ماكس بلانك
ماكس بلانك (بالألمانية: Max Planck) (من 23 أبريل 1858 - 4 أكتوبر 1947)، عالم فيزياء ألماني، يعتبر مؤسس نظرية الكم، وأحد أهم فيزيائيّ القرن العشرين، حاصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1918م. قدم بلانك العديد من المساهمات في مجال الفيزياء النظرية، ولكن يشتهر بأنه مؤسس نظرية الكم التي تعد ثورة في فهم الإنسان لطبيعة الذرّة وجسيماتها، وبالإضافة إلى نظرية النسبية لاينشتاين التي أحدثت ثورة أيضاً في فهم طبيعة المكان والزمان، تشكل هاتان النظريتان حجر الأساس لفيزياء القرن العشرين.
سيرته
نشأ بلانك في عائلة تقليدية تمتلئ بالمفكرين، جده الأكبر وجده لأبيه كانا عالمي لاهوت في مدينة غوتينغن، وأبوه كان استاذا للحقوق في جامعة كيل وجامعة ميونخ، وكان عمه جوتليب بلانك (1828-1907) قاضيا وأحد المشتركين في تأليف القانون المدني الألماني.
ولد بلانك في كيل، هولشتاين للاستاذ يوهان يوليوس فيلهلم بلانك وزوجته الثانية إيما باتزج. وتم تعميده باسم كارل إرنست لودفيج ماركس بلانك، وتم اختيار اسم ماركس ليكون اسمه الأول، لكن بعد بلوغه العاشرة من العمر كان يوقع باسم ماكس وهو ما استخدمه لبقية حياته واشتهر به.
كان بلانك الابن السادس في العائلة، مع الأخذ بالعلم أن اثنان من إخوانه كانا من زواج أبيه الأول، نشأ بلانك في جو وتقاليد أسرية تقوم على الالتزام بالتعاليم، والذهاب إلى الكنيسة، والتفوق في الدراسة والنزاهة والشرف والمثالية والكرم. كانت إحدى ذكرياته الأولية كطفل هو زحف القوات البروسية والنمساوية على مدينة كيل خلال الحرب البروسية الدانماركية.
في سنة 1867 تلقى والده عرض للعمل في جامعة ميونخ وانتقلت عائلته للعيش في مدينة ميونخ، وتم تسجيل بلانك في مدرسة الماكسميليان الثانوية حيث تلقى علم الفلك والميكانيكا والرياضيات على يد هرمان مولر، كما كان مولر هو أول من علم بلانك مبدأ بقاء الطاقة، كان وجوده في هذه المدرسة هو بداية تعامله مع علم الفيزياء.
تخرج بلانك في عامه السابع عشر من المدرسة الثانوية، كان محبًا للموسيقى لكنه فضّل دراسة الفيزياء. وفي ميونخ نصحه أحد أساتذته البروفيسور فيليب فون يولي أن يتوجه لدراسة غير الفيزياء قائلاً (أن هذا المجال تم اكتشاف كل شئ فيه تقريباً، وكل ماتبقى هو ملئ القليل الثغرات) (و كان هذا هو الاعتقاد المنتشر آنذاكً!) لكنّه ردّ بأنّه لا ينوي اكتشاف «أشياء جديدة» وإنما أن يفهم أساسيات الفيزياء، وهكذا بدأ دراسة الفيزياء بعمر 16 سنة عام 1874 في جامعة ميونخ، عند البروفيسور يولّي تعلم بلانك الجزء التطبيقي الوحيد في دراسته وهو انتشار الهيدروجين خلال البلاتين الساخن، ثم انشغل بالفيزياء النظرية.
دراسته الفيزياء
في 1877 و1878 انتقل بلانك إلى برلين وتعلم لدى فيزيائيين من الطراز الرفيع مثل: هيرمان فون هيلمهولتس وغوستاف كيرشهوف، والرياضي كارل فايرشتراس. في مذكراته كتب أنه كان يضجر أثناء المحاضرات، لكن علاقته خاصة مع البروفيسور هيلمهولتس كانت أشبه بالصداقة. في علم الحرارة درس بنفسه كتابات العالم رودولف كلاوزيوس وأحب هذا الفرع حتى انشغل به وقدم رسالات دراساته العليا في هذه المواضيع: (حول القانون الثاني للديناميكا الحرارية) ثم (حالات توازن الأجسام المتناسقة عند درجات الحرارة المختلفة).
اكتشافه كمومية الطاقة
- طالع أيضاً: ميكانيكا الكم
في ديسمبر سنة 1900 استطاع الفيزيائي ماكس بلانك أن يهز الأوساط العلمية كلها عندما أعلن أن طاقة الموجات الضوئية تقفز بصورة غير متصلة. وأنها مكونة من كموميات ــ ومفردها: كم.
و نظرية الكم هذه قد صدمت الاعتقاد العلمي السائد في ذلك الوقت بأن الطاقة تتزايد أو تنقص متواصلا أي بلا حد أصغر للارتفاع أوالانخفاض. وهذه النظرية الجديدة وجدت في الطبيعة أن الطاقة تزيد أو تقل بكمات صغيرة لا يوجد أصغر منها من الطاقة، وادى هذا الاكتشاف إلى فهم جديد للطبيعة التي حولنا والتي تُدرس من خلال علم الفيزياء. قد جعلتنا نقترب كثيرا من فهم اعمق لطبيعة المادة والإشعاع.
ولد بلانك في مدينة كيل بألمانيا سنة 1858. درس في جامعات برلين وميونيخ. وحصل على الدكتوراه في الفيزياء مع مرتبة الشرف الأولى من جامعة ميونيخ. وكان في العشرين من عمره. وبعد قليل اشتغل بالتدريس في جامعة ميونيخ التقنية ثم في جامعة كيل. وفي سنة 1889 أصبح استاذا في جامعة برلين.
و ظل كذلك حتى اعتزل في سنة 1928 في سن السبعين.
و بلانك مثل عدد كبير من العلماء، قد اهتم بدراسة الإشعاع الذي يصدر عن الأجسام السوداء حين يتم تسخينها. (و تعريف الشئ الأسود تماما هو الذي لا يصدر أي اشعاع. انما يمتص كل ما يسقط عليه من ضوء) واستطاع عدد من علماء الفيزياء ان يسجلوا الإشعاع الصادر عن الأجسام السوداء. وذلك قبل أن يفكر بلانك في حل هذه المشكلة. وأول إنجاز قام به بلانك هو اكتشاف المعادلة الجبرية المعقدة التي تسجل حركة الإشعاع الصادر عن الجسم الأسود. وهذه النظرية التي اكتشفها والتي لا تزال تستخدم في الفيزياء النظرية حتى اليوم تلخص ما انتهى إليه علماء الفيزياء في تجاربهم المعملية، ولكن هناك مشكلة: وهي ان قوانين الفيزياء تكشف لنا عن معادلة أخرى أو صيغة أخرى للاشعاعات الصادرة عن الأجسام السوداء.
و قد فكر بلانك كثيرا في هذه المشكلة، ثم خرج لنا بنظرية جديدة تماما وهي أن الطاقة المشعة من الذرات تنبعث على شكل «كمات» أطلق عليها اسم «الكم». وفقا لهذه النظرية فان طاقة الشعاع تعتمد على طول الموجة والتردد (أي تختلف باختلاف اللون مثلا).
و أصبحت نظرية الكم تسمى فيما بعد بنظرية بلانك، كما اكتشف ثابتا طبيعيا من أهم الثوابت الفيزيائية وهو "ثابت بلانك". وهي نظرية مختلفة تماما عن كل النظريات السائدة في مطلع القرن العشرين، حيث تبين أن الطاقة تنتقل في هيئة «كمات» صغيرة وليس في الوجود كمات أصغر منها.
وبفضل ما قام به ماكس بلانك في هذا المضمار وعلى الأخص تفسير الإشعاع الحراري للجسم الأسودوتوصله إلى وجود كم الطاقة (اكتشف أن الطاقة لها كمات صغيرة لا توجد طاقة أصغر منها) فأحدث طفرة عظيمة في طريقة فهمنا للطبيعة من حولنا. من هنا بدأت نظرية الكم التي نجحت ولا تزال ناجحة في تفسير ظواهر طبيعية عديدة لم تفلح الميكانيكا التقليدية الكلاسيكية في تفسيرها.
واستطاع بلانك بعد ذلك أن يعرف بالضبط مقدار الطاقة التي يشعها الجسم الكامل السواد.
أيدت نظريته بعد ذلك العديد من الظواهر الطبيعية الأخرى مثل تأثير كهرضوئي ونفق ميكانيكا الكم، وتحلل ألفا والتوصيل الفائق وتركيب الذرة وغيرها.
تأثير اكتشافه كمات الطاقة
و في بادئ الأمر اعتقد العلماء ان ما اهتدى إليه بلانك ليس الا أسطورة رياضية، حتى هو نفسه كان يرى هذا الرأى، ولكن بعد وقت قصير استخدم بعض العلماء نظرية الكم في تفسير ظواهر آخرى لاتقل أهمية عن ظاهرة إشعاع الجسم الأسود، فقد استعان اينشتاين في سنة 1905 بهذه النظرية في شرح الظاهرة الكهروضوئية واستعان بها نيلز بور في سنة 1913 في تفسير الطيف الخطي لذرة الهيدروجين، وفي سنة 1918 عندما فاز ماكس بلانك بجائزة نوبل. كان قد ثبت تماماً أن نظريته صحيحة 100% وأنها أحدثت ثورة هائلة في علم الفيزياء النظرية حيث مكن العلماء من سبر أغوار المستوى الذري ودون الذري.
و قد أدى موقفه المعادى للنازية إلى أن أصبحت حياته في خطر. وقد أعدم ابنه سنة 1945، لأنه اشترك في المؤامرة الفاشلة لاغتيال هتلر. ومات بلانك سنة 1947 في التاسعة والثمانين من عمره.
و أعظم إنجازات القرن العشرين هو تطور علم ميكانيكا الكم، بل انه أكثر خطورة من نظرية النسبية التي اكتشفها اينشتاين. فنظرية ثابت بلانك كان لها دور خطير في نظريات الإشعاع، وفي كثير من النظريات الفيزيائية. وكان لها أثر كبير في نظرية بناء النواة، وفي مبدأ عدم اليقين عند هيزنبرج، وفي كثير من النظريات العلمية.
و بلانك هو أبو نظرية الكم. وان كان دوره متواضعاً في التطورات والتعديلات التي ادخلت على نظريته. ومن الخطأ ان نقلل من شأن بلانك بسبب ذلك..
فهو الذي حرر العقول العلمية من النظريات القديمة الجامدة، مما شجع العلماء من بعده على اكتشاف نظرية أكثر اتساقاً مع نظريته.
شارك ماكس بلانك فيما بعد في مؤتمر سولفاي الخامس للفيزياء سنة 1927.
إسهامات ماكس بلانك في مجال الطاقة
مؤخراً في القرن التاسع عشر، احتار الفيزيائيون عندما فشلوا في أن يجدوا شيئا ما من الضروري حدوثه كما توقعت نظرياتهم. فالظاهرة الغائبة كانت "الكارثة فوق البنفسجية"، وأدى عدم ظهورها إلى وقوع الفيزياء في اضطراب شديد. فالحسابات الجديدة، المبنية على قوانين الفيزياء المعترف بها، تقتضي أن أي عنصر ساخن - مثل قطعة من الخشب المحترق - يجب أن يطلق معظم طاقته كأشعة فوق بنفسجية حارقة، تعمي وتحرق كل من ينظر إليه. ومع ذلك، فكما نعلم، تظهر الطاقة بصورة أكثر شدة كالحرارة المشعة غير المرئية والضوء المرئي، كما قد استطاعت القياسات الدقيقة أن تجد القوانين التي تتحكم في انطلاق هذه الطاقة. فلا تحدث كارثة على الإطلاق.
لماذا توقع الباحثون حدوث كارثة فوق بنفسجية؟ فكر في فرن له فتحة صغيرة جدا فقط للنظر من خلالها (قد يطلق عليها الفيزيائيون اسم فجوة). كلما ارتفعت درجة الحرارة، تبدأ الطاقة في الاندفاع إلى الأمام وإلى الخلف في شكل "موجات ضوئية" من أنواع مختلفة وبأطوال موجية مختلفة من الأشعة الضوئية تحت الحمراء طويلة الموجة (هيرشل — ١٨٠٠)، خلال الألوان المختلفة للضوء المرئى وحتى الموجات فوق البنفسجية القصيرة جدا (١٨٠٢).
في وسط الاندفاع المشوش للإشعاع، ستكون بعض موجات الطاقة أقوى من غيرها. وسوف تكون هذه هي "الموجات المستقرة"، التي يتناسب طولها الموجي بدقة بمقدار عدة مرات معينة مع اتساع الفجوة (الحيز الذي تصدر منه). تأمل تأثير إصدار أي صوت مرتفع في دورة المياه، فقد تلاحظ أن ثمة بعض المقاطع من الصوت تبدو أعلى من غيرها، كما لو كن هناك صدى لها في دورة المياه. وتتطابق هذه الموجات الصوتية مرة أو أكثر مع بعضها بين جدران دورة المياه، فهذه هى "موجاتك المستقرة".
فكل موجة مستقرة هي عبارة عن عدد إجمالي لأطوال الموجات. وكلما قل الطول الموجي (أو كلما زاد التردد) للطاقة المشعة (كما في مثال الفرن، زاد اختلاف الموجات المستقرة، والتي تكون أكثر في الضوء الأزرق منها في الضوء الأحمر، ولا تزال أكثر ثباتا في الأشعة الضوئية فوق البنفسجية. وطبقا لقانون تجزئة الطاقة بالتساوي (الغازات ١٨٦٨)، يجب أن تحمل كل موجة مستقرة جزءا متساويا من الطاقة المتاحة. وبذلك، ستحمل موجات الضوء الأزرق كمية أكبر من الطاقة (لأنه يوجد كم أكبر من الموجات المستقرة الممكنة) وتحمل فوق البنفسجية كمية أكبر منها. وفي الحقيقة، يجب أن يحمل العدد الكبير من الموجات المستقرة المرتبطة بالأشعة الضوئية فوق البنفسجية معظم الطاقة. وكانت هذه هي "الكارثة فوق البنفسجية" المتوقعة.
ثابت بلانك: هو عبارة عن ذلك العدد الذي يربط بين الطاقة التي يحملها الفوتون أو (الكم الضوئي) وتردد الإشعاع الكهرومغناطيسي المرتبط بها. وهو عدد صغير جدا؛ لذلك، يبلغ تردد الفوتون الواحد من الضوء المرئي ألف مليون المليون دورة في الثانية (هيرتز) وله طاقة تعادل جزءا من مليون المليون المليون من الجول. أما أشعة جاما وأشعة إكس اللتان لهما تردد عال، فتحملان طاقة أكبر.
لا تحدث تلك الكارثة فوق البنفسجية ولا يوجد دليل عليها. ولكن كانت هناك كارثة في علم الفيزياء وقتها. فقد كان من الضروري وجود جزء ما من فيزياء القرن التاسع عشر خاطئ، أو على الأقل غير مكتمل؛ فسعى الباحثون للحصول على إجابات في هذا الشأن. أكثر الاقتراحات جرأة أتى من الفيزيائي الألماني ماكس بلانك، الذي صرح بأن المشكلة تكمن في الطريقة التي كات تنتقل بها الطاقة بين الموجات المستقرة لتعطي كلاً منها جزءا متساويا من الطاقة. وفي رأي بلانك، لا يمكن أن تنتقل الطاقة مثل المياه، قطرة بقطرة، ولكن فقط بمقدار ما يملأ دلو. وكان يوجد أقل كمية متاحة من الطاقة - "مقدار" - من الممكن نقله.
الأكثر من ذلك، أن حجم الدلو - الذي من الضروري أن يكون مملوءا لكي يتم نقله - يعتمد على تردد الإشعاع. فقد كان مقدار الطاقة في الضوء الأزرق أكبر منها في الأحمر وأكبر مرة أخرى في الأشعة فوق البنفسجية. وفي معظم الحالات، من الممكن ألا يكون هناك طاقة كافية لملء دلاء الطاقة فوق البنفسجية؛ ومن ثم، لن تتلقى تلك الموجات المستقرة أية طاقة. ذا. ليس هناك وجود للكارثة فوق البنفسجية، ومن ثم، تم إنقاذ علم الفيزياء.
من النادر أن يشق أي ابتكار علمي مهم طريقه عن ظريق الفوز التدريجي على المعارضين له وتحويلهم إلى صالحه. فما يحدث بالفعل هو أن المعارضين لأي ابتكار علمي يهلكون تدريجيا، وبالتالي تعتاد الأجيال الجديدة على أفكار هذا الابتكار العلمي منذ البداية. ماكس بلانك
نوعا ما كان بلانك ببساطة يبذل جهدا من أجل الطاقة مثلما تم عمل الكثير من أجل المادة والشحنة الكهربائية. وكان هناك أصغر وحدة ممكنة لتلك الكميات - الذرة والإليكترون. فأصبح هناك "ذرة طاقة" أيضا. وكانت هذه خطوة مهمة إلى الأمام. وكان كم بلانك من الطاقة دقيقا جدا، فعادة لا نلاحظ أن الطاقة لا تأتي إلا في مجموعات بحجم معين. ولكن بالنسبة لكل الأشياء الصغيرة مثل الذرات، تصبح الآثار أكثر وضوحا. وهذا يؤدي بنا إلى مستهل عالم فيزياء الكم العجيب. وكان ألبرت آينشتاين أول من يفتح الطريق يه (١٩٠٥).
جدير بالذكر أنه في الوقت الذي كانت تجرى به الحسابات، كانت الأشعة فوق بنفسجية لها أقصر طول موجي من بين الصور المعروفة للطاقة الإشعاعية. وسرعان ما أتضح أن أشعة إكس (١٨٩٥) هي طاقة إشعاعية لها طول موجي أقصر من الأشعة فوق بنفسجية، وأن أشعة جاما (النشاط الإشعاعي — ١٨٩٩) لا يزال طولها الموجي أقصر. عندما عرف الفيزيائيون ذلك الأمر، قاموا بالبحث عن كارثة أشعة إكس أو كارثة أشعة جاما. ولكن لم يستطيعو العثور على اي منهما حتى الآن.