جوزيبه بيازي
جوزيبي بيازي (فالتيلينا في مقاطعة سوندريو شمال إيطاليا، 17 يوليو 1746م - نابولي، 22 يوليو 1826م) كان فلكيا، ورياضياتيا وراهبا في «المجتمع الرهباني الكاثوليكي». اشتهر بيازي باكتشافه كويكب يدعى سيريس عام 1801م في باليرمو. درّس الفلسفة في جنيف، الرياضيات في جامعة مالطا، واللاهوت في روما.
إسهامات جيوزيبي بياتزي في مجال علم الفلك
زاد عدد كواكب النظام الشمسي عند اكتشاف كوكب اخر في عام ١٨٠١. فقد تمكن وليم هيرشل من اكتشاف أحد الكواكب الجديدة وهو كوكب أورانوس قبل ذلك الوقت بحوالي ٢٠ عاما (١٧٨١). اتسم هذ الكوكب الجديد بشيء من الخصوصية، حيث إنه يعد الأول ضمن مجموعة تضم الكثير من الكواكب (في الواقع آلاف من الكواكب) التي تم اكتشافها في المنطقة نفسها التي توجد فيها الشمس. وقد ثبت أنه صغير للغاية مقارنة بالكواكب التسعة الأخرى وكان وجود مثل هذ الكوكب أمراً متنبأ به، فقد عثرهيرشل عليه بالمصادفة.
لأول مرة في عام ١٧٦٦ وضع الألماني جوهان تيتس في مدينة ويتنبورج القانون الذي يحمل اسمه. ثم بذل جوهان بود، مدير مرصد برلين، جهد في تعميمه إلى أن عرف بقانون بود. يعتمد هذا القانون على سلسلة من الأرقام. وبالنسبة لكل من تيتس وبود، تعكس هذه الأرقام المسافات التي تبعدها هذه الكواكب المتنوعة عن الشمس (على الأقل الكواكب التي كانت معروفة آنذاك) بالوحدات الفلكية (المسافة التي يبعدها كوكب الأرض عن الشمس). لقد اصطفت الأرقام على نحو عجيب وزادت شهرة كل من تيتس وبود وذاع صيتهما مرة أخرى بعد اكتشاف كوكب أورانوس الذي يبعد عن الشمس بحوالي ١٩,٢ وحدة فلكية (حيث كانت المسافة المتنبأ بها هي ١٩,٦).
من الواضح أن ثمة شيئا مفقوداً بين كوكبي المريخ والمشترى ربما يكون أحد الكواكب الذي لم يتم اكتشافه بعد. لذا، بدأ البحث من جانب علماء الفلك، فاكتشف الإيطالي جيوزيبي بياتزي بقعة متوهجة تسمى بالنجيم الكبير سيريز في عام ١٨٠١ . لكنه في واقع الأمر لم يكن يبحث عن كوكب جديد، ولكن النجيم الكبير سيريز كان واضحا من خلال الشق عند ٢,٨ وحدة فلكية. وقد وجد العديد من الأجسام الأخرى بمنطقة ليست ببعيدة بدءا من كويكب بالس في عام ٠١٨٠٢ وفي غضون بضعة عقود، تم التعرف على الكثير من الكويكبات والتي كانت تبدو وكأنها بقايا لكوكب عملاق ربما كان يدور في مدار بين المشترى والمريخ ثم تحطم وتحول إلى أجزاء صغيرة. كانت هذه "الكواكب" صغيرة جد بلا شك فلم يتعد حجم أي منها حجم النقطة ما إذا رأيتها مستخدما أفضل أنواع التليسكوبات المتاحة في عالمنا اليوم، لدرجة أن هيرشل اعتقد أن قطرها يبلغ بضع مئات من الكيلو مترات فحسب وأطلق عليها اسم الكويكبات السيارة ذلك لأنها تشبه النجوم ولا زالت تسمى بهذا الاسم حتى وقتنا هذا.
شجع قانون تيتس-بود بدء البحث في هذا الصدد ولكن ليس هناك سبب محدد يثبت صحة هذا القانون. حتى أن الكويكبات السيارة لا تتفق بالفعل مع هذا القانون منذ أن كانت المسافات التي تبعدها هذه الكويكبات تتراوح من ٢,١ إلى ٣,٥ وحدة فلكية، على الرغم من أن المعدل يقترب من الصحة لا يبدو هذ القانون منطبقا على كوكبي نبتون وبلوتو، وينظر إليه الآن على أنه مجرد مصادفة جديرة بالملاحظة والانتباه.
اكتشاف سيرس
بيازي معروف بشكل خاص لاكتشاف 1 يناير 1801م: جسم بدا له وكأنه يتحرك على خلفية نجوم ثابته. في أول الأمر اعتقد أنه اكتشف نجما جديدا من النجوم الثوابت، لكن لما ظهر له أن هذا الجسم يتحرّك تشكلت عنده قناعة أن هذا الجسم ليس إلا كوكبا أو «نجما جديدا» (nuovo astro) كما سمّاه يومذاك. كان قد أمضى تسعة سنين في توثيق مصنف للنجوم الثوابت، وفي ذلك المساء كان يتحقق من النجم الـ 87 في المصنف الذي أُعد في دير لاكاي - مسكن للرهبان - عندما اكتشف نقطة مضيئة غريبة.
وعن ذلك كتب في مذكرته:
- كان الضوء الذي ينبعث منه ضعيف شيئا ما وبنفس لون المشتري، لكن بنفس القدر الإشعاعي كالبقية. لهذا السبب لم أشك في طبيعته. وفي المساء الذي كرّرت فيه مشاهدتي الثانية لاحظت أن هذا الجسم لا يتوافق لا في العلو ولا في الزمن مع سمت الرأس، فبدأت أشك ما إن حدث خطأ ما في الملاحظة الأولى. في وقت لاحق نشأ عندي الظن أن الجسم ممكن أن يكون نجما جديدا. وفي مساء المشاهدة الثالثة تحول الظن عندي إلى يقين عندما اقتنعت أنه ليس بنجم ثابت. مع ذلك انتظرت وتوقفت في الإعلان عن ملاحظاتي حتى مساء المشاهدة الرابعة حين ارتضيت تسجيل الملاحظة ورأيت أنه قد تحرّك بنفس السرعة التي تحرك بها في الأيام السوالف.
اشتبه عليه الأمر ورغم القرائن التي حصل عليها ليفترض أن الجسم كوكب من الكواكب، إلا أنه وبسبب الحذر الشديد أعلن عن اكتشافه مصرحا أن هذا الجسم مذنب. ولم يصرح بقناعته لأحد غير الفلكي الإيطالي برنابا أورياني حيث أرسل إليه بيازي رسالة يعلن فيها عن معاناته مع الاكتشاف، وكتب له:
- أعلنت فيما سبق أن هذا النجم مذنب، ولكن بما أنه غير مرفق بأي رذاذ - سديم إنبعاثي - ويواصل حركته ببطئ وبإنتظام، تنتابني مرارة الفكرة أنه شيء أحسن من المذنب. وقد تعمّدت أن لا أعلن في العام عن هذه الفكرة بشكل صريح.
لم يقدر بيازي الإستمرار في متابعة الجسم لحساب مداره بالآلات التي كانت متوفرة له يومها. لكن الرياضياتي المعروف كارل فريدريش غاوس طوّر طريقة جديدة لحساب المدار (المربع الأدنى) التي يستطيع بها الفلكي تحديد آحاد المدار ومن ثم العثور مجدددا على موضع الجسم الفلكي. عندها إتضح أن بيازي كان على حق وأن الجسم ليس بمذنب وإنما كوكب صغير. كما أن قانون بود كان قد تنبّأ بكوكب في نفس الموضع تقريبا.