حركة العلاقات الإنسانية

حركة العلاقات الإنسانية (بالإنجليزية: Human Relations Movement) مدرسة فى علم الاجتماع الصناعي ظهرت فى الولايات المتحدة قبل الحرب العالمية الثانية، وانتشر تأثيرها إلى بريطانيا لفترة قصيرة فيما بعد الحرب. وتضم حركة العلاقات الإنسانية (وغالبا ما يشار إليها اختصارا بالحرفين HR) تراثاً أكاديمياً متنوعاً فى مستواه بجانب مجموعة من الوصفات للمارسات الإدارية التى يفترض أن تبنى عليها. و لقد استمدث الأفكار فى كلا المكونين سندها من تجارب (أو دراسات) هوثورن التى أجريت فى شيكاغو منذ منتصف العشرينيات وحتى أوائل الأربعينيات، تحت رعاية شركة ويسترن البكتريك، وبالاتصال بمدرسة هارفارد لإدارة الأعمال.

وتسعى حركة العلاقات الإنسانية - على المستوى الأكاديمى - إلى فهم الأسباب المتعلقة بعدم رضا العمال عن العمل، والنضال النقابى، والصراع الصناعى، أو حتى حالة اللامعيارية داخل المجتمع المحلى ككل وتقديم حلول لهذه المشكلات.

و لأن حركة العلاقات الإنسانية وعلم الاجتماع الصناعى ظلا يمثلان فى الحقيقة شيئا واحدا لفترة معينة، فقد ظل علم الاجتماع الصناعى حتى عهد قريب يدرس العوامل داخل المصنع بشكل مستقل. ومع ذلك فقد اشتهر منظرو العلاقات الإنسانية بالرغبة فى التقليل من أهمية دور الدوافع الاقتصادية حتى داخل مكان العمل ذاته، والتأكيد فى مقابل ذلك على منطق المشاعر الذى يحكم سلوك العمال. فالمشاعر وما ينحدر منها من معايير لجماعة العمل تخلق بناء غير رسمى داخل أى تنظيم يتقاطع مع أهداف ومواصفات البناء الرسمى للتنظيم، والذى يتم إملاؤه من خلال المنطق المقابل وهو منطق الإدارة الذى يهتم بالكفاءة.

ويحتوى هذا التحليل المعام على مدى واسع من الاختلافات. فالأفكار الساذجة التى قدمها إلتون مايو، والتى تاسست على فهم فج لنظريات فلفريدو باريتو وإميل دوركايم، شاعت كقضايا نظرية رئيسية للحركة، وهى تؤكد أن المجتمعات الصناعية التى تقوم على نظام السوق تعانى من نقص فى التعاطف والمشاعر الجمعية والتى وصفها مايو (خطا) على أنها ضرب من اللامعيارية. فالعمال يحاولون أن يعوضوا عن هذا بالحصول على قدر من الرضا الاجتماعى فى مكان العمل. و لكن الأبنية الرسمية ونظم دفع الأجر التى أقيمت تحت شعار الادارة العلمية فشلت فى أن تحقق هذه الحاجة، مع ظهور مقاومة للإشراف ولأهداف الإنتاجية.

و لقد اعتمد تحليل مايو على تفسير نتائج دراسات هوثورن والتى لم تتسق كلية مع دراسات روثلسبرجر وديكسون مؤلفا كتاب الإدراة والعامل (الصادر عام 1949). وهو التقرير الرئيسى عن تجارب هوثورن ذاتها. ولقد تحدى كتاب عديدون مدى تطابق التفسير الذى قدمه هذان الباحثان مع النتائج الفعلية للتقرير.

ومما قاله هؤلاء النقاد على وجه الخصوص أن النتائج لا تؤيد أطروحة الكاتبين بأن العمال يولون للإثابات الاجتماعية فى العمل اهتماما أكبر مما يولونه للاثابات الاقتصادية. وتكمن الأهمية الأساسية لكتاب الإدارة والعامل - اليوم - فى أنه يعد أولا وثيقة تاريخية توضح رد الفعل ضد المناحى السلوكية والاقتصادية التى تقدمها العلوم الاجتماعية لدراسة العامل الصناعى. كما أنه يعد ثانيا بمثابة تحذير من المزالق المنهجية التى تنتظر الباحث الميدانى غير الحذر، خاصة ذلك الذى يجرى بحوثه فى مجال الصناعة. ومن أشهر هذه المزالق ما سمى بتأثير هوثورن، ويقصد به أن تؤدى عملية إجراء البحث إلى ردود فعل لدى المبحوثين، ثم تسجل تلك الآثار بوصفها نتائج خاصة بالواقع الاجتماعى لمجتمع البحث.

ويمكن أن نلمس دقة منهجية أكبر فى الدراسات الإثنوجرافية التى أجراها لويد وارنر، وميلفل دالتون، ودونالدروى، ووليام فوت وايت. فقد طور هؤلاء الباحثون جميعا تعديلات معينة فى اتجاه العلاقات الإنسانية. فقد أجرى وارنر دراسة كلاسيكية على أحد الإضرابات الكبرى، الذى اشتعل بسبب تقليص العمالة وفقدان المهارة الذى ظهر من جراء التدهور الصناعى والكساد بين فوة العمل التى كانت حتى قيام الإضراب ساكنة هادئة. أما دالتون وروى فقد أجريا بحثا مؤثرا باستخدام الملاحظة بالمشاركة التى أوضحت كيف أن هذه الطريقة يمكن أن تكشف عن سلوك جماعات العمل المصناعى. و لقد أوضح بحث روى على وجه الخصوص أن تعامل العمال مع مخططات حوافز الأجور يعد تعاملا رشيدا، طالما أن ما يحصلون عليه من مخصصات يتم فى ضوء توقعات الدخل طويلة المدى. أما دراسات وايت فقد كانت الأولى التى اعترفت بتأثير التكنولوجيا وتتظيم العمل على السلوك الصناعى والإشباع الوظيفى.

ولم يجر من الأعمال السابقة بحياد علمى كامل إلا النذر اليسير. فغالبا ما اعترف كتاب العلاقات الإنسانية صراحة أنهم كانوا يسعون إلى الوصول إلى أساليب إدارية ناجعة لزيادة إنتاجية العامل. ولقد حظى هذا الجانب باهتمام فائق فى مرحلة معينة من تطور البحث، الأمر الذى جعل البعض يطلق على هذا المنحى اسم "سوسيولوجيا البقرة" - انطلاقا من القول بأن البقر الراضى هو الذى يعطى أكبر قدر من الحليب. لقد ذفعت الإدارة نحو إثراء خبرتها بالعمل من خلال توسيع فهمها لمشكلات العمال. ولقد كان مايو ينظر إلى الإرشاد العلاجى على أنه أحد الوسائل الأساسية لتعديل النزعة العدائية للعمال تجاه الخطط الادراية؛ أما الكتاب الآخرون فكانوا يرون أن الدواء الناجح يكمن فى الإشراف المركزى. وازداد ميل الذين يعملون داخل ذلك الميدان من ميادين البحث بعد ذلك إلى تقديم وصفات لطرق المشاركة فى الإدارة أو الاشراف الذاتى أى إشراف العمال على أنفسهم بأنفسهم، وذلك من أجل إشاعة قدر من الديموقراطية الصناعية ولإضفاء الطابع الإنسانى على ظروف العمل (خاصة داخل المصانع).

ومع ذلك، فلم يرفض أى كاتب داخل حركة العلاقات الإنسانية فكرة أن الإدارة تشكل صفوة علمية مشروعة أو جماعة دائمة لتحقيق الضبط الفحال لقوة العمل. ولذلك وجهت الانتقادات فى نهاية الأمر إلى الأساليب الإدارية النابعة من العلاقات الإنسانية بوصفها أساليب للتلاعب والسيطرة، وأنها مثال كلاسيكى للضبط الإدارى أطلق عليه أحد الكتاب: الإدارة عن طريق الاسثقلال المسئول. ويعتقد بعض المراقبين لنظرية الادارة أن حركة نوعية حياة العمل التى ظهرت منذ عهد قريب ليست سوى إنبعاث من حركة العلافات الإنسانية. ويمكن أن يقال نفس الشئ على ذبول ما سمى باكتساب الطابع اليابانى Japanization أو الأساليب الإدارية لما بعد الفوردية فى الثمانينيات. والحقيقة أن حلقات النوعية اليابانية هى تطوير لوصفات حركة العلاقات الإنسانية تم إدخالها إلى الشركات اليابانية من الولايات المتحدة فيما بعد الحرب العالمية الثانية، وتطورت هناك على نحو أنجح من البلد الأصلى الذى ظهرت فيه.

ويوجد تحليل ممتاز لمنحى العلاقات الإنسانية - أو بالأحرى تحليلان ممتازان - فى الطبعتين المنفصلتين لكتاب ميشيل روز بعنوان السلوك الصناعى (صدرت الأولى عام 1975 - والثانية عام 1988).