مدرسة الثقافة والشخصية
مدرسة الثقافة والشخصية (بالإنجليزية: Culture and Personality School) تعد من التطورات التى برزت فى ميدان دراسة التنشئة الاجتماعية فى الولايات المتحدة أساساً خلال عقد الثلاثينيات. ألفت هذه النظرية بين عناصر من علوم النفس، والأنثروبولويجا، والاجتماع، ولكنها تضمنت فى الأساس تطبيقاً لمبادئ التحليل النفسي على البيانات الإثنوجرافية. أدى الاعتماد على نظرية فرويد (انظر كتاب فرويد "الحضارة ومساوئها"، 1930)، إلى التركيز على القولبة الثقافية للشخصية، وركزت على عمليات نمو الفرد وتطوره. وتذهب نظريات الثقافة و الشخصية الى أن أنماط الشخصية تتخلق أثناء عملية التنشئة الاجتماعية، ومن هنا تعول بصفة خاصة على الممارسات المتبعة فى تربية الطفل مثل: التغذية، والفطام، والتدريب على عمليات الإخراج. ويبدو هذا المدخل بأجلى صوره فى كتابات الأنثرويولوجيين مثل: جريجورى بيتسون، وروث بندكت، وجيوفرى جورر، ومارجريت ميد وقد ارتبطت ميد بصفة خاصة - بالأفكار الأساسية لهذه المدرسة، المتى تذهب إلى أن الثقافات المختلفة (أو المجتمعات) تنتج أنماطا مختلفة من الشخصية، نتيجة لممارسة أساليب مختلفة من التنشئة الاجتماعية. لقد أثرت نتائجهاالمثيرة للجدل -ومن أبرزها أن الأدوار الجنسية هى نتاج ثقافى وليست محددة بيولوجيا- أثرت على جيل من علماء الاجتماع الأمريكيين، على النحو الذى دفعهم إلى إعادة دراسة مسلماتهم الثقافية عن أدوار الرجال والنساء فى المجتمع.
وهناك دراسات أخرى عديدة توصلت إلى نتائج مختلفة فى هذه القضية. إذ تناول أبرام كاردنر فى كتابه: "الحدود السيكولوجية للمجتمع" 1945، الطريقة التى تتمثل فيها أنماط الشخصية فى الأنماط الثقافية. فقد ذهب كاردنر وزملاؤه إلى أن الدين والسياسة هى بمثابة الشاشات التى تعرض عليها التوجه الأساسى للشخصية فى المجتمع. ودرست روث بندكت الانحراف الاجتماعى (فى مقالها "الأنثروبولوجيا والشاذ" 1934)، ولفتت الاتتباه إلى أن الشخصية التى قد تحظى بمكانة عالية فى مجتمع ما، قد تعد شخصية منحرفة فى مجتمع آخر. وذهبت بندكت إلى أن المجتمعات المختلفة لديها وسائل مختلفة للتعامل مع كافة أنواع السلوك الشاذ، وأن هذا التعامل يتغير بمرور الوقت.
لقد حظيت مدرسة الثقافة والشخصية بأهمية خاصة فى زمن الحرب العالمية الثانية، حيث كانت "دراسات الشخصية القومية" تجرى آنذاك لمحاولة فهم شخصية (وبالتالى استراتيجية) دول المحور. ومن أبرز ثمار هذا الاتجاه، دراسة بندكت الكلاسيكية عن الشخصية اليابانية التى ظهرت فى كتاب تحت عنوان زهرة الأقحوان والسيف، عام 1946، ودراسة مارجريت ميد عن الولايات المتحدة فى كتابها: ثحافظ على بارودك جافا" الذىصدر 1942. وبعد عام 1950 حدث تركيز كبير على استخدام الإحصاءات لتوضيح الارتباطات بين أساليب تنشئة الطفل، و الشخصية، والثقافة. وهكذا استخدم جون ويتنج وإرفنج تشايلد فى كتابهما: "تدريب الطفل والشخصية" (الصادر عام 1953) عينة كبيرة من ثقافات مختلفة ليوضح العلاقة المفترضة بين خبرات مرحلة الطفولة المبكرة، وتظم علاج المرض.
وفى فترة مابعد الحرب العالمية الثانية، زادت الاتثقادات التى تعرضت لها هذه المدرسة بسبب مبالغتها فى التأكيد على تطابق الأنماط الشخصية فى مجتمع بعينه، وتجاهل أهمية العلاقات التى توجد بين الثقافات المختلفة، وكذلك -وهذا هو الأهم-بسبيب نظرتها إلى الثقافة باعتبار ها شيئا ماديا وليست تصورا اجتماعيا. كما تبين أيضا صعوبة توضيح حقيقة الارتباط بين ممارسات تربية الطفل، وسمات شخصية البالغين فيما بعد. وهكذا أصبحت دراسات الثقافة و الشخصية فى علمى الأنثروبولوجيا والاجتماع أقل انتشارا حتى فى الولايات المتحدة التى كان تأثيرها يكاد يكون محصوراداخلها. وبالتالى أصبح تأثير هامحدوداإلى حدكبير، وإن لم يختف تماما على أية حال.