن أن تستخدم فى الحيلولة دون حدوث صراع داخل مكان العمل، كما تستخدم فى زيادة الانتاجية. وعلى الرغم من أن احتمالات التطبيقات ما تزال مؤثرة على ميدان هذا العلم، إلا أن المشتغلين المحدثين بهذا التخصص مازالوا يناضلون بكل قوة لكى يجعلوا من هذا الفرع ميدانا مستقلا من ميادين الدرس الأكاديمى، يقبل (من اتجاهات نظرية متنوعة) حتمية ما يسمى بتعددية الممصالح داخل مواقع العمل الصناعى، وبهتم بالتداعيات المترتبة على ذلك.
وتتمثل إحدى المشكلات الرئيسية التى تواجه علماء الاجتماع الصناعى فى تحديد الممصطلح المحورى بالنسبة لتخصصهم، ألا وهو مصطلح الصناعة. وبغض النظر عن بحض الاستثناءات المهمة، فإن البحث يرتكز داخل هذا الموضوع حول عمال الصناعة وأوضاع العمل داخل المصنع. لكن لم يتضح بعد بجلاء إلى أى حد يمكن تعميم نتائج هذا البحث، كما لم يتضح حقيقة تحت أى ظروف يمكن انطباق مصطلح "صناعى" انطباقا صحيحا على العمل الذى لا يتم داخل المصنع، حيث أفضى الاهتمام بالمصانع والصناعة إلى الميل - لفترة طويلة ٠ نحو التركيز المفرط على التأثيرات السببية للعوامل المرتبطة بمكان العمل - خاصة التكنولوجيا وطرائق الانتاج - على سلوك كل من العمال والادارة سواء داخل المصنع أو خارجه. وثمة اهتمام بحثى ملحوظ، فى الوقت الحالى، بالتأثيرات الداخلية والخارجية للآلية وتكنولوجيا الممعلومات والطرق المرنة لتنظيم العمل. وقد أسفر ذلك عن ميل نحو الحتمية التكنولوجية، وصياغة استنتاجات خاصة بالتغير الشامل داخل المجتمع الصناعى، من واقع النتائج المستخلصة من دراسة عدد قليل من المصانع (التى عادة ما تكون ضخمة الحجم وغير ممثلة لواقع الصناعة). ومن الملامح الأخرى اللافتة للنظر أنه لما كانت بحوث علم الاجتماع الصناعى تلعب دورا مؤثرافى تعليم الادارة ونظرياتها، فإننا نجد أن بعض هذه التعميمات المتجاوزة يكون لها تأثير النبوءة ذاتية التحقيق.
ويلاحظ أن هذا التركيز التفسيرى على التكنولوجيا وطرق تنظيم العمل قد كان بمثابة مبرر مهم لوسم الدراسات الخاصة بالعمل خارج المصنع بأنها دراسات تنتمى لعلم الاجتماع الصناعى. لكن مع ابتعاد البحث عن التركيز على عمال الصناعة اليدويين (وهم عمال ذكور أساسا)، فإن الفكرة الخاصة بان العوامل داخل مكان العمل ذات تأثير سببى مستقل يمكن تحديده على أفعال الناس قد أصبحت موضع شك ويمكن العثور على أمثلة مهمة فى هذا الصدد من واقع البحوث التى أجريت على العمال ذوى الياقات البيضاء. حيث أصبح الموظفون الكتابيون، والفنيون، والمحمال ذوى الياقات البيضاء يشكلون جزءا متزايدا من العمالة داخل المجتمعات الحديثة، نتيجة لنمو حجم المشركات، والاتساع داخل الادارة العامة والمالية، والزيادة العامة فى أعداد الموظفين المهنيين وموظفى الخدمات.
ومع ذلك فمن الواضح أن اتجاهات وسلوك مثل هؤلاء العمال نحو الادارة أو النقابة العمالية (مثلا) وكذا القيم التى ينظرون من خلالها إلى عملهم تختلف اختلافا بينا عن القيم، والاتجاهات وأنماط السلوك التى تسم ع على الجانب الآخر - العمال ذوى الياقات الزرقاء. فالقيم والاتجاهات وأنماط السلوك التى تسم العمال ذوى الياقات البيضاء نجدها أكثر انسجاما مع الطبقة العليا ومع المكانة التى يتمتع بها هؤلاء المستخدمون. وثمة كم كبير من البحوث فى هذا الصدد حاولت أن تفسر هذه التفاوتات، وأن تلقى بالتالى بعض الضوء على التدرج الطبقى الاجتماعى بالرجوع إلى الحوامل المرتبطة بمكان العمل. وتتضمن هذه العوامل التعاملات الشخصية للعمال ذوى الياقات البيضاء مع الإدارة والقدر الأكبر الذى يحظون به من الاسثقلالية المشخصية، والأجور، وفرص الترقى التى يعتقد أنهم يتمتعون بها. ويرى البعض أنه كلما كثر عدد وظائف ذوى الياقات البيضاء واتسعت المكاتب التى يعملون بها، وكلما أصبحت هذه الأماكن أكثر رسمية (لا شخصية) وأكثر اعتمادا على المعدات الآلية، كلما أصبح هؤلاء المستخدمون اكثر شبها بعمال المصانع سواء قى الموقع الموضوعى للعمل أو فى استجابتهم الذاتية لهذا الموقع.
وقد كشفت البحوث الحديثة عن ملامح صورة أكثر تعقيدا تظهر من خلالها النتائج التالية واضحة كل الوضوح؟ إن الخلفية الاجتماعية والاختيار الذاتى يمكن أن يحتلا نفس الأهمية التى تحتلها المتغيرات الخاصة بمكان العمل فى تشكيل الاتجاهات و العلاقات الصناعية المميزة للعمال ذوى الياقات البيضاء، وأن التغير التكنولوجى داخل مكاتب (الادارة) كان مصحوبا بأشكال من إعادة تكيف العمال ذوى الياقات البيضاء على نحو ملحوظ مع سوق الحمل الخارجى، الأمر الذى جعل من الصعب، أو حتى من غير الضرورى، الفصل بين التأثيرات الموجودة داخل بيئة المصنع الداخلية وتلك الآتية من الخارج وليس أقل أهمية فى هذا الصدد تغيرات سوق العمل المتى أدت إلى نمو عمالة النساء، خصوصا العاملات بعض الوقت بعد مدة طويلة من المبقاء فى المنزل.
لذا فإن المنحى التقليدى لعلماء الاجتماع الصناعى، فيما يتصل بهذه الموضوعات المهمة قد انداح -م تحت وطأة الانشغال بالأجندة البحثية الخاصة بالعمل خارج المصنع - داخل بعض فروع علم الاجتماع الراسخة وهى سوسيولوجيا الطبقة، وثقافات المكانة، و أبنية سوق العمل، ودراسات النوع.
وقد تأكدت خلال السنوات الأخيرء حاجة علماء الاجتماع الصناعى إلى بدء أبحاثهم خارج بوابة المصنع من خلال عدد من الدراسات الممتفاوتة التى ذهبت إلى أن تأثير التكنولوجيا، وتنظيم العمل، والمتغيرات الأخرى المرتبطة بمكان العمل تعد، بحد ذاتها، ذات طبيعة ثقافية واجتماعية. من هذا على سبيل المثال - اهتمام بعض الدراسات المسحية المقارنة بفحص المصانع التى تستخدم أساليب تكنولوجية متشابهة، ولكنها تننتمى إلى أطر ثقافية وقومية متباينة. وكشفت نتائج تلك الدراسات أن هذه العوامل تفسها (خصوصا العوامل السياسية ونظم العلاقات الصناعية) أكبر تأثيرا على السلوك من العوامل المرتبطة بالتكنولوجيا وتنظيم المعمل، حتى داخل المصانع نفسها.
وترى بعض الأبحاث المقارنة الأخرى أن الممارسات الخاصة بإدارة العمل، وأبنية الوظائف، والتدريب، والمهارات والإشراف تتأثر كلها تأثرا عميقا بالعوامل السياسية والقانونية ونظم التعليم داخل المجتمع، لدرجة أنها تحدد ملامح الأداء الاقتصادى القوى فى مجمله. ومرة أخرى تم استيعاب هذه الموضوعات من موضوعات علم الاجتماع الصناعى داخل مجال المبحث التاريخى والمقارن لأنماط الثقافة اصاعة.
ومن المنطقى بناءعلى ذلك أن نقول أن مصطلح علم الاجتماع الصناعى أصبح مصطلحا باليا. ومع ذلك فإن الكتب والبرامج الدراسية الخاصة بهذا العلم، وبالذات تلك المرتبطة بتعليم الإدارة وتدريب كوادر المنقابات العمالية، لازالت تقدم مدخلا لمنظور علم الاجتماع يحظى بترحيب واهتمام من جانب الكثيرين الذين لا يجدون سبيلا آخر للإحاطة بمثل هذه الموضوعات. ونلاحظ اليوم عادة أن هذه المقررات وتلك الكتب الدراسية قد أصبحت، وللأسباب سالفة الذكر، ونظرا للتوسع الهائل فى الدراسات، تمثل تخصصات فرعية مستقلة بذاتها. ويصادف قارى هذه الموسوعة العديد من المصطلحات المستقلة عن كل منها. ويمثل مؤلف كيث جرانت المعنون: علم اجتماع العمل، الصادر عام 1991، ومؤلف جون إلدريدج وزملاؤه، علم الاجتماع الصناعى والأزمة الاقتصادية، الصادر عام 1991، نموذجين للكتب الدراسية التى ما زالت تحاول تغطية هذا الميدان تغطية شاملة.