أرتور شوبنهاور
آرثر شوبنهاور (بالألمانية: Arthur Schopenhauer) (22 فبراير 1788 – 21 سبتمبر 1860 م) فيلسوفٌ ألماني، أشهر أعماله كتاب العالم إرادة وفكرة الصادر عام 1818 (وصدر الإصدار الثاني الموسع منه في عام 1844). يشخّص فيه عالم الظواهر بصفته نتاج الإرادة العمياء للشيء في ذاته (نومينون). بنى شوبنهاور أفكاره على الفلسفة المثالية المتعالية لإيمانويل كانت، فتبنّى نظامًا ماورائيًا وأخلاقيًا إلحاديًا يرفض الأفكار المعاصرة التي سادت في عهد الفلسفة المثالية الألمانية. كان شوبنهاور من أوائل المفكرين الغربيين الذين شاركوا التعاليم والعقائد البارزة في الفلسفة الهندية، مثل الزهد وإنكار الذات وفكرة المايا في الفلسفة الهندية (والتي تقول إن العالم الظاهري عالم غير حقيقي كما يبدو). وُصفت أعمال شوبنهاور بأنها التجسيد الأمثل للتشاؤمية الفلسفية.
لم تحظَ أعمال شوبنهاور بالاهتمام الملحوظ في حياته، لكن الفيلسوف ترك تأثيرًا كبيرًا بعد وفاته على مختلف المجالات، مثل الفلسفة والأدب والعلوم. تأثر العديد من المفكرين والفنانين بكتاباته عن الزهد والأخلاق وعلم النفس. استشهد كثيرون بتأثير شوبنهاور على أعمالهم، منهم فلاسفةٌ مثل إميل سيوران وفريدريك نيتشه ولودفيغ فيتغنشتاين، وعلماء مثل إرفين شرودنغر وألبرت أينشتاين، والمحلّلان النفسيّان سيغموند فرويد وكارل يونغ، والكُتّاب ليو تولستوي وهرمان ملفيل وتوماس مان وهرمان هيسه وماشادو ده أسيس وخورخي لويس بورخيس ومارسيل بروست وصمويل بيكيت، ومؤلفون موسيقيون مثل ريتشارد فاغنر ويوهانس برامس وأرنولد شوينبيرج وغوستاف مالر.
حياته
حياته المبكرة
وُلد أرتور شوبنهاور في مدينة دانزيغ الألمانية (كانت سابقًا جزءًا من الكومنولث البولندي الليتواني، وتُعرف اليوم باسم غدانسك، وهي إحدى مدن بولندا) في شارع هايليغه غايست غاسه (شارع القدّيس دوخا 47 حاليًا)، وهو ابن يوهانا شوبنهاور (تروزينر بالولادة، 1766-1838) وهاينريك فلوريس شوبنهاور (1747-1805)، وينحدر والده ووالدته من عائلتين أرستقراطيتين ألمانيّة وهولنديّة الأصول. لم يكن والداه متدينين، وكانا من مؤيدي الثورة الفرنسية والجمهوريانية والكوسموبوليتية، وكانا معجبين بإنجلترا وثقافتها وأدبها. انتقل هاينريك إلى هامبورغ -وهي مدينة حرة ذات دستور جمهوري- بعدما أصبحت دانزيغ جزءًا من بروسيا، لكنّ عمَل شركته التجارية استمرّ في دانزيغ حيث بقي معظم أفراد العائلة الكبيرة. لشوبنهاور شقيقة واحدة هي أديله، ووُلدت في 12 يوليو عام 1797.
أُرسل أرتور إلى لاهاي في عام 1797 ليعيش لدى عائلة شريك والده التجاري، وهو غريغوار دو بليزيمار. كان أرتور سعيدًا على ما يبدو إبان السنتين اللتين قضاهما هناك، فتعلّم الفرنسية وأسس صداقة طويلة مع جان أنتيم غريغواري دو بليزيمار. بدأ أرتور تعلّم العزف على الناي منذ عام 1799، وفي عام 1803، ذهب برفقة والديه في جولة سياحية إلى هولندا وبريطانيا وفرنسا وسويسرا والنمسا وبروسيا. كانت جولةً سياحية سعيدة، واستغلّ والده الفرصة لزيارة بعض شركائه التجاريين في الخارج.
عرض عليه والده خيارًا من اثنين: البقاء في المنزل والتحضير للجامعة، أو السفر معه وإكمال تعليمه التجاري. اختار أرتور السفر مع والده، وندم أشد الندم على هذا الخيار لأن تعلّم مهنة التجارة أضجره. أمضى أرتور 12 أسبوعًا من جولته في مدرسة ضمن ويمبلدون، فخاب أمله بشدة من تديّن الكنيسة الأنجليكية الصارم والسطحي فكريًا. استمرّت انتقاداته اللاذعة للتدين الأنجليكاني في مراحل لاحقة من حياته على الرغم من إعجابه بالثقافة الإنجليزية ونتاجها. تعرّض أرتور لضغوطات من والده أيضًا، فلم يكن الأخير راضيًا عن تحصيله الدراسي.
توفي هاينريك في سنة 1805 بعد غرقه في قناة قريبة من منزله في هامبورغ. ربما كانت وفاته حادثة طبيعية، لكن زوجته وابنه اعتقدا أن الأب أقدم على الانتحار. اتسم والده بسلوك غير اجتماعي، فكان مصابًا بالقلق والاكتئاب، وبرزت أعراضهما بشدة في مراحل متأخرة من حياته. أصبح الأب أيضًا شديد الاهتياج، حتى أن زوجته بدأت التشكيك في صحته النفسية. «كان لدى الوالد خوفٌ مظلم وغامض، دفعه لاحقًا رمي نفسه من عليّة منزله في هامبورغ».
برزت على أرتور أعراض تقلّب المزاج أيضًا منذ شبابه، واعترف مرارًا أنه ورث المزاجيّة من والده. في الواقع، تشير دلائلٌ إلى حالات أمراض نفسية خطيرة في عائلة والد شوبنهاور. أُعجب شوبنهاور بوالده على الرغم من مشقّة العيش معه، وذكره لاحقًا بصورة إيجابية. خلّف هاينريك شوبنهاور تركة ضخمة قُسّمت إلى 3 أقسام، خُصّصت لكلٍّ من يوهانا وطفليها. خُوّل شوبنهاور للتحكّم في ورثته عندما يصل إلى سنّ الرشد. استثمر شوبنهاور أمواله استثمارًا محافظًا في السندات الحكومية، وحصل على فائدة سنوية تزيد عن ضعف الأجر الذي يتقاضاه بروفيسورٌ جامعي. عندما أنهى شوبنهاور تدريبه في المتجر، وبتشجيع من والدته، كرّس نفسه للدراسة في المدرسة الإرنستينية الثانوية في غوتا، الواقعة في دوقية ساكسونيا غوتا ألتنبورغ. كان لشوبنهاور حياة اجتماعية بارزة هناك، فعاشر النبلاء المحليين وأنفق جزءًا كبيرًا من أمواله، وذلك ما أدى إلى قلق والدته الحريصة على الاقتصاد. ترك شوبنهاور المدرسة الثانوية بعد كتابة قصيدة ساخرة من أحد معلميه في المدرسة. ادعى شوبنهاور أنه ترك المدرسة طوعًا، لكن رسائل والدته تدل على أنه طُرد من المدرسة.[١]
شوبنهاور في شبابه
أمضى شوبنهاور سنتين من حياته تاجرًا تكريمًا لذكرى والده، وفي تلك الفترة، شكّك شوبنهاور في مقدرته على بدء مسيرة دراسية جديدة، فجلّ تعليمه السابق هو تدريب في مجال التجارة، ولم يفلح في تعلّم اللاتينية التي تُعد شرطًا أساسيًا لبدء مسيرة أكاديمية.
انتقلت والدته، بصحبة ابنتها أديله، إلى فايمار -التي كانت حينها مركز الأدب الألماني- لتستمتع بالحياة الاجتماعية بين الكُتاب والفنانين. لم يكن فراق أرتور عن والدته سلسًا، فكتبت والدته في إحدى الرسائل مثلًا: «أنت شخصٌ لا يُطاق وعبء كبير، العيش معك صعبٌ جدًا. إن تصلّفك يغطّي جميع محاسنك، وتصبح محاسنك تافهة لأنك لا تستطيع كبح نزعتك تجاه انتقاد الآخرين وإظهار سلبياتهم.» وُصفت والدته يوهانا بالمَرِحة والاجتماعية عمومًا. لم يلتق شوبنهاور بوالدته بعد الانفصال، وتوفيت الوالدة بعد 24 سنة. يُقال إن بعض الآراء السلبية التي اتخذها شوبنهاور تجاه النساء نابعة من علاقته السيئة بوالدته.
انتقل أرتور إلى هامبورغ ليعيش مع صديقه جان أنتيم، حيث كان الأخير يدرس ليصبح تاجرًا.
تعليمه
انتقل شوبنهاور إلى فايمار، لكنه لم يعِش مع والدته، والتي حثّته بدورها على الامتناع عن المجيء، وادعت أن السبب عدم انسجامهما معًا. تدهورت العلاقة بينهما بسبب اختلاف طباعهما. اتهم شوبنهاور والدته بالاستهتار المالي، ووصفها باللعوب الراغبة في الزواج مجددًا، وهو ما رآه إهانة لذكرى والده. عبّرت والدته عن حبّها له مرارًا، لكنها لم تكفّ عن توجيه انتقاداتها اللاذعة، ووصفته بالمزاجي والأخرق غير اللّبق وكثير الجدال، وحثّته على تحسين سلوكه حتى لا ينفر الناس منه. ركّز أرتور اهتمامه على الدراسة، وكان أداؤه جيدًا حينها، وحظي بمظاهر الحياة الاجتماعية السائدة أيضًا مثل الحفلات والحفلات الراقصة والمسرح. في الفترة ذاتها، أصبح صالون يوهانا الشهير بارزًا بين النخبة والوجهاء، أبرزهم يوهان غوته. فحضر أرتور حفلاتها، خصوصًا عندما يعلم بحضور غوته -مع أن الكاتب والسياسيّ الشهير لم يلحظْ الطالب الشاب والمجهول على ما يبدو. يُقال إن غوته فضّل تجنّب أرتور لأن يوهانا حذّرته من طبيعة ابنها المكتئبة والشرسة، أو لأن علاقة غوته كانت سيئة حينها مع أستاذ اللغات الذي يدرّس أرتور وزميله في السكن، وهو فرانتس باسوف.
فكره
لاحظ شوبنهار أن الوجود يقوم على أساس من الحكمة والخبرة والغائية، وأن كل شيء في الوجود دليل صادق على إدارة الفاعل وقدرته وحكمته وخبرته وإتقانه.
دفع مزاج شوبنهاور به إلى اختيار نوعية معينة من الكتب، وكان اختياره منصباً على دراسة بوذا ثم كتب الديانة الهندية، وتعمق لديه الإحساس بأن الحياة شر، وأن الحياة ليس فيها إلا الألم والمرض والشيخوخة والموت. والديانة الهندية تقوم على أن الحياة قائمة على أنواع من الشرور الطبيعية والخلقية.
في الحديث عن غريزة الجنس، لشوبنهاور موقف خاص جداً من هذه الغريزة، وموقفه هذا كان أساساً لمواقف بعض الفلاسفة، وسنداً لمذاهبهم، وتحديداً مذهب فرويد في علم النفس ومدرسته التي قامت على أساس من التركيز على دافع الجنس.
إن شوبنهاور يعلي من شأن الدافع الجنسي لدى الإنسان والحيوان، ويجعل منه الركيزة الأساسية التي تدور عليها حياة الفرد والجماعة، بل يجعل منه الأساس الأوحد الذي تدور عليه الحياة عند كل الكائنات، وبخاصة الإنسان، ومن ثم فإن الجنس هو مفتاح السلوك الإنساني، وعلى أساس منه يمكن تفسير كل سلوك إنساني من الألف إلى الياء.
مؤلفاته
كتب شوبنهاور رسالته التي نال بها درجة الدكتوراه عام 1813م وكان الكتاب عن الأصول الأربعة لمبدأ السبب الكافي. وهو يقصد بالسبب الكافي علاقتنا بالعالم الخارجي وفهمنا إياه. ويرى أن السبب الكافي الذي يتحدث عنه يقوم على أصول أربعة هي: ((علاقة بين مبدأ ونتيجة- علاقة بين علة ومعلول- علاقة بين زمان ومكان – علاقة بين داع وفعل)). والصور الثلاثة الأول تخص التصور النظري، أما الصورة الرابعة فهي العمل. وهذه الأربعة هي التي ينشأ عنها تصورنا للعالم الخارجي، وانفعالنا معه. ثم أخرج كتابه الثاني وهو العالم إرادة وتصور أو العالم إرادة وفكرة. وقد فتن بكتابه هذا حتى ظن أنه قد وضع فيه التصور النهائي للوجود والفكر. ولكن كتابه هذا لم يلق قبولاً, حتى أنه بعد ما يزيد على العشرة أعوام، أُبلغ شوبنهاور أن جزءاً من نسخ كتابه قد بيع ورقاً فاسداً تُلف به البضائع، فازداد تشاؤماً, وأرجع ذلك إلى مؤامرة تحاك ضده من جميع المفكرين والفلاسفة، وأنهم لا يفهمون فلسفته لأنه يكتب للأجيال القادمة، ثم قال: (إن كتابي هذا مثل المرآة، فإذا نظر فيها حمار فلا تنتظر أن يرى فيها وجه ملاك). ثم نشر كتاباً تحت عنوان: (الإرادة في الطبيعة) (1836م), جمع في هذا الكتاب من الأمثلة والشواهد الطبيعية ما ظنه أدلة على نظريته في الإرادة الكلية، التي تحدث عنها في كتابه السابق. وفي سنة (1841م) أصدر كتاباً بعنوان: (المشكلتان الأساسيتان في فلسفة الأخلاق) وفي سنة (1851م) أصدر كتابين هامين عن : (النتاج والفضلات). وقد بذل فيهما قصارى جهده، وعصارة فكره، ولكنه تلقي عشر نسخ منهما تعويضاً له عن مجهوده في تأليفهما، فلم تكن مؤلفاته قد لقيت قبولاً بعد، وإن كانت فلسفته بدأت تلفت الأنظار.
وفي أخريات حياته بدأت فلسفته التشاؤمية تلقى اهتماماً لدى الأوساط، مما جعله يشعر ببعض الرضا في خلال عام (1854م). وفي 21 سبتمبر 1860م جلس في الفندق المتواضع الذي قضي فيه الثلاثين عاماً الأخيرة من عمره. وكان يتناول إفطاره، وبعد ساعة وجدته صاحبة الفندق ما يزال جالساً كما هو، فاقتربت تتفحصه فوجدته ميتاً. وقد ألف شوبنهاور كتابا غير معروف كثيرا في مجال المنطق والحجاج بعنوان"فن أن تكون دائما على صواب أو الجدل المرائي"، ترجمه مؤخرا إلى اللغة العربية الأستاذ رضوان العصبة وراجعه الأستاذ حسان الباهي، والصادر عن منشورات ضفاف- دار الأمان، الطبعة الأولى، 2014. يلخص الأستاذ رضوان العصبة في مقدمته مضمون هذا الكتاب، الصفحة 16 و 17 و 18، فيقول إنّ هذا الجدل المرائي أو المشاغبي قصده أولا "الغلبة ومرامه الانتصار، وثانيهما أن من بغى ذينك استوسل المشروع من الأمور وغير المشروع منها، واحتال وكاد. ولما كان الأمر، كذلك استفسر عنه شوبنهاور واستفهم، فكان منتهى الفهم أن هو وجد الكبرياء الفطرية للكائن الآدمي شأنها أن لا تقبل أن يظهر إثباتنا كاذبا، وأن لا تقبل أن يكون إثبات الخصم صادقا. أنْ يُغلَبَ المرءُ ويُهزَمَ، فتلك هي الذلة والشماتة، لذلك ترى الواحد منا يفرغ الجهد ما أمكنه ذلك ذودا عن كبريائه وصونا لها، فيعمد إلى صادق الحجة وصحيحها أو قل مستقيمها، إنْ هو أنس من خصمه ميلا إلى الحق وإيثارا له، أو يجنح إلى كاذب الحجة وخاطئها أو قل ملويها، إنْ هو لقي من الخصم تعسرا واعتياصا. والذي عند الرجل أن الحقيقة ملك لذاك الذي حصل حجتها مستقيمها وملتويها، وأن الحجة سلاح دأبه أن يفرض الحقيقة الفرض وينتزعها الانتزاع، وقوة ديدنها أن تضع الحقيقة وضديدها الباطل؛ وفي هذا عمق نظر وعظيم درك؛ فإن هو كان نيتشه أعمل تقويضه ومطرقته في موضوعات الفلسفة أو قل أصنامها، فكان أن استفرد برأي في الحقيقة فريد عجيب لمّا عدّها إنتاجا بل صناعة بيد الأقوياء، أي مفعولا لإرادة القوة، فإنّ هذه الفكرة تجد حضورها التكويني عند شوبنهاور، إذ لا وجود للحقيقة إلا تلك التي تملك قوة الحجة أو قوة السلطة أو هما معاً. إنّ الجدل إذن، إن هو حقق أمره، تبين أنه فن أن نكون دائما على صواب، وفن لتمرير الدعاوى على أنها صادقة؛ فهو إذن ليس ينشغل بالحقيقة الموضوعية مثلما هو الأمر عند أرسطو، مادامت هذه الأخيرة ليست وجودا قبليا وإلا امتنع الحوار وكف البحث والاستقصاء، ولَمَا قامت للفلسفة قائمة، بل إنها وجود بعدي يقيمه التحاور وينشئه الجدل. وإنْ هو كان أرسطو قد فصل بين الجدل (الحقيقة المشهورة) والسفسطة (المغالطات)، فإنّ شوبنهاور قد وصل بينهما. لذلك وجدنا الكثير من الحيل التي أوردها في كتابه مأخوذة هي من كتابي الجدل والسفسطة لأرسطو، لِمَا علمت سابق العلم أنه ليس يميز بينهما لوحدة غرضهما ومشترك مقصودهما. ويعدد شوبنهاور في كتابه ثمانيا وثلاثين حيلة شأنها أن تنصر الدعوى (الحق) أو تحق نقيضها (الباطل)، وهي المعروفة عند أرسطو باسم المواضع les topiques، topi (المواضع الجدلية في كتاب الجدل، المواضع المغالطية أو الأمكنة المغلطة في كتاب المغالطات، المواضع الخطابية في كتاب الخطابة). ويؤاخذه شوبنهاور على اهتمامه بالجانب النظري وإغفاله الجانب التطبيقي العملي، هذا الجانب الذي انصرفت عناية صاحبنا إليه، يقول:"أكبّ أرسطو في الطوبيقا بروحه العلمية المعتادة، على تأسيس الجدل بطريقة جدِّ منهجيةٍ ونسقيةٍ، الأمر الذي يستحق إعجابنا وإن كان الهدف، وهو هنا عملي بالطبع، لم يتحقق فعلا... لا يبدو لي أنه بلغ هدفه، وقد حاولت معالجته بشكل مغاير". وبالجملة، فإنّ هذه الحيل جميعها تؤول إلى أسلوبين هما: ad rem (الحجة على الموضوع) وad hominem (الحجة على الذات)، وإلى طريقتين: دحض مباشر، ودحض غير مباشر ينقسم إلى العكس والحجة الفرعية. بالنسبة للأسلوبين، أعتقد أنهما وردا على التوالي عند أرسطو في كتاب الجدل باسم تبكيت الحجة وتبكيت الخصم. وختم الكلام عند شوبنهاور أنه ليس تخلو مطارحة من إعمال ذينك الأسلوبين والطريقتين".
فلسفته
قامت فلسفة شوبنهاور على الأسس الآتية:
- أولاً: أن الوجود عبارة عن المادة المطلقة، فليس في الوجود سوى المادة
- ثانياً: أن العلم عبارة عن (إرادة وفكرة).
- ثالثاً: الإرادة الكلية في الطبيعة عنايتها تنصب على الحفاظ على الحياة في الأنواع، ولذلك تهتم بالإبقاء على الأنواع في النبات والحشرات والحيوان والإنسان، وهي في اهتمامها بالنوع، لا تلقي بالاً إلى الأفراد الذين تطحنهم الآلام، ويعذبهم الشقاء، ويغرقون في بحار المآسي والشرور.
- رابعاً: الموت هو عدو الإرادة الكلية، وهو الذي يحاول أن يقضي على الحياة والأحياء، ولكن الإرادة الكلية تهزمه عن طريق غريزة الجنس التي تدفع الأحياء إلى التزاوج والتناسل، وبذلك تعوض الإرادة عن طريق النسل ما يأخذه الموت، وتبقي الحياة والأحياء تحقيقاً لرغبة الإرادة الكلية.
- خامساً: الحياة كلها، بل الوجود كله شرور وأحزان ومشقات وآلام، وليس في الوجود كله خير قط، ولا يعرف معنى السعادة, وأقصى ما يتصور من خير في الوجود، أن تقل شروره نوعاً أو تخف آلامه هوناً. الشر والشقاء والتعاسة هي جوهر الحياة، وحقيقة الوجود، وهذه الأشياء هي الجانب الإيجابي في الحياة، أما ما يسمى بالسعادة، أو اللذة، أو الخير أو غير ذلك، فليست أموراً إيجابية، بل هي أمور سلبية، بمعنى أن السعادة ليست إلا سلب الآلام، واختفاء الشقاء أو التخفيف منه قليلا، ومن ثم فلا وجود لشيء اسمه السعادة أو اللذة، ولكن هناك شقاء وتعاسة وآلام، قد تكون شديدة، وقد تخف قليلاً أو كثيراً, فيسمي الناس هذه الحالة سعادة أو لذة.
- سادساً: وسيلة الإرادة الكلية في تنفيذ غايتها من بقاء النوع في الإنسان أمران: العقل، والغريزة الجنسية.
- سابعاً: عودة إلى ما قرره فيلسوف التشاؤم، من أن الوجود كله شر.فالوجود شر، لأن الألم والتعاسة هما الشيء الإيجابي، وأما ما نسميه سعادة ولذة، فهو أمر سلبي، فلا يزيد عن كونه سلباً للألم أو تخفيفاً منه للحظة، ثم تنتهي تلك اللحظة ليأتي الألم من جديد.
- ثامنا : لكل ما تقدم من أدلة على أن الحياة آلام، والوجود شر – فيما يزعم شوبنهاور - فإن الفيسلوف يدعو إلى نبذ الحياة – ويرغب في الانتحار تخلصا من شقاء الحياة وشرورها.
والفيلسوف – وهو يرَغب في الانتحار ويدعو إليه – يبين أن الموت في ذاته لا يسبب للإنسان ألما قط، ولكن الناس يتألمون من فكرة الموت أكثر مما يتألمون من الموت نفسه ؛ لأن الإنسان لايلتقي بالموت أبدا، فكيف يتألم منه ؟ إن الإنسان طالما هو حي لم يمت، فهو لا يرى الموت ولا يلتقي به ومن ثم لا يتألم منه، فإذا ما انتحر الإنسان ومات، فإن الموت حين يجيئ يكون الإنسان قد ذهب، وعلى ذلك فالإنسان يخاف من فكرة الموت، لكن الموت حين يجيئ ويقع يكون الإنسان قد استراح من شقاء الحياة وآلامها، وتخلص نهائيا من الإرادة الكلية العمياء الشريرة التي لا عمل لها إلا ترغيبه في الحياة وإغراؤه بها ليظل يصلى شقاءها وآلامها.
أقواله
كل صبي أحمق يستطيع أن يقتل حشرة، لكن كل علماء الأرض لا يستطيعون أن يخلقوا واحدة.
من النادر أن نفكر فيما نملك، بل نحن نفكر فيما ينقصنا.
يمكن للمرء أن يفعل ما يشاء، لكنه لا يستطيع أن يريد ما يشاء.
المهارة تصيب هدفا لا يمكن لأحد أن يصيبه، أما العبقرية فتصيب هدفا لا يمكن لأحد أن يراه.
الأصدقاء والمعارف أضمن طريقة لتحقيق الثروة.
الثروة مثل ماء البحر، كلما شربت منها زاد عطشك؛ وذلك ينطبق أيضا على الشهرة.
التضامن الشامل هو الضمان الوحيد للفضيلة.
من الصعب أن تبقى هادئا إن لم يكن لديك ما تفعله.
الصحفيون مثل الكلاب: يبدأون في النباح كلما تحرك شيء.
حياة الوحدة مصير كل الأرواح العظيمة.
الدين هو رائعة فن تدريب الحيوان، فهو يدرب الناس على الطريقة التي يجب عليهم التفكير بها.
كل الحقائق تمر بثلاث مراحل: الأولى أن تتعرض للسخرية، والثانية أن تقاوم بعنف، أما الثالثة فأن يتم اعتبارها من المسلمات.
كل أمة تسخر من الأمم الأخرى، وكلهم على حق.
نحن نتخلى عن ثلاثة أرباع أنفسنا لكي نصبح مثل الآخرين.
التواضع بالنسبة لمحدودي القدرات لا يعدو كونه صدقا، أما بالنسبة لذوي المهارات العظيمة فهو رياء.
قوة الإرادة بالنسبة للعقل مثلها مثل رجل قوي أعمى يحمل على كتفيه رجلاً كسيحاً يستطيع أن يرى.
يمكن للمرء أن يكون على طبيعته فقط عندما يكون وحده.
لم تمر بي أبدا أية محنة لم تخففها ساعة أقضيها في القراءة.
السوقيَّة نتاج الإرادة حين يغيب الذكاء.
أي كتاب على أي قدر من الأهمية يجب أن تعاد قراءته فورا.
التغيير هو وحده الأبدي الدائم الخالد.
الحياة تتأرجح كالبندول بين الألم والملل.
تذكر أن سرعة تقدمك لا تبدأ في الزيادة إلا عندما تتخطَّى قمة التل.
ستكون بعد موتك ما كنت عليه قبل ولادتك.
لا يمكن لمعدوم الذكاء أن يراه.
الطبيب يشاهد كل الضعف البشري، والمحامي كل الشر، ورجل الدين كل الغباء.
تضحية المرء بصحته في سبيل أي نوع آخر من أنواع السعادة هو أكبر الحماقات
الكراهية تنبع من القلب، والاحتقار من العقل، وكلاهما خارج عن إرادتنا.
كل مآسينا تقريبا تنبع من صلاتنا بالآخرين
كلٌ منا يعتبر أن حدود مجال رؤيته هي حدود العالم.
العظماء مثل النسور، وهم يبنون أعشاشهم في وحدة نبيلة.
الشرف لا يجب أن يُكتسب، بل يجب فقط ألا يُفقد.
عادة ما تقابل أعظم إنجازات العقل البشري بالشك.
التضحية باللذة في سبيل تجنب الألم مكسب واضح.
الرجال بطبيعتهم لا يبالون ببعضهم البعض، أما النساء فأعداء بطبيعتهم.
ينتج العناد عن محاولة الإرادة إقحام نفسها محل العقل.
اكتشف السيميائيون أثناء بحثهم عن الذهب كثيراً من الأشياء الأكثر نفعا.
لا يشعر المرء بالحاجة إلى ما لم يخطر له أن يطلبه.
شوبنهور
فيلسوف ألمافي متشائم.
ولد في ٢٢ فبراير سنة ١٧٨٨ بمدينة داشج Dantzig ، من والد كبير الثراء ، كان صاحب مصرف في هذه المدينة. ووالدته هي حنه شوبنهور، بنت المستشار تروزينر Trosiener وقد عرفت كاتبة مشهورة، الفت قصصا وأوصاف رحلات.
وبعد أنفقدت دانتسج حريتها في سنة١٧٩٣ ، لم تشأ الأسرة البقاء في المدينة فغادرتها إلى همبورج في تلك السنة.
وفي سنة ١٧٩٧ انتقل به والده إلى مدينة الهافر طوال سنتين عند احد اصدقائه التجار في المدينة. ثم عاد إلى همبورج في سنة ١٧٩٩ وبقي بهاحتى سنة ١٨٠٣ .
وفي عامي ١٨٠٢ و١٨٠٤ قام برحلة إلى سويسرة وفرنسا وبلجيكا وانجلتره، وبقي في لندن ستة أشهر، عرف فيها من طباع الانجليز ما بغضهم إليه.
وفي سنة ١٨٠٤ عاد إلى همبورج فوضعه أبوه في عمل تجاري يملكه ينش Jenisch . لكنه لم يظهر أي ميل إلى الأعمال التجارية، بل صرف كل همه إلى الدراسة النظرية.
وفي ابريل سنة ١٨٩٥ توفي والده فغاذرت الأسرة همبورج إلى فيمار. وهنا استأنفت والدته ناديها الأدبي الذي كان يضم في همبورج نخبة من الأدباء والفنانين الممتازين مثل ا لثاعر
العظيم كلوبستوك أبي الشعر الألمافي الحديث، والرسام تشبين Tishbein ، وريما رس. وازدان هذا النادي في فيمار بفضل جيته وأعلام الفكر والأدب الذين كانوا في فيمار.
ولم يشأ شوبنهور الاستمرار في الأعمال التجارية. وبعد كثير من التشكي ترك التجارة ودخل المدرسة الثانوية في جوتا
Gotha .
وفي سنة ١٨٠٩ دخل جامعة جيتنجن ،Gottingen فعني بدراسة الطب والعلوم الطبيعية والتاريخ، كما درس الفلسفة على يدي الفيلسوف الشاك جوتلوب ارنست شولتسه Schulze الذي وجهه إلى دراسة أفلاطون وكنت وحدهما، ونصحه بعدم قراءة أي فيلسوف غيرهما، خصوصا أرسطو واسبينوزا، قبل اتقان دراسة أفلاطون وكنت، وهي نصيحة لم يندم شوبنهور على العمل بها.
وفي سنة ١٨١٠ ذهب إلى جامعة برلين، وقد جذبته إليها شهرة الفيلسوف فشته Fichte لكنه سرعان ما تبرم بمحاضراته وتبدل الاعجاب به إلى سخرية واحتقار.
وفي سنة ١٨١٣ حاول تحضير الدكتوراه في جامعة برلين، لكن الحرب حالت دون ذلك. فارتحل إلى ييناJena، وظفر بالدكتوراه الأولى من جامعتها برسالته الموسومة باسم: ,الجذر الرباعي لمبدأ العلة الكافية».
وفي الشتاء التالي عاد إلى فيمار وتوثقت صلائه بجيته، وتأثر به في نظرية الألوان. وهنا أيضا عرف فريدرش ماير، المستشرق الذي أدخله في معبد الفكر الهندي. فعفي بدراسة الفكر والدين عند الهنود.
وفيما بين سنة ١٨١٤ و١٨١٨ عاش في درسدن، وعكف على المتاحف والمكاتب ودور الفن لدراسة الآثار الفنية فيها.
وهنا كتب أولاً «نظرية الابصار والألوان» الذي اخذ فيه جانب جيته ضد نيوتن. كذلك كتب وهو في درسدن كتابه الرئيسي: «العالم إرادة وامتثال» الذي نشره سنة ١٨١٩ غير أن الكتاب لم يلق نجاحاً يذكر.
وأمضى في إيطاليا عامين بين سنة ١٨١٨ و١٨٢٠ وتنقل في ربوعها، خصوصا في روما ونابلي والبندقية.
وفي سنة ١٨٢٠ عاد الى برلين، ونال من جامعتها دكتوراه التأهيل للتدريس. ثم صار مدرسا، لكنه لم يلق أي
مر بهور
نجاح في التدريس، حتى ان عدد الطلاب الذين كانوا يحضرون محاضراته لم يزد على تسعة. ومع ذلك ظل - رسميا - يدرس في جامعة برلين حتى سنة ١٨٣٢ .
وفي ربيع سنة ١٨٢٢ بعد تجربة التدريس المرة هذه، عاد إلى إيطاليا وتوسع في دراساته في الجمال والأخلاق وبقي يها ثلاث سنوات.
ولما عاد من إيطاليا في سنة ١٨٢٥ حاول استئناف التدريس بجامعة برلين، عساه أن ينجح هذه المرة، لكنه مني أيضا بخيبة الأمل والاخفاق، فكان اسمه مسجلا في يرنامج المحاضرات، لكنه لم يقم بالقائها.
وعاش في مدينة برلين وحيدا لا يحفل به إنسان، فيما يرى حواليه ألوية الشهرة ومشاعل المجد تحوم على رؤوس من وصفهم ب «الدجالين والمهرجين من المفكرين». فحمله هذا على التفكير في مغادرة هذه المدينة البغيضة إليه - برلين - فانتهز فرصة انتثار مرض الكوليرا فيها سنة ١٨٣١ وأوى إلى مدينة فرنكفورت على غهرالماينحيثأمضى البقية الباقية من حياته.
وفي سئة ١٨٣٩ بدأ اسم شوبنهور يشتهر بين الناس. فقد أعلنت الجمعية الملكية للعلوم في النرويج عن مسابقة في موضوع الحرية، فتقدم شوبنهوربرسالة بعنوان «حرية الارادة» ففاز بالجائزة، وعين في أثر ذلك عضوا في هذه الأكاديمية.
وفي سنة ١٨٤٠ قدم رسالة أخرى إلى الجمعية الملكية للعلوم في الدانمارك، بعنوان: «أساس الأخلاق»، لكنها لم تحصل على جائزة، لأن الأكاديمية جزعت من عنف الهجمات التي صبها على فشته وهيجل. لكن نجم شوبنهور بدأ في الت.
وفي سنة ١٨٤٨ كانت الثورات تعم أوروبا كلها، ومدينة فرانكفورت نفسها. فلما كان شوبنهور محبا للنظام، لا يريد ان يعكر عليه صفوحياته الهادئة شيء ، فقد أيد إخاد هذه الاضطرابات بكل قوة وعنف، حتى أنه أوصى بثروته لصندوق مساعدة الذين دافعوا عن النظام في سنة ١٨٤٨ و١٨٤٩ ، لهم ولأبنائهم اليتامى، وهو الصندوق الذي أس في برلين.
ومن سنة ١٨٥٣ بدأت شهرة شوبنهور في الاستفاضة في أوروبا كلها، فنشرت «مجلة وستمنستر» مقالة عنهترجمهالندنر Lindner إلى الألمانية ونشرها في مجلة فوس Voss ٠
وفي سنة ١٨٥٤ نشرفراونشتيتعرضا كاملا لمذهبه.
وفي سنة ١٨٥٥ وضعت جامعة ليبتسك مسابقة حول فىلسفته
وذاعت شهرته في كل أصقاع أوروبا، وصار له العديد من المتحمسين والمعجبين به والأتباع.
وفي ٢٣ سبتمبر سنة ١٨٦٠ توفي شوبنهورمحاطاً بأكاليل الشهرة بعد إنكار طويل، توفي إثر سكتة رئوية، وهو فيسن الثانية والسبعين.
فىلسفته
١- العالم امتثال:
تأثر شوبنهور في فلسفته بثلاثة مصادر : كنت، أفلاطون، وكتاب الأوبانيشاد الهندي.
وتقوم فلسفة شوبنهور كلها على قاعدتين: الأولى ان العالم امتثال، والثانية أن العالم إرادة.
وفيما يتصل بالقاعدة الأولى وهي ان «العالم من امتثالي» يقول شوبنهور ان كل وجود خارجي مرده في الواقع إلى الذات. وتبعا لذلك استطيع أن أستنتج كل قوانين العالم من الذات. ويتساءل شوبنهور هل العالم يسير على نظام؟ وجوابه عنه أن العالم يسير على قانون. ما هو هذا القانون ؟ انه مبدا ,العلة الكافية» . فكل امتثالاتنا مرتبة فيما بينها وبين بعض على نحومن شانه ان يجعل الواحد منها مرتبطا بالآخر، ولا شيء منها يقوم مستقلا بنفسه أومنفصلا عن غيره. وهذا الارتباط ارتباط منتظم نستطيع ان نعينه قبليا، اعني قبل التجربة بوصفه مركوزا في طبيعة الذات ومع ذلك فإن من لأيسر علينا ان نعين هذا القانون على وجه الدقة بطريقة بعدية، أي بواسطة النظر في مضمون التجربة، وتمييز أنواع ما فيها من موضوعات، وما يخضع له كل نوع من مبادىء. وبعد تصنيفنا لكل هذه الموضوعات، أو الامتثالات نرتفع بطريقة قبلية إلى أصول هذه المبادىء، أعني الملكات العقلية التي تخضع لها الموضوعات وتستمد منها المباد ىء .
فإذا اتبعنا هذا المنهج، وصلنا إلى أربعة أنواع من الامتثالات أوالموضوعات: التأثيرات الحية، والتصورات، والعيانات المجردة (الزمان والمكان)، وأخيرا المشيئات. أما التأثيرات الحية فيناظرها مبدأ «الصيرورة» اوالمبدأ الفيزيائي، اي العلية بالمعنى العادي، والتصورات يناظرها «مبدأ المعوفة»
شو بنهور
أو المبدأ المنطقي، أي القوانين المنطقية للذهن. والعيانات المجردة يناظرها مبدأ «الوجوده، أو المبدأ الرياضي، أي الزمانية والمكانية.والمشيئات يناظرها مبدأ «الفعل» أو المبدأ الأخلاقي، أي الباعث. وكل مبدأ من هذه المبادى، الأربعة مستمد من ملكة عقلية خاصة: فمبداً الصيرورة له ملكة «الذهن»، ومبدأ المعرفة له ملكة «العقل» ، ومبدأ الوجود له ملكة «الحساسية» . ومبدأ الفعل له ملكة «الح الباطن» أو «الوعي الذاقي».
لكن هذه المبادىء ليست مستقلة الواحد عن الآخر، بل هي اشكال مختلفة لمبدأ واحد هو مبدأ العلة الكافية. ولهذا لا يسميها شوبنهور باسم امبادىء الأربعة، بل يقول عنها : «الجذر الرباعي مبدأ العلة الكافية» وبهذا الاسم سمى رسالته للدكتوراه. فثم مبداً - أو أصل واحد اذن، له اربعة فروع لكن اهم هذه المبادىء هومبدا الصيرورة (أو التغير) . ولهذا كرس له كثيرا من التدقيق والنظر، فقال ان الظواهر مرتبطة بعضها ببعض ارتباطا وثيقا حى ان كل شيء يتعين بشيء آخر، وكل ظاهرة تسبقها علة أو ظاهرة هي السبب في حدوثها. فكل تغير يحيل إلى آخر سابق عليه، وهكذا إلى غير نهاية، سلسلة العلل متصلة. ومعنى هذا انها بالضرورة أزلية أبدية، أي لا بدء لها ولا نهاية . لهذا يسخر شوبنهور من كل هذه التعبيرات التي استخدمها الفلاسفة المتألهون مثل: العلة الأولى، علة ذاته، المطلق، وما شابه ذلك من عبارات فيهاإنكارللتسلسل العل المتل.
وللعلية انواع ثلاثة : علية لا عضوية، وعلية عضرية، وعلية حيوانية إنسانية. والأولى هي العلية بالمعنى الأصيل، والثانية هي المنهج أو المؤثر، والثالثة هي الباعث. وتمتاز العلية التي من النوع لأول بالتناسب بين العلة والمعلول في الدرجة، اعني ان العلة في حالة الأشياء اللاعضوية: من الية وفيزيائية وكيمائية، تنتج من الأثر بقدر ما فيها، فيحدث في العلة من التغير بقدر ما في المعلول ما تحدثه هي، ولذا يمكن قياس درجة التأثير بحسب درجة المؤثر، ويهذا تختلف العلية العضوية عن العلية اللاعضوية. إن مقدار العلة. وقوتها في حالة العلية العضوية لا يتناسب ومقدار المعلول وقوته، ولا يمكن قياسه به، وإنما تؤدي قوة العلة إذا كبرت إلى القضاء على المعلول أو التأثير الذي يمكن ان ينتج ومن كلتا العليتين تتميز العلية الحيوانية الانسانية. ففي هذه الحالة الأخيرة لا حاجة إلى التماس بين العلة والمعلول من اجل إنتاج الأثر.
ونظرة شوبنهور إلى المادة نظرة مثالية، إذ يجعل المادة من
صنع العقل. والمادة من ناحية هي العلية، وبالتالي هي شكل من الشكول القبلية للعقل أو الثكل الوحيد القبلي له. ويقول عنها بصراحة انها «بالنسبة إلى العقل فحسب، وبواسطة العقل وحده ولا وجود لها إلا في العقل».
بيد أنه من ناحية اخرى ينظر إليها بعين العالم الطبيعي أو الفيزيائي، فيصور لها وجودا مستقلا، وكأنها الشيء في ذاته.
ولهذا فإن في فكرة شوبنهور عن امادة تناقضا واضحا.
٢- العالم إرادة:
ويتجلى هذا التناقض أوضح حين نرى شوبنهور يقوم بطفرة فينتقل مباشرة من «الذات» باعتبارها عقلا يفكر ويمتثل تبعا لبدا العلة الكافية، وبالتالي يصنع الوجود الخارجي بأكمله. نقول أنه ينتقل إلى « امرفرع، با'عب ره «الارادة، التي هي-في نظره - الجوهر الباطن والسر الأعظم لهذا الوجود. وما لوجود في الواقع إلآ التحقق اموضوعي للارادة.
ذلك أن الانسان ليسعقلافحسب، بلهوفردفيهذا العالم يمتد بجذوره فيه على هيئة بدن (جسم) .
والبدن هو «الارادة» منظورا إليه من باطن، والارادة» بدورها، البدن منظورا اليه من خارج. ولهذا فإن كل حركة للبدن هي حركة للارادة، والعكس بالعكس. إن الارادة والبدن سيان، او شيء واحد له مظهران: مظهر مباشر هو الارادة، ومظهرغير مباشرهو البدن. وفعل لارادةهو بعينه فعل الجسم، اي ان الارادة والفعل أمر واحد، وإنما النظر العقلي هو الذي يفصل بينهما. لأن فعل البدن (أو الجسم) ليس إلا فعل الارادة بعد أن تحقق موضوعا، اعفي اصبح منظورا اليه من جانب الامتثال , وتبعا لهذافإنه ليس بين البدن والارادة صلة العلية، لأن هذه الصلة لا تقوم إلا بين شيئين متمازين، وليست الحال ها هنا كذلك.
والارادة هي جوهر وجود الانسان. ففيها يجد الانسان بالتأمل الباطن المباشر الجوهر الباطن الحقيقي للانسان، والذي لا يمكن أن يففى، وهي البذرة الحقيقية الوجودية في الانسان، وبالجملة، فإن الارادة هي الشيء في ذاته». والارادة هي الجوهر الخالد غير القابل للفناء عند الانسان، ومبدأ الحياة فيه.
والآن بأي معنى يفهم شوبنهور «الارادة»؟ إذ يبدومن وصفه لها أنها تختلف عما نفهمه عادة من معنى هذم الكلمة. فنحن نفهم من الارادة انها قوة نفسية تأتمر بالعقل وتصدر في
٣٤
شوبنهور
افعالها عن بواعث يمليها العقل بأحكامه. ولكن «الارادة» عند شوبنهور غير غافلة، أو ان شئت فقل أن العقل ثانوي بالنسبة إليها. فما عسى هذه الارادة العمياء إذن ان تكون؟.
هنا يجب أن نفرق بين الارادة با لمعفى العام، وبين الارادة المحدودة بالبواعث والي يسموها ,الاختيار, - فهذه الأخيرة هي وحدها العاقلة، أما الأولى فليست عاقلة، لأن الارادة المختارة تؤدي عملها تبعا لبواعث والبواعث امتشالات، وا لامتثالات مركزها المخ، والأجزاء التي تتلقى اعصابا من المخ هي وحدها إذن التي تخضع للبواعث. والحركة التي يقوم بها الانسان على اساس هذه البواعث هي وحدها المنتسبة إلى الارادة المختارة. اما الأفعال التي لا تصدر عن بواعث فتنتسب إلى الارادة بوجه عام. ولهذا فإننا نضيف الارادة، بهذا المعى، إلى الكائنات التي لا امتثالات لها، اي إلى الجمادات، اعني ان في وسعنا التوسع في معى الارادة لدرجة ان نضيفها إلى كل موجود. فالقوة التي بها ينمو البات، ويتبلور المعدن، والتي توجه الابرة الممغنطة صوب الشمال، والتي بها تتجاذب الأجسام، أوتتنافر، أوتتجه إلىمركز الأرض في الجاذبية، هذه القوة هي الارادة وقد تحققت في مظاهر متعددة.
ويؤكد شوبنهور أولوية الارادة على العقل لأسباب عديدة لا مجال هنا لحصرها (راجع كتابنا ٠شوبنهور» ص ١٩٤-٢٠٣) ويقول عن نفسه انه اول من قال بالنزعة الارادية، أي تلك التي تجعل من الارادة، لا من العقل والمعرفة، الجوهر الحقيقي الباطن للثخصية. وقبله كان ينظر الى العقل على أنه هرالجرهر.
وبنزعته المتطرفة هذه في تغليب الارادة على العقل، بدأ شوبغهور تيارا جديدا قويا في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، وهو التيار الذي قضى على سيادة العقل، وجعل للارادة السيادة في الحياة النفية وفي الوجود كله بوجه عام. فلم يعد الوجود تطورا للفكرة المطلقة أو اللوغوس (العقل) كما هي الحال عند هيجل، الذي كان في تعارضحاد مع شوبنهور - وفي هذاتفيرلكراهيةهذا الاخير لهيجل كراهية متطرفة. ولم يعد النظر إلى الوجود على أنه يسير على قواعد منطقية عقلية محكمة، باعتبار أن العقل يحكمه ويسوده، كما كان الميل إلى هذا واضحا كل الوضوح عند العقلين ومن بينهم كنت الذي كان مع ذلك نقطة ابتداء اللامعقول حينما جعل ٠الشيء في ذاته» غيرخاضع للعقل، وإن لم يستخلص المضمون النهائي لهذا القول، بل ظل
على نظرة العقليين إلى العقل باعتبار انه هو ا لوا قع الموجود، وهو قال عن :الشيء في ذاته» انه ٠فكرة» أي مسألة نظرية فحسب.
وثمة خاصية أخرى للارادة، إلى جانب اللامعقولية، هي الوحدة. وشوبنهور يمضي في توكيد وحدة الارادة في الوجود كله، إلى حد القول بوحدة الوجود على طريقة الفيدا والايليين واسبينوزا، ثم معاصريه من الألمان، خصوصا شلنج. وقد كانت مقدمات مذهب شوبنهور تفضي بالضرورة الى وحدة الوجود. ان الارادة - عند شوبنهور - وحدة، لكن لا بالمعى العددي، ولكن بالمعى الوجودي، والمعفى العدديهوالذي يقال في مقابل الكثرة، أما المعنى الوجودي فيقال على سبيل ا لإطلاق، لا نسبيا، ويدل على البساطة وعدم القابلية للتجزئة والانقسام، وهي الحضور في كل مكان وبنسبة واحدة في الشيء الضئيل كما في الشيء العظيم، إذ لا معفى لهذه التفرقة بالنسبة اليها، فإن هذه التفرقة لا تقوم إلا بالنسبة إلى اممتد في المكان، والارادة ليست عمتدة ولا متميزة فلا يمكن أن يقال إذن أن مقدارا صغيرا منها يوجد في الحجر، ومقدارا اكبر في الانسان. وإغما هي حاضرة في كل جزء وبنسبة واحدة وبلا تجزئة ولا انقسام.
فشوبنهور إذن من القائلين بوحدة الوجود بالمعى الفلسفي الخالص، لا بامعنى الديفي، اعني بمعفى ان هذا الوجود له مبداً واحد وحدة مطلقة في ذاته، وإن تعددت المظاهر التى يتحقق عليها موضوعياً. وهذا المبدا هوالإرادة، الإرادةالعمياء المندفعة. ونراه ينكر وحدة الوجود بال معفى ا لديفي، أي بمعفى أن العالم هو الله الواحد وما الأشياء الحسية إلا مظاهر متعددة لوحدته المطلقة. ويسوق البراهين التالية: (الأول) أن ,الدا غير المشخص ليس بإله، بلهذا تناقض في الحدود غيرمعقول ولا مفهوم. ولهذا فان وحدة الوجود بالمعفى الديني هي في نظر شوبنهور «تعبير مؤدب» ولفظ مهذب لكلمة: «الحاد». و(الثافي) لأن وحدة الوجود بامعنى الديفي تتنافى مع الكمال الواجب لله، وإلا فما هذا الاله الذي يظهر في صورة هذا العالم الفاسد الرهيب، وفي شخص الملايين التعسة المعذبة وكأنهم زنوج عبيد محكوم عليهم بأشق الأعمال بلا غاية ولا فائدة؟ ! و(الثالث) لأن الاخلاق لن يكون هناك مبرر لوجودها داخل مذهب يقول بوحدة الوجود. فلم يكن في وسع شوبنهور، واتجاهه الأصيل اخلاقي، أن يقول بمثل هذا المذهب.
فهو إذن يقول بوحدة الوجود، ولكن بمعفى خاص، هو المعى الفلسفي الخالص.
شوبنهور
٣-ارادة الحياة؛
الارادة إذن اندفاع اعمى بلا غاية ولا هدف، لكن نحو ماذا؟
تأمل هذا العالم وما يجري فيه. فماذا ترى؟ ترى اندفاعا ،لى الوجود، وتدافعا من اجل البقاء، وكائنات تتوثب في نثوة وحماسة فائضة مؤكدة لذاتها في العيث، وصائحة ملء فيها: الحياة، الحياة! اي تعبر إذن عن شعور واحد هو الشعور بالحياة، وتنساق في تيار واحد هو سياق الحياة، ويحدوها ويدفعها دافع هودافع الحياة. فهي إذن لا تمثل غير إرادة واحدة، الا وهي: إرادة الحياة، وان تعددت المظاهر التي تتخذها والشكول التي تعلن بها عن نفسها، واللغات التي تتحدث ها. وإلا، فعلامكلهذا الجزع ولماذا كلهذا العذاب والألم، الصراعالدفاع، والعطفوالاشفاق-لماذاهذاكله يرتبط بحادث أو ظاهرة في غاية البساطة هي شعور حياة فردية بأنها مهددة بالفناء؟ انه لبب واحد هوإرادة الحياة. وإذا قلت ان هذا شعورذاقي، فما الدليل على انه شعور موضوعي عام في كل الوجود؟ والجوابهوأن ادعوك للتأمل ببصرك موضوعي! في الطبيعة بجميع درجاتها، فسترى حينئذ في الطبيعة كلها غاية واحدة هي حفظ النوع. فما نشاهده من إفراط شديد في إنتاج البذور، وعنف قلق في الغريزة الجنسية، ومهارة فائقة في تكييف هذه الغريزة مع جميع الاحوال والظروف والتجائها إلى اغرب الوساثل وسلوكها أوعر السبل من أجل مقاصدها، وما يرز في حب الأمومة من إيثاريكاد ان يصل عند بعض الأنواع الحيوانية حد تفضيل الابن على الذات -كل هذا يدل على أن غاية الطبيعة في كل سيرها ونضالها غاية واحدة هي حفظ النوع. اما الفرد فلا تكاد الطبيعة ان تحفل بم في ذاته، وإنما كل قيمته عندها أنه وبيلة من أجل الاحتفاظ بالنوع، حق إذا ما اصبح غير قادر على تحقيق ذلك، قذفت به إلى الغناء.
تلك هي العلة في وجود الفرد. فما العلة في وجود النوع؟ هذا سؤا ل لا تقدم لنا الطبيعة عنم اي جواب. فمن العبث أن ينثد المرء في هذا التدافع المستمروالافطراب المتصل فيحومة الحياة - غاية يمكن ان يوفض إليها شيء من هذا الصراع، لأن زمان الأفراد وموتهم ينفقان باسرهما في الاحتفاظ بالبقاء ، بقاء الفرد في نفسه، وفي ذريته من بعده، أي في الاحتفاظ بالنوع.
وإن شنت دليلا اوضح، فانظر إلى حياة كل نوع في لطبيعة تر اها لو كانت لغاية معقولة لأسرع كل نوع في
الخلاص منها بكل قواه. وإلا فأية غاية تلك التي ينشدها حيوان مثل الخلد، تلك الدابة العمياء التي تعيش تحت الأرض، ولا عمل لها طوال حياتها غير أن تحفر-بمشقة- الأرض بواسطة أقدامها الضخمة الفلطاحة، وتحيا في ليل متمر، لأن عيري الجنينية لا غاية منها إلا الفرار من الضرء، حتى أنها لتعد الحيوان الليلي الأول؟! اها لا هدف لها سوى الغذاء والجماع، أي ما يحفظ النوع فحسب.
فيا مصدر هذا التعلق الشديد بالحياة؟
ليس مصدره العقل والتفكير. فقليل من التأمل كان لإقناعنا بان الحياة ليست خليقة بثي ء من الحب والاستمرار. وليس من المؤكد أن الوجود خير من اللاوجود، بل لعل العكس أن يكون هو الصحيح، كما يبدو لنا لو أمعنا النظر بعض الامعان. ولو استطعت أن تسعى إلى قبور الموق وتقرع ابوا بها سائلا إياهم : هل يريدون العودة إلى الحياة؟ إذن لرأيتهم ينغضون إليك رؤ وسهم رافضين وإلا فعلام التعلق بهذه النزعة القصيرة التي يقضيها المرء في الوجود، والتي لا تبدو شيئا وسط تيار الزمان اللاهاني؟ إنما هذا التعلق بالحياة حركة عمياء غير عاقلة، ولا تفير لما إلا ان كياننا كله إرادة للحياة خالصة، وأن الحياة، تبعا لهذا، يجب أن تعذ الخير الأسمى، مهما يكن من مرارتها وقصرها واضطرابها، وأن هذه الارادة في ذاتها وبطبيعتها عمياء خالية من كل عقل ومعرفة. أما المعرفة، فعلى العكس من ذلك أبعد ما تكون عن هذا التعلق بالحياة. ولهذا تفعل العك: تكثف لناعما لهذه الحياة من ضآلة قيمة. ويهذا تحارب الخوف من الموت» . واصدق شاهد على ذلك أننا نمجد من يقبلون على الموت في شجاعة وثبات، بعد ان أقنعهم العقل أن الحياةعبث لا يليق بالعاقل لاستمرار فيه، وننكر فعل من ا ينغلب العقل عنده على إرادة الحياة فيتعلق بها بأي ثمن، ويمتلء جزعاً وخوراً واضطراباً حينما يتعرض له، بله لخطره.
ويتناول شوبنهور مشكلة الموت فيقرر ان الموت لا يصيب إرادة الحياة، وإثما يتعلق بمظاهرها العرضية الزائلة كي يجددها باستمرار. أما إرادة الحياة فخالدة أبد الدهر. والطبيعة قد ضمنت لها الخلود بواسطة أداة قوية تلعب الدور الأكبر في الحبا: العضوية، وهذه الارادة هي الغريزة الجسية. ففيها مظهرمن أوضح وأعنف مظاهر توكيد إرادة الحياة لنفسها، لأن معنا ها هو ان الطبيعة مهمومة بحفظ النوع باستمرار. وان في شدة هذه الغريزة وكونها أقوى الغرائز، ما يدل يجلاء على أن توكيد ارادة الحياة هو سر السر في الطبيعة. اجل، اها ليست لاساس في
شوبنهور
الارادة ومصدرها، ولكنها العلة المهيئة لظهورها وتحققها في الأعيان والموضوعات. ومن هنا كانت اهميتها الكبرى، وكان حرص الطبيعةعلىأن ييسر لها الاشباع بكل الطرق، حتى إذا حققت الكائنات غاية الطبيعة منها، وهي حفظ النوع، لم تكترث لوجودهم اولفنائهم، لأن ما يعنيها هو النوع، لا الف.
ونتيجة لهذا فإن شوبنهور نظر إلى الحب نظرة جنسية خالصة لأنه يراه مرتبطا كل الارتباط بالغريزة الجنسية، وهذه بدورها ترتبط بارادة الحياة على هيثة حفظ النوع. وقد كرس شوبنهورلموضوع الحب فصلا من اروع فصول كتابه الرئيسي : « العالم إرادة وامتثال» وأكد فيه ان الحب مهما تسامى وتلطف ينبع من الغريزة الجنسية أو هو الغريزة الجنسية نفسها واضحة مشخصة. والزواج هو الآخر لا يقوم إلا من اجل تحقيق تلك الغاية، اعني حفظ النوع. وواهم كل الوهم من يزعم أنه يقوم او يمكن ان يقوم على الحب الخالص الذي يؤدي إلى السعادة الشخصية لكلا الطرفين.
٤ - الوجود خطيئة
شوبنهورهو فيلسوف التشاؤم الذي اكشف ان الوجود في جوهره شر، وحاول أن يفر كل ما في الوجود من مظاهر تبعا لهذا الأصل.
ذلك أن الوجود، كماقلنا، إرادة، والارادة مصدر الحطيئة. قالشوبنهور: «لما انبثقت الارادة من عمائق اللاشعور كي تستيقظ على الحياة، وجدت نفسها، كفرد في عالم لا هاية له ولا حدود، وسط حشد هائل من الأفراد المجهدين المتألمين الضالين، ولما كانت منساقة خلال حلم رهيب فاها تهرع كي تدخل من جديد في لا شعورها الأصيل. وحتى تصل إلى هذه الغاية، كانت رغباتها غير متناهية ودعاواها لا تنقضي، وكل اشباع لشهوة يولد شهوة جديدة، ولا مرضاة ارضية قادرة على تهدئة جموحها ونوازعها، أو القضاء نهائيا على مقتضياتها أو تملئة هاوية قلبها السحيقة».
فالانسان يسعى جهده طوال عحياه، محتملا أشد صنوف العذاب والآلام، محفوفا بالمتاعب والعراقيل، باذلا كلما في وسعه من طاقة - وكل ما يحصله بعد هذا العناء كله هوأن يحافظ على هذه الحياة البائسة التافهة، بينما الموت ماثل أمام عينيه في كل فعل وفي كل ان. الا يؤذن هذا كله بان السعادة الدنيوية وهم يجب الاعتراف به، وبأن الحياة بطبعها شر، وبان جوهر
هذا الوجود هو الشقاء؟ أجل، فإن السعادة النسبية التي قد يخيل إلى البعض انهم يشعرون بها إنهي الأخرى إلا وهم، فما هيإلا الإمكانية المعلقة التي تضعها لحياة أمامنا، على سبيل الإغراء بالبقاء في هذا الشقاء، وهي السراب الكاذب الذي يحثنا على الحرص عليها ويحدونا إلى التعلق بما فيها. إنها تعبث بنا عبثاً منكراً مروعاً، تعد ولا ترعى العهود، وتغري لكن تشعر بخيبة الأمل، وتلوح بالسعادة حياشة لنا إلى مهاوي انقاص.
فإن كنت في شك من هذا، فتأمل اولا: الزمان اليس الزمان هو الذي ينشب أظفار الفناء في كل موجود؟ أو لا يجعل كل سرور وكل سعادة إلى عدم وفقدان؟ يقول شوبنهور: «ان الزمان هو الصورة التي تعطي لهذا العدم الماثل في الأشياء مظهر البقاء الزائل، وهو الذي يقضي على ما بين أيدينا من مسرة واغتباط، بينما نحن نتساءل مذهولين: إلى أين ذهبا؟ ألا أن هذا العدم نفسه لهو العنصر الموضوعي الوحيد في الزمان، أعني ما يقابله في الجوهر الباطن للأشياء، وهو بهذا الجوهر الذي يعبرهوعنه».
ولننظر ثانيا فيطبيعة هذه السعادة التي يتحدثون عنها. فماذا نرى؟ «نحن نح بالألم، لا بالخلومن الألم، وبالهم، لا بالخلو من الهم، وبالجزع لا بالأمن. ونحن نشعر بالرغبة، كما نشعر بالجوع والعطش. لكن ما تلبث الرغبة أن تشبع حى تصير مثل تلك القطع من الحلوى التي نتذوق طعمها في الفم، ثم لا يكون لها وجود بالنسبة إلى الاحساس حينما تبتلع . ونحن نعاني في اشد الألم الخلومن الملاذوالمسرات، فنأسف عليها في الحال. أما زوال الألم فعلى العكس من ذلك: لا نحس به مباشرة حتى لولم يعاودنا إلا بعد مدة طويلة. وكل ما نقدرعليه هو ان نفكر فيه لأننا نريد التفكير فيه عن طريق التأمل. فالألم والحرمان هما وحدهما إذن اللذان يمكنهما أن يجدثا تأثيرا إيجابيا، وبالتالي أن يكشفا عن ذاتيهمانفسيهما.أما التمتع فعلى العكس من ذلك سلبي خالص. ولهذا لا نستطيع أن نقدر الخيرات العظمى الثلاثة التي نحظى بها في الحياة، وهي: الصحة، والشباب، والحرية - طالما كنا مالكين لها . ولكي ندرك قيمتها، لا بد لنا من فقدها اولا، لأنها هي الأخرى سلبية».
وكل لذة تتذبذب بين حالتين : حالة الألم قبل أن تدرك، وحالة الملال بعد أن تشبع. وكلتا الحالتين عذاب. ففي الملال يشعر الانسان بالخلاء، وعدم الاكتراث، والضجر. ونضال الملال اشق من نضال الألم، لأنه مجهول الموضوع فلا يعرف
شيشررن
الانان كيف يصده، ولأنه مثير للتراخي وعدم الاقبال على شيء ، فلا يقوى الانان على الخلاص منه. وان تخلص منه فما ذلك إلا بإثارة رغبات جديدة تولد بدورها الم الحرمان : فنحن ندور إذن في عجلة الألم باستمرار.
مؤلفاته
سنة ١٨١٣ : ,حول الجذر الرباعي لمبدأ العلة الكافية،.
zureichenden مم0 Uber die vierfache Wurzel des Satzes
.Grunde
ف ١٨١٦ : ٠فيالابمار والالوان,
.Farben ح1ل 25 Sehen undل Ueber
سنة ٤١٨١٩ «العام إرادة وامتثال»
.5 Wille und Vorstellungاه Die Welt سنة ١٨٣٦ : «حول الارادة في الطبيعة»
,den Willen in der Natur ]حل
سنة ١٨٤١: «المشكلتان الرئييتان في الأخلاق»
,beiden Grundprobleme der Ethik ه101 سنة ١٨٥١: «الحواشي والبواقي»
Parerga und paralipomena.
وبعد وفاته نشرت له الأبحاث التالية، نشرها يوليوس فراوتشتيت في ليبتسك سنة ١٨٦٤ :
١ - «حول النساء» Ueber die Weber
٢ - «حكم في الحياة» .Aphorismen zur Lebensweisheit
٣ - «حول الموت» ل10 Ueber den
٤ - «ميتافيزيقا الحب الجنسي» Metaphysik der Geschlechts liebe
٥ - «حول القراءة والكتب» Bucher لل Ueber Lesen
٦ - ,حول الكتابة والأسلوب» ل0ل Ueber Schriftstellerei
Stil
٧- «ترجمة كتاب جراتيان» Gracians Handorakel
وله مراسلات وأحاديث مع بكر وفراونشتيت وفون دورن وغيرهم.
أما مجموع مؤلفاته فالنشرة النقدية الجديدة لها هي التي نشرهادويسن Deussen في ٤ ١ ملمدا، وابتدأ نشرهافي سنة ١٩١١عند الناشر 1. Piper في ميونيخ.
شوبنهاور، آرثر
شوبنهاور، آرثر (1788-1860م). فيلسوف ألماني، اشتهر على نطاق واسع بسبب آرائه التشاؤمية وأسلوبه النثري المرهف. تأثر شوبنهاور بقوة بالفيلسوف الألماني إيمانويل كانط. ففي سياق الجدل الكانطي، أصر شوبنهاور على أن الحياة التي نمارسها من خلال حواسنا مجردُ عَرَض. وهو بذلك يعني أننا لانمارسها كما هي، ولكن نعرضها على أنفسنا. وأثناء عرض الحياة على أنفسنا، نقوم بتغيير أحداثها.
حاول كل من كانط وشوبنهاور إثبات أننا نعرض موضوعات، كما هي موجودة في الزمان والمكان، ونحن نقوم بعرض الأحداث بعد أن يتوافر لدينا السبب. ولكن طبقًا لهذين الفيلسوفين، فإن المكان والزمان والسببية ليست في الواقع ملكًا للحياة، بل نضيفها إلى تجربتنا في الحياة، فهي هياكل نستخدمها بالضرورة دائماً لتنظيم تجربتنا.
لكن الثمن الذي ندفعه لهذا النظام لايعرف أبدًا الحياة كما هي في الواقع، أي كما هي بعيدًا عن الهياكل التي أضفناها إلى الحياة كما نحياها. ويرى شوبنهاور أننا نستطيع على الأقل أن نعرف أنفسنا بدون إضافة هذا التشويه. وبالإضافة إلى معرفة أنفسنا ـ مثلما نعرف أشياء أخرى ـ فإننا أيضًا نجرّب أنفسنا من الداخل أفرادًا نمارس الخيارات، ونقبل نهايات معينة مطلوبة. وكما عبر شوبنهاور عن ذلك، فإننا نمارس أنفسنا رغبة مثلما نمارسها عرضًا. وبمعرفة أنفسنا رغبة، فنحن نعرف أنفسنا بعيدًا عن هياكل المكان والزمان والسببية، لذلك فإننا نعرف أنفسنا كما نكون تمامًا. ووفقًا لمفهوم شوبنهاور، فإن الرغبة هي الطبيعة الداخلية الحقيقية للحياة.
كان تشاؤم شوبنهاور يعتمد على اعتقاده أن الرغبة لايمكن إشباعها في الواقع. وطبقًا لرأي شوبنهاور، فإن الرغبة إما أن تكون كفاحًا من أجل تحقيق شيء لم تحققه بعد، لسوء الحظ، أو أنها تمارس الملل الذي يعقب تحقيق الهدف بطريقة ثابتة. مفترضًا استحالة إشباع كفاح الرغبة دائمًا فإن شوبنهاور ينصحنا بأن نبعد أنفسنا بقدر الإمكان عن هذا الكفاح. ويقترح أحد الطرق المهمة لتحقيق هذا الانسحاب بوساطة التأمل الهادئ للجمال الطبيعي والفني.
ولد شوبنهاور في دانزيج (غدانسك ببولندا). وبناءً على إلحاح والده، بدأ التدريب في إدارة الأعمال. لكنه عاد إلى الفلسفة بعد وفاة والده. وأول كتاب ألّفه شوبنهاور هو حول الجذر رباعي الطبقات لمبدأ السبب الكافي (عام 1813م).
أهم أعماله:العالم رغبة وعَرَض (عام 1819م، الطبعة الثانية عام 1844م). إضافة إلى مجموعة مقالات بعنوان باريرجا وباراليبومينا عام (1851م) جلبت له شهرة عالمية حتى نهاية حياته.
- ^ خطأ استشهاد: وسم
<ref>
غير صحيح؛ لا نص تم توفيره للمراجع المسماةautogenerated432