علم الإنسان الاجتماعي

علم الإنسان الاجتماعي أو الأنثروبولوجيا الاجتماعية (بالإنجليزية: Social Anthropology) هو من ضمن الفروع الأربعة أو الخمسة التي تؤلف علم الإنسان والذي يدرس كيفية تصرف البشر المعاصرين في مجموعات اجتماعية. وهو الدراسة الشاملة للثفافات و المجتمعات على امتداد العالم، على الرغم من أنها فى الأصل كانت تميل إلى التركيز على المجتمعات غير الغربية التى كان يطلق عليها "المجتمعات البدائية".

غالبًا ما يقوم باحثو علم الإنسان الاجتماعي بإجراء دراسات ميدانية طويلة الأمد ومكثفة (بما في ذلك الدراسات القائمة على ملاحظات المشاركين) والتنظيم الاجتماعي لشخص معين: والعادات والوضع الاقتصادي والمنظمات السياسية والقانون وتسوية النزاعات وأنماط الاستهلاك والصرف والقرابة وبنية الأسرة والعلاقات بين الجنسين وتربية الأطفال والتنشئة الاجتماعية والدين, وهلم جرًا.

وكذلك يبحث علم الإنسان الاجتماعي في دور معاني الحياة الاجتماعية وأوجه الغموض والتناقض بها وأنماط النشاط الاجتماعي والعنف والنزاع; والمنطق الكامن وراء السلوك الاجتماعي. ويتم تدريب علماء الأنثروبولوجيا الاجتماعية على تفسير السلوك القصصي والشعائري والسلوك الرمزي، ليس كمجرد نص, ولكن متصلاً ومتعلقًا بالعمل والممارسة والسياق التاريخي الوارد به. ويحلل علماء الأنثروبولوجيا الاجتماعية تنوع المواقف ووجهات النظر التي يمكن العثور عليها في أي مجموعة اجتماعية.

توجد أقسام لعلم الإنسان الاجتماعي في الجامعات في جميع أنحاء العالم. ويتطور مجال علم الإنسان الاجتماعي بطرق غير متوقعة من قبل مؤسسيه، على سبيل المثال في المجال الفرعي الأساس والديناميكا.

ويعتبر علم الإنسان الاجتماعي هو الجزء الأهم من علم الإنسان في جميع أنحاء المملكة المتحدة ورابطة الشعوب البريطانية والعديد من دول أوروبا، حيث يتميز عن علم الإنسان الثقافي. ففي الولايات المتحدة الأمريكية يندرج علم الإنسان الاجتماعي عمومًا ضمن علم الإنسان الثقافي أو تحت المسمى الجديد نسبيًا لـ علم الإنسان الثقافي الاجتماعي، والذي ظهر أولاً في الأدب في خمسينيات القرن العشرين، وظهر على نحو أكثر تواترًا منذ أواخر الستينيات. أما اليوم فيوجد العديد من المتخصصين في علم الإنسان الاجتماعي والثقافي وبعض ممن دمجوا التخصصين في معظم معاهد علم الإنسان. ولذلك فالأسماء الرسمية للوحدات المؤسسية لم تعد تعكس بالضرورة المحتوى الكامل للمناهج التي بداخلها. وقامت بعض هذه المؤسسات، مثل معهد علم الإنسان الاجتماعي والثقافي (أكسفورد) بتغيير اسمها لتعكس التغيير في بنيتها، وقامت مؤسسات أخرى، مثل معه علم الإنسان الاجتماعي في جامعة كينت باختصار اسمها ليصبح معهد علم الإنسان. واحتفظ معظمها بالاسم الذي تأسست به.

التركيز الموضوعي والممارسة

تميز علم الإنسان الاجتماعي عن موضوعات أخرى مثل الاقتصاد أو العلوم السياسية من خلال مداه الشمولي والاهتمام الذي يوليه للتنوع الشامل في المجتمعات والثقافات في جميع أنحاء العالم، والقدرة التي يكتسبها هذا التخصص لإعادة النظر في الافتراضات الأوروبية الأمريكية. ويختلف هذا العلم عن علم الاجتماع، سواء في أساليبه الرئيسية (بناء على الملاحظة طويلة المدى للمشاركين و الكفاءة اللغوية)، والتزامه بالموضوع والوضوح من خلال الدراسات الدقيقة. ويمتد هذا العلم إلى ما هو أبعد من الظواهر الاجتماعية المحددة إلى مناحٍ أخرى مثل الثقافة والفن والفردية والإدراك. ورغم أن العديد من المتخصصين في علم الإنسان الاجتماعي يستخدمون أساليب كمية (وبخاصة من يتعاملون في أبحاثهم مع موضوعات مثل الاقتصادات المحلية أو علم السكان أو علم البيئة البشرية, أو الإدراك أو موضوع الصحة والمرض),إلا أن المتخصصين في علم الإنسان الاجتماعي يؤكدون بصفة عامة على التحليل النوعي المقترن بالعمل الميداني طويل المدى أكثر من التحليل النوعي للدراسات المسحية والاستطلاعات والزيارات الميدانية الوجيزة التي يستخدمها أغلب الاقتصاديين أو علماء الاجتماع.

التخصصات

تحولت التخصصات داخل علم الإنسان الاجتماعي مع التغيير الذي طرأ في موضوعاتها الدراسية ومع ظهور نماذج فكرية جديدة؛ ويعد علم الموسيقى وعلم الأجناس البشرية الطبية مثالين للتخصصات الحالية واضحة المعالم.

وتشتمل الجوانب الأكثر حداثة والمنبثقة حاليًا من علم الإنسان الاجتماعي على العلاقة بين التنوع الثقافي والاكتشافات الجديدة في التطور المعرفي والمفاهيم الاجتماعية والأخلاقية للتقنيات الجديدة والأشكال الحديثة لبنية الأسرة وغيرها من الأطر الاجتماعية الجديدة لمفاهيم القرابة والانتشار الاجتماعي المستمر لانتهاء مفاهيم مثل اشتراكية الدولة والسياسات القائمة على التدين والتحليل الدقيق للثقافات والمساءلة.

وقد انتعش هذا الموضوع بفضل مناهج التخصصات الأخرى، بل ودعم علوم مثل الفلسفة (علم الأخلاق والظاهراتية وعلم المنطق)وتاريخ العلوم والتحليل النفسي واللغويات.

الاعتبارات الأخلاقية

يشتمل هذا الموضوع على أبعاد أخلاقية وانعكاسية. وقد أوضح المحللون أسلوب إدراك الطريقة التي يبتكر بها العلماء الموضوعات لدراستها والطرق التي قد يساهم من خلالها علماء الأنثروبولوجيا أنفسهم في عمليات التغيير في المجتمعات التي يدرسونها. وهناك مثال على ذلك وهو تأثير الهاوثورن، الذي يشير إلى أن الخاضعين للدراسات قد تتغير سلوكياتهم في الاستجابة كرد فعل لإدراكهم أنهم خاضعون للمراقبة والدراسة.

معلومات تاريخية

نشأت الأنثروبولوجيا نتيجة حب استطلاع الثقافات الأخرى التى وصفها المستكشفون والتجار وأعضاء البعثات التبشيرية منذ أواخر القرن الخامس عشر فصاعداً. وقد برزت الأنثروبولوجيا كدراسة علمية منظمة منذ منتصف القرن التاسع عشر، حيث تأسست الجمعيات العلمية فى كل من فرنسا والولايات المتحدة و انجلترا وألمانيا.

يوجد لعلم الإنسان الاجتماعي جذور تاريخية في عدد من المناهج في القرن التاسع عشر، بما في ذلك علم الأعراق ودراسات الفلكلور والأدب الكلاسيكي، وغيرها. (انظر تاريخ علم الإنسان.) ظهرت البادرة الأولى لهذا العلم في عمل إدوارد بيرنت تايلور (Edward Burnett Tylor) وچيمس چورج فريزر (James George Frazer) في أواخر القرن التاسع عشر وتعرض للكثير من التغييرات في كل من الأسلوب والنظرية في الفترة من 1890-1920 مع تأكيد جديد على العمل الميداني الأصلي والدراسة المتكاملة طويلة المدى للسلوك الاجتماعي في البيئات الطبيعية وإدخال النظرية الاجتماعية الفرنسية والألمانية.

منذ العشرينيات وحتى الأربعينيات من القرن العشرين

تأسس علم الإنسان الاجتماعي الحديث في بريطانيا في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية بعد الحرب العالمية الأولى. واشتملت تأثيراته على الثورة الميثودولوجية التي مهد لها العمل الميداني المرتكز على العمليات لـبرونيسلاف مالينوفسكي (Bronisław Malinowski) في جزر تروبرياند في ميلانيزيا في الفترة من 1915 و1918 و البرنامج النظري لـ ألفريد رادكليف براون (Alfred Radcliffe-Brown) لتنظيم المقارنة المنهجية التي تعتمد على مفهوم العمل الميداني الدقيق ومفهوم النسق الاجتماعي لـعلم الاجتماع لـدوركايم (Durkheim).

أكد برونسيلاف مالينوفسكي (Bronislaw Malinowski) أحد أهم العلماء البارزين في علم الإنسان الاجتماعي البريطاني، على أهمية العمل الميداني طويل المدى والذي يعمل فيه علماء الأنثروبولوجيا مع العامة وينخرطون بأنفسهم في الممارسات اليومية للسكان المحليين. وتعززت هذه التطورات من خلال طرح فرانز بواس (Franz Boas) لنظرية المذهب الثقافي النسبي والتي ترجح أن الحضارات تعتمد على أفكار مختلفة حول العالم ويمكن إدراكها بصورة صحيحة فقط من خلال إدراكها من منظور المعايير والقيم الخاصة بها.

ومن المفكرين المؤسسين لهذا المجال أيضًا وليام هالس ريفرز (W. H. R. Rivers) و ألفريد هادون كورت (A. C. Haddon), الذي عكس وجهة نظر الباراسيكولوجيا المعاصرة لـ فيلهلم فونت (Wilhelm Wundt) وأدولف باستيان (Adolf Bastian) والسير إدوارد بيرنت تايلور (E. B. Tylor)، الذي عرف علم الإنسان بالعلم الوضعي بعد أوغست كومتي (Auguste Comte). وعرف إدموند ليتش (Edmund Leach) في عام 1962، علم الإنسان الاجتماعي بأنه نوع من علم الاجتماع الدقيق المقارن الذي يعتمد على الدراسات الميدانية المكثفة. ولم يستقر العلماء على رأي موحد ونظرية حول طبيعة العلم والمجتمع، وتعكس آراؤهم وجهات نظر متعارضة بشدة.

ومن أقدم نظريات الأنثروبولوجيا النظرية التطورية. فقد قدم عالم الأنثروبولوجيا البريطانى إدوارد تايلور نظرية فى التطور الاجتماعى تقترح مراحل تطورية تبداً بالأنيميزم (المذهب الحيوى، أو إضفاء الروح والحياة على كل شئ) (انظر التوتمية)، إلى المرحلة الدينية أو التوحيدية. وذهبت بعض النظريات التطورية الأخرى فى القرن التاسع عشر إلى أن المجتمعات البدائية تعتبر بقايا للماضى البعيد فى مدرج التقدم. أما العادات التى بدت مستعصية على الفهم فقد فسرت على أنها "رواسب" من عهود سابقة. ومع نهاية القرن التاسع عشر حلت نظريات الانتشار و الهجرة محل نطرية التطور الاجتماعى بآرائها المتضاربة فى تحديد مراحل تطور الجماعات الإنسانية. وقد تم توضيح أوجه الشبه أو الاختلاف بين الثقافات على أساس أنها ترجع إلى اننشار التأثيرات من بعض الثقافات أو إلى هجرة الناس من مجتمع لآخر.

وقد شجع أصحاب نظرية الانتشار على التجميع التراكمى للعادات المختلفة من أجل عقد مقارنات عامة بينها على مستوى العالم، على الرغم من أنه أصبح من المعروف الأن للكافة أن تلك المقارنات محفوفة بالصعوبات نظرا لعدم وجود اتفاق حول تعريفات مشتركة أو عامة للظواهر الثقافية التى يمكن أن تعقد المقارنات حولها. وقدرأى برونيسلاو مالينوفسكى مع بدايات القرن العشرين أنه يجب تفسير العادات فى ضوء وظائفها الحالية، على الرغم من اعتراضات علماء الأنثروبولوجيا بعد الحرب العالمية الأولى على فجاجة الاتجاه الوظيفى، وتفضيلهم -بدلا من ذلك- ثفسير الممارسات الثقافية فى ضوء معناها الحالى فى نظر ممارسيها. وقد رأى بعض أصحاب الاتجاه البنائى من أمثال كلود ليفى شتراوس أن أوجه الشبه بين بعض الثقافات يجب تفسيرها فى ضوء العدد المحدود من الخيارات المتاحة أمام الإنسانية (التى تحقق التشابه)، وليس فى ضوء الاتصال المباشر بين المجتمعات (الذى يؤدى إلى تناقلها).

وقد صاحب هذا المتحول فى النظرية الأنثروبولوجية ثورة مناظرة فى طرق البحث. ويعد جيمس فريزر أبرز ممثلى التراث القديم فى الأنثروبولوجيا التى تعتمد على التأمل والتحليل المكتبى، والذى حاول من خلال أعماله أن يؤلف بين المعلومات المتباينة والمتنوعة والتى جمعها علماء آخرون من شتى أنحاء العالم، ويصيغ من خلالها نظرية تخمينية أو افتراضية حول أصول الثقافة. ثم حدث بعد ذلك أن بدأ الأنثروبولوجيون المتخصصون يتحولون -مع بداية القرن العشرين-من الاعتماد على الشواهد المستمدة من أعمال الآخرين، إلى الاعتماد على نتائج دراسات أجروها هم أنفسهم. فقد زار فرانز بواس قبائل الاسكيمو فى كندا، كما زار تشارلز سليجمان (عاش من ١٨٧٣ حتى ١٩٤٠) غينيا الجديدة. وفيما عدا حالات استثنائية محدودة، فإنه تم جمع البيانات من خلال مقابلات مقننة وبمساعدة معاونين (مترجمين)، مما أدى إلى مواجهة مشكلات الترجمة وحرم الباحثين من الحصول على الآراء والمواقف الخاصة من أفواه المبحوثين أنفسهم. من هنا يحسب لماليتوفسكى ما حققه من تحول جذرى فى المنهج. فمنذ منتصف العشرينيات بدأ الأنثروبولوجيون -تأثراً بمالينوفسكى- يتشجعون على الإقامة لمدة سنة كاملة أو أكثر بين السكان الذين كان عليهم أن يتعلموا لغتهم. وقد تم التركيز على علاقات التفاعل بين الجوانب المختلفة للثقافة أو البناء الاجتماعى وبالتالى الابتعاد عن التاريخ التخمينى أو الظنى، وخاصة حيث لم يكن هناك أية مصادر مكتوبة. وقد تحول الاتجاه بعيداً عن المقارنة الواسعة النطاق بين عناصر ثقافية لتقافات مختلفة بمعزل عن السياق العام لكل منها، وساد بدلا من ذلك الاتجاه نحو التحليل الكلى و الشامل لثقافة واحدة بواسطة الباحث المتخصص الذى يجمع البيانات بنفسه من الميدان.

منذ الأربعينيات وحتى الثمانينيات من القرن العشرين

بعد الحرب العالمية الثانية, تشعب علم الإنسان الثقافي الاجتماعي من خلال مجالي الإثنوغرافيا وعلم الأعراق إلى المدرسة الأمريكية في علم الإنسان الثقافي بينما تنوع علم الإنسان الاجتماعي في أوروبا من خلال تغيير مبادئ النسق الاجتماعي، واستقى أفكاره من نظرية الهيكلة لـكلود ليفي شتراوس (Claude Lévi-Strauss) ومن مدرسة مانشستر لـماكس غلوكمان (Max Gluckman)، واشتمل كذلك على دراسة النزاع والتغيير وعلم الإنسان الحديث وشبكات المعلومات. وخلال تلك الفترة شارك غلوكمان كذلك في الخلاف مع عالم الأنثروبولوجيا الأمريكي بول بوهانان (Paul Bohannan) حول علم الأعراق الموضوعي ضمن الدراسة الأنثروبولوجية للقانون. وكان يرى أنه يجب ترجمة المصطلحات القومية التي تستخدم في بيانات علم الأعراق إلى مصطلحات قانونية باللغة الإنجليزية الأمريكية حتى تفيد القارئ. وتأسست جمعية علماء الأنثروبولوجيا الاجتماعية في المملكة المتحدة ورابطة الشعوب البريطانية في عام 1946.

منذ ثمانينيات من القرن العشرين وحتى الآن

تأسست الجمعية الأوروبية لعلماء الأنثروبولوجيا الاجتماعية (الجمعية الأوروبية لعلماء الأنثروبولوجيا الاجتماعية) في عام 1989 كجمعية تضم الباحثين في لقاء الأعضاء المؤسسين من الأربعة عشر دولة أوروبية، بدعم من [http://www.wennergren.org/ مؤسسة وينر جرين للبحث الأنثربيولوجي.] تسعى الجمعية إلى تطوير أبحاث علم الإنسان في أوروبا من خلال تنظيم مؤتمرات كل عامين ومن خلال تحرير مجلتها الأكاديمية، علم الإنسان الاجتماعي/الأنثروبولوجيا الاجتماعية. تهدف أقسام علم الإنسان الاجتماعي في الجامعات المختلفة إلى التركيز على الجوانب المختلفة في المجال. على سبيل المثال، يهتم برنامج علم الإنسان الاجتماعي التابع لجامعة هارفارد بقضايا العولمة والعنف العرقي والدراسات المتعلقة بالجنس والقوميات المترابطة والتجربة المحلية والثقافات الناشئة للفضاء الافتراضي على الإنترنت. ومن الممكن أن يساعد علماء الأنثروبولوجيا على تجميع شمل الخصوم معًا عندما ينشب خلاف بين الاهتمامات البيئية مع التطورات الاقتصادية.

الأنثروبولوجيا الاجتماعية المعاصرة

فى بريطانيا توجد الأنثروبولوجيا الاجتماعية المعاصرة مستقلة عن الدراسة المتخصصة للجوانب البيولوجية للبشر. فالأنثروبولوجيا الفيزيقية أصبحت مهتمة بعلم الحفريات Palaeontology، وعلم الوراتة، بل ودراسة الرئيسيات. وقد كانت الأبعاد الفيزيقية والاجتماعية أكثر ارتباطاً بعضها بالبعض الآخر فى الأنثروبولوجيا الاجتماعية خلال القرن التاسع عشر، حيث ساد اعتقاد خاطئ بأن المجتمعات البدائية الموجودة حالياً فى حالة أدنى على مقياس التطور في بعديه الفيزيقى والاجتماعى معا. وبصفة عامة ترتبط هوية الأنثروبولوجيا الاجتماعية البريطانية ببعض الشخصيات العلمية البارزة، مثل مالينوفسكى ورادكليف براون، وكلاهما قد تأثر بإميل دوركايم. وعلى الرغم من أن اتجاههما الوظيفى لم ينل تقديرا كبيرا، فإنهما تركا تراثا قيما من الدراسات التى أجرياها على المجتمعات بطريقة كلية منظمة. وقد سعى علماء المدرسة البريطانية فى الأنثروبولوجيا إلى إنجاز دراسات علمية فى مجتمعات محددة وعن موضوعات محددة (مونوجرافية) عن السياسة والقرابة والدين والاقتصاد. وهم لم يعطوا أولوية خاصة لمجال أو نطاق معين. فبعض علماء الأنثروبولوجيا الماركسيين أعطوا أولوية لنمط الإنتاج، و البعض الآخر أفاض فى توضيح قوة الشعائر والرموز الاجتماعية دون أن يعترض بالضرورة على أولوية أو أهمية الاقتصاد وعلاقات القوة.

وعلى خلاف ذلك، مازال علم الأنثروبولوجيا فى الولايات المتحدة الأمريكية يدرس فى الجامعات كعلم واحد متكامل. وتعد الأنثروبولوجيا الثقافية هناك هى أقرب مناظر للأنثروبولوجيا الاجتماعية البريطانية، وهى ترتبط فى هويتها أيضا بأسماء مثل بواس وروث بندكت ومارجريت ميد. على حين نجد فى مناطق أخرى من أوروبا أن الإثنولوجيا تشتمل على البعدين الجغرافى والتاريخى كما أصبحت تغطى ميدان الفولكلور.

وقد طورت الأنثروبولوجيا الاجتماعية المعاصرة مدخلا يصلح لدراسة أى منطقة، سواء كانت غربية أو غير غربية، وذلك بطريقة متميزة لها قواعدها الواضحة. فهى ترفض نزعة التمركز حول السلالة باستعدادها لإجراء مقارنات بين الثقافات، ومع ذلك فهى تتبه إلى إمكانية وجود عموميات متشابهة فى كل الثقافات. كما أن تطبيق الملاحظة بالمشاركة على امتداد فترة زمنية طويلة أصبح الآن أمرا مقننا. وتهدف الأنثروبولوجيا الاجتماعية الآن إلى التعريف بالثقافات الأخرى وجعلها مألوفة، فى الوقت المذى تستحث فيه الأنثروبولوجى على أن ينظر إلى ثقافته الخاصة على أنها غريبة، بإثارة الحاجة الى إعادة تفسير كل مايبدوله مفهوماً اومسلماًبه فى ثقافته. وقد ابتعدت الأنثروبولوجيا منذ فترة طويلة عن التركيز على المجتمعات الأمية إلى دراسة المجتمعات المتعلمة (المتحضرة)، و إلى دراسة المناطق التى تنتشر فيها الديانات العالمية (أي اليهودية والمسيحية وافسلام). كما وسعت من نطاقهابحيث أصبحت تدرس وبطريقة منظمة الجماعات الفلاحية و الحضرية، كما تهتم بدراسة الجماعات والفئات المحرومة من القوة، وتلك التى تملك القوة، وتدرس المجتمعات الرأسمالية بشتى أنواعها. وأصبح الأنثروبولوجيون أكثر وعياً بسياسات البحث الأنثروبولوجى عقب كفاح المستعمرات السابقة من أجل الاستقلال، وبعد حرب فيتنام، وسياسات التحرر فى أواخر الستينيات. وقد كان تأثير الطابع الاقتصادى للماركسية ضعيفاً فى دراستهم للمجتمعات قبل الرأسمالية. وقد غذت الحركة النسوية الجديدة ميدان الدراسة التقدية لأدوار الجنسين فى الثقافات المختلفة. كما أجريت دراسات على المجتمعات الشيوعية و الاشتراكية بواسطة علماء أنثروبولوجيا غربيين، وحدث نمو ملحوظ فى عدد الأنثروبولوجيين الوطنيين (المحليين) وغير الغربيين. وتعاظم استخدام السجلات التاريخية لتعزيز دراسة التراث الشفاهى. وأثيرت التساؤلات حول النظر الى دور الأنثروبولوجى كملاحظ خارجى منفصل عن المجتمع الذى يدرسه، واعتبر فى بعض الحالات أن زيادة الوعى بالذات لدى الأنثروبولوجى يمكن أن يكون حلاً للمشكلة. وقد تم تسليط الضوء على التعصب العنصرى كمقابل لتزعة التمركز حول السلالة. و أصبح نمط الكتابة الأنثروبولوجية -بسبب محتواها فقط- عرضة لعمليات التجريب. وقد بداً استخدام التراث الأدبى و الإنسانيات فى تعزيز إعادة تشكيل أو تركيب الخبرات المشتركة بين الثقافات. وفى نفس الوقت لازال البعض يركز على المكانة العلمية لهذا العلم. والواقع أنه فى ظل هذه الاتجاهات والمداخل العديدة لا يمكن الحديث عن الأنثروبولوجيا كعلم واحد، إلا أته لازال ينمو ويزدهر فى جامعات أوربا وأمريكا الشمالية.

علم النفس الاجتماعي وعلم الاجتماع

هناك نقاط اتصال هامة بينها وبين علم الاجتماع، ولكن هناك أوجه اختلاف بينهما أيضاً. فمن الناحية التاربخية اتجه علم الاجتماع إلى دراسة المجتمعات الغربية، الأمر الذى أدى إلى ظهور اختلافات بين العلمين فى الناحية المنهجية والنظرية، وفى موضوعات الدراسة أيضاً. والأهم من هذا أن علماء الاجتماع الغربين عند دراسة مجتمعاتهم كان يمكنهم أخذ الإطار المجتمعى فى اعتبارهم كأمر مسلم به قبل تحديد بعض جوانب تلك المجتمعات كفروض لبحوثهم الإمبيريقية. أما علماء الأنثروبولوجيا الاجتماعية فهم على العكس من ذلك لم يكن لديهم ما يأخذوه كامر مسلم به، بسبب غربتهم عن تلك المجتمعات - البدائية - التي كانوا بصدد دراستها، وبالتالى فقد تبنوا منهجاً كلياً (اتظر: النزعة الفردية) دون أن يصيغوا فروضاً قد تكون غير ملائمة فى ظل أطر مجتمعية غير معروفة لهم.

أبرز علماء الأنثروبولوجيا في مجال علم الإنسان الاجتماعي

الطلاب المشهورون في علم الإنسان الاجتماعي

انظر أيضًا