علم البيئة

هذه المقالة عن علم البيئة. من أجل استخدامات أخرى، انظر بيئة.

علم البيئة أو الإيكولوجيا (بالإنجليزية: Ecology من اليونانية: οἶκος، «المنزل» أو «البيئة»؛ -λογία، والتي تعني «دراسة») هو فرع من فروع علم الأحياء الذي يدرس التفاعلات بين الكائنات الحية وبيئتها الفيزيائية الحيوية، والتي تشمل كلًا من الكائنات الحية والمكونات غير الحية. وهو الدراسة العلمية التي تحدد التوزيع المكاني والكثافة العددية للكائنات العضوية الحية.

تشمل الموضوعات ذات الأهمية التنوع البيولوجي والتوزيع والكتلة الحيوية ومجموعات الكائنات الحية، وكذلك التعاون والمنافسة داخل الأنواع وفيما بينها. النظم البيئية هي عبارة عن تفاعل حيوي بين أنظمة الكائنات الحية والمجتمعات التي تتكون منها والمكونات غير الحية لبيئتها. عمليات النظام البيئية، مثل الإنتاج الأولي، تكون التربة، تدوير المواد الغذائية، وعملية بناء الموطن، تنظم تدفق الطاقة والمواد من خلال بيئة. هذه العمليات تدعمها الكائنات الحية ذات سمات تاريخ الحياة المحددة. ويطلق على العلماء الذين يدرسون هذه العلاقات علماء البيئة.

البيئة ليست مرادفة للنظرية البيئية أو التاريخ الطبيعي أو العلوم البيئية. إنها تتداخل مع العلوم وثيقة الصلة بعلم الأحياء التطوري وعلم الوراثة وعلم الأخلاق.

لعلم البيئة تطبيقات عملية في علم الحفظ الحيوي، وإدارة الأراضي الرطبة، وإدارة الموارد الطبيعية (علم البيئة الزراعية، الزراعة، الحراجة الزراعية، مصائد الأسماك)، تخطيط المدن (البيئة الحضريةصحة المجتمع، الاقتصاد، العلوم الأساسية والتطبيقية، والتفاعل الاجتماعي البشري (البيئة البشرية). على سبيل المثال، يعامل نهج دوائر الاستدامة البيئة على أنها أكثر من البيئة «الموجودة». لا يعامل بشكل منفصل عن البشر. الكائنات الحية (بما في ذلك البشر) والموارد تشكل النظم البيئية التي بدورها، تحافظ على آليات التغذية المرتدة البيوفيزيائية التي تعمل على تخفيف العمليات التي تعمل على المكونات الحية وغير الحية في الكوكب. تدعم النظم البيئية الوظائف الداعمة للحياة وتنتج رأس مال طبيعي مثل إنتاج الكتلة الحيوية (الغذاء والوقود والألياف والدواء)، وتنظيم المناخ، والدورات الكيميائية البيوجيولوجية العالمية، وترشيح المياه، وتشكيل التربة، ومكافحة التآكل، وحماية الفيضانات، والعديد من الميزات الطبيعية الأخرى ذات قيمة علمية أو تاريخية أو اقتصادية أو جوهرية.

وقد استخدم العالم الألماني إرنست هيكل كلمة «علم البيئة» ("Ökologie") علمياً لأول مرة في عام 1866 في دراسته عن علم بيئة النبات. الفكر الإيكولوجي مشتق من التيارات الراسخة في الفلسفة، وخاصة من الأخلاق والسياسة. وضع الفلاسفة اليونانيون القدماء مثل أبقراط وأرسطو أسس علم البيئة في دراساتهم حول التاريخ الطبيعي. أصبحت البيئة الحديثة علمًا أكثر صرامة في أواخر القرن التاسع عشر. أصبحت المفاهيم التطورية المتعلقة بالتكيف والانتقاء الطبيعي حجر الأساس في النظرية البيئية الحديثة. واستمدت نظرية دارون فى تطور الأنواع من علم البيئة دفعات قوبة إلى الأمام. ففى رأى داروين أن التطور يتحقق من خلال عمليات التكاثر والوراثة من ناحية وعن طريق الانتخاب الطبيعى من ناحية أخرى. حيث يستبعد الاتتخاب الطبيعى الأنواع الأقل قدرة على اجتياز النضال من أجل البقاء بسبب إخفاقها فى التكيف مع البيئات المتغيرة. ثم يأتى بعد ذلك جانب مهم من جوانب البيئة - عدا عوامل مثل المناخ والتوزيع الطبوغرافى - يتمثل فى وجود الأنواع الأخرى التى تتنافس على الموارد والأقاليم المحدودة. ومع ذلك تظل المنافسة الكاملة محدودة فى العادة بحدود معينة، وذلك على أساس أن الأنواع تعتمد على بعضها البعض اعتماداً متبادلاً، وتتكامل فى إطار نسيج الحياة، وهو الأمر الذى يعد ثمرة لتكيف بعضها مع بعض من ناحية ومع البيئة الطبيعية من ناحية أخرى (هذا على الرغم من تمتع أنواع معينة بالسيطرة). إلا أن هذا التوازن يختل مؤقتاً عند ظهور أنواع أخرى جديدة أكثر هيمنة. ولذلك فقد استخدمت فى تحليل مراحل هذه العملية مصطلحات كالغزو والسيطرة والتتابع.

يحتوي العالم على مجموعة متنوعة وهائلة من الكائنات الحية، من النباتات والحيوانات المعقدة، بالإضافة إلى الكائنات البسيطة مثل الطحالب والأميبا والبكتيريا. ولكن الكائن سواء أكان كبيرًا أم صغيرًا، معقدًا أم بسيطًا، فإنه لا يعيش بمفرده. ويعتمد كل منها بطريقة معينة على الكائنات الأخرى الحية وغير الحية التي توجد في البيئة المحيطة به. وعلى سبيل المثال يجب أن يكون للأيّل نباتات معينة من أجل طعامه. وإذا تلفت النباتات في بيئة كان عليه أن ينتقل إلى منطقة أخرى للبحث عن الطعام وإلا جاع حتى الموت. وتعتمد النباتات بدورها على حيوانات مثل الأيل من أجل المغذيات (المواد الغذائية) التي تحتاجها لكي تعيش. وتوفر فضلات الحيوانات وبقايا تحلل الحيوانات والنباتات الميتة الكثير من المواد المغذية التي تحتاجها النباتات.

يزيد علم دراسة البيئة فهمنا للعالم والحياة. وهو أمر مهم لأن بقاءنا ورفاهيتنا يعتمدان على العلاقات البيئية على مستوى العالم كله. فالتغييرات ولوكانت في الأجزاء البعيدة من العالم وفي مناخه تؤثر فينا وفي بيئتنا.

وعلى الرغم من أن علم البيئة يعد فرعًا من علم الأحياء، فإن علماء البيئة يستخدمون المعرفة من علوم متعددة، تتضمن الكيمياء والفيزياء والرياضيات وعلوم الحاسوب. ويعتمدون أيضًا على مجالات مثل علم المناخ وعلم الجغرافيا وعلم الأرصاد الجوية وعلم المحيطات ليدرسوا الهواء والأرض والماء وتفاعلاتها.

وتساعد هذه الدراسة المتعددة الجوانب علماء البيئة على فهم كيفية تأثير البيئة الطبيعية في الأشياء الحية. وكذلك تساعدهم على تقدير تأثير المشكلات البيئية مثل المطر الحمضي أو تأثير البيت المحمي.

ويدرس علماء البيئة تنظيم العالم الطبيعي على المستويات الثلاثة الرئيسية: 1- العشائر 2- المجتمعات الأحيائية 3- الأنظمة البيئية. ويحللون الأبنية والأنشطة والتغيرات التي تحدث داخل هذه المستويات وفيما بينها. ويعمل علماء البيئة عادة خارج مختبراتهم: يدرسون عمليات العالم الطبيعي، ويقومون غالبًا بأعمال ميدانية في مناطق منعزلة مثل الجزر، حيث يسهل فهم العلاقات بين النباتات والحيوانات بطريقة أبسط. وتركز الكثير من الدراسات البيئية على حل المشكلات العملية. وعلى سبيل المثال، يبحث علماء البيئة في ضبط التأثيرات الضارة لتلوث الهواء والماء على الأشياء الحية.

التاريخ

طالع أيضاً: تاريخ علم البيئة

البدايات المبكرة

علم البيئة له أصول معقدة، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى طبيعته متعددة التخصصات. كان فلاسفة اليونان القدماء مثل أبقراط وأرسطو من بين أول من سجل الملاحظات على التاريخ الطبيعي. ومع ذلك، فقد رأوا الحياة من حيث الأصولية، حيث تم تصور الأنواع كأشياء ثابتة لا تتغير بينما كانت الأصناف تعتبر انحرافات من النوع المثالي. يتناقض هذا مع الفهم الحديث للنظرية البيئية حيث يُنظر إلى الأصناف على أنها ظواهر حقيقية ذات أهمية ولها دور في أصول التكيف عن طريق الانتقاء الطبيعي. يمكن تتبع المفاهيم المبكرة لعلم البيئة، مثل التوازن والتنظيم في الطبيعة، إلى هيرودوت (توفي عام 425 قبل الميلاد). كان أرسطو له تأثير مبكر على التطور الفلسفي للبيئة. أدلى هو وطالبه ثيوفراستوس بملاحظات مكثفة حول هجرات النبات والحيوان، والجغرافيا الحيوية، وعلم وظائف الأعضاء، وسلوكهم، مع إعطاء تناظرية مبكرة للمفهوم الحديث للمكانة البيئية.

تم تطوير المفاهيم البيئية مثل سلاسل الغذاء وتنظيم السكان والإنتاجية لأول مرة في القرن الثامن عشر، من خلال الأعمال المنشورة للعالم المجهري أنطوني فان ليفينهوك (1632-1723) وعالم النبات ريتشارد برادلي (1688؟ - 1732). كان عالم الجغرافيا الحيوية ألكسندر فون هومبولت (1769–1859) رائداً مبكراً في التفكير البيئي وكان من بين أوائل من عرفوا التدرجات البيئية، حيث يتم استبدال الأنواع أو تغييرها في شكل على طول التدرجات البيئية، مثل تكوين جسيمات على طول ارتفاع. استوحى هومبولت الإلهام من إسحاق نيوتن حيث طور شكلاً من أشكال «الفيزياء الأرضية». قدم دقة علمية للقياس في التاريخ الطبيعي، ولمح إلى المفاهيم التي تشكل أساس قانون بيئي حديث بشأن العلاقات بين الأنواع إلى المنطقة. وضع المؤرخون الطبيعيون، مثل هومبولت، جيمس هوتون، وجان باتيست لامارك (من بين آخرين) أسس العلوم البيئية الحديثة. مصطلح «البيئة» (الألمانية: Oekologie ،Ökologie) صاغه إرنست هيكل في كتابه "Generelle Morphologie der Organismen". كان هيكل هو عالم الحيوان والفنان والكاتب، وبعد ذلك أستاذ علم التشريح المقارن.

تختلف الآراء حول من كان مؤسس النظرية البيئية الحديثة. يصنف البعض تعريف هيجل على أنه البداية؛ يقول آخرون إنه كان «يوجينيس وارمينج» مع كتابه «علم نبات النباتات: مقدمة لدراسة المجتمعات النباتية (1895)»، أو مبادئ كارل لينيوس حول اقتصاد الطبيعة التي نضجت في أوائل القرن الثامن عشر. أسس لينيوس فرعًا مبكرًا من علم البيئة أطلق عليه اسم اقتصاد الطبيعة. أثرت أعماله على تشارلز داروين، الذي تبنى عبارة لينيوس حول الاقتصاد أو نظام الحكم في أصل الأنواع. كان لينيوس أول من وضع إطارًا لميزان الطبيعة كفرضية قابلة للاختبار. قام هيجل، الذي أعجب بعمل داروين، بتحديد البيئة في إشارة إلى اقتصاد الطبيعة، مما أدى بالبعض إلى التشكيك في ما إذا كانت البيئة واقتصاد الطبيعة مترادفان.

من أرسطو حتى داروين، كان العالم الطبيعي في الغالب ثابتًا ولا يتغير. قبل نشأة الأنواع، كان هناك القليل من التقدير أو الفهم للعلاقات الديناميكية والمتبادلة بين الكائنات الحية، وتكييفها، والبيئة. الاستثناء هو منشور "1789 History of Selborne" الذي كتبه غيلبرت وايت (1720-1793)، والذي يعتبره البعض من أوائل النصوص في علم البيئة. بينما يُشار إلى تشارلز داروين بشكل رئيسي على أطروحته عن التطور، كان أحد مؤسسي بيئة التربة، ولاحظ أول تجربة بيئية في أصل الأنواع. غيرت النظرية التطورية الطريقة التي تناول بها الباحثون العلوم البيئية.

منذ عام 1900

علم البيئة الحديث هو علم شاب استحوذ أولاً على اهتمام علمي كبير في نهاية القرن التاسع عشر (في نفس الوقت الذي كانت فيه الدراسات التطورية تكتسب اهتمامًا علميًا). قد تكون العالمة إيلين سوالو ريتشاردز قد قدمت لأول مرة مصطلح «علم البيئة» (الذي تحول في النهاية إلى الاقتصاد المنزلي) في الولايات المتحدة في أوائل عام 1892.

في أوائل القرن العشرين، انتقلت البيئة من شكل أكثر وصفًا للتاريخ الطبيعي إلى شكل تحليلي أكثر للتاريخ الطبيعي العلمي. نشر فريدريك كليمنتس أول كتاب بيئي أمريكي في عام 1905، قدم فكرة المجتمعات النباتية باعتبارها كائنًا حيًا كبيرًا. أطلق هذا المنشور نقاشًا بين الشمولية الإيكولوجية والفردية التي استمرت حتى سبعينيات القرن الماضي. اقترح مفهوم الكائنات الحية الدقيقة لكليمنتس أن تتطور النظم البيئية من خلال المراحل المنتظمة والمحددة من التطور المسلسل التي تشبه المراحل التنموية للكائن الحي. واجه نموذج هنري كليمنتس تحديا من قبل ويليام هنري جليسون، الذي ذكر أن المجتمعات البيئية تتطور من الارتباط الفريد والمتزامن للكائنات الفردية. هذا التحول الحسي وضع التركيز مرة أخرى على تاريخ حياة الكائنات الفردية وكيف يرتبط ذلك بتطور الجمعيات المجتمعية.

كانت نظرية الكائنات الحية الدقيقة تطبيقًا مفرطًا لشكل مثالي من الشمولية. مصطلح «الشمولية» تم صياغته في عام 1926 من قبل جان سموتس، وهو جنرال جنوب أفريقي وشخصية تاريخية مستقطبة مستوحاة من مفهوم كليمنتس العضوي الفائق. في نفس الوقت تقريبا، ابتكر تشارلز إلتون مفهوم سلاسل الغذاء. في كتابه الكلاسيكي «البيئة الحيوانية». عرّف إلتون العلاقات البيئية باستخدام مفاهيم سلاسل الغذاء، ودورات الغذاء، وحجم الغذاء، ووصف العلاقات العددية بين المجموعات الوظيفية المختلفة ووفرتها النسبية. تم استبدال «دورة الغذاء» لإلتون بـ«شبكة الغذاء» في نص بيئي لاحق. جلب ألفريد لوتكا العديد من المفاهيم النظرية التي تطبق المبادئ الديناميكية الحرارية على البيئة.

في عام 1942، كتب ريموند ليندمان ورقة بحثية عن الديناميات التغذوية للبيئة، والتي نُشرت بعد وفاتها بعد رفضها في البداية بسبب تأكيدها النظري. أصبحت ديناميات التغذية الأساس لكثير من العمل لمتابعة الطاقة وتدفق المواد من خلال النظم البيئية. قام روبرت آرثر بنظرية وتنبؤات واختبارات رياضية متقدمة في علم البيئة في الخمسينيات من القرن العشرين، والتي ألهمت مدرسة جديدة لعلماء البيئة النظريين. تطورت البيئة أيضًا من خلال مساهمات من دول أخرى، بما في ذلك فلاديمير فرنادسكي الروسي وتأسيسه لمفهوم المحيط الحيوي في عشرينيات القرن العشرين والياباني كينجي إيمانيشي ومفاهيمه للتناغم في الطبيعة وعزل الموائل في الخمسينيات. يعوق الحواجز اللغوية والترجمة الإدراك العلمي للمساهمات في البيئة من الثقافات غير الناطقة بالإنجليزية.

ارتفعت البيئة في الاهتمام الشعبي والعلمي خلال الحركة البيئية 1960-1970. هناك روابط تاريخية وعلمية قوية بين البيئة والإدارة البيئية والحماية. إن التركيز التاريخي والكتابات الشعرية الطبيعية التي تدافع عن حماية الأماكن البرية من قبل علماء البيئة البارزين في تاريخ البيولوجيا المحافظة، مثل ألدو ليوبولد وآرثر تانسلي، قد تم إزالتها من المراكز الحضرية حيث يُزعم أن تركيز التلوث ويقع التدهور البيئي. يلاحظ بالامار (2008) تطغى على البيئة السائدة للنساء الرائدات في أوائل القرن العشرين الذين قاتلوا من أجل البيئة الصحية الحضرية (التي كانت تسمى آنذاك علم الرفاهية) وأحدثوا تغييرات في التشريعات البيئية. كانت نساء مثل إيلين سوالو ريتشاردز وجوليا لاثروب، من بين آخرين، مقدمة للحركات البيئية الأكثر شعبية بعد الخمسينيات.

في عام 1962، ساعد كتاب البيولوجيا البحرية وعالمة البيئة راشيل كارسون الربيع الصامت في تعبئة الحركة البيئية من خلال تنبيه الجمهور إلى المبيدات الحشرية السامة، مثل ثنائي كلورو ثنائي فينيل ثلاثي كلورو الإيثان، التي تتراكم أحيائياً في البيئة. استخدم كارسون العلوم البيئية لربط إطلاق السموم البيئية بصحة الإنسان والنظام البيئي. منذ ذلك الحين، عمل علماء البيئة على تجسير فهمهم لتدهور النظم الإيكولوجية للكوكب مع السياسة البيئية والقانون والإصلاح وإدارة الموارد الطبيعية.

مستويات التنظيم ومجاله وحجمه

يضم علم البيئة في مجاله مصفوفةً واسعةً من المستويات المتفاعلة من التنظيم بدءًا من المستوى الدقيق (كالخلايا) حتى الظواهر على مستوى الكوكب (كالغلاف الحيوي). تحتوي الأنظمة البيئية، على سبيل المثال، على موارد لاحيوية وأشكال متفاعلة من الحياة (أي الكائنات العضوية المفردة التي تتراكم لتشكل تجمعات سكانية تتراكم بدورها لمجتمعات بيئية متمايزة). الأنظمة البيئية ديناميكية، ولا تتبع دائمًا مسارًا تتابعيًا خطيًا، بل هي تتغير دائمًا، أحيانًا بسرعة وأحيانًا ببطء شديد إلى درجة أن العمليات البيئية تستغرق آلاف السنين حتى تأتي بالمراحل المتتابعة للغابة. يمكن أن يغطي مجال النظام البيئي مساحات متباينة بشكل كبير، من مساحات صغيرة حتى مساحات واسعة. ليست الشجرة الواحدة ذات أثر كبير في تصنيف النظام البيئي لغابة، ولكنها ذات أهمية محورية بالنسبة للكائنات العضوية التي تعيش فيها وعليها. يمكن لأجيال متعددة من حشرات المن أن تعيش خلال فترة حياة ورقة شجر واحدة. وكل من حشرات المن هذه، بدوره، يدعم حياة مجتمعات بكتيرية متنوعة. لا يمكن تفسير طبيعة الروابط في المجتمعات البيئية بمعرفة تفاصيل كل من الأنواع بعزلة عن غيرها، لأن النمط الظاهر لا يمكن الكشف عنها ولا التنبؤ به حتى يدرس النظام البيئي ككل متكامل. ولكن بعض المبادئ البيئية تشهد خصائص جمعية يكون فيها مجموع المكونات قادرًا على تفسير خصائص الكل، ككون معدل ولادات تجمع سكاني ما مساويًا لمجموع الولادات الفردية في إطار زمني محدد.

يشهد الفرعان الأساسيان لعلم البيئة، وهما علم بيئة التجمعات السكانية (أو المجتمعات) وعلم بيئة الأنظمة البيئية، اختلافات ليس فقط في الحجم، بل أيضًا في مبنيين متباينين للمجال. إذ يركز الفرع الأول على توزع الكائنات العضوية ووفرتها، في حين يركز الأخير على تدفقات المادة والطاقة.

التراتبية

يمكن أن يعمل حجم أو نطاق الديناميكية البيئية كنظام مغلق، كهجرة حشرات المن على شجرة واحدة، مع بقائه في الوقت ذاته مفتوحًا فيما يخص التأثيرات على نطاق أوسع، كالغلاف الجوي أو المناخ؛ لذلك يصنف علماء البيئة الأنظمة البيئية تراتبيًا بتحليل البيانات المجموعة من وحدات أصغر حجمًا، كالتجمعات النباتية، والمناخ، وأنواع التربة، وإكمال هذه المعلومات للتعرف على الأنماط الظاهرة للتنظيم الموحد والعمليات التي تعمل على نطاقات محلية إلى إقليمية، وعلى نطاق المنظر الطبيعي، وعلى النطاقات الزمنية.

لهيكلة دراسة البيئة ضمن إطار يمكن إدارته مفاهيميًا؛ ينظم العالم الحيوي إلى تراتب متداخل، يتراوح في الحجم من المورثات، إلى الخلايا، إلى الأنسجة، إلى الأعضاء، إلى الكائنات العضوية، إلى الأنواع، إلى التجمعات السكانية، إلى المجتمعات، إلى الأنظمة البيئية، إلى الوحدة الأحيائية (الحيوم)، حتى مستوى الغلاف الحيوي. يشكل هذا الإطار هيكلًا متنوعًا ويشهد سلوكًا غير خطي؛ وهذا يعني أم «السبب والنتيجة غير متناسبين، بحيث يمكن أن تؤدي تغيرات صغيرة لمتغيرات حرجة، كعدد مثبتات النتروجين، إلى تغيرات كبيرة نسبيًا قد تكون غير عكوسة لخصائص النظام».

التنوع الحيوي

يصف التنوع الحيوي تنوع الحياة من المورثات حتى الأنظمة البيئية، ويمسح كل مستوى من التنظيم البيئي. للمصطلح عدة تفسيرات، وهناك عدة طرق للإشارة إلى هذا التنظيم المعقد، وقياسه وتصنيفه وتمثيله. يشمل التنوع الحيوي تنوع الأنواع، وتنوع الأنظمة البيئية، والتنوع الوراثي، ويهتم العلماء بطريقة تأثير هذا التنوع على العمليات البيئية المعقدة التي تعمل على كل من هذه المستويات وبينها. يلعب التنوع الحيوي دورًا مهمًا في خدمات النظام البيئي التي تحافظ بالتعريف على جودة الحياة البشرية وتحسنها. تتطلب أولويات الحماية البيئية وطرق الإدارة مقاربات مختلفة واعتبارات متباينة لتغطية النطاق البيئي الكامل للتنوع الحيوي. يتهم رأس المال الطبيعي الذي يدعم حياة التجمعات السكانية ضروري للمحافظة على خدمات النظام البيئي وهجرة الأنواع (كمجاري الأسماك النهرية والسيطرة على الحشرات الطائرة) بكونه إحدى الآليات التي تواجه من خلالها خسارات هذه الخدمات. لفهم التنوع الحيوي تطبيقات عملية لمخططي الحماية البيئية على مستوى النوع وعلى مستوى النظام البيئي إذ يقدمون توصياتهم الإدارية للشركات الاستشارية والحكومات والصناعة.

المسكن

يصف مسكن النوع البيئة التي يعرف أن النوع يوجد فيها ونوع المجتمع الذي ينشأ بالنتيجة. وعلى وجه التحديد، «يمكن تعريف المساكن بأنها مناطق في المساحة البيئية تتألف من عدة أبعاد، يمثل كل منها متغيرًا بيئيًا حيويًا أو لا حيوي؛ أي كل مكون أو خاصية للبيئة تتعلق بشكل مباشر (كالكتلة الحيوية المستخدمة في الأعلاف وجودة الأعلاف) أو بشكل غير مباشر (كالارتفاع عن سطح البحر) باستخدام موقع من قبل الحيوان». على سبيل المثال، يمكن أن يكون المسكن بيئةً مائيةً أو أرضيةً يمكن تصنيفها بشكل أدق لنظام بيئي جبلي أو ألبي. توفر تحولات المساكن دليلًا على التنافس في الطبيعة حيث يتغير تجمع سكاني بالنسبة للمساكن التي يشغلها معظم أفراد النوع. على سبيل المثال، لتجمع سكاني من أحد أنواع السحالي الاستوائية (تروبيدوروس هيسبيدوس) جسم مفلطح بالنسبة إلى التجمعات السكانية التي تعيش في غابات السافانا المفتوحة. تختبئ المجموعات التي تعيش على الصخور الناتئة المعزولة في الصدوع حيث يوفر جسمها المفلطح ميزة اصطفائية لها. يحدث تحول المساكن أيضًا في التاريخ التطوري لحياة البرمائيات، وفي الحشرات التي تنتقل من مساكن مائية إلى مساكن أرضية. يستخدم مصطلحا المسكن والموئل الحيوي أحيانًا بشكل تبادلي، ولكن الأول ينطبق على بيئة المجتمع، في حين ينطبق الأخير على بيئة النوع.

المثوى

ترجع تعريفات المثوى إلى 1917، ولكن ج. إيفلين هتشنسون أجرى تطويرات مفاهيمية في 1957 بتقديم تعريف مقبول بشكل واسع: «مجموعة الظروف الحيوية واللاحيوية التي يستطيع فيها نوع أن يستمر ويحافظ على أحجام مستقرة للتعدادات». المثوى البيئي مفهوم مركزي في علم بيئة الكائنات العضوية وينقسم إلى المثوى الأساسي والمثوى المطبق. المثوى الأساسي مجموعة الظروف البيئية التي يستطيع نوع فيها أن يستمر. المثوى المطبق مجموعة الظروف البيئية بالإضافة إلى الظروف المتعلقة بعلم البيئة التي يستمر فيها نوع ما. التعريف الهتشنسوني معرف بشكل أكثر تخصصًا: «الفضاء الإقليدي الفائق الذي تعرف أبعاده بوصفها متغيرات بيئية وحجمه تابع لعدد المتغيرات التي قد تفترضها القيم البيئية التي يكون الكائن العضوي ذا ملاءمة إيجابية لها».

تشرح الأنماط الحيوية الجغرافية وتوزعات المجالات أو يتبنأ بها من خلال معرفة مزايا النوع ومتطلبات الموئل. للأنواع خصائص وظيفية متكيفة بشكل فريد للموئل البيئي. الميزة خاصية أو نمط ظاهري أو صفة مقاسة للكائن العضوي يمكن أن تؤثر على بقائه. تلعب المورثات دورًا مهمًا في تفاعل التعبيرات البيئية والتنموية للمزايا. تطور الأنواع المقيمة مزايا ملائمة للضغوط الانتقائية لبيئاتها المحلية. يميل هذا لأن يكلفها ميزة تنافسية ويثبط الأنواع المكيفة بشكل متشابه عن أن يكون لها نطاقات جغرافية متداخلة. ينص مبدأ الإقصاء التنافسي على أنه لا يمكن لنوعين أن يتعايشا لأجل غير مسمى من خلال الاعتياش على المورد المحدود نفسه؛ إذ سيغلب أحدهما دائمًا الآخر في المنافسة. عندما تتقاطع أنواع متكيفة بشكل متشابه جغرافيًا، يكشف التدقيق الأكبر عن فروق بيئية طفيفة في مساكنها أو متطلباتها الغذائية. ولكن بعض الدراسات التجريبية والنماذج تقترح أن الاضطرابات يمكن أن تؤدي إلى استقرار التطور المشترك والاحتلال المشترك للموئل الطبيعي من قبل أنواع متشابهة تسكن مجتمعات غنية بالأنواع. يدعى المسكن والموئل معًا موطنًا بيئيًا، وهو يعرف بصفته النطاق الكامل للمتغيرات البيئية والحيوية التي تؤثر على نوع بأكمله.

العشائر

العشيرة مجموعة من نفس النوع تعيش في منطقة معينة في الوقت ذاته. ويقوم علماء البيئة بتحليل وتحديد عدد الأحياء ونموه في المناطق المختلفة.

العوامل التي تتحكم في العشيرة

يعتمد حجم عشيرة معينة على التفاعل بين قوتين أساسيتين، إحداهما المعدل الذي تنمو به العشائر الأحيائية تحت أفضل الظروف الممكنة. والثانية التأثير المشترك لكل العوامل البيئية تحت المثالية التي تحد من النمو. وربما تتضمن تلك العوامل المحددة إمدادات الطعام القليلة، والكائنات المفترسة، والتنافس بين كائنات نفس النوع أو مع نوع آخر، والمناخ والمرض.

يطلق على أكبر حجم لعشيرة معينة يمكن أن تدعمه بيئة ما قدرة تحمل البيئة لذلك النوع. وعادة ما تكون العشائر الحقيقية أقل من قدرة تحمل البيئة لها بسبب التأثيرات المضادة مثل المناخ، وموسم التكاثر الفقير، والصيد عن طريق الكائنات المفترسة. أو العوامل الأخرى.

العوامل التي تغير العشائر

يمكن أن تتغير مستويات عدد الأحياء في نوع ما بدرجة كبيرة مع الوقت. وتنتج هذه التغيرات أحيانًا عن الحوادث الطبيعية. على سبيل المثال، ربما يسبب التغير في معدل سقوط الأمطار الزيادة في بعض العشائر والنقصان في عشائر أخرى. وإدخال وباء جديد يمكن أن يخفض بشدة عشائر نوع خاص من النبات أو الحيوان. وفي حالات أخرى ربما تنتج التغيرات عن أنشطة الناس. فعلى سبيل المثال، تطلق محطات توليد القدرة ومحركات البترول غازات حمضية في الجو، وفيه تختلط الغازات مع السحب وتسقط على الأرض على شكل أحماض. وقد انخفضت في بعض المناطق التي تستقبل كميات كبيرة من المطر الحمضي عشائر الأسماك بطريقة مفاجئة.

المجتمعات الأحيائية

المجتمع الأحيائي مجموعة من أعداد من النباتات والحيوانات تعيش معًا في نفس البيئة. ويمثل الأيِّل، والسنجاب، ونقار الخشب، وخشب البلوط جزءًا من مجتمع الغابة. ويدرس علماء البيئة الأدوار التي تؤديها الأنواع المختلفة في مجتمعاتها الأحيائية. ويدرسون أيضًا أنواع التجمعات المختلفة، وكيف تتغير مع الوقت. ويمكن التعرف بسهولة على بعض المجتمعات الأحيائية مثل غابة منعزلة، أو أرض خضراء، ولكن من الصعب تحديد مجتمعات أخرى.

ويُطلق على التجمع الأحيائي للنباتات والحيوانات الذي يغطي مساحة جغرافية كبيرة البايوم (النطاق الأحيائي). ويحدد المناخ بصفة رئيسية حدود المجتمعات الأحيائية. وتتضمن المجتمعات الرئيسية في العالم الصحارى، والغابات، والأراضي العشبية، والتندرا، وعدة أنواع من المجتمعات الأحيائية المائية.

دور الأنواع

يُسمَّى دور الأنواع في تجمعه الأحيائي الكوة البيئية. وتتكون الكوة البيئية من كل العوامل التي ترتبط بوجود النوع. وهي تتضمن عوامل مثل نوع الغذاء، أو مصدر الطاقة، والأعداء الطبيعيين للنوع، وكميات الحرارة والضوء والرطوبة التي يحتاج إليها، والظروف التي يتكاثر تحتها. ولاحظ علماء البيئة لمدة طويلة أن كثيرًا من الأنواع تشغل كوة عالية التخصص في التجمع الأحيائي المعين. واقترحت تفسيرات مختلفة لهذة الكوة. ويشعر بعض العلماء أنها تنتج عن المنافسة. فإذا حاول نوعان ملء الكوة نفسها، فإن المنافسة على المصادر المحدودة سوف تضطر أحد النوعين أن يخرج من التجمع الأحيائي. ويدافع علماء البيئة الآخرون عن الرأي الذي يقول إن الأنواع التي تشغل كوة عالية التخصص تفعل ذلك بسبب المتطلبات الفسيولوجية الصارمة على ذلك الدور الخاص في المجتمع الأحيائي. وبمعنى آخر ليس لتغلُّبه على منافسيه من الأنواع الأخرى، بل لأنه هو النوع الوحيد من المجتمع الأحيائي القادر وظيفيًا (فسيولوجيًا) على أداء ذلك الدور.

التغيرات في المجتمع الأحيائي

من وجهة نظر بعض العلماء، تحدث التغيرات في المجتمع الأحيائي على مدى الزمن في عملية تسمَّى التتابع البيئي. وتحدث هذه العملية عن طريق سلسلة من التغيرات البطيئة والمنتظمة بوجه عام في عدد الكائنات وأنواعها التي تعيش في منطقة معينة. وربما تغير الاختلافات في شدة ضوء الشمس، والحماية من الرياح والتغيرات في التربة، أنواع الكائنات التي تعيش في المنطقة. وربما تؤثر هذه التغيرات أيضًا في أعداد الكائنات الحية التي تكوِّن المجتمع الأحيائي، وهكذا بينما يتغير عدد وأشكال الأنواع، فإن الصفات الطبيعية والكيميائية للمنطقة تمر بتغيرات أبعد. وفي النهاية ربما تصل المنطقة إلى حالة ثبات نسبية تُسَمّى مجتمع الذروة، والتي يمكن أن تستمر لمئات أو الآف السنين. وعلى أية حال فإن قوى الطبيعة في النهاية تسبب مع ذلك تغير مجتمعات الذروة هذه.

يميز علماء البيئة بين نوعين من التتابع: أوليّ وثانوي. في التتابع الأولي تبدأ الكائنات في العيش في منطقة لم يكن بها حياة، مثل جزيرة جديدة كوّنها انفجار بركاني. ويحدث التتابع الثانوي بعد أن يعاني التجمع الموجود اضطرابا كبيرًا ـ على سبيل المثال، بعد أن تحطم النيران مجتمع الذروة لغابة ما، ففي مثل هذه الحالة ينمو مجتمع مرج أخضر من النباتات البرية والحشائش أولا، يتبعه مجتمع الشجيرات، وأخيرًا تظهر الأشجار، وتصبح المنطقة غابة مرة أخرى.

الأنظمة البيئية

يُعَدُّ النظام البيئي أكثر مستويات التنظيم تعقيدًا في الطبيعة، ويتكون من المجتمع الأحيائي وبيئته اللاحيوية، متضمنًا المناخ، والتربة، والماء، والهواء والمواد المغذية، والطاقة. ويُدْعى علماء البيئة الذين يحاولون أن يربطوا بين هذه العوامل ويحللوا الأنشطة الكثيرة الفيزيائية والكيميائية المختلفة في بيئة ما علماء الأنظمة البيئية. وتركز دراساتهم على تدفق الطاقة ودوران المواد خلال الأنظمة البيئية. وفي بعض الأحيان يستخدمون حواسيب دقيقة لتساعدهم على فهم نتائج الأبحاث التي حصلوا عليها.

تدفُّق الطاقة

يرتب علماء البيئة العناصر التي تكون أو تؤثر في النظام البيئي في ستة أجزاء رئيسية، تعتمد على تدفق الطاقة، والمواد المغذية خلال النظام: 1-الشمس 2-المواد غير الأحيائية 3-الكائنات المنتجة الأولية 4-الكائنات المستهلكة الأولية 5-الكائنات المستهلكة الثانوية 6- المحللات أو المفككات. وفي هذه المقالة يمكن أن يوجد شكل مبسط للنظام البيئي.

تمد الشمس الكائنات المنتجة الأولية بالطاقة التي تحتاج إليها لصنع الطعام. وتتكون الكائنات الأولية بصفة رئيسية من النباتات الخضراء مثل العشب والأشجار التي تصنع الغذاء من خلال عملية التركيب الضوئي. 

انظر: التركيب الضوئي. وتحتاج النباتات أيضًا مواد لاحيوية مثل الفوسفور والماء لتنمو. وتتضمن الكائنات المستهلكة الأولية الجرذان والأرانب والجنادب والحيوانات الأخرى آكلة العشب. وتأكل الثعالب وحيوانات ابن عُرس والكائنات المستهلكة الثانوية الأخرى ـ أو الكائنات المفترسة ـ الحيوانات. وتكسّر المحللات مثل البكتيريا والفطريات النباتات والحيوانات الميتة إلى مواد مغذية بسيطة. وترجع المواد المغذية ثانية إلى التربة، وتستخدمها النباتات مرة أخرى.

ويطلق على سلسلة المراحل التي تمر بها الطاقة على هيئة طعام، السلسلة الغذائية. ومن المفروض أن تكون السلسلة الغذائية البسيطة واحدة حيث يكون فيها العشب هو المنتج الأولي، ثم يأكل العشب الكائن المسمى المستهلك الأولي مثل الأرنب. ثم يأكل المستهلك الثانوي مثل الثعلب أو الصقر بدوره الأرنب، وتكسّر البكتيريا المحللة البقايا الميتة التي لم تؤكل من الأعشاب والأرانب والثعالب والصقور، وأيضًا فضلات الأجسام التي تنتجها الحيوانات في السلسلة الغذائية.

تملك معظم الأنظمة البيئية مجموعة متنوعة من الكائنات المنتجة والمستهلكة والمحللة التي تكوّن شبكة من السلاسل الغذائية المتداخلة فيما بينها تسمى الشبكة الغذائية. وتبدو الشبكات الغذائية معقدة بصفة خاصة في الأنظمة البيئية للمناطق الحارة والمحيطات.

تعتمد بعض الكائنات الحية على أشياء كثيرة في غذائها، إلا أن بعضها الآخر مثل الكائنات الأولية المستهلكة، تعتمد على نوع نباتي واحد في غذائها، وعند اختفاء هذا النوع النباتي فإن الكائن الأوّلي يختفي أيضًا.

تتحرك الطاقة خلال النظام البيئي عبر سلسلة من التحولات. أولا: تحول الكائنات المنتجة الأولية طاقة ضوء الشمس إلى طاقة كيميائية تخزن في بروتوبلازم النبات (مادة الخلية الحية)، ومن ثم تنتقل الطاقة المخزونة في النباتات إلى الكائنات الأخرى على هيئة طعام، وتحولها الكائنات المستهلكة الأولية إلى أنواع مختلفة من الطاقة الكيميائية، وتخزنها في خلايا أجسامها. وتتحول هذه الطاقة من جديد حينما تأكل الكائنات المستهلكة الثانوية، الكائنات المستهلكة الأولية.

ولمعظم الكائنات فاعلية بيئية منخفضة. ويعني هذا أنها قادرة على تحويل جزء صغير فقط من الطاقة المتوافرة إلى طاقة كيميائية مخزونة. وعلى سبيل المثال، يمكن للنباتات الخضراء أن تحول فقط 0,1 - 1% من طاقة الشمس التي تصل إليها في برتوبلازم النبات. وتحترق معظم الطاقة الباقية أثناء نمو النبات، وتتسرب في البيئة على هيئة حرارة. وبالمثل تحول آكلات الأعشاب، وآكلات اللحوم في خلايا أجسامها الخاصة بين 10 - 20% فقط من الطاقة التي ينتجها طعامها.

ولأن مثل هذه الكمية الكبيرة من الطاقة تتسرب في كل مستوى من السلسلة الغذائية، فإن جميع الأنظمة البيئية تكوّن أهرامًا للطاقة. وتكون النباتات (الكائنات المنتجة الأولية) قاعدة هذا الهرم. وتكون آكلة الأعشاب (الكائنات المستهلكة الأولية) الدرجة التالية. وتكون آكلة اللحوم (الكائنات المستهلكة الثانوية) القمة، ويعكس الهرم، حقيقة أن الطاقة تمر خلال نباتات الأنظمة البيئية بكميات أكبر مما تمر خلال الحيوانات آكلة الأعشاب. وتتدفق الطاقة حتى درجة أقل من ذلك خلال الحيوانات آكلة اللحوم. وفي كثير من أنظمة الأرض البيئية، ينتج عن هرم الطاقة هرم البيوماس (الكتل الأحيائية)، ويعني هذا ببساطة أن الكتل الأحيائية المجتمعة الوزن للنبات أكبر من الوزن المجتمع للحيوانات آكلة الأعشاب، الذي بدوره يفوق الوزن الكلي للحيوانات آكلة اللحوم.

جمع علماء البيئة المعلومات عن هرم الكتل الأحيائية في إيزْل رويال، وهي جزيرة في بحيرة سوبيريور بالولايات المتحدة الأمريكية. ودرسوا في هذا الهرم العلاقة بين النباتات والموظ والذئاب. ووجد علماء البيئة في إحدى الدراسات أنه يلزم تدبير 346كجم من الغذاء النباتي لإمداد 27 كجم من حيوان الموظ. وهي الكمية اللازمة لتدعيم 0,45 كجم من ذئب واحد.

دورة المواد

تتكون كل الأشياء الحية من بعض العناصر والمركبات الكيميائية. والمواد الرئيسية بينها: الماء، والكربون، والهيدروجين، والنيتروجين، والأكسجين، والفوسفور، والكبريت. وتدور كل هذه المواد خلال الأنظمة البيئية مرات ومرات.

وتعطي دورة الفوسفور مثالاً لهذه العملية، فكل النباتات تحتاج الفوسفور، وتأخذ النباتات مركبات الفوسفور من التربة. أما الحيوانات فتحصل عليها من النباتات والحيوانات الأخرى التي تأكلها، وتعيد المحلِّلات الفوسفور إلى التربة.

وفي الطبيعة تبقى كمية الفوسفور ثابتة تقريبًا في الأنظمة البيئية المتزنة، ولكن عندما يضطرب النظام البيئي بسبب الأنشطة البشرية، فإن كمية من الفوسفور تتسرب مؤدية بذلك إلى خفض قدرة النظام البيئي على دعم النباتات. ومن الطرق التي يغيِّر بها الناس دورة الفوسفور تحويل الغابات إلى أراضٍ زراعية. وبدون حماية الغابات، فإن الفوسفور ينزح من التربة ويتحول إلى الأنهار والبحيرات. وهناك يسبب غالبًا زيادة غير مرغوبة في نمو الطحالب. وفي النهاية يحبس الفوسفور في ترسبات عند قاع البحيرات أو البحار. وبسبب هذه الخسارة يتحتم على المزارعين استخدام مخصبات باهظة التكلفة لإعادة العنصر ثانية إلى التربة.

التغيرات في الأنظمة البيئية

تحدث التغيرات يوميًا، وفصليًا، وعلى مدى سنوات عديدة كما في حالة التتابع البيئي، وأحيانًا، تحدث التغيرات بشدة وفجأة، مثلما تنتشر النار خلال غابة، أو يضرب إعصار شاطئ البحر. ولكن معظم التغيرات اليومية وخاصة في دوائر المادة المغذية، فإن الحق تبارك وتعالى جعلها تحدث في دقة متناهية، بحيث تظهر الأنظمة البيئية وكأنها ثابتة. ولقد سمي هذا الثبات الظاهري بين النباتات والحيوانات من جهة وبيئتها من جهة أخرى اتزان الطبيعة.

وفي الماضي كان يُظن أن مفهوم الأنظمة البيئية المتزنة الثابتة يصف بدرجة كبيرة مجتمع الذروة، ولكن لأن هذه الآراء المبكرة كانت تعتمد على الدراسات قصيرة المدى، فقد وجد أنها غير كاملة. والآن أتيحت لعلماء البيئة الفرصة لدراسة الأنظمة البيئية على مدى فترات أطول، وكان عليهم أن يغيروا بعض أفكارهم.

وتشير النتائج التي اعتمدت على دراسة المجتمعات الأحيائية في إيزل رويال إلى بعض هذا التغير في التفكير. ولفترة طويلة لم تكن إيزل رويال تملك أعدادًا من حيوان الموظ أو الذئاب، وبعدها سبح أول حيوان موظ إلى الجزيرة، وكان ذلك في عام 1900م تقريبًا. وبحلول عام 1930م قدر علماء البيئة أن أعداد الموظ وصلت إلى 3,000 رأس. وكانت هناك شواهد على أن حيوانات الموظ كانت تأكل كميات كبيرة من النباتات الموجودة في الجزيرة. وفي عام 1933م، بدأ حيوان الموظ يموت من الجوع. وتنبأ علماء البيئة بهذا الانخفاض؛ لأنهم فهموا العلاقة الغذائية بين حيوان الموظ والنباتات التي يأكلها.

تزايدت أعداد حيوان الموظ من جديد بين 1948- 1950م. لكن وفي هذا الوقت تقريبًا ، وجدت الذئاب طريقها إلى الجزيرة. وبينما كانت الذئاب تقتل حيوان الموظ من أجل الطعام، إلا أن أعدادها بدأت تنمو. وفي النهاية كان يبدو أن اتزانا ثابتًا قد رسخ بين نحو 600 حيوان من الموظ و20 ذئبًا. وأشار علماء البيئة إلى أن إيزل رويال مثال على الطريقة التي تتحكم بها الكائنات المفترسة في ضحاياها، وبذلك تسهم في تطوير النظام والاستقرار في الأنظمة البيئية.

وفي أواسط الستينيات من القرن العشرين الميلادي بدأت أعداد الموظ والذئاب تتذبذب، وظهر النظام الثابت الذي تتحكم فيه الكائنات المفترسة في ضحيتها ظاهريًا، وكأنه أكثر تعقيدًا. ويعترف علماء البيئة الآن أن نظرية تحكم المفترس الأساسي كانت تعتمد على معلومات غير كاملة . وفي أثناء الخمسينيات من القرن العشرين حينما بدت الذئاب وكأنها تتحكم في أعداد حيوان الموظ، كانت أوقات الشتاء تتميز بنمط غير عادي للجليد الكثيف يتبعه هطول الأمطار، ثم صقيع شديد مكونًا قشرة قاسية مما جعل الذئاب تستطيع أن تجري بسهولة على سطحه. ولكن حيوانات الموظ ذات الأجسام الثقيلة كانت تكسر القشرة. مما جعلها لا تستطيع أن تهرب بسهولة من الذئاب، ولا تقدر على استخدام حوافرها القوية بفعالية لتدافع عن نفسها.

وفي نحو عام 1965م، عادت أوقات الشتاء في إيزل رويال إلى حالتها الطبيعية. وكانت الذئاب تفترس أعدادًا قليلة من الموظ. وفي أوائل الثمانينيات من القرن العشرين، تزايدت أعداد حيوان الموظ بدرجة كبيرة جدًا، وفي نفس الوقت نمت أعداد الذئاب أيضًا، ثم بدأت أعداد الذئاب في الانخفاض على الرغم من وجود حيوان الموظ بأعداد كبيرة. وبحلول آواخر الثمانينيات من القرن العشرين خشي علماء البيئة أن تختفي الذئاب تمامًا من إيزل رويال. واضطرت كل هذه التغيرات العلماء إلى إعادة التفكير في كيفية تحكُّم الكائنات المفترسة والفريسة في الأعداد المتبادلة لهما. ويعترف علماء البيئة أنه على الرغم من أن الذئاب وحيوانات الموظ يؤثر كل منهما في أعداد النوع الآخر، فإن هذا التأثير لا يحدث إلا في حالات معينة محددة وغير عادية.

وتدل الدراسات البيئية الأشمل على أن التغييرات في توافر نباتات الطعام والمواد المغذية، ربما تكون لها أهمية الذئاب نفسها في تنظيم أعداد حيوان الموظ. وبالنسبة للذئاب في جزيرة إيزل رويال يبدو أن التزاوج بين الأقارب والأمراض ـ وليس نقص حيوانات الموظ ـ هما السببان وراء انخفاض أعداد الذئاب. وهكذا يبدو أن نماذج المفترس والفريسة للتحكم في أعداد الحيوانات من المحتمل أن تَكون تبسيطًا مبالغًا فيه. وربما يبدو وكأنه حالة اتزان واستقرار ناشئة عن قوى مختلفة ومتغيرة.

تمتلئ الأنظمة الطبيعية بالآليات التعويضية التي بثها الخالق سبحانه وتعالى لكي تساعد على ثبات الطبيعة. وحينئذ تحتاج أعداد المجموعات الأحيائية غالبًا أن تُفهم من منظور النظام البيئي الكلي.

علم البيئة البشرية

طالع أيضاً: علم البيئة البشرية

علم البيئة هو علم بيولوجي بقدر ما هو علم الإنسان. علم البيئة البشرية هو تحقيق متعدد التخصصات في البيئة من جنسنا. «يمكن تعريف البيئة البشرية: (1) من وجهة نظر بيولوجية مثل دراسة الإنسان باعتباره المهيمن على البيئة في المجتمعات والأنظمة النباتية والحيوانية؛ (2) من وجهة نظر بيولوجية باعتبارها مجرد حيوان آخر يؤثر على بيئته الطبيعية ويتأثر بها و (3) كإنسان، يختلف بطريقة أو بأخرى عن الحياة الحيوانية بشكل عام، ويتفاعل مع البيئات الفيزيائية والمعدلة بطريقة مميزة وخلاقة. علم البيئة البشرية متعدد الاختصاصات حقًا.» تم تقديم المصطلح رسميًا في عام 1921، لكن العديد من علماء الاجتماع والجغرافيين وعلماء النفس وغيرهم من التخصصات كانوا مهتمين بالعلاقات الإنسانية بالنظم الطبيعية قبل قرون، خاصة في أواخر القرن التاسع عشر.

التعقيدات البيئية التي يواجهها البشر من خلال التحول التكنولوجي في كوكبنا جلبت لنا حقبة مقترحة تدعى الأنثروبوسين. ولدت هذه المجموعة الفريدة من الظروف، الحاجة إلى علم موحد جديد يسمى «النظم البشرية والطبيعية المقترنة» التي تبني عليها، لكنها تتجاوز مجال البيئة البشرية. ترتبط النظم الإيكولوجية بالمجتمعات البشرية من خلال الوظائف الحرجة والشاملة التي تدعمها. اعترافًا بهذه الوظائف وعدم قدرة طرق التقييم الاقتصادي التقليدية لمعرفة القيمة في النظم الإيكولوجية، كان هناك اهتمام كبير برأس المال الاجتماعي والطبيعي، مما يوفر وسيلة لوضع قيمة على مخزون المعلومات والمواد واستخدامها الناجمة عن السلع وخدمات النظام البيئي. تنتج النظم الإيكولوجية وتنظمها وتحافظ عليها وتزودها بخدمات ضرورية ومفيدة لصحة الإنسان (الإدراكية والفسيولوجية) والاقتصادات، بل إنها توفر وظيفة معلومات أو مرجعية كمكتبة حية توفر فرصًا للعلم والتنمية المعرفية لدى الأطفال المشاركين في تعقيد العالم الطبيعي. ترتبط النظم الإيكولوجية بشكل مهم بالبيئة البشرية لأنها الأساس الأساسي للاقتصاد العالمي مثل كل سلعة، وقدرة التبادل تنبع في النهاية من النظم الإيكولوجية على الأرض.

علم البيئة التطبيقي

علم البيئة التطبيقي هو استخدام الدراسات البيئية لتحقيق أهداف عملية. وتساعد هذه الدراسات في الحفاظ على المصادر الطبيعية وإداراتها، وعلى حماية البيئة. ويعمل علماء البيئة التطبيقيون مع العلماء في مختلف المجالات لمحاولة حل المشكلات التي تُعنى بصحة الناس ورفاهيتهم.

ويهتم الكثير من علماء البيئة بالمعدلات التي يستنزف بها الناس تلك الموارد غير المتجدّدة مثل الفحم الحجري، والغاز، والنفط وبالتلوث الذي ينتج عن استخدامها الواسع. ويعتقد الكثير من علماء البيئة أنه إذا استمر تعداد الناس في النمو، فإن هناك مشكلات مثل: نضوب الوقود، وتلوث الهواء والماء، وتدمير الغابات، والتكدُّس السكاني، والفقر، واضطراب المناخ سوف تزداد سوءًا أيضًا.

الإيكولوجيا الاجتماعية

طالع أيضاً: الإيكولوجيا الاجتماعية

يلاحظ أن المنظور البيئى (الإيكولوجى) قد أصبح بعيد التأثير خارج نطاق العلوم البيولوجية، على نحو ما نجد على سبيل المثال فى علم الوبائيات فى الميدان الطبى، وسيكولوجيا العمارة و التصميم، والجغرافيا البشرية. وقد أثمر الاهتمام بتأثير الأنشطة الإنسانية على البيئة فى أواخر القرن العشرين ظهور حركات اجتماعية وسياسية فى مجال البيئة، والتنامى الواضح لقضايا الخضر، أو حركات الخضر بشكل عام، وهى القضايا التى أصبحت موضوعاً للبحث السوسيولوجى. ورغم ذلك، فلم تحدث المفاهيم الإيكولوجية تأثيراً جوهرياً على النظرية الاجتماعية إلا خلال فترة العشرينيات وفترة الأربعينيات فى الولايات المتحدة، وذلك من خلال تطوير علماء مدرسة شيكاغو لميدان الإيكولوجيا الحضرية. بعد ذلك أصبح الدارسون يتبنون المنظور الإيكولوجى على نطاق واسع وأصبحت مفاهيم الإيكولوجيا البشرية الاجتماعية تستخدم فى هذا السياق غالباً. غير أن بعض علماء الإيكولوجيا البشرية قاموا بنقد تأكيد الرواد الأوائل لمدرسة شيكاغو لموضوع التنافس بين الجماعات من أجل الحصول على امتيازات مكانية (تأسيساً على رؤية تكاد تكون أحادية لمبدأ دارون فى الاتتخاب الطبيعى)، واقترحوا بدلاً من ذلك إطاراً أكثر رحابة للدراسة يهتم بشكل وتطور الأنماط المختلفة للمجتمع المحلى البشرى (دون الارتباط بالبعد المكانى بالضرورة) مع الاهتمام بشكل خاص بطرق تكيف تلك المجتمعات المحلية مع بيئاتها عبر علاقات اجتماعية تعاونية وتنافسية.

إن العلاقة بين النظريات الإيكولوجية وعلم الاجتماع ما تزال علاقة محدودة. وهى تتسم بأنها أقوى فى أمريكا الشمالية عنها فى أوروبا، حيث ماتزال تؤثر -على سبيل المثال - على بعض بحوث علم الاجتماع الريفى والحضرى الأمريكيين. والحقيقة أن البعض يزعمون أن المنظور البيئى يتسامى على أى علم اجتماعى بمفرده ويتجاوزه، لأنه يتناول عمليات تمثل أساس كل هذه التخصصات جميعاً. أما النظرية السوسيولوجية المحدثة، فنادراً ما تتأثر بهذا الاستخدام الخاص للمماثلة البيولوجية، رغم أن الاهتمام بعمليات التكيف، والاعتماد المتبادل، والتوازن يعد من موضوعات الاهتمام المميزة لعلم الاجتماع البنائى الوظيفى.

اقرأ أيضًا