أوبرا (موسيقى)

(بالتحويل من الأوبرا)

الأوبرا هي شكل من أشكال المسرح حيث تعرض الدراما كليًا أو بشكل رئيسي بالموسيقى والغناء، وقد نشأت في إيطاليا عام 1600. الأوبرا جزء من الموسيقى الغربية الكلاسيكية. في أي أداء أوبرالي، تُعرض عدة عناصر من عناصر المسرح الكلامي مثل التمثيل، المشاهد والأزياء، والرقص بعضًا من الأحيان. عادة ما تكون عروض الأوبرا في دار أوبرا مصحوبةً بأوركسترا أو فرقة موسيقية أصغر قليلاً.

يعرّف أحمد بيومي في القاموس الموسيقي «الأوبرا» بالشكل التالي: [ أوبرا: الأوبرا عمل مسرحي غنائي Opera\it.Eng).(Opéra\Fr)). مؤلّف درامي غنائي متكامل يعتمد على الموسيقى والغناء، يؤدى الحوار بالغناء بطبقاته ومجموعاته المختلفة، موضوعها وألحانها تتفق وذوق وعادات العصر التي كتبت فيه وتشمل الأوبرا على الشعر والموسيقى والغناء والباليه والديكور والفنون التشكيلية والتمثيل الصامت والمزج بينها. كما تشمل أغانيها على الفرديات والثنائيات والثلاثيات والإلقاء المنغم أو الرسيتاتيف (Recitativo)… والغناء الجماعي (الكورال) وبمصاحبة الأوركسترا الكاملة… ].

الأوبرا مسرحية غنائية تعتمد على الغناء أكثر من الكلام، وتختلف عن التمثيليات التقليدية في عدة جوانب أبرزها أن العنصر التمثيلي في الأوبرا يُعد أكثر عمقًا وتأثيرًا في المشاهدين، خاصة أن الأوبرا تعتمد على الانفعالات الأساسية كالغضب والحزن والحب والانتقام والقسوة والغيرة ونشوة الانتصار.

يستفيد المؤلف الأوبرالي إلى درجة كبيرة من إمكانات الموسيقى المصاحبة التي تعمق الإحساس لدى كل من الممثل والمشاهد. وتتميز الأوبرا عن التمثيلية التقليدية في أنها تجمع بين أكثر من لون من ألوان فنون الأداء مثل التمثيل، والغناء، وموسيقى الأوركسترا، والأزياء، وأحيانًا الرقص والباليه.

تختلف الأوبرا أيضاً عن العروض الأخرى التي تستخدم الموسيقى مثل المسرحيات الموسيقية والغنائية في أن الأوبرا تستخدم حوارًا أقل منهما، وتشترك الموشحات الدينية الغربية مع الأوبرا في ميزات معينة وهي استخدام الموسيقى المصاحبة للغناء الفردي ومجموعة المنشدين والأوركسترا، وقد تحكي أيضًا قصة. إلا أن الموشحات الدينية في الغرب تختلف عن الأوبرا في أنها تفتقر إلى عناصر التمثيل والأزياء والتزيين؛ وقد بدأت الأوبرا في إيطاليا في السنوات الأخيرة من القرن السادس عشر الميلادي ثم قام الموسيقيون الإيطاليون والمغنون وقادة الأوركسترا بتطوير ذلك الفن الأدائي في السنوات التالية. وبحلول نهاية القرن السابع عشر الميلادي انتشرت الأوبرا من إيطاليا إلى بقية بلدان أوروبا.

والأوبرا هي في الواقع(أحدث فنون الموسيقى وأصغرها سناً مع العلم بأن أوروبا قد عرفت منذ فترة بعيدة وقبل ميلاد الأوبرا عدة صور من الأعمال الموسيقية والمسرحية وبعضها ديني يمثل المواعظ والقصص الدينية وهو ما أطلق عليه اسم الغوامض وبعضها ترفيهي مثل الفواصل الموسيقية التي شاعت في عصر النهضة أو هي تسمى الإنترميد أي الفواصل التي تدخل بين الفصول والروايات المسرحية كنوع من التعليق الغنائي على الأحداث وأيضاً مثل المسرحيات التي تقدم في أسواق الأرياف(المسرحيات الريفية)والتي جمعت بين الرقص والغناء والموسيقى.

POSTONAL PLAYS وكما كانت توجد أيضاً العروض الشعبية التي يطلق عليها المساخر(وهي ما يشبه الأرجواز وخيال الظل في مصر). وهكذا وجدت جماعة الكاميراتا الخطوط الأولى لهذا الفن الجديد وأوجدت بذلك أسلوبها التعبيري الريستاتيفو(ريستاتيف معناها إلقاء أو تلاوة)وسخرته لخلق فن الدراما الموسيقيةا وتتابعت الأعمال الأوبراليه مثل(دافني، يروديتشي)من موسيقى(بيري  PERIالروح والجسد من موسيقى(كافالييري)وكان الطابع الغالب على تلك المحاولات الأولى للأوبرا هو الإلقاء المتعجل الذي يحرص على احترام الكلمة تماماً ولو على حساب الجمال الفني والقيمة الموسيقية، ورغم ذلك فقد لاقت أعمالهم الأولى هذه في فلورنسا وفي روما نجاحاً بين الدوائر الأرستقراطية وفي القصور التي قدمت فيها حيث أنه بالطبع لم تكن هناك مسارح خاصة لهذا النوع فكانت أن قدمت لهم في دورهم وبالطبع أيضاً كان جمهورها محدوداً وخاصاً. وبذلك النجاح أصبح لهذا الفن الجديد مكانته في عالم الموسيقى كنوعية متميزة لها مبادئها الجمالية التي تنتمي بصلة القرابة والترابط مع فن الدراما الإغريقي القديم.

ويبدأ العرض بقطعة موسيقية أوركتسراليه تعبر وتشير إلى موضوع وأحداث الأوبرا كلها وبشكل مختصر وهي ما تسمى الافتتاحية، ثم يرفع الستار عن أحداث المسرحية الموسيقية الغنائية التي يدور فيها الحوار والأحداث الدرامية بين قطع غنائية إلقائية(ريستاتيف)وغناء فردي(آريات)وغناء من الصوليست(دويتو-تريو-أو أكثر)إلى جانب الكورال والأغاني الجماعية التي يشترك فيها الصوليست والكورال معاً، وقد يتخلل الأوبرا أيضاً فقرات ورقصات للباليه، وفقرات أخرى أوركتسراليه بحتة، كل ذلك بمساعدة المصاحبة الأوركتسراليه الغناء بنسيج موسيقي يعمق ويجسد المواقف والأحداث الدرامية للأوبرا كما يتخللها أيضاً رقصات أو أية تشكيلات وضرورات وتكنيك مسرحي قد يحدثها النص وسياق الأحداث.

أصل الكلمة

كلمة أوبرا باللغة اللاتينية تعني عمل(انتاج فني)والأوبرا كعمل مسرحي كان يسمى في البداية OPERA DE MUSICA أي عمل موسيقي، وأصبح الآن مصطلح أوبرا يطلق على فقط على ما تعنيه الكلمة الآن وأصبح هو المدلول المختصر الذي يفهم منه هذا النوع من التأليف الموسيقي الذي هو نوع من التركيب الفني تتعاون فيه مجموعة كبيرة من الفنون المختلفة حيث تتحد فيه الدراما مع الموسيقى الغنائية والأركسترا مع التمثيل والباليه أحياناً مع الديكور المناسب والأزياء والإضاءة والإخراج المسرحي... الخ، وتؤدي كلها إلى إخراج عمل فني شامل ولا يمكن بلوغه بالمسرح  أو بالموسيقى والغناء أو الباليه وحدهم.

تاريخ الأوبرا

تطورت الأوبرا تاريخيّاً انطلاقاً من المدائحيّات، حيث ظهرت جماعات دائمة منظمة بمبادرة من رجال الدين في الكنيسة الغربيّة مهمتها إقامة جوقة دينية لكل عيد يقام وفق تقاليد المداحين وسميت هذه المجموعة من المؤلفات التي تنشدها هذه المجموعة باسم (المدائحيّات) وكان بعضها يحتوي إخراجاً معقداً ومكان العرض المفضل في البدء كان داخل الكنيسة، ويتم الحفل بأسلوب متعدد النغم، وبعض الجوقات، ثم جوقتان متناوبتان، ولضرورة المؤثرات المسرحية تحولت المسرحية إلى باحات الكنائس ثم إلى الساحات وفي القرن الخامس عشر ظهرت المنصة بظهور التمثيليات الدينية، وكانت تقسم إلى أجزاء يسمى كل منها (البيت) وتوضع عليها لافتة توضّح غايتها، وكانت الجنة في الأعلى وفي إحدى الزوايا يفغر تنين شدقيه ليكون مدخل الجحيم، وكانوا يستخدمون مقاطع شعرية تتألف من ثمانية أبيات ربما وفقاً لفن الإنشاد الرتيب الذي كان يمارسه «المغنون الشعبيون».

وهنا يمكن الوقوف عند كلام فيتوباندولفي: [ …وفي هذه الحال، قد يجوز لنا أن ننظر إلى المدائحيات على أنها أول أشكال المسرح الموسيقي، الذي قدر له أن يتحول إلى «أوراتوريو» (ابتهالية) وإلى «أوبرا» (مغناة) ]. ويمكن القول بأن "....." هي أوبرا ذات موضوع ديني تقدم في الكنيسة عوضاً عن المسرح فقد انبثق كل من الأوبرا....من جذور واحدة، كما انبثقت التمثيلات الدينية (مسرحيات الأسرار أو آلام المسيح) والمسرحيات الدنيوية من جذور واحدة.

أما في البلاط وقصور النبلاء في القرن الخامس عشر والسادس عشر فقد ظهرت عروض تتميز بالثياب الفاخرة وعجائب الديكور الذي لا يتعلق بالرسم وحسب بل بالنحت والهندسة، وكذلك بفواصل موسيقية بين الفصول ذات مضمون أسطوري أو رمزي، وقد ساهم أعظم فناني العصر كـ «رافائيل» و«برامانته» و«اريوسته» بتنفيذ الديكورات، التي ترتكز على مؤثرات تحصل بواسطة المنظور ومزيج بين الرسم والهندسة، كما كانت ألوان الأزياء تختار بعناية (على الأغلب فاتحة) كما كانت هناك تعاليم للحركة على المنصة (عدم المشي إلا عند الضرورة القصوى) وتعاليم النطق واللفظ وكذلك دراسة الإضاءة المناسبة للمنظور المرسوم واستخدام المرايا، كما واستخدمت أوركسترا موسيقية ودرست علاقات دخولها مع الكلام أثناء العرض المسرحي.

وتعتبر المسرحية الأوبرالية دافني (1597) لـ:جاكوبو بيري، الأوبرا الأولى، ولكن المؤلف الأول العظيم للأوبرا كان كلاوديو مونتيفيردي (1567-1643) الذي لا تزال أعماله تعرض وتؤدى حتى اليوم. ما لبثت الأوبرا بعدها إلا أن انتشرت من فلورنسا، البندقية وروما... من إيطاليا إلى بقية أرجاء أوروبا: شوتز في ألمانيا، لولي في فرنسا، وبرسل في إنجلترا، كل هؤلاء ساعدوا في إنشاء تواريخهم الوطنية. على أية حال، وفي القرن الثامن عشر، استمرت سيطرة الأوبرا الإيطالية على معظم أرجاء أوروبا، ما عدا فرنسا، مما ساعد على جذب مؤلفيين أجانب مثل هاندل. في ذلك الوقت، كانت أوبرا سيريا أو الأوبرا الجدّية أو الدرامية، أكثر أنواع الأوبرا الإيطالية رفعةً في المستوى، حتى جاء غلك الذي عاكس اصطناعية الأخيرة بمسرحياته الأوبرالية المعدّلة. وفي أواخر القرن الثامن عشر، كان موتسارت من أكثر الشخصيات تأثيرًا على الأوبرا آنذاك، ابتدأ موتسارت بأوبرا سيريا، ولكنه اشتهر بمسرحياته الأوبرالية الكوميدية الإيطالية، خصوصًا لي نوتزي دي فيغارو أو زواج فيغارو، دون جوفاني أو السيد جوفاني، وكوزي فان توتي. أوبرا داي زوبرفلوت أو المزمار السحري تعد من أشهر أعمال موتسارت وتعد أيضًا من العلامات الواضحة للتاريخ الألماني في الموسيقى.

شهد الثلث الأول من القرن التاسع عشر ذروة أسلوب بل كانتو، مع ملحنين أمثال، جواكينو روسيني، غايتانو دونيزيتي، بيليني، كل هؤلاء ألفوا أعمالاً لا تزال ذائعة الصيت والأداء حتى اللحظة. تعتبر أواسط القرن التاسع عشر إلى أواخره العصر الذهبي للأوبرا، حيث كان فاغنر في ألمانيا وفيردي في إيطاليا. استمر هذا العصر الذهبي خلال حقبة الفيريسمو في إيطاليا مرورًا بالأوبرا الفرنسية وعبورًا إلى بوتشيني وريتشارد شتراوس في مطلع القرن العشرين. في ذلك الأوان، ولدت طرق أوبرالية جديدة في أواسط وشرق أوروبا، تحديدًا في روسيا وبوهيميا. شهد حينها القرن العشرين تجارب عديدةً للأوبرا مع أساليب جديدة لملحنين أمثال شوينبيرغ وبيرغ، سترافينسكي، وفيليب غلاس.

الجذور

الأوبرا الإيطالية

طالع أيضاً: أوبرا إيطالية

كلمة أوبرا تعني «العمل» باللغة الإيطالية (من اللاتينية أوبس وتعني «العمل» أو «بذل الجهد»)، هذا يقترح أنها تمزج ما بين الفن المنفرد ومع الجوقة الموسيقية، الخطبة، التمثيل والرقص على منصة المسرح.

فقد حاولت جماعة الأصدقاء «كاميراتا Camerata» في فلورنسا بزعامة «الكونت باردي Count Giovanni Bardi» عام 1600 إخراج مسرحية تتخللها الموسيقى على غرار ما تصوروه عن التراجيديات الإغرايقية فإذا بهم يصلون إلى نموذج مسرحي جديد أسموه (الأوبرا) ولقد كانوا اصحاب نظرية وتطبيق فكان كل منهم يسهم في العمل الفني المشترك في حدود تخصصه؛ فكان «كاتشيني Giulio Caccini» يهتم بتنمية الغناء و«كافالييري Cavalieri» يقدم الموسيقى الملائمة للمسرح وكان كل من «بيري Peri» و«رينوتشيتي Rinuccini» يعملان على استكمال مقومات التعبير الدرامي فولد نموذج الأوبرا من جهودهم التطبيقية المشتركة ونظرياتهم.

وتعتبر دافني لجاكوبو بيري وجماعة «كاميراتا Camerata»، باكورة المزيج الذي اعتبر لاحقا أوبرا أو مسرحية أوبرالية. كتبت دافني خلال العام 1597، مستوحاة من أديب إيطالي. كانت دافني محاولة لإحياء المسرح الاغريقي الكلاسيكي، والتي كانت بدورها جزءاً من السمات المميزة لعصر النهضة. لللأسف دافني فقدت أجزاؤها وضاعت. ولكن في العام 1600 ظهرت يوريديتشي عمل آخر لبيري، التي ولحسن الحظ تعتبر الأوبرا الأولى التي لا تزال محفوظة حتى اليوم الحاضر.

وظهر في عام 1600 ذاته نموذج آخر جديد هو نموذج التمثيلية الدينية أطلق عليها اسم "....." ومنها تمثيلية «الروح والجسد» التي كتبها «إيميليودي كافالييري (1550- 1602) Cavaliri» واستخدام فيها الرقص والغناء والتمثيل والمشاهد المسرحية وكانت تشبه في سماتها أوبرا «بيري Peri» فكانت مزودة بمجموعات إنشاد كورالي بسيط وبفواصل من موسيقى الآلات المناسبة لكل شخصية درامية والمصاحبة للأصوات البشرية في اتحاد نغمي وفقاً لطبقاتها الصوتية، وحول فيه الحوار إلى غناء بجانب أجزاء الكورال والأدوار المنفردة، ويعد «كافالييري» أول من نقل الموسيقى إلى خشبة المسرح وأول من حوّل المسرحية إلى ألحان وكان راقصاً وعازفاً للأرغن وأستاذ غناء وهو ممهد الطريق الحقيقي إلى الكتابة الأوبرالية بلا منازع. غير أن "....." لم يلبث أن تجرد من العناصر المسرحية من ملابس وتمثيل ومناظر وخشبة مسرح ليؤدى وحده بالكنيسة تلاوةً وإنشاداً وإلقاءً وغناءً منفرداً في حين تطورت الأوبرا فاتسم إخراجها بالفخامة والثراء فأقيمت دور للأوبرا، واشترك المهندسون في إخراج المسرحية الأوبرالية لإظهار الفخامة المفرطة وفق أسلوب الباروك، وكان المهندسون يحققون معجزات مسرحية كتصوير الزلازل والعواصف الرعدية وتحويل خشبة المسرح إلى بحر تظهر فيه جنيات الماء وحورياته ثم تختفي في غمضة عين، كما أدخلت الباليه كفن الرقص بين فصول الأوبرا في بعض الأحيان، ويؤكد د. ثروت عكاشة: [ …في هذا العصر ولدت الأوبرا التي تعد أكثر النماذج تمثيلاً لفن الباروك Baroqur فقد أرضت أهل الباروك الذين كانوا يتشيعون لإطلاق الحدود فيما بين جميع الفنون، ولهدم الأسوار التي تفصلها عن بعضها البعض، إذ يجب أن تتآلف جميعها ضمن العمل الدرامي مكونة وحدة ضخمة]

الأوركسترا والكورس في الأوبرات الأولى

كان الأركسترا في هذه الفترة بدائياً كما هو متوقع وهو مكون من الكلافيشمبالو التسمية الإيطالية(للهاربيسكورد)والكيتاروني(عود كبير له أوتار غليظة)، ليرة كبيرة وفيولادي جاما وعود كبير. ومن الملاحظ في المندونات التي تركها(بيري)لأوبراه(يوريديتش)أنه لم يوضح دور كل آلة في بارتيتيورا – واضحة، ولكن التدوين عبارة عن كتابة الصوت الأصلي الأساسي الغنائي وأسفله لحن الباص المرقوم فقط(بلا)توضيح كامل للتآلفات المستخدمة، وهذا ما يوضح بساطة التأليف ويعد أيضاً نموذجاً مبكراً لاستخدام الباص المرقوم الذي انتشر فيما بعد من القرنين 17،18 والذي اقتبس من عازفي الأورغن الذين كانوا يستعملونه في تبسيط المصاحبة البوليفونية للكورال حيث كان يوضح حدود القرار الموسيقي للحن الرئيسي إلى جانب توضيح الهارمونيات الرئيسية.

وكان بيري قد حاول لأول مرة استخدام التلوين الآلي(التوزيع الأوركسترالي)لخدمة الإيحاء الدرامي المستمد من ألوان أصوات الآلات وذلك لإضفاء أجواء تعبيرية معينة وإن كانت الآلات تقوم أيضاً بعمل مصاحبة هي مجرد ازدواج للأصوات الغنائية.

أما دور الكورس والكتابة الكورالية فقد كانت في الواقع مجرد تبسيط للأعمال البوليفونية مثل المادريجال لأن الأسلوب الجديد الهوموفوني لم يكن بعد قد استطاع أن يكون ميسراً في تقديمه في الأجزاء الكورالية البحتة. ولذلك يرجع المؤلفون إلى نوع من البوليفونية البسيطة وكان على الكورس الرقص والتمثيل أيضاً إلى جانب الغناء.

لهذا نجد أن هذه المحاولات الأولى لم تستطع أن تحل المشكلات الفنية التي حاولت جماعة الكاميرتا حلها وبالعكس فقد فشلت في تحقيق إعادة خلق المسرح الإغريقي القديم ولكنها في نفس الوقت وضعت جذور وأسس وأساليب جديدة كان لها دورها الهام في تاريخ الموسيقى فيما بعد.

تطور الأوبرا

ظهرت الأوبرا لأول مرة في السنوات العشر الأخيرة من القرن السادس عشر الميلادي في مدينة فلورنسا بإيطاليا، حينما التقت مجموعة من النبلاء والشعراء والموسيقيين لإحياء التراث الإغريقي القديم، وقد اتجهت هذه المجموعة لإعادة تقديم التراث المسرحي للإغريق بصورة غنائية لاعتقادهم أنه كان الشكل الأول لأداء التمثيلية الإغريقية.

مرت الأوبرا بتطورات مهمة خلال عصر الباروك (الفن المبهرج) (من 1600-1750م) وهي تطورات مهدت لسيطرة الأوبرا الإيطالية. وفي الفترة المتأخرة من الباروك على وجه التحديد، انقسمت الأوبرا إلى فرعين: أ- الأوبرا الجادة ب- الأوبرا الهزلية.

رغم أن الفرنسيين أظهروا اهتماماً قليلاً بالأوبرا في السبعينيات من القرن السابع عشر الميلادي، إلا أنه مع بداية هذه الفترة ظهر الأسلوب الأوبرالي الفرنسي المميز حيث أدخل الفرنسيون بعض التغييرات على عروض الأوبرا وأبرزها الاتجاه إلى الأغاني والألحان البسيطة المعبرة، والميل إلى البذخ والإبهار في التزيين والأزياء.

ثم شهدت الساحة الفنية تذمرًا ضد الأوبرا الإيطالية وخاصة ضد ميلها إلى تمجيد المغني عن طريق الإكثار من الأغاني الفردية. وقد تمخض هذا التذمر في نهاية الأمر عن ظهور الأوبرا الكلاسيكية التي سيطرت على الساحة الفنية من 1750م إلى 1820م تقريبًا، حينما ظهرت الأوبرا الرومانسية بتركيزها على الطبيعة والعناصر الشعبية والأسطورية.

الأوبرا خارج إيطاليا

كانت أوروبا مستعدة منذ عصر النهضة لتقبل أي نمط جديد تبتعه إيطاليا وخصوصاً جيرانها مثل النمسا وألمانيا وفرنسا وانجلترا، وما لبث حتى وصلت إلى اسبانيا غرباً وروسيا شرقاً وقد قلدت هذه الدول في البداية الأوبرا الإيطالية واستجلبت فرقاً كاملة بمغنيها ومؤلفيها وذلك شأن أي موضة جديدة، حتى أنه فيينا أنشأت دار للأوبرا خاصة بالأوبرا الايطالية وفنانيها جميعاً هم من الايطاليين أما في فرنسا وانجلترا وألمانيا فقد استقبلتها ولكن بعد أن حورتها وعدلتها بما يناسب ويلائم أمزجه أهلها وكان ذلك عامل خير لفن الأوبرا التي استقبلت دماء وإمكانيات جديدة كان لها أثرها العظيم كما سيتضح فيما بعد.

الأوبرا في فرنسا

كان الباليه الدرامي هو أعلى تطور وصلت اليه فرنسا في الفنون التي ترتبط بالموسيقى وكان الباليه عاملاً لا غنى عنه في حياة البلاط الفرنسي معبراً بذلك عن ذوق الطبقه الحاكمة والذي كان له بالطبع تاثيراً لا يخفى على ذوق الشعب الفرنسي ايضاً لذلك تعرض الفن الأوبرالي القادم من ايطاليا لتعديلات تتناسب مع هذه النظرة , وذلك قبل أن يبدأ طراز جديد وطني لفن الاوبرا الفرنسي في النمو في الوقت الذي كانت فيه فلورنسا في ايطاليا تقوم التجارب في حقل الاوبرا لغرض تطويرها كانت هناك في فرنسا محاوله لربط الباليه بالشعر والموسيقى , فقد كتب ايطلي يعمل في البلاط الفرنسي يدعى ( بالتازاريني) عرضاً موسيقياً درامياً هوه باليه المكله جمع فيه بين الشعر والموسيقى والرقص والحركه المسرحيه بطريقه كانت شبيهه جداً بالمحاولات الايطاليه الأوبراليه ولكنه لم يداوم تجاربه هذه في حقل الأداء الغنائي في الباليه نظراً للتكاليف الباهظه لهذه العروض وقد اشتهر وازدادت شعبيه عمله هذا الذي عبر عن الذوق الفرنسي المتأنق أما بالتازاريني فلم يجد تجسيداً لافكاره سوى في عروض مواطنيه الايطاليون التي بدأت تظهر اعمالهم في باريس حين قدموا بعض العروض للأوبرات السائده حينئذ وبعدها مباشره بدأ الفرنسيون يقلدونها ثم حاولوا بعد ذلك البحث عن طراز جديد باعتباره فناً واسلوباً متميز عن الاوبرا الايطاليه وقد حاول الكثيرون مزج الأسلوب الايطالي بالريستاتيف مع بعض الاغنيات الفرنسيه المتميزه ذات الطابع الفرنسي في اوبرات عديده لاقت نجاحاً متفاوتاً عادياً . بعد أن كتبت اول الامر ولكنها لم تنجح تماماً عند اعادتها إلا بعد أن كتب لها ( لوللي) اضافات باجزاء للباليه في تلك الاوبرات كما أضاف مقدمات موسيقيه كانت هي البدايه لتطور الاوبرا والافتتاحيه الفرنسيه.

وهكذا نشأت الاوبرا الفرنسيه في رحاب الباليه وذلك حتى جاء المؤلف الفرنسي ( لوللي) الذي خلق للأوبرا الفرنسيه كيان مميز يناسب ولائم الذوق الفرنسي.

حتى ذلك الوقت كانت فرنسا قد قطعت شوطاً كبيراً في تقدم فنون المسرح الذي أوصلها إلى استخدام الميكانيكية المسرحية واستخدام المؤثرات الصوتية وكذلك المؤثرات الخارجية بشكل هبتكر وغريب ومثير بالنسبة لهم حينئذ. واشتهرت الأوبرات الفرنسية بالإخراج الطريف البالغ البذخ بما يتفق مع موضوعاتها الأسطورية الضخمة.

الأوبرا في انجلترا

كان لانجلترا لوناً خاصاً من الترفيه الموسيقي وتقليداً ثابتاً يعادل الباليه في فرنسا وله نفس الشهرة والذيوع كما اجتذب الملوك والأشراف وأحبوه، وهذا اللون هونوع من المسرحيات الموسيقية يسمى( الماسك)أي المساخر يحتوي على رقصات منوعة يصحبها الغناء الموسيقي الإلية ويتخللها الحوار كما تقدم على المسرح في إخراج مسرحي وملابس ومناظر........ الخ.

كما أن الموسيقى لها دور آخر محدد في المسرحيات العظيمة التي جعلت لتاريخ انجلترا الأدبي في القرن السادس عشر والسابع عشر تفوقاً عظيماً فقد كانت تقدم بعض مسرحيات شكسبير على سبيل المثال معدة للأداء بمصاحبة الموسيقى التصويرية.

جمع الفنون في الأوبرا

أتت الأوبرا كأحد مظاهر جمع الفنون السبعة، حيث يمكن العودة لتقديم أحمد بيومي في القاموس الموسيقي «الأوبرا» لملاحظة ما يخص تعاون وجمع الفنون فيها: [ أوبرا: الأوبرا عمل مسرحي غنائي Opera\it.Eng).(Opéra\Fr)). مؤلّف درامي غنائي متكامل يعتمد على الموسيقى والغناء، يؤدى الحوار بالغناء بطبقاته ومجموعاته المختلفة، موضوعها وألحانها تتفق وذوق وعادات العصر التي كتبت فيه وتشمل الأوبرا على الشعر والموسيقى والغناء والباليه والديكور والفنون التشكيلية والتمثيل الصامت والمزج بينها. كما تشمل أغانيها على الفرديات والثنائيات والثلاثيات والإلقاء المنغم (Recitativo)… والغناء الجماعي (الكورال) وبمصاحبة الأوركسترا الكاملة… ].

كذلك تحدث د. ثروت عكاشة عن تعاون وجمع الفنون رغم سيطرة بعضها على الآخر في بعض الأعمال، بقوله: [ …وقد تلاقت الفنون جميعها في كل من نموذجي الأوبرا والباليه، غير أنها لم تصل إلى مرتبة التوازن والتكامل الرائعة، وكثيراً ما كانت الموسيقى تطغى على التمثيل في الأوبرا، كما كان يحدث العكس أحياناً، وقد أخذت الفنون التشكيلية فيها مكان الصدارة مرات وتراجعت تماماً مرات أخرى، وفي أوبرات «الإخراج المسرحي الكبير» طغت المشاهد الدرامية على ما سواها كما فعل «مييزبير» في أوبرا «الهيوجونوت» حيث دارت مذبحة «سان بارتلميو» التاريخية وسط ديكور مسرحي هائل قام به فنانون تشكيليون، ونجح «فاجنر» في أن يعطي مثلاً رائعاً في أوبراته لوحدة الفنون جميعها في عمل فني شامل، كما جمعت فرقة «ديا جيليف» للباليه الروسي في العقد الثاني والثالث من القرن الحالي -القرن العشرين- أكبر فناني العصر في الموسيقى والتصوير والرقص مثل «سترافنسكي» و«رافل» و«داريوس ميلو» و«بيكاسو» و«باكست» و«جونتشاروفا» و«فوكين» و«آنا بافلوفا» وغيرهم. وقد جنح «بروكوفييف» إلى إبراز مشهد السوق المزدحم بالرائحين والغادين في باليه «زهرة من صخر» ومنحه اهتماماً أكبر من اهتمامه بابراز حركة الرقص ].

عناصر الأوبرا

تتكون الأوبرا من عنصرين أساسيين هما: 1- الكلمات أو النص المكتوب من كلمات وجمل حوارية. 2- الموسيقى أو النوتة ويُقْصَد بها الغناء والموسيقى.

الكلمات. إن النص المكتوب للحوار في الأوبرا أقل طولاً من النص التمثيلي التقليدي؛ لأن غناء الكلمات يستغرق وقتاً أطول من مجرد أدائها تمثيلاً، ومن ناحية أخرى فان الموسيقى ذاتها تقوم أحيانًا بتجسيد العواطف والانفعالات التمثيلية بصورة أكثر عمقًا من الكلمات. لذلك يُفَضّل قراءة ملخص موجز للنص الأوبرالي قبل مشاهدة العرض، خاصة إذا كانت لغة الغناء تختلف عن لغة المشاهد.

الموسيقى. يتطلب كل دور في الأوبرا مغنياً يتمتع بمدى أو درجة صوت معينة، ومن ثم يتم تقسيم المغنين في الأوبرا حسب درجات الصوت. ومن أشهر التقسيمات للأدوار النسائية من أعلى طبقة إلى أخفض طبقة السوبرانو و الميتزو ـ سوبرانو و الكونترالتو وللرجال: التينور والباريتون و الباس.

الغناء الجماعي. في معظم عروض الأوبرا يستخدم الغناء الجماعي إلى جانب الغناء المنفرد والثنائي والأداء الموحد، وتختلف وظيفة مجموعة الغناء من أوبرا إلى أخرى، فقد تستخدم كمجرد خلفية لتصوير جمهور أثناء مهرجان وقد تستخدم لغناء جملة واحدة وقد تستخدم بالطبع لأداء أدوار أكثر تعقيدًا.

التمثيل في الأوبرا. رغم أن طبيعة الأوبرا تفرض قيودًا على حركة المغني إلا أن الحركة السريعة والمفاجئة والجسم الملتوي قد تؤثر على صوت المغني كما أن الأداء الأوبرالي يتطلب درجة معينة من إجادة التمثيل.

قائد الأوركسترا تتطلب قيادة الأوركسترا الأوبرالية مهارة خاصة لأن مهمة القائد لاتقتصر على المحافظة على إيقاع الأوركسترا فحسب، كما هي الحال في قيادة الأوركسترا بمفردها، بل تتركز في ربط الأوركسترا بأداء المغنين في المحافظة على الإيقاع الذي يربطهم جميعًا طوال العرض.

الأوركسترا. يختلف عدد الآلات الموسيقية المستخدمة في الأوركسترا ونوعها من أوبرا إلى أخرى، فالآلات التي يحتاجها عرض إيطالي في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي تختلف عن الآلات التي يتطلّبها عرض كتبه فاجنر في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي. وتحدد طبيعة العرض أيضًا دور الأوركسترا، فقد توفر موسيقى مصاحبة للأداء وقد تلعب دورًا هامًا في العرض وقد تبرز أو تؤكد مشهدًا أو حدثًا معينًا، وقد تقوم بتقديم فواصل تمهد أو تعد المشاهد وهكذا.

مصطلحات تستخدم في الأوبرا

الآريا: مقطوعة غنائية مطولة يقوم بها المغني بمفرده للتعبير عن مشاعره الشخصية ويطلق عليها أيضًا الغناء المنفرد.

الإلقاء المنغّم: جزء من النص الأوبرالي يقدّم معلومات عن الحدث ويطوّر الحبكة الدرامية في شكل غنائي بسيط فيما يشبه الحديث العادي وأحيانًا بمصاحبة الأوركسترا.

الأوبرا الجادة: لون الأوبرا الذي ساد في القرنين السابع عشر والثامن عشر وكانت تتناول موضوعات أسطورية وتاريخية في المقام الأول وتركز على المؤثرات المسرحية الخاصة والغناء المتميز.

الأوبرا الكبرى: أوبرا السنوات المبكرة من القرن التاسع عشر الميلادي حيث يتم التركيز على المؤثرات المسرحية ومشاهد المجموعات الكبيرة والموسيقى المركبة المتداخلة، وتشير التسمية أيضا إلى الأوبرا التي يستخدم فيها الحوار.

الأوبرا الهزلية: أوبرا إيطالية هزلية تعالج مواقف إنسانية مأخوذة من الحياة اليومية.

إينسيمبل (طاقم المغنين): مجموعة صغيرة من المغنين، تتكون عادة من شخصين إلى خمسة أشخاص. تُسمّى المقطوعة التي تؤديها المجموعة بنفس الاسم.

بل كانتو: أسلوب في الغناء يركز على جمال النغمة والمهارة الفنية.

كولوراتورا: أسلوب أداء في الغناء يميل إلى التلوين وتقوم به عادة أصوات سوبرانو قوية.

سنجسبايل: لون من الأوبرا الألمانية يستخدم الحوار المؤدَّى بدلاً من الأغنية المنفردة.

ليتموتيف: أو اللحن الدال المتكرر، مقطوعة موسيقية قصيرة تقدم بعض الأفكار والأماكن والشخصيات كلما ظهرت في العرض.

المدوّنة الموسيقية: هي النوتة الموسيقية المكتوبة التي يستخدمها قائد الأوركسترا.

النص الشعري: هو النص المكتوب للأوبرا.

الواقعية: أسلوب واقعي في الأوبرا الإيطالية يتم فيه التركيز على الحدث والانفعالات.

الأوبرا والمجتمع

كانت الأوبرا في مراحلها الأولى تحت رعاية الأوساط الأرستقراطية وتعتمد على الأبهة والفخامة نظراً لأنها كانت تقدم في قصور الأغنياء والنبلاء وتحت رعايتهم، وبالتالي فقد كانت متأثرة بأذواقهم وثقافتهم التي كان يغلب عليها الطابع الإغريقي وما يتطلبه ذلك من نفقات باهظة وإخراج فني معين مناسب لمكان عرضها بالقصور، ولكن عندما سلكت الأوبرا طريقها خارج القصور وذلك بإنشاء أول مسرح خاص بالأوبرا بني في مدينة فينيسيا عام 1637 وبذلك خاضت الأوبرا ميدان الحياة العامة وأصبح التحكم في تطورها هو ذوق الجمهور الذي يشتري التذاكر ويدفع تكاليف العرض من جيبه، وبدأت حركة جديدة لإنشاء دور الأوبرا بعد أن ثبت نجاحها وامتد ذلك إلى بقية مدن إيطاليا، وكان هذا في حد ذاته يمثل مرحلة اجتماعية جديدة بالنسبة لوسائل الاستماع الموسيقي وانتشارها بعد أن اقتصرت معرفة الموسيقى الرفيعة على القصور ثم موسيقى الكنيسة وأخيراً الموسيقى الشعبية التي لم تجد من يهتم بها ويعمل على بث الروح فيها ولكن بعد أن انتشرت مسارح الأوبرا التي أصبحت مفتوحة للجمهور بمختلف نوعياته والذي أصبح له الأثر الحاسم والإيجابي في توجيه تطور هذا الفن.

ولم ينتهي القرن السابع عشر حتى امتلأت إيطاليا بدور الأوبرا حتى وصل عددها في فينيسيا وحدها ستة عشر مسرحاً للأوبرا، أما في روما فقد كان عددها ثلاثة مسارح، وظل مصيرها في روما متعثراً بين القبول والرفض والرقابة الصارمة من الكنيسة والبابا، أما أول مسرح في خارج إيطاليا فكان في هامبورغ بألمانيا.

وبهذا تأصل ورسخت أقدام هذا الفن الجديد وما كان له من مكانة وتأثير كبير على التطور الموسيقي كما سنرى فيما بعد.

انظر أيضًا