عدم
لما كانت الميتافيزيقيا هي دراسة ما هو موجود، فقد يتوقع المرء من الميتافيزيقيين أن لا يتعدوا الحد فيكون لديهم القليل فقط مما يقولونه عن الذي ليس موجودا. ولكن منذ بارمنيدس في القرن الخامس قبل الميلاد، حدثت تعليقات غنية في إمكان عالم فارغ، إذا كانت هناك فراغات، وحول طبيعة العدم والسلب.
لم هناك بعض الشيء وليس لا شيء؟
هذا السؤال أدرجه مارتن هايدغر كأهم مدخل أساسي إلى الفلسفة. لماذا نتوقع لا شيء بدلا من شيء؟ لا تجربة يمكن أن تدعم فرضية 'لا يوجد شيء' لان أي ملاحظة تستلزم بوضوح وجود ملاحظ. هل هناك أي دعم مسبق لِ 'لا يوجد شيء'؟ قد يجيب المرء بمنهجيه أساسية أن يجعل العالم الفارغ الأصل. فعلى سبيل المثال، الكثير يعتقد أن كل من زعم وجود شيء وجب عليه الإثبات، والذي لم يزعم بشيء لا إثبات عليه. كأن يقول عالم الفلك بوجود مياه في القطب الجنوبي للقمر، آنذاك عليه أن يقدم بيانات تؤكد وجود المياه على سطح القمر. وإذا كنا لا نحتاج إلى أدلة تؤكد وجود ادعاءاتنا، آنذاك المنظر الذي يفسر الظواهر تفسيرا كاملا بمجموعة من الأشياء يمكن أن يحصل على مسوغ إضافي غير واقعي كالقول بأطلانطس. فيرتد علينا من هذه الإضافات. لمنع بروز الكيانات الغير ضرورية، يمكن للمرء طلب أن الميتافيزيقيين يبدؤون بالعالم الفارغ ويقبلون فقط بتلك الكيانات المعتمدة. هذا هو النظام الذي فرضه رينيه ديكارت. ووضح كل شيء به، وعندها يسمح بقبول فقط ما يمكن إثبات وجوده. أوغسطين كانت آراؤه أكثر محافظة: لا ينبغي لنا أن نبدأ من البداية ولا من النهاية، ولكن من حيث نحن، في الوسط. نتناول الرأي حول وجود الأشياء المختلف عليها بتقييم مدى مواءمة هذه الكيانات مع وجود أكثر الأشياء رسوخا. ولو بدأنا من لا شيء، فإننا نفتقر إلى الاتجاهات اللازمة لشق الطريق إلى الأمام.
هل يوجد على الأكثر عالم واحد فارغ؟
معظم الفلاسفة يوافق على فرضية بيتر فان إينواغين أنه لا يوجد أكثر من عالم فارغ واحد. فقد قاموا بصياغة العالم الفارغ على غرار المجموعة الفارغة. إذا كانت المجموعة معرفة بالتحديد من عناصرها، فإنه لا يمكن أن يكون هناك أكثر من مجموعة واحدة فارغة.
أمن شيءٍ خلق الشيء أم من لا شيء؟
قال ابن حزم: والفساد عندنا على الحقيقة افتراق الجسم على اشياء كثيرة وذهاب أعراضه وحدوث أعراض أخر عليه، وأما الأجرام كلها فغير معدومة الأعيان أبدا بوجه من الوجوه، ولكنها منتقلة من صفة إلى صفة كما قال القرآن: {خلقا من بعد خلق} (6 الزمر 39).
وقال ابن تيمية: لا يحدث حادث مباين إلا مسبوقا بحادث مباين له فالحدوث مسبوق بإمكانه ولا بد لإمكانه من محل ولهذا لم يذكر الله قط أنه أحدث شيئا إلا من شيء.
الكلام في المعدوم أهو شيء أم لا؟
اختلف الناس في المعدوم أهو شيء أم لا:
- فقال أهل السنة كالأشعرية وغيرهم ليس شيئا وبه يقول هشام بن عمرو الغوطي أحد شيوخ المعتزلة
- وقال سائر المعتزلة المعدوم شيء
- وقال عبد الرحيم بن محمد بن عثمان الخياط أحد شيوخ المعتزلة أن المعدوم جسم في حال عدمه إلا انه ليس متحركا ولا ساكنا ولا مخلوقا ولا محدثا في حال عدمه.
العدم
Néant (1٠) Nothingness (E.), Nichts (G), Nulla (1.)
العدم انتفاء الوجود، ولهذا لا يتصور إلأ بالوجود ، وذلك بتصور الوجود اولاً ثم نفي هذا التصور بعد ذلك. ولهذا فإن تصور العدم تصور حقيقي. صحيح أنفي لا استطيع تصور العدم لمطلق، بسبب بسيط وهو أن تصوري إياه معناه في الوقت نفسه وجودي أنا الذي أتصوره، وبالتالي هناك وجود هو وجودي أنا الذي أحاول تصور عدم مطلق.
ومشكلة العدم أثيرت في الفلسفة اليونانية منذ وقت مبكر جداً ، خصوصاً في المدرسة الإيلية، إذ قرر برمنيذس أنه ليس هناك الا الوجود، أما اللاوجود فليس بموجود. ومن ثم قالوا إنه من العدم لا ينشأ شيء، وتقرير عكس ذلك معناه القضاء على مبدأ العلية. وبعكس هذا قال فلاسفة العصور الوسطى في أوربا إذ قالوا إن الأشياء خلقت من العدم. أما المتكلمون المسلمون فقالوا إن اله خلق العالم «لا من شيء». غير أننا لا نجد في الكتب المقدسة عند اليهود والنصارى، ولا في القرآن، التعبير: الخلق من العدم (أومايقابله في اللغات الأخرى)؛ وكل ما هنالك عبارة وردت في سفر المكابيين الثاني (اصحاح ٧ عبارة ٢٨) تقول إن الله خلق الموات والأرض وكل ما فيهما «لا من موجدات» ر6٤٤ ٤٤ OVK ؛ وإلى هذه العبارة استند بطرس الهرماسي ومن بعده من آباء الكنيسة، من اجل تقرير
٧١ العدم
مذهب الخلق. (كتب الآباء اليونان، نشرة ميني قلم ج٢ صرد ٩١٣).
وقد تناول المتكلمون مشكلة العدم على النحو التالي : هل المعدوم هو لا شيء أو هو شيء؟ وقد اختلف حيالها المعتزلة، وأهل السنة: (١)فقال جميع المعتزلة، باستثناء هشام ابنعمروالفوطي (المتوفى سنة ٢٢٦/ ٨٤٠م) إن المعدومات اشياء [ابن حزم: ,الغمل, ج٤ ص٢٠٢ س٢-٣]. وكان أول من قال منهم بهذا القول الشحام (المتوفى ٢٣٦ه./
٠ ٨٥م) [راجع الشهرستافي : ٠نهاية الإقدام في علم الكلام» ص١٥١ س٢-٣]. ٢٢١ وقال أهل السنة والجماعة، أعني الأشاعرة، إن المعدوم ليس بشيء .
اما عند الفلاسفة المسلمين فإننا نجد في ترجمات مؤلفات أرسطو استعمال كلمة ,البى، في مقابل ,الأس، للدلالة على اللاوجود في مقابل الوجود. ومن هذه الترجمات انتقلت الكلمة الى الكندي (راجع رسالتم في حدود الأشياء»). لكن يدوأن كلمة االبس٠ قدهجرت فيمابعد، ربما تحت تأثير المتكلمين، وصار المستعمل لدى الفلاسفة المسلمين هو كلمة ٠المعدوم» بمعفى :أنعدم». يقول ابن سينا عن المعدوم: ٠ المعدوم على الإطلاق لاقوة فيه يقبل بها الوجود من موجده، فلا يوجد البتة»؛ وليس كذلك: الممكن، فإن فيه قوة، فلذلك يوجد، ولولاها لما كان يوجد» (ابن سينا: , التعليقات» ص ١٧٦، نشرة د. عبد الرحن بدوي، القاهرة سنة ١٩٧٣). ويقول عن إعادة المعدوم: ,إعادة المعدوم لا تصح، فإنه لا يكون للمعدوم عين ثابت مشار إليه في حالة العدم حى يمكن إعادته بعينه، بل إن كان فالذي يقال إنه اعيد هو مثل المعدوم، لا عينه» (الكتاب نفسه ص ١٤٩)-وهو فيهذا يردعلى قول بعض المعتزلة إن المعدوم موجود في الأعيان الثابتة (راجع شرح الجرجافي على ٠العقائد»).
أما في العصر الحديث فإن أول فيلسوف اهتم بمشكلة العدم هو هيجل؛ وقد تناولها خصوصا تحت معفى السلب. ذلك لأنه قرر أن في كل موجود سلباً. وهو يربط السلب بالذات، إذ من طبيعة الذات أن تعود الى نفسها (الوعي الذاقي) من خلال مقابلها، ولهذا يقول («ظاهريات العقل،،
٠ ٢) إن الجوهر، بوصفه ذاتا، هو سلب بسيط محض. ولهذا يقرر ايضاً أنه لا شيء في السماء ولا على الارض لا يحتوي في ذاته على الوجود والعدم («المنطق الأكبر» الفصل الأول). وعنده أن للعدم نفس التحدد، أو بالأحرى نفس الافتقار
إلى التحدد، الذي للوجودى. وأخذ بقول اسبينوز إن ركل تحديد سلب» Omnis determinatio estgativo، لأن استعمال تصورات محددة يتضمن نفي صفات أخرى، لأن هذه التصورات لا يتحدد معناها إلا بأضدادها. وهذا الارتباط بين السلب والوجود العينى (الآنية Dasein) هو تجل للسلب القائم جوهرياً والمقوم للوجود العيني •
ثم جاء برجسون فذهب إلي أن العدم وهم، نشأ عن كوننا ننقل إلى النظر العقلي مسلكاً يستخدم في العمل. ذلك ان كل فعل إنما يهدف إلى الحصول على موضوع سيحرم منه الإنسان، أو إلى ايجاد شيء لم يوجد بعد. وهذا يملأ خلاء، ويمضي من الخلاء إلى الملاء، ومن الغياب إلى الحضور، وما هوغير واقعي إلى ما هوواقعي. واللاواقعية هي سلبيةخالصة بالنسبة إلى الاتجاه الذي اندرج فيه انتباهنا، لأننا غائصون في وقاتع ولا نستطيع الخروج منها. لكن إذا كان الواقع الحاضر ليس هوذلك الذي نبحث عنه، فإننا نتحدث عن الخلو من الثاني هناك حيث نشاهد حضور الأول، وهكذا نعبر عما لدينا بحسب ما نود الحصول عليه. وهذا أمرمشروعجداً في ميدان العمل. لكن شثنا أو أبينا، فإننا نحتفظ بهذه الطريقة في الكلام والتفكير حين ننظر في طبيعة الأشياء مستقلة عن الفائدة لتي لها بالنسبة إلينا. وهكذا ينثا وهم العدم، ويرجع الى عادات استاتيكية يتخذهاعقلنا حين محضر لفعلنافي الأشياء. وكما أننا نمر بالثابت من اجل الوصول الى المتحرك، فكذلك نستخدم الخلاء لنفكر في الملاء. إننا نمضي من الغياب إلى الحضور، ومن الخلاء إلى الملاء، بفضل الوهم الأساسي لعقلنا. [راجع برجسون: ,اتطور الخالق» ص ٢٩٦- ٢٩٨ ؛ وراجع ٠ الفكر والمتحرك» ص ١٢٢-١٢٤). وفي إثره قال إدوارلوروا: «على أينحو كان، فإن فكرة العدم المطلق لا يمكن تصورها عقليا ولا تخيلها بالخيال. لأن العدم ليس بشيء، لا بد من التفكير في شيء أو عدم التفكير مطلقاً، حتى إن الفكر في العدم لن يكون إلا عدما للفكر». (ادوار لوروا: ابحث في فلسفة اولى ط١ ص٨٩. باريس سنة ١٩٥٦).
وعلى النقيض تماماً من برجسون جاء هيدجر فأكد حقيقة العدم، فقال : إن في تركيب السقوط ٧erfallen، كما في تركيب الاشتراع، يقوم العدم جوهرياً. وهذا العدم هو الأساس لإمكان الآنية الزائفة في سقوطها؛ وكل آنيةزاثفةهي في واقعها سقوط. والهم Sorge هو في حقيقته يشيع فيه العدم
٧٢
شيوعا شاملا. وهكذا فإن المهم وهو وجود الآنية- يعني، بوصفم اشتراعاً مقذوفاً به، الوجود اساساً للعدم (وهذا الوجود اساساً هو نفسم عدم) . ومعنى هذ ان الآنية -بما هي كذلك خاطئة، إذا صح تعريفنا الوجودي للخطيئة بأنها «الوجود اساساً للعدم،.
والعدم، بالمعنى الوجودي، ليس لم ابداً طابع عدم الحصول، حيث ينقص شيء بالمقارنة مع مثل اعلى موضوع لكنه لم يتحقق في الآنية. بل الأولى أن يقال بأن وجود هذا الموجود هو معدوم بوصفم اشتراعاً، وهو عدم قبل اي شيء من الأشياء التى يمكنها ان تثترعها وفي الغالب تحصلها. ولهذا فإن هذا العدم ليس شيئاً ينبثق في الآنية مصادفة، ويلصق نفه بها كصفة غامضة يمكن الآنية ان تنبذها لوقامت بمجهود كاف.
وعل الرغم منهذا، كان المعنى الانطولوجي لعدم Nichtheit هذا العدم الوجودي لا يزال غامضا. لكن هذا نفه يصدق ايضاً على الماهية الانطولوجية: ,يس ا nicht بوجه عام. صحيح أن الانطولوجيا والمنطق اقتضيا الكثير من اليس,، وبهذا جعلوا إمكانياتها مرئية على نحومتقطع؛ لكنها هي نفسها لم يكشف عنها انطولوجيا. لقد التقت الانطولوجيا ب «ليس، وتحدها. لكن هل من البين ان كل «ليس، تعى شيئا سلبيا بمعنى النقص؟ وهل ايجابها يستنفد بكونها نؤلف «مروراً فرق» شيء؟ لماذا يتخذ كل ديالكتيك ملاذاً له في السلب، على الرغم من أنه لا يستطيع أن يأقي بأسباب ديالكتكية لهذا النوع من الشيء، أو حى يصوغ منه مشكلة؟ هل جعل احد من المصدر الانطولوجي للعدم مثكلة، او قبل ذلك، بحث في الشروط (الأحوال) التي على أساسها يمكن إثارة مثكلة ال «ليس» وليسيتها وإمكان عدمها؟ وكيفيمكن العثور على هذه الشروط (الأحوال) دون اتخاذ معنى الوجود بعامة موضوعا وايضاحه؟» (هيدجر: «الوجود والزمان» 5 ٥٨ ص ٢٨٥-٢٨٦)
والذي يكثف عن العدم في الوجود هو القلق.
وفي إثر هيدجر جاء سارتر في كتابه «الوجود والعدم» (القسم الأول، الفصل الأول 5 ٣-٥) وانتهى إلى أن :العدم هو الأصل في الحكم الالب لأنه هو نفسه سلب. وهو يؤسس السلب كفعل، لأنه هر السلب بوصفم وجودا. والعدم لا يمكن أن يكون عدما، إلا إذا انعدم صراحة بوصفه
عدماً للعالم، اي إذا كان في إعدامه يتجه صراحة إلى هذ العالم لكي يتكون كرفض للعالم. إن العدم يحمل في قلبه الوجود. لكن بماذا يفسر الانبثاق هذا الرفض لمعدم؟ لي العلو، الذي هو «مشروع ذاته من وراء .. . » هو الذي يمكنه ان يؤسس العدم، بل يالعكس: العدم هو الذي يوجد في جضن العلو ويقوم شرطا له.» (ص ٧٢ من ترجمتنا، بيروت، سنة ١٩٦٦).
ويتساءل (ق١ ، ف١ ، بنده) عن الأصل في العدم. إنه يرى ان الوجود مليء ، متكتل. فمن أين جاء هذا الشق الذي هو العدم؟ ويجيب بأن الشق الذي اولج العدم في الوجود هو الوعي (الشعور) الإنسافي، او الحرية لأن الإنسان بجوهره حر.