ذكورة

الذكورة أو الرجولة (بالإنجليزية: Masculinity) هي مجموعة من الخصائص والصفات والسلوكيات والأدوار المرتبطة بجنس الذكور من الفتيان والرجال. تُعتبر الذكورة عمومًا بنيةً اجتماعيةً، لكن بعض الأبحاث أشارت إلى الطبيعة البيولوجية لبعض السلوكيات الذكورية. تُعتبر مسألة تأثر الذكورة بالعوامل البيولوجية والاجتماعية موضع نقاش. يختلف مفهوم الذكورة عن تعريف الجنس الذكري البيولوجي، فقد تظهر السمات الذكورية لدى الذكور والإناث.

تختلف معايير الرجولة أو الذكورة باختلاف الثقافات والفترات التاريخية. تشمل القائمة التقليدية للسمات الذكورية في المجتمع كل من القوة والشجاعة والاستقلالية والقيادة والاعتداد بالنفس.

تُعتبر الفحولة شكلًا من أشكال الذكورة المرتبطة بالقوة وتجاهل العواقب والتهرب من المسؤولية. تتشابه الرجولية والذكورة عمومًا، لكن يرتبط الاسترجال خصوصًا بالقوة والطاقة والدافع الجنسي الذكوري.

نبذة عامة

تُعتبر الصفات والأدوار الذكورية نموذجيةً وملائمةً لكل من الفتيان والرجال ومُتوقعةً منهم.

اكتسبت الدراسات الأكاديمية المتمحورة حول الذكورة شعبيةً كبيرةً في أواخر ثمانينيات وأوائل تسعينيات القرن العشرين، إذ ارتفع عدد الدورات المتعلقة بهذا الموضوع في الولايات المتحدة من 30 دورة إلى أكثر من 300 دورة. تسبب هذا الأمر في تزايد الاهتمام في دراسة التقاطعات بين الذكورة ومفاهيم من مجالات أخرى، مثل البنية الاجتماعية للاختلاف الجندري (المفهوم السائد في العديد من النظريات الفلسفية والاجتماعية).

لا تقتصر السمات والسلوكيات الذكورية على الذكور وحسب. يُسمى من يمتلك خصائص ذكورية وأنثوية بالزنمردة. اعتقدت بعض الفيلسوفات النسويات أن الغموض الجندري قادر على طمس التصنيف الجندري.

نبذة تاريخية

يختلف مفهوم الذكورة باختلاف الفترات التاريخية والثقافية. ترى ريوين كونيل ضرورةَ في مناقشة «الذكوريات» وليس «الذكورة»، نظرًا لاختلاف هذا المفهوم باختلاف الزمان والمكان.

العصور القديمة

يعود تاريخ الأدب القديم إلى حوالي عام 3000 قبل الميلاد، إذ تضمن توقعات صريحة لتصرفات الرجال على هيئة قوانين ومُثل ذكورية ضمنية في أساطير الآلهة والأبطال. تنص شريعة حمورابي (نحو عام 1750 قبل الميلاد):

  • المادة 3: «إذا أدلى شخص بشهادة كاذبة في دعوى ما، ولم يثبت صحة الكلمات التي نطقها، يُعدم هذا الشخص إن كانت تلك الدعوى تتعلق بجريمة كبرى».
  • المادة 128: «إذا تزوج سيد امرأة ولم يمارس معها الجنس، فإن هذه المرأة ليست زوجته».

يذكر الكتاب المقدس اليهودي (التناخ) لعام 1000 قبل الميلاد أنه عندما شارف داود ملك إسرائيل على الموت، قال لابنه سليمان: «أنا ذاهب في طريق الأرض كلها. فتشدد وكن رجلًا».

كتب تاسيتس في كتابه جرمانيا (98 ميلادي) عن قتال الرجال من القبائل الجرمانية في إحدى المعارك لحماية نسائهم من الأسر.

«تظهر السجلات أن الجيوش المتخبطة التي على وشك الانهيار قد حُشدت على أيدي النساء، اللاتي دافعن ببسالة جنبًا إلى جنب مع رجالهن، وتقدّمن بصدورهن العارية، وأقنعن رجالهن باقتراب الاستعباد – وهو المصير الذي يخشى الرجال الجرمانيون من حدوثه مع نسائهم أكثر مما يخشون حدوثه مع أنفسهم». – تاسيتس (جرمانيا).

وصف تاسيتس المحارب الجرماني أرمينيوس بطلًا ذكوريًا في حكاياته عن ألمانيا القديمة، إذ بلغت طبيعته العنيفة ذروتها عند اختطاف الجنرال الروماني جرمانيكوس لزوجته الحبيبة توسنيلدا. غضب أرومينيوس وطالب بشن الحرب ضد الإمبراطورية الرومانية.

العصور الوسطى والعصر الفيكتوري

يصف جيفري ريتشاردز «ذكورة العصور الوسطى الأوروبية باعتبارها مسيحيةً وشهمةً». صور التاريخ الأدبي هؤلاء الرجال ووصفهم بالشجاعة واحترام نساء جميع الطبقات والكرم. يعتقد ديفيد روزين أن وجهة النظر التقليدية التي يتبناها بعض الباحثين (مثل جون رونالد تولكين) حول بيوولف ومفهوم البطولة في العصور الوسطى لا تأخذ بعين الاعتبار أوجه التشابه بين بيوولف والوحش غريندل. تتجسد الذكورة الموصوفة في بيوولف في «انتزاع الرجال من نسائهم ورجالهم وعواطفهم وأسرهم».

خضع مفهوم الذكورة المرتبط بالبطولة التقليدية إلى تحول جذري في العصر الفيكتوري. كتب الفيلسوف الأسكتلندي توماس كارلايل في عام 1831: «لقد عفا الدهر على النموذج القديم للرجولة، ومايزال النموذج الجديد مجهولًا، إذ نحاول إدراكه دون جدوى، أحدنا يتمسك بهذا السراب بينما يتشبث آخر بذاك؛ الفرتري، البايروني، وحتى البروميلي، لكل منها يوم».

أصبحت الملاكمة مهنةً قائمةً في حد ذاتها في أمريكا وأوروبا خلال القرن التاسع عشر، إذ جسدت الملاكمة الجوانب الجسدية والتصادمية للذكورة. اعتُبرت الملاكمة بالأيدي العارية «فنًا رجوليًا» في أمريكا خلال القرن التاسع عشر.

منذ القرن العشرين وحتى الآن

تكونت الأسرة النموذجية في بداية القرن العشرين من الأب المعيل والأم ربة المنزل. ازدادت مشاركة المرأة في القوى العاملة المأجورة وارتفعت مساهمتها في دخل الأسرة، لكن بقيت هوية الرجل متمحورة حول حياته العملية، ولا سيما مساهمته الاقتصادية. أكمل المنظر الاجتماعي إرفنغ غوفمان عمله البارز حول التحكم بوصمة العار في عام 1963، إذ طرح قائمةً بالسمات الذكورية المؤكدة للرجال الأمريكيين:

لا يوجد سوى رجل واحد كامل بكل معنى الكلمة في أمريكا: شاب، متزوج، أبيض، حضري، شمالي، بروتستانتي، ذو ميول جنسية غيرية، مكمل تعليمه الجامعي، ذو وظيفة بدوام كامل، صاحب بشرة ووزن وطول جيدين، وذو سجل رياضي حديث.

أكد آر. غولد في عام 1974 على أهمية دور المعيل بالنسبة لهوية الرجل البالغ، إذ قيست الذكورة في معظم الأحيان بحجم مساهمة الرجل الاقتصادية في الأسرة. تصبح الذكورة مضمونةً عند إنكار الرجل لأي مظهر من مظاهر النعومة أو العاطفة أو الأنوثة أو أي سمة أخرى مرتبطة بالمرأة. تتمثل البنية الذكورية الأكثر قيمةً في الجزء الأخير من القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين في الرجل المستقل، والمعتد بنفسه على الصعيد الجنسي، والرياضي، وغيرها من العلامات المعيارية الأخرى للرجولة.

تشير بعض الأدلة إلى خضوع مفهوم الذكورة لبعض التغييرات في المشهد الاجتماعي المعاصر. تشتمل السمات الذكورية الحالية على رغبة الرجل بتحدي الصور النمطية. أظهرت إحدى الدراسات في عام 2008 تفضيل العديد من الرجال -بغض النظر عن عمرهم أو جنسيتهم- للصحة الجيدة والحياة الأسرية المتناغمة والعلاقة الجيدة مع الشريك على الجاذبية الجنسية والنجاح مع النساء.

النمو

الطبيعة ضد التنشئة

ناقش الباحثون مدى ارتباط الهوية الجندرية والسلوكيات المحددة جندريًا بالتنشئة الاجتماعية من جهة والعوامل البيولوجية من جهة أخرى. يؤمن الباحثون بوجود تفاعل متبادل بين التأثيرات الاجتماعية والبيولوجية أثناء عملية النمو. قدمت الدراسات التي بحثت في مسألة التعرض للأندروجين قبل الولادة بعض الأدلة التي تثبت الطبيعة البيولوجية الجزئية للأنوثة والذكورة. تشمل التأثيرات البيولوجية المحتملة الأخرى كل من التطور والوراثة والتخلق والهرمونات (سواء خلال مرحلة النمو أو في مرحلة البلوغ). يرى الباحثون في العوامل الاجتماعية سببًا لتضاعف الاختلافات الفطرية بين الجنسين وتزايدها.

البنية الاجتماعية للذكورة

تُعتبر مسألة تمتع المرء بسمات غير متماهية مع الجندر الخاص به مشكلةً اجتماعيةً في العديد من الثقافات. يُعرف هذا الوسم في علم الاجتماع باسم الافتراضات الجندرية، التي تهدف إلى تلبية أعراف المجتمع بوصفها جزء من التنشئة الاجتماعية. قد يُعتبر السلوك غير النموذجي مؤشرًا على المثلية الجنسية، على الرغم من القبول الواسع للاختلافات بين التعبير الجندري والهوية الجندرية والتوجه الجنسي. تُفسر المثلية الجنسية لدى الذكور على أنها تخنث عندما تُعرّف الجنسانية وفقًا لاختيار الشيء (كما هو الحال في الدراسات الأولى في علم الجنس). يُمكن وصف الذكورة المفرطة المنبوذة اجتماعيًا من خلال مصطلح «فحولة» أو باستخدام مصطلحات مستحدثة مثل «تسمم توستوستيروني».

الدراسات الاجتماعية للذكورة

على الرغم من أن بعض أصحاب النزعة النسوية سوف يذهبون إلى أن معظم انتاج علم الاجتماع قد تم بواسطة الرجال، وعن الرجال، وللرجال، فإن مشكلة تحليل الرجال والرجولة كقضايا لها استقلاليتها الخاصة كانت ما تزال مهملة نسبيا إلى حين - وهذا من المفارقات - حلول الموجة الثانية من الحركة النسوية ذاتها. وهكذا نجد، على سبيل المثال، أن دراسات الانحراف (مثل دراسة أ. كوهين، الأولاد المنحرفون الصادر عام 1955) وعن الطبقات الاجتماعية (مثل دراسة ج. ه. جولد ثورب، وأخرون بعنوان العامل المترف فى البناء الطبقى (الصادر عام 1969)، كانتا بالفعل دراسات عن الصبية الذكور وعن الرجال، بيد أنهما لم تتخذا من قضية النوع موضوعا لاهتمامهما. لقد أهملت قضية الرجولة إلى حد بعيد، فى حين اعتبر متغير النوع متغيرا مسلما به سلفا.

ومع ذلك كانت هناك بعض الاستثناءات الواضحة. فقد أوضحت دراسة مارجريت ميد المقارنة الأسس الثقافية لكل من الرجولة والأنوثة ونسبيتهما (وهى نتيجة اعترض عليها فيما بعد ورفضها نقاد ميد). وبالمثل، فقد وصف بارسونز - من منظور الوظيفية ونظرية الدور - الأدوار النوعية للرجال والنساء باعتبارها أدائية وتعبيرية على التوالى. وقد ذهب بارسونز وزملاؤه إلى القول بأن هذه الأدوار يستدمجها (يتشربها) الأطفال الصغار بما يفضى إلى تقسيم دقيق للعمل فى عالم الكبار، حيث يتكامل الرجال والنساء جيدا فى إطار المنسق الاجتماعى، ومن ثم بتمكن المنسق من أداء وظيفته بيسر. وفى علم النفس أيضا، تم تطوير فكرة دور الذكر مصحوبة عادة بالرأى القادل بأن القدر الغالب من الرجولة يمثل ألية دفاعية ضد أزمة الهوية، بحيث يعمل كقناع يغطى على هشاشة الرجال فى الحقيقة (انظر على سبيل المثال كتاب بليك، خرافة الرجولة، الصادر عام 1981).

إلا أن الرجولة لم تصبح مجالا للبحث الجدى إلا خلال السبعينيات ويرجع الفضل فى ذلك إلى حد كبير للحركات النسائية، التى ذهب مؤيدوها إلى أن مشكلة نظام سلطة الأب هى فى الحقيقة "مشكلة رجال". وقد أجرت ميرا كوماروفسكى Komarovsky دراسات رائدة حول الأدوار النوعية والرجولة، حيث بحثت فى المدلالة الوظيفية والتناقضات الثقافية للأدوار النوعية (انظر على سبيل المثال مؤلفها: زواج ذوى الياقات الزرقاء (1964)، ومشكلات الرجولة (1976). وقد ترتب على ذلك، مع تطور حركة الرجال، أن بدأت دراسات الرجولة تظهر إلى حيز الوجود باعداد متعاظمة. وقد حاول أندرو طولسون فى كتابه "حدود الرجولة" المنشور عام 1976 حاول أن يوضح أن الرجولة يجب أن توضع فى إطار اجتماعى أوسع يشتمل على الطبقة، والتعليم والعمل والعمر. فالرجولة مثلها مثل الأنوثة، أبعد ما تكون عن أن تكون نتاجا ثقافيا موحداً بل إنها تتخذ أبعادا متعددة. وقد احتلت ضرورة النظر إلى الرجولة ليس كصفة جوهرية، بل كنتاج لقوى ثقافية وتاريخية مكانة مركزية ذات أهمية متعاظمة. وبحلول عقد المثمانينيات، أصبحت دراسات الرجولة فرعاً بحثياً تخصصيا راسخا متخما بشقاقاته الداخلية والحوارات المنظرية، والتأكيدات المتباينة والسياسات المختلفة (انظر على سبيل المثال، مقال كاريجان و آخرون، نحو نظرية جديدة فى الرجولة؛ المنشور فى كتاب: النظرية والمجتمع الصادر عام 1985؛ أو كتاب بريتان، الرجولة والقوة الصادر عام 1989.

وعلى حين استمر بعض علماء الاجتماع فى استخدام وتطوير النظرية التقليدية فى الدور، نجد علماء آخرين يستندون إلى أعمال باحثين من أصحاب النزعة النسوية ودراسات الجنسية المثلية والسحاقيات، وأشاروا إلى أهمية مفاهيم السلطة الأبوية، ونزعة الجنسية الغيرية والقوة فى تحليل الرجولة. ونجد فى عمل روبرت كونيل، على سبيل المثال، تأكيداً متزايدا، ليس على الرجولة فى حد ذاتها، ولكن على العلاقات النوعية المنظمة إلى حد بعيد من خلال القوة (انظر كتابة: النوع والقوة الصادر عام 1987.

وفى عام 1990، عرض كينيث كلاتربو فى كتابه: منظورات معاصرة حول الرجولة، الصادر عام 1990، لمجمل ميدان البحث، وذهب إلى أن هناك عددا متمايزا من المواقف النظرية المتداولة فى ميدان دراسات الرجولة فى علم الاجتماع. ويمثل أول هذه المواقف استمرارية للخط المفكرى المحافظ الذى يرى فى الرجولة قضية ذات عمومية، غير قابلة للتغير، ذات أصول بيولوجية إلى حد كبير. وبالمقابل، اتبع أصحاب المواقف المؤيدة للنسوية بصفة عامة، التحليلات التى أرستها النظرية النسوية فى صيغتيها الليبرالية والراديكالية. وهناك ثالثا أنصار حركة حقوق المرجال، الذين يذهبون إلى أن الرجال أيضا كانوا من ضحايا نظام السلطة الأبوية والانحياز الجنسي للرجل. رابعا، فثمة موقف جديد أخذ يتبلور يذهب إلى الحاجة إلى أن يستعيد الرجال جذورهم الروحية، وهو رأى يمثله كتاب رويرت بلى بعنوان: جون الحديدى، الصادر عام 1991. وأخيرا، هناك عدد من الأطروحات التى ربطت ما بين دراسة المرجال والطبقة والحرق، وقضايا المثليين الجنسيين.

انظر أيضاً