لورد كلفن

لورد كلفن (بالإنجليزية: William Thomson, 1st Baron Kelvin)‏ (26 يونيو 1824 - 17 ديسمبر 1907) هو فيزيائي ومهندس اسكتلندي ولد في إيرلندا الشمالية باسم وليام طومسون وهو مؤسس الفيزياء الحديثة. ولقد أطلق اسمه على وحدة قياس درجة الحرارة المعادلة لدرجة (1) مئوي وهي الكلفن. ولقد حسب كلفن أخفض درجة يمكن أن تصل إليها المادة وسميت هذه الدرجة بالصفر المطلق وهي تعادل −273.15 °C، وقد وسمي المقياس بالمقياس المطلق أو مقياس كلفن.

تُعيّن اليوم درجات الحرارة المطلقة بوحدات كلفن تكريمًا له، فرغم اكتشاف الحد الأدنى لدرجة الحرارة (الصفر المطلق) قبل عمله، اشتُهر كلفن بتحديد قيمته الصحيحة بنحو -273.15 درجة مئوية أو -459.67 درجة فهرنهايت. سُمي تأثير جول-تومسون أيضًا على شرفه.

عمل بصورة وثيقة مع أستاذ الرياضيات هيو بلاكبيرن في عمله. امتهن أيضًا هندسة التلغراف الكهربائي الذي اخترعه، ما لفت أنظار الجمهور وجعله ضامنًا الثروة والشهرة والتكريم. منحته الملكة فيكتوريا لقب فارس في عام 1866 عن عمله في مشروع التلغراف العابر للمحيط الأطلسي، ليصبح السير ويليام تومسون. أظهر تومسون اهتمامًا كبيرًا بالمجال البحري وعُرف أكثر بعمله على بوصلة البحارة، التي لم تملك موثوقية عالية في السابق.

كُرّم عام 1892 تقديرًا لإنجازاته في الديناميكا الحرارية، ولمعارضته الحكم الأيرلندي الداخلي، فأصبح بارون كلفن، من لارغز في مقاطعة آير. يشير العنوان إلى نهر كلفن، الذي يتدفق بالقرب من مختبره في منزل غيلمورهيل التابع لجامعة غلاسكو في هيلهيد. رفض كلفن مغادرة غلاسكو رغم عروض من جامعات مشهورة عالميًا لشغل مناصب رفيعة، وبقي حتى تقاعده نهائيًا من هذا المنصب في عام 1899. نشط في مجال البحث والتطوير الصناعي، عيّنه جورج إيستمان عام 1899 نائب رئيس مجلس إدارة شركة كوداك البريطانية المحدودة، التابعة لشركة إيستمان كوداك. أصبح مستشارًا لجامعة غلاسكو عام 1904.

كان منزله قصرًا من الحجر الرملي الأحمر في نذرهول، في لارغز، بناه في سبعينيات القرن التاسع عشر وتوفي فيه. يحتوي متحف هنتريان في جامعة غلاسكو معرضًا دائمًا لأعمال كلفن بما فيها العديد من أوراقه الأصلية وأدواته وغيرها من المصنوعات اليدوية، مثل غليون التدخين الخاص به.

الحياة المبكرة والعمل

أسرته

كان والد ويليام تومسون، جيمس تومسون، مدرسًا للرياضيات والهندسة في معهد رويال بلفاست الأكاديمي وابن مزارع. تزوج جيمس تومسون مارغريت غاردنر عام 1817، وأنجبا أطفالًا بقي أربعة أولاد وبنتين منهم على قيد الحياة بعد سن الرضاع. توفيت مارغريت تومسون عام 1830 عندما كان ويليام في السادسة من عمره.

علّم الأب ويليام وشقيقه الأكبر جيمس دروسًا في المنزل بينما تعلم الأولاد الصغار من أخواتهم الأكبر. كان الهدف حصول جيمس على الحصة الأكبر من تشجيع والده وعاطفته ودعمه المالي، ليصبح مستعدًا للعمل في مجال الهندسة.

عُيّن والده أستاذًا للرياضيات في غلاسكو عام 1832 وانتقلت العائلة إلى هناك في أكتوبر 1833. عاش أطفال تومسون تجربة عالمية أوسع نطاقًا من التنشئة الريفية التي حظي بها والدهم، إذ قضوا منتصف عام 1839 في لندن، وتعلم الصبيان باللغة الفرنسية في باريس. قضى تومسون معظم منتصف أربعينيات القرن التاسع عشر في ألمانيا وهولندا. كانت دراسة اللغة ذات أولوية عالية.

كانت أخته، آنا تومسون، والدة جيمس تومسون بوتوملي الحائز على زمالة الجمعية الملكية لإدنبرة (إف آر إس إي) (1845-1926).

شبابه

عانى تومسون مشكلات قلبية وكاد يموت في سن التاسعة. التحق بالمعهد الأكاديمي الملكي في بلفاست، حيث كان والده أستاذًا جامعيًا، قبل أن يبدأ الدراسة في جامعة غلاسكو عام 1834 في سن العاشرة، وليس بسبب نضجه المبكر؛ بل لأن الجامعة وفرت تسهيلات عديدة لإنشاء مدرسة ابتدائية للتلاميذ المتمكنين، وكان هذا سن البداية النموذجي فيها.

أظهر تومسون في المدرسة اهتمامًا كبيرًا بالكلاسيكيات إلى جانب اهتمامه الطبيعي بالعلوم. حصل في سن الثانية عشرة على جائزة لترجمته حوارات الآلهة للوقيان السميساطي من اللاتينية إلى الإنجليزية.

في العام الدراسي 1839/1840، فاز تومسون بجائزة الفصل في علم الفلك بعد تقديمه مقالة عن شكل الأرض التي أظهرت قدرته المبكرة على التحليل الرياضي والإبداع. يُذكر أيضًا تشابه الأسماء بينه وبين أستاذه في الفيزياء، ديفيد تومسون.

عمل طوال حياته على حل المشكلات التي أثيرت في المقالة كاستراتيجية تكيف في أوقات توتره النفسي. في صفحة العنوان، كتب تومسون الأسطر التالية من مقالة عن الإنسان، التي كتبها ألكسندر بوب. ألهمت هذه السطور تومسون لفهم العالم الطبيعي باستخدام قوة العلم ومنهجيته:

اذهب أيها المخلوق العجيب! حلّق حيث تقودك العلوم؛

اذهب وقس الأرض وزِن الهواء وتحدث عن المد والجزر؛

علّم الكواكب حول أي أجرام سماوي تدور،

صحح الزمن القديم، ونظّم الشمس؛

فُتن تومسون بالنظرية التحليلية للحرارة التي صاغها فورييه، والتزم بدراسة الرياضيات «القارية» التي حاربتها مؤسسة بريطانية عملت في ظل السير إسحاق نيوتن. لم تكن محاربة علماء الرياضيات المحليين عمل فورييه أمرًا مفاجئًا، إذ قام فيليب كيلاند بتأليف كتاب نقدي. دفع الكتاب تومسون نحو كتابة أول ورقة علمية منشورة له تحت الاسم المستعار بّي. كيو. آر. للدفاع عن فورييه، وقدمها والده إلى دورية كامبريدج الرياضية. كتب بّي. كيو. آر ورقة بحثية ثانية تبعت الأولى على الفور تقريبًا.

بينما كان في إجازة مع عائلته في لملاش عام 1841، كتب بّي. كيو. آر ورقة ثالثة أكثر جوهرية، حول حركة الحرارة المنتظمة في الأجسام الصلبة المتجانسة، وعلاقتها بالنظرية الرياضية للكهرباء، بيّن فيها روابط مميزة بين النظريات الرياضية للتوصيل الحراري والكهرباء الساكنة (الكهروستاتيكا)؛ تمثيل وصفه جيمس كليرك ماكسويل في النهاية بأنه أحد أكثر أفكار البناء العلمي قيمة.

كامبريدج

كان والد ويليام قادرًا على توفير مخصصات سخية لتعليم ابنه المفضل، وأرسله في عام 1841 مع رسائل تقديم عديدة إلى مكان إقامة رحب، في بيترهاوس، كامبريدج، حيث نشط في الرياضة وألعاب القوى والتجديف، وفاز بسباق كولكون للتجديف في عام 1843. أبدى أيضًا اهتمامًا كبيرًا بالكلاسيكيات والموسيقى والأدب، لكن السعي وراء العلم بقي عشق حياته الفكرية الحقيقي، خاصة دراسة الرياضيات والفيزياء والكهرباء. تخرج تومسون في عام 1845 برتبة رانغلر ثاني، وفاز بجائزة سميث الأولى، التي تعد، على عكس اختبارات التريبوس، اختبارًا للبحث الأصلي. يُقال إن روبرت ليزلي إليس، أحد الفاحصين، صرح لفاحص آخر «أنت وأنا على وشك بري أقلامهم».

قدم تومسون عام 1845 أول تطوير رياضي لفكرة مايكل فاراداي القائلة إن الحث الكهربائي يحدث عبر ناقل متخلل، أو «عازل»، وليس عبر «فعل عن بعد» غير مفهوم. ابتكر أيضًا التقنية الرياضية للصور الكهربائية، التي أصبحت عاملًا مهمًا في حل مشكلات الكهروستاتيكا، العلم الذي يتعامل مع القوى بين الأجسام المشحونة كهربائيًا في حالة السكون. مثّل تشجيع تومسون دافعًا جزئيًا جعل فاراداي يجري أبحاثًا في سبتمبر 1845 أدت إلى اكتشاف تأثير فاراداي، الذي أثبت ارتباط الظواهر الضوئية والمغناطيسية (وبالتالي الكهربائية).

انتُخب زميلًا للقديس بطرس (كما أُطلق عليه غالبًا) في يونيو 1845. عند حصوله على الزمالة، أمضى بعض الوقت في مختبر هنري فيكتور رينيو الشهير في باريس؛ لكنه شغل عام 1846 أستاذية الفلسفة الطبيعية في جامعة غلاسكو. في الثانية والعشرين، وجد نفسه يرتدي رداء بروفيسور في إحدى أقدم جامعات البلاد، ويحاضر في الفصل الذي كان طالبًا في سنته الأولى فيه قبل سنوات قليلة.

إسهامات طومسون في علم الفيزياء

كان وليم طومسون الأيرلندي الذي عرف فيما بعد باسم لورد طومسون علامة بارزة في مجال العلوم في القرن التاسع عشر. فقد نال جميع الأوسمة المعروفة في ذلك العصر. نال رتبة فارس وهو في سن 42 ولقب بالنبيل وهو في سن ٧٠ وكان أول من حصل على وسام الاستحقاق. وكان رئيسا للجمعية الملكية ومنح عشرات من الميداليات وشهادات التقدير إلى أن دفن أخيرا بالقرب من إسحاق نيوتن. فمنذ عام ١٨٤٦ ولمدة ٥٣ عاما، تولى طومسون عرش دراسة الفلسفة الطبيعية في جامعة جلاسجو وقد احتفل بيوبيل تنصيبه (وكان حينئذ في سن ٢٢) في عام ١٨٩٦ بواسطة مجموعة لم يسبق لها مثيل من الشخصيات البارزة.

جاء هذ الاعتراف حتما بعد عمل مضن ساهم به في جميع مجالات الفيزياء في عصره. بدأ الآخرون عملهم وذاعت شهرتهم بناء على هذه الأفكار التي تدفقت من عقل طومسون. إن دراسته لقانوني الديناميكا الحرارية عام ١٨٦٥ ومحاولته لتحديد الصفر المطلق عام ١٨٤٨ كان يمكن أن تجعله يفوز بجائزة نوبل إذا كانت متاحة في ذلك الوقت. لقد وقف على أهمية البحث في وقت كانت فيه المختبرات المجهزة تجهيزا جيدا في بريطانيا كلها توجد فقط في المعهد الملكي في لندن. ففي مدينة جلاسجو، أعد تجاربه في قبو أسفل أحد المقاهي.

أؤمن دائما بان قياس ما تفكر فيه والتعبير عنه بالأرقام يجعلك تلم بأطراف الفكرة، وإن لم تفعل، فستصبح معرفتك بالتالي ناقصة وغير مرضية. لورد طومسون

امتد تأثير طومسون الكبير إلى التكنولوجيا أيضا. فقد ساعد إدراكه لعلمي الفيزياء والرياضيات المتعلقين التيارات الكهربائية المتدفقة في الأسلاك الطويلة في صنع أول كابل تلغرافي ممتد عبر الأطلسي في عام ٠١٨٦٩ وقد اخترع العديد من قطع المعدات والأجهزة الضرورية مثل الجلفانومتر المزود بمرآة والمسجل المثعبي من أجل التجهيز لمشروعه. طور طومسون الآلات المستخدمة في قياس وتحليل ومحاكاة الأشكال المعقدة للمد والجزر في المحيطات. وكانت هذه الآلات بمثابة أول أجهزة كمبيوتر نسبية قبل أن يفكر أي شخص في مثل هذه الأشياء بوقت طويل.

الأكثر أهمية من ذلك هو أن طومسون قد شغل باله في أثناء عمله بالقياسات والمعايير الدقيقة وانتشرت هذه الروح بين زملائه. وقد قال ذات مرة: "للحصول على أقصى استفادة ممكنة من الأشياء، عليك القياس. وذكر أيضا الكثير من الأمور الأخرى، نذكر منها في عام ١٩٠٠ حين تمنى لو لم يكن قد أجرى مثل هذه القياسات.

طومسون وقياس أقل درجة حرارة ممكنة

إذا سألت عن درجة الحرارة، ستأتيك الإجابة عادة بالمقياس المئوي (سلسيوس)، لنقل مثلاً 20 مئوية (١٧٤٢). قد يستخدم شخص آخر من العصور الأقدم كما كان في عام ١٧٠١ المقياس الفارنهايتي للحرارة. لكن، لن يجيب أحد أنها ٢٩٣ درجة بمقياس كلفن. هذا، على الرغم من أن مقياس كلفن يعطيك درجة الحرارة المطلقة. قد تعطيك بعض المقاييس معلومات دقيقة عن درجات حرارة عديدة أقل من الصفر، ولكن ليس وفقا للمقياس المطلق. إن درجة الحرارة صفر كلفن هي درجة البرودة التي يمكن أن تصل إليها وهي بذلك الصفر المطلق.

عرض الفيزيائي الإنجليزي طومسون مقياسا جديداً لدرجة الحرارة عام ١٨٤٨ (وقد سمي باسمه تكريما له لمدة طالت ٥٠ عاما فيما بعد)، ولكن، جاء الدليل الحاسم نتيجة تجارب دقيقة عن الغاز بواسطة العلماء الفرنسيين جاك شارل عام ١٧٨٣ وجاي لوساك عام ١٨٠٨. يعود الفضل في فكرة أقل درجة حرارة ممكنة إلى أكثر من ١٠٠ عام إلى الفرنسي جييوم آمونتونز (١٧٠٢). أوضحت التجربة أنه كلما قلت درجة الحرارة بمعدل درجة واحدة فقط، ينكمش الحجم بمعدل جزء واحد في ٢٧٣ مئوية (من الحجم عند درجة حرارة صفر مئوية). لذا، فإن الغاز الذي يتجمد عند درجة حرارة ٢٧٣ مئوية تحت الصفر ربما ينكمش ويتحول إلى العدم.

هل يعد ذلك دليلاً على أن درجة الحرارة ٢٧٣ مئوية هي أقل درجة حرارة يمكن الوصول إليها؟ ليس بالضبط ولكن ربما. جاءت الخطوة التالية على يد الألماني لودفيك بولتزمان، وهو الشخص الذي أدرك أن ضغط الغاز يرتبط بطاقة الجسيمات المكونة له وربط هذه الطاقة بدرجة الحرارة مستخدما مقياس كلفن المبتكر حديثا. لذا، فإنه عند الوصول إلى درجة حرارة ٢٧٣ مئوية، فإن ضغط الغاز وطاقة الجسيمات المكونة له، سيكونان عند الدرجة صفر كما هو الحال في الحجم. تتوقف الجسيمات عندئذ عن التحرك. لا يمكن أن تستمر أية آلة أو عملية في العمل وهي في حالة تجمد، وبالتالي تصل إلى أقل درجة حرارة ممكنة؛ أي الوصول إلى درجة الصفر المطلق. وبالطبع، لا يستطيع بالفعل أي من الغازات الوصول إلى درجة الصفر في الضغط والحجم. وعند الوصول إلى درجة حرارة أعلى من الصفر المطلق، تتحول الغازات إلى صورتها السائلة بل والصلبة وتبدأ في التحرك بشكل مختلف تماما. لم تتوقف عملية التفكير عند هذا الحد ولكنها استمرت.

تخوف بعض الفيزيائيين من أي شيء يتوقف عند درجة الصفر المطلق، فهم يعارضون عملية الربط بين درجة الحرارة وطاقة الجسيمات. كما تم رفض الدراسات التي فسرت هذه الفكرة من قبل مجتمعات المثقفين، مثل الجمعية الملكية. ومن ثم، جمدت بعض المهن نتيجة لذلك.

بعد الاتفاق العالمي، سجلت درجة الحرارة الخاصة بمقياس كلفن لتقل على سبيل المثال، 200 درجة كلفن. وخلد اسم كلفن في مجال قياس درجات الحرارة على العلامة التجارية على إحدى الثلاجات الأمريكية.

إسهامات كلفن لحساب عمر الأرض

في عام ١٨٦٢، أعلن كلفن أنه سيتحدى تشارلز داروين، الذي أصدر كتابه الشهير The Origin of Species فقط منذ ثلاث سنوات (١٨٥٩). فقد صرح الفيزيائي كلفن أن عالم الأحياء داروين أخطأ في تقريره الذي مفاده أن جميع صور الحياة الموجودة على الأرض اليوم من حيوانات ونباتات كانت نتيجة لعملية بطيئة جداً من التطور البيولوجي. أعلن كلفن أنه لم يكن هناك وقت كاف لكي يحدث هذا.

لقد كان أساس إدعاء كلفن بسيطاً: إذا كانت الأرض قد بدأت ككرة من الصخور المنصهرة، فإنه بإمكان الفيزيائيين أن يحسبوا الوقت الذي استغرقته الأرض لكى تبرد وتصل إلى درجة الحرارة التي عليها الآن، فحتى إذا لم يكن حسابهم دقيقا، فإنه على الأقل سيمثل معدلاً متوسطا. أشارت العمليات الحسابية التي قام بإجرائها العلماء أن تلك العملية استغرقت من ٠ ٢ مليون إلى ٠٠٤ مليون سنة على الأكثر وإذا كان هذا صحيحا، لم يكن هذا يمثل ورطة بالنسبة للبيولوجيين فقط، الذين يحتاجون إلى وقت أكبر من هذا للخطوات العديدة التي تحدث في أثناء التطور البيولوجي، ولكنه كان يمثل ورطة أيضا بالنسبة للجيولوجيين الذين رأوا أن عمليات تشكيل الأرض من تعرية وتكوين للجبال تتم بالبطء نفسه.

لقد وجد كلفن الدعم من علماء الفلك مثل الأمريكي سيمون نيوكوم. إذا كانت الشمس قد تكونت من سحب ضخمة من الغازات والغبار (١٧٩٦)، من المؤكد أنها كانت ساطعة لمدة 100 مليون سنة على الأكثر. حتى وإن كانت المدة أكبر من ذلك، فإنها كانت ستبرد. وهذا يفترض أن حرارة الشمس كلها أتت نتيجة لانكماش هذه السحب تحت تأثير الجاذبية. كما أن المصدر الحقيقي لطاقة الشمس، الذي يمكنها من الإشراق لبلايين السنين، لم يكن معروفا حتى ١٩٣٨.

كان من الضروري أن تضعف ثقة كلفن في تنبؤاته نتيجة لوقوع حدث ما في أثناء حياته ألا وهو اكتشاف هنري بيكيريل للنشاط الإشعاعي في عام ١٨٩٦ فالعناصر المشعة مثل الراديوم تطلق حرارة؛ حيث وجد الفيزيائي الفرنسي بيير كوري في عام ١٩٠٣ أن الراديوم يمكن أن يذيب ما يماثل وزنه من الثلج في ساعة. وسرعان ما اتضح أن النشاط لإشعاعي كان منتشراً في جميع أنحاء الأرض؛ وبذلك من الممكن أن يكون قد وفر الحرارة الكافية المستمرة لتحفظ الأرض دافئة لبلايين السنين، وهو الوقت الكافي لكي يظهر فيه تأثير كل من التطور البيولوجي والتغير الجيولوجي البطيء. وأول من أعلن هذا كان جورج ابن تشارلز داروين، وبعده عالم فلك في كامبريدج.

وجد كلفن صعوبة في أن يعترف أمام الجميع أنه أخطأ وظل يدعم أفكاره السابقة حتى توفي في عام ١٩٠٧ ، ولكنه كان مستعداً على ما يبدو أن يقول سراً إن حساباته كانت مبنية على "معرفة ناقصة".

وقوع العالم كلفن في الخطأ

كان الفيزيائي الإنجليزي كلفن (وليم طومسون) رجلا ذكيا وواحداً من كثر علماء عصره تأثيراً دون شك (١٨٤٦). ولكنه لم يكن معصوما من خطأ أو أنه كان يعلم كل شيء، فلا يوجد عالم بمثل هذه الصفات. ففي الواقع، أدلى كلفن ببعض الاراء الرسمية التي من شأنها تدمير سمعة أي شخص أقل منه.

لم يفقد كلفن الثقة في نفسه ولا في الفيزياء على الإطلاق. فذات مرة صرح قائلا : "أنه ليس في مجال العلوم سوى الفيزياء، فسائر العلوم الأخرى لا ترقى لمستوى الفيزياء وليست إلا مجرد هوايات يمارسها بعض الأفراد". ومنذ تلك اللحظة، قد لا يكون منن المدهش أن يصرح عدة مرات بأمور مثل "الراديو ليس له مستقبل" و"سيتبين أن أشعة إكس أشعة واهية" و"أننا لن نتمكن على الإطلاق من الطيران في ماكينات أثقل من الهواء" وتجاوزت هذه التصريحات خطأه الذي وقع فيه فيما يتعلق بعمر الأرض (١٨٦٢)، والذي من الممكن التغضي عنه على الأقل؛ حيث إن النشاط الإشعاعي (الذي يبطئ من المعدل الذي تبرد عنة الأرض) لم يكن قد تم اكتشافه بعد ومع ذلك، لم يكن كلفن هو الشخص الوحيد الذي أدلى بمثل هذه التوقعات. فقد كان هاينريتش هيرتز، مكتشف الموجات اللاسلكية (1889)، يشك في الأهمية العملية لتلك الموجات في يوم من الأيام.

جدير بالذكر أن كلفن أعلن في موتمر علمي عام 1900 أن مهمة علم الفيزياء قد انتهت، "فلا يوجد شيء جديد يمكن للفيزياء اكتشافه. فكل ما تبقى عبارة عن قياسات تتسم بالمزيد والمزيد من الدقة". فقد صرح الأمريكي ألبرت مايكلسون ذات يوم (١٨٨٧) بما يشبه ما قاله كلفن، فقد كان يعتقد أن التقدم الوحيد في الفيزياء سيكون في التعبير عن الأرقام العشرية بالمنزلة السادسة وكان هذا تعليقا ندم عليه بعد ذلك.

لكي نكون منصفين، فقد قام كلفن في ذلك الوقت بلفت انتباه مستمعيه إلى "سحابتين سوداوين" تلوحان في الأفق، ربما كان يظن أنهما سوف تهبان قريبا. كانت إحداهما تعبر عن فشل مايكلسون ورفيقه أدوارد مورلي في اكتشاف الأثير (١٨٨٧)، أما السحابة الأخرى فقد كانت تعبر عن عدم ظهور "الكارثة فوق البنفسجية" المخيفة (بلانك ١٩٠٠). ويا لها من عاصفة ستهب من بين هاتين السحابتين. فالأولى سوف تطلق العنان لنظرية ألبرت آينشتاين المعروفة باسم النظرية النسبية الخاصة (١٩٠٤)، والأخرى سوف تفسح مكاناً للفيزياء الكمية (١٩٠٥). وهذا كله من الممكن أن يخلخل أسس الفيزياء التي يعرفها كلفن جيدا.