إيفانز بريتشارد
السير إدوارد إيفان يفانز بريتشارد (بالإنجليزية: Sir Edward Evan Evans-Pritchard) (من مواليد 21 سبتمبر من عام 1902 وتوفي في 11 سبتمبر من عام 1973)، والمعروف باسم إي. إي. إيفانز بريتشارد، عالم أنثروبولوجيا إنجليزي، وأحد رواد الأنثروبولجيا الاجتماعية البريطانية البارزين، وكان له دور فعال في تطوير الأنثروبولوجيا الاجتماعيّة.
كان بريتشارد، في الفترة ما بين عامي 1946 و 1970، أستاذًا في علم الإنسان الاجتماعي في جامعة أكسفورد. وألقى عديد المحاضرات التي دار معظمها حول السحر والدين والعلم. له دراسات وأبحاث مهمة عن قبيلة الأزاندي والنوير في أفريقيا، كانت بدايتها عبر بحوث ميدانيّة انطلقت سنة 1926 بدراسة قبيلة الأزاندي وتوّجت بنيله الدكتوراه عنها سنة 1927. و قد ألّف أيضا كتابه المشهور والمهم عن السحر عند الأزاندي (نشر سنة 1937).
قام بريتشارد بدراسات إثنوجرافية لبعض المجتمعات الأفريقية. وكان ينظر إلى الأنثروبولوجيا الاجتماعية بوصفها دراسة إنسانية أكثر منها دراسة علمية للمجتمع. ولعله تبنى هذه النظرة لأن درجته الجامعية الأولى كانت فى التاربخ. وبسبب نظرته تلك لمجال العلم فقد نأى بنفسه عن رادكليف بروان (الذى خلفه كأستاذ للأنثروبولوجيا الاجتماعية بجامعة أكسفورد خلال الفترة من ١٩٤٥ حتى ١٩٧٠) وغيره من الوظيفيين الذين اجتهدوا للتوصل إلى قوانين أو نظريات تنطبق على المجتمعات بصفة عامة. وبسبب تبنيه البعد التاريخى فى بحوثه، استطاع إيفانز بريتشارد أن يوضح كيف تتغير المجتمعات وكيف تتحكم فى المتغير عبر الزمن. فكان ذلك بمثابة خطوة كبرى إلى الأمام بالنسبة للتحليل الاستأتيكى للنزعة الوظيفية. كما اهتم إيفانز بريتشارد فى الوقت نفسه بوصف المجتمعات وصفاً كلياً يتصف بالشمول، ومن هذه الناحية يمكن أن يعد بحق واحدا من تلاميذ إميل دوركايم.
ولعل الأمر الأهم من ذلك، أن إيفانز بريتشارد لعب دورا رئيسياً فى تحويل اهتمام الأنثروبولوجيا من دراسة وظائف الشعائر فى المجتمع إلى دراسة المعنى الذى يخلعه أفراد المجتمع على هذه الشعائر. ولذلك رأى إيفانز بريتشارد أن من المهام الرئيسية للأنثروبولوجيا ترجمة الثقافة المدروسة إلى عبارات مفهومة لأبناء الثقافات الأخرى. وقد نجح فى تحقيق تلك المهمة بالفعل وبشكل لا ينسى فى دراستيه المبكرتين، واللتين أسستا شهرته واللتان مازالتا تقرآن حتى اليوم، وهما: الشعوذة والسحر عند قبائل الأزاندى"، ١٩٣٧، والنوير الصادرة عام ١٩٤٠ .
ومع أن إيفانز بريتشارد كان أقل اهتماما بأن يكون فى درجة علمية رادكليف براون، إلا أن أعماله -مع ذلك- كانت أكثر تنظيراً من أعمال برونيسلاو ملينوفسكى، الذى تعلم منه الحماس الكبير لمناهج العمل الميدانى المكثف. فقد استطاع فى المجلد الذى حرره بالاشتراك مع ماير فورتس (النظم السياسية الأفريقية، الصادرعام١٩٤٠) أن يحدث ثورة فى مجال الأنثروبولوجيا السياسية. كما نلاحظ، فضلا عن ذلك، أن العديد من الكتابات التى نشرها إيفانز برينشارد فيما بعد (مثل كتابه مقالات فى الأنثروبولوجيا الاجتماعية الذى صدر عام ١٩٦٤)( ) قد اهتمت بدراسة علاقة الأنثروبولوجيا بالعلوم الاجتماعية الأخرى، وبصفة خاصة علاقتها بعلم الاجتماع. وتمثل هذه الكتابات إسهامات مهمة فى ميدان علم الاجتماع المعرفى، وتطرح آراء مثيرة ومحفزة عن مشكلات الذاتية فى البحث الاجتماعى، وعن الحاجة إلى التحليل المقارن. وقد قدمت مارى دوجلاس عرضاً واضحاً للأهمية السوسيولوجية لكتاباته، وخاصة بالنسبة لنظريات اللغة، والفعل الرشيد، والدين، فيما كتبته عن حياته وأعماله فى كتابها" إيفانز بريتشارد" المنشور عام ١٩٨٠.
التعليم والعمل الميداني
تلقى بريتشارد تعليمه في كلية وينشستر، ودرس التاريخ في كلية إكستر في جامعة أكسفورد حيث تأثر بعالم الأعراق روبرت رانولف ماريت، وأصبح فيما بعد طالب دراسات عليا في كلية لندن للاقتصاد. كان بريتشارد، أثناء تواجده في جامعة أكسفورد، أحد أعضاء نادي المنافقين. تأثر بريتشارد، في كلية لندن للاقتصاد، ببرونسيواف مالينوفسكي، وبتشارلز غابرييل سيليغمان، مؤسس وصف الأعراق البشرية لدى السوادنيين. كان أول عمل ميداني لبريتشارد في عام 1926 مع شعب الأزاندي الذي يقطن أعالي نهر النيل، وأسفرت دراسته لهذا الشعب عن حصوله، في عام 1927، على درجة الدكتوراه، وعن إصداره لكتاب الشعوذة والعرافة والسحر عند شعب الأزاندي الكلاسيكي في عام 1937. واصل إيفانز بريتشارد إلقاء المحاضرات في كلية لندن للإقتصاد وإجراء الأبحاث على شعب الأزاندي، وعلى منطقة البونغو حتى عام 1930، حين بدأ مشروعًا بحثيًا جديدًا حول قبائل النوير.
تزامنت دراسته لقبائل النوير مع تعيينه في جامعة القاهرة في عام 1932، حيث ألقى سلسلة من المحاضرات عن الدِين الذي تحمل تأثير سليغمان. استمر بريتشارد، بعد عودته إلى أكسفورد، بالعمل على أبحاثه حول قبائل النوير. التقى خلال هذه الفترة وللمرة الأولى بكل من ميير فورتيس وألفيرد رادكليف براون. بدأ بريتشارد العمل على تطوير برنامج رادكليف براون حول الوظائفية الهيكلية. نتيجة لذلك، أصبحت ثلاثية أعماله حول النوير (شعب النوير، ودين النوير، والقرابة والتزاوج عند شعب النوير) إضافة إلى المجلد الذي اشترك في تأليفه والذي حمل عنوان الأنظمة السياسية الأفريقية تُعتبر مؤلفات كلاسيكية في علم الإنسان الاجتماعي البريطاني. يعتبر كتاب الشعوذة والعرافة والسحر عند شعب الأزاندي لإيفانز بريتشارد أول إسهام أنثروبولوجي رئيسي في علم اجتماع المعرفة من خلال موقفه المحايد –قد يقول البعض بأنه موقف «نسبوي»– من «صحة» معتقدات شعب الأزاندي حول السببية. ركز عمل بريتشارد على التأثير النفسي المشهور والمعروف باسم نظرية العزو. وثّق إيفانز بريتشارد نزعات الأزانديين إلى تبرير مختلف أنواع الأحداث السيئة بالسحر، وتعتبر حادثة مقتل ثمانية أشخاص من شعب الأزاندي جراء انهيار أحد الأبنية بفعل غزو النمل الأبيض لإطار الباب، واحدة من أهم الأمثلة على ذلك. أصبح العمل التجريبي لإيفانز بريتشارد في هذا السياق معروفًا من خلال فلسفة العلوم والمناقشات «العقلانية» التي اشترك فيها في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين مع توماس كون وبول فايراباند بشكل خاص.
خدم إيفانز بريتشارد، خلال الحرب العالمية الثانية، في إثيوبيا وليبيا والسودان وسوريا. عمل في السودان على تشكيل قوات غير نظامية من شعب أنواك للضغط على الإيطاليين وللمشاركة في حرب العصابات. عُيّن بريتشارد، في عام 1942، في الإدارة العسكرية البريطانية في إقليم برقة بشمال أفريقيا، وألّف بناءً على تجربته في تلك المنطقة كتاب سنوسيّ برقة. أصبح بريتشارد من خلال توثيقه للمقاومة المحلية الليبية للاستعمار الإيطالي، أحد المؤلفين الأوائل الذين كتبوا عن الطرق الصوفية.