نيكولو مكيافيلي

(بالتحويل من مكيافيلي)

نيكولو دي برناردو دي مكيافيلّي (بالإيطالية: Niccolò di Bernardo dei Machiavelli) (3 مايو 1469 - 21 يونيو 1527) ولد وتوفي في فلورنسا، رجل دولة وكاتب ومفكر وفيلسوف سياسي ومنظر سياسي ومؤرخ وباحث فى العلوم الإنسانية، إيطالي ذائع الصيت، عاش إبان عصر النهضة. يعتبره الكثيرون أبا علم السياسة الحديث. وهو أحد المفكرين السياسيين في عصر النهضة، وهي الفترة التي اشتهرت بالنشاط الفكري بين القرنين الرابع عشر والسابع عشر الميلاديين.

أصبح مكيافيلي الشخصية الرئيسية والمؤسس للتنظير السياسي الواقعي، والذي أصبح فيما بعد عصب دراسات العلم السياسي. أشهر كتبه على الإطلاق، كتاب الأمير، والذي كان عملاً هدف مكيافيلي منه أن يكتب نصائح لـلحاكم ، نُشرَ الكتاب بعد موته، وأيد فيه فكرة أن ماهو مفيد فهو ضروري، والتي كان عبارة عن صورة مبكرة للنفعية والواقعية السياسية. ولقد فُصلت نظريات مكيافيلي في القرن العشرين.

وفد اعتقد مكيافلي أن الطبيعة البشرية فى جوهرها أنانية، واستناداً إلى ذلك أيد مكيافيللى على الحاجة إلى حكومة قوية، وبخاصة فى كتابيه "الأمير" و "المحاورات" (كتبا ما بين عامي 1513، 1521). وقد مارس عمله تأثيراً بالغاً على علم السياسة، وإن كان عدد من علماء الاجتماع قد تأثروا بنظريته في فن الحكم مثل ستانفورد م. ليمان، ومارفن ب. سكوت، على سبيل المثال. (انظر كتابهما: سوسيولوجيا العبث، الذى صدر فى طبعته الثانية عام 1990).


قادته التجربة التي اكتسبها من كونه رجل دولة ومن دراسته للتاريخ إلى النظر إلى السياسة بطريقة جديدة. فسَّر الكتاب السياسيون في العصور الوسطى السياسة بمثالية وفي إطار الدين المسيحي، ولكن مكيافللي فسَّر السياسة بصورة واقعية على وجهة نظره للطبيعة الإنسانية في إطار التاريخ.يرى مكيافللي الدولة كائنًا حيًّا يمثل الحاكم رأسه ويمثل الناس جسمه. ويقول بأن الدولة السليمة هي الدولة المتحدة والمنتظمة والمتوازنة، لذلك يعيش شعبها في سعادة وشرف وقوة وأمن. ولكن الدولة غير السليمة هي التي تعاني من الاضطراب وعدم التوازن وقد تحتاج إلى إجراءات قوية لإعادتها إلى طبيعتها.

دعا مكيافللي الحاكم لاستخدام كل الوسائل الضرورية من أجل الحفاظ على الدولة. وتشمل هذه الوسائل استخدام القسوة والخداع والقوة، إذا فشلت الوسائل الأخرى. بناء على ذلك رأى الكثيرون أن مكيافللي يدعو إلى استخدام القسوة والخداع في السياسة. وجاءت كلمة مكيافلليّة لتعني المكر والتجرد من المبادئ الخلقية.

كان مكيافلى وافر الأمانة، كريماً، متسامحاً، شجاعاً. وكان بارع الحجة في الحوار وحكاية الحكايات. وكان شاعراً ومؤلفاً مسرحياً، كما أن أسلوبه التشري يعد في ذروة البلاغة الايطالية.

عني مكيافلي بالسياسة عملياً ونظرياً. وكانت نظراته السياسية تتركز حول كيفية الحصول على السلطة (الحكم) والمحافظة عليها. ولما كان هذا هو الهدف، فلا محل للاعتبارات الأخلاقية. إن الغرض هو النجاح السياسي، فلا على طالبه بعد ذلك من انتهاك القواعد الأخلاقية والاعتبارات الانسانية. ولهذا انصب بحثه على بيان أنواع الأعمال التي من شأنها أن تؤدي إلى النجاح السياسي في مختلف المواقف وقد هيأ له هذا النظر أحوال مدينة فلورنسا نفسها: فهذه المدينة - الدولة في القرنين الخامس عشر والسادس عشر كانت مدينة المالية والتجارة، وبالتالي كان الهدف هو تقدير المكسب والخسارة. فلا غرو أن جاء تصور مكيافلي للسياسة على أنها صفقة مالية تجارية المهم فيها هو الربح، لا مراعاة قواعد الأخلاق.

حياته

ولد مكيافيلي في فلورنسا بإيطاليا في سنة 1469 لمحامٍ هو برناردو دي نيكولا مكيافيلي وبارتولومي دي استفانو نيلي، والذين كانا منحدرين من أسرة توسكانية عريقة. وكان والده من النبلاء، وقد تربى تربية كلاسيكية ممتازة، وإن كان لم يتعلم اللغة اليونانية أو يتلقى تعليماً واسعاً لكنه أظهر ذكاءً حادًّا. اتبع ميكافيللى في بداية الأمر رجل الدين والسياسي الإيطالي جيرولامو سافونارولا الذي كان ينتمي إلى نظام الرهبان الدومينيكان والذي كان قد مُنح لقب خادم الرب، وكان سافونارولا يخاطب الشباب الإيطالي داعيًا إياهم إلى التمسك بالفضيلة لكن ميكيافيلي لم يلبث أن ابتعد عنه؛ حيث إن ميكيافيلي كان رجلًا سياسيًّا يسعى إلى فصل الدين عن السلطة بجعل مدينة فلورنسا جمهورية.

اختير ميكيافيلي عام 1498م، وكان يبلغ من العمر آنذاك 29 عاماً، سكرتيرًا للمستشارية الثانية لجمهورية فلورنسا التي تشرف على الشؤون الخارجية والعسكرية، وكاتباً للجنة الحرية والسلام، وفي لجنة تنفيذية تعنى بالشؤون الداخلية والعسكرية والخارجية. وبقي فيها 14 عاماً كلف في أثنائها بمهام دبلوماسية طويلة جعلته يسافر إلى فرنسا وسويسرة وألمانيا. وتحتوي رسائله وتقاريره عن هذه المهام الكثير من الأفكار التي أودعها مؤلفاته فيما بعد.

في عام 1500م أنهى ميكيافيلي أولى بعثاته الدبلوماسية إلى فرنسا حيث قابل الملك لويس الثاني عشر. أما في عام 1502م أنهى ميكيافيلي بعثته الدبلوماسية التي زار خلالها قيصر بورجيا والتي شهد خلالها سقوط بورجيا من السلطة عقب وفاة والد القيصر البابا الإسكندر السادس. عاد ميكيافيلي إلى فرنسا مرة أخرى عام 1504م، وفي عام 1506م أُرسل ميكيافيلي في بعثة دبلوماسية إلى البابا يوليوس الثاني وعام 1507م قام بأولى بعثاته إلى الإمبراطور ماكسيميلان.

كذلك اشتغل مكيافلي بالأمور الحربية، بوصفه سكرتيرا للجنة التسعة العسكرية. ولما صارت حكومة فلورنسا مهددة بعودة آل مدتشي إلى الحكم في فلورنسا بمعونة القوات الأسبانية، أفلح مكيافلي في تعبئة جيش مؤلف من اثني عشر ألف جندي لمقاومة الغزو الأسباني، لكن هذا الجيش المؤلف من متطوعين هواة كانوا أضعف من أن يقفوا في وجه الجيش الأسباني المدرب المحترف.

وقد بقي ميكيافيلي في منصبه، سكرتيرًا للمستشارية الثانية مدة لا تقل عن 14 عامًا، حتى انهارت الجمهورية عام 1512م. وعادت أسرة ميدتشي التي حكمت فلورنسا من قبل إلى السلطة مرة أخرى، وتمت الإطاحة بجمهورية سودريني. اعتُقل مكيافللي وعُذِّب وسُجِن بتهمة التآمر ضد حكم ميدتشي، وقد نزل قرار بإعدامه عام 1513م إلا أنه نجا بأعجوبة من تلك العقوبة، وأُطلق سراحه بعد أقل من عام. ولكنه طُرد من عمله. ولما أطلق سراحه نفي من فلورنسا، ف\عاش في حالة فقر وعزلة في ضيعة صغيرة كانت تملكها أسرته في بلدة سانت أندريا. وهنا اصطدمت الأقاويل فيما إذا كان قد نُفي إلى مدينة سان كاسيانو أم أنه لجأ إليها، ولكن ما تم تأكيده هو أنه بقي في مقره الريفي في سانت أندريا حيث بدأ كتابه "أحاديث" وانتهى من كتابه "الأمير". وبقي ثلاث عشرة سنة معتزلاً النشاط السياسي، حتى استدعاه آل مدتشي في سنة 1525، لكن بعد ذلك بعامين (في سنة 1527) سقط حكم آل مدتشي، وقامت جمهورية جديدة عزلت مكيافلي من منصبه.

وفي عام 1527م توفي نيكولو ميكيافيلي ودفن في سانتا كروس في فلورنسا.

ويمكن تقسيم فترة حياته إلى ثلاثة أجزاء كلها تمثل حقبة مهمة من تاريخ فلورنسا، حيث عاصر في شبابه وطور نموه ازدهار فلورنسا وعظمتها كقوة إيطالية تحت حكم لورينزو دي ميديشي، وسقوط عائلة ميديشي في عام 1494، حيث دخل مكيافيلي في الخدمة العامة، وتحررت فلورنسا خلالها وأصبحت تحت حكم جمهورية، والتي استمرت لعام 1512م، حيث استرجعت آل ميديشي مقاليد السلطة ولكنها حينما عادت للحكم اتهم ميكافيللى بالتآمر ضدها وسجن، لكن الباباليو العاشر أفرج عنه فاختار حياة العزلة في الريف حيث ألَّف العديد من الكتب أهمها كتاب (الأمير) وحكمت آل ميديشي حتى عام 1527م، حيث تم إجلاؤهم عن المدينة في 22 يونيو مرة أخرى، وحينها كانت الفترة التي تمخضت عن نشاطات مكيافيلي ومؤلفاته، ولكنه توفي، عن عمرٍ يناهز الثامنة والخمسين تقريبا قبل أن يسترجع منصبه في السلطة.

ويذهب الكثير من المفكرين السياسيين بأن لميكيافيلي دور مهم في تطور الفكر السياسي، حيث إنه أسس منهجا جديدا في السياسة، بأفكار تبشر بمحاولات لتجاوز الفكر الديني. نقطة التحول هذه لتجاوز السلطة الدينية التي كانت سائدة في الفكر السياسي الأوروبي في القرون الوسطى أُعقِبَت بتحولات أخرى أكثر جدية من طرف فولتير ومنتسكيو وجون لوك وجان جاك روسو وغيرهم من المفكرين التنويريين الليبراليين. وهكذا كان ميكافيلي نقطة تحول مهمة في تاريخ الفكر السياسي.

ظروف نشأته

لم يكن نيكولا مكيافيللي مجرد كاتب أو فيلسوف أو صاحب نظرية، بل إنه كان مشتركًا بقوة في الحياة السياسية المضطربة وغير المستقرة التي مرت بها مدينة "فلورنسا" في الفترة التي عاش فيها. ولد نيكولا مكيافيللي عام 1469 م في أسرة عريقة، وكان "المديشيون" قد أقاموا حكمًا استبداديًا، لكنه حافظ على الأنظمة الجمهورية القديمة، في حين سطروا بشدة على زمام الحكم الحقيقي. ولم تكن أسرة مكيافيللي موالية لأسرة "ميديشي" وكان والد نيكولا مكيافيللي محاميًا مشهورًا، وهو من كبار الداعين إلى الجمهورية أما عن حياة مكيافيللي كشاب، فإن المتوفر عنها من معلومات قليل جدًا. على أنه من المفترض أنه قد تثقف ثقافة أبناء الطبقة المتوسطة المعتادة في عصره فقرأ في تاريخ الرومان والترجمات اللاتينية لمختلف أمهات الكتب الإغريقية القديمة. شب مكيافيللي في عهد أمير مديشي أطلق عليه أهل "فلورنسا" اسم "لورنزو العظيم". وقد اعتبر عهده عصرًا ذهبيًا للنهضة الإيطالية. كان "لورنزو" أديبًا وشاعرًا مفطورًا، فاهتم بالأدباء والفنانين وأهل العلم. لكنه مات عام 1492 م، واضطر خلفه "بييرو" إلى الخروج إلى المنفى بعد عامين بعدما تعرضت المدينة لغزو جديد على يدي "شارل الثامن" ملك فرنسا. وقد ظهر راهب دومنيكاني اسمه "سافونارولا"، وتمكن من إصلاح الجمهورية، ونجح في إقامة حكومة دينية ما لبثت أن انهارت، وأعدم الراهب وُأحرقت جثته في عام 1498 م. وبعد بضعة أشهر انتخب مكيافيللي سكرتيرًا للمستشارية الثانية لجمهورية "فلورنسا" وهي تشرف على الشئون الخارجية والعسكرية. وقد استمر "مكيافيللي في الحكم ثلاثة عشر عامًا. ثم حدث ما لم يكن متوقعًا. حيث جاء الجيش الفرنسي مرة أخرى إلى "فلورنسا"، فاضطر أهلها إلى استدعاء أسرة مديشي، وبالتالي خرج "مكيافيللي" منفيًا من مدينته.

شبابه ونشأته

مع أن القليل دون عن فترة شباب مكيافيلي، إلا أن فلورنسا تلك الحقبة معروفة بشكل يسهل التنبؤ معه بحياة أحد مواطنيها. لقد وُصفت فلورنسا على أنها مدينة ذات نمطي حياة مختلفين، واحدٌ مُسير من قبل المتشدد الراهب سافونارولا، والآخر من قبل لورينزو دي ميديشي. لابد وأن يكون تأثير سافونارولا على مكيافيلي الشاب دون أي تأثيرٍ يُذكر، إلا أنه مع تحكم سافونارولا بأموال فلورنسا، فقد أوجد لمكيافيلي مادة في كتابه الأمير عن النهاية المأسوية للنبي غير المسلح. أما عن روعة حكم الميديشيين إبان عهد لورنزو العظيم فقد كان ذا أثرٍ ملموس على الشاب، حيث أشار عدة مرات إليهم، ويجدر الإشارة إلى أن كتابه الأمير قد أُهدي إلى حفيد لورينزو (وهذه من الطرائف عند الحديث عن هذا الشاب حيث كان والده وجده من المعارضين لحكم الميديشيين).

ويعطينا كتابه، تاريخ فلورنسا، صورة عن الشباب الذين قضى معهم فترة شبابه، حيث يقول: "لقد كانوا أحراراً أكثر من آبائهم في ملبسهم وحياتهم، وصرفوا الكثير على مظاهر البذخ، مبذرين بذلك أموالهم ووقتهم طمعاً بالكمال، واللعب، والنساء. لقد كان هدفهم الرئيس هو أن يبدو الشخص فيهم بمظهرٍ حسن وأن يتحدث بلباقة وذكاء، وقد أُعتبر من يجرح الناس بذكاء أحكمهم كما ذكر".

وفي رسالة لابنه غويدو، يظهر مكيافيلي ضرورة أن تُستغل فترة الشباب بالانكباب على الدراسة، وهذا مايقودونا إلى الاعتقاد بأنه قد انشغل كثيراً إبان شبابه. ويقول مكيافيلي: "لقد تلقيتُ رسالتك، والتي منحتني شعوراً عظيماً بالسعادة، خصوصاً وأنك استعدت عافيتك، ولن يكون هناك خبرٌ أجمل من هذا، فقد وهبك الرب ووهبني الحياة، وآمل أن أصنع منك رجلاً كفؤً إذا ماكنت مستعداً لتقوم دورك". ومن ثم يُكمل: "سوف يكون هذا جيداً لك، ولكنه واجبٌ عليك أن تدرس، حيث لن يكون لك العذر في أن تتباطأ بحجة المرض، واستغل ألمك لدراسة الرسائل والموسيقى، حيث سيبدو لك الشرف الذي يكون لي بامتيازي بمثل هذه المهارة. إذن، بُني، إذا ما أردت إسعادي، وأن تجلب لنفسك الشرف والنجاح، قم بالمطلوب وادرس، لأن الجميع سيساعدونك إذا ماساعدت نفسك".

جانب من حياته بالمنفى

اعتمد "مكيافيللي" أثناء حياته في منفاه الريفي على دخل بسيط من ممتلكاته التي توجد في بعض الضواحي. وكان يستيقظ مبكرًا ويخرج إلى الغابة يتحدث للحطابين ويتبادل معهم الأقاويل والشائعات ثم يذهب إلى أحد التلال وحيدًا، وهناك يقرأ "لدنتي أو شيراك أو تبيولوس أو أفيد". وبعد أن يتناول غداءً خفيفًا، يمضي إلى الحانة فيتحدث مع الطحان والقصاب وبعض البناءين، ويقضي معهم طيلة فترة الظهيرة يلعبون الورق والنرد ويتشاجرون على دراهم معدودة. وعندما يأتي المساء يعود للمنزل ويغير ثيابه الريفية التي عادة ما تكون قد أصابتها الأوساخ والقاذورات أثناء جولته. ويرتدي ملابس البلاط والتشريفات لكي يكون في صحبة من أحبهم ويدخل إلى مكتبته الخاصة. كان يعتبر ذلك هو حياته الفعلية وكان خلال ذلك الوقت يدون ملاحظات في كتاب صغير أسماه "الأمير".

رأيه في الإنسان

كان مكيافلي يعتقد أن الطبيعة الإنسانية لا تتغير ابداً على مدى الأزمان وفي مختلف الأماكن. وقد بنى هذا الرأي من استقرائه للأمور الإنسانية وتصرفات الناس عبر التاريخ وفي سائر البلدان، كما تبين له أيضاً من هذا الاستقراء أن الإنسان في جوهره شرير.

وصفات الإنسان الأساسية - في نظر مكيافلي - هي:

(أولاً) أنه مخلوق ذو شهوات لا تشبع ومطامح لا تقف عند حد، وأن أولى شهواته هذه الرغبة في المحافظة على نفسه.

وثانياً: الانسان قصير النظر، يحكم غالباً وففاً للمكافأة العاجلة أولى من أن يُحكم بسبب النتائج البعيدة لأفعاله.

وثالثاً: الإنسان مولع بالتقليد والمحاكاة، ميال إلى الاقتداء بالأشخاص ذوي السلطان.

ورابعاً: الإنسان صلب الطبع، حتى إن أنماط السلوك التي استقرت عن طريق التقليد والمحاكاة لا يمكن تغييرها إلا في نطاق ضيق.

ورغبة الإنسان في المحافظة على نفسه، وقصر نظره يجعلانه سهل الانقياد للقادة المدنيين؛ وولعه بالمحاكاة يهيؤه لقبول تكييف الزعماء والأنظمة.

ثم إن الناس حين تتهددهم البئية الطبيعية أو العدوان، فإن رغبتهم في المحافظة على أنفسهم تدفعهم إلى التعاون فيما بينهم، بل وإلى سلوك مسلك الفضيلة: فيتحلون بالشجاعة وروح البذل والتضحية بالنفس والمال وحتى بعد زوال التهديد الخارجي المباشر، فإن من الممكن تحليهم ببعض الفضائل الاجتماعية بفضل القيادة الماكرة والتنظيم الاجتماعي المحكم.

وهكذا فإنه إذا كان الإنسان بطبعه الأصيل شريراً، فإنه بحكم وضعه الاجتماعي قابل ومضطر لأن يكون على قدر من الفضيلة والخير. فطبيعة الإنسان الشريرة بحكم الفطرة يمكن إذن تكييفها وقولبتها بالقيادة والتنظيم، وإن كان ذلك محدوداً بحكم أصالة الشر في طبيعة الإنسان. وهكذا فإن الإنسان قابل للتربية الاجتماعية، وللتكييف الاجتماعي. والمجتمع المدني هو المدرسة الكبرى للإنسانية. والسلوك الانساني يمكن أن يتأثر تأثراً قوياً بتركيب البيئة الاجتماعية؛ وبالأغراض التي توجه لها الجماعة. إن الإنسان في المجتمع لم يعد إنسانا طبيعياً على نحو مطلق، ولا إنساناً صناعياً بمعنى مطلق؛ بل هو بين بين.

الغاية العليا من السياسة، في نظر مكيافلي، هي المصلحة العامة، والأمن والرفاهية للجماعة، وليست تلك الغايات الأخلاقية التي تصورها المفكرون السياسيون السابقون. وللحكم على السياسة ينبغي أن نأخذ في الاعتبار النتائج الاجتماعية والسياسية، بغض النظر عن النتاثج الأخلاقية. لكن ليس معنى هذا أن مكيافلي كان من دعاة سوء الأخلاق في سياسته. إنما الأمر عنده هو أنه لا محل للاحتكام إلى الأخلاق في تقويم الأفعال السياسية، بل العبرة فيها بالنجاح وحده، أي تحقيق المنفعة العامة والأمن والرفاهية للمجتمع بوصفه كلَّاً. وهو يقرر أنه في بعض الظروف فإن الخير المشترك يغتفر استخدام وسائل لاأخلاقية، لكنه لم يقل إنه يبرر استخدام وسائل لا أخلاقية. وانتهاك مبادئ الأخلاق لا يمكن تبريره إلا بالمصلحة العامة وحدها.

والغاية العظمى التي ينبغي على الإنسان تحقيقها هي في نظره: المجد. والمجد يتحقق بالأفعال التي تبقى في ذاكرة الناس ويحبونها. والحياة المجيدة لفرد أو لدولة مهما تكن قصيرة أفضل من الحياة العادية التافهة الطويلة لفرد أو دولة. والنجاح أو الشهرة الناشئان عن السلطة الكبيرة أو الثروة هما أقل قيمة بكثير من المجد الحقيقي. وأعظم المجد هو الذي يكتسب بتأسيس دين، ويتلوه المجد الذي يكتسب بتكوين امبراطورية، ويتلوه المكتسب بقيادة الجيوش المظفرة، ويتلوه المكتسب بخلق أعمال أدبية وعلمية — على ترتيب تنازلي في القيمة.

والمجد الحقيقي يتوقف على ما يسميه مكيافلي ب virtu في الفرد أو في الشعب. والكلمة virtu في استعماله لها غامضة مشتركة، لكن الأرجح هو أنه يقصد بها هو نمط سلوك الجندي في المعركة الذي يكشف عن بعد نظر، وضبط نفس، ورباطة جأش، وثبات، وتصميم وعزم، وحسم، وتعلق بالهدف، وشجاعة، وجسارة، وقوة والحرب هي الكفاح النموذجي بين ال virtu وال fortuna (الحظ المتقلب). والحياة كلها على هذا النحو.

واستقرى مكيافلي التاريخ ليكشف عن الظروف التي تنتج أكبر قدر من الـ virtu في مجتمع وما يترتب على ذلك من تحقيق مجد. فرأى أن أعظم القادة والشعوب الذين تحلوا بالـ virtu هم اليونان والروما ن، خصوصاً روما الجمهورية. وعنده أن الـ virtu في شعب ما تتوقف تماماَ على التربية، بينما ال virtu في أمير أو زعيم هي فطرية وتتشكل بالتربية. وأفضل الأجواء مواتاة لتحقيق الـ virtu هو النظام الجمهوري الذي تزدهر فيه الحرية، ويدافع عنها جيش من المواطنين.

والنزاع أصيل في طبع الإنسان، ولا سبيل مطلقاً إلى القضاء النهائي على المنازعات، هكذا يرى مكيافلي والمظهر الأساسي للنزاع الاجتماعي هو الصراع الأزلي الدائم بين عامة الشعب من جهة وبين العظماء والأقوياء من ناحية أخرى ويمكن أن يعد هذا نوعاً من الصراع الطبقي، بيد أن مكيافلي لا يقيمه على أسس اقتصادية كما فعل ماركس وأتباعه، بل أقامه على إرادة القوة والشهوة إلى السيطرة. وفي كل دولة نجد الغالبية العظمى تنشد الأمن على أشخاصهم وأموالهم، بينما نجد قلة، إما أن تكون ارستقراطية وراثية، أو من التجار، تشتهي السيطرة على الجماهير.

وهذا النزاع ليس فقط أمراً طبيعياً، بل يمكن أيضاً تحويله إلى أمر نافع للمجتمع، يحقق أغراضاَ اجتماعية مفيدة وهذا النوع من النزاع موجود في الدول الفاضلة كا هو موجود في الدول الفاسدة. والفارق بينهما ليس في وجوده فيها، بل في صفة النزاع. فالنزاع في دولة فاضلة يأخذ مكانه داخل حدود معلومة: إنه يتحدد بالعمل الوطني للخير المشترك الذي يتجاوز المصالح الشخصية الضيقة، وبالرغبة في احترام القانون وإطاعة السلطة، وبكراهية استخدام العنف واللجوء إلى الوسائل غير القانونية. ويقدم شاهداً على هذه الدولة الفاضلة: روما الجمهورية؛ حيث نُظم النزاع ين الأشراف والعامة من خلال مجلس الشيوخ والجمعيات الشعبية بخطبائها tribuns .

وفي مقابل ذلك يرى مكيافلي أن النموذج البارز للدولة الفاسدة هو فلورنسا، كما فصل تاريخها في كتابه «تاريخ فلورنسا» في مثل هذه الدولة الفاسدة تتفرق الأهواء والناس ويصبح كل إنسان لنفسه فقط وتنحل العواطف الدينية، وتنحل معها الأمانة المدنية، وروح الواجب المدني، واحترام السلطة، وتزداد الأحزاب وتكثر المؤامرات، ويصبح الحكم نهباً متواصلا للفات القوية: وتضمحل الـ virtu، ويكثر الجشع، ويستشري الترف والتراخي والكسل، ويزداد التفاوت بين الثروات.

ولاصلاح الحال في هذه الدولة الفاسدة لا وسيلة سوى الدولة: إذ هي وحدها التي تستطيع أن تخلق الظروف المحققة للأمن والرفاهية. وليست للدولة غاية عليا أو هدف روحي، وليست لها حياة أو شخصية متقلة عن الشعب الذي يؤلفها .

وفي كتاب «الأمير» وفي «المقالات» صنف مكيافلي الدول إلى صنفين وفقاً لعدد الحاكمين: الملكيات، والجمهوريات. والملكيات يمكن أن تكون محدودة (كما في فرنسا)، أو مطلقة استبدادية (مثل تركيا)، أو طغيانية (مثل سرقوسة في صقلية) والجمهوريات يمكن أن تكون جماهيرية (مثل أثينا) أو متوازنة (مثل روما) ويوجد نمطان من الجمهوريات المتوازنة: الارستقراطية (البندقية)، والديمقراطية (روما). وعلى أساس ما شاهده مكيافلي في فلورنسا ميز بين شكلين غير مستقرين يتوسطان بين الملكيات والجمهوريات، ومكن وصفه بالاوليغركيات (حكومات الأقلية، والملكيات الاستفتائية.

كذلك ميز بين الدول بحسب الطريقة التي بها يستولى على السلطة، وبحسب نزعتها إلى التوسع (روما) أو إلى المحافظة على كيانها (اسبرطة)، وبحسب فسادها (فلورنسا) أو فضيلته virtu (روما الجمهورية)، وأخيراً يميزها بحسب كون دستورها نشأ بفضل شخص مشرع واحد (اسبرطة)، أو نشأ على امتداد الزمن والتجربة (روما).

وقد وضع مكيافلي قواعد للحكومة الناجحة، منها: تأسيس مؤسسة عسكرية قوية لحماية المواطنين ضد Iلعدو الخارجي، وحماية الحياة، والممتلكات، والأسرة، وشرف كل مواطن من عدوان أي مواطن آخر أو سائر المواطنين؛ وتشجيع الازدهار الاقتصادي، ومنع إفراط الأفراد في الثراء، وتنظيم الترف؛ والاعتراف بالفضل لأصحاب الفضل من المواطنين. والترقي في سلم المناصب في الدولة يجب أن يكون مفتوحاً لأولئك الساعين إلى المجد والشرف. والدولة المثلى هي تلك التي تكون المراتب فيها على حسب الكفاءة والقدرة.

المجتمع عند مكيافيلي

المجتمع عند ماكيافيلي يتطور بأسباب طبيعية، فالقوى المحركة للتاريخ هي "المصلحة المادية" و"السلطة". وقد لاحظ صراع المصالح بين جماهير الشعب والطبقات الحاكمة، وطالب ماكيافيلي بخلق دولة وطنية حرة من الصراعات الإقطاعية القاتلة، وقادرة على قمع الاضطرابات الشعبية. وكان يعتبر من المسموح به استخدام كل الوسائل في الصراع السياسي، فمكيافيلي القائل "الغاية تبرر الوسيلة" برر القسوة والوحشية في صراع الحكام على السلطة. وكانت أهمية ماكيافيلي التاريخية أنه كان واحدا من أوائل من رؤوا الدولة بعين إنسانية واستنبطوا قوانينها من العقل والخبرة وليس من اللاهوت.

ولقد ألف مكيافيلي العديد من "المطارحات" حول الحياة السياسية في الجمهورية الرومانية، فلورنسا، وعدة ولايات، والتي من خلالها برع في شرح وجهات نظر أخرى. على كُلٍ فصفة "مكيافيلي" والتي ينظر إليها الباحثون على أنها تصف بشكل خاطئ مكيافيلي وأفكاره، أصبحت تصف التصرف الأناني والذي تهدف له الجماعات الربحية. مع ليوناردو دا فينشي، أصبح نيكولا مكيافيلي الشخصية المثالية لرجل عصر النهضة، ومن اللائق أن يقال أن مكيافيلي يستحوذ على صفات "الذكاء المكيافيلي"، عوضاً عن وصفه بالمكيافيلية.

كتاب الأمير ووفاة مكيافيلي

عند عودة آل ميديشي أمل مكيافيلي عودته لمنصبه في الخدمة العامة تحت سلطة الأسياد الجدد لفلورنسا، أُقصي في الثاني عشر من نوفمبر لعام 1512، واتُهم لاحقاً بالتورط في مؤامرة ضد المديتشيين وسُجن، وتم استجوابه تحت التعذيب. وقام البابا الميديشي الجديد، ليو العاشر، بالعفو عنه وإطلاق سراحه. وذهب مكيافيلي لسان كازينو ليقضي فترة تقاعده، بالقرب من فلورنسا، حيث قضى وقته بالكتابة. وفي رسالة لفرانسيسكو فيتوري، مؤرخة بثالث عشر من سبتمبر من عام 1513، يذكر مكيافيلي وصفٍ مثيراً للحياة التي قضاها في تلك الفترة، والتي بين فيها الدوافع لكتابة الأمير. فبعد أن وصف حياته اليومية مع عائلته والجيران، يكتب مكيافيلي:

«عندما يحل المساء أعود إلى البيت، وأدخل إلى المكتبة، بعد أن أنزع عني ملابسي الريفية التي غطتها الوحول والأوساخ، ثم أرتدي ملابس البلاط والتشريعات، وأبدو في صورة أنيقة، أدخل إلى المكتبة لأكون في صحبة هؤلاء الرجال الذين يملأون كتبها، فيقابلونني بالترحاب وأتغذى بذلك الطعام الذي هو لي وحدي، حيث لاأتردد بمخاطبتهم وتوجيه الأسئلة لهم عن دوافع أعمالهم، فيتلطفون علي بالإجابة، ولأربع ساعات لاأشعر بالقلق، وأنسى همومي، فالعوز لايخيفني والموت لايرهبني، لقد تملكني الإعجاب بأولئك العظام، ولأن دانتي قال: «يُحفظ العلم الذي يأتي بالتعلم». ولقد دونتُ ملحوظاتٍ من محاوراتهم، وألفت كتاباً عن الحكومات ، حيث أنكبُ جاهدا في التأمل والتفكر بما يتعلق بهذا الموضوع، مناقشة ماهية الحكم ، وأنواعها، وكيفية امتلاكها، ولماذا تٌفقد، وعليه فهذا على الأرجح سيعجبك، إلا أنه لأميرٍ جديد سيكون محل ترحابه، ولذا فقد أهديتُ الكتاب لجلالته جوليانو. وقام فيليبو كازافتشيو بإرساله، وسيخبرك عن محتواها وعن حواري معه، ومع ذلك فما زالت تحت التنقيح.»

ولقد تعرض الكتيب للعديد من التغيرات قبل أن يستقر على الشكل الذي هو عليه الآن. ولسببٍ ما تم إهداء الكتاب للورينزو الثاني دي ميديشي، مع أن مكيافيلي ناقش كازافتشيو إذا ما كان من الأفضل إرساله أو عرضه شخصياً، إلا أنه لم يثبت أن لورنزو قد استلم الكتاب أو حتى قرأه، وبطبيعة الحال لم يقم بتوظيف مكيافيلي. ولم يقم مكيافيلي بنشر الكتاب بنفسه، وقد اختلف فيما إذا كان النص الأصلي للكتاب لم يتعرض للتحريف، إلا أنه قطعاً تعرض للسرقة الأدبية.

وختم مكيافيلي رسالته إلى فتوري قائلاً:

«وبالنسبة لهذا الكتاب الصغير، عندما يُقرأ، فسيترائ لقارئه أني لم أنم أو أتكاسل في دراسة فن السياسة و إدارة الدولة طوال الخمسة عشر عاماً التي قضيتها متنقلاً بين الملوك، وعليه الرغبة في أن ينهل من خبرة هؤلاء.»

وقبل أن يُنهي مكيافيلي كتاب الأمير بدأ مطارحاته بالكتابة عن العقد الأول لتايتوس ليفيوس، والذي يجب أن يُقرأ تزامناً مع الأمير. هذه الأعمال وأخرى أصغر أبقته منشغلاً حتى 1518، حتى وُكل بمهمة المراقبة على أعمال بعض التجار في في جينوا. وفي عام 1519 منح حكام فلورنسا المديتشيون صلاحيات سياسية للمواطنين، وأصبح مكيافيلي وآخرون مستشارين حسبما ينص الدستور الجديد حالما يتم إرجاع المجلس العظيم.

وأصبح عام 1520م مُذهلاً لكي يعاود مكيافيلي الانخراط في مجتمع فلورنسا الأدبي، كما كان هذا العام هو بداية إنتاج كتاب فن الحرب. طلب الكاردينال دي ميديشي من مكيافيلي تأليف كتاب تاريخ فلورنسا، وهي مهمةٌ أشغلت مكيافيلي حتى عام 1525م.

وعندما انتهى من كتاب تاريخ فلورنسا، ذهب به لروما ليعرضه على البابا جوليو دي ميديشي، المعروف بالبابا كليمنت السابع، ولقد أهدى هذا الكتاب إلى رأس أسرة ميديشي. ومن ذلك العام قامت معركة بافيا ودمرت أملاك فرنسا في إيطاليا تاركةً فرانسيس الأول أسيراً تحت رحمة تشارلز الخامس وطُرد المديتشيون من فلورنسا مجدداً.

وكان مكيافيلي حينئذ غائباً عن فلورنسا، ولكنه أسرع في العودة لكي يؤمن مركزه كمستشار. ولكنه مرض فور وصوله حيث تُوفي في الثاني والعشرين من يونيو من عام 1527م.

مكيافيلي والشرق

يذكر جمال الدين فالح الكيلاني "ان ميكافللي تأثر بكتابي كليلة ودمنة لابن المقفع ومقدمة ابن خلدون وأقتبس منهما، خلال تأليفه لكتابه الأمير وهذا واضح من خلال المقارنة العلمية التي اجريت وفق منهج البحث التاريخي".

ردود الفعل تجاه الأمير ومكيافيلي

لم يتم نشر الأمير إلا بعد وفاة مكيافيلي بخمس سنين، ولذا لم يفهمه البعض وهاجموه حتى أصبح اسمه ملازماً للشر دائماً حتى في الفنون الشعبية. وأول من هاجم مكيافيلي هو الكاردينال بولس مما أدى لتحريم الإطلاع على كتاب الأمير ونشر أفكاره، وكذلك أنتقد غانتيه في مؤلفٍ ضخم أفكار مكيافيلي، ووضعت روما كتابه عام 1559 ضمن الكتب الممنوعة وأحرقت كل نسخة منه.

ولكن وعندما بزغ نور عصر النهضة في أرجاء أوروبا ظهر هناك من يدافع عن مكيافيلي ويترجم كتبه. ولم يصل مكيافيلي وفكره لما وصل إليه الآن إلا في القرن الثامن عشر عندما مدحه جان جاك روسو، وفيخته، وشهد له هيغل بالعبقرية. ويُعتبر مكيافيلي أحد الأركان التي قام عليها عصر التنوير في أوروبا.

مقولات لمكيافيلي

  • "الغاية تبرر الوسيلة" .
  • ”إنها متعة مضاعفة عندما تخدع المخادع“.
  • ”الطريقة الأولى لتقييم حكمة الحاكم، هي النظر إلى الرجال المحيطين به“.
  • ”إن الدين ضروري للحكومة لا لخدمة الفضيلة ولكن لتمكين الحكومة من السيطرة على الناس. كان المواطن الروماني يخشى حنث اليمين أكثر من القوانين، لأنه يهاب أولئك الذين يمثلون سلطات الرب أكثر من الرجال“.
  • "حبي لنفسي قبل حبي لبلادي" .
  • «جميع الأمراء يريدون الظهور بمظهر الرحمة لا القسوة، ولكن عليه التأكد ألا يسيء استخدام هذه الرحمة. لا ينبغي على الأمير التردد في إظهار القسوة للإبقاء على رعاياه متحدين، لأنه بقسوته هذه هو أكثر رحمة من أولئك الذين يسمحون بظهور الفوضى بسبب لينهم. ولكن عليه أن يكون حذرًا، لن يستطيع تجنب سمعة القسوة فجميع الدول الجديدة محاطة بالمخاطر. لكن بامكانه المضي قدمًا بكثير من الحكمة والإنسانية. فالثقة المفرطة ستكسبه سمعة المغفل، وعدم الثقة ستظهره بمظهر الغير متسامح. من هنا يأتي السؤال، هل من الأفضل أن تكون مهابًا أم محبوبًا؟

الإجابة هي من الجيد أن تكون مهابًا ومحبوبًا ولكن من الصعب تحقيق ذلك، والأضمن أن تكون مهابًا على أن تكون محبوبًا، إذا لم تستطع أن تكون كليهما. الرجال بشكل عام جاحدون، طليقوا اللسان، جشعون ويحرصون على تجنب المخاطر. طالما أنهم مستفيدون منك، فأنت تملكهم بشكل كامل، يعرضون عليك دمائهم وسلعهم وأطفالهم عندما تكون المخاطر بعيدة. ولكنهم يتمردون عندما يقترب الخطر والأمير الذي يعتمد على كلماتهم دون الاستعداد لإجراءات أخرى، سيزول لأنه اشترى صداقتهم ولم ينلها بنبله وعظمة روحه. يتردد الرجال في إهانة ملهمي الخوف مقارنة بملهمي المحبة، لأن الحب يتماسك بسلسلة من الالتزامات التي سيكسرها الرجال فور خدمة أغراضهم. لكن الخوف يتماسك برعب من العقوبة لا يفشل أبدًا»

مؤلفاته

خلف مكيافيلي ثروة أدبية وفكرية هائلة جدا في شتى المجالات يُقدر عددها نحو الثلاثين كتاباً. أما أشهر كتبه على الإطلاق فهو كتاب الأمير (1513)

أوضح مكيافللي معظم أفكاره في كتابه المشهور الأمير الذي كُتب عام 1513م وطبع عام 1532م. ويصف هذا الكتاب الطريقة التي بموجبها يكتسب الحاكم القوي السلطة ويحفظ بلده قويًّا. ومن مؤلفات مكيافللي الأخرى مقالات في كتب ليفي العشرة الأولى (1517م أو (1518م)؛ فن الحرب (1520م أو عام 1521م) وكتب مكيافللي أيضًا مجموعة من المسرحيات والقصائد.

والمنهج الذي تبعه مكيافلي في كتابيه الرئيسيين في السياسة: «الأمير» و«المقالات» هو ايراد عدة شواهد مأخوذة من التاريخ ومن أحداث عصره لتأييد قضية معينة تتناول شروط النجاح السياسي. وبعد ذلك يبحث عن شواهد أخرى يبدو أنها تناقض هذه القضية أو القاعدة؛ ثم يفحص هذه الشواهد السلبية ليتبين هل هي شواهد نفي حقاً، أو هي تبدو كذلك بسبب تغير الظروف واختلافها.

واستخدم نفس المنهج بالنسبة إلى القواعد الحربية، سواء في هذين اكتابين وفي كتابه «فن الحرب» (سنة ١٥٢١). أما في كتابه «تاريخ فلورنسا» (وقد أتمه في سنة 1525 ونشر في سنة 1532) فقد حاول دائماً اكتشاف أنماط عامة أراد بها أن تُفسر أسباب الاحداث. وفي هذا كان رائداً في كتابة التاريخ بطريقة حديثة.

كما له أعمال كثيرة أخرى من بينها: وصف الطريقة المتبعة من الدوق فالنتينو لقتل فيتيلوزو فيتيلي، وأوليفيروتو دافيرمو والسينيور باغولو، ودوق دي غرافينا أورسيني (1503)