عبودية
العُبُودِيَّة أو الرِّقّ (بالإنجليزية: Slavery) مصطلح يُشير إلى أشكال متنوعة من تقييد أو إلغاء الحرية، مثل عبودية الأرض أو عمل التابع لمولاه. وعلى أية حال فإن المفهوم يرتبط عادةً بحالة امتلاك إنسان لإنسان آخر، وهو كون الإنسان مستعبدًا لغيره مملوكًا له، فاقد التصرف بذاته ومكاسبه، حيث يكون فيها الفرد المستعبد مثل أى شى مملوك يمكن بيعه أو شراؤه، ولا يتمتع بمكانته كآدمى. وعبودية الامتلاك بهذا تتميز عن أشكال الرق الأخرى بحكم خاصية الامتلاك هذه. والرقيق لا يحصلون على أجر مقابل أعمالهم أو خدماتهم (حتى فى الحالات التى يمكنهم أن يتكسبوا ويمارسوا العمليات الاقنصادية). وهكذا يمكن النظر إليهم كأدوات للانتاج.
ويعرف التاريخ القديم والحديث عمليات استرقاق أو استعباد لأناس بسبب هزيمتهم فى أوقات الحرب. وفى العهود الرأسمالية المبكرة فى العصر الحديث تم استخدام عبودية الامتلاك كنظام فعال (أو بالأحرى نظام أرخص) لتشغيل الأيدى العاملة لدى أصحاب المزارع وملاك العبيد فى الأمريكتين فى الفترة ما بين القرن الخامس عشر والقرن التاسع عشر، حيث كانت تجارة الرقيق تتولى توفير العمالة اللازمة.
والاسترقاق فهو: الإدخال في الرق. ويقال للواحد وللجمع: رقيق، وللجمع فقط أرقّاء. ويطلق على المالك اسم السَّيِّد وعلى المملوك اسم العَبْد (والجمع: عَبِيد أو عِبَاد) أو الأَمَة (والجمع: إماء) أو الرقيق (والجمع: أَرِقَّاء). وكان الرقيق يباعون في أسواق النخاسة أو يشترون في تجارة الرقيق بعد اختطافهم من مواطنهم أو بعد أسرهم في الحروب والغزوات أو بسبب اهدائهم من قبل أهاليهم أو مالكهم.
نشأ الرِّق في أوقات مبكرة من التاريخ، وتعود نشأته في الغالب إلى الحروب والصراعات التي كانت منتشرة بين الأمم والشعوب من بدايات الخليقة. وعندما تطورت الزراعة بشكل متنامٍ في، كانت الحاجة ماسة للأيدي العاملة. فلجأت المجتمعات البدائية للاستعباد لتأدية أعمال تخصصية لا يريد المُلّاك القيام بها.
وفضلاً عن الرِّق بسبب الحروب، فقد كان من الأساليب المعهودة والمنتشرة في أحداث الرق: سرقة الأطفال، أو خطف النساء والرجال في حوادث قطع الطرق، والغارات المحلية المتبادلة التي كانت تشنها القبائل البدائية بعضها على بعض، أو تسديداً لدين، وكذا استعباد الأشخاص المذنبين كاسترقاق السارق المعمول به عند العبرانيين وغيرهم والمذكور في قصة يوسف ﴿قالوا فما جزاؤه إن كنتم كاذبين ¦ قالوا جزاؤه من وُجد في رحله فهو جزاؤه﴾ يوسف: 74، 75.
وكانت العبودية متفشية في الحضارات القديمة لدواعٍ اقتصادية واجتماعية. لهذا كانت حضارات الصين وبلاد الرافدين والهند تستعمل العبيد في الخدمة المنزلية أو العسكرية والإنشائية والبنائية الشاقة. وكان قدماء المصريين يستعملون العبيد في تشييد القصور الملكية والصروح الكبرى. وكانت حضارات المايا والإنكا والأزتك تستخدم العبيد على نطاق واسع في الأعمال الشاقة والحروب. وفي بلاد الإغريق كان الرق ممارسا على نطاق واسع لدرجة أن مدينة أثينا رغم ديمقراطيتها كان معظم سكانها من العبيد وهذا يتضح من كتابات هوميروس للإلياذة والأوديسا.
العبودية وجددت في ثقافات عديدة من بداية الحضارات وكانت قانونية في المجتمعات ولكن أصبحت الآن غير قانونية وآخر دولة تم إلغاء العبودية فيها هي موريتانيا عام 1981م، ومع ذلك هناك أكثر من 40.3 مليون شخص في جميع أنحاء العالم معرضين لشكل من أشكال العبودية الحديثة وأكثرهم انتشاراً عبودية الديون والخدمة في المنازل وبعض حالات تبني الأطفال لاستعبادهم وإجبارهم على العمل والزواج القسري.
وما كان نظام رقيق المزارع ليوجد لولا قيام نظام قانونى مقنن له آليات تفرض وجوده واستمراره. كذلك وجدت أنظمة الرقيق حديثا فى شركات استخراج المعادن والانتاج الصناعى. وقد كان العبد فى نظام رق المزارع يعتبر ملكية خاصة لسيده فى حين آنه فى حالة استرقاق شعوب بأكملها المترتبة على الغزو فى الحروب، كان المعبيد يصبحون ملكية لكل المجتمع. ويكمن الفرق هنا فى أن نظام رق المزراع قد وجد فى مجتمعات اتضحت فيها ملامح الدولة ككيان سياسي، فى حين أن رقيق الحروب وجدوا قبل أن تعرف المجتمعات فكرة الدولة بوضوح.
وهناك تراث هائل يسجل تاريخ الرق. انظر على سبيل الممثال: فوكس جينوفيز: عار الرأسمالية التجارية، الصادر عام 1983 أما المعالجات السوسيولوجية والأنثروبولوجية فتجدها عن روبرت أبزوج وستيفين مايزلتش: منظورات جديدة للعرق والرق فى أمريكا، الصادر عام 1968، وكلود مياسو وأليد دازنوا: أنثروبولوجيا السرق، الصادر عام 1991.
أشكال العبودية
العبودية التقليدية
هو نظام كان قائماً في المجتمعات السابقة ويتم فيها التعامل مع العبيد كملكية شخصية أو سلعة تُباع وتُشترى، ويكونوا أسرى حرب أو أطفالاً تم فرض العبودية عليهم عند الولادة وبيعهم، وتم إلغاء العبودية التقليدية بشكل رسمي وهو نادر جداً اليوم.
العبودية من خلال الديون
هي شكل من أشكال العبودية يتعهد فيها الشخص بنفسه مقابل الاقتراض بمبلغ مالي ومدة معينة لسداد المبلغ وعند عدم السداد يصبح عبداً ويتم نقل العبودية من جيل إلى جيل وهي أكثر أشكال العبودية انتشاراً اليوم وتحديداً في جنوب أسيا.
العبودية الجبرية
يتم فيها إجبار الفرد على العمل والإنتاج تحت تهديد العنف وضد إرادته وإخضاعه تحت السيطرة الكاملة لشخص آخر، وقد يشمل ذلك أيضاً المؤسسات غير المصنفة على أنها عبودية مثل القنانة، والتجنيد الإجباري، والعمل العقابي، يخضعون لأشكال من الإكراه والعنف والقيود المفروضة على تحركاتهم وأنشطتهم.
يتم استغلال النساء والأطفال في المقام الأول من خلال إجبارهم على العمل أو ممارسة الدعارة، حيث تم تحديد تايلاند وكمبوديا والهند والبرازيل والمكسيك على أنها أكثر المناطق يتم فيها الاستغلال الجنسي التجاري للأطفال.
في عام 2007 م، قدرت منظمة هيومن رايتس ووتش أن ما بين 200 إلى 300000 طفل خدموا كجنود في النزاعات الحالية، تعمل فتيات أقل من 16 عام تعملن كخادمات في المنازل أكثر من أي فئة أخرى من عمالة الأطفال، وغالباً ما يتم إرسالهم من الريف من خلال آبائهم الفقراء إلى المدينة مثل ما يحصل في هايتي
الزواج القسري
هو أحد أشكال الزواج الذي يتم على الرغم من رفض أحد أو كلا الطرفين لهذه الزِيجة، من خلال الأهل أو طرف ثالث تحت التهديد والعنف أو الضغط النفسي، لا يزال الزواج القسري يُمارس من قبل العديد من الثقافات بجميع أنحاء العالم حتى الآن، ولا سيما في أجزاء من جنوب آسيا وأفريقيا على وجه الخصوص. يعترض بعض الباحثين على اِستخدام مصطلح الزواج القسري - «زواج بالإكراه» لأنه يدفعنا لاستخدام بعض المصطلحات التي لها علاقة بالحياة الزوجية (كالزوج / الزوجة) على تجربة لا تَمُتُّ للزواج بصلة. هناك مجموعة متنوعة من المصطلحات البديلة التي يمكن أن تُستخدم عوضاً عن مصطلح الزواج بالإكراه، كاستخدام مصطلح» الرق الزوجي«على سبيل المثال؛ وذلك من أجل التعبير عن الوضع بصورة صحيحة.
تاريخ العبودية
- طالع أيضاً: تاريخ العبودية
العبودية عند الأمم القديمة
كانت أحوال الرق عند الأمم القديمة في أسوأ صورة وأفظعها، فقد اتصفت معاملة السيد لرقيقه بالقسوة والجبروت ومجافاة الإحساس الإنساني والمشاعر الآدمية، حيث كان يتعامل معهم كما يتعامل مع الأثاث والأدوات والآلات الجامدة.
ولم يكن للرقيق وقتئذ أدنى حق إنساني، بل كان لمالكه تمام الحرية في إبقائه على قيد الحياة، أو تجويعه وتعذيبه والتنكيل به.
وقد منعت أكثر القوانين الزواج بالرقيق، وكثيرًا ما عاقبت الطرفين المتزوجين بالحرق في النار معًا وهم أحياء، في حين كانت تسمح للرجال وبخاصة العسكر أن يقضوا شهواتهم الجنسية مع من يشاؤون من النساء الرقيق.
وقد بالغ القدماء أيضًا في إجبار الرقيق على أداء أشق الأعمال، تحت ضربات السياط الملهبة، وكان جزاء من يمتنع عن ذلك تعليقه من رجليه، ووضع الأجسام الثقيلة في يديه، وضربه أو كيّ مواضع حساسة من جسمه، وقد يعمدون إلى ملء فمه وأذنيه بالزيت المغلي، أو قطع لسانه وأعضائه والتمثيل به، أو قتله بأفظع الصور.
العبودية في الحضارة السومرية
يعود تاريخ الاسترقاق في بلاد ما بين النهرين إلى حوالي 10 آلاف سنة، حيث كانت قيمة العبد الذكر بُستان نخيل التمر. كما كانت تستخدم النساء من العبيد في تلبية المطالب الجنسية للأسياد. وكان هؤلاء العبيد يكتسبون حريتهم فقط عندما يموت سيدهم.
وتشير الدراسات لوجود أدلة على أنّ الرق سبق السجلات التاريخية المكتوبة، وكانت موجودة في العديد من الثقافات. وحوالي عام 3500 قبل الميلاد ظهر العبيد في الحضارة السومرية، وكانو يشكلون أغلبية السكان وهم مسؤولون عن جميع الأعمال اليدوية
ومع نمو المدن السومرية في عدد السكان واتساع نطاقها، اختفت الأراضي البكر التي كانت تفصل بين المدن بعضها وبعض. وكان السومريون من مدن مختلفة غير قادرين أو غير راغبين في حل نزاعاتهم على الأرض وتوافر المياه، فاندلعت الحروب بين المدن السومرية، وهي الحروب التي رأوا أنها قامت بين آلهتهم.
في نهاية المطاف، اتخذ السومريُّون العبيد من السومريين الآخرين الذين جرى أسرهم في حروبهم بعضهم بعضًا، ولكن في الأصل حصل السومريون على العبيد بعد محاربة الشعوب خارج سومر. وكان الاسم السومري للأنثى من العبيد «فتاة جبلية»، وكان الرجل من العبيد يسمى «رجل الجبل». وكان السومريون يستخدمون عبيدهم أساسًا عمال منازل ومحظيات. وبرروا العبودية كما فعل آخرون بقولهم: «إن آلهتهم قد منحتهم النصر على شعبٍ أدنى».
وظهر قانون حمورابي من بابل في القرن الثامن عشر قبل الميلاد، يعطي تفاصيل عن المكافآت والعقوبات المختلفة سواء على الرجال الأحرار أم العبيد
العبودية في اليونان القديمة وروما القديمة
يعود تاريخ العبودية في اليونان القديمة إلى الميسينية وقد كان في أثينا أكبر عدد من العبيد حيث يصل عددهم إلى 80,000 في القرنين السادس والخامس قبل الميلاد، أي ثلث مجموع السكان في اليونان ولم يكن لهم قوة أو وضع أجتماعي، وكان لديهم الحق في امتلاك عائلة وملكية خاصة بإرادة وأذن السيد.
ومع توسع الجمهورية الرومانية إلى الخارج في أوروبا ومناطق البحر الأبيض المتوسط وأصبح هناك وفرة في الإمدادات والموارد مما ادى إلى استقدامهم العبيد من هذه المناطق من الإغريق والبربر والبريطانيين واليهود والعرب، ويتم استخدامهم في التسلية ايضاً وليس فقط في العمل مثل المصارعين والاستعباد الجنسي
ونتيجة لهذا القمع من قبل الاقلية حدثت ثورات كثيرة من قبل العبيد واشهرهم ثورة العبيد الثالثة بقيادة سبارتيكوس.
وفي أواخر العصر الجمهوري أصبحت العبودية ركيزة اقتصادية مهمة في ثروة روما، وكان العبيد يشكلون أكثر من 25% من نسبة سكان روما القديمة وتختلف النسبة من منطقة إلى أخرى ومعظمهم من اسرى الحرب.
العبودية في التاريخ الإسلامي
أشهر ثورة للعبيد في التاريخ الإسلامي كانت ثورة الزنج في العصر العباسي في (القرن 9).
العبودية في أوروبا
استمر الرِّق شائعًا، عند الأمم والشعوب والدول التي عايشت النهضة الأوروبية، منذ أواسط القرن الخامس عشر الميلادي، وحتى منتصف القرن التاسع عشر الميلادي. غير أن كل دولة من هذه الدول وضعت ـ في زمن ما يُسمى عصر المدنية والنهضة ـ قانونًا خاصًا يرتقي بأحوال الرقيق ويفصل حدود معاملتهم، وعرف هذا القانون بالقانون الأسود، لكونه مختصًا بمعالجة أحوال الأرقاء السود وبيان الأحكام المتعلقة بهم. إلا أن تلك القوانين لم تحدث تغيرات جذرية في الطريقة التي يعامل بها الرقيق. فعلى سبيل المثال كان من مقتضى القانون الأسود الفرنسي، أن الزنجي إذا اعتدى على أحد الأحرار أو ارتكب جريمة السرقة، عوقب بالقتل، أو بعقاب بدني آخر شديد. أما إذا أبق ـ أي هرب ـ الرَّقيق من سيده مرة أو مرتين، فإن القانون يسمح للسيد بقطع أذني رقيقه وكيّه بالحديد المحميّ في النار، فإذا أبق الثالثة قُتل.
وكان قتل الرَّقيق الآبق معمولاًً به أيضًا في إنجلترا، حيث نصّ القانون الأسود فيها على أن من أبق من الرَّقيق وتمادى في إباقه قُتل.
وكان غير مسموح للملونين، أن يحضروا في فرنسا لطلب العلم والثقافة.
وظل الحال في فرنسا على الوصف السابق حتى قيام الثورة الفرنسية في سنة 1789م حيث لم تجرؤ على إلغاء الرق، بل منحت صفة المواطنة لكل مقيم على أرضها مهما كان لونه أو عرقه، وفي عام 1791م أصدر مجلس الثورة الفرنسي قرارًا بإلغاء الرق في جميع المستعمرات الفرنسية، ومساواة جميع من فيها في الحقوق والواجبات مع تمتعهم بالجنسية الفرنسية.
لكن حين تولى نابليون الحكم، لاحظ انخفاض صادرات المستعمرات الفرنسية التي تعتمد على اليد العاملة الزنجية، فأصدر قرارًا عام 1802م بالعودة إلى استرقاق الزنوج، فثار الزنوج في المستعمرات وقاوموا مدة ثلاث سنوات فقضى نابليون على ثورتهم وأعادهم إلى الرق.
وفي عام 1884م صدر قرار في فرنسا بإلغاء الرق في المستعمرات الفرنسية ـ مرة أخرى ـ تماشيًا مع قرارات مشابهة اتخذتها قبل فترة وجيزة كل من بريطانيا ثم البرتغال، فتبعتها هولندا والدنمارك عام 1860م.
العبودية في العالم الجديد
في القرن 15 مارس الأوربيون تجارة العبيد الأفارقة وكانوا يرسلونهم قسرا للعالم الجديد ليفلحوا الضياع الأمريكية. وفي عام 1444م كان البرتغاليون يمارسون النخاسة ويرسلون للبرتغال سنويا ما بين 700 – 800 عبد من مراكز تجميع العبيد على الساحل الغربي لأفريقيا وكانوا يخطفون من بين ذويهم في أواسط أفريقيا. وفي القرن 16 مارست إسبانيا تجارة العبيد التي كانت تدفع بهم قسرا من أفريقيا لمستعمراتها في المناطق الاستوائية بأمريكا اللاتينية ليعملوا في الزراعة بالسخرة. وفي منتصف هذا القرن دخلت إنجلترا حلبة تجارة العبيد في منافسة وادعت حق إمداد المستعمرات الأسبانية بالعبيد وتلاها في هذا المضمار البرتغال وفرنسا وهولندا والدنمارك. ودخلت معهم المستعمرات الأمريكية في هذه التجارة اللا إنسانية. فوصلت أمريكا الشمالية أول جحافل العبيد الأفارقة عام 1619 م. جلبتهم السفن الهولندية وأوكل إليهم الخدمة الشاقة بالمستعمرات الإنجليزية بالعالم الجديد.
ومع التوسع الزراعي هناك في منتصف القرن 17 زادت أعدادهم، ولاسيما في الجنوب الأمريكي. وبعد الثورة الأمريكية أصبح للعبيد بعض الحقوق المدنية المحدودة.
منع تجارة العبيد
في عام 1792 كانت الدنمارك أول دولة أوروبية تلغي تجارة الرق وتبعتها بريطانيا وأمريكا بعد عدة سنوات. وفي مؤتمر فينا عام 1814 عقدت كل الدول الأوربية معاهدة منع تجارة العبيد. وعقدت بريطانيا بعدها معاهدة ثتنية مع الولايات المتحدة الأمريكية عام 1848 لقمع هذه التجارة. بعدها كانت القوات البحرية الفرنسية والبريطانية تطارد سفن مهربي العبيد. وحررت فرنسا عبيدها وحذت حذوها هولندا وتبعتها جمهوريات جنوب أمريكا ما عدا البرازيل حيث ظلت العبودية بها حتى عام 1888م. وفي مطلع القرن 19 كان معظم العبيد يتمركزون بولايات الجنوب بالولايات المتحدة الأمريكية. لكن بعد إعلان الاستقلال الأمريكي اعتبرت العبودية شراً ولا تتفق مع روح مبادئ الاستقلال حيث نص الدستور الأمريكي على إلغاء العبودية عام 1865م. وفي عام 1906م عقدت عصبة الأمم مؤتمر العبودية الدولي (International Slavery Convention) حيث قرر منع تجارة العبيد وإلغاء العبودية بشتى أشكالها. وتأكدت هذه القرارات بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وقّعت الدول المشتركة في عصبة الأمم عام 1926م اتفاقية تقضي بملاحقة تجارة الرق والمعاقبة عليها، والعمل على إلغاء الرقيق بجميع صوره، وفي عام 1948م أصدرت هيئة الأمم المتحدة إعلانًا عالميًا تضمن حظر الرِّق وتجارة الرقيق، وقد التزمت بهذا الإعلان أكثر دول العالم.
العبودية في الولايات المتحدة الأمريكية
- طالع أيضاً: العبودية في الولايات المتحدة
بدأت العبودية في أمريكا عندما تم إحضار أول مجموعة من العبيد الأفارقة إلى المستوطنة الأمريكية الشمالية جيمستاون في ولاية فيرجينيا عام 1619، للمساعدة في إنتاج المحاصيل المربحة كالتبغ، انتشرت العبودية في جميع أنحاء المستوطنات الأمريكية في القرنين السابع عشر والثامن عشر، وقد ساعد العبيد الأفريقيون-الأمريكيون في بناء المؤسسات الاقتصادية للأمّة الجديدة، وقد كان العديد من العبيد من الأفارقة السود، وكانت نسبة ضئيلة منهم من الأمريكيين الأصليين، كما كان بعض السود الأحرار يملكون عبيداً أيضا، ورسّخ اختراع ”محلاج القطن“ عام 1793 الأهمية المركزية للعبودية بالنسبة لاقتصاد الجنوب، ورسّخ اختراع ”محلاج القطن“ عام 1793 الأهمية المركزية للعبودية بالنسبة لاقتصاد الجنوب.
شكل العبيد في الجنوب ما قبل الحرب حوالي ثلث سكان الجنوب. عاش معظمهم في مزارع كبيرة أو مزارع صغيرة؛ امتلك العديد من الأسياد أقل من 50 مستعبداً. سعى المستعبدون إلى جعل المستعبدين يعتمدون عليهم كليًا من خلال نظام من الرموز المقيدة. وعادة ما كانوا يُمنعون من تعلم القراءة والكتابة، وكان سلوكهم وحركتهم مقيدًا. اغتصب العديد من السادة النساء المستعبدات، وكافؤوا على السلوك المطيع بخدمات، بينما عوقب المستعبدون المتمردون بوحشية. ساعد التسلسل الهرمي الصارم بين المستعبدين (من عمال المنازل المتميزين والحرفيين المهرة وصولاً إلى الأيدي الميدانية المتواضعة) على إبقائهم منقسمين وأقل عرضة للتنظيم ضد أسيادهم. والزواج بين العبيد من الرجال والنساء ليس له أساس قانوني، لكن الكثيرين يتزوجون وينشئون أسرًا كبيرة؛ شجع معظم مالكي العبيد هذه الممارسة، لكنهم مع ذلك لم يترددوا في تقسيم العائلات بالبيع أو الإبعاد.
في العصر الأول من تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية كان كثير من سكانها ـ وبخاصة أهل الجنوب ـ يملكون الرقيق، إذ كان تجار الرقيق من أهل الجنوب يقومون بحملات منظمة ومسلحة إلى القارة الإفريقية ويختطفون الرجال والنساء في مداهمات وغارات مفاجئة على قراهم ومساكنهم، ويجلبونهم قسرًا إلى المدن الأمريكية ـ وبخاصة الجنوبية ـ ليبيعوهم في أسواق الرقيق.
وكانت معاملة هؤلاء المختطفين المغصوبين في منتهى الفظاعة والقسوة والهمجية، وكان من مقتضى القانون الأسود الأمريكي أن للسيد كل الحق في الإبقاء على رقيقه حيًا أو إماتته، بل صرّح قانونهم بأنه ليس للرقيق روح ولا عقل وأن حياته محصورة في ذراعيه، كما أنه ليس له حق الخروج إلى الشوارع ـ وقت شدة الحرّ ـ إلابتصريح قانوني، وإذا شوهد أكثر من سبعة أرقاء مجتمعين في شارع واحد، كان لكل رجل أبيض الحق في إلقاء القبض عليهم وجلدهم، ولو كان خروجهم إلى الشارع بتصريح قانوني. وكان القانون أيضًا يجيز للسيد رهن رقيقه وإجارته وبيعه، بل والمقامرة عليه.
وظل الأمر على هذا الحال حتى شهر يناير من عام 1863م حين أصدر أبراهام لنكولن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية إعلانًا بتحرير الرَّقيق في ولايات الجنوب الأمريكي، وكان هذا القرار من أسباب اغتياله عام 1865م.
ثورات العبيد
حدثت حركات تمرد بين العبيد - لا سيما تلك التي قادها غابرييل بروسر في ريتشموند في عام 1800، والثورة الدنماركية فيسي في تشارلستون في عام 1822 - لكن القليل منها كان ناجحًا. كانت الثورة التي كان أكثر المستعبدين رعبًا هي تلك التي قادها نات تورنر في مقاطعة ساوثهامبتون، فيرجينيا، في أغسطس 1831. قتلت مجموعة تيرنر، التي بلغ عددها في النهاية حوالي 75 رجلاً أسودًا، حوالي 55 شخصًا أبيض في غضون يومين قبل المقاومة المسلحة من السكان البيض المحليين ووصول قوات الميليشيات الحكومية طغت عليهم. أشار مؤيدو العبودية إلى تمرد تورنر كدليل على أن السود هم بطبيعتهم برابرة أدنى شأناً يتطلبون مؤسسة مثل العبودية لتأديبهم، وقد أدت المخاوف من تمردات مماثلة إلى قيام العديد من الولايات الجنوبية بتعزيز قوانين العبيد الخاصة بهم من أجل الحد من التعليم والحركة وتجمع العبيد.
بحلول منتصف القرن التاسع عشر، أثارَ توسُّعُ غربي أمريكا مع تزايد حركة المطالبين بإبطال العبودية في الشمال احتجاجاً كبيراً على العبودية، مما تسبّب في تقسيم الأمّة في الحرب الأهلية الأمريكية، التي استمرت من عام 1861 إلى عام 1865.
بالرغم من أنّ فوز الاتحاد حرّر أربعة ملايين عبداً، فقد استمرّت وراثة العبودية في التأثير بالتاريخ الأمريكي، من السنوات العنيفة في إعادة الإعمار بين 1865 و1877 إلى حركة الحقوق المدنية التي ظهرت في ستينيات القرن الماضي –قرنٌ كامل بعد تحرير العبيد–.
العبودية في الإمبراطورية العثمانية
كانت طبقة العبيد تُشكل جزءًا مهمًا لا غنى عنه في المجتمع العثماني، وكانت هذه الطبقة تتألف من الصبية والبنات الأوروبيين الذين يخطفهم القراصنة أو يتم سبيهم خلال المعارك والحروب، ومن الأفارقة الذين كان يخطفهم تجّار الرقيق من قراهم جنوب الصحراء الكبرى. ألغى السلطان محمود الثاني تجارة الرقيق الأبيض في أوائل القرن التاسع عشر، فتحرر جميع العبيد من يونانيين وجورجيين وأرمن وشركس، وأصبحوا مواطنين عثمانيين يتمتعون بسائر الحقوق التي يتمتع بها الأحرار. إلا أن تجارة الرقيق الأسود استمرت قائمة حتى أواخر عهد الدولة العثمانية، كذلك يفيد بعض المؤرخين أن تجارة الآمات استمرت قائمة حتى سنة 1908م. كان حريم السلطان يتألف بمعظمه من الآمات، وقد تزوّج بعض السلاطين بأَمَة أو أكثر مما ملكوا، مثل السلطان سليمان القانوني، الذي عشق أمته الأوكرانية المدعوة «روكسلانا» عشقًا شديدًا وتزوج بها، فولدت له السلطان سليم الثاني. وقد حقق بعض العبيد العثمانيين شهرة كبيرة ووصلوا إلى مراكز مهمة، ومنهم علي بك الكبير يوناني الأصل، الذي كان والي مصر، ثم تمرّد على الدولة العثمانية وسمى نفسه سلطان مصر وخاقان البحرين (الأحمر والمتوسط)، وأحمد باشا الجزار بشناقي الأصل، الذي أصبح والي عكا واستطاع صد هجوم نابليون بونابرت على المدينة.
أخذت الدولة العثمانية بنظام الخصاء في قصور السلاطين، على الرغم من أن الشريعة الإسلامية تحرّم مبدأ الخصاء، وكان أخذ الدولة بهذا النظام غير الشرعي من الحالات النادرة التي خرجت فيها على الشريعة الإسلامية. بينما يقول مؤرخون آخرون: إن العثمانيين كانوا يشترون العبيد الخصيان من خارج حدود الدولة حيث تكون عملية الاخصاء قد أجريت للعبد في صغره ليتم بيعه في سوق النخاسة إلى الملوك والأمراء حيث كان إخصاء العبيد وبيعهم للخدمة في قصور ملوك الدول المختلفة تجارة رائجة في العصور القديمة والوسطى وشطر من العصور الحديثة قبل منع الرق دوليًا. كانت هناك طائفتان من الخصيان: الخصيان السود وهم المخصيون خصاءً كاملاً، والخصيان البيض وهم المخصيون خصاءً جزئيًا، وكان يُطلق على رئيسهم «قبو آغاسي»، في حين كان يُطلق على رئيس الخصيان السود، الذي هو في الوقت نفسه الرئيس الأعلى في القصور السلطانية، «قيزلر آغاسي»، أي «آغا البنات» و«آغا دار السعادة»، ووضعت الدولة أنظمة خاصة تُطبق على خدمتهم في القصور السلطانية. وقام تنافس شديد بين هذين النوعين كان مرده رغبة كل فريق الاستئثار بالنفوذ الأعلى في دوائر القصور السلطانية وفي شؤون الدولة، وقد ارتفع مقام رئيس الخصيان السود نتيجة اتصاله المباشر بالسلطان ووصل إلى المركز الثالث من حيث الأهمية بعد الصدر الأعظم وشيخ الإسلام، وأضحى الوزراء يتملقونه والمستوزرون يتقربون منه. يتحدر اليوم جميع الأتراك من أصل أفريقي من هؤلاء الأشخاص الذين عملوا كرؤساء للخصيان في قصر السلطان[بحاجة لمصدر].
العبودية في الأديان
- طالع أيضاً: العبودية والدين
العبودية في اليهودية
تختلف وجهات النظر اليهودية حول العبودية من الناحية الدينية والتاريخية. تحتوي النصوص الدينية القديمة والقرطوسية على العديد من القوانين حول ملكية العبيد والتعامل معهم. والنصوص التي تحتوي على مثل هذه اللوائح تشمل التناخ، والتلمود، والمشناه ومشناه توراة للحاخام موسى بن ميمون، وشولحان عاروخ من قبل الحاخام يوسف كارو. تشبه قوانين العبودية الإسرائيلية الأصلية الموجودة في التوراة بعضًا من قوانين العبودية في القرن الثامن عشر قبل الميلاد في شريعة حمورابي. وتغيرت اللوائح بمرور الوقت. احتوت التوراة على مجموعتين من القوانين، واحدة للعبيد الكنعانيين، ومجموعة قوانين أكثر تساهلاً للعبيد العبرانيين. من وقت أسفار موسى الخمسة، تم تطبيق القوانين المخصصة للكنعانيين على جميع العبيد من غير العبرانيين. وتحتوي قوانين العبودية في التلمود، والتي تعود من القرن الثاني حتى القرن الخامس الميلادي، على مجموعة واحدة من القواعد للتعامل مع جميع العبيد، على الرغم من وجود بعض الاستثناءات القليلة حيث يعامل العبيد من العبرانيين بشكل مختلف عن العبيد غير العبرانيين. وتشمل القوانين عقوبة لأصحاب العبيد الذين يسيئون معاملة عبيدهم. في العصر الحديث، عندما سعت حركة إلغاء العبودية إلى حظر العبودية، استخدم أنصار العبودية القوانين لتوفير التبرير الديني لممارسة العبودية
تاريخياً، كان اليهود يمتلكون العبيد ويتاجرون بهم. وكانوا لاعبين مهمين في تجارة الرقيق في العصور الوسطى في أوروبا حتى حوالي القرن الثاني عشر. لكن، تم نشر العديد من الأعمال العلمية لدحض الإشاعات المعادية للسامية حول السيطرة اليهودية على تجارة الرقيق في أفريقيا والأمريكتين في القرون اللاحقة، وإظهار أن اليهود ليس لديهم تأثير كبير أو مستمر على تاريخ العبودية في العالم الجديد. حيث كان لديهم عبيد أقل بكثير بالمقارنة مع غير اليهود في كل الأراضي الإسبانية في أمريكا الشمالية ومنطقة البحر الكاريبي، ولم يلعبوا في أي وقت دورًا رائدًا كممولين أو مالكي سفن أو من عوامل في تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي أو الكاريبي.
العبودية في المسيحية
تتنوع وجهات النظر المسيحية في العبودية على المستويين الإقليمي وتاريخيا. تم فرض العبودية في أشكال مختلفة من قبل المسيحيين لأكثر من 18 قرنا. وقد أقرّت غالبية الكنائس المسيحية فكرة الرِّق، ولم تر ما يمنع من استمراره حتى إن القسيس الفرنسي المشهور بوسويت قال: ¸إن من حق المحارب المنتصر قتل المقهور، فإن استعبده واسترقه فذلك منّة منه وفضل ورحمة·.
في السنوات الأولى للمسيحية، كان الرق سمة طبيعية للاقتصاد والمجتمع في الإمبراطورية الرومانية، واستمر في العصور الوسطى وما بعدها. أيدت أكثر الشخصيات المسيحية في تلك الفترة المبكرة، مثل القديس أوغسطين، استمرار العبودية في حين عارضته عدة شخصيات مثل القديس باتريك. وبقي الرِّق أمرًا مشروعًا لدى المسيحيين إلى القرن التاسع عشر الميلادي، حيث جاء في دائرة معارف لاروس أن رجال الدين الرسميين وقتئذٍ أقرّوا بصحة الرِّق وسلّموا بشرعيته.
وبعد عدة قرون، وحينما تشكلت حركة إلغاء في جميع أنحاء العالم، عملت الجماعات التي تنادي بإلغاء العبودية لتسخير التعاليم المسيحية لدعم مواقفهم، وذلك باستخدام كل من «روح المسيحية»، الحجج النصية، وآيات الكتاب المقدس ضد العبودية.
بحلول نهاية القرن التاسع عشر كانت القوى الأوروبية قد تمكنت من السيطرة على معظم المناطق الداخلية الأفريقية، وقد لحقهم بعد ذلك المبشرون المسيحيون فقاموا ببناء المدارس والمستشفيات والكنائس والأديرة، وكان للمؤسسات المسيحية دور في تثقيف وتحسين المستوى التعليمي والطبي للأفارقة.
يجادل رودني ستارك العالم في علم اجتماع الدين في كتابه «لمجد الله»، أن المسيحية بشكل عام والبروتستانتية بشكل خاص، ساعدت على إنهاء الرق في جميع أنحاء العالم، ويشاركه في ذلك أيضاً لامين سانه المؤرخ في جامعة ييل، إذ يشير هؤلاء الكتّاب إلى أن المسيحيين كانوا ينظرون إلى الرق بأنه خطيئة ضد الإنسانية وفق معتقداتهم الدينية.
العبودية في الإسلام
كانت العبودية موجودة في شبه الجزيرة العربية قبل ظهور النبي محمد بن عبد الله في القرن السابع، حيث انخرطت القبائل المختلفة في المنطقة في حروب متكررة صغيرة وكان من الشائع أخذ الأسرى كغنائم – أو سبايا، ثم قام الإسلام بتنظيم هذه الممارسة وتوسيعها إلى حد كبير، وكان السبب الأكبر في ذلك حقيقة أن دولة إسلامية موحدة القبائل كانت قادرة على شن حروب على نطاق أوسع بكثير من أي وقت مضى وغزو مناطق جديدة وأكبر مساحة.
ورد في القراَن أن بني إسرائيل وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم (اليهود) كانوا عبيداً في مصر إذ جاء في مواضع عدة في القرآن ((وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ)). في القرن السابع حلل الإسلام الرق مع ضوابط إسلامية وجعل تحرير العبيد من العبودية من القربات إلى الله. ودعا رسول الإسلام محمد بن عبد الله إلى حسن معاملة الأسرى والعبيد والرفق بهم حتى أنه نهى عن تسميتهم بلفظ «العبيد» كما قال: «لا يقل أحدكم عبدي؛ أمتي، كلكم عبيد الله، وكل نسائكم إماء الله، وليقل: غلامي، جاريتي، وفتاي، وفتاتي» ولأن الرق مسألة تدخل في باب التشريع في الإسلام، فإن كان الإسلام لم يرفض الرق في زمن من الأزمان، فإن هذا ليس إقراراً بمشروعيته المطلقة، بل مرعاةً «لما شب عليه الصغار وشاب عليه الكبار» كما يقول الخليفة عمر بن عبد العزيز.
العبودية في الهندوسية
لم تكن الحضارات الهندية ولا الصينية معروفة جيدًا بممارسة العبودية. خلال الفترات القديمة والكلاسيكية، لم تمارس الهند ولا الصين عبودية المتاع ، حيث كان يتم تداول العبيد مثل السلع في السوق. كانت عبودية شائعة في العديد من المجتمعات المعاصرة الأخرى. يمكن أن يكون أحد الأسباب المحتملة هو أن الأعداد الكبيرة نسبيًا من السكان في الهند والصين قدمت عمالة بشرية غير مستعبدة. وبالتالي ، ربما لم يكن هناك دافع لاستعباد الناس على نطاق واسع. في المقابل ، اعتمدت اقتصادات العديد من المجتمعات الأخرى في أوروبا وأفريقيا والأمريكتين وغرب آسيا ، حتى العصر الحديث ، اعتمادًا بارزًا على العبودية. خلال الحكم الإسلامي في الهند ، ترسخت العبودية الحقيقية بطريقة مختلفة حيث بدأ الحكام الإسلاميون في استعباد السكان الهنود لبيعهم في الخارج من أجل الربح أو لاستخدام عملهم بالسخرة داخل البلاد.
يأتي غالبية الهندوس من الهند، ولطالما ارتبطت فكرة العبودية هناك بالنظام الطبقي الذي يقسّم المجتمع الهندوسي. وبحسب هذا النظام، يعتبر الأشخاص العاملين في المهن «الأدنى والأكثر قذارة» من الطبقة المنبوذة، ما يجعل المجتمع الهندي أكثر عُرضة لتقبل فكرة العبودية.
لكن، أعاد بعض الإصلاحيين الهندوس النظر في هذا المفهوم، مؤكدين أن الأمر بمثابة وسيلة وظفها الأغنياء والنخبة للسيطرة على الطبقات الأخرى في المجتمع، وهي ليست من العقيدة الهندوسية. ويجرّم الدستور الهندي حالياً التمييز استناداً إلى النظام الطبقي.
العبودية في البوذية
استخدمت معتقدات بوذية، مثل الـ «كارما» وإعادة التقمّص، لتبرير العبودية، فاعتقد كثيرون أن أسر شخص كعبد هو عقوبة لإساءة قد ارتكبها في حياته السابقة. غير أن تعاليم البوذية تحرّم المتاجرة بالبشر، بل إن الإمبراطور الصيني وانغ مانغ، والذي كان يعتنق البوذية، كان أقدم حاكم يحرم الاتجار بالعبيد في قرار أصدره بالقرن التاسع، ولطالما اتّخذت المعابد البوذية ملاذات آمنة «للعبيد» الفارين.
ومع القفزات العلمية والتطورات الحضارية ومفاهيم الحرية ومباديء حقوق الإنسان ومؤسسات حقوق الإنسان ومحاربة العبودية، ولكن العالم يسير بخطى حثيثة ظاهرة وخفية باستمرار تفاقم ظاهرة العبودية بكل اشكالها في العالم الحديث وبعدما بلغ عدد ضحاياها عشرات الملايين، بين عبودية جنسية، وعمالة قسريّة في المناجم، والحقول، والسفن، ومواقع البناء، تبقى الشريحة الأكثر استهدافاً لهذا النوع من التجارة النساء والفتيات، ويشكّل الأطفال ربع الضحايا. وغالباً ما يأتي ضحايا العبودية من الطبقات الأكثر فقراً وتهميشاً في المجتمع.
منهج الإسلام في معاملة الرقيق
جاء الإسلام ـ في القرن السابع الميلادي ـ والرق منتشر في العالم، متفشٍ بين العرب، وكان الرقيق يعرفون بموالي العتق، أو موالي العتاقة وهم الرقيق الذين تفك رقابهم بعتقهم مقابل عمل يعينه لهم من يشتريهم من الرجال. ويجوز للرقيق أن يختار غير سيّده مولى له بعد عتقه وهناك موالي المكاتبة وهو أن يكاتب الرَّقيق على نفسه بثمنه، فإذا سعى وأداه عتق. وهناك شكل آخر للمكاتبة هو أن يكاتب الرّجل رقيقه أو أمته على حال يؤديه إليه عند بداية أي شهر. والأصل عن ولاء المكاتبة، أنّ من أعتق رقيقًا كان ولاؤه له، فينسب إليه. والموالي كانوا أقل شأنًا في مجتمعهم من غيرهم. إذ نظر إليهم على أنهم دون العرب الأحرار في المكانة. ولهذا قلما زوج الأحرار بناتهم للموالي أي الرَّقيق. حتى ضرب بهم المثل في القلة والذلة. وعندما جاء الإسلام عمل على إبطال الرِّق بأساليبه التشريعية الهادئة المتدرجة، نظرًا لأن الرق أمر متعارف عليه عند جميع الأمم وقتئذٍ، بل هو متمكن في حياتها الاقتصادية والاجتماعية، حيث كان الرقيق يقومون بالدور الذي تقوم به أدوات الإنتاج وآلات التصنيع المعاصرة. وأراد الإسلام من التدرج في تحريم الرق ترويض الناس على نظام إنساني إسلامي كان غريبًا على تصوراتهم القديمة، فمثلهم مثل من يخرج من الظلام إلى النور، إذ لابد أن يفرك عينيه قبل أن يسترد بصره تمامًا.
ومما يدل على هذا أن الإسلام قام في وقت مبكر جدًا من تاريخه بالدعوة إلى تحرير الرَّقيق، قال الله تعالي: ﴿ فلا اقتحم العقبة ¦ وما أدراك ما العقبة ¦ فكّ رقبة . ﴾ البلد : 11-13. ومن المعلوم أن هذه الآيات نزلت في مكة مع بداية دعوة الإسلام، قبل أن يُصبح له دولة وكيان سياسي. ولما صار للإسلام دولة وكيان، وقام يدافع عن حقه في الوجود والاستمرار كان الأعداء يعمدون في حروبهم معه، إلى أسر بعض المسلمين واسترقاقهم، وليس من المنطق ـ والحال هكذا ـ أن يحرم الإسلام الرِّق من جانب واحد، فتكون النتيجة أن يصبح المسلمون مهددين بالاسترقاق من قبل أعدائهم المخالفين لهم في الدين، دون أن يتمكنوا من تطبيق نظام الرِّق عليهم من باب المعاملة بالمثل.
ولمجموع ما تقدم، أقر الإسلام مبدأ الرِّق على سبيل الجواز ـ لا الاستحباب والوجوب ـ للحاجة إليه، من غير حضّ على تنفيذه ولا استحسان لفعله، واعتبره عجزًا حكميًا مؤقتًا، نتيجة حرب مشروعة اتباعًا لمبدأ المعاملة بالمثل إذا استرق العدو أسرى المسلمين، جاز للمسلمين أن يسترقوا أسراهم. وطبَّق الإسلام هذا المبدأ وأحاطه بأحكام وتوصيات إنسانية وأخلاقية، يقصد بها في النهاية تصحيح المسيرة الخاطئة ـ التي سلكتها الأمم والشعوب في تعاملها مع موضوع الرقيق ـ تصحيحًا لم يمارسه واضعوا القوانين السوداء، الذين جاءوا بعد الإسلام بأكثر من ألف عام.
لم تفعل شريعة ولا نظام ولا قانون ما فعله الإسلام في رد الاعتبار الإنساني والاجتماعي إلى الرقيق، بل لقد انفرد الإسلام قبل عدة قرون ـ من بين كل النظم السابقة والمعاصرة له ـ في الارتقاء بالتعامل مع الرقيق، والدعوة إلى تحريرهم، ليمارسوا حياتهم الخاصة والعامة بحسب ما يشاءون.
ويمكن تلخيص منهج الإسلام في تعامله مع الرقيق في ثلاثة أمور: الأمر الأول حصر مصادر الرِّق وتضييقها. الأمر الثاني فرض أنماط من العلاقات الإنسانية المهذبة في التعامل مع الرقيق، ومنحهم حقوقًا لم تكن لهم من قبل. الأمر الثالث فتح أبواب تحرير الرقيق على مصاريعها، إما على سبيل الوجوب وإما على سبيل الندب والحفز.
أولاً: تضييق مصادر الرِّق
حصر الإسلام مصادر الرِّق في أسر وسبي الأعداء الكافرين الذين يحاربون المسلمين، معاملة لهم بالمثل، إن رأى الحاكم في ذلك مصلحة. وهو بهذا الحصر يكون قد أبطل مشروعية أي مصدر آخر للرِّق مما كان شائعًا وقتئذ،كاستعباد الأشخاص المذنبين، وسرقة الأطفال، وخطف النساء والرجال في النزاعات والحروب المحلية وحوادث قطع الطرق ونحوها.
وقد حرّم الإسلام استرقاق الأحرار بغير طريق الحرب المشروعة، وحذّر من فعل ذلك وعدّه من أشنع وأفظع التصرفات الخاطئة، قال النبي ³: ( قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ـ يعني عهدًا ـ ثم غدر، ورجل باع حرًا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره ).
ثانيًا: حقوق الأرقَّاء في الإسلام
منح الإسلام الأرقاء حقوقًا لم تكن لهم من قبل. حيث دعا إلى تحسين وضع الرقيق والارتفاع بمعاملتهم إلى المستوى الإنساني الكريم، وألزم المسلمين عامة ـ بمن فيهم مالكو الرقيق ـ بأنماط من العلاقات الإنسانية والاجتماعية المهذبة في معاملتهم مع الرقيق.
فقد أعلنت تعاليم الإسلام في صراحة متناهية: أن النَّاس جميعًا خُلقوا من أصل واحد وهم إخوة في الإنسانية، ليس لأحد فضل على الآخر إلا بمقدار ما يرضي الخالق وينفع الناس، قال الله تعالي: ﴿ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ﴾ الحجرات : 13.
وحينما تنازع أبو ذر ـ وكان عربيًا ـ مع بلال ـ وكان حبشيًا أسود ـ احتدّ أبو ذر وعيّر بلالاً بأمه، وقال له: يا ابن السوداء، فغضب النبي ³ لذلك لما بلغه الخبر، واستدعى أبا ذر، وقال له: (إنك امرؤ فيك جاهلية ـ أي فيك صفات أهل الجاهلية في التمييز العنصري والعرقي ـ وتابع يقول: هم ـ أي العبيد ـإخوانكم، جعلهم الله تحت أيديكم ـ أي لخدمتكم ـ فمن كان أخوه تحت يده فليُطعمه من طعامه، وليُلبسه من لباسه) (متفق عليه). فتأثر أبو ذر بكلام النبي ³ وقصد بلالاً يعتذر إليه، وألقى بجسمه على الأرض، ووضع خدّه ـ ردّ اعتبار له ـ لكن بلالاً أبى هذا، وأخذ بيد أخيه أبي ذر وتصافحا وتعانقا وتسامحا.
وقد حض الإسلام المالكين والأحرار على دعوة الرَّقيق إلى مجالستهم والأكل معهم، قال النبي ³ : ( إذا أتى أحدكم خادمُه ـ أي رقيقه ـ بطعامه قد كفاه علاجه ودخانه فليجلسه معه، فإن لم يُجلسه معه، فليناوله أكلة أو أكلتين ) (متفق عليه) . وإلى هذا المعنى ونحوه أرشد النبي ³ أبا ذر وقال له ـ في الحديث السابق: فليطعمه من طعامه، وليلبسه من لباسه ).
كما حرص الإسلام على انتزاع فكرة الاستعلاء والتجبّر نهائيًا من نفوس ومشاعر المالكين، ولو كانت غير مقصودة، فنهاهم عن مناداة ومخاطبة الرَّقيق ببعض الألقاب والألفاظ، وأمرهم بضبط ألفاظهم ومراقبتها ومناداة الأرقّاء بألقاب مهذّبة ترشح بمعاني الإنسانية والرحمة وحسن الصلة، قال النبي ³ :( لا يقولنّ أحدُكم عبدي ولا أمتي، ولكن ليقل: فتاي وفتاتي) . بل إنه صلى ليه وسلّم زاد على هذا فقال: ( ألينوا القول لهم ).
وتتوالى تعاليم الإسلام وأحكامه التي تمنع تعذيب الرقيق والإساءة إليهم والقسوة عليهم وضربهم ظلمًا. وعن أبي مسعود البدري قال: كنت أضرب غلامًا لي بالسوط، فسمعت صوتا من خلفي: (اعلم أبا مسعود)، فلم أفهم الصوت من الغضب، فلما دنا مني إذا هو رسول الله ³، فإذا هو يقول: ( اعلم أبا مسعود أن الله عزّ وجل أقدر عليك منك على هذا الغلام ). فقلت: ¸لا أضرب مملوكًا بعده أبدًا·.
هذا، وقد حثّ الإسلام على العفو عن الرقيق حين إساءتهم، والتجاوز عن ذنوبهم، وأخطائهم، وأرشد المالكين الذين يضنّون ببذل الخير ويبخلون بعتق رقيقهم، إلى بيع رقيقهم الذين لا يوائمونهم، استبعادًا لظلمهم إياهم وتجنيهم عليهم.
أما المسؤولية الجنائية الملقاة على الرقيق فقد تسامح بها الإسلام بعكس الذي تقدم في معاملة الرقيق عند غير المسلمين ـ حيث شرع معاقبة الأرقّاء الذكور والإناث بنصف العقوبة المقررة على الأحرار، قال الله تعالى: ﴿ فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ﴾ النساء : 25.
كما دعا الإسلام المالكين إلى تعليم الرقيق وتأديبهم والسعي في تزويجهم والارتقاء بمستواهم الثقافي والاجتماعي، بل سمح للأحرار وللمالكين بالزواج من إمائهم، قال الله تعالى: ﴿ ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض ﴾ النساء : 25. كما حث الإسلام على تزويج الرقيق، قال تعالى: ﴿ وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم ﴾ النور : 32. وحث أيضًا على تحرير الإماء والزواج بهنّ، قال النبي ³: ( ثلاثة لهم أجران: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد ³، والعبد المملوك إذا أدى حق الله وحق مواليه، ورجل كانت له أمة فأدّبها فأحسن تأديبها وعلّمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها، فله أجران ) (متفق عليه).
سار المسلمون في ضوء هذه التوجيهات النبوية، فعلّموا أرقاءهم وأدّبوهم، ومكنوهم من أسباب الثقافة والمعرفة، وتبوأ كثير منهم مكانة عالية، بل بلغ كثير منهم أعلى المراتب العلمية والاجتماعية، وغدوا مشاعل نور وهداية وتوجيه للناس، مثل بلال بن رباح مؤذن الإسلام الأول، وسلمان الفارسي الذي روى مسلم في صحيحه ـ بشأنه ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا جلوسًا عند النبي ³ إذ نزلت عليه سورة الجمعة فلما قرأ: ﴿ وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ﴾ . قال رجل: من هؤلاء يا رسول الله! فلم يراجعه النبي ³ حتى سأله مرة أو مرتين أو ثلاثًا، قال: وفينا سلمان الفارسي قال: فوضع النبي ³ يده على سلمان ثم قال: (لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء) . ونافع ـ مولى عبدالله بن عمر بن الخطاب ـ أحد فقهاء الإسلام وعلمائه، وطارق بن زياد فاتح الأندلس، ومكحول الهُذلي المتوفى سنة 112هـ الذي قال: ¸كنت عبدًا لسعيد بن العاص، فوهبني لامرأة من هذيل بمصر، فلم أدع بمصر علمًا إلاحويته فيما أرى، ثم أعتقت فأتيت العراق، فلم أدع بها علمًا إلا حويته، ثم أتيت المدينة فكذلك، ثم أتيت الشام فغربلتها، وما سمعت شيئا إلا استودعته في صدري..·، حتى صار مكحول هذا إمام أهل الشام وعالمهم المقدّم.
ولعل من أروع ما وصل إليه حال الرقيق في الإسلام ما ذُكر من أن الخليفة عمر بن الخطاب كان يتبادل ركوب الناقة بالتساوي بينه وبين عبده، أثناء سفره من المدينة إلى بيت المقدس، ليعقد مع صاحبها معاهدة الصلح، فلما وصل كان العبد هو الراكب، وأمير المؤمنين هو الماشي، فخشي أبو عبيدة ـ قائد الجيش في الشام ـ أن يحتقر المستقبلون أمير المؤمنين عمر، فكشف له عما في نفسه، مما يأنف منه أهل هذه البلاد، ورغب إليه أن يُنزل العبد ليجر الناقة وهو راكب عليها، فأبى الخليفة هذا وقال: ليت غيرك قالها يا أبا عبيدة! نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله. وعمر بن الخطاب هو الذي قال لعامله على مصر، عمرو بن العاص ¸متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا·.
وتجدر المقارنة والموازنة بين الحقوق والأساليب الإنسانية التي شرعها الإسلام في قضية الرقيق، وبين ما كان مقررًا ومعمولاً به في المجتمعات القديمة، بل الحديثة في عصور النهضة، حيث كان الرقيق يعيشون حالة مزرية منحطة، حتى إن فرنسا كانت تمنع الملونين ـ فضلاً عن الرَّقيق ـ من القدوم إلى أراضيها لطلب العلم والثقافة والمعرفة، ومثل ذلك في التمييز العنصري الذي عجزت بعض دول العالم اليوم عن تخطّي حواجزه بين أفراد شعبها الذين يعيشون معًا. قال غوستاف لوبون في كتابه: تمدّن العرب: ¸إن لفظة الرق إذا ذكرت أمام الأوروبي ... وَرَدَ على خاطره استعمال أولئك المساكين المثقلين بالسلاسل، المكبلين بالأغلال، المسوقين بضرب السياط، الذين لا يكاد غذاؤهم يكفي لسد رمقهم، وليس لهم من المساكن إلا حبس مظلم... أما الحق اليقين فهو: أن الرق عند المسلمين يخالف ما كان عليه النصارى تمام المخالفة·.
ثالثًا: تحرير الرقيق هدف إسلامي
حرص الإسلام على فتح أبواب تحرير الرقيق على مصاريعها، بطريقة تشريعية هادئة ومتدرجة: إما على سبيل الفرض والوجوب الذي لا خيار للمكلف في تنفيذه، وإما على سبيل الحضّ والندب، والوعد الصادق من الخالق لمن يعتق عبدًا، بعظيم المنزلة وكريم التعويض في الدنيا والآخرة.
وقد حوّل الإسلام بعض أنواع العتق الذي كان اختياريًا إلى فرض لازم، يجب الوفاء به، مادام صاحبه قد باشر أسبابه.
ومن النوع الأول الذي هو تحرير الرقيق على سبيل الوجوب: ما تعلّق بسبب صادر عن المكلف نفسه، كالحنث في اليمين والقتل الخطأ وظهار الزوجة ـ أي تشبيه الزوج لها بأمه في الحرمة ـ قال تعالى: ﴿ ومن قتل مؤمنًا خطأ فتحرير رقبه مؤمنة ﴾ النساء : 92. وجاء نحو هذا في اليمين والظهار.
ومن هذا النوع أيضًا: نذر الإنسان أن يعتق عبدًا تقربًا إلى الله تعالى، إذ يجب عليه الوفاء بالنذر التزامًا بما صدر منه مع أن أصل النذر مباح واختياري.
ومن ذلك أيضًا: المكاتبة، وهي: قبول السيد من رقيقه تحرير نفسه مقابل مبلغ من المال يدفعه إليه على أقساط فيجـب على المـالك الالتزام بـها وعتـق رقيقـه بموجبـها، مع أنهـا في الأصـل مباحة واختيـــارية، قــال الله تعــالى: ﴿ فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرًا ﴾ النور : 33.
ومن ذلك أيضًا: التدبير، وهو: وعد السيد رقيقه بأن يُمنح الحرية بعد وفاته، فإذا مات السيد صار الرَّقيق حرًا على سبيل الوجوب الشرعي الذي ليس له ردّ، مع أن الأصل في التدبير الإباحة والاختيار.
ومنه أيضًا: ما كان سببه احتراما لحكم الشرع المراعي للفطرة البشرية السوية، من مثل ما يعرف بالاستيلاد، وهو: ولادة الأَمة ولدًا من سيدها، حيث تصبح حرة بعد موت سيدها، ومن مثل: ما يعرف بملك المحارم، وهو: تحرر الرقيق بمجرد أن يملكه محرمه، كمن ملك خالته أو عمته، فإنهما تُصبحان حرتين بمجرد تملكه لهما.
ومن هذا النوع الأول أيضًا: العتق بإساءة المعاملة، حيث يحق للمحاكم إجبار السيد على تحرير رقيقه إذا جوّعه أو عذّبه أو أضرّ به.
أما النوع الثاني الذي تبناه الإسلام للتخلّص من الرق، فهو: دعوته المسلمين إلى التقرب إلى الله تعالى بعتق الرقيق استحبابًا وإنسانية ورفقًا بهم، وتمكينًا لهم من التصرف بأنفسهم كما يشاؤون ليعيشوا أحرارًا كبقية الناس، قال النبي ³: ( أيّما رجل أعتق امرأً مسلمًا، استنقذ الله بكل عضو منه، عضوًا منه من النار ). و( أيما امرئ مسلم، أعتق امرأتين مسلمتين، كانتا فِكاكه من النار ). قال سعيد بن مرجانه: فسمع بهذا الحديث علي بن الحسين، وكان له عبد أُعطي فيه ـ أي دفع له فيه ـ ألف دينار ـ وكانت الدنانير من ذهب ـ فأعتقه ولم يبعه.
كما دعا الإسلام إلى بذل أموال الزكاة في عتق الرقيق وتحريرهم ومنحهم حق الحياة الكريمة، قال الله تعالى: ﴿ إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب ﴾ التوبة :60.
وفي مواقف أخرى دعا النبي ³ إلى تحرير الرَّقيق اعتذارًا لهم عما يقع عليهم من سوء معاملة، قال النبي ³:( من لطم مملوكًا له أو ضربه، فكفارته أن يُعتقه ).
هذا منهج الإسلام وهذه تعاليمه في احترام حياة الرقيق ومنحهم حقوق الإنسان والسعي في تحريرهم، وقد اهتم الرسول محمد ³ بحال الأرقّاء وهو في غمرات الموت، فقد كان آخر كلامه وهو يودّْع الدنيا في مرضه الذي توفي فيه: ( الصلاة، وما ملكت أيمانكم ). فمازال يقولها حتى ما يفيض لسانه، أي توقف لسانه عن الحركة.