فلسفة الجمال

هذه المقالة عن الجماليات. من أجل استخدامات أخرى، انظر جمال (توضيح).

الجماليات أو فلسفة الجمال أو علم الجمال أو علم المحاسن أو علم الشهوات والزين أو الأستطاقية (بالإنجليزية: Aesthetics) أحد الفروع المتعدّدة للفلسفة، لم يُعرفْ كعلمٍ خاصٍّ قائمٍ بحدِّ ذاته، حتّى قامَ الفيلسوف بومجارتن (17141762) في آخر كتابه "تأملات فلسفية" في بعض المعلومات المتعلّقة بماهيّة الشِّعر 1735، إذ قام بالتّفريق بين علم الجمال، وبقيّة المعارف الإنسانيّة، وأطلقَ عليه لفظةَ الأستاطيقا ‘‘‘Aesthetics ‘‘‘، وعيّن له موضوعًا داخل مجموعة العلوم الفلسفيّة.

وهناك من قال بأنّ: الجماليّات هي فرعٌ من فلسفة التّعامل مع الطبيعة والجمال والفنّ والذّوق. علميًّا، عُرّفت على أنّها دراسة حسية أو قيم عاطفيّة، التي تسمّى أحيانًا الأحكام الصّادرة عن الشعور، والباحثون في مجال تحديد الجماليّات اتّفقوا بأنّها "التّفكير النّقديّ في الثقافة والفن والطبيعة". اليونانيون كانوا يرون أنّ الإله يجمع بين الجماليّات البشريّة الكاملة، وأنّهُ المثال المتكامل السّامي للإنسان. هربرت ريد: عرّف الجمال بأنّهُ وَحْدةُ العلاقات الشّكليّة بين الأشياء التي تدركها حواسّنا، أمّا هيجل، فكان يرى الجمال بأنّه ذلك الجنّيُّ الأنيس الذي نصادفه في كلّ مكان، وجون ديوي عرّف الجمال بفعل الإدراك والتّذوّق للعلم الفنّيّ.

ثمة طريقان أساسيان يقودان إلى هذا العلم هما الفلسفة وعلم النفس. وكان مسلك الفلسفة هو الاستنباط للكشف عن مدلول الفن والجمال وصلتهما بالحقيقة والخير إلخ. وكان مسلك علم النفس هو دراسة القدرة على الخلق والإبداع عند الفنان، والقدرة على الاستيعاب والتذوق عند المشاهد.

أصل الكلمة ومدلولها

أصل كلمة Aesthetics يونانيّ (إغريقيّ) وكان يُقصد بها العلم المتعلق بالإحساسات طبقًا للفظ Aesthesi، الفيلسوف بول فاليري قال: علم الجمال علم الحساسية وفي الوقت الحالي اصطلح البعض على تسميته كل تفكير فلسفي بالفن، فالاستاطيقا فرع خاص بدراسة الحس والوجدان.

ينطلق بومغارتن من المماثلة التالية: كما أنّه قد وقع نحت عبارة منطق، أي علم ما هو بيّن أو المنطق، من لفظة (logikos) أي ما هو بيّن أو المنطقي، كذلك يمكن نحت عبارة (Aesthetic)، أي العلم بالمحسوس من لفظة (aisthètos) أي ما هو محسوس. ولذلك فإنّ المعنى الحرفي أو الأوّلي للفظة استاطيقا، Aesthetics هو مرادف لما تعنيه لفظة sentio في اللاتيني أي الإحساس.

تطوير موضوع البحث الجمالي ونشأة علم الجمال

علم الجمال أو علم الاستاطيقا علم حديث النشأة، انبثق بعد تاريخ طويل عتيق من الفكر الفلسفي التأملي حول الفن والجمال؛ وبهذا المعنى يعد علم الجمال علماً قديماً وحديثاً في وقت واحد. لم تكن لدى اليونانيين معرفة في ذاته ولذاته ولكن اهتموا بالفن من حيث علاقته بالخير أو دلالته على الحقيقة، لذا يقال أن مجال الاستيطقي the aesthetic هو منطقة من البحث كانت ممتنعة على اليونان ليس فحسب لأنهم لم يعرفوا هذه الكلمة وإنما أيضاً لأنه لم تكن لديهم كلمة مرادفة لمفهوم (الفن الجميل)fine art

الجمال والفن

دائماً ما يحصل خلط بين الجمال والفن على الرغم من قربهما من بعضهما، إلا أن الجمال يختلف عن الفن من جهة الأمور الحسية والوجودانية، فالجمال ليس بحسي بل يتعلق أكثر بالأمور الوجدانية والأحاسيس أو المشاعر؛ أما الفن فهو إمّا تغيير مكون مادة ما أو إعادة صنع مكون مادي محسوس إن كان بشكل لوحة فنية أو تمثال وحتى القصائد الشعرية والاعمال الموسيقة هي على الرغم من عدم قدرة المرء على لمس النغمات أو الكلمات الشعرية إلا أنه قادر على لمس الآلة التي صنعت أو خلقت هذا العمل إن كان بيانو أو قلم.

تاريخ علم الجمال

الجماليات القديمة

هناك أمثلة من فن ما قبل التاريخ، ولكنها نادرة، وسياق إنتاجها واستخدامها ليست واضحة جدا، وبالتالي فإن المذاهب الجمالية التي وجهت إنتاجها ومعظمها غير معروف. كان الفن القديم إلى حد كبير، ولكن ليس كليا، على أساس الحضارات القديمة العظيمة : مصر، بلاد ما بين النهرين وبلاد فارس واليونان والصين وروما والهند والمايا. وضعت كل من هذه المراكز الحضارية في وقت مبكر أسلوب فريد من نوعه والمميز في فنها. كان لليونان التأثير الأكبر على تطور علم الجمال في الغرب. وشهدت هذه الفترة من الفن اليوناني تبجيل تشكل المادية والبشرية وتنمية المهارات المناظرة لإظهار العضلات، الاتزان، والجمال والنسب الصحيحة تشريحيا. علاوة على ذلك، في كثير من الثقافات الغربية والشرقية على حد سواء، ونادرا ما يصور الصفات مثل شعر الجسد في الفن الذي يعالج الجمال الجسدي. في هذا يتناقض مع الذوق الجمالي اليوناني - الغربي وهو نوع من الغرابة. ورأى الفلاسفة اليونانيين في البداية أن الأجسام جذابة جماليا كانت جميلة في حد ذاتها. ورأى أفلاطون أن الأشياء الجميلة أدرجت نسبة والوفاق والوحدة بين أجزائها. وبالمثل، في الميتافيزيقيا، وجد أرسطو أن العناصر العالمية للجمال والنظام، والتماثل، والوضوح.

ثبت مثال على الجماليات القديمة في اليونان من خلال الشعر عن طريق الاقتباس "بالنسبة لأصحاب تلك القصائد العظيمة التي نعجب، لا لتحقيق التميز من خلال قواعد أي فن، ولكن التي يبدونها على الأنغام الجميلة في حالة من الإلهام، كما أنها كانت بروح ليست لهم، أفلاطون (تاريخ علم الجمال)

الجماليات الإسلامية

الفن الإسلامي ليس فنا متعلقا بالدين فقط، مصطلح "الإسلامية" لا يشير إلى الدين فقط، ولكن إلى أي شكل من أشكال الفن في الثقافة الإسلامية، أو في سياق إسلامي. يعتقد كثير من المسلمين أن محاولة رسم إنسان أي حيوان غير مباحة أو ربما محرمة. وكان لهذا الاتجاه تأثير في فنون مثل الفسيفساء، أرابيسك، والخط العربي الإسلامي والعمارة الإسلامية، التي استخدمت زخارف نباتية وليس صورا لأشخاصٍ أو حيوانات. كذلك ظهر الفن الزخرفي عبر أشكال وأنماط هندسية، وأنماط الأزهار والأرابيسك. ويحظر عموما تصوير الإنسان أو الحيوان تماما في الثقافات الإسلامية لأن فيها مضاهاة لخلق الله، كما أنها قد تؤدي بعد ذلك إلى عبادة تلك المنحوتة، وعبادة المنحوتات أو الأصنام محرمة في الشريعة الإسلامية.

الجماليات الهندية

تطورت الفنون الهندية، مع التركيز على حفز مواضيع خاصة سواء كانت فلسفية ام روحية للجماهير، أو مع تمثيلهم رمزيا. وفقا لكابيلا تطورت القواعد الخاصة للـعمارة الهندية الكلاسيكية، والنحت، والرسم، والأدب، والموسيقى، والرقص، مكيفة وسائل الاعلام الخاصة بكل منها، لكنها مشتركة مع بعضها البعض ليس فقط على المعتقدات الروحية الكامنة للهنود العقل الفلسفي، ولكن أيضا الإجراءات التي تم عمل علاقات مفصلة بين المواضيع الرمزية والروحية.

في الفلسفة الهندية بان يعتقد أن مصطلح "ساتيام شيفام سوندارام' هو اسم آخر لمفهوم العليا. 'سات' هي القيمة الحقيقة، 'شيف' هو قيمة جيدة و"سوندارام" هي قيمة الجمال. الإنسان من خلال تعليمه أو الخبرة والمفاهيم أو الممارسة، من خلال مراحل مختلفة من الحياة ويأتي تشكيل وتحقيق فكرة من هذه القيم الثلاث لتطوير نظام القيمة. هذه القيمة نظام يساعدنا على تطوير فكرتين أساسيتين 1) البراعة/ 2 الخبرة المطلقة، وبالتالي يعرف الحكم على أي شيء في هذا الكون في ضوء هذين التدبيرين،. والشخص الذي يتقن كميات كبيرة من المعرفة من كتب النحو والقواعد ولغة وشكل الفن هم متبعون (Daksha)، حيث اولئك الذين عملوا من خلال النظام كاملا، وتنقلوا وسافروا قبل أن تصبح قانونا بحد ذاته وتسمى مهانا، (الأفكار المنفصلة من داشكا ومهانا منسوبة إلى مفهوم ساتيام - شيفام - سوندارام).

الجماليات الصينية

الفن الصيني له تاريخ طويل من الأساليب المتنوعة والتركيز، في العصور القديمة كانوا الفلاسفة الصينيين يتجادلون عن الجماليات أو الاستطيقا.وأكد "كونفوشيوس"ومساعدة "لي" على دور الفنون والعلوم الإنسانية (وخصوصا الموسيقى والشعر) في توسيع نطاق الطبيعة البشرية (آداب، والطقوس) في وصولنا إلى ما هو أساسي عن الإنسانية، ومنافسه "موزي" جادل بأن الموسيقى والفنون الجميلة يستفيد منها الأغنياء أكثر من الفقراء حيث أن "موزي" قد استأثر الجمال لطبقة معينة دون الأخرى. في القرن الرابع للميلاد، كان الفنانون يتناقشون كتابة الأهداف المناسبة للفن، "غو كيزي" لديه ثلاثة كتب نجت من الزمن حيث تحدثت عن هذه النظرية من الرسم، مثلا: انه ليس نادرا ان تجد في وقت لاحق (فنانون وعلماء) الذين على حد سواء أسسوا الفن وكتبوا عن إنشاء وخلق الفن. وقد كان التأثير الديني والفلسفي شائعا ومتنوعا على الفن، لكن لم يكن شامل التأثير; من السهل إيجاد فن يتجاهل الدين والفلسفة في كل فترة زمنية من فترات تاريخ الصين.

الجماليات الأفريقية

نشأ الفن الأفريقي من العديد من الاشكال والانماط، مع القليل من التأثير من خارج أفريقيا، معظم هذا الفن تأثر بالأشكال التقليدية والقواعد الجمالية التي صدرت شفويا كما أنها صدرت بشكل مكتوب، برز النحت وفن الأداء والتجريد (غالبا ما يكون التجريد ذو قيمة في أفريقيا) حيث انها كانت ذات قيمة في أفريقيا قبل التأثير من الثقافة الغربية وأن يصبح هذا التأثير جادا في تأثيره، (ثقافة النوك شهادة على ذلك) (ومسجد تمبكتو يظهر ان مناطق معينة من أفريقيا طورت جماليات فريدة من نوعها).

الجماليات الغربية في القرون الوسطى

الفن في القرون الوسطى هو ديني في المقام الأول ويمول بشكل كبير من قبل الدولة، الروم الكاثوليك والكنيسة الأرثودكسية، هذه القطع الفنية غالبا ما تقدم على شكل وظائف طقوسية، سواء أكانت كؤوس أو حتى مباني الكنيسة نفسها، العناصر الفنية من هذه الفترة الزمنية غالبا ما كانت مصنوعة من مواد نادرة وثمينة، مثل الذهب واللازورد، حيث أن تكاليف هذه المواد تتجاوز أجر الفنان نفسه.

جماليات القرون الوسطى مبنية على الفكر الكلاسيكي، حيث اسمرت على ممارسات أفلوطين في استخدام المصطلحات اللاهوتية للتوضيح لها، القديس بونافنتورا ناقش مهارات الحرفيين التي شبهها بالهدايا التي قدمت من قبل الرب، لهدف كشف الله للبشرية، والهدف منها تحقيق أربعة أضواء: ضوء المهارة في الفنون الميكانيكية التي تفصح عن عالم من التحف، ; وهو الضوء الذي يسترشد بضوء احساس التصور الذي يكشف للعالم الأشكال الطبيعية ; وهو الضوء الذي يسترشد بضوء الفلسفة الذي يكشف للعالم الحقيقة الفكرية;وأخيرا الضوء الذي يسترشد بضوء الحكمة الالهية التي تكشف للعالم الحفاظ على الحقيقة.

جمالية القديس توماس الإكويني على الأرجح هي الأكثر شهرة وأكثر تأثيرا من بين مؤلفين العصور الوسطى، بعد أن كانت الموضوع للعديد من التدقيقات في أعقاب إحياء المدرسة السكولاستية في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين وحتى بعد أن لاقت استحسان الكاتب المحتفي بالحداثة "جيمس جويسالأكويني مثل أي كاتب في القرون الوسطى، لا يعطي الاعتبار المنهجي من الجمال في حد ذاته، ولكن العديد من العلماء رتبوا افكارة بشكل تقليدي وليس دائما مع استنتاجات موحدة مستخدمين ملاحظات ذات صلة شاملة للجزء الأساسي من عمله. حيث أن ملاحظات اكويني تبعت عموما نموذج أرسطو، حيث طور جمالية منفردة دامجا عناصر فريدة من نوعها مع فكرته.

الجماليات الحديثة

من أواخر القرن السابع عشر إلى بدايات القرن العشرين، الجماليات الغربية خضعت لثورة بطيئة إلى ان وصلت أي ما يسمى بالحداثة، المفكرين الألمان والبريطانيين اكدوا ان الجمال هو المفتاح المكون من الفن وتجربة علم الجمال، ونظروا أن الفن بالضرورة يهدف إلى الجمال المطلق.

ان علم الجمال هو علم تجارب الشعور أو علم تجارب الإحساس، وهي الشقيقة الصغرى للمنطق، والجمال هي أكثر المعارف مثالية.

ان علم الجمال هو تجربة الجمال وهو الحكم الذاتي ولكن مشابه للحقيقة الإنسانية.

علم الجمال هو تقدير الجمال وهي أكثر المصالحة كمالا بين الاجزاء الحسية والعقلانية من طبيعة الإنسان.

يرى أن فلسفة الفن هي العلاقة بين الإنسان والطبيعة، إذا الجماليات بدأت لتكون الاسم لفلسفة الفن.

فريدريش فون شليغل، أغسطس فيلهم شليغل، شلير ماخر فريدريش هيغل وجورج فيلهلم فريدرش، كل هؤلاء قد ألقوا محاضرات عن علم الجمال كفلسفة الفن بعد عام 1800 للميلاد.

يرى "هيغل" ان كل الثقافات هي مسألة الروح المطلقة لتكون واضحة بحد ذاتها، مرحلة بمرحلة، لتتغير لتكون الكمال، وحدها الفلسفة تستطيع الوصول إليها.

علم الجمال هو تأمل الجمال وهو أكثر الفكر النقي تحررا من إملاءات الإرادة;هنا نتأمل الكمال من حيث الشكل من دون أي نوع من أنواع الأجندة، وأي تدخل للمنفعة أو لأهداف سياسية سيفسد الهدف والمعنى الحقيقي من الجمال. وهو بالتالي هي وسيلة من وسائل شوبنهاور لمحاربة ومقاومة المعاناة،.

في يوم 7 يناير عام 1904 حاول جيمس جويس نشر مقالة بعنوان (لوحة فنان) وهي مقالة تناقش وتتعامل مع علم الجمال، فقط لأنها رفضت من قبل مجلة الفكر الحر "دانا" قرر في عيد ميلاده الثاني والعشرين لتحويل هذه المقالة إلى رواية وسماها " ستيفن البطل"، لقد كانت الرواية خيالية، لكن في نهاية المطاف جويش شعر بالإحباط من اتجاهه وهجر هذا العمل، ولم تنشر أبدا في هذا الشكل، ولكن بعد سنوات عدة وفي مدينة تريست الإيطالية، جويس أعاد كليا كتابة روايته كلوحة الفنان عندما كان شابا. رواية ستيفن البطل التي لم تنته لم تنشر إلا بعد وفاة جويس.

إضافة إلى العديد من رواد الجماليات الحديثة: "اشلي كوبر" Francis Hutcheson Home, Lord Kames, William Hogarth, "ادموند بيرك" وغيرهم.

جماليات ما بعد الحداثة والتحليل النفسي

تحدى فنانو وشعراء وملحنين أوائل القرن العشرين مفاهيم الجمال القائمة، موسعين نطاق الفن والجماليات. في عام 1941 للميلاد أسس "ايلي سيغل" الفيلسوف والشاعر الأمريكي الواقعية الجمالية حيث إن فلسفته أن الواقعية هي الجمالية بحد ذاتها، وان العالم والفن والنفس تشرح احدهما الأخرى، وقد بذلت محاولات عديدة لتحديد جماليات ما بعد الحداثة، تحديا للافتراض الذي يقول أن الجمال كان عاملا رئيسيا للفن والجماليات حيث أنها استمرارية لفرضية جمالية قديمة; أرسطو كان أول غربي صنف الجمال إلى أنواع، وكانط فصل ما بين الجمال والسمو.

إضافة إلى: " الجماليات المتطورة "

الجماليات والمعلومات

وهي نتائج التطور التكنولوجي والثورة الطبية والاقتصادية وثورة الاتصالات والمعلومات.

تطبيق الجماليات

فضلا عن كونها تطبيقا للفن، الجماليات يمكن ان تطبق على عناصر الثقافة. الجماليات زاوجت ما بين عناصر الفن والمواضيع الطبية، حيث نشأت عن طريق متحدثين يعملون لوكالة المعلومات الأمريكية، هذه المزاوجة نشأت من أجل تعزيز نموذج التعليم عندما استخدم المتحدثون باللغة الإنجليزية مترجمين للوصول إلى جماهير في بلاد أخرى، بشكل عام هؤلاء الجماهير لم يكونوا منطلقين في اللغة الإنجليزية. ويمكن أن تستخدم في مواضيع متنوعة مثل الرياضيات والأزياء والطبخ وتصميم المواقع الإلكترونية.

جماليات الاخلاق

جمالية الأخلاق تشير إلى الفكرة أن سلوك الإنسان وتصرفاته يجب أن تكون محكومة ما بين ما هو جميل وجذاب، أشار "جون ديوي" إلى إن وحدة الجمال والأخلاق هي في الواقع تنعكس على فهمنا للتصرفات والسلوك في كونها " نزيهة" الكلمة لها معنى مزدوج من الجاذبية القبول الأخلاقي، في الآونة الأخيرة اقترح " جيمس بيج" ان جماليات الاخلاق ممكن ان تكون الأساس الفلسفي المنطقي لتربية السلام.

الحقيقة كما الجمال، والرياضيات، والفلسفة التحليلية، والفيزياء

منذ عام 2005، حاول علماء الحاسوب لتطوير المواضيع الآلية لاستنتاج نوعية الصور الجمالية، عادة ما تتبع هذه المناهج نهج آلة التعلم.

حيث عدد كبير من الصور الفوتوغرافية المصنفة يدويا معتادة على أن "تعلم" الحاسوب عن ما هي الخصائص البصرية المتعلقة بنوعية الجماليات. محرك اكوين، طور في جامعة ولاية بنسلفانيا، معدلات الصور الطبيعية رفعت من قبل المستخدمين، ملحوظ أن من في هذا المجال هو " مايكل ليتون" أستاذ علم النفس في جامعة روتجرز. ليتون ايَضا رئيس الجمعية العالمية للجماليات الرياضية والحسابية ورئيس الجمعية العالمية للمجموعة النظرية في العلوم المعرفية وقد طور النظرية التوليدية للشكل. وقد كانت هناك محاولات ناجحة نسبيا فيما يتعلق بالشطرنج والموسيقى.

الحكم الجمالي

أحكام القيمة الجمالية تعتمد على قدرتنا على التمييز على المستوى الحسي. الجماليات تختبر نطاق تأثرنا لكائن أو لظاهرة. ايمانويل كانط، كتب في عام 1790 للميلاد، (ملاحظة رجل) " إن قال بأن نبيذ الكناري مقبول ولكنه مقبول ان شخص اخر صحح مقولته وذكره أن يقول عوضا عن ذلك : نبيذ الكناري مقبول بالنسبة لي، لأن لكل شخص له ذوقه الخاص. قضية الجمال تختلف عن كونها مجرد " اتفاق " لانه ان أعلن احدهم ان شيئا ما جميلا، إذا يتطلب نفس الإعجاب من قبل الآخرين; إذا هو لا يحكم بالنيابة عن نفسه بل هو يحكم بالنيابة عن الجميع، ويتكلم عن الجمال كما لو كان من خاصية الأشياء.

الأحكام الجمالية عادة ما تذهب إلى ما وراء التمييز الحسي. "ديفيد هيوم" يقول إن رفاهية الذوق ليست مجرد "القدرة على كشف المكونات في تركيب ما" ولكن أيضا حساسيتنا للألم واللذة، (المقالات الأدبية والأخلاقية والسياسية. انديانابوليس، كلاسيكيات الأدب 5، 1987.) وهكذا التمييز الحسي يرتبط بالقدرة على المتعة. "كانط" يقول ان " التمتع هو النتيجة عندما تنشأ المتعة من الإحساس، ولكن الحكم على شئ يكون " جميلا" له شرط ثالث: وهو الإحساس لابد أن يرتفع إلى المتعة من خلال إشراك قدراتنا للتأملات المتعاكسة. الأحكام الجمالية هي، الإحساس، العاطفة والفكر الكل في واحد. تفسيرات مشاهدين عملية الجمال، تمتلك مفهومين للقيمة: الجماليات والذوق. الجماليات هي الفكرة الفلسفية للجمال. الذوق هو النتيجة للعملية التعليمية والوعي لنخب القيمة الثقافية من خلال التعرض للثقافة الشاملة.

اختبر "بورديو" كيف نخبة المجتمع يعرفون القيم الجمالية مثل الذوق وكيف أن المستويات المختلفة من التعرض لهذه القيم يمكن أن يكون نتيجة للاختلاف بحسب الطبقات، والخلفية الثقافية والتعليم. وطبقا لكانط الجمال الجمال هو هدف وعالمي; وبالتالي أشياء معينة هي جميلة للجميع. وجهة النظر المعاصرة للجمال لا تستند على الصفات الفطرية، ولكن عوضا عن الخصوصيات الثقافية والتفسيرات الفردية.

العوامل التي تدخل في الحكم الجمالي

أيضا الأحكام الصادرة عن القيم الجمالية تشرك العديد من القضايا. ردود مثل إظهار الاشمئزاز تظهر ان الكشف الحسي مرتبط بالطرق الغرائبية لتعابير الوجه، وحتى التصرفات مثل انعكاس الهفوة. أيضا الاشمئزاز عادة ما تتعلم أو تكون مشكلة ثقافية أيضا; حيث اشار داروي (رؤية شريط من الحساء في لحية رجل أمر مقرف حتى لو لم تكن اللحية ولا الحساء مقرفة. الأحكام الجمالية قد تكون مرتبطة بالانفعالات أو، مثل الانفعالات والتي تتجسد بشكل جزئي في ردود الفعل الجسدية. رؤية وجهة نظر سامية من المناظر الطبيعية قد يعطينا ردة فعل الرهبة، والتي تظهر مجسدة بزيادة معدل ضربات القلب أو اتساع بؤبؤة العينين. هذه الردود الفعل الفاقدة للوعي من الممكن أن تكون جزأ تأسيسيا مما يجعل حكمنا حكما للمشهد السامي.

وبالمثل، الأحكام الجمالية قد تكون مكيفة ثقافيا إلى حد ما. الفكتوريين في بريطانيا غالبا ما يرون أن النحت الأفريقي قبيح، ولكن بعد عدة عقود فقط، الادوارديين شاهدوا نفس المنحوتات ووجدوا انها جميلة. تقييمات الجمال قد تكون مرتبطة بالرغبة. وبالتالي أحكام القيم الجمالية من الممكن أن ترتبط بأحكام قيمة الاقتصاد، السياسة والأخلاق. في السياق الحالي، شخص يحكم ان سيارة لامبورغيني جميلة ويرجع ذلك كونها مرغوبة ورمزا للحالة، أو قد نحكم انها جزئيا مثيرة للإشمئزاز لأنها تمثل لنا الإفراط في الاستهلاك أو أنها تسيء للسياسة أو القيم الأخلاقية.

"جزء لا يتجزأ في الحيوان والمجتمعات البشرية". في دراسات في السلوك البشري والحيواني، المجلد. 2. ص 115-195. كامبريدج، ماساشوستس : UP هارفارد، 1971 (. حانة في الأصل 1950), الأحكام الجمالية من الممكن أن تكون جيدة جدا ومتناقضة داخليا. وبالمثل الأحكام الجمالية عادة ما تبدو على لاقل جزئيا "فكرية وتفسيرية". إنها ماذا يعني الشئ أو تمثل لنا عادة ما الذي نحكم عليه. الجماليات الحديثة اكدت الإرادة والرغبة كانت تقريبا كامنة في التجربة الجمالية، ولكن التفضيل والاختيار يبدو مهمة جمالية لبعض مفكري القرن العشرين. وبالفعل هذه النقطة قد كتبت من قبل الفيلسوف هيوم، ولكن بالنظر إلى ميري موثيرسيل " الجمال والحكم الناقد"، في دليل بلاكويل للجمال، 2004، وبالتالي الأحكام الجمالية من الممكن أن ينظر إليها كقاعدة للإحساس، المشاعر، الآراء الفكرية، القدرة، الرغبة، الثقافة، الأفضليات، القيم، سلوك اللاوعي، قرار واع، التدريب، الغريزة، المؤسسات الاجتماعية، أو بعض التراكيب المعقدة منها، اعتمادا على أي نظرية توظف.

هل أشكال الفن المختلفة "الجميل أو المقرف أو الممل" متشابهة؟

ثالث موضوع مهم في هذة المقالة من "الأحكام الجمالية" هو كيف يتم توحيدها من خلال الاشكال الفنية؛ نستطيع أن نصف شخص أو منزل أو سمفونية أو عطر أو حتى دليل رياضي بأنه جميل. ما هي الخصائص التي يتشاركون فيها؟ ما الذي يعطيهم نفس الخاصية أو نفس الوصف؟ ما السمة المميزة التي تجعل من دليلٍ رياضي وعطر يتشاركان التفضيل والتي بمقتضاها جعلتهما يعتبران جميلان؟ ما الذي يجعل من لوحة جميلة مختلفة تماماً عما يجعل الموسيقى جميلة؟ يوحي هذا بأن كل شكل من أشكال الفن له لغته الخاصة للأحكام الجمالية. وفي الوقت نفسه، هنالك على ما يبدو قلة أو شح في الكلمات التي تعبّر عن الذات بدقة عند إجراء الحكم الجمالي. الحكم الجمالي لا يمكن أن يكون حكماً تجريبياً. لذلك، نظراً لإستحالة الدقة، هناك التباس حول ما إن كانت التفسيرات قابلة للتفاوض من الناحية الثقافية. اختبرت اثنتان من المشاعر المختلفة جذرياً من خلال شخصين مختلفين من الممكن أن يمثلا من خلال تعبير لفظي متطابق، "فيتجنشتاين" قال هذا في محاضراته عن الجماليات وألعاب اللغة.

الموسوعة

الجَمَال، علم. يدرس علم الجمال طبيعة الشعور بالجمال والعناصر المكونة له كامنةً في العمل الفني. يفكر الناس في علم الجمال عندما يتساءلون لماذا تبدو بعض الأشياء جميلة، وبعضها الآخر غير جميل، أو عمّا إذا كانت هناك قواعد أساسية لابتكار أو تفسير اللوحات الفنية والقصائد، والموسيقى الجيدة.

يدرس علماء علم الجمال الفنون بوجه عام، كما يقارنون فنون الثقافات المختلفة، وثقافات الحقَب المختلفة في التاريخ، وذلك لتنظيم معرفتنا المنهجية لها. ولسنين عديدة، كانت دراسة الجمال تعدُّ المشكلة المحورية لعلم الجمال. وقد اتسع الموضوع الآن ليشمل جوانب أخرى عديدة من الفنون. ويحاول علماء علم الجمال فَهْم علاقة الفن بأحاسيس الناس، وبما يتعلمونه، وبالثقافات التي يعيشون فيها. وللوصول إلى ذلك الفهم، فإنهم يجمعون، ويصنِّفون، ويفسرون المعلومات المتعلقة بالفنون، وبالخبرة الجمالية. كما يحاول علماء علم الجمال اكتشاف ما إذا كانت هناك معايير لنقد الفنون، مما يساعد الناس على تقدير مختلف أنواع الفنون حق قدرها.

إلى جانب دراسة النظريات المتعلقة بالأعمال الفنية، فإن علماء علم الجمال يرغبون في فهم الفنانين والجمهور. إذ إن فهمهم للفن يتحسن بمعرفتهم لكيفية تصوُّر الفنانين، وابتكارهم وأدائهم. والسبب الذي يجعل أنشطة الفنانين مختلفة عن أعمال غير الفنانين. كما يحاولون فهم ما يحدث لأحاسيس الناس عندما يجربون الفن. وبعد ذلك يقوم علماء علم الجمال باستقصاء كيفية تأثير الفن في أمزجة الناس ومعتقداتهم وقِيَمِهم.

علم الجمال أحدث فرع من فروع الفلسفة، وقد أُعطي الاسم الخاص به، الذي استخدم لأول مرة في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي. بَيْد أن الفلاسفة ـ ابتداءً من قدامى الإغريق وحتى العصر الحالي ـ ناقشوا فلسفة الفن، وقد تحدث معظمهم عمَّا إذا كان الفن نافعًا للناس وللمجتمع، وأشار بعضهم إلى أن الفن قد يكون ذا مخاطر، إلى جانب فوائده؛ كما جادل القليلون بأن الفن والفنانين يوقعان الفوضى بدرجة كبيرة، بحيث يهددان النظام الاجتماعي. غيرَ أن معظم الفلاسفة يؤمنون بجدوى الفن، لأنه يتيح لنا التعبير عن عواطفنا، أو يزيد من معرفتنا بأنفسنا وبالعالم، أو ينقل لنا تقاليد الحقب والثقافات المختلفة. يستخدم علماء علم الجمال تاريخ الفن لفهم فنون الحقَب السالفة. كما يستخدمون سيكلوجية الفن لفهم كيفية تفاعل حواسنا مع خيالنا وإدراكنا عند تجربتنا للفن، ويُعد نقد الفنون مرشدًا لاستمتاعنا بكل عمل فني على حدة. وتساعد العلوم الاجتماعية ـ مثل علم الأجناس وعلم الاجتماع ـ علماء علم الجمال على فهم كيف يتصل ابتكار وتقدير الفن، بالفعاليات الإنسانية الأخرى. كما توضِّح العلوم الاجتماعية أيضًا كيفية اختلاف الفنون في صِلتها بالبيئات المادية والاجتماعية والثقافية.

انظر أيضًا: الفلسفة؛ الفنون الأدبية.

(علم) الجمال

١ - باومجارتن مؤسس علم الجمال يعرف «علم الجمال» Aesthetik (بالألمانية)، esthétique (بالفرنسية)، Aesthetics (بالإنجليزية)، estetica (بالإيطالية)، الخ بأنه «علم الأحكام التقويمية التي تميز بين الجميل والقبيح» (معجم لالاند)؛ وهذا هو التعريف الكلاسيكي. أو بأنه: «المعنى الشامل لعلم ونظرية النشاط الجمالي للإنسان. والمضمون الجوهري للنشاط الجمالي هو تشكيل العالم وفقاً لقوانين الجمال. وهذا يفترض حتماً معرفة هذه القوانين وتكوين وتحقيق تصورات تقويمية تملك أهمية توجيهية للسمو بعملية الحياة الفردية والاجتماعية. . . وعلم الجمال، بوصفه علماً، مهمته هي تقرير قوانين النشاط الجمالي وأشكاله المختلفة وأحوال تطورها، وكيفيات تحقيقها ومنظورات تطورها. وعلم الجمال العام يبحث في النشاط الجمالي بوصفه ملكة خلاقة عامة عند الإنسان، من حيث هي تعمل في ارتباط كل ظاهرة (الطبيعة والمجتمع) . ويتميز عن القسم من علم الجمال الذي يعنى بالأشكال الخاصة للنشاط الجمالي، التي تعمل على شكل مخروطي في تطور عملية الحياة الاجتماعية: الرقص، الشعر، الموسيقى، الفنون التشكيلية، المسرح، الفلم السينمائي، الخ» . وهذا التعريف هو التعريف الماركسي، الاشتراكي وأول من دعا إلى إيجاد هذا العلم هوج . ١٧١٤ - ١٧٦٢) في) A.G. Baumgarten باومجا رتن سنة ١٧٣٥، وذلك في كتابه: «تأملات فلسفية في موضوعات تتعلق بالشعر». وقد قصد باومجارتن إلى aisthetike épistémè, ربط تقويم الفنون بالمعرفة الحسية Cogintio sensitiva، وهي معرفة وسط بين الإحساس المحض (وهو غامض مختلط) وبين المعرفة الكاملة، من حيث أنه يهتم بالأشكال الفنية أولى من أن يهتم بمضموناتها. وألقى باومجارتن أول محاضرة له في علم الجمال في جامعة فرانكفورت - على - نهرح الأودر (في شرقي ألمانيا) في سنة ١٧٤٢، ضمن محاضراته في تاريخ الفلسفة ثم إنه نشر في سنة ١٧٥٠ كتاباً بعنوان Aesthetica باللغة اللاتينية ولم يكن كاملاً. الجزء G.F. Meier وفي سنة ١٧٤٨ أصدر ماير الأول من كتابه «الأساس لكل العلوم الجميلة« ثم أصدر الجزء الثاني في سنة ١٧٤٩، والثالث فيسنة ١٧٥٠ فأسهم في نشر هذا العلم الجديد وتنميته. ومنذ ذلك التاريخ صارت كلمة Aesthetik من الكلمات التي جرت على الألسنة، وبدعاً من البدع الشائعة، حتى إن الشاعر جان بول Jean Paul قال في سنة ١٨٠٤: «إن زمانا لا يعج بشيء بقدر ما يعج بعلماء الجمال»(٢) واعتبر قيام هذا العلم حادثاً ذا أهمية تاريخية شاملة ليبتسك سنة Aesthetik تحت مادة Philosophisches Wörterbuch (١ ) ١٩٧٤. Jean paul: Vorschule der Aesthetik (1904), hist Kr. Ausg. 1/ (٢) 11 (1935), p. 13.

(علم) الجمال في ارتباطه بالتطورات الهائلة في داخل الوعي الذاتي الأوروبي بعامة - كما قال بأوملر وقد جعل باومجارتن مهمة علم الجمال هي، بوصفه علماً فلسفياً، التوفيق بين ميدان الشعور الحسي وميدان الفكر العقلي، وبالتالي : التوفيق بين حقيقة الشعر والفن من ناحية وحقيقة الفلسفة من ناحية أخرى. وهذا التوفيق يتخذ شكل توسيع الفلسفة بفضل علم الجمال . فقد أدرج باومجارتن المعرفة الحسية التي لا يمكن ردها إلى المنطق في داخل نظام للفلسفه. وأراد بهذا أن يوجد للمعرفة الحسية «أورجانون» خاصاً بها يناظر «أورجانون» المنطق الذي أبدعه أرسطو. وفي إثر باومجارتن جاء ايشنبورج .J.J Eschenburg فعرف علم الجمال بأنه نظرية المعرفة يأنه J.A. Eberhard الحسية بما هو جميل ٠ وعرفه أبرهرد علم قواعد كمال المعرفة الحسية ٠ وعرفه اشنيدر ,E Schneider بأنه نظرية المعرفة الحسية لما هو جميل وقال إن الفنون هي عرض الكمال الحسي. واقترح آبشت.J٠H Abicht أن يسمى هذا العلم باسم : «علم فن الشعور». ٢ - دور فنكلمن وكان كتاب فنكلمن (١٧١٧ -١٧٦٨)-وعنوانه: «تاريخ فن القدماء» (ظهر سنة ١٧٦٤) نقطة تحول في مفهوم علم الجمال: فلم يعد الأمر محصوراً في وضع نظريات تتعلق بالشعور والإحساس بالجمال، بل تركز الإهتمام في تأمل الآثار النفسية نفسها، وعلى رأسها آثار الفن اليوناني. فكتب فيورلي Fiorelli «تاريخ الفنون القائمة على الرسم» (١٧٩٨)، وألف رومور كتاباً بعنوان: •الأبحاث الإيطالية» (١٨٢٦ - ١٨٣١) .F.V Rumohr ومن هنا حلت دراسات تواريخ الفنون محل التأملات الفلسفية ومن هنا قال هيجل عن فنكلمن(٢) «إنه أحدث معنى جديداً في تأمل الفن فاسهم بدور كبير في البحث عن صورة الفن Kunstidee في... الأعمال الفنية وفي تاريخ الفن، وكان من نتاثج تلك النزعة M. Baeumler: Kants Kritik der Unteilskraft, 1923. (١) (٢) هيجل: «علم الجمال» Aesthetik، نشرة VI: I F.Bassenge. (٣) شلنجفلفة الفن» (صة ١٨٠٢) مجموع مؤلغاته،ح٥ص٣٦٣، التوسع في النظرة إلى الفنون. قلم يعد النظر مقصورا على اليونان والرومان وأوروبا بعامة، بل امتد إلى الهنود والمصريين والصينيين، الخ . وقال شلبنج إن الجانب التاريخي في علم الجمال عنصر جوهري وصلب في بناء فلسفة الفن. ٣ - علم الجمال عند أفلاطون وأرسطو لكن إذا كان باومجارتن بكتابه Aesthetica (في جزئين؛ سنة ١٧٥٠ -١٧٦٨) هو أول من وضع لهذا العلم اسماً وأفرده علماً فلسفياً قائماً برأسه، فإن موضوع هذا العلم، وهو الجميل والجمال، كان مطروقاً منذ أفلاطون الذي وقف من ا لفن موقفين متعارضين فعنده أن الفن سحر، ولكنه سحر يحرر من كل سطحية؛ وهو جنون وهذيان (محاورة «فدرس» ٢٤٥أ)، لكنه بهذا ينقلنا إلى عالم آخر، هو ميدان الصور والماهيات والجمال لا يقوم في الموضوع والجزئيات، بل هو الشرط في بهاء المرئيات، وهو المثل الأعلى الذي ينبغي على الفن أن يقترب منه؛ ومن هنا جاءت فكرة «المحاكا» mimesis وينتقل أفلاطون من جمال الأجسام إلى جمال النفوس (أو الأرواح)، ومن جمال النفوس إلى جمال «الصور» العقلية (أو: المثل العقلية). بيد أن أفلاطون يجعل الفن في مرتبة ثانية بالنسبة إلى الحقيقة وإلى الخير، بل يؤكد أن الجمال لا يتفق مع الحق ومع الخير، لأنه يتجلى في المحسوسات، والمحسوس عند أفلاطون في مرتبة دنيا با لنسبة إلى المعقول الذي إليه ينتسب الحق والخير. لكن أفلاطون في آرائه للفن بوصفه محاكاة، تردد بين التشدد والتساهل. ولئن كان الغالب على أحكامه عن الفن القسوة والتشدد، فإنه في محارة «النواميس» قد طامن من شدة إدانته للفن وقال إنه لهو غير مؤذ * وتلاه أرسطوطاليس فنقض آراء أستاذه أفلاطون، إذ أشاد بالمحاكاة، وقرر أن الفن يحاكي الطبيعة كما تتجلى وتظهر، لكن وفقاً لمعيار كلي عقلي، وهو يرى في المأساة وسيلة للتطهر (Kathersis) من الانفعالات الضارة ونوعاً من الدواء النفسي. وأخير نجد أفلوطين (٢٠٥ - ٢٠٧) يعود إلى أفلاطون فيذكر أن الجمال هو في «الصورة العقلية»، ويؤكد أن «الجميل هو المعقول المدرك في علاقته (علم) الجمال

بالخير. إن الانتقال من الواحد إلى الاخر، والحد الأوسط الذي بفضله يتعرف الخير في الصورة العقلية والحب في الفكر" (أفلوطين: «التساعات" في التساع، (السادس، فصل بند ٢٢). ٤ — أمانويل كنت وعلم الجمال ونستأنق القول فيما كنا بصدده فنفول إن كتاب «نقد ملكة الحكم» لأمانويل كنت، الذي صدر سنة ١٧٩٠، كان دعامة قوية في بناء علم الجمال وقد بدأ بأن قرر أنه ليس من الممكن وضع قاعدة بموجبها يستطيع المرء أن يتعرف جمال شيء ما . ولهذا فإن الحكم على الجمال حكم ذاتي، وهو يتغير من شخص إلى آخر، ولهذا فإنه يختلف عن الحكم المنطقي القائم على التصورات العقلية وهو لهذا ثابت لا يتغير ومن هنا فإن الحكم المتعلق بالذوق لا يمكن أن يدعي الموضوعية، ولا الكلية. ورغم ذلك، فإنه لما كانت الشروط الذاتية لملكات الحكم واحدة عند كل الناس، فإن من الممكن مع ذلك أن تتصف أحكام الذوق بصفة الكلية. ولهذا عرف كنت الجمال بأته «قانونية بدون قانون» ، وكأنما العقل «الإلهي يحتوي على أساس وحدة المتعدد،، 4 أما الجليل das Erhabene فهو «العظيم الذي لا قرين له". والجلال شمول Totalität . والغاية التي يحيل إليها الجمال محايثة باطنة في الشيء نفسه؛ ولا يفترض أنه غاية يمكن تصورها خارج الشيء. ومن هنا فإنها «غائية بدون غايةم. وملكة تمثيل الأفكار الجمالية هي العبقرية ٠ لكن العبقرية هبة من الطبيعة. إذن الطبيعة هي التي تكشف عن نفسها في الفن وبواسطة الفن. ولهذا ينبغي على الفن أن يتخذ مظهر الطبيعة. ثم إن الجمال هو رمز الأخلاقية، لكنه ليس كذلك إلا من حيث أن لأخلاقية تحيل إلى الطبيعة. ويلاحظ على كتاب كنث هذا أنه لم يستند إلى دعوة فنكلمن إلى التأمل في الآثار الفنية ' والبونانية بخاصة - من أجل استخلاص نظريات قي الفن. كذلك لا يستند إلى لسنج وسائر نقاد الفن المعاصرين له. والوحيد الذي يشير إليه بوضوح هو بيرك في كتابه «مقال في الجليل والجميل» (ظهرت الطبعة الأولى في سنة ١٧٥٦، وطبع طبعة ثانية أكمل من الأولى في سنة ١٧٥٧. ه — شلنج وعلم الجمال وتحت تأثير كنت، ألقى شلنج محاضرات في فلسفة الفن، في عامي ١٨٠٢-١٨٠٣ لم تنشر إلابعد وفاته في سنة ١٨٤، وذلك ضمن مجموع مؤلفاته في الجزء الخامس الذي نشر في سنة ١٨٥٩ . لكن أجزاؤه نشرت حوالي سنة ١٨٠٢ . وعنوان الكتاب : «فلسفة الفن» . كذلك عالج شلنج موضوعات علم الجمال في كتابه: «مذهب المثالية المتعالية» الذي ظهر سنة ١٨٠٠. وله أيضاً في علم الجمال كتاب : «العلاقات بين الفنون التشكيلية وفنون الطبيعة» (سنة ١٨٠٧). يقول شلنج( ) «إن كل انتاج جمالي يبدأ من الفصل اللامتناهي جوهراً بين نشاطين (هما: النشاط الواعي للبحث، والنشاط اللاواعي للطبيعة - وهذا التمييز مأخوذ من معالجة كنت للفن في علاقته بالطبيعة) منفصلين في الانتاجات الحرة. لكن لما كان من الضروري تمثيل هذين النشاطين في الانتاج بوصفه اتحاداً، فإن هذا الانتاج يمثل لامتناهياً في شكل متناه. واللامتناهي الممثل في شكل متناء هو الجمال. فالطابع الأساسي كل عمل من أعمال الفن، يشتمل على الخاصتيين السابقتين (أي المعنى اللامتناهي والمصالحة بأمور ا لإشباع اللامتناهي) هما إذن جمال، وبدون الجمال لا يوجد عمل فني» . ويقول في موضع آخر: «إن نتاج الفن يميز من النتاج العضوي خصوصاً بما يلي : (أ) النتاج العضوي يمثل، قبل الفصل ما يمثله الانتاج الجمالي بعد الفصل، ولكنه يعود إلى الاتحاد؛ (ب) الانتاج العضوي لا يصدر عن الوعي، وتبعاً لذلك فإنه لا يصدر عن التناقض اللامتناهي الذي هو الشرط في الانتاج الجمالي رتبعاً لهذا فإن الانتاج العضوي للطبيعة ليس بالضرورة جميلا (الكتاب نفسه، المجلد ٣، ص٦٢١). ٦ - تأنير شلنج في هيجل وواضح من هذه العبارات كيف أن هيجل قد تأثر (١) تلنج:مجمرع مزلفاتهح٣ص٦٢٠ - ٦٢١.

(علم) الجمال بشلنج. لكن، كما يقول بوزنكيت ، «من الصعب أن نقدر مقدار ما يدين به هيجل لشلنج، أو إلى أي حد استمد كلاهماً من مصادر مشتركة من بين معطيات علم الجمال ي إن البحث الكبير في «فلسفة الفن» (لشلنج) لم ينشر( ) قبل وفاة هيجل، لكن من الممكن أن يكون قد سمع هذه المحاضرات، ومن المؤكد أنه سمع عنها، أو قرأها مخطوطة، حينما ألقيت على شكل محاضرات في سنة ١٨٠٢ وما تلاها. وكثير من الأفكار الواردة فيه كانت قد ذاعت في صفحات منشورة وخطب . وفي كتاب «علم الجمال» لهيجل لا يوجد إلاً القليل جداً من الملاحظات والأفكار التي يمكن ألا يكون قد أوحي بها بأية طريقة شاذة أو سلبية - الملاحظات والنظريات التي نجدها عند شلنج» . وملاحظة بوزنكيت هذه صحيحة في الجملة، لا في التفاصيل، في المعاني العامة لا في الشرح التفصيلي. فهيهات هيهات أن يرة كتاب هيجل الضخم في «علم الجمال» إلى هذا الموجز الغامض الذي هو كتاب «فلسفة الفن» لشلنج. ولتقارن بين الآراء الأساسية عند كليهما . يرى شلنج أن الفن هو «توحيد العلل بين الواقعي والمثالي؛ وهو يشارك الفلسفة في رفع تناقضات الظواهر؛ وهما يلتقيان عند القمة النهائية؛ ولكن موقف الفن من الفلسفة هو موقف الواقعي من المثالي. وفلسفة الفن هي الهدف الضروري للتفكير الفلسفي. أما هيجل فيرى أن الفن «بعيد جداً من أن يكون الشكل الأعلى للروح (أي: للعقل)؛ وهو يدعونا إلى التأمل الفكري - ويرى أن الجميل هو المطلق في الوجود الحسي، وهو التحقيق الواقعي للصورة المثالية Idee في شكل الظاهرة المحدودة. وعلى العلاقة بين الصورة المثالية والمادة يقوم التمييز بين الفن الرمزي، والكلاسيكي والرومنتيكي في الفن الرمزي، وفيه (١) برنرد بوزنكيت: "تاريخ علم الجمال»، ص٣١٨ -٣١٩. لندن، سنة ٠١٨٩٢ Bernard Basanquet: A History of aeschetics. (٢) نثرم ابنم في المجلد الخامس الذي يشمل مؤلفات شلنج في عامي ١٨٥٢-١٨٠٣. Schelling: sammetliche werke, hrs von Friedrick August Schelling, voi. V (1862-1867). stutgart, 1859 انحصر الفن الشرقي، لا ينفذ الشكل نفوذا تاما في المادة أم في الفن الكلاسيكي، وخصوصاً منه الفن اليوناني فإن المضمون الروحي قد نفذ تماماً في الوجود الحسي. إن الفن الكلاسيكي هو (كمال مملكة الجمال). ولا يمكن أن يكون هناك ما هو أجمل منه . والفن الكلاسيكي ينحل إلى سلبي في الأهاجي، هذ اللون الذي شاع في العالم الروماي الممزق، وإلى إيجابي في الفن الرومانتيكي في العصر المسيحي والفن الرومنتيكي يقوم على تغلب العنصر الروماني، وعلى عمق الشعور، وعلى عدم تناص الذاتية . إنه علو الفن على نفسه، لكن في شك , فني والجمال الرومنتيكي هو الجمال الباطن أو الروحي. ونسق الفنون (المعمار، النحت، الموسيقى، التصوير والئعر) يناظر أشكال الفن. ففن الشكل الرمزي هو المعمار، وفن الشكل الكلاسيكي هو النحت، وفنون الشكل الومنتيكي هي التصوير والموسيقى والشعر والشعر بوصفه أعلى الفنون يتصف بكلية كل الأشكال. والفن الرومنتيكي ينحل هو الأخر، حينما ينفل مضمونه لا بد بعد ذلك من نشوء شكل فنى جيد(٣) والفن، عند هيجل، هو «العيان الغيني وامتثال الروح المطلقة في ذاتها بوصفها المثل الأعلى". وللفن تاريخ مثالي يصدر عن «الفن الابتدائي" Vorkunt، الذي هو فن رمزي. وفي عرضه لتاريخ الفن وللعلاقات بين الفنون يتبع هيجل منهجه الديالكتيكي . وعلى العكس من ذلك يسلك شلنج، لأن المبدأ الجوهري الذي تقوم عليه كل فلسفته هو مبدأ الهوية المطلقة ٠ ولهذا نراه يرفض التمييز الحاد بين الجميل والجليل كما تصوره كنت، ويؤكد أن الجليل يشمل الجميل، كما أن الجميل يشمل الجليل ويرى أن الفنون التشكيلية تمثل الوجه الواقعي لعالم الفن، بينما يرى في فن القول redende kunst الوجه المثالي؛ وينبغي أن نرى في كل وجه من هذين الوجهين اللحظات (= العناصر) الثلاث التي هي الواقع، والمثالية، وعدم الاختلاف بينهما ومن ثم فإنه يقسم الفن التشكيلي إلىم الموسيقى، والتصوير، والنحت، بينما يقسم فن القول (٣) أوبرفك «موجزتاريخ الفلسفة»حاص٩٦ - ٩٧ . برلين سنة ١٩٢٣ (علم) الجمال

إلى: الشعر الغنائي، والملحمي، والمسرحي ! I و لهذا يمكن حصر تأثر هيجل بشلنج فيما يتعلق بنظرية الفن في الأمور التالية: ١ - تعريف الجمال بأنه الصورة المثالية Idee المتحققة فيما هو محسوس. ٢ - المبدأ الذي تقوم عليه كل فلسفة شلنج وهو أن المطلق das absalute هو المبدأ الذي يقوم عليه العالم. ٣ - الحقيقة الواقعية هي تاريخ وعي الروح بذاتها في المكان والزمان. إن هذه المبادىء التي وضعها شلنج كانت الأفكار الجارية في علم الجمال عند هيجل. ولكنها كانت مجرد مبادىء فحسب، لم يطبقها شلنج على ما أبدعه الإنسان في كل تاريخه من آثار فنية. وإنما الذي طبقها هو هيجل، وتلك كانت المهمة العظيمة التي تولاها بمقدرة فائقة استند فيها إلى اطلاعه الهائل على تاريخ فنون كل الشعوب في العالم، فضلا عن الدراسات النقدية الفنية والأدبية، ولقد قارن بوزنكيت بين شلنج وهيجل من حيث طباع كليهما وما يترتب على ذلك في دراسة علم الجمال، فقال: «إن عبقرية وخلق هذين الرجلين كانا مختلفين جداً، ومناسبتين جدا لأن يكون أحدهما قبل الآخر إن شلنج في خير أحواله كان مستفيض الفكر لامع لإيحاء، ولا يستطيع هيجل أن يجاريه في هذا. لكن سرعان ما يجد القارى ء أن شلنج لم يكن مرشداً أمينا: فقد كان قليل الصبر، غير متماسك المنطق، ساذج التعليق، غير صائب الحكم على الفن، ميالاً دائماً إلى ما (١) يمكن الرجوع إلى الدراسات التالية فيما يتعلق بعلم الجمال عند شلنج: a) R. Zimmermann: Schellings philosophie der kunst. Wien, 1876. b) A. Foggi: Schelling la philosophie dellarte Moderna, 1909 c) Ch. N. Brustiger: Kants ästhetik und Schellings Kunst philosophie. Dissertation, leipzig, 1912. d) A. Steinkrüger: Die ästhetik der Musik bei Schelling und Hegel. Dissert, Bern, 1927. e) j. Gibelin: l’esthétique de Schelling, d’apres la philosophie de l’art- Paris 1934- l’esthétique de Schelling et !’Allemagne de Mme de Stael. Paris, 1934. هو عاطفي وخرافي . أما هيجل فقد كان مثابراً، دؤوباً على العمل، منطقياً في تفكيره، رائعاً في حكمه على الفن حكماً سليماً ورجولياً، وفي الوقت نفسه كان متعاطفاً بل ومتحمساً تحت السطح. إنه يكره الخطابة، بينما كان شلنج مولعاً بها؛ ويشعر القارىء بأنه مهما تكن سقطات هيجل فإنه كان دائما يقوم بمجهود صادق من أجل إدراك الجوهر وبلوغ قلب الموضوع الذي يدرسه . فإذا قدرنا الارتباط الوثيق المبكر بين هذين المفكرين العظيمين، والمدى الواسع الهائل للمادة الحديثة التي شاركا في تراثها، فيمكن أن يقال أنه بينما نحن نفضل هيجل على شلنج، فيعود السبب في ذلك جزئياً إلى كون شلنج ممثل خير تمثيل في هيجل»" ) • ٧ - كتاب «محاضرات في علم الجمال» لهيجل وكتاب هيجل : «محاضرات في علم الجمال» نشر لأول مرة سنة ه ١٨٣٨/١٨٣ ، أي بعد وفاة هيجل بأربع سنوات. وقد أعده للنشر تلميذه سلا على أساسم (أ) المذكرات التي كان يستعين بها هيجل في إلقاء محاضراته في الفترة من ١٨٢٠ حتى سنة ١٨٢٩ . وهي مذكرات بعضها تام التأليف، وهذا يصدق على المقدمة، وبعضها الآخر وهو الأغلب تعليقات متناثرة؛ (ب) المذكرات التي كتبها التلاميذ الذين حضروا هذه المحاضرات، وقد جمع هوتو عدداً وفيراً منها وقارنها وأكمل بعضها ببعض : كراسات ثلاثة مستمعين لمحاضرات سنة ١٨٢٦ ، وضمن كراسات المحاضرات في السنة الدراسية ١٨٢٨ -١٨٢٩ وإذن يمكن القول بأن كتاب «محاضرات في علم الجمال» ليس أغلبه بقلم هيجل نفسه، بل معظمه يستند إلى ما كتبه تلاميذه بحسب ما استطاعوا تسجيله وفهمه من محاضراته , ولا يزال جزء كبير من هذه المواد بنوعيها محفوظا حتى اليوم، ومنه نسخة مخطوطة بخط جريسهايم (٢) برنرد برزنكبت: «تاريخ علم الجمال،، ص٣٣٤. لندن سنة ١٨٩٢ .

(علم) الجمال Griesheim، مخطوطة في «مكتبة الدولة البروسية" Ms. في برلين تحت رقم Preuss. Staatsbibliothek 4547 Germ في برلين. ٨ — تحرير النص المنشور على يد هوتو وهينرش جوستاف هوتو Henrich Gustav Hotho ولدفي ٢٢ مايو سنة ١٨٠٢ في برلين، وتوفي في ٢١ ديسمبر سنة ١٨٧٣ في برلين. وبعد أن درس القانون والفلسفة حصل على إجازة التدريس في الجامعة في سنة ١٨٢٧ من جامعة برلين، فعين بعد ذلك بعامين أستاذاً مساعداً a.o Prof لتاريخ الفن في جامعة برلين. وقد ظل في مادة تاريخ الفن من أتباع أستاذه هيجل. وله المؤلفات التالية ١ , «دراسات تمهيدية في الحياة والفن" ، سنة .Vorstudien für leben und Kurnst ١٨٣٥ ٢ - «تاريخ التصوير في ألمانيا وهولندة» ، في جزئين، سنة ١٨٤٢ -١٨٤٣ Geschichte der .deutschen und niederländ. Malerei ٣ — «مدرسة التصوير المتأثرة بهوبرت فان إيك«، في جزئين، سنة ١٨٥٥ - ١٨٥٨ Die Malerschule . Hubert van Eyck ٤ - لكن ربما كان فضله الأكبر الذي يذكره له البحث الفلسفي هو نشرته لكتاب «محاضرات في علم الجمال» Vorlesungen über die Ästhetik لهيجل : الطبعة الأولى في ٣ أجزاء في برلين سنة ١٨٣٥ -١٨٣٨ ؛ والطبعة الثانية فيستة ١٨٤٢ -١٨٤٣، ه - "تاريخ التصوير المسيحي" ، اشتوتجرت سنة Geschichte der christlichen ١٨٦٩ وما يليها . Malerei وواضح من هذا البيان أن هوتوا كان خير من يضطلع بهذه المهمة؛ فقد كان تلميذاً مخلصاً لهيجل ومذهبه، وحضر محاضراته في علم الجمال ربما لعدة سنوات، وصار أستاذاً لهذه المادة في جامعة برلين. لكن السؤال هو] إلى أي مدى تصرف هو في المواد التي ستعان بها؟ أما المقدمة أو «المدخل إلى علم الجمال» ويشمل منص٣٧ إلمى ص١٥١ (من طبعة ركلام Reclam ، اشتوتجرت سنة ١٩٨٩) فإن هيجل هو الذي حررها كلمها بقلمه. ولهذا يتميز أسلوبها من أسلوب سائر الكتاب: إنه أسلوب هيجل الذي نجده في كتبه التي طبعها هو بنفسه إبان حياته. أما سائر الكتاب، ويمثل قرابة ٨٥% منه فهو مزيج من كلام هيجل كما أملاه على تلاميذه، ومن التعليقات التي كان هيجل يستعين بها في إلقاء هذه المحاضرات ومن عمل التحرير والربط والتنسيق، الذي قام به هوتو «والمدهش في هذا التحرير هو ليس فقط ما في النص النهائي من تناسب وسهولة في القراءة، بل وأيضاً هو عرض الأفكار دون تبسيط وسطحية وجوهر تفكير هيجل الذي تجلى بوضوح . ولهذا فإن النص يستحق الثقة الكاملة بالرغم من أنه ليس نصاً أصليا» صدر عن المؤلف مباشرة - كما قال رودجر بوبنر Rüdiger Bubner في مقدمة نشرة ركلام (ص ١ ٣) ٩ - الاهتمام في العصر الحاضر بكتاب هيجل في علم الجمال وقد حظي هذ الكتاب باهتمام بالغ في العصر الحاضر، يدل عليه كثرة المؤلفات التي تناولته، كما هو واضح في الثبت الذي وضعه ف. هنكمن .W Henckemen(') في سنة ١٩٦٩ ، وأكملم بوبنر Bubener في مقدمة نشرة ركلام (ص٢٨ - ٣٠) أ - جيورج لوكش(٢) Georg lukacs في الكتب التالية: a) Theorie des Romans (1914-1915)و Berlin 1920. لكتاب "محاضرات في علم F. Bassenge مقدمة نشرة) الجمال»، برلين وثيمار سنة ١٩٥٠؛ ط٢، فرانكفورت، سسنة١٩٦٦- e) Die Eigenart des Aesthetischen, 21 de, Berlin (١) ونشرفي 1ع01لا5٤-1ع2ع11 رقم ٥، سنة ١٩٦٩. (٢) ناقد أدبي ومؤرخ وفيلسوف مجري، ولد في بودابشت سنة ١٨٨٥ ، وتوفي فيها في ٤ يونبو منة ١٩٧١، واشترك في ثورة بيلاكون الشيوعية في المجر، ولماأخفقت التجأإلى النمسا ويعدمن أكبر المفكرين الماركين. (علم) الجمال

ب - فلتر بنيامين( في كتابه : «منشأ التراجيديا الألمانية» سنة ١٩٢٥ ح تيودور ف. ادورنو(٢) .Theodor W Adorno في بحثه بعنوان: «المصالحة قهرا»، فرانكفورت سنة ١٩٦١ ؛ وكتابه •النظرية الجمالية» (ضمن مجموعة Schriflen رقم ٧) فرانكفورت سنة ١٩٧٠ . د-ه. كون H. Kuhn في بحثه بعنوان : "إتمام علم الجمال الكلاسيكي الألماني على يد هيجل» ، وقد نشره ضمن كتابه «كتاباتفيعلم الجمال، ميونيخ ١٩٦٦ . والثلاثة الأوائل وقفو من علم الجمال عند هيجل موقفاً سلبياً نقدياً منبثقاً عن اتجاههم الماركسي؛ أما كون kuhn فقد عني ببيان أن علم الجمال عند هيجل هو أوج وكمال علم الجمال الكلاسيكي الألماني ذلك أن علم الجمال عند هيجل ينبغي أن يفهم ابتداء من حصيلة العصر الشعري والفلسفي السابق عليه وعلى أنه نهاية وكمال هذا العصر. وهذه الفكرة ليست جديدة أيضاً، إذ يمكن إرجاعها إلى هيجل نفسه، أو على الأقل تستخلص من موقف هيجل بوجه عام ٠ وقد كان هذا هو رأي الجيل التالي لهيجل مباشرة يرى أن علم الجمال عند R. Haym فإن ر هايم هيجل، هو القمة والخاتمة، و«هو الثمرة المنظمة للجهود التي بذلها شلنج، وفنكلمن وكنت، الجهود النقدية والتاريخية والفلسفية المنعكسة المتعلقة الجمال»(؟). وإلى جانب هذه الفكرة قامت فكرة أخرى مضادة أخذت على علم الجمال عند هيجل مقااته في المعقولية Parlogismus، ويمثل هذا الاتجام داتسل(٤) .Th. W . Danzel (١) Walter Benjamin: ناقد أدبي من أصل يهودي؛ ولد في برلين في ١٨٩٢/٧/١٥، وتوفي في Para Bou(جبال البرانس في ٩/٢٦/ (٢) عالم اجتماعوفيلوف الماني ولد في فرانكفورت -على - لماين قي ١٩٠٣/٩/١١، وتوفي بالقرب من بريج (سويسرة) في١٩٦٩/٨/٦- R. Haygm: Hegel und seine Zeit. 2, vermehirta aufl. hssyg. (٣) von H. Rosenberg, leipzig, s. 443. Th. w. Danzel: «Meier den gegenwärtigen zustand der philo- (٤) Sophie, in: Gesnmelte cochrftenm Leipzig 1859, s. 48, 50-Unber die aesthetik der hegelschen Philosophie. Hamburg, 1 844. في كتابه "تاريخ علم H. Lotze ثم جاء لوتسه الجمال في ألمانيا» (بنشرة ١٨٦٨ ص١٢٥ ، ٩٥) فقرر أن علم الجمال عند هيجل هو في جوهره تفصيل موسع لمذهب شلنج. وبعد فترة من الصمت حيال علم الجمال عند هيجل، استؤنف الاهتمام، وتم ذلك في طريقين: الطريق الأول يحدد التطور المثالي المتعالي من كنت إلى فشنه، ومن فشنه إلى شلنج، ومن شلنج إلى هيجل وعلى رأس من سلكوا هذا الطريق كان أستاذ الدراسات الهيجلية في ألمانيا ج. لسون G. Lasson . وعرض ذلك بعمق ر، كرونر في كتابه : «من كنت إلى هيجل» (في جزئين، توبنجن، سنة ١٩٢١، ١٩٢٤ ) . w. Dilthey وأما الطريق الثاني فقد سلكه دلتاي في دراسات عديدة نشرت في «مجموع مؤلفاته» (الجزء الخامس، ليتنسك - برلين سنة ١٩٢٢؛ الجزء السادس، ليبتسك-برلينسنة١٩٢٤). وبعد هذا 1 لاستعراض التاريخي لموقف بعض الباحثين من علم الجمال عند هيجل سنأخذ هاهنا في عرض الآراء الرئيسية في علم الجمال عند هيجل كقدم إلى القارىء موجزاً عن موضوعات عذا العلم بحسب النظرة الكلاسيكية إليه. - ١- تعريف علم الجمال موضوع علم الجمال هو الجميل في الفن الذي يبدعه الإنسان. ولهذا يمكن أن يسمى هذا العلم باسم «فلسفة الفن»، أو على نحو أدق: «فلسفة الفنون الجميلة» ٠ فإن اعترضه أحد قائلا: إن هذا التعريف لموضوع علم الجمال من شأنه أن يستبعد الجميل في الطبيعة. أليس في هذا تحكم اعتباطي؟ يرد هيجل قائلا: «صحيح أن لكل علم الحق في أن يحدد المدى الذي يشمله كما يريد، لكننا نستطيع أن نفهم هذا التحديد لعلم الجمال بمعنى آخر. ففي الحياة نحن قد اعتدنا أن نتحدث عن الألوان الجميلة، والسماء الجميلة، والستل الجميل، والأزهار الجميلة، والحيوان الجميل، بل والفتيات

(علم) الجمال الجميلات . لكننا لا نريد هاهنا أن نخوض في مسألة «معرفة بأي مقدار يمكن أن نعزود صفة الجمال عن حق إلى هذه الموضوعات أو تلك، وبالجملة: هل الجمال الطبيعي يمكن أن يجعل في موازاة الجمال الفني؟ لكن من الجائز أن نقرر منذ الآن أن الجمال في الفن أسمى من الجمال في الطبيعة، لأن الجمال في الفن يتولد، بل يتولد مرتين، من الروح وبمقدار ما الروح وابداعاتها أسمى من الطبيعة وتجلياتها، فكذلك الجمال الفني أسمى من الجمال في الطبيعة . بل لو غضضنا النظر عن المضمون، فإن الفكرة الرديئة، التي ربما تخطر ببال، هي أسمى من أي ناتج طبيعي، لأن في هذه الفكرة توجد دائماً الروح والحرية» (هيجل: «علم الجمال» ج١ ص٣٧ -٣٨، Reclam). وجواب هيجل هذا يقوم على أساس مذهبه العام القائل بأن كل ما هو موجود معقول، وأن الطبيعة مظهر من مظاهر العقل في أدنى مستوياته في الوجود؛ ولهذا كلما زاد نصيب العقل - أو الروح وهي دائماً بمعنى واحد عند هيجل - كان الموجود أفضل ولهذا فإنه يرى أن الجمال في الفن أسمى من الجمال في الطبيعة الجامدة، لأن الأثر الفني ينطوي على قدر أكبر من الروح، وبالتالي من الحرية، والروح والحرية هما أسمى ما في الوجود. واللفظ Aesthetik بالألمانية قد وضعه باومجارتن Baumgarten لأول مرة، وأخذه من اللفظة اليونانية (= الإحسا س، العاطفة، وهو عنوان لكتاب بعنوان Aesthetica (نشر في فرانكفورت في عام ١٧٥٠ و١٧٥٩ بحث فيه في تكوين الذوق وتحليل ما عو الذوق الفني. ثم استعمله كنت في «نقد العقل المحض» بمعنى: الحساسية ٠ لكنه استعمله بعد ذلك في كتابه: «نقد الحكم» بمعنى: الحكم التقديري الخاص بالجمال، ومنذ ذلك الحين صار هذا هو الاستعمال الوحيد؛ أي أن علم الجمال هو العلم الذي موضوعه هو الحكم التقديري، المتعلق بالتمييز بين الجميل والقبيح - اشكالات حول حقيقة الفن هل الغن سم وإيهام؟ والناس يأخذون على الفن أنه مجرد مظهر لا يعبر عن ماهية، وأنه ايهام للمشاهد بما يقدمه من حيل لخداع النظر أو السمع أو ساثر الحواس . وهيجل يرد على هذا قائلاً: «إن ما يوجه إلى الفن من ذم لأنه يحدث تأثيره بواسطة المظهر والإيهام إنما يكون وجيهاً إذا كان المظهر يعد شيناً ينبغي إلا يكون. لكن المظهر جوهري بالنسبة إلى الماهية. إن الحقيقة لن توجد إذا لم تظهر وتنجل وإذا لم تكن مشاهدة من أحد، وإذا لم تكن من أجل ذاتها ومن أجل الروح بعامة. وإذن ينبغي ألا يوجه اللوم لمجرد الظهور، وإنما للكيفية التي يتم بها الظهور بواسطة الفن ابتغاء تحقيق الحق في ذاته ٠ أما إذا نعتنا هذه المظاهر التي بها يحقق الفن وجود تصوراته - بأنها أوهام، فإن هذا الوهم إنما يكون ذا معنى بالمقارنة مع العالم الخارجي للمظاهر وماديته المباشرة، وأيضاً بالنسبة إلى انفعالنا نحن وإلى عالمنا الباطن والمحسوس : العالم الخارجي والعالم الباطن - كلا العالمين، ونحن في حياتنا التجريبية، وفي حياة مظهرنا نحن تعودنا أن نمنح القيمة واسم الحقيقة الفعلية لما يتعارض مع الفن بدعوى أنه يعوزه مثل هذا الواقع وهذه الحقيقة. بينما كل هذا المجموع من العالم التجريبي الباطني والخارجي ليس هو عالم الحقيقة الواقعية وإنما نستطيع أن نقول أنه مجرد مظهر وهم فارغ أكثر من الفن. ذلك أنه ينبغي أن نبحث عن الواقع الحق وراء الانطباع المباشر والموضوعات المدركة مباشرة. وعلة ذلك هي أن الواقع الحق هوماهو في ذاته ومن أجل ذاته، أعني جوهر الطبيعة وجوهر الروح، أي ما يشير إلى الوجود في ذاته ولذاته، مع تجليه في المكان وفي الزمان، وهو بهذا واقع حقيقي ومثل هذه القوة الكلية هو ما يصوره الفن ويظهره. صحيح أن هذا الواقع الجوهري يظهر أيضاً في العالم المعتاد - الباطني والخارجي - لكنه يكون مختلطاً مع عامة الظروف العابرة، ومشوهاً بواسطة (علم) الجمال

الإحساس المباشر، وخروجاً بأهواء أحوال النفس والعوارض، والطبائع الخ. إن الفن يستخلص من الأشكال الوهمية والكاذبة في هذا العالم الناقص والمتقلب: الحقيقة المتضمنة في المظاهر، ابتغاء تزويدها بحقيقة واقعية أسمى تبدعها الروح نفسها, وهكذا فإن تجليات الفن ليست أبداً مجرد مظاهر وهمية تماماً، بل هي تحتوي على حقيقة واقعية أسمى وعلى وجود أكبر حقيقة من الوجود المعتاد» («علم الجمال» ح١ ص٥ ٤ - وهكذا نرى هيجل يقلب الدعوى على أصحابها، دعوى أولئك الذين ينعتون الفن بأنه خداع وإيهام، لأنه مظهر وليس حقيقة واقعية . وحجته مستمدة من صلب مذهبه المثالي الذي يرى أن العالم الخارجي المحسوس، بل والعالم الباطن المملوء يالانفعالات والأحوال العابرة -هو عالم الوهم؛ وأن العالم الحق هو عالم الماهيات والتصورات العقلية. وواضح ما في هذا من تأثير أفلاطون، الذي كان يرى أن العالم المعقول، عالم الصور والمثل العقلية، هو وحده العالم الحقيقي، بينما العالم المحسوس هو عالم الوهم، وذلك في أسطورة "الكهف» الواردة في المقالة السابعة من محاورة «السياسة» (راجع كتابنا: «أفلاطون"). وهذا التفسير - أو التبرير - يمكن قبوله بالنسبة إلى الفن المثالي الخالص، أي الذي يهدف إلى تصوير الأمثلة العليا، والماهيات العقلية، لا الفن الواقعي الذي يحاكي المحسوسات الطبيعية ٠ وهذا يقودنا إلى الإشكال الثاني وهوم هل الغنبمح1كاة؟ ونحن نعرف أن أرسطو في كتابه: «فن الشعر» (راجع ترجمتنا له، القاهرة ط١ سنة ١٩٥٣) قد حدد مهمة الفن في لمحاكاة. ويبحث هيجل في صحة هذه الدعوى فيقول: إن الرأي الأكثر شيوعاً فيما يتعلق بالهدف الذي سيستهدفه الفن هو أن مهمة الفن هي محاكاة الطبيعة. وتبعاً لهذا الرأي، فإن المحاكاة، أعني المهارة في تصوير الموضوعات الطبيعية بأمانة تامة كما تتجلى لنا -ستكون هي الغرض الجوهري من الفن، وحين ينجح هذا التصوير الأمين فإنه يبعث فينا رضاً تاماً. وهذا التعريف لا يحدد للفن إلا الغرض الشكلي لإعادة ما هو موجود منقبل في العالم الخارجي، بالقدر الذي تسمح له بذلك وسائله، وتصويره كما هو. بيد أن من الممكن أن نلاحظ فوراً أن إعادة التشكيل هذه هي عمل لا جدوى منه، لأن ما نشاهده ممثلاً ومصوراً في لوحات أو على المسرح أو على غير ذلك: من حيوان، ومناظر، ومواقف إنسانية - نجده موجوداً بالفعل في بساتيننا، وفي بيوتنا أو فيما لدى أصدقائنا ومعارفنا . وفضلاً عن ذلك فإن هذا العمل العديم الجدوى يمكن أن يعد لعبة مدعية تظل في مستوى أدنى من الطبيعة بكثير؛ لأن الفن محدود في وسائل التعبير، ولا يستطيع أن ينتج إلاً أوهاماً جزئية لا تخدع إلأ حساً واحداً ذلك لأنه إذا اقتصر الفن على الهدف الشكلي من المحاكاة الدقيقة فإنه لا يعطينا، بدلا من الواقع وما هو حي، إلا صورة هزلية (كاريكاتير)، من الحياة. ونحن نعرف أن الأتراك، شأنهم وشأن كل المسلمين، لا يجيزون تصوير الإنسان أو أي كائن حي آخر جيمس بروس James Bruse، إبان - رحلة في الحبشة لما عرض على أحد الأتراك سمكة مرسومة، فإنه أثار في نفسه الدهشة أولاً ثم تلقى منه بعد ذلك الجواب التالي: «إذا قامت هذه السمكة، في يوم الحساب وقالت لك: لقد جعلت لي جسماً، لكنك لم تجعل لي روحاً حية» - فكيف تبرر سلوكك إزاء هذه التهمة؟» كذلك ورد في الستة» (النبوية) إن النبي قد رت على زوجتيه: أم حبيبة وأم سلمة، اللتين حدثتاه عن الرسوم في الكنائس في الحبشة : إن هذه الرسوم ستشكو صانعها في يوم الحساب» . كذلك تورد أمثلة على أوهام تامة أحدثتها تصويرات فنية I فالعنب الذي رسمه زوكسيس Zeuxis (١) رحالة اسكتلندي (١٧٣٠ - ١٧٩٤) قام من ١٧٦٨ إلى ١٧٧٢ رحلة استكشافية في الحبشة، واكتشف متابع النيل في الحبئة إلى النيل الأزرق، ولكنه ظته أنه النيل الأصلي، وله في ذلك كتاب: «زحلات لاكتشاف نبع النيل (لندن، سنة ١٧٩٠) (٢) رسام يوناني عاش في النصف الثاني من القرن الخامس قبل الميلا، ويعتبر من رواد رسم اللوحات، وقد ضاعت كلها، وكان ذا مكانة رفيعة عند القدماء.

(علم) الجمال قد اسشهد به منذ العصر القديم على انتصار فن المحاكاة للطبيعة، لأن حمائم حية جاءت لتنقره. ويمكن أن نضيف إلى هذا المثال القديم مثال أحدث هو نسناس بوتنر Buthner الذي التهم لوحاً من مجموعة ثمينه في التاريخ الطبيعي منها رسم خنفساء ، لكن صاحبه عفا عنه لأنه بذلك برهن على براعة هذا الرسم. لكن في الأحوال التي من هذا القبيل ينبغي على الأقل أن نفهم أنه بدلاً من إطراء الأعمال الفنية لأن حمائم أونسانيس قد خدعت بها، ينبغي بالأحرى لوم أولنك الذين يظنون أنهم بهذا يرفعون من شأن الفن بينما هم لا يجعلون له غاية عليا إلا هذه الغاية التافهة. وبالجملة، ينبغي أن نقول أن الفن، حين يقتصر على المحاكاة، فإنه لا يستطيع منافسة الطبيعة، بل يشبه الدودة التي تحاول بالزحف أن تحاكي فيلا. «في هذه المحاكيات المتفارتة في المهارة، إذا ما قورنت بالنماذج الطبيعية، فإن الغرض الوحيد الذي يستطيع الإنسان أن يسعى إليه هو اللذة الناشنة عن إبداع شيء يشبه الطبيعة ٠ والواقع أنه يستطيع أن يسر بأنه ينتج هو أيضاً، بفضل عمله ومهارته، شيناً مستقلاً عنه - لكنه كلما كانت المحاكاة أشبه بالنموذج كان سروره وإعجابه أكثر ابتراداً إن لم تصبح أدعى إلى إثارة الملال والغثيان. وهناك صور يقال عنها، على سبيل الفكاهة، إنها من المشابهة مع النماذج بحيث تثير الغثيان. وكنت Kant يسوق مثلاً على هذه المتعة التي يستشعرها الإنسان أمام المحاكيات، وهو: لو أن إنساناً برع في محاكاة غناء العندليب، كما يحدث هذا أحياناً، فإننا سرعان ما نمل؛ فمتى ما اكتشفنا أن الذي فعل ذلك إنساناً فإن الغناء يبدو لنا مملا؛ إننا حينتذ لا نرى في ذلك إلا عملاً مصطنعاً، ولا نعده عملاً فنياً، ولا انتاجاً للطبيعة حراً، ذلك أننا نتوقع شيثاً آخر من القوى المنتجة الحرة التي للإنسان؛ ومثل هذه الموسيقى لا تؤثر فيناً إلا بالقدر الذي به، وقد انبثقت من الحيوية الخاصة بالعندليب دون أي قصد، فإنها تشبه التعبير عن العواطف الإنسانية. ومن ناحية أخرى فإن هذه المتعة التي نشعر بها من المحاكاة لا (١) اسم خادم كان عند العالم الطبيعي الشهير لتيه Linné (١٧٠٧ -١٧٧٨)، يمكن أن تكون إلا نسبية، والأليق بالإنسان أن ينشد المتعة فيما يستخلصه من أعماق نفسه. وبهذا المعنى فإن أتفه اختراع صناعي له قيمة أكبر ويجدر بالإنسان أن يفخر بأنه اخترع المطرقة، والمسمار، الخ أكثر منا لفخر بأنه أنتج روانع من المحاكيات. إن السعي لمنافسة الطبيعة بمحاكاتها على نحو مجرد هو عمل مغتصب يمكن أن يقارن بعمل إنسان تمرن على الرمي بحبات من العدس من خلال ثقب صغير دون أن يخفق في ذلك أبداً. وقد أعطاه لإسكندر الأكبر، الذي قام ذلك الرجل بعمل ذلك أمامه، قدحاً من العدس، ثمناً لهذه المهارة التي لا فائدة منها ولا معنى لها . «ولما كان مبدأ المحاكاة مبدءاً شكلياً خالصاً، فإننا متى ما اتخذناه غاية للفن فإن الجمال الموضوعي يختفي في الحال، لأننا في هذه الحالة لا نسعى لنشدان ما نريد محاكاته، وإنما نسعى فقط إلى محاكاته بدقة ويصبح موضوع ومضمون الجمال أمراً على سواء . لكن إذا تحدثنا عن الجميل والقبيح فيما يتعلق بالحيوانات، والناس، والبلاد، والأفعال، والأخلاق فإننا ندخل معياراً لا ينتسب حقاً إلى الفن، لأننا لم ندع له أية وظيفة أخرى غير المحاكاة المجردة. وإذا ما أعوز المعيار الذي يمكن من اختيار الموضوعات وتقسيمها إلى جميلة وقبيحة، فإننا نلجأ إلى الذوق الذاتي، الذي لا يستطيع أن يقرر أية قاعدة ولا يمكن المشاقة فيه والحق أننا إذا اعتمدنا، في اختيارنا للموضوعات التي ينبغي عرضها، على ما يعده الناس جميلاً أو قبيحاً وبالتالي جديراً بأن يعنى به الفن، فإن جميع دوائر الموضوعات الطبيعية تكون متاحة دون ان يبقى واحدة منها بدون من يعجب بها، فمثلاً بين بني الإنسان نجد أنه إن لم يكن كل زوج يعجب بزوجته فعلى الأقل كل عريس يعجب بعروسه - وأحياناً مع استبعاد كل فتاة أخرى؛ ولا يوجد قاعدة ثابتة عند الذوق الذاتي لهذا الجمال، وبهذا يفوز كل طرف بالسعادة فإن انتقلنا إلى خارج الأفراد وأذواقهم الخاصة إلى ذوق الأمم، لوجدنا أن هذا أيضاً في غاية الاختلاف والتعارض. و كم سمعنا أن جميلة أوروبية لم تعجب رجلا صينياً أو من قبيلة الهونتوت، وذلك لأن تصور الرجل الصيني للجمال يختلف عن تصور الزنجي، وتصور هذا الجمال يختلف عن تصور الرجل الأوروبي، (علم) الجمال

الخ. . ونحن إذا تأملنا الأعمال الفنية للشعوب غير الأوروبية فإننا نجد أن تصويراتهم للآلهة، مثلا، وهي قد انبثقت من خيالهم على أنها في غاية السمو , نقول أننا مع ذلك نجدها في غاية البشاعة، كما نشعر بأن موسيقاهم ترن في آذاننا كأسوأ سشاز، بينما هم من جانبهم يشعرون أن تماثيلنا المنحوتة وتصاويرنا وموسيقانا هي خالية من المعنى أو قبيحة. فلنفرض أن الفن ليس له مبدأ موضوعي، وأن الجمال يبقى خاضعاً للذوق الذاتي والخاص، فإننا سنرى مع ذلك أنه، حتى من وجهة نظر الفن نفسه، فإن محاكاة الطبيعة، التي بدت أنها مبدأ كلي في نظر بعض العقول الكبيرة - هي أمر غير مقبول، على الأقل في شكلها العام المجرد كل التجريد. ولنستعرض مختلف الفنون : إذا كان التصوير والنحت يحاكيان موضوعات تبدو مشابهة لموضوعات طبيعية أو نمطها مستعار في جوهرة من الطبيعة، فإن من المسلم به، في مقابل ذلك، أنه لا يمكن أن نقول عن المعمار، الذي يكون مع ذلك جزءاً من الفنون الجميلة، ولا ابداعات الشعر بالقدر الذي لا تكون به مجرد أوصاف، تحاكي أي شيء في الطبيعة. وإلا فإننا سنضطر، في الحالة الأخيرة [الشعر] إذا أردنا أن نطبق هذا المبدأ، إلى تحايلات كبيرة وإلى إخضاع إلى كثير من الشروط، وإلى إرجاع ما اعتدنا أن نسميه : حقيقة إلى مجرد الاحتمال لكن مع الاحتمال ندخل من جديد في صعوبة كبيرة إذ كيف نحدد ما هو محتمل وما هو ليس بمحتمل؟ دون أن نحسب أننا لا نريد ولا نستطيع أن نستبعد نهائياً من الشعر كل ما يتضمنه من تخيلات خرافية كلها من نسج لخيال المحض والهوى. «ولهذا كله ينبغي على الفن أن يتخذ له مهمة أخرى غير المحاكاة الشكلية للطبيعة. وفي جميع الأحوال، فإن المحاكاة لا يمكن أن تنتج إلا روائع صناعية آلية، لا روائع من الفن» (ح١ ص ٩٠ , ٩٥ طبعة إثار0 دص ومن ثم ينبغي أن نتساءل: ما هي مهمة الفن؟ وفي هذا الصدد يخطر بالبال الرأي المعتاد الذي يقول إن مهمة الفن والغاية منه أن يخضر للعقل وللشعور وللانفعال كل ما يحدث في روح الإنسان. إن على الفن أن يحقق فينا معنى العبارة المشهورة التي تقول : «أعتقد أنه لا شيء إنسانياً غرب عني(')». وعلى هذا فإن الغاية من الفن هي إيقاظ كل المشاعر والوجدانات منكل نوع وإشاعة الحياة فيها، وملء القلب، وأن يجعل ا لأحساس، المنظور وغير المنظور، سيشعر كل ما يعج به صدر في أعماقه وفي إمكانياته وجوانبه، وكذلك سمو ما هو نبيل وخاد وحق ابتغاء لاستمتاع به. وكذلك على الفن أن يجعلنا ندرك البؤس والشقاء، والشر والسوء، وكل ما هو مروع ومخيف. إن على الفن أن يتناول كل هذه الثروة المتعددة النواحي، ابتغاء إكمال تجربتنا الطبيعية في حياتنا الخارجية، وبالجملة كل تلك الوجدانات من أجل إيقاظ شعورنا. وهذه الإثارة للمشاعر في الإنسان لاتتم في التجربة الواقعية، بل عن طريق الوهم، من حيث أن الفن يحل محل الواقع انتاجاً خادعاً وإمكان هذا الخداع عن طريق الوهم الذي يحدثه الفن إنما يقوم على أساس أن كل واقع عند الإنسان لا بد، أن يمر بوسط العيان والامتثال، ومن خلال هذا الوسط يفيد في الشعور والإرادة وهنا يستوي أن يأخذه الواقع المباشر الخارجي، أو أن يتم ذلك بطريق آخر، أعني عن طريق الصور، والعلامات، والإدراكات التي يحتويها الواقع ويعبر عنها. إن في وسع الإنسان أن يمثل أشياء، ليست واقعية، كما لو كانت واقعية. ويستوي حينثذ عند الشعور أن يكون الموضوع موجوداً في الواقع أو غير موجود، ما دام يثير فينا مشاعر الغضب، أو الكراهية، أو التعاطف، أو القلق، أو الخوف، أو الحب، أو الانتبام أو الإعجاب، أو الشرف. وهذه الإثارة للمشاعر عن طريق حضور خارجي خادع هو القوة الحقيقية الممتازة التي للفن. لكن ما يفعله الفن على هذا النحو من خير أو شر في المشاعر وفي التصور، فإن مهمته هذه مهمة شكلية. ( ١) هذه العبارة قالها الشاعر المسرحي اللاتيني ترانس Terence (١٩٠-٥٩ ١ق. م) في مسرحيته ؟ «جلاد نفسه»، الفصل الخام، البيت

(علم) الجمال الغرض الجوهري الأسمى لكن الفن بتناوله لكل هذه الموضوعات والأفعال يجعل هذه في تعارض وتداخل وتناقض، ويزيل بعضها بعضاً. نعم إن الفن من هذه الناحية يفضي إلى تضخيم تناقض المشاعر والوجدانات، كما أنه يواصل سفسطة السوفسطائيين وشكوك الشكاك. وهذا يدعونا إلى السعي إلى هدف أسمى وأكثر عموماً٠ فكما أننا نجعل من أهداف حيام الناس في مجتمع ومن الدولة أن توخد كل القوى الإنسانية وكل العقول الفردية في كل جانب وفي كل أتجاه، فإن هناك سؤلاحول: ما هي الوحدة المنشودة، وما هو الهدف الذي ينبغي السعي إليه من هذا التوحيد؛ وبالمثل ينبغي أن يكون الأمر بالنسبة إلى الفن، أعني أن علينا أن تحدد الهدف التوحيدي في الفن، الهدف الجوهري يبدو لأول وهلة في التفكير أن هذا الهدف هو أن مهمة الفن هي كبح وحشية الشهوات. وهنا ينبغي أن نبحث؟ كيف يمكن إزالة التوحش، وكبح الغرائز والميول والوجدانات، وتربيتها؟ إن التوحش يجد أصله في الشهوة المباشرة الأنانية فى الغرائز، التي لا تسعى إلا إلى إشباع شهوتها ٠ والشهوة تكون أشد توحشاً واستبداداً كلما استولت وحدها على جماع الإنسان بحيث لا يمكن أن ينفصل عنه وفي هذه الحالة يقول الإنسان: «إن الوجدان أقوى مني أنا» إن الوجدان يستولي حينئذ على الذات بحيث لا تكون للإنسان إرادة خارج هذا الوجدان , والفن يخفف من قوة الوجدان هذه، لأن الإنسان حينئذ يتأمل في غرائزه وميوله، وبينما هي تمزقه فإنه يراها حينئذ خارج ذاته، وما دامت قد صارت بمثابة موضوعات، تجاهه، فإنه يشعر نحوها بالحرية ثم إن الفن، من ناحية أخرى، يمتع الإنسان beleben ، وفي هذا يقول هوراس: «أن الشعراء يريدون الأفاده والإقناع» وهذا الفرص من الفن إنما يتحقق بأن ينفد المضمون الروحي الجوهري في الوعي عن طريق الأثر الفني «ومن هذه الناحية يمكن القول بأن الفن كلما سما، كان يحتوي على مضمون أكبر وكان هذا معيار قيمتم، سواء كان المعبر عنه مطابقاً أو غير مطابق . وفي الواقع أن الفن هو أول معلم للشعوب» (ج١ ص ٢ * ١ ، طبعة Reell). الاستنباط التاريخي للمفهوم الحقيقي للفن ولتحديد مفهوم الفن من حيث ضرورته الباطنة، يقوم هيجل باستعراض تاريخي لنظرية الفن عند كنت Kant، وشلر Schiller، وننكدن Winkelmann وشلنج : Schelling أ) فأما كنت فقد تناول موضوع الجمال في كتابه: «نقد ملكة الحكم» إذ تناول بالبحث ملكة الحكم في الجمال وفي اللاهوت. لكنه تناول الموضوعات الجميلة في الطبيعة والفن، ونواتج الطبيعة المطابقة للأغراض من ناحية مفهوم ما هو عضوي وحسي، ونظر إليه فقط من ناحية التأمل الذي يحكم حكماً ذاتياً. ذلك أن كنت يعرف ملكة الحكم بوجه عام بأنها «القدرة على إدراك الخاص من حيث هو مندرج تحت العام"، وينعت ملكة الحكم بأنها تتأمل «فقط حين يكون الخاص مغطى، وعليها أن تعثر على العام حينثذ". ومن أجل هذا تحتاج إلى قانون، إلى مبدأ، تعطيه هي لنفسها بنفسها، وهذا القانون هو في نظر كنت "المطابقة للغرض" Zweckmäs sigkeit. وكنت يتصور الحكم الجمالي (الحكم على ما هو جميل) بأنه لا يعبر عن العقل بما هو عقل، ولا على أنه يعبر عن العيان الحسي وما فيه من تعدد واختلاف. وتبعاً لمذهبه هذا فإنه يحدد موضوع الجمال على النحو التالي: ١ - فهو يميز أولاً بين موضوع الشهوة، وموضوع الجمال فالأول هو الناتج عن الحاجة الحسية، الحاجة إلى الامتلاك أو إلى الاستعمال، فلا يكون للشيء قيمة إلا من حيث هو يشبع هذه الشهوة الحسية. أما موضوع الجمال فيظل بعيداً عن متناول الملك أو الاستعمال، ويبقى قائماً على حياله، والغرض منه يبقى في داخله، ويرى هيجل أن هذا مهم. ٢ - وكنت يقول إن الجميل يجب أن يكون أمراً لا مفهوم له، أي لا يخضع لأية مقولة من مقولات العقل، بل هو موضوع امتاع عام. ولتقدير ما هو جميل لا بد (علم) الجمال

من روح مثقفة . والإنسان بما هو إنسان يغدو وبروح ليس له حكم على الجميل، لأن هذا الحكم يقتضي الصدق الكلي أما الجميل، فعلى العكس، يجب أن يعتبر امتاعاً كلياً . ٣ - وثالثاً ينبغي ألا يكون للجميل غرض مطابق لحاجة أو منفعة . ٤ ٠ ورابعاً يجب أن يعترف بأن ما هو جميل هو بالضرورة ممتع. ب) أما شلر فيقول عنه هيجل إن علينا أن نقر بأنه كان ذا فضل عظيم في اختراق ما اتسم به تفكير كنت من ذاتية وتجريد، وبأنه تجاسر على محاولة إدراك الوحدة والمصالحة على أنها هي الأمر الحق، وتجاسر على تحقيق ذلك بالفن. يقول هيجل، «إنه رجل مزود في وقت معاً بإحساس فني كبير وبروح فلسفية عميقة وهو الذي كان أول من نهض من هذا القبول للانهائية المجردة للفكر، وللواجب من أجل الواجب(')، وللذهن العديم الشكل (الذي يرى في الطبيعة والواقع، وفي حياة الحواس والعواطف حاجزاً تجب إزالته) وطالب بالشمول والمصالحة، قبل أن تقر الفلسفة بضرورتها. لقد كان لشلر الفضل العظيم في التغلب على الذاتية والتجريد الكائنين في تفكير كنت، وفي محاولة أن يتصور بالفكر وأن يحقق بالفن الوحدة والمصالحة Versöhnung بوصفها التعبير الوحيد عن الحقيقة، وشلر، في تأملاته الجمالية، لم يقتصر على الفن ومضمونه دون أن يهتم بعلاقاته مع الفلسفة بالمعنى الدقيق لكنه، بعد أن برر اهتمامه بالفن عن طريق مبادىء فلسفية، وصل إلى نتائج مكنته من الذهاب حتى عمق الطبيعة ومفهوم ما هو جميل بل يلوح أنه، خلال فترة معينة من نشاطه، هتم بعلاقاته مع الفكر، على نحو أكثر مما يقتضيه الجمال الساجي للأثر الفني. وفي أكثر من قصيدة من قصائده نجد تأملات مجردة غير متصنعه، بل ونجد اهتماماً بالمفهومات الفلسفية ولقد أخذ عليه ذلك، خصوصاً من أجل إبراز نزاهة وموضوعية جيته Goethe الذي لم يحفل (١) راجع في كتابنا «الأخلاقعندكنت، ما قاله شلر ساخراً من فكر: الواجب عند كنت, بأي مفهوم (فلسفي) لكن من هذه الناحية فإن شلر، من حيث هو شاعر، لم يفعل إلا أنه دفع جزيته لعصره، وغلطته إن كانت هناك غلطة. تشرف هذه الروح العميقة السامية، وهي في صالح العلم والمعرفة. ومن ناحية أخرى يلاحظ أن هذا التيار العلمي نفسه كان قد صرف جيته عن ميدانه الخاص، أي عن الشعر. لكن بينما غاص شلر في استكشاف الأغوار الباطنة للروح، فإن ميول جيته حملته نحو دراسة الجانب الطبيعي للفن، نحو الطبيعة الخارجية، نحو الكائنات العضوية النباتية والحيوانية، والبلورات، وتكوين الشحب، والألوان. وجيته قد وجه إلى هذه الدراسة العلمية عقله الكبير الذي بذل غاية وسعه في هذه الميادين إلى نبذ النشاط الخالص للذهن مع ما ينجر إليه من أخطاء، بنفس المقدار الذي به اهتم شلر بإعلان شمول الحرية الحر، في مقابل الكيفية التي بها الذهن تصور الإرادة والفكر، إن سلسلة من أعمال شلر قد استلهمت هذا المفهوم لطبيعة الفن، ومن بين هذه الأعمال يبرز في المقدمة كتابه «رسائل في التربية الجمالية» . وفيها يبدأ شلر من وجهة النظر التي تقول إنه يوجد في كل إنسان فرد جرثومة الإنسان المثالي. إن هذا الإنسان الحق إنما يتصور وجوده في الدولة التي تكون الشكل الموضوعي، العام، القانوني إن صح هذ التعبير هنا، الذي يجمع ويوجد معاً الذوات الفردية، على الرغم من الفوارق العديدة التي يفصل بينهم وأن الوحدة بين الإنسان في الزمان بين الإنسان في الفكرة يمكن أن تتحقق على نحوين : من ناحية، الدولة بوصفها تصوراً عاماً لما هو أخلاقي، وفقاً للقانون (أو: للحق) وللعقل، يمكنها أن تلغي كل تجسداتهم الفردانية؛ ومن ناحية أخرى، يمكن الفرد أن يسمو إلى ما هو عام، ويمكن الإنسان في الزمان أن يقتني صفات النبالة : بأن يصير إنسان الفكرة. و العقل يقتضي ا لوحدم بما هي رحدة، أعني ما هو كلي شامل للجنس، بينما الطبيعة تريد التنوع والفردانية، وكل واحد من هذين الاتجاهين يسعى إلى جذب الإنسان إلى ناحيته. وأمام النزاع القائم بين هاتين القوتين، فإن التربية الجمالية تقوم بفرض وساطتها، لأن غرضها، في رأي شلر هو أن تعطى للميول والعواطف والدوافع تكويناً يجعلها تشارك في العقل، بحيث يتجرد العقل والروحانية

(علم) الجمال من طابعها المجرد ابتغاء الاتحاد بالطبيعة بما هي كذلك، للإثراء من لحمها ودمها. وهكذا ينظر إلى الجمال على أنه ناتج عن انصهار المعقول في المحسوس، لأن هذا الانصهار - في رأي شلر هو الواقع الحق. وبوجه عام، نحن نجد هذه الفكرة في «اللطف والمهابة»، حيث يمدح خصوصاً النساء اللواتي يجد في خلقهن ذلك لاتحاد العميق بين الطبيعي والروحي، وكذلك نجد هذه الفكرة في قصائده. «وهذا الإتحاد العميق بين العام والجزئي، بين الحرية والضرورة، بين الروحي والطبيعي، والذي فيه رأى شلر مبدأ الفن وماهيته، وسعى دائماً لتحقيقه بواسطة الفن والتنشئة الجمالية قد صار بعد ذلك، من حيث هو فكرة، مبدأ المعرفة والوجود، إذ أعلنت الفكرة أنها هي الحق والواقع إلى أعلى درجة. وكان من نتيجة هذا التطور محاولة شلنج Schelling اتخاذ وجهة النظر المطلقة في العلم؛ وإذا كان الفن قد بدأ يؤكد طبيعته وقيمته الخاصتين بالنسبة إلى المصالح العليا للإنسان، فقد صرنا الآن نملك مفهوم الفن، وصرنا نعرف مكانته في العلم وتحديده السامي الحقيقي. ولن نتلبث هاهنا عند بعض الأخطاء التي اعتورت وجهات النظر في هذا الموضوع. وكان فنكلمن Winkelmann من قبل قد استشعر، وهو يتأمل الأعمال الفنية التي خلفها العصر القديم (اليوناني والروماني) - حماسة مكنته من أن يدرج في دراسة الأعمال الفنية معنى جديداً، وذلك بإبعادها عن الأحكام القائمة على الغائية الوضيعة وعلى المهارة في المحاكاة، ودعاه ذلك إلى ألا ينشد في الأعمال الفنية وفي تاريخ الفن - إلا فكرة الفن ٠ وينبغي أن نعذ فنكلمن واحداً من أولئك الذين استطاعوا أن يضعوا تحت مضمون الروح (أو: العقل) في ميدان الفن، عضواً جديداً ومنهجاً جديداً للبحث. لكن تأثيره كان بدرجة أقل فيما يتعلق بنظرية الفن والمعرفة العلمية» (ح١ ص١١٥ -١١٨ نشرة Reclam) . السخرية والنزعة الرومنتيكية ويتابع هيجل استعراضه التاريخي لآراء الباحثين في علم الجمال من فلاسفة وشعراء ونقاد، فيتناول آراء الأخوين أوجست فلهلم فون اشليجل وفريدرش فون اشليجل. فيلاحظ أولا قلة بضاعتهما من الفلسفة، ويؤكد أنهما إنما برعا في النقد الأدبي والفني، وأنهما انساقا في جدل بارع ضد وجهات النظر السائدة، وأدخلا في كثير من فروع الفن معياراً جديداً للحكم ووجهات نظر أسمى من تلك التي هاجماها. لكن نقدهما كان يعوزه السند الفلسفي العميق، ولذا كان معيارهما غامضاً ومتردداً، حتى إن أحكامهما اتسمت أحياناً بالنقص، وأحياناً أخرى بالإفراط . وعلى الرغم من أن لهما فضلاً عظيماً في بعث ودراسة أعمال فنية قديمة إزدراها عصرهما وعاملها باحتقار، مثل التصوير الإيطالي والهولندي القديم، وملحمة «نيلنجن Nibelungen، الخ أوجهلها أهل عصرهما مثل الشعر الهندي والأساطير — فإنهما، في رأي هيجل - قد أخطآ حين نسباً إلى هذه الأعمال قيمة مبالغاً فيها، وذلك حين أعجبا بأعمال تافهة مثل كوميديات هوليبرج Holberg ، وكذلك حين نسبا قيمة عامة إلى ما ليس له إلا قيمة نسبية، أو حين تحمسا لاتجاهات زائفة أو وجهات نظر ثانوية تماماً، ومع ذلك نعتاها بأنها أسمى تجليات الفن. «وهذا التيار، وخصوصاً أفكار ومذاهب فريدرش فون اشليجل، هو الذي ولد «السخرية» Ironie بأشكالها المتعددة, وقد وجدت السخرية في أحد جوانبها، تبريراً أعمق في فلسفة فشته Fichte، بالقدر الذي به طبقت مبادى ء هذه الفلسفة على الفن. إن اشليجل وشلنج قد اتخذ كلاهما نقطة ابتدائية من فشته: شلنج من أجل تجاوزها، واشليجل من أجل تتمتها بطريقته الخاصة ثم التخلص منها فيما بعد. وفيما يتعلق بالروابط الأوثق بين أقوال فشته وأحد تيارات السخرية، حسبنا أن نذكر أن فشته رأي في الأنا Das Ich، «الأنا» المجرد الشكلي، المبدأ المطلق لكل معرفة، ولكل عقل، ولكل علم وهكذا طور «الأنا» على أنه بسيط في ذاته؛ وهذا يتضمن، من ناحية، إنكار كل خصوصية، وكل تحدد، وكل مضمون. (لأن كل الأشياء ستغوص في هذه الحرية وهذه الوحدة المجردتين)؛ ومن ناحية أخرى، كل مضمون لا قيمة له يالنسبة إلى «الأنا» إلا بالقدر الذي به (١) لودثج فون (١٦٨٤ - ١٧٥٤): شاعر دانمركي، له مسرحيات هزلية لا تزالتمثلحتى اليوم. ١٢١ (علم) الجمال يوضع ويقوم بالأنا. كل شيء لا يوجد إلا بالأنا، وكل ما هو موجود بالأنا يمكن أيضاً أن يقدم بواسطة الأنا . «وطالما تمسك المرء بهذه الأشكال الخاوية تماماً، والتي تجد أصلها في مطلق «الأنا» المجرد، فلا يبدو أن لأي شيء قيمة ذاتية، بل قيمته هي فقط تلك التي تطبعها فيه ذاتية «الأنا» لكن لو كان الأمر كذلك، فإن «الأنا» يصبح هو السيد والسلطان المتحكم في كل شيء، ولا يوجد شيء، لا في الأخلاق، ولا في القانون، ولا فيما هو إنساني أو إلهي، ولا فيما هو دنيوي أو مقدس - إلا ويجب أن يضعه «الأنام ولا يمكن أن يزول إلا بواسطة «الأنا». ولهذا فإن كل ما يوجد في ذاته ولذاته ليس إلا مظهراً؛ والأشياء بدا من أن تحمل حقيقتها وواقعيتها في داخل ذاتها، فإنها لا تملك إلا المظهر الذي تتلقاه من «الأنا»، وقد أسلمت إلى قوته وهواه والإثبات والسبب يتوقفان تماماً على هوى الأنا بوصفه «أنا» مطلقاً. «وفضلا عن ذلك فإن الأنا فرد حسي، فعال، وحياته تقوم في تكوين فردايته من أجل نفسه ومن أجل الآخرين، والتعبير عنها وتوكيدها. وكل إنسان، طالما كان حياً، يعمل على تحقيق ذاته وهو يحقق ذاته وهذ المبدأ، إذا ما طيق على الفن، معناه أن الفنان يجب أن يعيش فناناً، وأن يهب حياته شكلاً فنياً لكني، بحسب هذا المبدأ، أعيش فناناً إذا كانت كل أعمالي، وكل تعبيراتي، من حيث هي تتعلق بمضمون ما، ليست بالنسبة إلي إلا مظاهر، ولا تتلقى إلا الشكل الذي يفرضه عليها قوتي أنا ٠ وينتج عن هذا أنني لا أستطيع أن آخن ماخذ الجد هذا المضمون، ولا التعبير عنه وتحقيقه، لأننا لا نأخذ مأخذ الجد معا إلا ما له أهمية جوهرية، وما هو ذو معنى، مثل الحقيقة، الأخلاق، الخ، أي مضموناً له عندي، بما هو كذلك، قيمة جوهرية، بحيث أصبح جوهرياً أنا أيضاً، بالقدر الذي به أغوص في هذا المضمون، وأجعل نفسي في حيوية معه بكل علمي وكل نشاطي فإذا اتخذ الفنان وجهة النظر هذه عن «الأنا» الذي يضع كل شيء ويقضي على كل شيء، وبالنسبة إليه لا مضمون هو مطلق أو يوجد لذاته - قلن يبدو في نظره شيء ذا قيمة جادة، لأن شكلية «الأنا» هي الأمر الوحيد الذي يعزو إليه قيمة أجل، للآخرين أن يأخذوا مأخذ الجد الشكل الذي أظهر عليه أمامهم، إن رأوا أنني أحفل بمن أنا أو بما أفعل . لكن كم هم مخدوعون هؤلاء الأشخاص الموهوبون، الذين عدموا العضو والملكة الضروريبية لفهم وجهة نظري والسمو إلى مستواها! وهذا يدل على أنه ليس كل الناس أحراراً بدرجة كافية (حرية شكلية، طبعا) من أجل أن يروا أن كل عمل لا يزال له قيمة ومكانة. وطابع مقدس عند الإنسان - ليس إلا ناتجاً لقدرتي ولإرادتي الحرة، وهما دليلاي الوحيدان، في كل مرة أؤكد فيها ذاتي، وأعبر عن نفسي، وأقرر أمراً بيد أن هذه البراعة التي في الحياة الساخرة فنياً قد سميت اسم «العبقرية الإلهية" التي بالنسبة إليها كل شيء والجميع ليسوا إلا أشياء خالية من الجوهر، ولا يتعلق بها الحر المبدع المتخلص من كل شيء، لأنه يستطيع أن يهلكها وأن يبدعها . ومن يميز وجهة نظر هذه العبقرية الإلهية ينظر إلى الناس من عل، ويجدهم محدودين، تافهين، لأنهم لا يزالون متمسكين بالقانون، وبالأخلاق، الخ، ويرون في هذه الترهات أموراً جوهرية وهكذا فإن الشخص الذي يعيش عيشة الفنان هذه يستطيع أن يعقد صلات مع الآخرين، وأن يكون له أصدقاء، وعشيقات، الخ ٠ لكنه، من حيث هو عبقرية، يرى أنه بسبب الواقع الذي ينسبه إلى نفسه وبسبب نشاطه الخاص، وبالنسبة إلى ما هو عام بوصفه عاماً - فإن كل تلك العلاقات لا تحسب شيناً، ويعاملها من علو سخريته «ذلك هو المعنى العام للسخرية العبقرية الإلهية : إنها تركيز «الأنا» في «الأنا» وانقطاع كل الروابط، ولكنه لا يستطيع أن يعيش إلا في الأستمتاع بذاته . وفريدرش فون اشليجل هو الذي اخترع هذه السخرية، ومن بعدم انصرف الكثيرون إلى الثرثرة في هذا الشأن، أو استأنفوا الثرثرة حولها في أيامنا هذه» (ط ١ ص١١٨ - ١٢١ طبعة ومحصل هذا النص هو أن هيجل يرى أن السخرية التي ابتدعها فريدرش فون اشليجل إنما كانت نتيجة لمذهب فشته في «الأنا» بوصفه كل شيء، ومنه يستمد كل شيء حقيقتة. وما دام «الأنا» كذلك فإنه إذا استبد بإنسان جعله يتصور نفسه فوق سائر الناس. والفنانون هم من هذا النوع: إن «الأنا» قد استولى على نفوسهم، فحسبوا أنهم فوق جميع الناس لأن عبقريتهم إلاهية، بدعوى أنهم يستمدون أعمالهم الفنية من الوحي، ١٢٢ (علم) الجمال والوحى أمر إلاهى. ولهذا ينظرون إلى الآحرين من عل؛ وحتى لو عقدوا صلات مع الآخرين، فإنها صلات تتسم بالتعالي والترفع. والسخرية هي التعبير عن هذا التعالي، لأن الساخر يعتقد في نفسه أنه أسمى ممن يسخر منه ، وإلا لم يحق له أن يسخر منه . ثم يتناول هيجل صورة أخرى للسخرية أو النزعة السلبية للسخرية , وتقوم هذه الصورة السلبية في توكيد بطلان (أو: عبث) ، ما هو عيني، وما هو أخلاقي، وكل ما هو غني المحتوى، وتؤكد عدمية كل ما هو موضوعي ويملك قيمة باطنة «وإذا اعتنق» الأنا وجهة النظر هذه، بدا له كل شيء تافهاً وعبثاف، باستثناء ذاته هو التي تصير بذلك خاوية وعبثاً. ومن ناحية أخرى، فإن «الأنا» يمكنه ألا يشعر بالرضا عن هذا الاستمتاع بالذات، ويجد نفسه ناقصاً ويشعر بالحاجة إلى شيء ثابت وجوهري، وإلى منافع محدودة وجوهرية. وينتج من هذا موقف بائس ومتناقض، إذ يطمح الشخص إلى الحقيقة وإلى الموضوعية؛ لكنه يجد نفسه عاجزاً عن التخلص من عزلته ومن خلوته، ومن هذه الباطن المجرد غير الراضي هنالك يسقط الذات في نوع من الحزن الشاكي الذي تجد أعراضه في فلسفه فشته . إن عدم الرضا الناجم عن هذا السكون وذلك العجز اللذين يضعان الذات من العمل ومن المساس بأي شيء كائناً كان، بينما حنينه إلى الواقع والمطلق يشعره بفراغه وعدم واقعيتة، وهما طهارة، يولد حالة مرضية، هي حالة «الروح الجميلة» التي تموت من الملال إن الروح الجميلة حقاً تعمل وتعيش في الواقع ٠ لكن الملال ينشأ عن شعور الذات بعد فنيها، وخوائها وبطلانها، وكذلك يعجزها عن التخلص من هذا البطلان وعن إطاء نفسها مضموناً جوهرياً. لكن السخرية حين صارت شكلاً من أشكال الفن، لم تقتصر على أن تطبع بطابع فني الحياة والفردية التي للشخص الساخر، بل كان على الفنان أيضاً، بالإضافة إلى أعمال الفن التي كانت أعماله هو الخاصة، الخ أن يبدع أعمالا فنية خارجية، وذلك بواسطة مجهود من الخيال. ومبدأ هذا الانتاج الذي نجد أهم أمثلته في الشعر، هو تمثيل ما هو إلاهي على أنه ساخر لكن الساخر، الذي هو خاصية الشخص العبقري، يقوم في التحطيم الذاتي لكل ما هو نبيل، وعظيم، وكامل، بحيث أته، حتى في الإنتاجات الموضوعية يرتد الفن الساخر إلى تمثيل الذاتية المطلقة، لأنكل ما له قيمة ومهابة عند الإنسان يتجلى أنه غير موجود نتيجة تحطيمه الذاتي " وهذا هو السبب الذي من أجله لا يؤخذ مأخذ الجد ليس فقط العدالة، والأخلاق، والحقيقة، بل وأيضاً السامي والأحسن، لأنها بتجليها عند الأفراد في أخلاقهم وأفعالهم، تكذب نفسها بنفسها وتدمر نفسها بنفسها، وبعبارة أخرى فإنها لا تكون إلآ سخرية من ذاتها «وانظر إليه من الناحية المجردة، فإن هذا الشكل من السخرية، يصبح قريباً من الهزلي، بيد أنه يبقى بين الساخر والهزلي فروق جوهرية . ذلك أن الهزلي يقتصر على تدمير ما هو خال من القيمة في ذاته : ظاهرة زائفة ومتناقضة، تزده، لوثة، هوى خاص يقوم ضد وجدان قوي، مبدأ أو قاعدة لا يبررها شيء ولا تقاوم النقد لكن الأمر يختلف تماماً إذا نبذ المرء وأنكر كل القيم الغيبية، وكل مضمون جوهري موجود عند الفرد، وأكثر من هذا حين يكون هذا النبذ وهذا الإنكار هما من عمل الفرد نفسه، الحامل لهذه القيم ولهذا المضمون . ويمكن أن يقال عن فرد هذا شاذ إنه ذو خلق حقير، وإن إنكاراته تدل فقط على ضعفه وسفالتة الأخلاقية . «وهكذا فإن الفوارق بين الساخر وبين الهزلي تتعلق جوهرياً بمضمون ما تحطمه لكن الذين يلذ لهم أن يقوموا بهذه التحطيمات هم أشخاص أردياء وعاجزون، وغير قادرين على أن يضعوا لأنفسهم أهدافاً ثابتة ومهمة، فإذا أفلحوا في تحديد هدف لأنفسهم فإنهم سرعان ما يتخلون عنه ويدمرونه. إن هذه السخرية سخرية تقوم على الافتقار إلى الخلق وهي على ذلك ما يفضله أنصار السخرية ٠ ذلك أن ما يميز المرء ذا الخلق القوي هو أنه يقدر على أن يحدد لنفسه أهدافاً ويتمسك بها، إلى درجة أنه يعتقد أنه فقد شخصيته إذا اضطر إلى التخلي عن هذه الأهداف وهذه المثابرة على الهدف وجوهرية الهدف هما الأساس فيما يسمى الخلق القويم. إن كاتوا( ) Cato لم يستطع أن يحيا إلا بوصفه رومانياً وجمهورياً لكن متى ( ١) كاتو الذي من أوتيكاما (٩٣ق. م - ٤٦ ق. م): سياسي روماني دافع عن الجمهورية وكان رواقيا ومنهزيمةجيمس بوسبي في سنة ٤٦ ق. م، رفض العيش وانتحر (علم) الجمال ١٢٣ ما جعلنا من السخرية قاعدة التصوير الفني، فإننا نضع من اللافني المبدأ الكبير لإيداع الأعمال الفنية وا تستطيع أن نحقق إلا إشكالاًإن لم تكن سطحية فإنها فارغة تماماً من المضمون، لأن الجوهري استبعد منها بوصفه خالياً من القيمة , يضاف إلى ذلك أحياناً الرخاوة والتناقض اللذين أشرنا إليهما من قبل . ومثل هذه التصويرات (: الامتثالات) ليس من شأنها أن تثير أي اهتمام. ومن هنا جاءت الشكاوى المستمدة من الساخرين ضد الجمهور الذي يتهمونه بالافتقار إلى الفهم وإلى لأفكار عن الفن والعبقرية، وهذا يثبت أن الجمهور لا يستشعر أية لذة في تأمل هذه الإنتاجات الرديئة م إذ بعضها لا معنى له، والبعض الآخر يفتقر إلى الخلق القويم. ومن الخير أن الأمر على هذا النحو، وأن هذه الخيانات وألوان النفاق لا تفلح في جلب المتعة، وأن الناس لا يهتمون إلا بالأشياء الحية والحقة، والأخلاق المليئة بالعصارة، «وعلى سبيل الملاحظة التاريخية، ينبغي أن نضيف أن سولجر(') Solger ولودفج تيك(٢) Ludvig Tieck هما اللذان جعلا من السخرية المبدأ الأعلى للفن. لكن ليس هاهنا مجال التحدث عن سولجر كما يستحق. لذا سأقتصر على إشارات موجزة إن سولجر، بدلاً من أن يقتصر، شأنه شأن الآخرين، على ثقافة فلسفية سطحية، شعر بحاجة تأملية عميقة دفعته إلى متابعة تأملاته في الفكرة الفلسفية بعمق. وهكذا وصل إلى اللحظة (= العنصر) الديالكتيكية للفكرة التي أسميها باسم؟ «السلبية المطلقة اللانهائية»، إلى مجهودات الفكرة في أن تنكر نفسها، من حيث هي عامة ولا نهائية، لتؤكد ذاتها كمتناهية وجزئية، ثم بعد ذلك لنفي هذا النفي نفسه وإعادة توكيد ذاتها في النهاية بوصفها الكلي واللامتناهي في حضرته الجزئي والمتناهي. وقد ألح سولجر كثيراً على هذا السلب الذي يكون، حقاً، لحظة (= عنصر) الفكرة التأملية، لكنه لما كان قد نظر إليه على أنه تعبير عن عدم الثبات الديالكتيكي والإلغاء الديالكتيكي (١) كارل فلهلم فردينند سولجر (١٧٨٠-١٨١٩) كان أستاذاً في جامعة برلين. ولم من الكتب «أرفين: أربعة أحاديث عن الجميل» (١٨١٥)؛ "محاضرات في علم الجمال» . (٢) لدفجتيك(١٧٧٣ -١٨٥٣)شاعر وناقد؛ وله من لكتب »أرراق مسرحية» في جزئين (١٨٢٥ - ١٨٢٦)؛ وطبع طبعة ثانية في ٣ اجزاء، سنة ١٨٥٢ للامتناهي وللتناهي، فإنه ليس إلا لحظة (= عنصرا)، وليس كل الفكرة (أوم الصورة) كما أعتقد سولجر. بيد أن الموت المبكر قد حال - مع الأسف , دون أن يصل سولجر إلى المعالجة الكاملة للفكرة الفلسفية، ودون الذهاب إلى ما بعد جانب السلب، الذي بتدميره لما هو محدد وجوهري في ذاته. اقترب من التصور الساخر الذي أعتقد أنه وجد فيه المبدأ الحقيقي للنشاط الفني. لكنه في حياته الفعلية أبدى عن ثبات ورسوخ وجد وامتياز خلق لا تسمح بوضعه دون تحفظ بين الفنانين الساخرين الذين وصفناهم من قبل. إن فهمه العميق للأعمال الفنية الحقيقية التي خصها بدراساته الطويلة التي بلغت أعلى درجة - لم يكن فيه أي عنصر ساخر بالمعنى الصحيح ومن الواجب علينا أن نعيد اعتبار سولجر، الذي ينبغي ألا يخلط بينه وبين دعاة السخرية، وذلك نظراً إلى حياته وفلسفتة وباسم الفن . «أما فيما يتعلق بلدفج تيك، فإن تنشئته ترجع إلى الفترة التي كانت فيها مدينة يينا Jena هي المرجز لفترة من الزمان. إن تيك وأعضاءآخرين من هذا الوسط المشرف يستخدمون - على نحو أليف جداً-تعبيرات مستعارة من دعاة نزعة السخرية، دون أن يقولوا لنا ماذا يقصدون بها. فمثلا نجد تيك لا يكف عن تمجيد السخرية، لكنه حين يقوم بالحكم على الأعمال الفنية الكبيرة، فإنه يفعل ذلك على وجه كامل ويقدرها بحسب قيمها ٠ أما أولئك الذين ينتظرون منه أن يستغل الفرصة السانحة لاستخلاص السخرية المتضمنة في عمل فني مثل مسرحية «روميو وجولييت» مثلاً فإنهم سرعان ما يخيب ظنهم، لأنه لا يتحدث عن أية سخرية حينئذ» (ح١ ص١٢٢ -١٢٥ طبعة Reclam). وهنا يحق لنا أن نتساءل: هل فهم هيجل السخرية عند الرومنتيك على النحو الصحيح الذي قصده أصحا بها؟ وجوابنا بالنفي. وشرح ذلك أن نورد أقوال زعماء هذه النزعة في تحديد معنى السخرية عندهم. ففريدرش اشليجل وهو رأسهم جميعاً يقول: «السخرية هي الشعور الواضح بالتغير السرمدي للعماء اللامتناهي المتدفق» وهو يعني بذلك أن السخرية تنشأ من كون العالم في تغير مستمر، وأنه فوضى وعماء لا حد

(علم) الجمال له، وأن هذا التغير متدفق فياض على الدوام. وما دام الأمر كذلك، فماذا ينبغي أن تكون نظرة الفنان إلى أحداث هذا العالم؟ يجب عليه أن ينظر إليه باستخفاف، وألايتعلق بشيء منه، وأن يزدري كل مايعج به ومعنى هذا كله أن يشعر بحريتة المطلقة إزاء الوجود بأسره . كل ما على الأرض فان ومتغير، فلماذا تتعلق بشيء عليها؟! ولتكن نظرتك إليها نظرة طيار تحلق من عل، فلا يرى على الأرض ما يستحق أن يتعلق به , وحتى المعاني الروحية الكبرى: الحب، الإنسانية، المجد، العبادة - كلها أمور زائلة لا تستحق التعلق بها. وفي هذا يقول فريدرش اشليجل أيضاً، «ينبغي علينا أن يكون في وسعنا أن نسمو فوق حبنا، وأن ننكر بالفكر ما نعبده. وبهذا الثمن وحده نستطيع أن نحصل على معنى الكون» . وتيك يقول إن المرء لا يملك المحبوب إلاً ابتداء من اللحظة التي يكشف فيها عند المحبوب سمة مضحكة، ولا يمكن أن يكون له صديق ومحبوبة إلآ إذ كان في وسعه السخرية منها أو الابتسام واليونان كانوا يسخرون سخرية لطيفة من آلهتهم، دون أن يشعروا أنهم بذلك ينقصون من جلالهم. ذلك أن آلهة اليونان كانوا يسخرون من بعضهم بعضاً لقد سخروا من أرس ومن أفروديت رغم جمالهما وجلالهما ٠ ولقد دعا تيك في إحدى قصائده إلى مزج الجد بالهزل، فقال: «هل سعيت إلى علاج المزاح بجد، وعلاج الجد بمزاح؟ إن الاستمتاع بالتلاعب بالآام وبالسمات بدون تمييز والإحساس اللطيف بالألم في السخرية -ذلك أمر ا يتاح إلآ لقلة قليلة جدا». والرومنتيك كانوا يرون في السخرية أجمل تعبير عن الحرية. ويطالبون بالتغيير في أحوالهم النفسية باستمرار، لأن ذلك دليل الحرية يقول فريدرش اشليجل : «إن من واجب الإنسان الحر كل الحرية المثقف كل الثقافة أن يستطيع أن يضع نفسه حيثما شاء في حالة من الروح الفلسفية أو الفيلولوجية، أو النقدية، أو الشعرية، أو التاريخية، أو الخطابية، القديمة أو الحديثة، وكل ذلك بنفس السهولة التي بها يكيف الآلة الموسيقية مع الظرف والنغمة المطلوبة» . ويقول نوفالس : «إن الإنسان الكامل يجب عليه أن يحيا في أماكن عديدة في وقت واحد معاً، ومع كثير من الناس معاً. ويجب أن يكون حاضراً في أفق واسع وأحداث عديدة ٠ هنالك تتجلى له تلك الحضرة العظيمة الحقة، حضرم الروح، التي تصنع من لإنسان مواطناً للعالم حقيقيا، وفي كل لحظة من لحظات حياته، وبنوع من التداعي البديع للأفكار، يستنبط، ويصير قويا، ناصعاً، مستعبداً لنشاط تأملي» ولهذا نرى اشليجل - والرومنتيك بعامة - يمجدون الكوميديا أكثر من سائر أنواع فنون الأدب. يقول فريدرش اشليجل في كتابه : «دراسات عن اليونان» : «إن الروح الكوميدية تقتضي حرية خارجية، بدونها لا تستطيع أن ترتفع إلاً إلى مستوى اللطافة، دون أن تسمو أبداً إلى الجمال الأسمى. إنها متابعة إذا وصلت نية الشاعر- ربما في مستقبل يتفاوت في البغد - إلى تحقيق مهمته، وإلى التحرر من الطبيعة، وإذا تولدت الحرية من بطن القاعدة -وإذا صارت كرامة الفن وحريته أكثر اطئمناناً، دونما حاجة إلى سند ودعامة؛ وإذا صارت كل قوة في الإنسان حرة، وكل إساءة للحرية مستحيلة - هنالك نجد أن السرور المحض، غير الممتزج بالعنصر الرديء، الذي لا يزال حتى الآن ضرورياً فيما هو كوميدي، ذا قوة درامية كافية بنفسها . هنالك تصبح الكوميديا أكمل الفنون المسرحية وأكثر من هذا، تتجلى «السخرية» مكان الهزلي، ومتى ما تجلت استمرت أبداً» . وقال تيك إن المرء لا يستطيع أن يمزح على المسرح دون أن يمزح في الوقت نفسه على العالم بأسره ٠ ومن هذه الشواهد يتبين لنا أن هيجل لم يصب في فهم معنى ودوافع السخرية عند الرومنتيك . وأنه أخطأ في إرجاعها إلى مذهب فشته في «الأنانة» Ichheit المسمى رد كل شيء إلى الأنا

(علم) الجمال شروط الفن وللفن كي يتحقق على النحو السليم شروط: الشرط الأول! «أن يكون المضمون قابلاً للتعبير عنه بواسطة الفن. وبدون ذلك فإننا ئحصل على تعبير رديء : فحيناً نريد أن نعطي شكلاً معيناً لمضمون غير صالح للتعبير العيني والخارجي، وحيناً آخر نجد أن موضوعاً تافهاً في ذاته لا يمكن أن يجد التعبير الملائم عنه إلا في شكل مضاد لذلك الذي نريد أن نعطيه له» . والشرط الثاني: «هو أن مضمون الفن يجب ألا يكون فيه شيء مجرد؛ ولا يجب فقط أن يكون هذا المضمون محسوساً وعينياً، في مقابل ما يشارك في الروح والفكر، بل وأيضاً في مقابل المجرد والبسيط في ذاته. ذلك لأن كل ما يوجد حقاً في الروح وفي الطبيعة هو عيني، وعلى الرغم من كل عمومية فإنه ذاتي وجزئي. فحين نقول - مثلاً - عن الله إنه الواحد وحدة بسيطة، والموجود الأسمى بما هو كذلك، فإننا لا نعبر إلا عن تجريد ميت، ناتج عن الذهن اللامعقول. أن مثل هذا الإله، من حيث أنه غير متصور في حقيقته العينية، لا يقدم إلى الفن، وخصوصاً الفن التجسيمي، أي مضمون. ولهذا فإن اليهود والمسلمين، الذين ليس إلاههم على هذا الحد من التجريد الذهني، مع ذلك، لم يصوروه أبداً في الفن بطريقة إيجابية مثلم فعل المسيحيون بالإههم. ذلك أنه في المسيحية، فكرة الله هي فكرة إله حق، شخص، ذات، وروح خصوصاً. وما فيه من روحية قد تجلى خارجنا في التصور الديني على شكل ثالوث هو في الوقت نفسه وحدة ٠ وهكذا تحققت وحدة ما هو جوهري، وعام وجزئي، وهذه الوحدة هي التي تكون ما هو عيني . وكما أن المضمون لا يكون حقاً إلا بمقدار ما هو عيني، فكذلك في الفن نجد أنه يقتضي لتصويراته مضامين عينية، لأن المجزد والعام ليس من شأنها التفتح إلى جزئيات ومظاهر دون أن يحدث عن ذلك تحطيم لوحدتها» (ح١ ص١٢٧ طبعة والشرط الثالث: أنه «من أجل أن يناظر شكل محسوس مضموناً حقيقياً وبالتالي عينياً، فلا بد أن يكون هذا الشكل فردياً وعينياً في جوهره أيضاً. وذلك لأن الصفة العينية لكلا جانبي الفن: المضمون والتصوير، هي التي تكون نقطة الالتقاء بينهما ونقطة التناظر: فالشكل الطبيعي لجسم الإنسان - مثلاً - هو شيء عيني محسوس قادر على تصوير الروح. والتطابق معها . والفن يختار شكلا معين لا لأنه لا يجد غيره، بل المضمون العيني هو نفسه يقدم له الإشارة إلى الطريق لتحقيقه الخارجي والمحسوس ولهذا فإن هذا المحسوس العيني، الذي فيه يعبر عن نفسه مضمون ذو ماهية روحية . يحدث الروح أيضاً؛ والشكل الخارجي الذي به يصير ميسوراً لعياننا وتصورنا لا غرض له إلا إيقاظ صدى في نفسنا من روحنا . ومن أجل هذا الغرض . ينفد المضمون والتحقيق العيني كلاهما في الآخر على التبادل. وما ليس إلاً العيني المحسوس - أي الطبيعة الخارجية - لا يوجد فقط من أجل هذا العنصر. فالريش المتعدد الألوان في الطيور يلمع، حتى لولم يره أحد، وغنائها يتردد، حتى لو لم يسمعه أحد؛ وثم طيور لا تحيا إلاً ليلة واحدة ثم تذبل، دون أن يكون قد أعجب بها أحد؛ وفي غابات الجنوب العذراء، هذه الغابات الحافلة بالنبات والتي تشكل شبكة لا تنفصم من النباتات النادرة الرائعة ذوات العطور اللذيذة - تصوح وأحياناً تهلك دون أن يكون قد استمتع بها أحد لكن العمل الفني لا يبدي عن هذه النزاهة الخالية من الغرض : وإنما هو سؤال، ونداء- موجه إلى النفوس وإلى الأرواح ولنن كان الفن، من هذه الناحية، لا يكون وسيلة عرضية تماماً لجعل المضمون محسوساً ، فإنه لا يقدم أيضاً الوسيلة المثلى لإدراك العيني الروحي. ذلك أن الفكر أعلى مستوى منه في هذه الناحية، لأن الفكر وإن كان مجرداً نسبياً من هذه الناحية بدرجة أنه لا يطابق الحقيقة والعقل، فإنه يجب عليه أا يكف عن أن يكون عينياً، ولإدراك المقدار الذي بهمثل هذا الشكل الفني يناظر مثل هذا المضمون، ولمعرفة هل هذا المضمون — بطبيعته - لا يقتضي شكلاً أسمى، وأكثر روحانية، فما على المرء إلا أن يقارن بين آلهة النحت اليوناني وبين التصور المسيحي لله. إن الإله اليوناني ليس تجريداً، بل هو فردي ويتخذ شكلاً يقترب من الأشكال الطبيعية؛ والإله المسيحي هو الآخر شخصية عينية، لكنه هو كذلك من حيث إنه روحانية محضة، ويجب أن يدرك على أنه روح وأن يذرك بالروح. وما يضمن لنا وجوده هو خصوصاً المعرفة الباطنة التي لدينا

(علم) الجمال عنه، لا تصويره في الخارج، هذا التصوير الذي يبقى دائماً ناقصاً، لأنه عاجز عن التعبير عن كل عمق تصورة» (ح١ ص١٢٨ طبعة 111ةءلآ). وما دامت مهمة الفن هي جعل الفكرة ميسورة لتأملنا على شكل محسوس، لا على شكل الفكر والروحية المحضة بوجه عام؛ ولما كان هذا التصوير (أو التعبير) يستمد قيمته ومكانته من التناظر بين الفكرة وشكلها وقد امتزجا، ونفذ كلاهما في الآخر - فإن قيمة الفن تتوقف على مقدار تمثيله لهذا التناظر والانصهار بين الفكرة والشكل. وهذا السير نحو التعبير عن الحقيقة على نحو أعلى تأملي، وأكثر انطباقاً على تصور الروح، يزودنا بالإشارات الخاصة يأقسام علم الفن. ذلك أن على الروح، قبل الوصول إلى تصور ماهيتها المطلقة، أن تمر بالدرجات المفروضة عليها من جانب هذا التصور لله. ويناظر هذا التطور للمضمون أشكال فنية بواسطتها تعي الروح ذاتها. وهذا التطور، الذي يتم في داخل الروح، له وجهان فيما يتعلق بالطبيعة. في الوجه الأول، يكون هذا التطور روحياً وعاماً، ويقوم في التتابع التدريجي للتعبيرات الفنية المتعلقة بتصورات العالم والتي تعكس أفكارالإنسان عن نفسه، وعن الطبيعة وعن الإله وفي الوجه الثاني، يجب على هذا التطور أن يعبر عن نفسه بطريقة مباشرة وبواسطة موجودات محسوسة تناظر الفنون الجزئية التي تشكل كلاً على الرغم من الفوارق الضرورية بينها. على أساس هذه الاعتبارات يمكن تقسيم عالم الفنون إلى الأقسام الرئيسية التالية: ١) يوجد أولاً قسم عام. وموضرعه هو الفكرة الهامة للجمال الفني، من حيث هو مثل أعلى، وكذلك العلاقات الوثيقة الموجودة بين المثل الأعلى والطبيعة من ناحية، وبين الإبداع الفني الذاتي من ناحية أخرى ٢) وتصور الجمال الفني يؤدي من ذلك إلى قسم خاص إذ تصبح الفوارق الجوهرية التي يشملها هذا التصور سلسلة متتابعة من الأشكال الفنية الجزئية. ٣) وعلينا أخيراً أن ننظر في تفاضل (تنوع) الجمال الفني، وسير الفن نحو التحقيق الحسي لأشكاله، وهو وضع نسق يشتمل على الفنون الجزئية وأنواعها لمتعلدة. وفي الفن العالي يكون ثم تناظر بين المضمون والتمثيل (أو التصوير) لهذا المضمون، بحيث يكون التخيل مطابقاً للحقيقة، بمعنى أن الشكل الذي فيه تتجسد الفكرة هو الشكل الحق في ذاته، وأن الفكرم التي يعبر عنها هي تعبير عن حقيقته - ويمكن تقسيم الفن في تاريخه من هذه الناحية إلى نوعين: الفن الرمزي أو الشرقي، والفن الكلاسيكي ٢ الفن الرمزي أو الشرقي والفن الكلاسيكي والفن الرومنتيكي أما الفن الرمزي أو الشرقي «فينسب إلى مقولة السامي» وما يميز السامي هو السعي للتعبير عن اللامتنا هي , لكن اللامتناهي هنا هو تجريد لا يمكن أن يتكيف معه أي شكل حسي؛ ولهذا يبالغ في الشكل إلى ما بعد كل مقياس. إن التعبير هنا يبقى في حالة محاولة وعلى هذا النحو نحصل على مردة وأجسام ضخمة، وتماثيل ذوات مائة ذرع ومائة صدر. ومع ذلك يجب أن يكون هناك، على تحو ما، تطابق ما بين هذه الأشكال الطبيعية ومضامينها . وهذا التطابق يتجلى على شكل عموم مجرد ومحسوس محض، لم يتخذ بعد تجريداً دقيقاً. فمثلاً حين يمثل القوة على شكل أسد، ولهذا السبب يجعل من الأسد تمثيلاً لإله، فإن هاهنا تناظراً خارجياً محضا، ورمزياً بصورة مجردة. والشكل الحيواني، المزود بالصفة العامة للقوة، له تحديد، وإن كان مجسداً، فإنه مطابق للمضمون الذي قصد لأن يعبر عنه. وإذن هذا الفن هو فن يبحث ويطمح، وبهذا هو رمزي. لكنه، من حيث تصوره وحقيقته فن لا يزال ناقصاً . «ومما يميز الفن الرمزي أيضاً هو أن نقطة انطلاقة هي العيانات المستمدة من الطبيعة والتشكيلات الطبيعية . وهذه التشكيلات تؤخذ كما هي، لكن يدخل فيها الفكرة الجوهرية، الكلية: المطلقة، من أجل اعطائها معنى (علم) الجمال

ومدلولا، إذا فسرت على ضوء هذه الفكرة، فإنها تبدو كما لو كانت تشملها وتحتوي عليها . وهذه الطريقة في معالجة التشكيلات الطبيعية تكون ما يسمى باسم : وحدة الوجود الخاصة بالشرق . هنا تطلق الحرية المجردة واللامتناهية العنان لنفسها . فمن أجل جعل المادة مطابقة، يدفع بها نحو ما هو وحشي : فيشره الشكل ويصير بشعاً فظيعا، أو تدخل الفكرة والكلمة في الأشكال البالغة الانحطاط. إنه الفن الرمزي. والرمز تمثيل له مدلول لا يمتزج بالتعبير بل يظل دائماً هناك اختلاف بين الفكرة والتعبير عنها . إن الرمزية تتميز بالإقدام المتوافق، والتكيف والتطابق بين الفكرة والشكل الذي قصد فيه أن يعبر عنه، ولهذا فإن هذا الشكل لا يمثل التعبير الصافي عما هو روحي، إذ لا تزال ثم مسافة تفصل بين الفكرة وتمثيلها» (ح١ ص١٣٥ " أما الفن الكلاسيكي (= اليوناني) «فهو فن الفكرة وتجليها الخارجي. إنه مضمون تلقى الشكل اللائق يه، مضمون حقيقي تجلى في الخارج على الوجه الحقيقي -ههنا يتجلى المثل الأعلى للغد، لكل حقيقته. والمهم قبل كل شيء ألا يكون هذا السطابق بين التمثيل والفكرة أمراً شكلياً محضاً: إن الشكل، والجاتب الطبيعي، الشكل الذي تستعين به الفكرة يجب أن يكون، في ذاته ولذاته، مطابقاً للتصور. . وإذا لم يكن الأمر هكذا، فإن أي محاكاة للطبيعة، وأية صورة، وتمثيل أي منظر، وأية زهرة ما، الخ، يمكن أن يجعل مضمونا لأي تمثيل - يمكنها - إذا لم يراع إلا التناظر - أن تنعث بأنها كلاسيكية وفي الفن الكلاسيكي، المحسوس والمشخص يكف عن أن يكون طبيعياً صحيح أننا لا نزال أمام شكل طبيعي، لكنه تبرأ من بؤس التناهي وصار مطابقاً لتصوره مطابقة كاملة» . ولقد تطور الفن على النحو التالي: في المرحلة الأولى اكتشف الفنان أن الشكل الإنساني هو الأجدر بأن يصور المعنى الروحي، لأنه وحده الذي يسمح بالتعبير عن التصور الروحي، بخلاف (١) على القارى أن يفهم دائماً من كلمة: «التمثيل، أنها تعني: التعبير بواسطة الفن؛ في أي فن كان: ؟سسلا، ولا تعني أبداً التمثيل المسرحي إلا إذا أضفنا هذا الوصف الأخير أي شكل آخر، حتى إن ما هو روحي لا يمكن أن يمثل إا على شكل إنسان. وهكذا وجدت روح الفن شكلاً «إن المضمون الحقيقي هو روحي عيني، وعنصره العيني يتمثل في الشكل الإنساني، لأنه وحده الذي يستطيع أن يلبس الروحي في وجوده الزماني. وبالقدر الذي به توجد الروح، ويوجد وجوداً محسوسا، فإنها لا تستطيع أن تتجلى على شكل آخر غير الشكل الإنساني. وعلى هذا النحو تحقق الجمال بكل روعة، الجمال الكامل. ولقد زعموا أن تشخيص وتأنيس ما هو روحي يساوي الحط؛ ومع ذلك فإنه إذا أراد الفن أن يعبر عما هو روحي بحيث يجعله محسوسا وميسورا للعيان، فإنه لا يستطيع ذلك إلا بتأنيسه (ت تصويره على شكل إنسان) . ذلك لأنه بقدر ما يتجسد الروح في الإنسان فإنها تصير محسوسة ومن هذه الناحية فإن التناسخ يكون تمثيلاً مجرداً تماماً، وقد صار من مبادى ء الفسيولوجيا أن الحياة يجب دائماً في تطورها أن تؤدي إلى الإنسان بوصفه التجلي الوحيد المناسب للروح. «وتلك هي المرحلة الثانية من التطور: أي التطابق بين الفكرة وبين شكلها. وإذا كان على الشكل، كيما يستطيع التعبير عن المضمون المخصص هوله، أن يطهر ويخلص من العوائق التي جعلته أسيراً لتناهيه البائ. فإن الروحية يجب عليها بدورها - ومن أجل أن يكون التوافق تاماً بين المعنى والشكل - أن يكون من الممكن التعبير عنها على نحو شامل في الشكل الإنساني، دون تجاوز هذا التعبير، أعني دون أن تدع المحسوس والجسماني يمتصها، ودون أن تتحد وإياه. وعلى هذا النحو، تؤكد الروح ذاتها في نفس الوقت كأمر جزئي خاص، لا كأمر مطلق سرمدي، فهذا لا يمكن أن يجد التعبير عنه إلا في الروحانية المحضة وهذه الحالة الأخيرة هي التي تكون ضعف الفن الكلاسيكي وقصوره، لكن مصيره هو الوقوع في هذا الضعف والقصور. "والمرحلة التالية، وهي الثالثة، تتميز بانفصام الوحدة التي بين المضمون والشكل، أي بالعودة إلى الرمزية، عودة هي في الوقت نفسه تقدم . إن الفن الكلاسيكي، بوصفه فناً، فن بلغ أعلى القمم وإنما عيبه هو أنه ليس إلآفناً، فناً فحسب، ولا شي: أكثر من ذلك . أما في هذه المرحلة التامة فإن الفن يسعى إلى

(علم) الجمال السمو إلى مستوى أعلى. إنه يصير ما سمي باسمه: الفن الرومنتيكي أو المسيحي. ذلك أنه في المسيحية تحقق الفصل بين الحقيقة وبين التمثيل الحسي. إن الإله اليوناني لا ينفصل عن العيان الحسي؛ إنه يمثل الوحدة المرئية بين الطبيعة الإنسانية والطبيعة الإلهية، ويتجلى كما لو كان التحقيق الوحيد والحقيقي لهذه الوحدة. لكن هذه الوحدة من طبيعة حسية، بينما هي في المسيحية تتصؤر في الروح وفي الحقيقة. إن العيني والوحدة موجودان باقيان لكنهما يتصؤران بحسب الروح، بعيداً عن المحسوس. لقد تحررت الصورة Idee. «إن الفن الرومنتيكي قد تولد من انفصام الوحدة بين الواقع وبين الفكرة (أو: الصورة)، كما ولد من العودة إلى التعارض (أو: التطابق الذي كان موجوداً في الفن الرمزي. لكن هذه العودة ينبغي ألا تعتبر مجرد تراجع إلى الوراء، ورغبة في الابتداء من جديد إن الفن الكلاسيكي قد أفلح في الارتفاع إلى أعلى القمم، فأعطى الدرجة العليا لما كان في استطاعته أن يقوم به، لهذا ليس ثم ما يعاب عليه من هذه الناحية . وعيوب الفن الكلاسيكي التي تحدثنا عنها فيما سبق إنما ترجع إلى التحديدات التي يخضع لها الفن بوجه عام. أما الفن الرومتتيكي، الذي حقق الدرجة القصوى من ناحية الفكرة أو الصورة Idee ، فقد كان لزاماً أن ينهار بسبب عيوبه الناجمة عن التحديدات التي أخضع نفسه لها من حيث هو رومنتيكي وتحديدات الفن بوجه عام، الفن بما هو فن، ترجع إلى أنه، من حيث هو مخلص لتصوره، فإنه يتمسك بالتعبير. . بشكل عيني - عن الكلي، وعن الروح، بينما الفن الكلاسيكي يحقق الوحدة بين المحسوس والروحي، وتناظرهما الكامل. لكنه يبقى مع ذلك أن الروح - في هذا الانصهار- لا تمثل بحسب تصورها الحقيقي، لأن الروح تكون الذاتية اللانهائية للصورة Idee التي - بوصفها بطوناً مطلقاً - لا تستطيع التعبير عن نفسها بحرية والتفتح التام في السجن البدني الذي تجد نفسها حبيسة فيه. إن الصورة Idee لا توجد، بحسب حقيقتها، إلا في الروح، وبالروح، ومن أجل الروح. وبالنسبة إلى ما هو روحي، فإن الروح هي وحدها المجال الذي تستطيع أن تتفتح فيه. وثم علاقة بين الصورة العينية للروحي وبين الدين. فحسب الدين المسيحي، يجب أن يعبد الله بالروح؛ إن اله ليس موضوعاً إلا بالنسبة إلى الروح. وفي الفن الرومنتيكي الذي تجاوز، بمضمونه وطريقته في التعبير الفن الكلاسيكي، فإن الصورة المشاركة في الروح توجد في تعارض مع ما يشاركه في الطبيعة، والروحي يوجد في تعارض مع المحسوس وهذا الانفصال أمر مشترك بينه وبين الفن الرمزي، لكن عندما يكون مضمون الصورة Idee من نوع أسمى، وذ طابع مطلق وما هذا المضمون إلا الروح هي ذاته وعلاقاته مع الفن الكلاسيكي يمكن تحديدها كما يلي: الفن الكلاسيكي يقوم على الوحدة بين الطبيعة الإلهية والطبيعة الإنسانية، لكن ليس هذا إلا مضموناً عينياً ولما كانت الصورة وحدة في ذاتها فإنها لا تستطيع أن تتجلى إلا بطريقة مباشرة محسوسة . إن الإله اليوناني الذي يتبدى للتأمل الموضوعي وللتمثيل المحسوس يتخذ الشكل الجسماني للإنسان؛ وهو بقوته وطبيعته فردي وجزئي، وبالنسبة إلى الذات هو يمثل جوهراً وقوة يمكن هذه الذات أن تتعرف نفسها فيه، دون أن يكون لديها الشعور والاقتناع الباطن بأنها واحدة وإيام. لكن في مرتبة أسمى يحدث الشعور بهذه الوحدة، ومعرفة ما كانت عليه في ذاتها المرحلة السابقة؛ وهذه المعرفة بما هو في ذاته، وهو الوعي بالمرحلة السابقة يكونان تفوق المرحلة الحالية أعني المرحلة الرومنتيكية. وإذا كان جوهر الفن اليوناني هو الوحدة، فإن الذاتية هي أساس الفن الرومنتيكي ٠ إن المرحلة أو الدرجة يمكن أن توجد في ذاتها، لكنها يمكن أيضاً أن يدركها الوعي. والفارق كبير في هذا، فإن ما يميز الإنسان من الحيوان، هو الشعور بهذا الفارق. وما يسمو بالإنسان على الحيوان، هو شعور الإنسان بأنه حيوان. وهذا الشعور يتضمن شعوراًآخر، هو الشعور بأنه يشارك في الروح. ذلك أن من كونه يعرف أنه حيوان، فإنه لا يعود حيواناً. "إن الإنسان حيوان، لكنه حتى في وظائفه الحيوانية لا يبقى كائناً سلبياً؛ بل، على عكس الحيوان، يشعر الإنسان بوظائفه، ويقر بها ويجعلها أرق وألطف، من أجل أن يجعل منها موضوعاً لعلمه مستنير وموضح بواسطة الوعي وهذا ما فعله، مثلا، فيما يتعلق بعملية الهضم. والإنسان، بسلوكه على هذا النحو، يحطم (علم) الجمال

حاجز سلبيته ومباشرته، حتى إنه لأنه يعلم أنه حيوان فإنه لا يعود حيوانا، كما قلنا منذ قليل، ابتغاء أن يتعرف نفسه ويؤكد ذاته بوصفه روحا» . (حا ص١٣٨ وفي هذه المرحلة الثالثة يتجلى ما هو روحي بوصفه روحياً، وتكون الصورة حزة ومستقلة . وما يسود هاهنا هو المعرفة، والعاطفة، أي الصورة، الروح. ولهذا يمكن أن نقول إنه في هذه المرحلة الثالثة تكون الروحانية الحرة والعينية هي موضوع الفن والفن الرومنتيكي قد جعل مهمته هي أن يجعلنا في حضرة أعماقنا الروحية، وفي مواجهة روحانيتنا وما دام الأمر كذلك، فلم تعد مهمة الفن أن يعمل من أجل التأمل الحسي، بل صار ينزع إلى إرضاء باطننا الذاتي، وإلى إشاعة الطمأنينة في داخل الروح. هنالك يحتفل الباطن بانتصاره على الخارج والظاهر، ويؤكد هذا الانتصار برفض كل قيمة تتعلق بالمظاهر الحسية . لكن هذا الفن في حاجة إلى عناصر خارجية للتعبير عن نفسه . ولما كان العنصر الروحي قد انسحب من العالم الخارجي وقطع كل علاقة معه من أجل أن يدخل في داخل نفسه، فإن الجانب الخارجي والمحسوس ينظر إليه، كما في الفن الرمزي على أنه فان وا أهمية له فيه إلى درجة ألا يرى المرء أية غضاضه في تمثيل الروح والإرادة الذاتيتين المتناهيتين حتى أقل مظاهر الهوى الفردي، وحتى الملامح الأخلاقية وألوان السلوك المتناهية في الغرابة، وكل ما هو خارجي يترك لما هو عرضي ولمغامرات الخيال. ومن هنا جاء، كما في الفن الرمزي، عدم التناسب بين الفكرة والشكل، والانفصال بينهما وعدم اكتراث كليهما للآخر. «إن الفن يتطور إذن كما يتطور عالم؛ والمضمون، أي الموضوع نفسه يمثل بواسطة الجمال، والمضمون الحقيقي للجمال ليس إلا الروح . إنه الروح في حقيقتها، وإذن الروح المطلقة بما هي كذلك، هي التي تكون المركز. ويمكن أيضاً أن نقول إن هذا المجال للحقيقة الإلاهية الذي يقدمه الفن إلى التأمل العياني وإلى العاطفة - يكون مركز عالم الفن بأكمله، وهو مركز يمثله الشكل الإلهي الحر المستقل الذي تمثل كل الجوانب الخارجية للشكل وللمواد، جاعلاً منها التجلي الكامل لها «إنه ال، وإنه المثل الأعلى هو الذي يكون المركز. والشه، بتطوره، يصير هو العالم: بعمله هذا يزدوج إن اله هو، من ناحية، الطبيعة اللاعضوية، والموضوعية الخالية من الروح؛ ومن ناحية أخرى هو الموضوعية الذاتية، هو الألوهية من حيث هي انعكاس لذاتها، أو هي الموضوعية المجردة الأجنبية عن الروح، هذا من ناحية، والذاتية الغيبية، الذاتية غير الموجودة إلا في ذاتها، والروحية المشخصة، والألوهية الذاتية للغير «ونستطيع أن نقول نفس الشيء عن الدين، وإن للدين علاقات مباشرة مع الفن في أعلى درجاته . فنحن في الدين نميز بين الحياة الخارجية الأرضية المتناهية، وبين السمو نحو الله، الذي لا نستطيع أن نتحدث بشأنه عن فارق بين الذاتية والموضوعية - وهناك أيضاً تقوى الملة، والعبادة، والروح الإلاهية التي تندمج في الملة وتبقى في داخلها». (ح١ ص١٤٢ طبعة Reciam) • ٣ أنواع الفنون ١ - وأول تحقيق للفن هو المعمار . وهنا نجد أنه كلما كان المضمون أعمق أو على العكس: سطحياً غامضاً، فإن الشكل سيكون أكثر، أو أقل، تعبيراً، أكثر أو أقل عينية، وحين يريد فن المعمار أن يحقق تطابقاً كاملاً بين المضمون رالشكل، فإنه يخرج عن حدود ميدانه الخاص من أجل الزحف على ميدان أسمى، هو ميدان فن النحت . وبهذا تظهر طبيعة المعمار المحدودة بعلاقاتها الخارجية مع ما هو روحي، وبحاجة إلى تجاوز نفسه ابتغاء الاقتراب من الصورة Idee أعني من الروح- «ومهمة المعمار هي أن يطبع في الطبيعة اللاعضوية تحويلات تقربها من الروح بواسطة سحر الفن. والمواد التي يعمل فيها المثل، بشكلها الخارجي والمباشر، كتلة ميكانيكية ثقيلة. إن أشكاله تظل هي أشكال الطبيعة اللاعضوية، منظمة وفقاً لعلاقات التماثل (symétrie) المجردة. فالفن يبدأ هاهنا إذن بالطبيعة اللاعضوية، ويتحقق فيها، ولما كان مضمونه مجرداً، فإنه يظل خارجاً عنه، وبدا من أن يظهر الله خارجياً،

(علم) الجمال فإنه يقتصر على مجرد الإشارة إليه إن المعمار لا يفعل بعذ إلآ شق الطريق إلى الحقيقة التي تتناسب مع الله، ويؤدي واجباً، نحوه بأن يعمل في الطبيعة الموضوعية، وأن يسعى إلى تخليصها من أدغال التناهي وتشويهات ما هو عرضي. إنه يمهد الطريق المؤدي إلى الله، ويشيد له معابد، ويوجد له مكاناً، وينظف التربة، ويعالج المواد الخارجية كيما تكون في خدمته، حتى لا تبقى خارجية عنه، بل تظهر وتصبح صالحة للتعبير عنه، وقادرة وجديرة باستقباله . إن المعمار يهيىء المكان للاجتماعات الخاصة، ويشيد حرماً آمناً لأعضاء هذه الاجتماعات، وستراً يحميهم من العاصفة التي تهدد، ومن المطر وتقلبات الأحوال الجوية، من الوحوش. وهو يعبر في الخارج عن إرادة - الوجود — معاً بإعطائه شكلاً عينياً مرئياً تلك هي رسالة المعمار؛ وذلك هو المضمون الذي يجب عليه أن يحققه. ومواده إنما يستمدها من المادة الغليظة الخارجية، على هيئة كتل ميكانيكية ثقيلة. وتشكيل هذه المواد هو تشكيل خارجي، ينفذ وفقاً للقواعد المجردة للتماثل (السيمترية) وعلى هذا النحو يشيد معبد لله، ويبنى مقامه. فتجري تحويلات في الطبيعة الخارجية، وفجأة يسري فيها برق الفردانية. إن الله يدخل في معبده، ويتملك بيته وبرق الفردانية هو الوسيلة التي بها يتجلى، وتمثاله يتخذ مكانه في المعبد من الآن فصاعداً» ٠ (ح١ ص١٤٣ - ١٤٤ 111ة1ءةلآ) ٠ وهكذا بفضل المعمار يجري في العالم اللاعضوي عملية تطهير، تتم وفقاً لقواعد التماثل (السيمترية)، فيقترب من الروح، ويبرز معبد الله وبيت أمته - ثم يدخل الله هذا البيت، قارعاً إياه، نافذاً في المادة الجامدة لبرق الفردانية. وهكذا يتلقى المعبد روحاً ومضموناً روحياً على شكل إله أبدعه الفن وبين هذا الإله والشكل الذي يظهر عليه لا تعود العلاقات من الآن فصاعداً علاقات خارجية فقط. بل تكون هذه هوية مطلقة وتامة بين الواحد والآخر. والفضل في تحقيق هذه المطابقة التامة، إنما يرجع إلى الفن الكلاسيكي الذي هو فن النحت. ٢ - إن النحت يدخل الله في موضوعية العالم الخارجي؛ وبفضله تتجلى الذاتية، والفردانية في الخارج من جانبها الروحي. إن الإله يدخل، وفي الوقت عينه ينفد في هذه المظاهر الخارجية لما هو ذاتي ولما هو فردي ويحقق تمثيله الكامل . هنالك تبدو الروحانية وحدها، فالشكل الجسماني لا يعني شيئاً ولا يعبر عن شيء بذاته، لكنه فقط من حيث هو انعكاس لعمق باطن وتمثيل للروح والمحسوس لا يعود يعبر إلاً عما هو روحي، والنحت لا يستطيع أن يعبر عن مضمون روحي دون أن يهبه شكلا محسوساً ميسوراً للعيان الجسي إن النحت يمثل الروح على شكلها الجسماني، وفي وحدتها المباشرة، وفي حالة هدوء ساج وسعيد، بينما الشكل، من ناحيته، يشاع فيه الحياة بواسطة الفردانية الروحية. والشكل والمضمون يصيران في تطابق مطلق، وا واحد منها يتغلب على الآخر: فالشكل يحدد المضمون، والمضمون يحدد الشكل، إنها الوحدة فى كليتها المحضة وهكذا يحاكي التمثال الشكل الإلهي نفسه والإله باطن في التعبير الخارجي عنه، وهو في حالة من السكون غير المتحرك، والسجو السعيد وليس له علاقة إلا مع ذاته، إنه ثم كنوع من التجلي العضوي فنحن هنا بإزاء التصور المنطوي على نفسه، وفي علاقة مع ذاته وليس له أية صفة من صفات المظهر» (ح١ ص١٤٥ . (Reclam ٣ - وأقرب الفنون إلى النحت هو التصوير Malerei . وهو يتخذ مادة المضمون وتشكيله: قابلية الرؤية Sichtbarkeit بما هي كذلك، من حيث أنها تتميز بالألوان. صحيح أن مادة المعمار والنحت هي أيضاً قابلة للرؤية وملونة، لكنها ليست كما في التصوير: جعل الشيء مرئياً لما هو كذلك، مثل الضوء البسيط في ذاته الذي يتحدد بأنه في مقابل الظلمة وبالإتحاد معها يكون اللون. وقابلية الرؤية تصبح جزئية وذاتية بواسطة البدن مثلاً، وخصوصاً بالضوء الذي يتضمن التحديد بواسطة الظلمة التي معها يكون وحدة فرعية ومتجزئة. وهذه القابلية للرؤية ليست في حاجة، كما هي الحال في المعمار، إلى تقابلات مجردة لكتل ميكانيكية، كما أنها ليست في حاجة إلى المادية الكلية ذات الأبعاد الثلاثة، كما هو الحال في التمثال المنحوت، وإنما التقابلات التي تحتاج إليها هي تقابلات باطنة، إن صح هذا التعبير على شكل ألوان - وبهذا يتحرر الفن مما هو مادي محض ولا يتوجه إلاإلى المعنى المحمود والمثالي للحياة ومن (علم) الجمال

ناحية أخرى، يخضع المضمون بدوره إلى تحل يمتد بعيداً جداً. وكل ما يعتلج في النفس، وكل ما يسعى إلى التعبير عن نفسه في الخارج يصير مادة للتمثيل. وكل حياة العواطف تجد هاهنا مكانا فسيحاً لها . ٤ - والذاتية الأشد عمقاً من ذاتية اللون والتصوير لهي تلك التي تحققها الموسيقى. وذلك أن الموسيقى تلغى التواجدات معاً التي تملأ المكان والتي يبقى عليها اللون، وذلك باضفاء المثالية عليها وتجميعها في نقطه لكن نقطة الإلغاء هذه هي نقطة عينية، وهذا التحديد يمكن أن يعد بداية لإضفاء المثالية على ما هو مكاني، وذلك بواسطة الحركة التي تبث في المادة، وهي حركة تجعل المادة تهتز وتعدل العلاقات التي بينها وبين نفها، وهذا ما نحصل عليه بواسطة الصوت الذي يتوجه نحو السمع، وهو حس مثالي آخر وهنا تتحول قابلية الرؤية المحمودة إلى قابلية سمع مجردة؛ وديالكتيك المطلق ينمو ويتطور كي يصل إلى الزمان، إلى هذا المحسوس السلبي الموجود هناك دون أن يكون هناك، وفي هذا اللاوجود يولت وجوده المقبل، لاغياً نفسه ومولداً نفسه باستمرار. وهذه المادة التي هي المحايثة المجردة تكون الوسط الذي فيه يتطور الإحساس غير المعين، والذي لم يكن له بعد القدرة على بلوغ درجة التحديد الذاتي. إن الموسيقى وحدها هي التي تعبر عن يقظة العاطفة وعن زمانها؛ وتكون مركز الفن الذاتي، والانتقال من الحساسية المجردة إلى الروحية المجردة. والموسيقى، هي بذاتها تقوم، شأنها شأن المعمار، على علاقات عقلية، وهي الفن الذي يعبر عن المحايثة المجردة والروحية للعاطفة. والصوت عنصر مجرد. والعين والأذن حاستان جعلتا من إجل التجليات المحضة والمجردة. إن الصوت يمثل مثالية ما هو مادي؛ ومن حيث هو اهتزاز وحركة لما هو مادي فإنه عنصر مثالي، متهيىء تماماً لتجلي ما هو إلاهي. إن الامتداد المكاني يتحول إلى نقطة، والنقطة التي تبقى ليست إلا الزمان. إن العنصر المحسوس يتحول بالموسيقى إلى روحية متزايدة. ه - بيد أن هذا العنصر الحسي لا يزال في الموسيقى وثيق الارتباط بالعاطفة، فينفصل عن المضمون، والصوت الذي كان في الموسيقى ذا رنين غير محدد، يتحول إلى كلام مفصل محدد مهمته أن يعبر عن تصورات وأفكار وأن يكون علامة على باطن روحي إن الصوت يتحول إلى حرف من حروف الهجاء، لأن المرئي والمسموع يرتدان إلى مجرد علامات الروح وهذا النوع من الفن هو ما نسميه: الشعر «إن الشعر هو الفن العام الاكبر شمولاً، الفن الذي بلغ في السمو إلى ذروة الروحية. في الشعر تكون الروح حرة في ذاتها؛ لقد انفصلت عن المواد الحسية، ابتغاء أن تصنع منها علامات يقصد منها التعبير عنها. والعلامة هاهنا ليست رمزاً بل هي شيء لا قيمة له، تمارس فيه الروح قدرتها على التحديد . . . وما يميز الشعر خصوصا هو قدرته على أن يخضع للروح وتصوراتها العنصر المحسوس الذي كان التصوير والموسيقى قد بداً في تحرير الفن منه.. . إن الصوت قد صار اللفظ المفصح عنه، والذي قصد منه إلى التعبير عن تصورات وأفكار، وصار النقطة السلبية التي كانت تنحو إليها الموسيقى فتحولت إلى نقطة عينية تماماً، هي نقطة الروح وقد مثلها الفرد الواعي الذي بواسطة وسائله الخاصة، ربط المكان اللامتناهي للامتثال بزمان الصوت". (ح١ ص١٤٨ -١٤٩ طبعة «1ةلاجلآ). تلك إذن هي الخصائص العادية لمختلف الفنون : المعمار، والنحت والتصوير، والموسيقى، والشعر. ولم يبق إلا تحديد علاقاتها بالزمان والمكان. «إن الزمان والمكان هما الشكلان العامان للعالم المحسوس، وبفضلهما يكون المحسوس محسوسا؛ إنهم تجريدان عامان للمحسوس. وإذا نظر إلى الفنون من هذه الناحية، فإن المعمار يتخذ من المكان ذي الأبعاد الثلاثة مادة لامتثاله، لكن بحيث يكون للتحديدات الأساسية للمكان: منز وايا، وسطوح، وخطوط، انتظام يفرضه عليها الذهن. والأشكال هاهنا هي مجرد تبلورات، قد خلت من الروح ٠ فالهرم لا يحتوي إلا على إله غائب -أما النحت فقد أعطى المكان كله شكلاً عضوياً، مبتدئاً من الداخل. بعد ذلك تأتي الفنون الرومنتيكية، التي فيها يبدأ الخارج في الاستبطان الذاتي، ويبدأ المكان في أن يصير مجرداً: فالتصوير يعمل في السطوح الممتدة وتشكيلها, وهذا المكان المجرد ينتهي بأن يختزل إلى نقطة تصير نقطة الزمان، وإلى النقطة السلبية التي هي ١٣٢ (علم) الجمال سلب للانفصال، في نفس الوقت الذي هي فيه انفصال والعنصر المحسوس للزمان هو عنصر الموسيقى * أما في الشعر فإن النقطة تناظر الزمان أيضاً، لكن الزمان. بدلاً من أن يكون ذا سلبية شكلية - يكون عينياً تماماً، من حيث هو نقطة للروح، ومن حيث هو ذات مفكرة مرتبطة بالصوت الزمانى فى المكان اللامتناهى للامتثال. وهكذا يناظر كل فن من الفنون تحديدات جزئية للخارج» . (ح١ ص ١٥٠ -١٥١ طبعة Reclam) ٠ وفيما يتعلق بالعلاقات بين الفنون الجزئية وبين الفن بوجه عام، يقول هيجل «إن الفن الرمزي يجد أوسع تطبيق له في المعمار: إنه يتفتح منه على نحو كامل، دون أن يصبح الجانب اللاعضوي من فن آخر وفي الفن الكلاسيكي نجد أن النحت هو غير المشروط بشرط، بينما المعمار يرتبط به بصفة ثانوية. أما الفن الرومنتيكي فهو أساساً ميدان التصوير والموسيقى، ومهما يتجلى استقلاله غير المشروط بشرط. والفن الثالث الرومنتيكي، الذي يسمو إلى الموضوعية في ذاتها، هو الشعر، الذي يوسع ميدانه باستمرار وإلى غير نهاية، ريتدخل في سائر الفنون الرومنتيكية، مولجاً فيها عنصراً جديداً، ومستمدا منها في نفس الوقت عناصر من أجل تكوينه هو نفسه. ذلك أن الشعر مشترك بين كل أشكال الجمال ويمتد إليها جميعاً، لأن عنصره الحقيقي هو الخيال، الذي يحتاج إليهكل إبداع أياًكان شكله. التقسيم الذي أتينا على ذكره إنما يقوم على علاقات الفنون بالزمان والمكان؛ بيد أن هذه علاقات مجردة وحينئذ يصير المعمار هوم التبلور، والنحت هو: الشكل العضوي للمادة، والتصوير هو: السطح والخط. أما في الموسيقى فإن الزمان يرد إلى النقطة؛ النقطة التي ليست أبداً خاوية، أعني إلى الزمان. وأخيراً نجد أنه يحدث في الشعر تحديد آخر غير ذلك التحديد المحسوس تجريداً. لكنه عند هذه الدرجة العليا يتجاوز الفن نفسه ويصبح نثراً، وفكرا وما تحققه الفنون الجزئية في كل عمل فني منظوراً إليه على حدة، هي الأشكال العامة لفكرة (أو: الصورة) من خلال الجمال وهو بسبيل النمو والتطور. والفن يبدو كما لو كان يانتيون Panthéon (= مجمع جميع الآلهة)، مهندسه المعماري هو روح الجمال وهي تدرك ذاتها، وكذلك عامل البناء فيه، ولن يتم هذا البناء إلا بعد آلاف السنين من التاريخ الكلي» (علم الجمال، ح١ ص١٥٠ -١٥١، طبعة Reclam، اشتوتجرت سنة ١٩٧١). صورة الجمال -١- الصورة Idee والروح المطلقة بعد التمهيدات التي أوردناها حتى الآن، يشرع هيجل في الكلام عن الصورة Idee الخاصة بالجمال فيحدد أولا معنى «الصورة» فيقول: «إن الصورة من حيث هي موجودة في ذاتها ولذاتها، هي أيضاً الحق في ذاته، وهي ما يشارك في الروح بطريقة عامة، إنها الروحي الكلي، إنها الروح المطلقة. والروح المطلقة هي الروح من حيث هي كلية، لا من حيث هي جزئية ومتناهية. وتتحدد على أنها ما هو حق بحقيقة كلية. صحيح أننا اعتدنا أن نضع الروح إلى جانب الطبيعة، كما لو كانت الطبيعة مساعدة لها في المكانة، وكما لو كانت العلاقات القائمة بين الروح والطبيعة علاقات الند للند، ومستقلة على التبادل. هاهنا نفترض تقابلاً بين الروح والطبيعة إن الروح، وقد تخلصت من الطبيعة. فإنها تعارضها، وليست هي الروح المطلقة التي فيها الطبيعة تكون موضوعة بطريقة مثالية. وهي التي تتفاضل بحسب نشاطاتها المحايثة وتنحل إلى حدود متقابلة: الطبيعة والروح المتناهية — هذان الحدان يمثلان الصورة الكلية، يمثلانها فقط دون أن يكونا شكلها الحقيقي», لكن هذم هي نظرة الروح المتناهية التي مصدرها في الروح المطلقة التي هي اتحاد لها مع الطبيعة. أما النظرة الصحيحة فتقول إن حقيقة الطبيعة تقوم في مثاليتها. وهذه المثالية هي التي تشكل التصور العميق لذاتية الروح لكن الروح من حيث هي ذاتية، ليس بعد (١) «الصورة، في عذا الفصل، وفي كل موضع فرنت فيه بالمقابل الالماني Idee هي المثال العقلي، الأزلي الأبدي الذي بالمشاركة فيه تتكون حقائق الأشياء. وعذا الاستعمال عو الذي وضعه أفلاطون، لكنه جعل الصورة مفارقة في عالم علري، بينما عند هيجل الصورة محايثة في عالم الموجودات، أي باطنة فيها , وكان أفلاطون يضع صورتي الخير والجمال على رأس عالم الصور أو المنل, راجع تفصيل ذلك في كتابنا؟ «أفلاطون،. (علم) الجمال ١٣٣ إلاً حقيقة الطبيعة لأنها لم تكون بعد تصورها لذاتها. والروح المطلقة هي الحقيقة العليا. والطبيعة تعود إلى حقيقتها، وحقيقتها هي الروح وفي ميدان الفن نحن نضع أنفسنا من وجهة نظر الروح المطلقة . «ذلك أن ميدان الفن هو فوق ميدان الطبيعة والروح المتناهية؛ وهو لا يطابق ميدان المنطق، حيث الفكر -بما هو فكر - ينمو ويتطور من أجل ذاته، كما أنه لا يطابق الطبيعة حيث يتموضع (: يصير موضوعا) الفكر . إن الجمال الفني لا يوجد في الطبيعة؛ وهو ليس من نوع المنطق، ولا يكون جزءاً من ميدان الروح المتناهية، وا من ميدان الفكر المحض البسيط، الفكر الذي ليس إلا فكراً فحسب، ولا من ميدان أهداف وأفعال الروح المتناهية * وإنما هو ينتسب إلى ميدان الروح المطلقة ؛ ويوجد في الفن معرفة بالروح المطلقة بوصفها موضوعاً للروح المتناهية ٠ ٠ . الروح المطلقة تعارض ذاتها، في مجتمعها، كروح متناهية؛ إنها ليست روحاً مطلقة إلا بمقدار ما هي معروفة بما هي كذلك في المجتمع ٠ ولما كانت هذه هي وجهة نظر الفن - منظوراً إليه في مكانته الأسمى والأكثر حقيقة، فمن الواضح أن الفن هو في نفس المرتبة التي للدين وللفلسفة . إن الفن والدين والفلسفة تشترك في كون الروح المتناهية تمارس أمرها في موضوع مطلق، هو الحقيقة المطلقة في الدين يسمو الإنسان فوق مصالحه الشخصية الجزئية، وفوق آرائه وامتثااته وميوله الخاصة، فوق علمه الفردي - متوجهاً نحو الحق ، أي نحو الروح التي هي في ذاتها ولذاتها . وموضوع الفلسفة هو نفس الحقيقة؛ إنها تفكر في الفن، وا موضوع لها إلا الله؛ إنها في جوهرها لاهوت وعبادة إلاهية ونستطيع، إن شننا، أن ننعت الفلسفة بنعت اللاهوت العقلي، والعبادة الإلاهية للفكر. إن الفن والدين والفلسفة لا تختلف إلا من حيث الشكل؛ أما الموضوع فواحد» (ح١ ص١٥٧ - ١٥٨ ) . ولو ألقينا نظرة إلى وجودنا العادي، لأبصرنا تنوعاً هائلاً في المصالح والوسائل الكفيلة بتحقيقها . إذ نجد أولاً المصالح المادية التي تسعى إلى توفيرها العديد من الصناعات، ونجد التجارة والملاحة ومختلف المهن الصناعية؛ وفوق هذه نجد عالم القوانين، وحياة الأسرة، والصناعات الاجتماعية، وكل ميدان الدولة الهائل؛ وبعد ذلك تأتي الحاجة الرئيسية التي توجد في روح كل واحد منا وتجد إرضاءها في حياة الكنيسة ؛ ونجد في النهاية نشاط العلم بفروعه العديدة والمتقاطعة . «وفي داخل هذه المجاات يتم أيضاً النشاط الفني، المتولد من الاهتمام بالجمال الذي تؤدي تحققاته إلى إرضاء روحي , والسؤال الذي يقوم حيننذ هو : لأية ضرورة باطنة يستجيب هذا الاهتمام بالجمال، هذه الحاجة إلى الفن، بالنسبة إلى سائر ميادين الحياة والعلم؟ وأول ما يخطر بالبال هو أن نرى أن مجرد وجود هذه المجالات ينبغي أن يكفينا، وأن كل سؤال يتجاوز ذلك هو سؤال لا حاجة إليه ولا محصل منه . بيد أن العلم يقتضي أن نبحث في العلاقات الجوهرية القائمة بينها واعتماد بعضها على بعض على التبادل . وهنا نجد أن العلاقات التي تربط بينها ليست علاقات المنفعة وحدها، بل هي يكمل بعضها بعضاً، بمعنى أن هذ المجال أو ذاك يتضمن أنواعاً من النشاط أسمى من تلك التي في مجال آخر؛ ونتيجه هذا أن المجال الذي في مرتبة أدنى يسعى إلى أن يتجاوز نفسه وإلى ملء النقص الذي يتبين له، وذلك بإرضاء أعمق لمصالح أوسع». (ح١ ص١٦٠٠١٥٦). وللعمل الفني وجهان : وجه المضمون والغاية والمعنى، ثم وجه التعبير، والتجلي، والواقع الخارجي. وبين هذين الوجهين تداخل بحيث أن المظهر الخارجي لاسبب له إلا التعبيرعن الباطن. وأعلى مضمون يمكن الذات تصوره هو مضمون الحرية، التي هي التحديد الأعلى للروح. ومعنى الحرية هو اختفاء كل بؤس وشقاء ، وتصالح الذات مع العالم وقد صار مصدراً لألوان الرضا ، واختفاء كل تعارض أو تناقض «لكن للحرية مضموناً عقلياً أيضاً: هو الأخلاق مثلاً، في الأفعال، والحقيقة في الأفكار. لكن طالما بقيت الحياة ذاتية، دون أن تظهر في الخارج، فإن الذات تجد نفسها في حضرة ما ليس حراً، مما ليس إلا موضوعية وضرورة طبيعية، ومن هنا تنشأ الحاجة إلى مصالحة هذا التقبل . ومثل هذا التعارض موجود في داخل الشخص نفسه. وحين نتحدث عن الحرية، فلا بد أن نحسب حساباً - من ناحية - لما هو في ذاته كلي ومستقل، مثل القوانين العامة للعدالة والجمال والحق،

(علم) الجمال الخ، ومن ناحية أخرى لغرائز الإنسان، وعواطفه، واستعدادته، ووجداناته، وبالجملة كل ما ينطوي عليه القلب العيني للإنسان المفرد ٠ وبين هذين الحدين المتعارضين يتواصل الصراع المستمر، الذي هو مصدر ألوان من اليأس، وآلام عميقة وشعور عميق بعدم الرضا ٠ إن الحيوانات تحيا في سلام مع نفسها ومع الأشياء التي تحيط بها، أما الطبيعة الروحية التي للإنسان فتجعله يعيش في حالة من الازدواج والتمزق، ويتخبط في وسط تناقضات تولدها هذه الحالة. «إن الإنسان لا يستطيع أن يقنع بحياة لا تتجاوز عالمه الباطن، حياة محبوسة في الفكر المحض، وفي عالم القوانين ذات الطابع الكلي-بلهو في حاجة أيضاً إلى وجود محسوس يستطيع فيه أن يطلق العنان لدافع العاطفة وخفقات القلب، وبالجملة: للحياة النفسية والفلسفة تتصور هذا التعارض بطريقة عامة جداً، والوسائل التي تقترحها من أجل القضاء على هذا التعارض هي الأخرى ذات طابع عام جداً لكن الإنسان في حياته المباشرة يطمع في إشباع مباشر أيضاً. وإنا لنجد في نسق الحاجات الطبيعية أول امتصاص للتعارض المذكور فالجوع والعطش والأكل والشراب والشبع والنوم الخ هي الأمثلة، في هذا المجال، على مثل هذا التعارض وامتصاصه. لكن في هذا المجال الخاص بالحاجات الطبيعية نجد أن مضمون الإشباع يكشف عن طابع متناه ومحدود. والإشباع ليس مطلقاً، ويتلوه فوراً يقظة للحاجة. والأكل والنوم والشبع لا يعطي نتائج نهائية: والجوع والتعب ما يلبثان أن يعودا من جديد في اليوم التالي . وفي المجال الروحي ينشد الإنسان الإرضاء والحرية في الإرادة وفي العلم؛ في المعارف والأفعال. والجاهل ليس حراً، لأنه يجد نفسه أمام عائق فوقه وخارج عنه، وهو مع ذلك يعتمد عليه، دون أن يكون هذا العالم الأجنبي من عمله هو ودون أن يشعر أنه مطمئن فيه ٠ والبحث عن العلم، والطموح إلى المعرفة، من أدنى الدرجات حتى أسماها، لا مصدر له إلا تلك الحاجة التي لا تقاوم: الحاجة إلى الخروج عن هذه الحالة من عدم الحرية من أجل اكتساب العالم بواسطة الإدراك والفكر ومن ناحية أخرى، فإن الحرية في الفعل تقوم في لالتزام بالعقل الذي يقتضي أن تصبح الإرادة حقيقة واقعية وهذا التحقيق للإرادة، بحسب مقتضيات العقل، يتم في الدولة . ففي الدولة المنظمة وفقاً لمقتضيات العقل نجد أن كل القوانين والنظم ليست إلآتحقيقات للإرادة تبعاً لتعيناتها الأكثر جوهرية. وحينما يكون الأمر كذلك، فإن العقل الفردي لا يجد في هذه النظم إلا التحقيق لماهيتة الخاصة، وحينما يخضع لهذه لقوانين فإنه لا يطيع في النهاية إلاً نفسه ٠ وكثيراً ما يخلط بين الحرية وبين الهوى؛ لكن الهوى ليس إلا حرية لا عقلية، لأن الاختيارات والقرارات التي تتخذ من الهوى لا تمليها الإرادة العاقلة، بل تمليها الدوافع العارضة والبواعث الحسية الخارجيةل . والفن يكون جزءاً من المجال المطلق للروح لأنه يشتغل بالحقيقة بوصفها موضوعا مطلقا للوعي. وبهذه المثابة يحتل الفن نفس المرتبة التي يحتلها الدين، بالمعنى الأخص لهذا اللفظ، والتي تحتلها الفلسفة، لأن الفلسفة هي الأخرى لا موضوع لها إلا الله، وهي بذلك لاهوت عقلي في جوهرها وعبادة إلاهية من أجل الحقيقة. إن الفن والدين والفلسفة هي ممالك الروح الثلاث، ومضمونها واحد، ولا خلاف بينها إلا في الشكل الذي يعبر به كل واحد منها عن نفس الموضوع، وهو «المطلق» كما يتجلى للوعي وهذه الاختلافات بينها إنما ترجع إلى تصور المطلق : فثم ثلاثة أشكال لهذا التصور: الشكل الأول: هو المعرفة المباشرة، وهي بالتالي حسية، والعلم هاهنا يتصور كل الأشياء من وجهة نظر حسية وموضوعية، فيها يذرك «المطلق» بواسطة العيان الحسي، وبالعاطفة والشكل الثاني: هو الامتثال (الإدراك) الواعي والشكل الثالث؟ هو الفكر الحر الذي هو فكر الروح المطلقة . "إن العيان الحسي ينتسب إلى الفن الذي يعطي الحقيقة شكل الانفعا ات الحسية (لتماثلها)، وحتى بهذه المثابة، فإن لها معنى يتجاوز المجال الحسي الخالص، لكنها لا تريغ، من خلال هذه الوسائل الحسية، إلى

(علم) الجمال جعل الروح في كل عليتها مذركة، لأن الوحدة التي تكونها هذم الروح مع الظاهرة الفردية هي التي تكون ماهية الجمال وتمثيله بواسطة الفن» . والدين كثيراً ما يستعين بالفن من أجل جعل الحقيقة الدينية أكثر عينية وأيسر للجمال . وفي هذه الحالة نستطيع أن نقول إن الفن يعمل في خدمة مجال ليس هو مجاله الخاص. لكن يجب أن نقول مع ذلك إنه فيكل مرة يؤكد فيها الفن كماله العالي، فإنه يعطي عن الحقيقة التعبير الأكثر توفيقاً، والذي يناسب ماهيتة إلى أعلى درجة . وعلى هذا النحو كان الفن عند اليونان، وهو الشكل الأسمى الذي مثل به الشعب آلهته وأدركوا الحقيقة ولهذا السبب فإن الفنانين والشعراء اليونانيين صاروا المبدعين لآلهتهم، إلا أن الفنانين أعطوا لأمتهم تصويراً محدداً لحياة الآلهة وأفعالهم، وأعطوا للدين مضموناً محدداً . لكن الفن يحمل في داخله خلافه، ولهذا يجب عليه أن يخلي مكانه لشكل من الوعي أسمى . والمجال الأقرب الذي يتجاوز مملكة الفن هو مملكة الدين. والوعي الديني يتخذ شكل الامتثال بأن ينتقل «المطلق» من موضوعية الفن إلى باطن الذات، فيصبح القلب أو الروح أو الذاتية بعامة هي اللحظة (العنصر) الرئيسية . «ويمكن نعت هذا التقدم للفن نحو الدين بأن نقول إن الفن لا يمثل إلا جانباً واحداً من الوعي الديني فإذا كان الفن يمثل الحقيقة، والروح، على شكل محسوس لموضوع ما، ويرى في هذا القبيل التعبير المطابق عن "المطلق» ، فإن الدين يضيف التقوى التي تكون الموقف الباطن تجام الموضوع المطلق إن التقوى تنتج عن كون الشخص يدع ما يجعله الفن موضوعياً للحساسية الخارجية يدخل في أعماقه الباطنة، ويندمج فيها بحيث تصبح محايثة الامتثال وعمق العاطفة عنصراً جوهرياً في وجود المطلق. إن التقوى هي عبادة الجماعة (أو الأمة) على الشكل الأصفى والأكثر أنساً وذاتية؛ إنها عبادة فيها الموضوعية تمتص وتهضم، ويصير مضمونها، وقد تخلص من هذه الموضوعية، ملكاً للقلب والنفس» . والشكل الثالث للروح المطلقة هو الفلسفة، لأن الدين الذي فيه يظهر الله أولاً للوعي كموضوع خارجي: إذ عليه أن يبدأ فيتعلم فن الله، وكيف انكشف للوعي - كي يكون عنصراً باطناً يملأ الجماعة (أو الأمة) لكن الباطن الذي يميز تقوى النفس ليس هو الشكل الأسمى للباطن وإنما الفكرالحر هوالشكل الأصفى للمعرفة، الفكر الذي بفضله يمتلك العلم نفس المضمون ويصير هكذا العبادة الأكثر روحية، أي أن الفكر يصبح قادراً على إدراك ما يتجاوز الامتثال والعاطفة. وهكذ نجد أن الفن والدين يتحدان في الفلسفة، وهو اتحاد بين موضوعية الفن، وبين ذاتية الدين وذلك لأن الفكر يكون الذاتية الأكثر عمقا، والأكثر صفاء، وهو الصورة الأكثر حقاً، والتي هي في الوقت نفسه العموم الأكثر كمالاً والأكثر موضوعية. والوعي الحسي عند الإنسان هو الوعي الأول في الزمان، والذي يسبق سائر أنواع الوعي. ولهذا فإن الدين في أقدم مراحله كان دينا يشغل فيه الفن والانتاج الحسي للفن مكاناً بالغ الأهمية، إن لم يكن المكان الأهم. وفقط في دين الروح يصير له، من حيث هو روح، موضوعاً لشعور أسمى، ويذرك على أنه في علاقة مع الفكر. ٢ الجمال في الطبيعة «الجمال هو «الصورة» Idee بوصفها وحدة مباشرة للتصورBegriff وحقيقة الواقعية بقدر ما تكون هذه الوحدة جاهزة في تجليها الواقعي المحسوس». وبعبارة أبسط: الجمال إنما يقوم في الوحدة بين التصور العقلي للشيء وبين وجوده الواقعي، بحيث يكون الشيء جميلاًإذا تطابق التصور العقلي مع التحقيق الفعلي في الوجود. أو بعبارة أكثر بساطة: الجمال هو التطابق بين المفهوم العقلي وبين الوجود الفعلي. وعند هيجل أن «التصور، ليس فقط من نتاج تفكيرنا المتعقل، بل هو يوجد موضوعيا، في الشخص الحي نفسه. ذلك لأن مثاليته ليست كما عند وشته، أي عقلية في الأنا، بل هي مثالية موضوعية وتبعاً لهذا المبدا، فإن الحياة التي تشيع في الطبيعة هي جميلة، من حيث أن الحياة هي «صورة» Idee محسوسة وموضوعية، وذلك بالقدر الذي به تلبس

(صلم) الجمال الصورة مباشرة. كشكل أولي طبيعي، شكل الحياة في عرض حقيقة واقعية للحياة، فإن الجمال الطبيعي ليس هو الجمال في ذاته، ذلك لأن الجمال الطبيعي ليس جميلاً. إلا بالنسبة إلى الآخرين، أي بالنسبة إلينا نحن، بالنسبة إلى الوعي الذي يدرك الجمال ٠ لهذا ينبغي أن نتساءل: كيف ولماذا الوجود في الحياة يبدو لنا جميلاً في آنيته Dasein المباشرة؟ إن أول ما يظهر لنا حين ننظر في كائن حي من حيث مظاهره وسكونه هو: الحركة الإرادية. وهذه، لو نظر إليها بوجه عام، فإنها ليست إلا الحرية المجردة في التغبير الزماني للمكان؛ وهذا التغيير، في حالة الحيوانات يظهر لنا أنه اعتباطي وكأنه صادر عن مجرد الصدفة I وفي الموسيقى والرقص توجد حركات لكنها ليست اعتباطية وبمحض الصدفة، بل هي في ذاتها منتظمة، مجردة، عينية، مليئة بالمقياس، وتظهر لنا كذلك، وأنها ليست اعتباطية، ولا بالصدفة. وحتى لو شاهدنا في حركة الحيوان تحقيقاً لهدف معين، فإن هذا التحرك ناجم عن تهيج، ولهذا فإنه عرضي تماماً ومحدود، أما إذا خطونا خطوة أخرى فإننا نجد في الحركة التعبير عن نشاط ذي طابع عقلي وتعاون بين كل الأجزاء؛ وهنالك نكون حكماً لا يمكن أن يكون إلاً نتيجة نشاط قام به ذهننا , والأمر كذلك إذا فكرنا في الكيفية التي بها يشبع الحيوان حاجاته: الغذاء، أخذ الطعام، التهامه، هضمه، وبالجملة كل ما يعمل على حفظ حياته لكن هذه الغائية هي الأخرى لا تكفي كي تظهر لنا أن الحياة الحيوانية تمثل الجمال الطبيعي ذلك لأن الجمال لا يمكن أن يعبر عنه إلآ في شكل، لأنه هو وحده التجلي الخارجي الذي به المثالية الموضوعية للكائن الحي تبدو لعياننا الحسي ولتأملنا الحسي * والشكل يتميز بامتداده في المكان، وبحدوده، ومظهره، ولونه، وحركاته وكثير من التفصيلات الأخرى. لكن إذا كان الكائن العضوي الذي يشتمل على هذه الاختلافات يبدو أنه حي، فمن المؤكد أنه ليس هذا التنوع وأشكاله هو الذي منه يستمد وجوده. وإذا كان له وجود حقيقى، فما ذلك إلآ لأن أجزاءه المختلفة، التى تبدو لنا أشياء محسوسة، تتجمع لتكون كلأ؛ بحيث أن الخصائص التي يتكون منها، رغم اختلافها بعضها عن بعض تكون انسجاما يقرب فيما بينها ويجعلها تتعاون من أجل غرض واحد بنفسه , لكن هذم الوحدم يجب أولاًأن يكون لها طابع الهوية غير المقصودة بين الفروق، وتبعا لذلك ليست غائية محرمة، والأجزاء التي تكون منها ينبغي ألا تظهر على شكل وسائل من أجل، وفي خدمة، غاية معينة، وا خالية من الاختلافات التي تفرق بينها من ناحية التركيب والهيئة. وثانياً: تتخذ الأعضاء، بالنسبة إلى من يتأملها، مظهر العرضية، بمعنى أن كل واحد منها لا يصنع تحديد الآخر؛ فالأمر هاهنا هو أمر فرد عضوي، فيه كل عضو يختلف عن الآخر: فالأنف يختلف عن الجبهة، والفم يختلف عن الخدود، والصدر يختلف عن الرقبة، والذراعان تختلفان عن الساقين، الخ. إن لكل عضو شكله الخاص، ولا يتحدد بغيره من الأعضاء، بل يبدو كل عضو أنه مستقل بنفسه استقلالاً ذاتياً، وأنه تبعاً ذلك حر وعرضي بالنسبة إلى سائر الأعضاء. وثالثاً: لكن على الرغم من هذا الاستقلال الذاتي فلا بد أن توجد رابطة باطنة ووحدة ليست ظاهرية فحسب، خارجية، مكانية، زمانية أو كمية، مثلم هي الحال في الأشياء الخاضعة لقاعدة وحيدة ٠ ولإدراك الوحدة في الكائن الموضوعي لا بد أن يتم ذلك بواسطة الفكر، ذلك لأنه في الطبيعة لا تتجلى النفس بما هي نفس، لأن الوحدة الذاتية لم تصبح بعد وحدة في ذاتها. وبإدراكنا للنفس بحسب تصورها، نحصل على نتيجة مزدوجة: عيان الشكل الحي، وتصور النفس بوصفها تصوراً. لكن ليست هذه هي الحال حين يتعلق الأمر بإدراك الجمال: فالموضوع ينبغي ألا يتجلى لنا كشيء مفكر فيه فقط، ولا أن يختلف عن العيان، ولا أن يتعارض معه من حيث أنه لا يتعلق إلا بالفكر. ولا يبقى إذن إلا أن يكون الموضوع لا يوجد إلا بسبب المعنى الذي يستخلص منه بوجه عام . وهكذا يمكن أن ننعت الطبيعة بأنها جميلة حين تكون تمثيلا محسوساً للتصور العيني وللصورة Idee ، ولكن بالقدر الذي به تأمل التشكيلات الطبيعية الموافقة للتصور تمكن من إدراك مثل هذا التناظر بينها، وأن (علم) الجمال ١٣٧ تكشف الملاحظة الحسية في نفس الوقت الضرورة الباطنة والانسجام أو التوافق في التركيب العضوي كله , وتأمل الطبيعة، من حيث إنها تستحق الوصف بالجمال، لا يفضي إلىما بعدهذا الإدراك. إن هذا الإدراك يظل غير محدد ومجرداً، والوحدة تظل باطنة، ولا تتجلى للعيان على شكل مثالي، وتبقى الملاحظة مقصورة على المصادرة العامة لضرورة وجود وفاق يشيع الحياة. وعلى الرغم من عدم تحدد الجمال الطبيعي، فيما يتعلق بحياته الباطنة فإن من الممكن أن نؤكد: أوا : إنه وفقاً للفكرة التي لدينا عن درجة شيوع الحياة، ووفقاً لإدراكنا تصورها الحقيقي - استناداً إلى الأنماط المعتادة للتجلي المطابق - فإنه توجد اختلافات جوهرية تسمح لنا بأن نميز بين الجمال والقبح في عالم الحيوان. فمثلاً الحيوانات التي تتحرك بصعوبة، ويعوزها العمل السريع لا تسر بسبب هذا الخمول والبطء. ذلك لأن النشاط والحركة السريعة هما علامات على مثالية عالية تتصف بها الحياة . وبالمثل، لا نستطيع أن نعد جميلاً بعض لأسماك، والتماسيح، والسلحفاءات، وا أنواعاً كثيرة من الحشرات، بينما بعض الكائنات المزدوجة الخلفة، والتي تكون الانتقال من شكل إلى آخر وتحقق خلطاً بين كليهما - يمكن أن تثير دهشتنا، دو أن نعدها جميلة، كما هي الحال في ال armithorynque<١ > الذي هو نوع من الطائر ومن ذوات الأربع وفي الحالة التي من هذا النوع ربما كان الأمر، فيما يتعلق بنا راجعاً إلى مجرد التعود، أي إلى أننا في متثااتنا نحن نتصور نمطاً ثابتاً من الأنواع الحيوانية. ثانياً: نحن نتحدث عن الجمال في الطبيعة بينما لا نكون في حضرة مخلوقات عضوية حية، وذلك حين نكون أمام منظر طبيعي، مثلاً. وهاهنا لا يوجد تنظيم عضوي للأجزاء، قد تحدد بحسب تصور وطبعت فيه نسمة الحياة موحدة وفيه تحقيق للصورة Idee : بل كل ما هو أمامنا هو تنوع موضوعات، وتجمع خارجي لأشكال مختلفة عضوية وغير عضوية: مناظر جبال، تعرجات أنهار، مجاميع من الأشجار، أكواخ، بيوت، مدن، (١) حيوان ثديي، موطنه استراليا، وهو برماثي ويتولد من بيض، وله ذيل طويل مسطح، وله منقار قرني قصور، سفن، سماء وبحر، أودية وشعاب. ومع ذلك، فعلى الرغم من هذا التنوع، وفي داخل هذا الاختلاف، فإننا نشاهد بين الأجزاء المؤلفة للمنظر الطبيعي انسجاماً ممتعاً أو مثيراً للانفعال يجتذبنا. ثالثاً: إن ثمة علاقة خاصة بين الجمال الطبيعي وبيننا، تحدث بسبب ما يولده هذا الجمال الطبيعي من أحوال نفسية وانسجام مع هذه الأحوال ونضرب مثالاً على ذلك السجو في ليلة قمراء، والسكون في الوادي، الذي يجري من خلاله نهير، والمنظر السامي للبحر الهائل وهو هائج، والجلال الساجي للسماء المرصعة بالنجوم. والمعنى الذي نعزوه إلى هذه الموضوعات لا يرجع إلى هذه الموضوعات نفسها، بل إلى الأحوال التي تثيرها في النفس. كذلك نقول عن بعض الحيوانات أنها جميلة حينما نشاهد لديها تجليات نفسية قريبة من التجليات لإنسانية: شجاعة، مكر، سخاء، الخ ونحن هاهنا حيال تجليات هي. من ناحية - خاصة بالموضوعات وعلى علاقة بجانب من الحياة الحيوانية، ومن ناحية أخرى هي على علاقة مع إدراكنا نحن وحالتنا النفسية. وإذ كان قد تقرر أن الحياة الحيوانية، التي هي قمة الجمال الطبيعي، تعبر عن درجة معينة من الحيوية، فإنه يبقى مع ذلك صحيحاً أن كل حياة حيوانية هي حياة محدودة ومرتبطة ببعض الصفات. ذلك أن الدورة الحيوية للحيوان دورة ضيقة، ودوافعها تسيطر عليها الحاجات الطبيعية: التغذي، الغريزة الجنسية، الخ ٠ وحياته النفسية الباطنة، التي تعبر عن نفسها في الوجه، حياة فقيرة، مجردة، لا قوام ثابتاً لها ومن جهة أخرى، نجد أن هذا الجانب الباطن لا يتجلى بما هو كذلك، لأن الحياة الطبيعية للحيوان لا تكشف عن نفسها بجعلها تنبثق من الباطن ٠ «إن نفس الحيوان لا تكون من أجل ذاتها تلك الوحدة المثالية؛ ولو كان الأمر كدلك، لتجلت أيضاً، في داخلها، للآخرين وإنما «الأنا» الواعي هو وحده الذي يمثل تلك المثالية البسيطة التي هي مثالية من أجل ذاتها. إنه هو وحده الذي يعرف ذاته بوصفه تلك الوحدة البسيطة ويتخذ لنفسه حقيقة ليست فقط محسوسة وجسمانية، بل تمثل في نفس الوقت تحقيقاً لصورة Idee وهنا فقط تلبس الحقيقة الواقعية شكل تصور؛ (علم) الجمال والتصور يتعارض مع ذاته، ويصير موضوعيته هو ويوجد فيها من أجل ذاته . أما الحياة الحيوانية فإنها، على عكس ذلك، لا تملك هذه الوحدة إلآفي ذاتها، وفي هذه الوحدة يكون للحقيقة الواقعية - من حيث هي جسمانية -شكل مختلف عن الوحدة المثالية للروح إن «الأنا» الواعي هو من أجل ذاته تلك الوحدة التي لكل مركباتها عنصر مشترك هو نفس المثالية. والأنا يتجلى للآخرين بوصفه هذا التعيين الواعي. أما الحيوان فلا يفعل، بواسطة مظهر، إلا أن يوحي إلى العيان بوجود نفس، ليس له منها إلا مظهر غامض، أو ما يشبه النفس، إنه نوع من العجز ينتشر على كل كيانه، ويؤمن وحدة الأعضاء ويكشف في كل عاداته عن البدايات الأولى لطابع (أو: خلق) معين، جزئي وهذا هوالنقص الآخر الذي يمثله الجمال في الطبيعة، حتى في شكله الأسمى، وهو نقص يقودنا إلى افتراض ضرورة المثل الأعلى، من حيث هو الجمال الفني» (ح١ ص١٩٢ .١٩٤ طبعة .(Reclam ومحصل كلام هيجل هنا هو أن الجمال، بالمعنى الحقيقي، لا يوجد إلا في الإنسان، لأن الجمال تعبير عن الصورة العقلية، والصور العقلية لا توجد إلا في عقل الإنسان، أما الجمال في المناظر الطبيعية فلا يعد جمالاً بالمعنى الحقيقي لأن المنظر الطبيعي جماد خال من العقل كذلك الجمال في الحيوان الأعجم إنما هو مرتبة دنيا من الجمال، ولا يتجلى إا في حركاته ووحدة أعضائه في أداء وظائفها. ولهذا كان أبرز في الحيوان ذي الحركة السريعة، وكان القبح من صفة الحيوان الهامد القليل الحركة المثل الأعلى ١ الجمال المجرد الخارجي ولما كان الشكل في الجمال الطبيعي مجرداً، فإنه محذد. وهو ينظم التنوع الخارجي تبعاً لهذا التحديد. ويسمى هذا التحديد: انتظاماً، وتماثلا Symetrie؛ وإذا اعتبرناه خاضعاً لقوانين سميناه: انسجاماً harmonie. فلننظر في هذه المعاني الثلاثة: الانتظام، التماثل (السيمترية)، الانسجام. أ) الانتظام: يقوم الانتظام في التساوي الخارجي، أو بطريقة أدق؛ في تكرار شكل واحد معين يعطي للشكل وحدة محددة. لكن هذه الوحدة بعيدة جداً عن الشمول العقلي للتصور العيني؛ ومن شأن هذا أن يجعل الجمال لا يوجد إلا بالنسبة إلى الذهن المجرد، الذي لا يدرك إلا المساواة والهوية المجردتين، لاالعينيتين ولهذانجدأنه من بين الخطوط الخط المستقيم خط منتظم لأنه ليس له إلاً اتجام واحد يظل دائماً - في التجريد مساوياً لنفسه. ولهذا السبب أيضاً نجد أن المكعب جسم منتظم لأن كل أضلاعه هي سطوح ذوات مقادير متساوية، ولأنه مؤلف من خطوط وزوايا متساوية، ولأن زواياه مستقيمة فإنها لا يمكن أن تتغير في المقدار كما هي الحال في الزوايا الحادة أو المنفرجة. ب : التماثل (السيمترية) : والتماثل قريب الشبه بالانتظام. وينشأ التماثل من انضمام اللاتساوي إلى التساوي، ودخول الاختلاف في الهوية والتماثل يقوم، لا في تكرار شكل واحد مجرد، بل في التبادل بين هذا الشكل وشكل آخر يتكرر هو أيضاً وعذا الأخير، منظوراً إليه في ذاته، محدد أيضاً وهو هو ذاته لكنه غير مساو للشكل الأول الذي اجتمع وإياه ومن هذا الاجتماع لا بد أن تنشأ مساواة ووحدة أكثر تحدداً وتنوعاً في ذاتها. مثال ذلك: حين تكون لمنزل واجهة فيها ثلاث نوافذ من نفس الحجم وعلى مسافة متساوية بعضها عن بعض، ومن فوقها ثلاث أو أربع نوافذ تفصلها بعضها عن بعض مسافات أكبر أو أقل، ثم أخيراً نجد ثلاث نوافذ مشابهة للثلاث الأولى من حيث الحجوم والمسافات التي تفصلها بعضها عن بعض - حينئذ نكون أمام تنظيم تماثلي (سيمتري). وهكذا نجد أن مجرد التكرار لنفس التحديد لا يكفي لإيجاد التماثل، إذ يقتضي التماثل إلى جانب ذلك ختلافاتتتعلق بالحجم، والموقع، والشكل، واللون، والصوت وسائر التحديدات التي ينبغي، بدورها، أن تتكرر على نحو مطرد ٠ فمن هذا الجمع المنتظم لتحديدات لا متساوية ينشأ التماثل. (علم) الجمال

وهكذا نجد أن الانتظام والتماثل، بوصفهما ترتيباً ووحدة خارجين تماماً، يكونان جزءاً من التحديد المتعلق بالمقدار، ذلك لأنهما متعلقان بالكم؛ أما الكيف فيجعل ماهية الشيء، وبالكيف يصبح الشيء شيئاً آخر، أما بالكم فالشيء تبقى ماهيته كما هي . وبالجملة فإن لانتظام والتماثل هما في المقام الأول مميزان لتحديد المقادير، وأعدادها وترتيبها في اللامساواة. وإذا بحثنا أين يوجد الانتظام في المقادير، لوجدناه أولا في الطبيعة سواء منها العضوية واللاعضوية، فإن الإشكال فيها منتظمة ومتماثلة في المقدار وفي الشكل. فجهازنا العضوي، مثلا، منتظم ومتماثل، على لأقل جزئياً. إذ لنا عينان، وذراعان، وساقان، ووركان متساويان، وخدان متساويان، الخ أما سائر الأعضاء فنحن نعلم ها غير منتظمة : كما هي الحال في القلب، والرئة، والكبد، والمصارين، الخ. والسؤال الذي يثار في هذا الصدد هوم فيم يقوم الاختلاف؟ إن الجانب الذي يتجلى فيه الانتظام فيما يتعلق بالمقدار ٠ الشكل والموضع - الخ، هو الجانب الخارجي للجهاز العض زي . والانتظام والتماثل يوجدان حيث يكون الموضوعي خارجياً بالنسبة إلى نفسه وا يخييه أي عنصر ذاتي. والحقيقة الواقعية التي لا تذهب إلى أبعد من هذا الخارج تخضع لتلك الوحدة الخارجية المجردة . أما فيما هو حي، وأسمى من ذلك في الروحية الحرة فإن الانتظام ينمحي أمام الوحدة الذاتية الحية . وبعبارة أبسط تقول إن الانتظام في الجسم العضوي يوجد فيما هو في الخارج، بينما يزول الانتظام فيما يتعلق بما هو في الداخل . وإذا صعدنا في الدرجات الرئيسية، وصلنا إلى المعادن، ثم البلورات، الخ وهي من حيث أنها تشكيلات جمادية فإن لها أشكالا مميزاتها الرئيسية هي الانتظام والتماثل. ومظهرها محايث فيها، وغير متحدد بواسطة تأثيرات خارجية؛ والشكل الذي يلائم طبيعتها يضع - بفاعلية غامضة - تركيبها الباطن والخارجي لكن هذه الفعالية ليست الفعالية الكلية للتصور العيني المثالي الذي يضع سلب الأجزاء المستقلة ويشيع فيها الحياة، كما هي الحال في الحياة الحيوانية بل الأمر على العكس : فإن الوحدة وتحديد الشكل يحتفظان بوحدانية مجردة يدركها الذهن، إنها وحدة الموضوع الخارجي بالنسبة إلى ذاته هي التي تنتج الانتظام البسيط والتماثل، وهما وحدهما اللذان تلعب فيهما التجريدات دوراً ففالاك. والنبات أسمى من البلور. إنه يتطور حتى ابتداء العضوية، ويمتص المواد بتغذية مستمرة وفعالة. لكن النبات نفسه لا يملك بعذ حياة متنفسة، لأنه على الرغم من تركيبه العضوي فإن نشاطه متجه دائماً إلى الخارج. والنبات راسخ الجذور، عاجز لهذا السبب عن الحركة وتغيير المكان، وتمثيله الذاتي وتغذيته ليسا تمثيل وتغذية جهاز عضوي في حالة سكون ومحبوس في ذاته، فإنما هو يلقى بنفسه دائماً نحو الخارج. والحيوان هو لآخر ينمو لكن نموه ما يلبث أن يتوقف حين يبلغ حداً معيناً، وتكاثر الحيوان لا يعني في الحقيقة إلا استمرار الواحد هو هو نفسه . أما النبات فعلى العكس من ذلك : ينمو إلى غير نهاية؛ وفقط بعد موته يتوقف تكاثر الأغصان والأوراق، الخ. وما ينتجه بفضل هذا النماء هو دائماً نسخة جديدة من نفس الجهاز العضو الكلي 1 ذلك لأن كل غصن هو نبات جديد، وليس مجرد عضو كما هو الحال بالنسبة إلىجهاز لحيوان. والأجهزة العضوية المزودة بحياة حيوانية تتميز أساساً بطريقة فردية لتكوين الأعضاء، لأن الحيوان، وخصوصاً النوع الأعلى في الدرجة، يملك جهازاً عضوياً باطناً، محبوساً في داخل ذاته، ويتحمل نفسه. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، بوصفه جهازا عضوياً خارجياً، وعملية خارجية فإنه يتوجه نحو الخارج. والأعضاء الأكثر نبلاً هي الأعضاء الباطنة: الكبد، القلب، الرئة، الخ، إذ عليها تتوقف الحياة. وهي لا تتحدد بمعيار الانتظام أما الأعضاء التي على علاقة مستمرة بالخارج فإنها - حتى في الحيوان - تكشف عن ترتيب متماثل . وهكذا نجد أنه حتى في العالم العضوي، لا يفقد الانتظام كل حقوقه، لكن هذا ليس صحيحاً إا بالنسبة إلى الأعضاء التي تؤمن العلاقات المباشرة مع العالم الخارجي، لا علاقات الجهاز العضوي مع نفسه تلك هي الخصائص الرئيسية للأشكال المنتظمة

(علم) الجمال والمتماسكة، ودورها في ظواهر الطبيعة - ح) الانسجام ث أما الانسجام فيشغل الدرجة العليا، ويكون الانتقال إلى حرية الحياة، الطبيعية والروحية معا. إنه الخضوع لقوانين؛ وهذا الخضوع لقوانين ليس بعد الوحدة والحرية الذاتيتين الشاملتين؛ بيد أنه يكون، مع ذلك، شمولاً من الاختلافات الجوهرية، التي لا تتجلى فقط كاختلافات وتقابلات بل تحقق في شمولها وحدة وتماسكاً. ومثل هذه الوحدة التي تحكمها قوانين، مع بقائها مرتبطة بما هو كمي، لا ترد إلى مجرد اختلافات في المقدار خارجية عن نفسها وقابلة للقياس، بل تتضمن أيضاً روابط كيفية بين مختلف العناصر. ولهذا فإنها لا تمثل تكراراً مجرداً لتحديد واحد بعينه، ولا تبادلاً منتظماً للمسا وى وا للامسا وى، بل هي تمثل التقاء واتحاد جوانب مختلفة اختلافاً جوهرياً . ونحن نشعر بالارتياح حين نشاهد هذه الاختلافات وقد تجمعت معاً، دون أن ينتج عن ذلك أي تخفيف لها. والعنصر العقلي في هذا الارتياح يقوم في كون الحواس لا تقنع إلا بالكل الشامل، وخصوصاً شامل الاختلافات الموافقة لطبيعة الشيء. مع ذلك فإن التماسك قد تم جزئياً بواسطة العادة، وجزئياً بعاطفة أعمق ٠ ومن السهل، بمساعدة بعض الأمثلة، أن تعين على نحو دقيق الانتقال من الانتظام إلى الخضوع لقوانين فمثلا: الخطوط المتوازية ذوات الطول الواحد هي منتظمة من وجهة النظر المجردة ثم تخطو بعد ذلك خطوة، إذا نظرنا في المساواة بين الروابط في حالة المقادير غير المتساوية مثلا فيحالة المثلثات المتكافئة فنجد أن ميل الزوايا، والروابط بين الخطوط بعضها ببعض هي واحدة، لكن المميزات الكمية تختلف بين مثلث وآخر . كذلك نجد أن الدائرة ليس لها انتظام الخط المستقيم، لكنها مع ذلك تخضع لتحديد المساواة المجردة، لأن كل شعاعاتها (أنصاف الأقطار فيها) لها نفس الطول. ولهذا فإن الدائرة ليست إلآ خطاً منحنياً قليل الأهمية. وفي مقابل ذلك نجد أن القطاعات الناقصة والقطاعات الزائدة هي ذات انتظام أقل، ولا يمكن الإقرار بها إلا بالاستناد إلى القوانين التي تحكمها٠ فمثلاً نجد أن الأشعة المتجهة vecteurs في القطع الناقص هي غير متساوية، لكنها مع ذلك محكومة بقوانين؛ كذلك يوجد اختلاف جوهري بين المحور الكبير والمحور الصغير، وأن البؤرتين لا تتطابقان مع المركز، كما هي الحال في الدائرة. ونحن هاهنا أمام اختلافات كيفية محددة بواسطة قوانين، واجتماعها هو الذي يكون القانون. فإذ قسمنا القطع الناقص تبعاً للمحورين (الصغير والكبير) فإننا نحصل على أربعة أجزاء متساوية، وذلك لأن المجموع قد سادته المساواة. والخط البيضاوي يمتلك حرية أكبر، في الوقت نفسه الذي فيه يمتلك تحديداً باطناً. إنه يخضع لفعل قانون لم نفلح بعد في اكتشافه وحسابه. إنه ليس قطعاً ناقصاً، وإنما منحناه العلوي يختلف عن منحناه السفلي. لكن هذا الخط الطبيعي، الأكثر حرية، لو أنه قسم بحسب المحور الكبير، فإنه يعطي أيضاً نصفين متساويين والانتظام ينمحي تماماً أمام فعل القوانين في الخطوط المشابهة للخطوط البيضاوية. لكنها لو قسمت بحسب المحور الكبير فإنها تعطي نصفين غير متساويين لأن الواحد منهما ليس تكراراً للآخر، إذ لكل واحد منها دورانه الخاص به . وذلك هو الخط المتموج الذي قال عنه هوجرت Hogarth إنه خط الجمال( >. وعلى هذا النحو نجد أن خطوط الذراع في جانب ليس لها نفس الاتجاه التي لخطوط الذراع في الجانب المقابل في الجسم الإنساني ٠ ونحن هاهنا بإزاء فعل قوانين، خارجا عن كل نتظام. وفعل القوانين هذا هو الذي يحدد الأشكال المتنوعة للكائنات العضوية الحية العليا، وذلك في اختلافاتها وفي وحدتها على السواء . لكن يلاحظ، من ناحية، أن سلطان القوانين لا يمارس إلا على نحو مجرد، دون أن يؤدي إلى يقظة الفردانية؛ ومن ناحية أخرى، نجد أن الحرية العليا نفسها لا تزال تعوزها تلك الذاتية اتي هي وحدها الشرط في التجلي المتنفس والمثالي. ولهذا ينبغي أن نضع الانسجام في مستوى أعلى من المستوى الذي يمارس فيه فعل القوانين ذلك لأن (١) هوجرت william Hogarth (١٦٩٧-١٧٦٤) رسام رحفار وكاتب انجليزي الف كتاباً بعنوان: «تحليل الجمال، (سنة ١٧٥٢) وفي لوحاته هاجم النفاق الديني والفساد السياسي وتأثر بالتصوير الهوندي، رأبدع أسلوباً جديداً في التصوير التاريخي.

(علم) الجمال لانسجام ينتج عن النسبة بين ختلافات كيفية. إنه يكون شمولا لهذه الاختلافات له سببه في طبيعة الشيء نفسها. وهذم النسبة تفلت من فعل القوانين من حيث أن لها جانباً يتسم بالانتظام، لكنها تتجاوز المساواة والتكرار. وفي الوقت نفسه فإن الاختلافات تؤكد نفسها، لا كاختلافات، في تقابلاتها وتناقضاتها، وإنما كوحدة انسجامية تبرز كل اللحظات التى تتكون منها، لكنها تحتوي عليها جميعاً في حالة كل واحد أحد. وهذا هو ما يكون الانسجام . إنه يمثل - من ناحية - كل الجوانب الجوهرية و - من ناحية أخرى - القضاء على التقابل بينها المحض البسيط، وهذ من شأنه أن ينتج بينه رتباطاً باطنا هو عامل وحدتها . وبهذا المعنى نحن نتحدث عن الانسجام قي شكل ما، وفي الألوان، وفي الأصوات، الخ فمثلاً: لأزرق، والأصفر، والأخضر والاحمر تكون اختلافات ضرورية، سببها موجود في طبيعة الألوان نفسها . وما يميز هذه الألوان، ليس هو فقط اللامساواة، كما هي الحال في التماثل (السيمترية) حيث تتجمع العناصر المختلفة على شكل منتظم من أجل تكوين وحدة خارجية؛ لكن تقابلاتها المباشرة، مثل تقابل الأصفر والأزرق، وكذلك تحيزها بعضها لبعض وهويتها العينية . وجمال انسجامها إنما يرجع إلى إزالة كل ختلاف وتقابل فج، ينمحي ليخلى المكان للاتفاق بين الأضداد وبين الاختلافات توجد علاقات وثيقة، لأن كل لون، بدلا من أن يكون بسيطاً، يمثل شمولاً جوهرياً٠ وهذا الشمول يمكن أن يكون - كما قال جيته Goethe - بحيث يكفي أن يوجد أحد هذه الألوان أمام العين. كي توجد في الحال رؤية ذاتية للآخر. وفيما يتعلق بالأصوات، نجد أن النغمية toniques، والمتوسطة médianes والسائدة dominantes تكون هذه الاختلافات النغمية الجوهرية التي حين يجتمع تتوافق على الرغم من اختلافها بعضها عن بعض وكذلك الحال أيضاً في انسجام شكل الجسم، ووضعه، وسكونه، وحركته، الخ. إذ يجب ألا يكون كل اختلاف فيها مدركاً من جانب واحد، إذ يكفي هذا لإفساد اتفاقها. لكن الانسجام بما هو كذلك ليس بعد الذاتية الحرة والمثالية للنفس ذلك لأنه في النفس، لا تنتج الوحدة من مجرد التقارب أو الاتفاق، بل هي تنتج من نفي الفوارق والاختلافات، هذا النفي الذي يولد-وحده - الوحدة المثالية. إن الانسجام ليس هو الخالق لهذه المثالية. ذلك لأن الانسجام الخالص البسيط لا يظهر الحيوية الذاتية بما هي كذلك، ولا الروحية وذلك على الرغم من أنه يكون الدرجة العليا للشكل المجرد ويقترب من الذاتية الحرة الجمال بوصفه وحدة مجردة للمادة المحسوسة ولننظر الآن في الجمال كما يتجلى في المادة المحسوسة وهنا نجد أن الوحدة تستبعد كل اختلاف، وتتجلى صافية، طاهرة، فصفاء المادة من حيث الشكل، أو اللون، أو الصوت هو العنصر الجوهري المحقق لجمالها٠ ومثال ذلك، الخطوط المرسومة بصفاء ووضوح، والتي تمتد بشكل مطرد، دون نحراف إلى يمين أو إلى يسار، والسطوح الملساء، الخ كل هذه نحن نستريح إليها بسبب دقتها ووحدتها المطردة؛ وصفاء السماء، وشفافية الهواء، والبحيرة التي ترف كالمرآة، وسطح ماء البحر الساكن كل هذه تشيع الرضا في نفوسنا لهذا السبب. وكذلك الحال في صفاء الأصوات، ذلك أن الصوت الصافي وإن لم يكن إلا نبرات بسيطة، يبث فينا الارتياح، بينما الصوت العكر يدعو إلى النفور، لأنه نبرات يعوزها الدقة والوضوح. وفي اللغة نجد أصواتاً صافية مثل الحروف الصائتة (المتحركة) م ا0 1 ,ة وحروفاً مختلطة مثل ¡خ ,011، الخ . واللهجات الشعبية (العامية) هي خصوصاً التي تحتوي على أصوات غير صافية. ولكي تحتفظ الأصوات بصفائها، لا بد أن تحاط الحروف الصائتة بحروف ساكنة، لكن دون أن تخفتها كما هي الحال في اللغات الشمالية (السويدية، النرويجية، الخ) حيث الحروف الساكنة كثيراً ما تفسد الحروف الصائتة، بينما اللغة الايطالية لأنها تحافظ على هذا الصفاء فإنها تمكن من الغناء بسهولة، ونفس الأثر تحدثه الألوان الصافية، البسيطة، غير المختلطة: مثلا: أحمر صاف، أو أزرق صافي، وهما نادران لأنهما كثيراً، ما يتحولان إلى : محمار، مصفار، أو أخضر والبنفسجي يمكن هو لآخر أن يكون صافياً، لكنه صفاء خارجي أي غير مهجن، لأن البنفسجي ليس بسيطاً في

(علم) الجمال ذاته، والاختلاف الذي يفصله عن سائر الألوان ليس من نوع تلك الاختلافات الراجعة إلى طبيعة اللون نفسها -والألوان الأصلية هي التي يتعرف صفاؤها بسهولة لكن من الصعب جمعها في مجموع منسجم، لأن وضعها بعضها إلى جانب بعض يبرز اختلافاتها على نحو أوضح والألوان المخففة، إذا مزجت مزجاً شديداً، فإنها تكون أقل إمتاعاً للنظر، لكن لما كانت تعوزها شدة التعارض فإن عدم الاتفاق بين العناصر التي تتألف منها لا يدهشنا كثيراً إن الأخضر مزيج من الأصفر والأزرق، لكن هذين اللونين يوازن كلاهما الآخر، وبهذه الموازنة فإن الأخضر حينما يكون صافياً خالصاً فإنه يمتعنا أكثر، ويصدمنا أقل مما يفعل الأزرق والأصفر بما بينهما من اخلافات حادة. وعلى كل حال فإننا فيما يتعلق بمواد الطبيعة إزاء طبيعة متينة، وإن تعوزها الذاتية. ٣ المناقص في الجمال الطبيعي وعلينا الآن أن نبحث في الفارق بين الجمال الطبيعي (أو: في الطبيعة) وبين الجمال الفني (أو: في الفن). ويمكن أن نقول يطريقة مجردة إن الصورة العقلية Idee هي الجمال الكامل في ذاته، بينما الطبيعة هي الجمال الناقص. لكن هذا القول خاو من المعنى ولا يجعلنا نتقدم فتيلاً، لأن المطلوب هو أن نعرف، بطريقة دقيقة، ما الذي يصنع الكمال في الجمال الفني، والنقص في الجمال الطبيعي. ولهذا ينبغي أن نضع السؤال في الصيغة التالية: لماذا كانت الطبيعة ناقصة بالضرورة فيما يتعلق بجمالها، وفيم يتجلى هذا النقص؟ وللجواب عن هذا السؤال نقول إن الصورة العقلية هي ليست فقط ا لجوهر والكلية، بل هي أيضاً وحدة التصور مع الواقع. وأفلاطون هو أول من قال إن الصورة العقلية وحدها هي الحقيقة والكلية، وهي أساساً الكلي العيني ٠ لكن الصورة العقلية عند أفلاطون ليست بعد عينية حقاً لأنها لا تناظر الحقيقة إلاًإذا نظرنا إليها في تصورها وفي كليتها٠ لكن إذا نظر إليها من حيث أنها كلية فقط فإنها ليست بعد تصورا حقاً٠ كما أن الصورة العقلية لا تكون صورة عقلية حقاً إلآ إذا كانت واقعية، ولهذا يجب أن تتقدم الصورة العقلية نحو الواقع، وهي لا تتلقى الواقع إلا من الذاتية الواقعية، وفقاً للتصور. فمثلاً واقعية النوع إنما تصور لنا في الفرد العيني الحر، والحياة لا توجد إلا على شكل كائنات حية فردية، والخير لا يتحقق إلا بواسطة أفراد من بني الإنسان، وأية حقيقة لا تكون حقيقة إلا بالنسبة إلى وعي يعرف، إلى روح (أو عقل) توجد من أجل ذاتها. والفردانية العينية هي وحدها الحقيقية والواقعية، أما الكلية المجردة والجزئية فهما ليستا حقيقتين واقعيتين . وعلينا أن نميز بين شكلين من الفردي: الفردي الطبيعي المباشر، والفردي الروحي والصورة العقلية توجد على هذين الشكلين. والفردي المباشر موجود فيما هو طبيعي بما هو كذلك، كما هو موجود في الروح، والروح وجودها الخارجي هو في الجسم. والمقر الحقيقي لنشاط الحياة العضوية مستورعنا، إذ نحن لا نرى إلا الملامح الخارجية للشكل الذي هو بدوره مغطى بريش، أو صدف، أو شعر، أو فراء، أو شوك، الخ وهذه الأغطية صفات للحيوان، لكنها انتاجات حيوانية ذوات طابع نباتي ٠ وهذا هو ما يكون السبب الأساسي لانحطاط الحيوان من وجهة نظر الجمال إن ما نراه من الجهاز العضوي ليس هو النفس؛ وما هو متجه نحو الخارج ويظهر في كل لحظة ليس هو الحياة الباطنة، بل تكوينات من درجة أدنى من درجة الحياة بالمعنى الصحيح ٠ أما الجسم الإنساني فهو على العكس من ذلك : إنه من هذه الناحية أسمى، لأنه يمكننا من أن نشاهد في كل لحظةأن الإنسان موجود واحد، حساس، ومزود بنفس ذلك أن جسمه ليس مغطى بملابس عديمة الحياة، من طبيعة نباتية، ونبض دمه مستمر على السطح كله، وضربات قلبه يمكن الشعور بها، وتبدو أنها، حتى لو لوحظت من الخارج، هي العلامات الرئيسية على الحياة. وجلده يملك حساسية عامة، ويبدو من رخاوة وصبغة طالما عذبت الرسامين. صحيح أن للجلد مهمة نفعية وهي حماية الجسم ضد العوارض الخارجية. لكن السمو الهائل الذي يتصف به جسم الإنسان يقوم في حساسيته . (علم) الجمال

لكننا نشاهد هاهنا أيضاً نقصاً، وهو أن هذه الحساسية ليست حساسية مركزة في الباطن ومنتشرة في كل الأعضاء، بل نجد أن عدداً معيناً من الأعضاء بأشكالها هي في خدمة وظائف حيوانية، بينما عدد آخر مهمته هي إبراز الحياة النفسية والعواطف والوجدانات في الخارج. وهكذا لا تتجلى النفس والحياة الباطنة في كل الشكل الإنساني ونجد نفس النقص في عالم الروح وأجهزته حين تنظر إليها في حياتها المباشرة. فكما كانت تشكيلاته أكثر وأغنى، كانت الوسائل التي تحتاج إليها الغاية الوحيدة التي تشيع في الكل - أكثر عدداً. وفي الواقع المباشر يبدو أن هذه الغايات هي مثل أعضاء تعمل من أجل الكل، وأن كل ما يحدث إنما هو راجع إلى تدخل الإرادة. وكل عنصر في جهاز مثل الدولة، والأسرة، الخ، أي كل فرد، مأخوذاً على حدة، يظهر إرادة ويعمل بالتضامن مع سائر أعضاء نفس الجهاز العضوي، لكن الروح الوحيدة الباطنة في هذا التجمع، والحرية والعلة في الغاية الوحيدة لا تتجلى كما هي في الواقع، وحضورها في كل الأجزاء المكونة للتجمع ليس واضحاً والفرد الروحي هو شمول في ذاته، مرتب حول مركز روحي. وهو في واقعة المباشر، أعني في طريقته في الحياة، والفعل، وفي تجلياته، وشهواته وسلوكه -ولا يظهر إلآ على شكل شذرات - لكن من أجل الحكم على أخلاقه، لا بد من معرفة كل تسلسل في أفعاله ووجداناته. وفي هذا التسلسل، الذي يكون حقيقته الواقعية، لا تظهر نقطة التركيز والتوحيد كمصدر مرئي ليس الباقي إلا صدوراً عنه . لكن الصورة العقلية تصطدم في تحققها الفردي بظروف خارجية ونسبية في الوسائل والغايات، وعلى العموم تنجرف في دوزامه من الظواهر المتناهية ذلك لأن الفردي المباشر هو قبل كل شيء، وحدة منطوية على نفسها، وبهذه المثابة فإنها تحدد نفسها سلبياً بالنسبة إلى كل ما ليس إياها، وبفضل انعزالها المباشر الذي يرغمها على وجود مشروط، فإنها تدفع بقوة الشمول، الذي لا توجد حقيقته في داخلها، إلى عقد علاقات مع ما ليس إياها إلى درجة السقوط تحت صولة أشياء غيرها. وفي هذه المباشرة، فإن الصورة العقلية قد حققت كل وجه من أوجهها على حدة، والرابطة بين الموجودات المنفصلة، الطبيعية منها والروحية، لا تشكل بعداً إلا بالقوة الباطنة للتصور. وهذه الرابطة تهدد كما لو كانت بدائية من الخارج، وكضرورة خارجية تفرضها اعتمادات متبادلة ويفرضها كون كل واحد منها يخضع لردود أفعال مصدرها في مكان آخر، ومن هذه الناحية فإن الآنية (: الوجود — هناك) المباشر يتجلى كنظام من العلاقات الضرورية بين أفراد وقوى تبدو في الظاهر مستقلة ٠ وبالجملة، فإن الفردي المباشر يحيا في مملكة عدم الحرية * فالحيوان، مثلاً، مرتبط بعنصر طبيعي معين: هواء ، تربة ، الخ ٠ ومن هذه الواقعة تنتج الخلافات الكبيرة التي تشاهد في مجموع الحياة الحيوانية ٠ وتوجد أنواع وسطى، مثل الطيور السابحة والثدييات التي تعيش في الماء (مثل القيطس) ، وبرمائيات ، لكن هذه ليست إلا أنواعاً ممزوجة ، وليست تركيبات عليا وشاملة . وكذلك نجد، فيما يتصل بالمحافظة على الحياة، أن الحيوان يظل معتمداً على الطبيعة الخارجية فيصاب بالبرد والجفاف وانعدام الغذاء . حتى إنه في الحالة التي يكون فيها محيطه فقيراً فإنه يتعرض لفقدان امتلاء الشكل، ولمعان الجمال، وللضمور. فما يحتفظ به أو يفقده من الجمال الممنوح له يعتمد إذن على ظروف خارجية . وكذلك الحال في جسم الإنسان، فإنه - وإن يكن ذلك بدرجة أقل - خاضع هو الآخر لقوى طبيعية خارجية ويتعرض لنفس العوارض والصدف ولأمراض مدمرة ولكل أنواع الحرمان والبؤس. هذا فيما يتعلق بالمنافع الجسمانية . فأما فيما يتعلق بالمصالح الروحية فإن الاعتماد الذي ذكرناه يكون تسبياً تماماً٠ ونحن نشاهد ذلك بحسب التباين بين غايات الحياة النفسية، وغايات الحياة الروحية التي هي أسمى منها، ويمكن أن تعرقل الواحدة منها الأخرى، بل وأن تدمرها على التبادل والإنسان، من حيث هو فرد، يجب عليه للمحافظة على فردانيته أن يصير وسيلة في خدمة الآخرين وغاياتهم المحددة، وأن يستخدم الآخرين كوسائل. فالفرد، كما يتجلى في هذا العالم في حياته اليومية المعتادة لا ينفتح في الخارج تماماً في ألوان نشاطه، أي إن نشاطاته لا تكون انبثاقاً لشامل قواه (علم) الجمال الروحية . وهو لا يمكن أن يفهم بحسب ذاته ، وإنما بحسب ما ليس إياه . ذلك لأن الإنسان الفردي يجد نفسه تحت رهبة عوامل خارجية، وقوانين، ونظم سياسية وحالة مدنية (ميلاد، أسرة، قرابة، وطن، الخ) موجودة مثل وجوده ويرى نفسه مضطراً إلى الخضوع إليه والالتزام بها دون أن يتساءل هل هي تتفق أو لا تتفق مع باطن ذاته. يضاف إلى هذا، أن الشخص ليس في نظر الآخرين شمولا في ذاته، وإنما يحكم عليه ويفزر تبعاً لما للآخرين من مصلحة في أفعاله ورغباته وآرائه. وما يهم الناس في المقام الاول هو ما يتعلق بمقاصدهم وغاياتهم هم بل إن الأفعال العظيمة والأحداث الكبيرة التي هي من نتاج العمل الجماعي لا تبدو في عالم الظواهر النسبية هذا الذي نعيش فيه إلا على شكل ميول فردية متعددة ومتنوعة. فهذا الفرد أو ذاك يسهم بنصيبه من أجل هذه الغاية أو تلك، فيفلح في ذلك أو لا يفلح، وإذا أفلح فإن ما يحصل عليه يبدو ثانوياً تماماً بالنسبة إلى الكل. . وما ينجزه غالبية الأفراد ليس إلآ عملاً جزئياً إذا ما قورن بأهمية الحادث كله والغاية الكلية التي يسهمون فيها ولهذا السبب فإن الفرد، لو نظر إليه في هذا المجال، فإنه يبدو محروماً من تلك الحرية وتلك الحيوية المستقلتين الشاملتين اللتين هما الأساس في الجمال «ذلك هو ابتذال العالم، كما يتجلى في نظر كل واحد منا ولجميع الناس. إنه عالم متناه، متغير، مشتبك في تشابكات ما هو نسبي وضغط الضرورة والفرد عاجز عن الإفلات من هذا كله، لأن كل فرد حي يجد نفسه في موقف حافل بالتناقض يجعله يتصور نفسه مثل كل تام ومغلق، ومثل وحدة، وفي الوقت نفسه يجد نفسه تحت رحمة ما ليس إياه، والنضا ل الذي يستهدف حل هذا التناقض ينحل إلى محاولات لا تؤدي إلا إلى إطالة مدة هذا التضال». والفرد المباشر في هذا العالم الطبيعي والروحي لا يجد نفسه فقط في حالة من العيلولة، بل إن الاستقلال المطلق يعوزه، لأنه محدود، أو بتعبير أدق: جزثي في ذاته. وكل فرد حي ينتسب إلى عالم الحيوان يكون جزءاً من نوع معين وثابت يستحيل عليه أن يتجاوز حدوده. ويمكن الروح أن تكون لديها فكرة عامة عن الحياة وبنظيمها، لكن هذا الجهاز العام ينقسم - في الحقيقة الواقعية الطبيعية - إلى كثرة من الخصائص الجزئية التي تناظر مقداراً مماثلا من الأنماط التي تختلف من حيث شكلها الخارجي عن طريق نمو هذه لأجزاء أو تلك من هذا الجهاز لكن داخل هذه الحدود التي لا يمكن تخطيها لا توجد ضدف ناشئة عن أحوال خارجية، والتبعية نفسها تختلف بحسب الصدف وتتجلى بشكل خاص في كل فرد، بحسب هذه الظروف وهكذا نرى أن الاستقلال الذاتي والحرية اللذين يقتضيهما الجمال الحقيقي يتعرضان لتقلص خطير. وكما أن الأنواع الحيوانية تكشف عن تدرج في النقص بحسب الدرجات التي تشغلها في سلم الحياة، فكذلك نجد أن في الجنس الإنساني هو الآخر اختلافات في الجنس (العنصر) مع تدرج في الأشكال من حيث الجمال . وإلى جانب هذه الفوارق العامة،لا بد أن نحسب حسابا، للخصائص ا لأسرية، وهي قد تكونت عرضاً ، وانتهت بالثبات، واختلاطاتها، وهي ناشئة أيضاً عن اختلاطات سابقة بين أسر مختلفة - تؤدي إلى خصائص يعوزها طابع الحرية. يضاف إلى هذ أيضاً الخصائص الناشئة عن الوظائف والمهن التي تمارس في دائرة حيوية ضيقة، ويرتبط بذلك أيضاً التنوع في المزاج، والأخلاق، وسلسلة كبيرة من التشوهات والاضطرابات والفقر، والهموم، والغضب، والبرود وعدم الاكتراث، وحمى الانفعالات والوجدانات، والسعي الخفيف نحو غايات شخصيته، واختلاف الاستعدادات الروحية، والاعتماد على الطبيعة الخارجية، وبالجملة، كل التناهي في الوجود لإنساني، كل هذا يؤدي، وفقاً لأنواع الصدفة، إلى سمات خاصة ينتهى كل منها بأن يتخذ تعبيراً دائماً . فهناك سمات معصوفة تحمل آثار عواصف وجدانية مدمرة، وهناك سمات أخرى لا تنم إلا عن تفاهة وعقم باطنيين، وهناك ثالثة من نوع خاص إلى درجة أنها فقدت النمط العام للأشكال، أي لا يمكن تحديد حالتها بوضوح ولهذ فإن الأطفال، بوجه عام، هم أجمل الكائنات الإنسانية : إذ فيهم لا تزال الخصائص نائمة في جرثومة مغلقة، ولا يضطرب في صدورهم أي وجدان محدد، وليس ثم أي اهتمام من الاهتمامات لإنسانية العديدة قد أفلح في أن يطبع على ملامحهم (علم) الجمال المتغيرة طابع ضرورتها الحزينة، لكن يعوز هذه البراءة -وإن كان الطفل في حيويته يبدو أنه يحتوي على كل الإمكانيات ٠ الملامح العميقة التي للروح، هذه الروح التي ينبغي ألا تمارس نشاطها إلا في داخل نفسها، وفقاً لتوجهات معينة ومن أجل غايات جوهرية. إن السروح - بسبب تناهي الوجود، وبسبب محدوديتها وعيلولتها على الغير - الخارجي , عاجزة عن العثور على حريتها الحقيقية والمباشرة، وعن التمتع بهذه الحرية . وهذا هو ما يدعوها إلى البحث عن إشباع لحاجتها وإلى الحرية في مستو أسمى . وهذا المستوى هو الفن، وحقيقة الفن إنما يكونها المثل الأعلى فضرورة الجمال الفني تنبع إذن من المناقص الكائنة في أصل الحقيقة الواقعية المباشرة , ويمكن أن نحدد مهمته بقولنا إنه مدعو إلى أن يمثل تجليات الحياة في كل حريتها، حتى خارجياً، خصوصاً من حيث تشيع فيها لاروح، وإلى جعل الخارج موافقاًللروح وبفضل الفن تتحرر الحقيقة من محيطها الزماني، ومن تجوالها خلال الأشياء المتناهية، وتكتسب الحقيقة في نفس الوقت تعبيراً خارجياً من خلاله نستطيع أن ندرك الوجود الخليق بالحقيقة، لا تفاهة الطبيعة وابتذالها، هذه الحقيقة التي تؤكد ذاتها بوصفها حرة ومستقلة بذاتها، لأن تحديدها يتم في ذاتها، لا فيما ليس إياها» (ح١ ص * ٣ طبعة Reclam). الجمال الفتي أو المثل الأعلى وفيما يتعلق بالجمال الفني (أي المتعلق بالفن) يعالج هيجل النقط التالية : أ-المثل الأعلى بما هو كذلك؛ ب - الكيفية التي بها يتحقق في الأعمال الفنية؛ ج-الذاتية الخلاقة عند الفتان. ٢ - المثل الأعلى بما هو كذلك الحق لا يكون حقاً وموجوداً إلا بالفن الذي به يتفتح في الواقع الخارجي؛ لكنه قادر على أن يتغلب على الفاصل بين الوجود والحقيقة بأن يجمع بينهما ويحافظ عليهما في كل يشكل روحه، هذه الروح التي تسري في كل جزء من أجزاء تفتحه. فمثلاً؟ الشكل الإنساني: إنه يمثل شكل الأعضاء التي هي بمثابة أقسام فرعية من التصور، بحيث أن كل عضو يؤدي نشاطاً معيناً، وا يقدر إلاً على حركة جزئية ٠ فإذا تساءلنا : في أي عضو تتجلى الروح من حيث هي روح، فإننا نفكر فوراً في العين، لأنه في العين تتركز الروح، إذ الروح إنما تتجلى من خلال العين. وكما قلنا من قبل إن كل سطح الجسم الإنساني، في مقابل سطح جسم الحيوان، يكشف عن حضور القلب ونبضاته، فإننا نقول أيضاً إن مهمة الفن أن يعمل بحيث يصبح كل نقطة في سطحه الظاهري: عينا هي مقر الروح، وهي التي تمكن من رؤية الروح. ولقد قال أفلاطون وهو يناجي «النجم» Aster : «حينما تنظر، أيها النجم، إلى النجوم فكم بودي أن أكون السماء ذات الألف عين كيما أتأملك منعليائي!» إن الفن يصنع من كل شكل من الأشكال التي يطبعها «أرجوس»(١) Argus ذا ألف عين، ابتغاء أن تتجلى الروح والروحانية في كل نقط الظواهر فتتجلى الروح في شكل الجسم، وفي التعبير المرتسم في الوجه، وفي البوادر والمواقف، بل وفي الأفعال والأحداث، والأقوال والأصوات - أيفي كل الأحوال والعوارض التي للظواهر، فتصير هي العين التي تعكس الروح الحرة في كل لانهايتها الباطنة. وعلينا أن نبحث عن طبيعة هذه الروح القابلة للتجلي الكامل في الفن. إننا حين نستخدم كلمة «الأنا» بمعناها المعتاد، فإننا من الممكن أن نستخدم كلمة i الروح (أو النفس) فيما يتعلق بالمعادن والأحجار والنجوم والحيوانات لكن استعمال كلمة الروح بالنسبة إلى هذه الأشياء الطبيعية ليس استعمالا صحيحاً. ذلك لأن روح الأشياء الطبيعية هي روح (أو نفس) متناهية، عابرة، ولهذا فإنها تستحق بالأحرى أن تسمى طبيعة، لإروحاً، لأن الروح بالمعنى الحقيقي تتصف بالحرية واللاتناهى، وروح تلك الأشياء الطبيعية لا تتصف بشيء من ذلك (١) اسمجي. في الاساطير اليونانية: مارد له ماثة خين، خسرن منها كانت دائماً مستيقظة وقد كلفته الإلاهة هيدا بمراقبة أيو lo، لكنم نام تحت تأثير صوت ناي هرم، فقام هرم بحز رأسه.

(علم) الجمال ومهمة الفن هي التصوير الحقيقي للوجود في تجلياته الظاهرية، أعني في اتفاقه مع محتوى منطقي مع نفسه وله قيمته الخاصة . ولهذا فإن حقيقة الفن لا تقوم في مجرد الدقة في المعالجة البسيطة، التي تقتصر عليها محاكاة الطبيعة، وإنما يجب على الفن، كي يكون فناً حقا، أن يحقق الوفاق بين الخارج والباطن، وهذا الباطن يجب أن يكون في وفاق مع نفسه لأن هذا هو الشرط الوحيد لا مكان التجلي في الخارج. ولكي يتحقق هذا الوفاق، يجب على الفن أن يطرح جانباً كل ما لا يناظر في الظواهر - التصور، وبعد هذا التطهير يستطيع الفن أن يخلق المثل الأعلى. إن ما يقتضيه المثل الأعلى هو أن يكون الشكل الخارجي تعبيراً عن النفس . إن اللوحات التي توصف بأنها لوحات قيمة، والتي شاع رسمها في العصر الحاضر منذ مدة، تحاكي جيداً وعلى نحو ملائم، لوحات كبار الفنانين، وتقلد بالدقة التفاصيل والملابس، الخ، لكن فيما يتعلق بالتعبير الروحي للأشكال فكثيراً ما تستخدم أية وجوه كانت، وهذا من شأنه أن يحطم السحر في اللوحة وأن يبدد الوهم ٠ وعلى العكس من ذلك نجد السيدة مريم كما رسمها رفائيل، تمثل أشكال الوجه، والزور، والعيون، والأنف، والفم على نحو يتفق تماماً مع الحب الذي عند الأم، هذا الحب السعيد الفرح، التقى المتواضع في وقت واحد معاً . صحيح أن من الممكن أن نقول إن كل النساء قادرات على الشعور بهذه الحياة لكن ليست كل الملامح قادرة على التعبير عن هذا العمق الروحي في المحبة ٠ والمثل الأعلى إنما يكشف عن طبيعتة الحقة بإن يدخل الوجود الخارجي في الوجود الروحي بحيث تصير الظواهر الخارجية وقد صارت مطابقة للروح الكاشف عنها. إن المثل الأعلى يكون الحقيقة الواقعية المستمده من كتلة الخصائص الجزئية والمصانعات، بالقدر الذي به في هذا الخارج المتعارض مع العمومية يظهر الباطن أنه فردانية حية : وشلر Schiller في قصيدة : «المثل الأعلى والحياة، يضع في مقابل الواقع بآلامه ومنازعاته: جمال البلد الساجي للظلال. وبلد الظلال هذا هو بلد المشل الأعلى، بلد الأرواح المشيحة عن الحياة في الواقع المباشر والمتحررة من الحاجات الوضعية التي يتألف منها الوجود الطبيعي، والمطلقة السراح من القيود التي ترغمها على الخضوع للتأثيرات الخارجية وكل ألوان الفساد والتشوية غير المنفصلة عن تناهي عالم الظواهر. صحيح أن المثل الأعلى لا يستطيع أن يستغني عن الولوج بقدميه في ميدان المحسوس بما فيه من أشكال طبيعيه، لكنه سرعان ما يتخلص منه، جاراً معه العالم الخارجي، لأن الفن يملك القدرة على استعادة الجهاز الذي يحتاج إليه هذا العالم الخارجي لتأمين بقائه والمحافظة عليه في حدود الباطن الذي منه يصير تجليها الخارجي حرية روحية وبفضل هذا يظل المثل الأعلى، منطوياً في داخل نفسه، حراً، ومع رقوده في داخل ذاته في حضن المحسوس فإنه لا يستمد سعادته وسروره إلا من داخل ذاتها وصدى هذه السعادة يتردد خلال كل تجليات المثل الأعلى، مهما تعددت الأشكال التي يظهر فيها، لأن روح المنل الأعلى لا تضيع أبداً وتوجد في كل مكان ومن هنا يأتي جمالها الحقيقي : فالجمال لا يوجد إلا كوحدة شاملة وموضوعية . وإستناداً إلى هذا يمكن أن نقول إن ما يميز المثل الأعلى هو - قبل كل شيء - الهدوء والسعادة الساجية، والرضا والمتع التي يستشعر بها دون أن يخرج خارج ذاته. وكل تمثيل فني للمثل الأعلى يظهر لعيوننا كإله سعيد وبالنسبة إلى الآلهة والشعراء فإن كل البلايا وكل ألوان الغضب والاهتمام الذي نوليه للوسائل والغايات العابرة هي أمور ليست بذات شأن، وسكونها وهدوءها ينشآن عن ذلك التركيز الايجابي في ذاته، الذي يقترن به نفس كل ما هو جزئي خاص. وبهذا المعنى ينبغي أن نفهم قول شلر: «الحياة جد، والفن هادىء". وهذه القوة التي للفردانية، وهذا الانتصار للحرية المتمركزة على نفسها، هما الأمران اللذان يثيران فينا الاعجاب حين نتأمل الهدوء الناصع المرتسم على الأشخاص الذين أبدعهم الفن في العصر القديم (اليوناني، الروماني)، وهذا حق، ليس فقط فيما يتعلق بالأحوال التي فيها الرضا والسجو وقد حصل عليها بدون صراع، بل وأيضاً في الأحوال التي عانى فيها الشخص مصائب حطمتة هو ووجوده. فعلى الرغم من أن الأبطال المأساويين، مثلاً يمثلون بوصفهم قد صرعهم المصير الذي لا يرحم، فإن أرواحهم تدخل في داخل ذواتهم وهي تقول : هذه هي الحال . وهكذا يبقى الشخص (علم) الجمال

مخلصا لذاته دائما، إنه يزهد فيما انتزع منه، لكن الغايات التي سعى إليها لم تنتزع منه، إنما هو أطرحها من تلقاء نفسه دون أن يضيع نفسه بسبب إضاعته لها . إن الإنسان الذي صرعه المصير يمكن أن يفقد حياته، لكنه لا يفقد حريته. وهذم الثقة بالنفس هي التي تمكن - حتى في الألم - من الاحتفاظ بالهدوء والنصاعة. أما في الفن الرومنتيكي فإن التمزق والنشاز الباطنيين فيظهران على نحو أبرز، والتعارضات تبدو أعمق ويمكن أن تكون مستمرة دائمة . فمثلاً في اللوحات التي تصور عذاب المسيح يقنع الفنانون بالتعبير الشاتم للجنود الرومانيين الذين قاموا بتعذيب المسيح، ويقتصرون على تشويه وتقبيح وجوههم الساخرة المستهزئة بالمصلوب. وهناك يبدو أن الاحتفاظ بهذا الازدواج، خصوصاً في تصوير الرذيلة والخطيئة والشر -يتفق مع هدوء المثل الأعلى، وحتى في الأحوال التي لا يكون فيها هذا الازدواج عميقا ومتواصلا فإن الغالب (لا في كل الأحوال)، أن القبح، أو على الأقل: عدم الجمال، يحل محل الجمال الناصع الهادىء . كذلك قد نجد قي الفن الرومنتيكي تعببراً عن السرور في لاستسلام، والاستمتاع بالألم، والغبطة في معاناة الآلام - هذا على الرغم من أنه، في هذا الفن، الألم والعذاب يمثلان كما لو كانا أشد عمقاً في النفوذ في النفس وفي طوية الشخص - وحتى في الموسيقى الإيطالية، حيث يسود الجد الديني، فإن التعبير عن الشكوى يسري فيه هذه الشهوة وهذا التحول للآام . وفي الفن الرومنتيكي يتخذ هذا التعبير شكل الابتسام من خلال الدموع. إن الدموع تصاحب الألم، والابتسام يصاحب الهدف الناصع، وهكذا نرى أن الابتسام من خلال الدموع يشهد على ثقة ساجية، على الرغم من التعذيب والتألم. لكن بشرط ألا يكون الابتسام مجرد مظهر عاطفي، لا ينبع من غرور الشخص، وليس أثراً لدلال يقصد به إلى بيان أنه فوق الوان البؤس الصغيرة والأحاسيس الذاتية الصغيرة : بل يجب أن يكون الابتسام يعني انتصار الجمال وحريته على الرغم من كل الآلام، مثل ابتسام شيمين Chiméne التي ورد عنها في الرومانتيرو الذي يدور حول «السيد» القمبيطور Cid : إنها كانت جميلة حين تذرف الدموع ٠ وفي مقابل ذلك نجد أن انتفاء التجلد عند الرجل هو إما قبيح أو كريه، أو مثير للسخرية إن الأطفال، مثلا، يبكون لأتفه الأسباب وهذا أمر يثير فينا الضحك، بينما دموع الرجل ا لجائ الضابط لنفسه، ولكنه مع ذلك عميق التأثر، تؤثر فينا وتحدث انفعاا من نوع آخر تماماً وعلى ذلك يمكن الفصل بين الضحك والدموع واستخدام كليهما لأغراض فنية. ونضرب مثلاً على ذلك أوبرا فرايشنس Freischutz لموسيقار كارل ماريا فون فيبر Weber . وعلى وجه العموم فإن الضحك إنتشار متفجر، ينبغي مع ذلك ألا يذهب إلى حد فقدان الأحتشام، وإلا لاختفى المثل الأعلى. كذلك نجد ضحكاً من نفس النوع في ثنائي في أوبرا أوبرون Oberon لفيبر أيضاً ؛ وإذا سمعه المرء لم يتمالك من أن يستشعر شيئا من القلق والشفقة على حنجرة المغنية التي تغنيه وصدرها. ويختلف عن ذلك تماماً الانطباع الذي نستشعره من الضحك العارم للآلهة عنل هوميروس، هذا الضحك الذي ولدته السعادة الساجية للآلهة، والذي هو ساج ناصع وليس ناتجاً عن اعتدال مجرد. وبالمثل ينبغي ألا تجد الدموع - من حيث هي شكاة تلقائية، مكاناً في العمل الفني المثالي؛ والمثال على ذلك نجده مرة أخرى في أوبرا فرايشيتس Freischutz تأليف فيبر إذ تجد فيها الدموع تتخذ شكل البؤس المجرد. وفي الموسيقى، يغني للذة الغناء والسرور بسماع الناس للغناء ، مثلما تغنى القبرة في الهواء الطلق. والتعبير بواسطة الصراخ عن الآلام أو المسرات أمر خال من الموسيقى لكن، حتى في الألم، نجد أن الصوت العذب للشكوى يجب أن يخترق الآلام وأن يحولها إلى درجة التفكير في أن من المفيد أن تتألم هكذا من أجل سماع شكوى من هذا الطراز. ذلك هو دور النغمات العذبة والغناء في كل فن. وفي هذا ما يبرر مبدأ السخرية الحديثة، مع هذا الفارق وهو أن السخرية غالباً ما تكون خالية من الجت الحقيقي، وأنها تحب أن تمارس فعلها في أشخاص أردياء، وأنها تؤدي إلى مجرد ألاعيب روحية، بدلاًمن أن تؤدي إلى الفعل الحقيقي، ومن هنا نجد مثلاًأن نوفالس(١) Novalis - وهو واحد من أنبل النفوس التي (١) راجع عنه كتابنا. «الموت والعبقرية» (علم) الجمال

اتخذت من السخرية مذهبا - لم يفلح إلا في العزوف عن كل اهتمام دقيق بأمور محدودة، وفي عزل نفسه عن الواقع، وفي أن يصير فريسة لاستهلاك الروح ٠ ذلك لأن السخرية تنطوي على سلبية مطلقة فيها ينطوي الشخص على نفسه، محطماً كل ما هو محدد. العلاقات بين المثل الأعلى والطبيعة ثم جدال قديم يدور حول هذا السؤال: هل يجب على الفن أن يكون تمثيلاً طبيعياً لما يوجد في الخارج أو يجب عليه أن يضفي النبل على الظواهر الطبيعية وأن يعبر فيها لتجليها؟ ومن الممكن أن يستمر الجدل أبداً حول هذه العبارات: حق الطبيعة، حق الجمال، المثل الأعلى، الحقيقة الطبيعية صحيح أن العمل الفني يجب أن يكون طبيعياً . لكن ما نوع هذه الطبيعة؟ فإن هناك طبيعة مبتذلة، وطبيعة قبيحة ينبغي ألا تمثل كما هي في الواقع. ويقول هيجل : في أيامنا هذه أثار فنكلمن من جديد مسالة التعارض بين المثل الأعلى والطبيعة، وجعلها من المسائل التي في الطليعة. والذي أثار حماسة ثنكلمن Winkelman هو الآثار الفنية الكلاسيكية (اليونانية والرومانية) وأشكالها المثالية. لقد فكر وأطال التفكير، ولم يسترح له بال إلا حين اقتنع قتناعاً تاماً بتفوقها، وفرض على الناس معرفة هذه الآثار الفنية ودراستها. والحملة التي قام بها في هذا السبيل قد وجهت العقول نحو البحث عن التمثيل المثالى في الفن الذي اعتقدوا أنهم وجدوا فيه الجمال. لكنهم لم يفلحوا إلا في انتاج أعمال تافهة خالية من الحياة، سطحية ولا طابع بارزاًلها وهذا الخلومن المثل الأعلى، خصوصاً في الرسم (التصوير) هو الذي كان يقصده فون رومؤر Rumohr في جداله ضد الصورة العقلية Idee والمثل الأعلى ويرى هيجل ترك هذا التعارض بين الطبيعة والمثل الأعلى للنظريات لتحل النزاع. وفيما يتصل بالمصلحة العملية يرى أن لا جدوى من المبادىء حين تنعدم العبقرية. فسواء استلهم المتخلفون من أهل الفن أفضل النظريات أو أخسها، فإنهم لن ينتجوا إلا التافه والرديء وفضلاً عن ذلك فإن أصحاب الفن بوجه عام، والتصوير بخاصة قد تخلوا - لأسباب أخرى - عن البحث عن هذه المثل العليا - المزعومة - وحاولوا، بفضل صحوة الاهتمام بالفن الايطالي والهولندي القديم، القيام بشيء أجزل أهمية وأكثر حيوية فيما يتعلق بالأشكال والمضمون. ولقد سئم الناس من سيطرة ما هو طبيعي في الفن، بعد أن كان في الماضي شائعاً وبدعاً سائداً ففي المسرح، مثلا، صار الناس جميعاً غير مرتاحين للتمثيل الطبيعي لحكايات صغيرة تدور حول الحياة العائلية اليومية. فالمنازعات بين الأب والأم، وبين الآباء والابناء والبنات، والشكوى من قلة الرواتب والدخول، ومن الاعتماد الدائم على الوزراء، ومن دسائس خدم الغرف والسكرتيرين، وكذلك مشاجرات ربة البيت مع الخادمات في المطبخ، ومع العشاق لبناتها الطالبين أيديهن في قاعة الأستقبال - كل هذه الهموم والعذابات يستطيع كل إنسان أن يجدها في بيته دون أن يكون في حاجة إلى الذهاب إلى المسرح لمشاهدة تمثيلها على نحو متفاوت في الدقة ويرى هيجل أن المسألة قد أسيء وضعها. وأن الوضع الصحيح لها هو: هل يجب على الفن أن يكون شعراً، أو نثراً؟ لأن ما هو شعري في الفن يتكون مما نسميه المثل الأعلى. وينبغي أن يلاحظ أنه ليس المقصود من ذلك تقسيم أنواع الفنون إلى شعرية ونثرية، لأن الشعري لا يوجد فقط في فن الشعر، بل يوجد أيضاً في سائر أنولع الفن. وحتى لو كانت الموضوعات في فن ما، مثل التصوير، مستلهمة من قصائد أو مؤلفات شعرية، فليس يعني ذلك أن الآثار الفنية الناتجة عنها تتصف بالشاعرية - ويضرب هيجل مثلاً على ذلك معرض التصوير الذي أقيم في سنة ١٨٢٨ ففيه عدد من اللوحات، التي تنتسب كلها إلى نفس المدرسة — مدرسة دوسلدورف - وكلها استلهمت موضوعاتها من الشعر وخصوصاً من الجانب الانفعا لي في الشعر لكننا -هكذا يقول - لو أمعنا النظر في هذه اللوحات فإننا لن نعدم أن نجدها فاترة ومفتعلة. (علم) الجمال

ويسوق هيجل الملاحظات التالية لعلاج هذه المسألة: ١ - ينبغي أن تؤكد أولاً المثالية الشكلية الخالصة للأعمال الفنية، لأن الشعر بعامة، كما يدل عليه اسمه، هو حمل إنساني، وإبداع قد تصورم الإنسان في مجال التمثيل، وحققه بنشاطه هو، بعد أن حوره وبدله ٠ ٢ — المضمون يستوي فيه، ويمكن ألا تكون له إلا أهمية وقتية، بالنسبة إلينا في حياتنا العادية خارج نطاق التمثيل الفني . فمثلا التصوير الهولندي استطاع تصوير المظاهر العابرة في الطبيعة واستخراج آلاف لآثار والانطباعات منها: القطيفة، لمعان المعادن، الضوء، الخيول، الجنود، النساء المسنات، الفلاحون الذين ينشرون دخان غليوناتهم من حولهم، الخمر اللامعة في كؤوس شفافة، أولاد بملابس قذرة يلعبون الورق (الكوتشينة) - كل هذه الموضوعات ومئات غيرها مما لا يكاد يثير فينا أي اهتمام في الحياة العادية تتوالى أمام عيوننا حينما نشاهد هذه اللوحات لكن ما يجتذبنا في هذه المضامين، حين يصورها لنا الفن، هو هذا المظهر وهذا التجلي للموضوعات من حيث هي أعمال للروح الإنسانية التي أبدعتها، فأخضعت العالم المادي، الخارجي، المحسوس، لتحويل عميق. فبدلا من الصوف والحرير الواقعيين، وبدلا من الشعر والزجاجات واللحم والمعادن الواقعية - نحن لا نشاهد في الحقيقة إلآ ألواناً؛ وبدلاً من الأبعاد الكاملة التي تحتاج إليها الطبيعة لتتجلى، نحن لا نشاهد إلآ سطحاً فحسب، وعلى ذلك فإن الانطباع الذي تتركه فينا هذه الموضوعات المرسومة هو نفس الانطباع الذي نستشعره حين نكون أمام نفس هذه الموضوعات لو كانت مادية واقعية. فالمظهر الذي تبدعه الروح هو إذن، إلى جانب ا لواقع المبتذل الموجود هو نوع من المثالية، ونوع من التهكم والسخرية إذا شثنا، على حساب العالم الطبيعي الخارجي. ويمكن للاقتناع بذلك أن نقارن بين العمليات التي يلجأ إليها الإنسان في الحياة العادية، والوسائل التي يضطر إلى استعمالها، من أجل صنع موضوعات واقعية، والمقاومة التي يلقاها حين يعالج المعادن التي يريد تشكيلها لصنع ما يحتاج إليه من أدوات — نقول : أن نقارن بين هذا كله، وبين التمثيل الذي يلجأ إليه الفن لاستخلاص موضوعاته: فإن هذا التمثيل عنصر مرن، بسيط؛ إنه يستخرج من باطنه بسهولة كل ما لا تحصل عليه الطبيعة والإنسان، في وجوده الطبيعي، إلا بعد مجهودات غالباً ما تكون مضنية هائلة. ثم إن الموضوعات الممثلة والإنسان في حياته اليومية ليسوا ذوي ثروة لا تنفد: فالأحجار الثمينة والذهب، والنبات، والحيوان، الخ ليس لها بذاتها إلا وجود محدود. أما الإنسان، من حيث هو فتان مبدع فإنه عالم زاخر، وذلك بفضل مضمونه الذي استمده من الطبيعة وجمعه في الكون الفسيح للتمثيل والعيان، ابتغاء أن يجعل منه كنزاً يستخرج منه ما يشاء بخبرته دون أن يكون في حاجة إلى الأحوال العديدة والاستعدادات التي يستلزمها الواقع. إن الفن، في هذه المثالية، يشغل مرتبة وسطى بين الوجود الفني الموضوعي، وبين التمثيل الباطن، إنه يقدم إلينا الموضوعات نفسها، لكن مستخلصة من الباطن، باطن الروح؛ ويضعها تحت تصرفنا لهذا الاستعمال أو ذاك، لكنه يقتصر على إثارة انتباهنا إلى التجريد الذي يقدمه الظاهر المثالي إلى التأمل النظري المحض وبفضل هذه المثالية فإن الفن يطبع قيمته على الموضوعات التافهة في ذاتها. ويلفت انتباهنا إلى أشياء ما كنا لننتبه إليها لولا الفن . ويقوم الفن بدور مماثل فيما يتعلق بالزمان : فإنه يهب الدوام لما هو عابر في الحياة العادية، سواء تعلق الأمر بابتسامة رقيقة، أو التواء متهكم للفم، أو تجليات لا تكاد تدرك في الحياة الروحية للإنسان، وكذلك الحال في الأحداث الجارية التي تغدو وتروح، والتي لا تبقى إلا لحظات ثم سرعان ما تنسى: فكل هذه الأشياء ينتزعها الفن من الوجود الفاني الزائل. وفي هذا يتجلى تفوق الفن على الطبيعة. لكن في هذه المثالية الشكلية ما يهمنا خصوصاً ليس هو المضمون نفسه، بل المتعة التي يحدثها فينا إخراج هذا المضمون إلى الوجود الخارجي. ويجب على التمثيل هاهنا أن يبدو طبيعياً، لكن هذه الطبيعة ليست هي مجرد الطبيعة، بل الفعل الذي به تقدم المادة المحسوسة والظروف الخارجية ٠ إننا نشعر بالسرور من مشاهدة تجل طبيعي، هو مدين بوجوده للروح التي أنتجته دون استعانة بأية وسيلة من الوسائل التي تقدمها الطبيعة. فالموضوعات التي يمثلها الفن تسحرنا، لا لأنها

(علم) الجمال طبيعية هكذا، وإنما لأنها عملت بطريقة طبيعية. لكن المتعة الأعمق إنما تستشعر من كون المضمون لم يمثل فقط على الشكل الذي هو عليه في الوجود المباشر، وإنما خصوصاً لأنه حين يتناوله العقل فإنه يكبر في داخل هذا الشكل ويتخذ وجهة جيدة. إن كل ما يوجد بحسب الطبيعة لا يوجد إلا في حالة فردية، وذلك من جميع وجهات النظر. أما التمثيل بواسطة الفن، فهو على عكس ذلك، ينطوي على تعيين للكلي، وكل ما يصدر عنه يتخذ بفضل هذا، طابع العموم المقابل للفردانية الطبيعية . ومن هذه الناحية نجد أن التمثيل بالفن بمتاز بأن لديه قدرة أكبر، وبأنه يستطيع إدراك الباطن وإبرازه في الخارج على نحو يجعله مرئيا ٠ والعمل الفني ليس فقط تجليا تماماً، بل هو أيضاً تحديد عيني. والفنان حين يرسم الشكل الإنساني لا يصنع صنع من يرقم اللوحات القديمة فإن مرقم اللوحات القديمة سيعيد، في المواضع التي يرقمها، كل الكسور التي حدثت نتيجة لزوال الدهان والألوان، ويغطي بما يشبه، سائر لأجزاء القديمة في اللوحة . بل إن من يرسم صور أشخاص ينسى تفصيلات مثل بقع الندوب، والبثور الصغيرة، وآثار التطعيم، والبقع الناجمة عن أمراض الكبد، الخ والتصوير المزعوم أنه يتبع النزعة الطبيعية عند الفنان «دنر»(١) Denner لا يعده أحد من الناس نموذجاً يحتذى. وكذلك العضلات والعروق يجب أن يكون رسمها خفيفاً أولياً، لا أن ترسم بدقة وبتفاصيلها الطبيعية وذلك لأن فيهذا كله ا يوجد إلا قليل، أو لا يوجد مطلقاً، أي عنصر من الروحية؛ والوجه الإنساني هو الذي يصلح للتعبير عما هو روحي . ولهذا السبب يجب ألا نعد دليلاً على انحطاطنا أننا نملك تماثيل عارية أقل مما كان يملك القدماء (اليونان والرومان). وفي مقابل ذلك، فإن تفصيل ملابسنا الحالية خال من الفن ومبتذل، إذا ما قورن بملابس القدماء، فإن هذه ذات طابع مثالي أكبر إن الفرض من ملابسنا، وكذلك الحال في ملابس القدماء، هو ستر الأجسام لكن الملابس، كما هي مصؤرة في أعمال القدماء الفنية هي سطوح متفاوتة في الهلامية وانعدام الشكل، وهي في (١) دنر Balthasar Denner (١٦٨٥ , ١٧٤٩). مصور ألماني حاجة إلى سند من الجسم: الأكتاف مثلاً. وفيما عد ذلك، فإن القماش يظل قابلاً للتشكيل؛ أنه ينعزل بحرية وبساطة بفضل ثقله ويتخذ هذا الشكل أو ذاك بحسب وضع الجسم وحركات الأعضاء. وأن ما يكون الجانب المثالي في الثوب هو التصميم الذي يبين أن الخارج هو فقط من أجل خدمة التعبير المتغير عن الروح، وهذا التعبير يتجلى في الجسم: وينتج عن هذا أن الشكل الخاص بتلافيف الثوب، وترتيب الثنايا، والكيفية التي عليها تنزل أو تصعد هذه التلافيف إنما تتحدد فقط بواسطة الباطن، ولا تتكيف إلا وقتياً مع هذا الوضع أو ذاك، أو مع حركة بعينها وأما في ملابسنا الحديثة فالأمر على العكس من ذلك : يتبدى الشكل في حالة من الكمال النهائي؛ فالقماش يقطع ويخيط وفقاً لشكل الجسم المخصص له، حتى إن الثوب يفتقد جزئياً، إن لم يكن كلياً - الحيوية في أن يتشكل بنفسه، وأن ينزل أو يصعد على هواه . وحتى شكل الثنايا يثبته التفصيل، وعلى وجه العموم نجد أن التفصيل والنزول يتحددان نهائياً بواسطة عمل الخياط. صحيح أن تركيب الجسم يحدد، بشكل عام، بشكل الملابس، ولكن اتخاذ شكل الجسم، وفقاً ل «موضة» مصطلح عليها أو لنزوة وقتية في عصر معين فإن الملابس لا تفلح إلا في تشويه أعضاء الجسم الإنساني، ويبقى التفصيل كما هو، دون أن يخضع لتأثير وضع الجسم وحركاته. فأكمام الجاكيتات، مثلا، وأرجل البنطلونات تظل كما هي، مهما تكن حركات الأذرع والسيقان وقصارى ما هناك هو أن تمثل الثنية نوعاً من المرونة، لكن هذه المرونة تظل محدودة بواسطة الخياطة. وينتج عن هذا كله أن ملابسنا، من حيث هي خارجية، لم تتخلص من الباطن بدرجة كافية كيما تظهر بعد ذلك أنها مشكلة بحسب الباطن , إنها في محاكاتها الزائفة للشكل الطبيعي، تظل دائماً هي هي، بسبب التفصيل الذي فرض عليها فرضاً نهائياً. وما قلناه عن الملابس ينطبق على عدد كبير من الأمور الخاصة بالحياة الإنسانية، الضرورية في ذاتها والمشتركة بين كل الناس، لكنها ليست متناسبة مع المصالح الجوهرية، مع ما يكون - بمضمونه - الجانب العام للوجود الإنساني جانبه الإنساني الجوهري الخالص. (علم) الجمال

ويمكن أن نقول الشيء نفسه عن التمثيل الفني كما يتحقق في الشعر، وليس بدون حق نظر الناس إلى هوميروس على أنه الشاعر الذي أعطى للنزعة الطبيعية أسمى تعبير عنها . ومع ذلك فإنه رغم ولعه الشديد بما هو عيني وواقعي، فإنه رأى نفسه مضطراً إلى عدم التحدث عنه إلا بشكل عام؛ وا يخطر ببال أحد أن يلومه على أنه لم يصف العيني والواقعي على نحو مفصل، وبشكله الحقيقي والطبيعي فهو مثلا حينما يصف جسم آخيلوش فإنه يتحدث عن جبهتة العالية، وانفه الحاد، وساقيه الطويلتين والقويتين، دون أن يضف بالتفصيل الخصائص الحقيقيه لهذه الأعضاء، وشكل كل جزء من أجزاء جسمه بعضها بالنسبة إلى بعض، ولون جسمه، وبالجملة، كل التفاصيل التي تقتضيها النزعة الطبيعية، بالمعنى الحديث لهذا اللفظ. ثم إن طريقة التعبير في الشعر تقوم في تقديم تصوير عام، وذلك على خلاف طريقة التعبير الطبيعية التي إنما تتعلق أساساً بالتفاصيل الجزئية ذلك أن الشاعر يقدم بدلا من الشرف الأشم، الكلمة التي يبدو فيها ما هو فردي على شكل ما هو عام. لأن للكلمة طابعاً عاماً إذهي نتاج الامتثال العقلي وعلى الشعر أن يبرز الوجه الجوهري في الأشياء، وهذا الجوهري هو المثل الأعلى، وليس وصف ما هو موجود فقط مع تفاصيله بما يولد الضيق والسأم ومن حيث العموم تختلف الفنون فيما بينها فبعضها لها طابع أكثر مثالية وبعضها الآخر أيسر للإدراك الخارجي. فالنحت، مثلاً، أكثرتجريداً من الرسم، وفيما يتعلق بالشعر نجد أن القصائد الملحمية أقل حظاً من الحياة الخارجية، من التمثيل المسرحي، إذ الملاحم تقدم للإدراك لوحات عينية للأحداث، بينما المؤلفون المسرحيون ينبغي عليهم أن يركزوا كل انتباههم على البواعث الباطنة للأفعال، وعلى التأثيرات التي تخضع لها الإرادة وردود فعلها على هذه التأثيرات. ويوجد في العالم الروحي طبيعة مبتذلة أما خارجياً، وأما باطناً: طبيعة مبتذلة خارجياً لأنه تناظر باطناً مبتذلا، ولأنها إظهار لميول رديئة مثل الحسد، الغيرة، الجشع، الحقارة، الحسية صحيح أن هذه الطبيعة المبتذلة قد تقدم إلى الفن موضوعات، وهو أمر يحدث كثيراً، لكن يحدث حيننذ أن الاهتمام الجوهري لا يتعلق بالموضوع بما هو موضوع، بل بالكيفية والفن الذي به يستخدم هذا الموضوع. والرسم المسمى بالرسم النوعي هو الذي حقق هذه الموضوعات، والهولنديون قد أوصلوه إلى أعلى درجات الكمال. ما الذي اجتذب الهولنديين إلى هذا النوع، وما هو المضمون الذي تعبر عنه هذه اللوحات الصغيرة التي تجتذب اجتذاباً لا يقاوم، بينما هي تستحق أن تطرح جانباً أو تنبذ بوصفها تمثل الطبيعة المبتذلة؟ السبب هو أننا لو أمعنا النظر في الموضوعات الحقيقية لهذه اللوحات، لوجدنا أنها أقل ابتذالا مما يعتقده النأس لقد وجد الهولنديون مضمون لوحاتهم في داخل ذواتهم، وفي واقع حياتهم، ولاحق لنا في أن نلومهم لأنهم أعطوا لهذا الواقع حقيقة جديدة بتمثيله بواسطة الفن. إن ما نقدمه إلى عيون المعاصرين وعقولهم ينبغي أن يكون من الأمور التي ألفوها من قبل، وإلا لما كان من الممكن اجتذاب اهتمامهم ٠ فإن أردنا أن نعرف ماذا كان يهم الهولنديين، فعلينا أن نستجوب تاريخهم. إن الهولنديين قد خلقوا بأنفسهم الجزء الأكبر من الأرض التي يعيشون عليها، وكان عليهم أن يدافعوا عنها ضد هجمات البحر؛ وسكان المدن والقرى قد زعزعوا سلطان الأسبان في عهد فيليب الثاني بن شارلكان هذا الملك الجبار في العالم، وحصلوا مع الحرية السياسية الحرية الدينية. فهذه الوطنية وروح المبادرة في لأمور الصغرى كما في الأمور الكبرى، في بلدهم، كما على البحار الشاسعة، وهذا الرخاء الساهر والأمين وذلك الوعي بالذات الفياض والمرح - كل هذا هم لا يدينون به إا لأنفسهم، ولنشاطهم هم، وهذا هو ما يكون المضمون العام للوحات التي رسمها فنانوهم . إن مضمونها ليس مبتذا، وأمامها يجب على المرء أن يتخذ سمة رجل بلاط عائد من جتماع حسن. وهذا الطابع من الوطنية القوية هو الذي نجده في لوحة رامبرانت(١) Rembrandt التي عنوانها: «دورية ليلية» الموجودة في متحف المملكة في أمستردام، ونجده في (١) مصور ورسام وحفار هولندي (ليدن ١٦٠٦, أمستردام ١٦٦٩) ولوحته التي استهرت باسم دورية في الليل» اسمها الأصلي: «فصبلة الكابتن فرانس كوك، وقد رسمها في سنة ١٦٤٢.

(علم) الجمال صور الأشخاص الذين رسمهم فان ديك Van Dyck، وفي مناظر الفرسان التي رسمها فاوفرمان Wouwerman، بل نجدها أيضاً في الاحتفالات الصاخبة الفاجرة، والأفراح وألوان المزاح التي يقدمها الفلاحون. وفي معرض اللوحات في هذه السنة - هكذا يقول هيجل - يوجد لوحات جيدة من هذا النوع، لكن فنها بعيد عن أن يساوى فن اللوحات الهولندية، وحتى من حيث مضمونها لا يوجد فيها نفس السرور ولا نفس الحرية. فنحن نشاهد - مثلاً-امرأة تذهب إلى الحانة من أجل أن تتشاجر مع زوجها٠ وينتج عن هذا منظر فيه الأشخاص مملوءون بالحنق والغضب الشديد أما عند الهولنديين فإن الأمر بالعكس: في حاناتهم وأعراسهم ورقصاتهم ومآدبهم ومشاربهم قد توجد أحياناً مشاجرات ولكمات، لكن الأمور في مجموعها تحذث في مرح وسرور، والنساء والفتيات موجودات هناك أيضاً، وعاطفة الحرية التي تذهب إلى حد الفوضى العارمة تسري في الجميع إن هذا الابتهاج الروحي يولد لذة شريفة، ويستولي حتى على الحيوانات، ويهب الأشخاص تعبيراً عن الرضا والاستمتاع. وهذه الحرية الروحية النضرة وهذه الحياة الفياضة هما اللتان تسيطران على التصميم والتنفيذ اللذين يكونان روح هذم اللوحات، تلك الروح السامية القيمة. ولهذه الأسباب نفسها يمكن أن نصف بالبراعة الفائقة لوحة «الشحاذين الصغار» التي رسمها موريو(٢) MVirilio (وتوجد في المتحف المركزي في ميونخ). إن موضوعها، لو نظر إليه من الخارج، فإنه يكون جزءاً من الطبيعة المبتذلة: فالأم تفلي ولدها الصغير بينما هو يمضغ قطعة من الخبز في هدوء؛ وشخصان آخران عليهما أسمال بالية ممزقة ويأكلان شماماً وعنباً. لكن من خلال هذا الفقر وشبه العري يشف، باطناً وخارجياً، عدم اهتمام كامل كامل كمال عدم اهتمام الدرويش، ويصحب عدم الاهتمام هذا شعور عميق بالصحة (١) أنطوان فان ديك: مصور ورسام وحفار فلامنكي (ولد في أنقرس ١٥٩٩- توفي في لندن ستة ١٦٤١) ومن أشهر لرحاته : «الإنزال من الصليب»؛ العذراء والطفل»، «فينوس وفولكان». (٢) برتولوميه استبان موريو: مصور اسباني (أشبيلية ١٦١٨- اشبيلية ١٦٨٢) من أشهر لوحاته لوحة بعنوان: الولد الشحاذ)، وتوجد في متحف اللوفر بباريس وبالابتهاج بالحياة. إن عدم المبالاة هذه تجاه العالم الخارجي وهذه الحرية الباطنة التي لا سلطان للخارج عليها - يكونان مفهوم المثل الأعلى - ويوجد في باريس صورة لشاب، رسمها رفائيل : إنه جالس، متبطل، ورأسه يستند على أحد ذراعيه، وهو يحدق في البغد الطلق بسعادة ورضا غير مبال، إلى درجة أن المرء لا يملك أن ينتزع نفسه من تأمل هذه اللوحة التي تزخر بالصحة الروحية البهيجة. ونحن نشعر بنفس الشعور بالرضا أمام الأولاد الذين رسمهم موريو. إننا نشاهد أنهم لا يهمهم شيء وا يشغلهم شيء، وليس هذا ناتجاً من بلادة في الذهن، وإنما لأنهم راضون قانعون سعداء مثل آلهة الأولمب، إنهم لا يعملون شيئاً وا يقولون شيئاً، بل هم ناس من نفس الطراز، لا يعرفون السخط ولا عدم الحرية في ذاتها، وهذا يجعلهم بالإمكان العام -مستعدين لكل شيء ٠ حتى إننا نشعر بأن هؤلاء الأول اد يمكن أن يكون لهم مستقبل لا ندري ماذا سيكون . وتلك تصورات فنية تختلف كل الاختلاف عن تلك التصورات التي تفضي إلى تصور امرأة سليطة اللسان مشاكسة، أو فلاح يعقد سوطه، أو سائق نائم على القش. لكن هذه اللوحات التي من هذا النوع يجب أن تكون صغيرة الحجم وأن تبدو - في كل مظهرها الخارجي - كشيء تافه، بحيث تمكننا من أن نهيمن على الموضوع الخارجي ومضمون اللوحة معاً وليس من المقبول أن تمثل هذه الموضوعات في حجمها الطبيعي، وأن يدعي إظهارها لنا في شمولها، بدعوى من الواقعية. وعلى هذا النحو ينبغي أن نفهم إمكان دخول الطبيعة المبتذلة في مجال الفن. لكن يوجد للفن موضوعات أكثر مثالية وسمواً من أجل تمثيل هذا الابتهاج بالحياة وتلك الأمانة البورجوازية ذلك لأن للإنسان مصالح وأهدافاً أسمى تنشأ عن تفتح الروح وتعمقها وهي تسعى إلى تحقيقها في انسجام مع نفسها. إن الفن الكبير هو ذلك الذي يتخذ مهمة له تصوير هذا المضمون الأسمى وهنا ينبثق السؤال : أين ينبغي أن توجد الأشكال المناسبة لنواتج الروح هذه؟ البعض يزعم أنه ما دام الفنان يحمل في باطنه هذه الأفكار العالية التي هو مبدعها، فإن من الواجب أن يجد هو نفسه في داخل نفسه، بواسطة (علم) الجمال

فعل إبداع آخر، الأشكال الملائمة لهذه الأفكار، مثل أشكال الآلهة اليونانيين، وأشكال السيد المسيح والحواريين والقديسين، الخ. لكن يعترض على وجهة النظر هذه خصوصاً فون رومؤر Von Rumhor الذي يزعم أن الفنانين قد ضلوا السبيل حين اخترعو هم أنفسهم أشكالهم، مبتعدين هكذا عن الطبيعة، ويشيد -في مقابل ذلك - بروائع الفنانين الإيطاليين والهولنديين ٠ إنه يأخذ على علم الجمال الذي ظهر في الستين سنة الأخيرة أنه سعى إلى إثبات «أن الهدف، بل الهدف الرئيسي للفن هو تحسين وتصحيح الإبداع في مختلف تجلياته، وانتاج أشكال إرادية يقصد منها تجميل المخلوقات وتعويض الجنس الإنساني الفاني عما لم يستطع هو نفسه أن يعطيه لطبيعة الأشكال الأكثر جمالا («أبحاث إيطالية»، ح١ ص٥ م ١). ولهذا فإنه ينصح الفنان أن «يتخلى عن النية الشيطانية لإضفاء النبل ولتحويل - أو أيا كانت الكلمة التي يمكن أن ندل بها على هذا الإدعاء الذي تدعيه الروح الإنسانية في ميدان الفن - الأشكال الطبيعية» (ص ٦٤ من كتاب فون رومؤر المذكور). وهو مقتنع بأنه حتى أسمى الموضوعات الروحية يمكن أن تجد لها في الواقع المعطي أشكالا خارجية مرضية، وتبعا لهذا فإن التمثيل الفني، وإن تعلق بموضوعات هي في قمة الروحانية يجب ألا يكون الأساس فيه هو العلامات المختارة بكل حرية، بل يجب أن يكون أساسه هو الأشكال العضوية المحدد معناها بواسطة الطبيعة٠ وهو حين يقول ذلك إنما يفكر في الأشكال المثالية في العصر القديم (اليوناني والروماني)، التي وصفها فنكلمن الذي لا ينسى فضله في هذا الميدان، على الرغم من الأخطاء التي ربما وقع فيها. بحسب رأي رومؤر، فيما يتصل بتفسير بعض الخصائص أو العلامات الجزئية؛ ومثال تلك الأخطاء ما ظنه فنكلمن من أن تطويل البطن، والجسم هو من مميزات الأشكال المثالية عند القدماء، بينما هو في رأي رومؤر خاصية في التماثيل الرومانية وحدها. وهو يطالب بأن ينصرف الفنان إلى دراسة الأشكال الطبيعية لأن رومؤر يرى أنها تجليات الجمال الحقيقي. وأن الجمال الأهم - هكذا يقول ٠ يقوم على أساس رموز الأشكال التي لها جذور في الطبيعة، لا في إرادة الإنسان. ورأي هيجل في هذه المسألة، مسألة التعارض بين المثل الأعلى في الفن وبين الطبيعة، يتلخص فيما يلي: إن المثل الأعلى في الفن يعبر عن الروح، بينما الطبيعة خالية من الروح ولهذا فإن المضمون الباطن للروح يجب - في الفن في درجاته العليا - أن يتلقى شكلا خارجياً وهذا المضمون موجود في الروح الإنسانية الواقعية، ويملك - شأنه شأن كل ما هو باطن في الإنسان , شكلاً خارجياً بواسطته يقوم بالتعبير. فإذا ما تقرر هذا، فلنسأل: هل توجد في الطبيعة أشكال وملامح هي من الجمال والتعبير بحيث يمكن الفن أن يستعين بها في تمثيل جوبيتر Jupiter في جلاله ووقاره وقوته، أو جونون، أو فينوس، أو القديس بطرس، أو المسيح، أو السيدة مريم العذراء - بحيث يمكن تصويرهم وفقاً لنماذج موجودة في الواقع الطبيعي؟ والجواب في نظر هيجل أن من العسير الإجابة عن هذا السؤال بطريقة حاسمة. فمن الناس من يزعم أنه شاهد في الواقع جمالاً كاملا، بينما يقول آخرون إنه لم يشاهد في الواقع أي جمال كامل ٠ وفضلاً عن ذلك فإن جمال الشكل لا يكون بعد ما نسميه المثل الأعلى في الجمال والوجه الجميل ذو الشكل المنتظم، مثلا، يمكن أن يكون بارداً وبدون تعبير. ثم إنه يدخل في تقدير الجمال، إلى جانب الشكل، الوضع، والسمة، والحركة في ملامح الوجه، وشكل الأعضاء، الخ. والتماثيل المنسوبة إلى فدياس Phidias إنما تجتذبنا بما يسري فيها من حيوية * ثم إنه لا يكفي الفنان أن يلتقط من هاهنا وها هناك في الطبيعة ملامح وأشكالاً، أو أن يبحث في مجموعات الحفر على الخشب أو النحاس عن ملامح ووصفات، ابتغاء العثور على الأشكال الأكثر تناسباً مع المضمون الذي يريد التعبير عنه. لأن الجمع والبحث والاختيار لا يكفي: بل يجب على الفنان أن يكون خلاقاً مبدعاً؛ ويجب عليه أن يكون على علم بالأشكال الملائمة. وأن يلجأ إلى حساسيته من أجل أن يشكل في خياله عملاً فنياً ذا وحدة .